-->

الفصل الثالث والسبعون - شهاب قاتم

 

- الفصل الثالث والسبعون -

     

ماذا أفعل أنا الذى لم أعد مثلما كنت ؟ ماذا أفعل بكل الذى دخلت فيه و رأيته فحفر قلبى وباطنى ونفسى ؟ وماذا أفعل بهذه الحقيقة المرة التى تأكدت لى ؟

هل أغرقها فى نفسى وطياتها و أقفز من فوق هذه الهوة الهائلة التى تفصلنى عنى أنا القديم ؟

أم أترك نفسى تغرق فى مرارة حزن هذا الفهم المفجع ؟

وهل تبقى فى نفسى طيات تحتمل أن تطوى شيئاً من بعد ما رأيت ؟

(عز الدين شكري فشير)

     

ملحوظة هامة

الأدلة مُرفقة بالأسفل على زواج الملحد التائب + عدم قبول التوكيل العام في حالات الزواج والطلاق + حكم الصيام

     


مساءًا نفس الليلة..

منذ أن استيقظت وانتهت من تلك الدوامة اللانهائية من مُسكنات ونوم وإفاقة .. متى آخر يوم تتذكره؟ بأي عام هي الآن؟ أسئلة عديدة من الأطباء كي يتأكدوا من سلامة عقلها! 

لقد آتت اختها التي باتت تحمل طفلًا.. والدته الأخرى معه تشدد من آزره وهي تربت على كتفيه بين الحين والآخر.. ومهلًا.. لقد فسر لها الأطباء ما حدث لها!

فقدت جزءًا من رئيتيها بسبب الرصاصة التي تلقتها وكان عليهم أن يستئصلوا الجزء التالف، تعرضت لغيبوبة لكثرة النزيف الذي تعرضت له وقلة الأكسجين الذي لم يصل لرأسها ومخها، فقدت وقتها الكثير من الدماء، واستعدادها النفسي ووهنها الجسدي قبل التعرض للإصابة، كل الأسباب اجتمعت وهيئتها للدخول في ثُباتٍ قوي!

لماذا لم تمت؟ لماذا لم يحدث؟ ما الذي ستعيش من أجله؟ هذا الرجل الحقير؟!..

إلي أين تأخذها علاقته معها؟ إلي أين تتجه بصحبة هذا الرجل؟ المانيا.. أهذه البلد ستكون بيتًا لهم، ربما ايطاليا، هل سيعود لها؟ أو ربما سيعودا إلي مصر بأحدى بيوته العديدة التي لا حصر لها! أين تذهب؟ ما الذي يحدث لها بتلك الحياة البائسة؟

منذ أن استعادت وعيها وهو يقبع بأحدى أركان الغرفة ينظر لها نظرات خوف وصمته لا يتوقف.. صمت دائم وعبرات تنهمر على وجهه! أيظن هو الآن أن بكائه وتلك المشفى سيُقنعاها أن الأمر تغير؟

لا تنفك تتذكر كلمات "فريدة" معها بقص كل ما حدث اثناء فترة غيبوبتها التي استمرت لحوالي شهران من الزمن، من احضاره لأُسرته ولها، من تصفية الكثير من اعماله واستغراب "هاشم" لذلك كثيرًا.. من مظهره المتألم.. لوهلة لانت شفتاها بسخرية وهي تتذكر جُملة قالتها بودٍ شديد:

- ده بيحبك اوي يا فيروز، تفتكري لو حصلي كده هاشم هيتضايق اوي كده علشاني؟! 

يعشقها! يا لها من مُزحة غير مستساغة، دعابة سخيفة، نُكتة تجعلها تود الضحك إلي المالانهاية حتى تُزهق روحها وتلاقي حتفها! يعشقها.. يا للسخرية! 

كانت تتمنى أن تتحدث إلي "معاذ" كي تستطيع أن تعرف ما إن كان التوكيل الذي تملكه سيساعدها على تطليق نفسها ولكن أسفل انظاره التي باتت تُصيبها بالغثيان لم تعد تأمن ما قد يفعله! 

تشعر وكأن كل شيء يُعاد، تكرار مرير لحياتها معه، دائرة مغلقة من نفس القصة الكئيبة.. تذكر أنها منذ شهور قد صدمتها سيارة ودخلت في حالة من فقدان للوعي.. استيقظت وقتها لتجده بنفس الملامح، بنفس الشعر الطويل غير الحليق، ربما كانت ذقنه اقصر قليلًا لتغير مُدة غيبوبتها وشعره اقصر عدة إنشات! 

يبكي.. يتعهد كما الناسك بالتغير.. وسرعان ما يُعرضه القدر أن ينقض عهده.. ويا لخيبتها، وقعت في براثن علاقة مميتة برجل لديه قدرة على الإقناع لا يملك مثلها رجلًا تعاملت معه من قبل!

يا تُرى ما تفسيراته هذه المرة؟ ويا ترى كيف سيوضح اعتذاره؟ وعودًا أم بُكاءًا وتمثيلية من الندم الزائف؟!

هيا أيها الكاذب، لنجعلها أغنية جديدة من أغاني حياتنا البائسة، ستشدو مُعبرًا عن الأفئدة النازفة بداخلنا بعشق من الخناجر المسممومة.. 

أريدك اليوم أن تكتب بتلك العبرات المتحجرة بعينيك كلمات انشودتك الجديدة.. فأنا اتوقع منك أن تطرب اذناي بالمزيد من كم ستتغير وكم أن كل شيء سيُصبح أفضل.. وربما تضيف ألحانًا من دورها ستُشجي المرأة التي تُخدع بسهولة بداخلي.. 

سأصفق لك، وسأبكي من فرط الإبداع على ما برعت به، سترتسم ملامحي بالحزن من كل كلمةٍ تغنيت بها، وسأصدق بكل ما أملك من قدرة على التصديق أن ما ارتجف به صوتك وهمست به شفتاك ما هو إلا صورة من صور العشق الزائف والكذب المحض.. 

تتوقف للحظة.. هل تريد أن تعرف ما أظن؟! لن أقول لك ما رأيي وأنا انظر لك في تعاطف هائل إليك.. لن اتكلم.. تلتفت أنت لتذهب جالسًا منتظر أي إشارة، إيماءٍ بالقبول أو الرفض، همس أو ربما نظرة وحيدة لتعبر عما أشعر به نحوك الآن!

حسنًا سأخبرك.. سأكتفي بالنقد وأنا اتلمس بأناملي مذياع الحياة لأُخفض صوت تلك الأغنية الركيكة التي لم تلق إعجابي، ولا تصديقي ولا شفقتي.. فكل ما كنت افعله وأنا استمع لك لم يكن سوى تمثيلية رخيصة من دورها أن تخدعك مثل ما خدعتني أنت! 

نظفت حلقها وهي تحاول استجماع قدرتها على التعامل معه وهي بالكاد تحاول أن تضع ذكرياتها المريرة معه في اعماق عقلها ألا تتذكرها الآن لأنها لو فعلت ستضعف وهي لا تريد ذلك، الضعف لن يُسفر سوى عن ضياعها معه، وهي لن تخسر المتبقي من حياتها بالنظر إلي وجه القاتل الذي يحرق ضحاياه، رجل المافيا الذي لن يكف عن إجرامه، والمريض الذي لا علاج له! 

رطبت شفتاها ونظرت إلي عينيه بعسليتين فارغتين من أي تعابير ونادته:

- شهاب

ابتلع طعم دموعه المالحة وجفف وجهه وهو يجلس بعيدًا عنها ثم همس بصوتٍ متحشرج:

- نعم

تناولت نفسًا عميق ثم زفرته ليتوجس بداخله فلطالما اعتاد أن فعلتها تلك تُسبق دائمًا قولًا لن يُعجبه فابتسم نصف ابتسامة وهو يتفقدها في عشق جم لمع بعينيه مصاحبًا لبريق عبراته المكتومة التي فرت احداها بغتة فجففها سريعًا لتضيق ما بين حاجبيها في تعجب من فعلته فهو يبتسم ويبكي بآن واحد فسألته:

- ايه المُضحك؟! 

ود لو أنه اجابها بأنه اشتاق لأبسط عادتها بتلك الأيام المنصرمة التي شابهت الموت وهي تمر عليه ببطئ مؤلم ينهش في كيانه بأكمله حتى قارب على فقدان عقله، لو تعرف أن ابسط تحركاتها ونظراتها وحتى صراخها ومجادلاتهما قد اشتاق لها حد اللعنة، وأنه تمنى رؤية أي منها واختبارها من جديد كي تجعله يعي أنها بخير ولن تتركه وتذهب، ربما قد يرق قلبها قليلًا له ولكنه اكتفى بإجابة مقتضبة ارتجفت لها شفتاه:

- مفيش.. حاسس إنك بقيتي احسن.. حمد الله على سلامتك..

توسعت عيناها رغمًا عن إرادتها واتضح بهما السخرية اللاذعة ولكنها سرعان ما أخفتهما عن بُنيتيه الحادتان أو هذا ما تود تذكره، كم أن نظراته غير المُريحة كان عليها أن تنتبه لها، كانت تُنقل لها أعماقه القاتمة بشره المترسخ بداخله، لكن تلك الأعين المُنكسرة التي يظهر بها سعادته لتحدثه معها لا تقتنع بها أبدًا..

حمحمت وهي تزجر نفسها ألا تتجاوب معه ثم حدثته في هدوء:

- أنا عايزة ارجع مصر! 

أومأ بالموافقة ورد سريعًا وكأنما حضر تلك الكلمات مُسرعًا:

- هنرجع حاضر.. بس لما اطمن عليكي الأول.. 

رفعت حاجباها في دهشة وكادت أن تنفعل لإهتمامه الشديد بها، تريد الصرخ به، ترغب بشدة في محاضرته لساعات، بل وأيام، من كلمات ساخرة كي تخبره بكم هو كاذب ولكن لا.. لن ينفع هذا الآن! 

عليها البحث عن مدخل جديد لرأس ذلك السيكوباتي، يا تُرى ما هو؟ عليها اتباع نهج جديد للغاية معه، ولكن ما هو؟! ومن أين لها به؟! 

 رطبت شفتاها ثم تحدثت قائلة:

- ممكن نكمل في مصر..

أومأ بالإنكار وتكلم في هدوء بأعين تتملى من ملامحها التي اشتاق لها:

- الدكاترة والمستشفيات في مصر مش زي هنا.. لما اطمن عليكي الأول نبقى نسافر! 

تنهد وهو ينهى نفسه بأعجوبة أن يهرول نحوها كي يأخذها بين ذراعيه في عناق طويل يشتاق له لينهض قائلًا:

- تصبحي على خير..

توجه لتلك الأريكة الموضوعة بغرفتها وتمدد عليها بجسده ثم جذب الغطاء وولاها ظهره لتتوسع عينيها في إندهاش من طريقته الجديدة عليها تمامًا، فلقد توقعت البُكاء والوعود والندم الزائف، ولكن ما يفعله منذ أن استيقظت كان جديدًا عليها تمامًا..

ها هو لا يزال يملك في جعبته ما يُدهشها به ولكنها لن تنخدع لو تلاقت السماوات السبع بأرض الدنيا! فلقد اكتفت لمرات ومرات من تصرفاته المُبتكرة التي لطالما برع في ادهاشها بها .. 

     

بعد مرور ما يُقارب أسبوعان..

بداية أغسطس 2020..

طرقت بأناملها بملامح نفذ صبرها وهي تجلس تحتسي قهوتها بالصباح الباكر بذلك المنزل الذي أُجبرت من جديد على أن تمكث به، والتفسير الآن الذي يُنادي به هو ارادته بأن يطمئن على سلامتها ويريد أن تكون مُهيئة للإنجاب دون مشاكل!! 

لقد فاقت حيلته هذه المرة حد توقعاتها، لا يبكي ولا يتأسف ولا يتشاجر، ولكن الإجبار على تقبل ما لا تريده هي لا يزال موجود، تلاحظ صيامه غير المُنقطع، صلاته المستمرة في اوقاتها المحددة، علمت بشأن تصفية امواله بشكل كبير وتبرعه بها لأكبر المشاريع الخيرية بالدولة، يُعامل كلًا من والدته واختها الماكثتان معهما بأفضل طريقة ممكنة، يغدق على الجميع بالمساعدة والإهتمام، لا ينفك يقرأ بأحدى الكتب الدينية التي لاحظت تراكمها على سطح مكتبه ولكن كل ذلك بالنسبة لها ليس بكافيًا.. 

تجرعت ما تبقى من قهوتها لتحمحم عازمة امرها على التحدث معه وإنهاء هذه التمثيلية الرخيصة التي تعلم أنه سيبررها بأن افعاله هي من تتحدث عنه ونهضت جامعة شعرها للخلف عاقدة له بقوة وتوجهت للغرفة الماكثان بها، فعليها خداع "فريدة" وكذلك والدته بأنهما على ما يُرام ودخلت وأغلقت الباب خلفها لتسير نحو الأريكة النائم فوقها حيث أنه بمنتهى النُبل ترك لها السرير ليُصبح خاصًا بها، يا له من رجل رائع!! 

انتهت من سخريتها بداخلها وتوجهت نحوه ثم لكزته بخفة كي يستيقظ ونادته بصوت عالٍ قليلًا:

- شهاب.. اصحى!

بالطبع لم يستجب من المرة الأولى لنومه الثقيل لتستغفر متمتمة بخفوت ثم رمقته لترى تعرقه الغزير يلتمع على تقاسيم وجهه ولكن لن تأخذها أي شفقة بداخلها حتى ولو رآته يُقتل فلكزته بشدة وهتفت به:

- شهاب! 

فتح عينيه عاقدًا لحاجباه ونظر إليها في استغراب لثوانٍ وهو يحاول أن يدرك ما الذي يحدث حوله ثم نهض جالسًا وحدثها بنعاس مستفسرًا:

- فيه إيه يا فيروز؟ انتي كويسة؟ 

تناولت نفسًا مطولًا وزفرته وهي تنظر له برماديتين حازمتين واخبرته في هدوء:

- أنا عايزة انزل مصر مع فريدة! حرام يعني تفضل مقطوعالي وقاعدة هنا وأنا بقيت كويسة وممكن اكمل اي علاج لما نرجع.. 

أطلق زفرة متأففًا ثم مسح اثار النوم من على وجهه ليحمحم مبتلعًا وهو يحاول التغلب على العطش الذي اصبح الآن شيئًا تلقائيًا بالنسبة له وحدثها بصوتٍ مُرهق:

- اقعدي يا فيروز هنتكلم! 

جلس القرفصاء في انتظارها كي تجلس بجانبه لتشعر بالغضب منه فأشرأب إليها وقد بدأ في الإفاقة لتتردد هي لبرهة ثم جلست على مضض بجانبه على الأريكة ولكن على مسافة مقبولة ونظرت إليه ملتفتة بوجهها لتقول:

- اديني قعدت.. الحِجة إيه المرادي؟

عقدت ذراعيها في تحفز وهو ينظر لها متابعًا اياها بعينيه وقبل أن يطنب بالمزيد من صمته همس بها متسائلًا بعد أن تنهد بعمق:

- هو احنا ابتدينا ازاي؟ عرفنا بعض ازاي؟ 

أعادت رأسها للخلف وهي تُغلق عينيها تعتصرهما في نفاذ للصبر ثم التفتت له بأعين غاضبة واجابته بحنق:

- عايز تقولي إني كذبت عليك وبدر الدين الخولي ونعيده تاني.. حاضر كذبت عليك و..

قاطعها ناظرًا لها بهدوء وتكلم ليوقفها عن الحديث:

- مش ده اللي عايز اسمعه! مش ده قصدي! 

احتدم غضبها من كلماته لتقضم شفتاها في محاولة ألا تصرخ به وتوقظ بصوتها من في المنزل وبدأت في تنظيم نفسها وهي تعد بداخلها بعض الأرقام وبعد أن استطاعت التحكم في قليل من غضبها التفتت بكامل جسدها لتجلس هي الأخرى القرفصاء مثله ونظرت إليه بأعين متفحصة وتكلمت بهدوء متعجبة:

- طيب أنت عايز إيه يا شهاب علشان أنا مبقتش فهماك؟

مسحت نظراته ملامحها وشعر بالسعادة داخله أنها باتت الآن تسأله، تغضب عليه، تتحدث معه، تتلاقى اعينهما، هي حية، لم تعد غائبة عن الوعي مثل تلك الأيام التي بدت بها كجماد وقطعة من فراش مشفى لتدمع عينيه للحظة ولكنه سيطر على عبراته كي لا تتهرب من بين جفنيه وأغلق عينيه يعتصرهما مبتلعًا وعاد ليشاهدها من جديد ثم اجابها: 

- انتي كنتي عايزة تغيريني، تعالجيني وتنجحي معايا.. حبينا بعض.. وأنا وعدتك وطلعت كداب معاكي في كل حاجة.. خليتك تعيشي حياة مش حياتك وتعملي حاجات مش بتاعتك خالص! 

لا انتي بتاعة العصابات والقتل والحرق، ولا انتي الشخصية الإنتقامية اللي عايزة تاخد حقها، ولا انتي الست اللي تتاخد بالإجبار، انتي في يوم حبتيني ووثقتي فيا وانا خنت ثقتك بما فيه الكفاية! 

لانت شفتاها بنصف ابتسامة هازئة وهمست متسائلة بسخرية:

- أنت بتفكرني بخيبتي، وفشلي.. مش كده؟

أومأ لها بالإنكار وابتسم هو الآخر نصف ابتسامة ولكن بعشق شديد عكسها هي وهمس مجيبًا بصوت مهزوز:

- لأ.. بفكرك قد إيه أنا كنت إنسان مش كويس! 

أومأت في تفهم لتقابله بنظرة جامدة من عسليتيها وعقبت بنبرة فارغة من المشاعر:

- تمام.. وأنا بقى مبقتش عايزة الإنسان اللي مش كويس! خلاص كده شطبت محاولات وعلاج وفُرص وتغيير وثقة وحب وحنية وطبطبة! أنت جبت اخري يا شهاب! 

أومأ هو الآخر في تفهم لها وتكلم قائلًا:

- اللي أنا عملته معاكي كان كتير اوي، متستحقيش مني اي حاجة حصلت وانتي كان قصدك ونيتك سليمة معايا! بس المرادي غير كـ..

قاطعته وهي تشير بسبابتها كي توقفه وكلمته بسخرية:

- لا لا.. الإسطوانة دي اتهرست مليون مرة قبل كده!

أومأ لها بالقبول والتصديق على كلماتها وهو يهمهم ثم قال:

- عندك حق.. بس من خمسة وتلاتين سنة الوحيدة اللي شايفها تستحق إني احاول علشانها هو انتي!

كبحت غيظها ونظرت في غير اتجاه بُنيتيه التي باتت تُصيبها بالذعر بما بداخل ذلك الشيطان المُتجسد في صورة بشر ثم فكت شعرها وخللته في عصبية وعادت لتجمعه في عقدة قوية وهو يتابع تحركاتها بأعين مشتاقة لكل ما بها ثم التقت عينيها بخاصتيه في جرأة لتهمس بنبرة من شأنها أن تستفزه:

- وأنا اهو بقولك مستحقش! أنا كدبت عليك.. كدب اهو.. اخلص مني بقى.. ابعد عني.. طلقني أو سبني ارجع مصر مع اختي واعيش اللي باقي من حياتي في هدوء بعيد عن وجع القلب والإستنزاف ده! 

أنا كدابة ومثالية زيادة عن اللزوم وضغطت عليك كتير علشان تتغير بين يوم وليلة وضايقتك ومش بسامح.. بص.. بالسهل الممتنع كده مبقتش عايزاك ولا عايزة الحياة معاك! 

حاول السيطرة على نفسه ألا يغضب ويفعل ما تصوره له تخيلاته الشيطانية بأن يؤلم المرأة الوحيدة التي تُمثل له الحياة بأكملها، لو ترك الآن صوت عقله أن يتحكم بما يُمليه عليه لن يكون هناك طائلًا لكل ذلك العلاج، بداية بكلمات "فيروز" نفسها، وبعدها ذو النظارة القبيحة وهو يُخبره بأنه ربما لم يعشقها بالأساس، مرورًا بذلك الخرف الذي لا يملك شعرة واحدة برأسه، ونهايةً بذو اللحية الكثيفة وزمرديتيه الكريهتان! 

لن يجعل كلماتهم المُحذرة وطبيعة مرضه بأن تنتصر بهذه المُحادثة الآن وإلا سيذهب كل ما فعله في مهب الريح ببضع كلمات تؤلمه! وقد يقع كذلك في مواجهة جديدة مع خالقه وهو يعلم أنه الأقسى بعقابه بين جميع من حوله! لذا وجب عليه الإذعان لتحكمه بنفسه كي لا يُفسد الأمر بأكمله!

رطب شفتاه وهو يحاول أن يُنظم انفاسه وأعينهما لا تنفك عن تبادل شرار الغضب ليتكلم بخفوت:

- لو قولتلك نفس الكلام بتاع زمان يبقى بنعيده تاني، ونفس الدوامة هتتكرر، واللي كنت بعمله وانا بستعطفك وبحاول معاكي بالعياط وإنك تحسي بيا مش ده الحل، ولا ده العلاج، ولا ده اللي هيثبت إني اتغيرت! 

تناول شهيقًا مطولًا وهي خافضة لرأسها رامقة اياه بطرف عينيها بمقلتين جامدتين ليتحدث مُكملًا:

- شوفي يا فيروز.. أنا مبحسش.. جربت حتى اجبر نفسي على إني احس مبحسش.. أمي اترميت في حضنها وأنا بعيط عليكي محستش بحاجة من ناحيتها، هاشم وهو جانبي محستش فيه بالسند والحنية.. حتى حازم، يمكن بقيت بكلمه وبهزر معاه وببعتله هدايا بس جوايا لسه فيه جزء مش طايقة على الحياة اللي هو عايشها عكس اللي أنا عيشتها! 

أنا بكلم هبة وجميلة video call على الأقل تلت مرات في الأسبوع، بحاول اقرب من اي حاجة فيها احساس ومشاعر على قد ما اقدر!

أنا صومت بدل اليوم اللي فطرته ستين يوم ورا بعض.. وعديت كل الأيام في حياتي اللي مصومتهاش وبعوضها اليوم بيومه وبطلع كفارة مع إن بيقولوا لو توبت عن كل القديم والتزمت بالجديد فخلاص يمكن ربنا يتوب عليا.. 

بصلي.. مصدق إن ربنا موجود.. بقرا كتير في السيرة واحكام فقهية، كل قلوسي اللي صفيتها عملت بيها اعمال خيرية واتبرعت بيها.. شوفي مبقتش اسيب حاجة تقربني من إني احس إلا وعملتها! 

بس مش عارف احس بحاجة.. مش فاهم المشاعر دي.. مفيش حاجة في الدنيا قادرة تعوضني غيرك! اللي بحسه جوايا وانتي قدام عيني كل حياتي باللي فيها مبتعوضنيش عن إنك قاعدة قدامي وبتكلميني حتى لو هنتخانق ونلوم بعض!

التقت رموشه بعد طوال تحديقه بها بنظرات حادة لتنهمر دمعة وحيدة من عينه اليُسرى دون اليمنى وسرعان ما جففها والتحمت اسنانه في غلٍ شديد ليهمس بتصميم ولهجة جحيمية مزقته إربًا:

- اخيرًا اقتنعت إني مريض ومرضي مالوش علاج، فهمت كتير اوي من اللي مكنتش فاهمه، ظلمتك وعذبتك آه عملتها وكتير اوي بكل طرقي القذرة قبل الجواز وبعد كمان، بس دلوقتي عارف الفرق بين الصح والغلط! 

يمكن محستش بذرة ندم ولا تأنيب ضمير غير معاكي انتي وبس.. 

تشنجت ملامحه بعد أن رفعت رأسها وعينيها تبحثان بوجهه على النهاية من كل تلك الأحاديث والمناقشات التي لن تتركها إلا وهي مقتنعة بتغييره كما يفعل دائمًا لتنهمر احدى دموعه من جديد وتابع مشددًا على نُطق الحروف بغيظ وتصميم:

- لقيتيني اتغيرت اديني فرصة.. ملقتينيش اتغيرت يبقى هعالجك لأنك تستحقي فرصة تكوني أم، بعدها نرجع مصر ولو عايزة تطلقي هبقى اطلقك! بس دلوقتي لأ! 

زم شفتاه وهما ترتجفان دون تحكم منه ليجد نفسه يبكي رغمًا عنه ليُكمل بصوتٍ مبحوح باكيًا:

- متجيش تدخلي حياتي، تخليني اطلع كل اللي مقولتوش ولا حكيته غير ليكي، تديني أمل في إني ابقى بني آدم وتيجي تسيبيني وأنا المرادي بحاول اكون احسن!

أنا بجري عليكي كل مرة زي العيل وأنا بعترفلك بكل مصايبي، حبيتك اوي معرفش ازاي وليه وانا المفروض محسش بالمشاعر دي بمرض زي مرضي، يمكن علشان وصلتي لصدمات محدش وصلها، يمكن علشان حسيت إنك الأم والصاحبة والحبيبة والست اللي اتمنيتها في يوم.. 

بس خلاص من النهاردة؛ لأ مش من النهاردة! من ساعة ما كنتي بتنزفي بين ايدي في الطيارة لغاية دلوقتي وأنا مصمم إن مفيش حاجة هتحصل زي الأول! 

يمكن كنت أناني ومؤذي وشيطان ماشي على الأرض بس خلاص أنا كمان جبت اخري وشطبت.. أذى ليكي ولا لغيرك بقيت بقدر اتحكم في نفسي ولو بنسبة صغيرة إني اسيطر على رغبتي في اذى الناس! 

تخلصي علاج، تشوفي هنوصل لفين، عجبك تمام، معجبكيش هبقى اعملك اللي انتي عايزاه!

نهض سريعًا وهو لم يعد يريد أن يستعطفها بداخله ببكائه وتاريخهما الأسود سويًا لتبحث هي بسرعة عن ذريعة كي تُجبره على الإفتراق، أو ربما بطيات عقلها غير الواعي تريد سببًا قويًا لإختبار تلك الكلمات وتلك الملامح التي لمستها يومًا ما وجعلتها تُشفق عليه.. على كلٍ لم تعد تمتلك شيئًا لتخسره معه!!

 هتفت به قبل أن يغيب بالحمام المُلحق بالغرفة:

- شهاب.. أنا مستحقش كل ده! حلو اوي تغيرك واتمنى إنك تكون إنسان احسن في حياتك بس..

تريثت لبرهة ونهضت تتجه نحوه على حذرٍ شديد عندما لاحظت توقفه دون أن يلتفت لها ولكنها قررت أن تُلقي بتلك القنبلة على مسامعه فتكلمت بثبات:

- أنا يوم عيد ميلاد كارلو كنت ناوية اقول لفرانك إنك هتقتله.. أنا خلاص مبقاش جوايا ثقة فيك ولا في نفسي ولا واثقة حتى إني مش هأذيك علشان احاول اتطلق منك! أنا بجد مستحقش.. كفاية كده وياريت نتطلق! 

التفت لها بملامح شيطانية تغيرت مائة وثمانون درجة بالرغم من ابتلال وجهه بدموعه التي لا تتوقف ولكنه جففها بقسوة وهو ينظر لها وابتسم بزهوٍ هامسًا بنبرة انعكس لهيبها اثر احتراقه بداخله ولو كان اعترافها هذا كان قبل أن يراها جثة هامدة لكان حرقها لمرات ومرات في عذاب لا يتوقف:  

- وأنا كنت ملحد اول ما اتجوزتك! دورت مخصوص عن سبب يخرب الجوازة دي.. كل مرة لمستك فيها كانت حرام.. كل ده كان زنا! ومرجعتش افكر في ربنا وإني اؤمن بيه غير بعد ما جينا ايطاليا ورجعت للجلسات تاني! 

اظن دي قصاد دي.. اللي عملته فيكي مكنش سهل.. وقصاد خيانتك ليا اللي سمعتها بوداني وشوفتها بعيني وانتي بتقولي لفرانك إني عايز اقتله صدقيني ولا حاجة!

اتسعت عينيها في ذعر مأخوذة بالصدمة من كلماته وتسارعت انفاسها وهو يقف امامها في ثبات لتصفعه بقوة ثم بصقت على وجهه لتصيح به:

- انت قذر!

أومأ لها مبتسمًا بمرارة وخزي وجفف وجهه ليهمس بها بأعين باكية لمعت ببريق مختلط بين الشر والإنتقام والتصميم الشديد على ألا يفسد ما يعمل على اصلاحه:

- أنا دماغي في الشر ملهاش نهاية، وكنت ناوي اموتك بالبطيء على اللي قولتيه لفرانك يومها.. بس انتي بكل اللي فيكي حبيتك.. واظن خلاص كده.. اذينا بعض بما فيه الكفاية ولغاية هنا كفايانا اذى لبعض.. دي اخر محاولة.. وانا همسك بإيدي وسناني في اخر فرصة معاكي! بعد ما نرجع مصر ابقي اعملي اللي انتي عايزاه!

وارجوكي بلاش تعملي حاجة تخليني انتكس بعد كل محاولاتي.. انتي فاهمة يعني ايه مجرم مريض زيي حرق الناس كيف ومزاج بالنسباله ينتكس! 

أنا ماسك نفسي بالعافية وبعد مجهود جبار بالنسبالي وفاهمك كويس اوي وعارف إيه اللي بيوجعك احسن من اي حد.. احسنلك واحسنلي بلاش تلاعبيني يا فيروز لعبة لا انتي ولا انا قدها.. رجوعنا مصر هو النهاية والفاصل بينا بعد ما نخلص علاجك.. يا تقبليني يا كل واحد يروح لحاله! حتى اديني وقتي في إني اقبل خسارتك.. 

     

بداية سبتمبر 2020..

جففت احدى دموعها بعد أن فرغت من احتضان اختها وهي تودعها بالمطار وكأنها تودعها للأبد، لم تعد تدري إلي أين تتجه بحياتها، والآن اقنعها حقًا بإستفادتها بالعلاج ولكن كيف وهي قد تخلصت من كل ذرات الأمل بداخلها أن تصبح زوجة لرجل وتنجب طفلًا، سواء هو أو غيره؟!

شعرت بالحسرة الشديدة بداخلها وهي تسير بمحازاته عائدان للسيارة وهي تتذكر كلمات "مُعاذ" بأن التوكيل الشامل كان للأملاك وحسابات بالبنوك ولن يُفيد أي إمرأة أن تستخدم هذا التوكيل في الزواج او الطلاق إلا لو صدر بخصوص هذا الأمر بمخطوط رسمي وموثق طبقًا لقانون الدولة! 

أهي تخطو نحو موتها هذه المرة؟ هل سيتلقى مكالمة نهرًا أو ليلًا بإحتياج عائلة المافيا له؟ هل ستكون المرأة العارية؟ أو ربما وعدًا جديدًا منه بأنه سيكون أفضل؟! 

كيف عليها النجاة؟ وكيف ستتفلت من هذا الرجل؟ كل ما يفعله مُقنع بشدة.. مُقنع للغاية.. مُقنع بطريقة لا يشك أحدًا بها.. لدرجة أن "هبة" نفسها اقتنعت! ولكن هي تشعر بالرعب منه كلما تذكرت ملامحه وهو يحرق ذلك الرجل دون رحمة، تشعر بالغثيان منه كلما أدركت أنه بمنتهى الإحتقار كان زانيًا يعاشرها معاشرة الأزواج دون اكتراث لواقع ذلك عليها هي ودون اهتمام بعقاب ربه إليه! 

دخلت السيارة في دوام صمتهما وهي تنظر أمامها بملامح غلفها اليأس والإرهاق لخضوعها لتلك الجلسات المُكثفة بين العلاج النفسي وبين العلاج العضوي لإستطاعة الإنجاب وانهمرت احدى دموعها من جديد وهي تواجه نفسها مجددًا بأنها من اختارت وأنها هي من عليها تحمل عواقب اختيارها! 

هل سيصدق تلك المرة؟ هل بعودتهما إلي مصر في يناير القادم ستسطيع وضع حدًا للنهاية من تلك الحياة التي لا تتغير؟ هل لو كانت اخبرت الجميع كان سيصدق ولن يؤذي أيًا منهما؟ لم تعد تدري ما عليها فعله وعقلها بات متشتتًا في طريق وعر لا نهاية له! 

التفت متفقدًا اياها ليتنهد في يأس ولكنه حاول ألا يُظهره بنبرته وحدثها بنبرة هادئة:

- متقلقيش هترجعي مصر وكل حاجة هتبقى كويسة.. 

تريث لبرهة وهو يُفكر بأن ملازمتها اياه قد تنتهي في غضون اربعة اشهر للأبد وأضاف بهمس شق عليه النطق به:

- كلها اربع شهور ونص بالظبط! هانت.. متعذبيش نفسك اكتر من كده! 

التفتت ناظرة له وتحدثت وهي تجهش بالبُكاء:

- أنا آسفة إني دخلت حياتك.. آسفة والله آسفة بس تعبت مبقتش قادرة استحمل.. مبقاش جوايا لا أمان ولا ثقة كل مرة بنقرب فيها من بعض.. أنا مش عايزة اطفال لا من غيرك ولا منك ولا عايزة حياة بقى.. طلقني رجوك وسيبني ارجع مصر! مبقاش جوايا طاقة لكل ده..

صف السيارة على احدى جوانب الطريق ورفع المكابح اليدوية واستدار بكرسيه كي ينظر لها متأسفًا على كل ما ارتكبه بحقها يومًا ما وكلمها في هدوء:

- ارجوكي اهدي وبطلي عياط.. 

رمقته بأعين باهتة من كثرة بُكائها لتهز كتفيها في قلة حيلة ثم همست به:

- مبقتش عارفة اعمل ايه معاك.. مبقتش عارفة اسامح ولا اقبل.. لو رجعت سنة واحدة بس ورا .. لو رجعت ليوم ما اتجوزنا مكنتش اتخيل إني ابقى عايشة في الخوف ده كله! ارجوك.. لو كنت بتقول إنك حبتني في يوم يبقى تسبني.. سبني وعيش حياتك وربنا يكمل علاجك على خير ويوفقك مع غيري.. مبقتش قادرة استحمل يا شهاب تعب الأعصاب اللي عايشة فيه ده! 

استمر نحيبها وهو يجلس امامها كالخائب لا يدري ما عليه قوله ثم حدثها قائلًا:

- طيب معلش.. أنا هديكي كل الضمانات اللي انتي عايزاها وتخليكي تثقي إني مش هاعملك اي حاجة لغاية ما نرجع مصر.. بس انتي من حقك تكوني أم بعد كل اللي عيشتيه..

ارتجفت ملامحها وهو تهز رأسها بإنكار ثم همست:

- مش عايزة اكون أم.. مش عايزة حاجة..

كادت يديه أن تندفع ليتلمسها ولكنه سيطر سريعًا عليهما ليُكلمها بهدوء:

- لأ هتكوني أم في يوم حتى لو.. 

ابتلع بمرارة وعبراته تكتث بعينيه ليهمس مُكملًا:

- حتى لو مش مني! صدقيني أنا مبقتش أناني معاكي زي الأول! 

ازداد انينها وآلمها وهي تبكي بحرقة لتفر خارج السيارة وهرولت باكية لا تدري إلي أين تأخذها قدماها وهي لا تملك جواز سفرها ولا تملك شيئًا من متعلقاتها فتابعها إلي أن امسك بها كي يوقفها فالتفتت صارخة به:

- سبني بقى.. سبني حرام عليك.. انت ايه مبتزهقش.. مبقتش عارفة ابص في وشك وانا عارفة إنك بين يوم وليلة ممكن ترجع أسوأ من الأول! 

أنا مرعوبة ارجع معاك ونقعد في بيت واحد من غير فريدة ومامتك.. كل اللي بتعمله بيثبت إنك بتتغير بس مش عارفة لا اقبل ولا اسامح وانا شوفت على ايدك العذاب ألوان.. ارحمني بقى.. مبقتش عارفة جوازنا باطل ولا حلال، مبقتش عارفة أنا مع شيطان ولا بني آدم، تخليني اكلم شيوخ واتعالج وكل ده وأنا مش قابلة من جوايا.. كفاية بقى كده بهدلة!

أومأ لها وهو يمسك بذراعيها وهمس لها متلهفًا وهو يراها بتلك الملامح التي اصابته بالآلم:

- طيب اهدي.. عيشي في بيت لوحدك وانا هاعيش في مكان تاني وهابعد عنك لغاية ما تخلصي علاجك ونسافر مصر.. متخافيش.. مش هتشوفيني غير وأنا بوصلك المستشفى.. ده كده يطمنك؟ 

رمقته وقد توقفت عن البُكاء تمامًا، لا تُصدق أنه بات يملك حلًا لكل شيء، كل أمر وكل شجار وكل مجادلة يملك حلًا لها، يملك المقدرة على الإقناع، أيُثبت الآن بكلماته تلك أن يوفر لها الأمان؟ أن يكف اخافته لها؟ لقد وقعت في براثن شيطان يُزين لها كل اعتى الأخطاء بعينيها لتُصبح فجأة ببضع كلمات قليلة أصح الصحيح! 

أومأت له بالموافقة، تقبلت، توقفت عن البُكاء وهو يرمقها في استغراب لهدوءها المفاجئ، عقد حاجباه متفحصًا اياها ليهمس لها متسائلًا:

- انتي فعلًا واثقة في كلامي ولا بتهاوديني؟

نظرت له بأعين احتارت في أمره وأومأت له لتهمس مجيبة في سخرية وحسرة:

- وهو أنا يعني قدامي حل تاني!

تفقدها ببنيتين متوسلتين وهمس بحرقة:

- اوعدك والله ما هاعمل غير اللي يريحك.. هو بس العلاج وهنرجع مصر.. علشان انتي تستحقي كل حاجة حلوة.. لو عليا أنا اغور في داهية بس المهم في يوم تفتكري إني..

ابتلع غصة بُكائه في محاولة ألا يبكي كي يرق قلبها فلقد غادر عادته تلك وأكمل بصوت مرتجف:

- إني اكون سبب إنك تبقي أم! أنا آسف والله وندمان على كل اللي عملته فيكي.. لو اتكلمت سنين ليكي حق متصدقيش ولا تثقي فيا بس بكرة اثبتلك إني المرادي بحاول بجد، ويوم ما تاخدي قرارك بإنك تبعدي عني هوافقك عليه! 

أومأت له بالموافقة ليندهش كلاهما بتلك الأمطار المتساقطة فوقهما ثم كادت أن تغادر فأوقفها:

- استني! 

نظرت له برماديتين لا تزالا تحملا آثار البُكاء ثم توسلها:

- ممكن اطلب منك طلب؟

تفقدته وأومأت على مضض ليتوسلها على وجل وتردد بنبرة متحشرجة اثر بكائه الذي يمنعه بأعجوبة:

- ممكن احضنك؟! 

ضيقت عينيها ناظرة له بملامح ممتعضة متألمة وتهاوت دموعها مرة ثانية وقبل أن يبادر بكلمات واهية هي من عانقته بشدة، بكت بين ذراعيه دون توقف ليتشبث بها بقوة، لن تتحمل المزيد من التراهات التي سيتحدث بها، فهي تُصمم على عودتها مصر بأي طريقة حتى ولو كانت ستستغله بكل ما أوتيت من قوة، ستخدعه، وستُكمل خاعها إياه حتى تهرب من براثن خداعه! 

حتى ولو الثمن هو معاملته كزوج وعاشق، حتى ولو قبلة وعناق، ولو وصل الأمر بها للفراش ستفعلها، ولكن لم يعد الأمر يتحمل ولو ذرة خطأ بينهما، عليها أن تقنعه بشتى الطرق حتى تعود إلي وطنها كي تحصل على طلاقها منه، ستساومه عليه شاء أم لم يشأ!


     

#يُتبع . . .

الفصل القادم بتاريخ 7 مارس 2021 على مدونة رواية وحكاية

وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بـ 24 ساعة على الواتباد

دمتم بخير

     

ده التوكيل لا يُعمل به في مصر اهو من موقع دار الإفتاء




وده بالنسبة لصيام شهاب

وده الإلحاد واستمرارية الزواج