-->

الفصل الرابع والعشرون - جسارة الإنتقام

- الفصل الرابع والعشرون - 


صرخت به ولم تكترث للرجال الذين لمحتهم يُنهضون "أدهم" رغمًا عنه وتوجهوا به للخارج:

- سيب ايدي، أنت أتجننت ولا ايه 

لا تستطيع أن تتحمل قبضته على يدها وملامسته اياها، هو ليس أي أحد بل هو نفس ذلك الرجل الذي سبب لها كل تلك الآلام التي تشعر بها الآن، شعرت بالخوف والتقزز في آن واحد وكل ما أرادته أن يبتعد عنها ويتوقف عن ملامسته اياها..

صر أسنانه في غضب جم، أحاط قبضته جيداً وظل يضيقها حول يدها، بالرغم أنه لم ينس ما تعانيه، ولكنه أيضا لم ينس أنه لا يريد سوى أن تكون بجانبه.. 

كلامها المهين الذي لا تتوقف عن أخباره اياه يصعب الأمر عليه أكثر وقد اكتفى منه منذ رؤيتها صباح اليوم  ورأى أن ما يفعله من وجهة نظره هو أقل ما يستطيع فعله كي لا يؤلمها بشيء أكبر من ذلك وقد يكون تأثيره أسوأ من تلك القبضة حول يدها..

جُرحت حبالها الصوتية وهي تصرخ به من جديد:

- أنت مبتفهمش.. ابعد عني.. سيبني.. أنا بكرهك ومش طايقة أبص في وشك ولا ألمسك

 رآت فيروزيتاه تحدقا بها وكأنه لا يكترث بما تحدثت به بكل ذلك الجبروت الذي هو عليه فكادت أن تصفعه مرة أخرى ولكنه أمسك يدها الأخرى مسرعًا وتعالت أنفاسه الغاضبة بينما لم يتفوه بأي كلمة إلي الآن فصاحت به من جديد:

- أنت عايز مني ايـ..

أخبرها بهدوء مبالغ فيه بالرغم من أن قبضته وأنفاسه المتلاحقة لا تناسب كل ذلك الهدوء الذي برع فيه وهو يقاطعها:

- بصي أنا لغاية دلوقتي ماسك نفسي بالعافية، سايبك تعملي كل اللي أنتي عايزاه.. بس لغاية هنا وكفاية أوي.. بتهزئيني قدام رجالة تانية وبتتلمضي قدامهم وعايزاني أسكتلك؟ بتضربيني وأنا مفيش ست في الدنيا يخطر على بالها تعمل كده معايا؟ ده مش هيحصل أبداً.. أنا مش قرني عشان تتعاملي معايا كده.. 

ردت بلذاعة قائلة:

- فاكر نفسك راجل اوي و..

 قاطعها بلهجة حادة: 

- لمي نفسك واتكلمي عدل بدل ما..

لم تسمح له بفرصة لإكمال حديثه فقاطعته مُصيحة في حرقة شديدة:

- هتهدد تاني؟ هتعمل ايه بقا المرادي؟ خيانة قصاد عيني ولا ضرب وسحل؟ ولا هتشعلقني في السقف وتنزل لسوعة فيا زي ما عملت مع فتيات الليل اللي روحت جبتهم!! ولا يمكن هتغتصبني؟

اعترى ملامحه الحزن بل والكره الشديد تجاه نفسه والإحتقار لشخصه بداخله ثم ألقى نظره حوله خوفًا من أن يكون أحد أستمع لها فتعجبت لماذا ينظر حوله فنظرت هي الأخرى لتفاجئ بمغادرة جميع من حولهما وأصبحا بمفرديهما ثم اراح جسده بكرسيه لينظر لها وهو لا يزال محكما قبضتاه على يداها..

رمقته في خزي وتقزز لتتكلم بسخرية:

- تصدق حركاتك الزبالة دي بتدهشني بصراحة.. أنت خاطفني.. حلوة الحركة دي، لا وجديدة كمان، معملتهاش قبل كده

كسى التألم ملامحه ولكنها لم تهتم ثم استطرد متهكمًا:

- مخطوفة وبتضربي بالأقلام..

نظرت له لتنهض وأوشكت على المغادرة ليوقفها صوته بعد أن ترك يدها منذ قليل: 

- محدش هيسمحلك تخرجي.. الاوتيل كله بالمطاعم بتاعي..

 تحدث لها ثم شرد بعينيه في تفاصيلها لتزفر هي بنفاذ صبر ثم تشدقت في اشمئزاز:

- لا بس غباء مني.. المرة الجاية هبقا أدور قبل ما أخرج وأشوف أنا رايحة أتمسح في أملاك سيادتك ولا حتة عادية هاعرف أقعد فيها زي الناس.. بس يالا ما علينا.. 

تنهدت لتبتسم بسخرية وسألته:

- جيت ورايا ليه؟ أنت عايز ايه يا جاسر؟

أشار برأسه إلي الكرسي خلفها واجابها ببرود:

- اقعدي وأنا أقولك

تحدثت بسأم وتآففت لتجلس وقالت: 

- يووه! وادي قاعدة .. انجز وقول عايز ايه؟

نظر لها بهدوء ثم امسك بيدها من جديد وسألها:

- هتاكلي ايه؟ 

 غضبت ملامحها وصاحت بخشونة هازئة وامتعضت ملامحها وهي تحاول أن تتخلص من قبضته:

- لا بجد.. عامل المسرحية دي كلها عشان تقولي هاكل ايه.. نفسي اتسدت خلاص لما شوفت وشك! يا تقول عايز ايه يا تسيبني امشي..

تحدث بصدق ولا يدري كيف يخرج هذا الكلام منه لتلين قبضته على يدها:

- مش هسيبك يا سيرين.. لا هاتمشي دلوقتي ولا حتى بعدين.. نصيبك الأسود وقعك في طريقي وأنا استحالة أفرط فيكي أبدا..

جذبت هي يدها في عنف وتريثت قليلًا بعسليتين حائراتين وهي لا تستطيع فهم ما أخبرها به ف صاحت به في انفعال:

- بقولك ايه، ألغاز مش عايزة.. ايه الهبل اللي بتقوله ده؟

وجدته يبتسم نصف ابتسامة وفجأة تحولت ملامحه للحزن واستغربت لماذا بدا حزين هكذا فهي لم تعتاد تلك النظرة منه وتمتم مُعقبًا على حديثها بصوت مبحوح:

- هبل!!

عقدت هي حاجبيها ولكنه شرد بفيروزيتيه وهو يتذكر تلك الليالي التي مكث بها يتألم ويحاول أن يستمد الشجاعة فقط لرؤيتها ولو لمرة واحدة طوال الثلاث اشهر المنصرمة لتحدثه بنفاذ صبر هاكمة:

- بقولك ايه.. شغل الدراما ده أنا ماليش فيه.. أنا عايزة أمشي

ضرب هو الطاولة أمامه بعنف وغضب عاقدا قبضة يده لما تخبره به واستطاعت أستفزازه ببراعة ليتفحصها بزرقاويتيه لتفزع هي وارتجف جسدها لفعلته ونظرت له بخوف ليتحدث هو بغضب مكتوم بين أسنانه المتلاحمة غضباً لمجرد فكرة أنها قد تغادره مجدداً:

- مفيش مشيان ولا زفت، أنتي مش هتبعدي عني تاني.. مبقاش ينفع أعيش من غيرك جانبي، أفهمي بقا!

 عقدت هي حاجباها في محاولة فهم وإدراك ما يخبرها به فهي لم تظن لوهلة أنه قد يشعر نحوها بشيء وتلعثمت قليلا والأفكار والتساؤلات لا تتوقف عن الإنفجار بعقلها أثر ما تفوه به:

- بص.. أنا.. أنا.. ماليش دعوة 

حمحمت في ارتباك ثم أردفت وهي تحاول استعادة جرأتها وتظاهرت بعدم اكتراثها لكلماته:

- آه ماليش دعوة بيك، واتفقنا إني هاجي أعيش معاك عشان ده حق أبويا اللي أنتو أخدتوه بدون وجه حق وآكلتوه عليه، وأنا الألغاز اللي.. 

 قاطعها مسرعًا بنبرة متوسلة: 

- هنبدأ من جديد وهننسى كل حاجة.. اديني فرصة تانية!

حدقت هي به في صدمة وإندهاش وظلت صامته ليتبادلا النظرات في سكوت..

لن ينكر أنه يشعر بالخوف من قرارها ولمدى تقبلها تلك الكلمات، هو لم يدر بعقله أنه سيخبرها كل هذا بسرعة ولكن هذه عادتها معه، تدفعه لفعل العديد من الأشياء التي لم يخطط لها، استفزازها لعواطفه دائماً ما تنتهي بكارثة من نوع ما، وكآنها تتلاعب بمشاعره بيدها، هكذا عهدها، دائماً ما خطط للعديد من الأشياء ولكنها ببضع كلمات منها وتلك العسليتان التي ترجف كيانه تغير كل شيء..

ابتسمت له بلين وعذوبة للحظة ليبادلها الإبتسامة ولكن هناك به جزء لم يصدق أنها تقبلت ما أخبرها به بتلك السرعة، هل تقبلت حقاً؟!

توسعت ابتسامتها ليبدأ هو في الشعور بالريبة ومن ثم لانت وهدأت ابتسامته؛ تحولت ابتسامتها لضحكة عالية صدح صوتها الضاحك بها بأنحاء المكان بأكمله واخذت تقهقه على عكسه هو أختفت ابتسامته تماماً وتحولت ملامحه للغضب من سخريتها اللاذعة وأستمرت في الضحك وتقليب كفا على آخر وبالكاد تحدثت بين ضحكاتها:

- يعني.. أنت.. ننسى.. لا بجد..

لم تستطع إخباره جُملة مُفيدة بين قهقهاتها لتراه يسحق أسنانه وهو ينظر لها بنفاذ صبر فحاولت أن تُهدأ من ضحكتها:

- لا بجد.. ننسى ايه

أخبرته بعد أن استعادت سيطرتها على نفسها ثم استطردت:

- لا شاورلي كده على الحتة اللي نعملها delete من حياتنا مع بعض! فاكره زرار هندوس عليه وننسى.. بس بجد قولي أنسى أنك جرحتني في أنوثتي وقولتلي إني مسواش في سوق الحريم؟ ولا أنسى الخيانة؟ ولا البهدلة اللي بهدلتهالي؟ ولا يمكن ظلمك لبابا والشتيمة اللي سمعتهالي بوداني؟ ولا أنسى إن بسببك احتمال أتحرم طول عمري من أطفال؟! انسى ايه بالظبط؟! ولا إنك غصبتني واتجبرت عليا وأنا مش هاعرف اخد حقي في بلد زي دي؟!

نظرت له بإحتقار ودموع سجينة بعسليتاها لتردف:

- تعرف يا.. يا ابن هويدا هانم.. كان لسه فيه حتة جوايا مماتتش، حتة لسه بتقول حاولي يمكن يكون كويس.. كان فيه حتة بتقولي هو بكرة يتغير ويمكن فيه حاجة مكرهاه في بابا وفاهمها غلط.. بس كل ده قبل ليلة العزا وأظن مش محتاجة أحكيلك اللي حصل فيها!..

تريثت لبرهة وهي تحارب بداخلها كي تبدو بتلك القوة والجسارة وتابعت بمنتهى الإشمئزاز المصحوب بالقهر:

- تعرف يا جاسر بيه لو انطبقت سما على أرض عمري ما هانسى.. كل ما بشوفك خلاص.. وقعت من نظري كراجل، مبقتش شايفاك كراجل.. شايفاك أقذر وأوسخ كائن عرفته؛ مسكتك اللي مسكتهاني ديه مكانتش مخوفاني بس حسستني بالقرف.. أنت كلك على بعضك بقيت بقرف عيني تشوفك.. ريحتك نفسها بتسد نفسي.. تحس كده إني بيجيلي مغص!

شوف، أنا بقا وراك لغاية ما أعرفك يعني ايه رجولة، أنا لسه عند كلمتي، أوعى تفتكر إني هخاف وأعيط وهتهز عشان واحد زيك ميسواش في سوق الرجالة.. أنا معاك للآخر، وبقولهالك تاني.. أنا خارجة من الجوازة دي يا قاتل يا مقتول.. كنت كملت وموتني بس نصيبك الأسود إني فوقتلك ووقفت على رجليا تاني، وعلى رأي المثل الضربة اللي متموتش تقوي، قال انسى قال ونبتدي من جديد..

ابتسمت له بتهكم وسخرية شديدة ثم قالت بإستهزاء:

- اقولك حاجة.. أنت تروح لأمك الحرامية الكدابة اللي بتستحل ظلم الناس.. ابتدي معاها من جديد يمكن تكون تابت وعرفت إن الله حق.. أنت ممكن تسامحها، تاخدها بالحضن، تربيك هي من أول وجديد، تنسى كل حاجة زي ما بتقول، إنما أنا؛ الموت أهونلي من إني أنسى.. ويالا بقا كفاياك عطلة فيا عشان مش فضيالك.. ومتنساش معادنا بكرة الساعة عشرة 

نهضت بكل ما تمتلك من شجاعة ورباطة جأش لتغادر مبتعدة عنه بخطوات واثقة ومولياه ظهرها بينما هو تضاعفت آلامه.. كان يعلم جيدًا أن كل شيء معها سيكون صعب ولكن لم يخطر بعقله أنه سيكون هكذا..

تبعها بزرقاويتيه وهو بالكاد يستطيع التنفس، يشعر وكأنه فقد روحه ليجد من يمنعها على بوابة المطعم بأن تغادر فأشار لهم بأن يسمحوا لها بالمرور ففعلوا بينما هو خلل شعره متنهدًا ثم دفن وجهه بكفاه وهو لا يدري ماذا سيفعل معها بعد كل ما أخبرته به.

     

زفرت أطول نفس سُجن برئتيها ما إن استقلت سيارتها، تهاوت دموعها التي حبستها أمامه، أطلقت لنفسها العنان بأن تشعر بالضعف بعيداً عن تلك الزرقاوتان، بعيداً عن الجميع، للحظة ودت أن تُصبح تلك الأنثى المنكسرة، أرادت ذلك النحيب أن يخفف عنها قليلاً ولو لبرهة من الزمن عله يخرج ما بداخلها من أوجاع وغضب..

تحدثت إلي نفسها بقهر وإنكسار مزقا روحها:

- كنت قدامك.. متكدبش وتقول إنك مكنتش حاسس بيا! أنا وأنت بس اللي عارفين إن كان فيه حاجة هتبتدي ما بنا.. كان جوانا جبروت وغرور وعناد بس متقولش إننا مكناش حاسين باللي بيحصلنا.. صدقني كنت ممكن أتغاضى عن كل حاجة لو بس حاولت تكلمني وتفهمني بالراحة، ليه توصل كل حاجة لكده؟ 

أنت الوحيد اللي فكرت أتغير علشان يحس بيا، كنت ببقا مبسوطة وأنت سرحان فيا عشان شايفني حلوة، أول مرة أحس بالغيرة على حد.. أنا أول مرة في حياتي أبقا عاملة زي الستات التافهة وأتعمد تشوفني مع أدهم عشان أخليك تغير عليا.. بس بعد اللي عملته فيا مش هاقدر أسامحك.. غصب عني مش بمزاجي، مش هاقدر أسامح.. مش هاقدر.. دي كرامتي في الأول وفي الآخر.. 

انهمرت دموعها على وجنتيها وبالكاد أستطاعت رؤية الطريق ولأول مرة بحياتها لم تستطيع إكمال القيادة فصفت سيارتها لتجهش بالبكاء مجددًا لتجد نفسها ترتجف بمزيد من الكلمات علها تواسي نفسها:

- زعلان أوي إني ببهدلك قدام الناس وأنت من أول يوم دخلت فيه بيتكم بهدلتني؟ ده أنا من أول ساعة معاك اتبهدلت!! أنا هاكرهك في اليوم اللي فكرت بس تأذيني.. زمان كان فارق معايا أبويا، لكن دلوقتي أنا هاكسرك صح زي الكسرة اللي كسرتهاني؛ انتقامي بقا ليا قبل أي حد

 توعدت وهي تشعر بإحتراق لا يخمد بداخلها ثم كفكفت دموعها لتدير محرك السيارة وسمعت زئير المكابح ثم شرعت في القيادة دون وجهة محددة..

     

حدثها متغزلًا بنبرة رائعة:

- يا صباح الجمال على نور حياتي كلها

عقبت على كلامه بتهكم:

- لا يا بكاش.. مش الشرع حللك أربعة، روح صبح بقا على التلاتة التانيين!

زفر في إرهاق بعد أن مكث طوال الليلة الماضية يحاول مصالحتها: 

- يا ساتر على قلبك الأسود، لسه فاكرة من امبارح.. ده أنا أشطب كلمة دكر من البطاقة لو بس خطر على بالي أفكر في واحدة غيرك.. بذمتك حد يبقى يبقا معاه القمر ويفكر في النجوم؟!

مازحها ولكنها لم تتحدث ليكسر هو الصمت متأسفًا:

- حقك عليا يا ستي، كان هزاري سخيف أنا عارف.. أنا آسف

تناولت نفسًا مطولًا لبرهة ثم زفرته وحدثته بإقتضاب:

- ماشي يا معتز خلاص! بس إياك تعملها تاني

بادر قائلًا:

- حرمت يا باشا ولا أقدر 

تنهد ليحدثها بجدية:

بقولك ايه، المفروض الساعة عشرة سيرين هتيجي وهتمضي العقود هي وجاسر.. وهترجع على بيتكم النهاردة، ابتدي بقا كلميها في موضوع جوازها والهيها معاكي شوية لحسن شكلها هتمرمط أخوكي وبجد مكنتش أتخيل انها تبقا كده.. حاولي كمان تحنني قلبها شوية

تنهدت وهي لا تدري كيف ستفعلها:

- حاضر..

كلمها في مرح وسألها:

- قولي بقا يا جميل، الحاجة هتوصل آخر الإسبوع ده، والبيت كله طبعا باللي فيه تحت أمر نور هانم.. فيه حاجة كده عاوزة تغيريها في البيت تاني؟!

توسعت ابتسامتها ثم اجابته بإمتنان:

- أغير ايه بس، ده أنا مكسوفة جداً والله، طنط هناء تقريبا غيرت كل حاجة في الفيلا الجديدة علشاني وأنا اللي أخترت الديكور والعفش

تحدث بفخر مُعقبًا:

- هنون دي عسل.. بذمتك هتلاقى حمى مزة كده زيها؟

اجابته بود:

- لا في دي عندك حق، ربنا ما يحرمني منها

حاول أن يمازحها فقال:

- طب وابنها والنبي.. مفيش حاجة كده ولا كده؟ يعني ربنا ما يحرمني منك مثلاً ولا الكلام الحلو ده اللي بيقولوه

زفرت واجابته بضيق:

- لغاية ما احس انه مش هيتجوز عليا هابقى احن عليه بكلمتين

تحدث بندم ليقول:

- أنا اللي جبته لنفسي وربنا!! وأنتي باينك قلبك أسود من الطين، بت أنتي شكلك طالع لأخوكي وهتغلبيني معاكي.. يالا روحي أما أشوف جاسر هيهبب ايه مع سيرين، ومتنسيش اللي قولتلك عليه لما تجيلك النهاردة، وتطمنيني لما توصلـ..

قاطعته حانقة من كثرة تعليماته التي يُمليها عليها:

- حاضر حاضر.. حفظت خلاص

قبل أن تنهي المكالمة كعادتها صاح مسرعاً:

- اه نسيت أقولك، جوازنا آخر الإسبوع الجاي.. سلام

انهى المكالمة أولًا ليبتسم في إنتصار وتنهد ليتمتم بظفر: 

- سبقتك المرادي

     


اشتم أنفاسها الرقيقة ليلتقط أنفاسه ثم اراح جبهته على خاصتها موصداً عيناه ثم همس أمام شفتيها:

- متبعديش عني تاني..

حاوطت عنقه بيديها ثم أخبرته في ضعف هامسة:

- مش هاقدر..

تحدث لها بآلم مهسهسًا بين أنفاسه ثم أخذ شفتيها بين أسنانه بقليل من الحدة وأطربت هي أذانه بتلك الآنات التي تصيح بها بين قبلتيهما:

- أنا محتاجك اوي..

انهمر الشغف المتبادل بين أعينهما تارة وبين أنفاسهما تارة ليهمس هازيًا وهو يلثم عنقها في شوق للمزيد منها ورغبة هائلة لم يكنها قبلًا لإمرأة أخرى بحياته:

- أنا من أول ما شفتك وأنا اتجننت، عمري ما حسيت كده مع واحدة غيرك

يريدها، لا يريد أن يتوقف، مد يده ليحرر مفاتنها حتى يتذوقهما، وما إن وقعت عيناه على ما ظهر أسفل ثيابها حدق بهما بوله تام وكأنه لأول مرة ينظر إلي مفاتن إمرأة، تفقد ملامحها فوجدها موصدة عيناها.. تنتظره، أنفاسها اللاهثة دفعته لفعل المزيد ولن يتوقف حتى يصل لأعماق ذلك الشغف معها..

همست بإسمه في لوعة شغفها:

- جاسر.. 

دفعته لحافة الجنون بمناداته بتلك الطريقة وشعر بالدماء تنفجر بعروقه ليتوقف ثم حدق بوجهها الذي كسته الحمرة وعظمتاي الترقوة خاصتها لتتعالى أنفاسه ثم التهم شفتاها بعنف موصدًا عيناه مستنشقاً أنفاسها ولم يستطع أن يتوقف ليشعر بلكمات يدها على صدره لإحتيجاها للتنفس وبالكاد استطاع أن يفرق قبلتهما وفتح عيناه ليجد نفسه بغرفته وحيدًا بسريره..

 تمتم حانقاً ما إن أستيقظ وأدرك أنه يحلم بذلك الحلم مجدداً ولا ينفك عن رؤيته بمنامه:

- وبعدين بقا في أحلام المراهقة دي!!..

نهض ليستحم ثم ارتدى ملابسه ونثر عطره المفضل وتطلع ملامحه الجامدة بالمرآة ليشرد بكل ما أخبرته به اللليلة الماضية، أدرك أنه لن يقترب قريباً من تنفيذ ما خطط له معها ولو بقيد أنملة، لا زال أمامه طريقاً وعراً قد يطول أكثر مما تصور..

شعر بالجرح الشديد كلما ذكرته بوالدته "هويدا" ويكره مجرد التذكر أنه ينتسب لها بالنهاية، وما آلمه أكثر أنها كانت محقة بكل ما قالته، هي لم تكذب بأي مما تفوهت به..

في نفس الوقت، إصرارها على أن تنطق أمامه كل تلك الذكريات المؤلمة التي يحاول أن ينساها يُفجر بصدره الوجع مرة أخرى، ذلك الضعف الذي يلمحه بتصرفاتها، خوفها منه ومن أن تصبح قريبة منه يقتله أكثر من أي شيء آخر، ذلك الذنب الذي يزداد بداخله كلما لمح بعسليتاها نظرة الإحتقار والتقزز منه..

زفر بآلم بعدما تذكر ليلة أمس ثم استعاد سيطرته على نفسه وهمس لنفسه:

- مش هيأس يا سيرين.. هتحبيني بمزاجك.. هغير كل ده وهتشوفي.. 

لا يزال مصمماً على امتلاكها بأي شكل، ولكنه يريدها أن تعشقه، لا يُريد أن يجبرها، كان كل ما يُريده هو أن تُصدق وتؤمن بما يشعر هو به وتسمح له بفرصة لإصلاح ما افسده فتوجه ليمسك بمفاتيح سيارته وتوجه حتى لا يتأخر عن موعدها معه فهو سيحاول من جديد لأجلها.

     

جففت شعرها ومشطته ثم أنهالت نظرات الإعجاب بنفسها وهي ترتدي تلك التنورة السوداء ذات الخصر المرتفع التي التصقت بجسدها ثم ارتدت سلسلة ذهبية رقيقة لتستقر بين عظمتي الترقوة خاصتها لتطلع تلك القميص ذو الصدر العاري بعد أن شعرت بعد ليلة امس أنها تستطيع أن تواجهه دون انهيار أو خوف وأخذت سترة سوداء أنيقة للغاية وترتديها لتبتسم متمتمة:

- إن ما خليتك تلف حوالين نفسك مبقاش أنا سيرين 

توعدت له لترتشف من قهوتها وهي تشعر بالسعادة داخلها لبدئها بخطة إنتقامها منه.. أكملت إرتدائها لملابسها وهي تبتسم بل بالكاد تحاول أن تتوقف عن الضحك وهي تتخيله يعمل تحت إمرتها في مواعيد العمل المحددة وتعطيه الأوامر لينفذها أمام الجميع ثم تنهدت وهي تبتسم برضاء عن مظهرها ليصدح التلفاز بجانبها عن أغنية تعشقها كثيراً ولائمت كل ما تمر به لتذهب مهرولة لترفع صوتها وبدأ جسدها في التمايل مع أنغامها وأخذت تتغنى بكلماتها

I wake up every evening
With a big smile on my face
And it never feels out of place
And you're still probably working
At a nine to five pace
I wonder how bad that tastes

When you see my face
Hope it gives you hell
Hope it gives you hell
When you walk my way
Hope it gives you hell
Hope it gives you hell

Now where's your picket fence love?
And where's that shiny car?
And did it ever get you far?
You never seemed so tense, love?
I've never seen you fall so hard
Do you know where you are?

And truth be told I miss you
..And truth be told I'm lying

Tomorrow you'll be thinking to yourself
Where'd it all go wrong?
But the list goes on and on

And truth be told I miss you
..And truth be told I'm lying

Now you'll never see
What you've done to me
You can take back your memories
They're no good to me
And here's all your lies
You can't look me in the eyes
With the sad, sad look
That you wear so well

When you hear this song and you sing along but you never tell
Then you're the fool, I'm just as well
Hope it gives you hell
When you hear this song
I hope that it will treat you well
You can sing along
I hope that it puts you through hell

أستيقظ كل مساء
بإبتسامة كبيرة على وجهي
ولا تبدو أبداً أنها في غير محلها
ومازالت أنت تعمل على الأرجح
من التاسعة للخامسة
أتعجب!! كم يبدو هذا الحال سيئاً؟!!

عندما ترى وجهي
أتمنى أنه يعطيك الجحيم
أتمنى أنه يعطيك الجحيم
عندما تتلاقى طرقنا
أتمنى أنه يعطيك الجحيم
أتمنى أنه يعطيك الجحيم

أين سياجك الخشبي الآن، حبيبي؟
وأين تلك السيارة اللامعة؟
وهل آخذتك بعيداً؟
لم تبد متوتراً هكذا من قبل حبيبي..
لم أرك من قبل تسقط بشدة هكذا..
هل تدري أين أنت؟

والحقيقة تقال، لقد أشتقت لك؟
والحقيقة تقال، أنا أكذب..

غداً ستفكر مع نفسك؟
متى أصبح كل شيء خطأ؟
ولكن القائمة تطول

والحقيقة تقال، لقد أشتقت لك؟
والحقيقة تقال، أنا أكذب..

الآن لن ترى أبداً
ماذا فعلت لي
يمكنك استعادة ذكرياتك
انها لا تنفعني بشيء
وها تلك كل أكاذيبك
لا يمكنك أن تنظرلي بعيني
مع تلك النظرة الحزينة
التي تزيفها جيداً

عندما تسمع هذه الأغنية وأنت تغني معها، لكنك لا تستطيع أن تخبر أبداً
إذاً أنت أحمق، وأنا أيضاً كذلك
نأمل أنها تشعرك بالجحيم
عندما تسمع هذه الأغنية
آمل أن تعاملك بما تستحق
يمكنك الغناء معها
وأتمنى أن تضعك بالجحيم

تمتمت وهي تبتسم:

- أقسم بالله متفصلة عليك.. ياما نفسي أغنيهالك وأنت قدامي وأتفرج على شكلك وأنت هتولع

 ضحكت حتى انحنت رأسها للخلف من شدة قهقهاتها ثم نهضت بإبتسامة انتصار وشيك لتستكمل ترتيب حقيبتها وتغادر كي لا تتأخر..

     

حدثته بندم قائلة:

- متزعلش مني ياض، أنا بس كنـ..

قاطعها "رامز" وهو ينظر لها نظرات مُحبة ويتمنى أن يعانقها مثلما أعتادا ولكنه قدر حالتها:

- أنتي يا هبلة فكراني زعلان منك؟ دغدغيني كمان ولا هاقولك حاجة

ابتسمت له ليُصيح "مراد" عاقدًا ذراعيه:

- يا سلام على الحب.. بوسوا بعض بقا عشان جاسر يكسرك

نظرت له بغضب عاقدة حاجبيها وتكلمت بخشونة كما الصبيان:

- ده أنا أمرمط بكرامته الأرض لو جه جنب حد فيكو!! وبعدين هو ماله ومالي

عقب "مراد" متحدثًا:

- هترجع بقا تقولي ماله وبتاع، أنتي يا بنتي غبية؟ بصي والله أنتي وجاسر لو موتوا بعض هافضل مصمم انه بيحبك ومش هاقتنع غير بده.. اه غلط بس بغباءه وعلشان مامته اللي عملاله غسيل مخ

تكلم "رامز" هو الآخر ليقول:

- بصراحة أنا كمان شفت ده امبارح ولو إني نفسي أموته بإيديا، الراجل كان هياكلك بعنيه

صاحت بهما بنبرة حادة:

- لا بقلكوا ايه.. كلمة تاني عن الحوار ده وهمسح بكرامتكو أرض الشارع! بقيت يا فالح منك ليه في صفه خلاص!

تكلم "مراد" في محاولة أن يُفسر لها قولهما: 

- سيري احنا مش في صفه بس لو الدنيا كلها فضلت تحلفلي من هنا للصبح هاقول بردو إنه بيحبك وهيموت من الغيرة عليكي

تدخل "رامز" كذلك:

- سوسو يا حبيبتي اللي كان فيه مكنش سهل عليه، متخيلة إن راجل يفتكر واحد أغتصب مامته وقدام عينه ومكانش بيعمله حاجة وفجأة يموت وميلقيش غير بنته قدامه.. أنتي كمان اللي عملتيه فيه مكنش سهل وعمرك ما كنتي هادية.. أكيد كنتي مبهدلاه وبتجننيه

عاد "مراد" ليتابع حديثه من جديد:

- الفكرة بصي احنا كنا بنعامله ازاي ومشوفتيش عملنا فيه ايه في المستشفى.. واحنا أخواتك، ما بالك بقا أمه كانت بتضحك عليه ومفهماه ده وفضل عارف بقاله سنين وساكت.. أنا مش معاه وكل اللي عمله مالوش حق فيه.. بس صدقيني مكانتش غلطته لوحده

 تحدث لها كلاً منهما لتفكر لبرهة بكل تلك الأشياء بينما لم تتقبل فكرة أنه لم يكن خطأه ولكنها لم تقبل كلماتهما ونهرتهما زاجرة بشدة:

- طب اللي هيفتح بقه تاني عن الموضوع ده هنخسر بعض بجد

تركتهما وهي تخطو بإنفعال وتوجهت للأعلى ليزم "رامز" شفتاه بينما نظر له "مراد" هاززًا رأسه بآسى ثم تبعاها للأعلى


     


آتاها صوت الرجل الذي عينته لمراقبة "سيرين" من الطرف الآخر على الهاتف متحدثًا:

- حضرتك يا هانم شوفتها امبارح وجاسر بيه وابن خالها نازلين من العمارة اللي ساكنة فيها وبعدين دخل وراهم هو وابن خالها عند اوتيل ... وفجأة طلع ابن خالها وبعدها هي مشيت بس الوقت كان متأخر ومرضتش أزعج حضرتك

همهمت في تفهم ثم قالت:

- طيب خلي عينك عليها ووقت ما تعرف حاجة بلغني على طول!

أنهت المكالمة لتشرد بما علمت من معلومات وهي تكاد تنفجر غيظاً بعلمها أن "جاسر" لا يزال بجانب "سيرين" بينما هي أصبحت وحدها دون وجوده جانبها لتتمتم بشر وملامح خبيثة متوعدة:

- يالا أفرحلكوا يومين.. بس في يوم هاحرق قلبك عليها وتعرف بجد مين اللي باقيالك

 حاولت أن تنظم أنفاسها وتفتش بثنايا عقلها عن طريقة جديدة وخُطة مُحكمة تحاول بها أن تزعزع علاقة "جاسر" و "سيرين" خلالها.

     

ازدرد مجددًا وهو لا يدري لماذا عليها أن تبدو بتلك الإثارة اليوم؟ أهذا بسبب رؤيته لنفس الحلم صباح اليوم؟ عقد حاجباه غاضبًا فجأة عندما أدرك أن العديد من الرجال حولها، ثم غمقتا زرقاويتاه ليكادا يقتربا من السواد عندما فكر للحظة أن العديد رآها بذلك المظهر ليسحق أسنانه في غضب وهو بالكاد يحاول ألا يخلع سترته ليخبأ جسدها الضئيل بداخلها!

 صرخت به بعد أن حدثته أكثر من مرة وهو لم يلحظ حقا أنها كانت تتحدث له: 

- أنت يا بني آدم مش سامعني!! ما تفوق وتركز

نظر لها بتركيز لتزجره:

- لا بقولك ايه.. شغل الهبل في الشغل ده معنديش.. خد بالك إن هيكون فيه Evaluation كل تلت شهور.. أنت هنا موظف زيك زي غيرك، أنا عندي نظام ومش هاغيره عشان سعادتك 

زم "مراد" شفتاه تأثرًا بما سمعه بينما رفع "رامز" حاجباه في دهشة ولكن "معتز" لم يتمالك نفسه وأخذ يقهقه لتلك الصفعة الجدالية المُهينة التي لأول مرة يتلقاها ابن خالته وغادر خارجا وهو حقا لا يصدق أن "جاسر" يُعامل بتلك الطريقة..

زمت شفتاها في حنق عاقدة حاجباها لتتحدث بحنق بالغ:

- لا ده واضح إنك كنت ممشيها سلطة.. قوم يا رامز شوف معتز عشان نبتدي الإجتماع

فر للخارج هاربًا من تلك المعركة الضارية بين اعينهما ليتدخل "مراد" باديًا كالطفل الصغير الذي يحصل على إذن معلمته:

- سيري معلش.. هاروح أجيب قهوة وآجي

تحدثت بإنفعال له :

- جرا ايه أنت كمان، أنتو صغيرين؟! أتفضل روح وارجع بسرعة

رمقته ليغادر وهو بالكاد يستطيع إخفاء ابتسامته قاضمًا شفتاه فنظرت بحاسوبها ولم تكترث بتلك الفيروزيتان التي أوشكت على إفتراسها بشراسة!! 

لا يستطيع التوقف عن النظر لخصرها الذي حددته تلك الملابس اللعينة وجسدها الرشيق الذي ظهر أكثر بجلستها وأحدى ساقيها تعتلي الأخرى وعسليتاها المتمردتان قد أفقداه عقله فنهض مسرعا وأوصد الباب عليهما فصرخت به ما إن أنسلتت لمسامعها صوت إغلاق الباب:

- أنت هتعمل ايه؟! أفتح الباب ده بسرعة!

اجابها ببرود مبالغ به:

- مش فاتحه غير لما تحترمي نفسك

حدق بعسليتاها ثم وضع يداه بجيوبه في غرور وبدأ في أخذ خطوات نحوها لتنهض هي والفزع بأكمله سيطر على جميع ملامحها بل وحواسها بأكملها لتهتف بصوتٍ مهتز:

- متقربش..

لأول مرة يسمعها تنطق بهذا بضعف وبالرغم من غضبه الشديد تجاه كل ما تفعله معه وما ترتديه شعر وكأن كلمتها أخترقت قلبه وخوفها منه بتلك الطريقة يطيح برجولته، فاتجه نحوها أسرع لتبدأ هي في الصراخ:

- متقربش مني.. ابعد عني لحسن هافضحك وألم عليك الشركة باللي فيها، أنا لسه معايا نسخة التقرير الأصلية ولو مكسبتش القضية كفاية اللي هيتقال عليك

انهالت الكلمات بسرعة بين شفتيها وهي تبتعد عنه واعتراها الفزع كلما اقترب منها بينما هو لم يتوقف عن الإتجاه نحوها حتى حاصرها بإحدى زوايا الغرفة فمدت يدها لتصفعه ولكنه أمسك كلتا يداها بيديه وصاح بها زاجرًا:

- متخافيش

ارتجفت شفتاها لتقول بتقزز:

- متلمسنيش.. أنا بقرف منك ومن منظرك ابعـ..

أوقفها عن الكلام مقاطعًا:

- هششش

لاحظ بدأ ارتجاف جسدها أسفل يداه وهو ممسك بها فهمس في صدق ونبرة مُطمئنة علها تهدأ:

- اهدي مش هاعملك حاجة

همست بصوت مبحوح متلعثمة يحاول مقاومة البكاء وهي تعتصر عيناها لتوصدهما وهي لا تريد أن تلمح وجهه:

- ابعـ.. ابعد .. عني 

 تحدث لها بهدوء وصوت لين وحاول أن يُساعدها أن تتغلب على خوفها: 

- أنتي قوية.. متخافيش كده.. مش هاعملك حاجة

نظرت له وتقابلت أعينهما لتنظر له متعجبة مما أخبرها به ليضيف: 

- متبقيش مهزوزة كده.. أنتي جامدة.. لا جاسر ولا عشرة زيه هيقدروا يعملولك حاجة.. اهدي وفوقي من اللي أنتي فيه ده، لا أنا ولا غيري متعودين عليكي كده 

فاجئها بكلماته التي لا تدري من أين آتت ليتوقف جسدها عن الإرتجاف ثم استمرا يحدقا بأعين بعضهما البعض وهو يقتلها الخوف منه وكذلك من ظنها أنها تبدو ضعيفة امامه ليقترب منها وكادت أن تنعدم المسافة بينهما لتصيح به:

- ابعـ.. 

لم تستطع أن تُكمل كلماتها عندما ادهشها بتقبيله لجبينها بنعومة وحنان ثم ابتعد موصدًا عيناه وهو يشعر بذلك التآلف بينهما الذي لم يشعر به من قبل ثم ترك كلتا يديها ووهي تفتش بداخلها عن قوتها التي خارت أمامه تمامًا بعد كل ما فعله لتقاوم رغمًا عنها عدم السقوط وتحاول أن تجعل الغرفة حولها تتوقف عن الدوران.

فتح عيناه لتلاحظ تلك الفيروزيتان رائقتان تمامًا لتراه لأول مرة بوسامة لم تعهدها، تلاحظ هدوءه المبالغ فيه، لو لم يكن هو نفس الشخص الذي سبب لها الآلام تواجه صعوبة في أن القابع أمام عسليتيها بهيئته الهادئة يستطيع أن يؤلم ولو حتى هر صغير.

لم تستمع لضربات قلبه المتواترة كشلال مياة منجرف، يريد أن يعانقها، أن يخبرها أن كل شيء سيصبح أفضل، يود أن يقسم لها أنه سيعمل على أن يعيد بداخلها تلك الفتاة القوية التي عهدها الجميع، يريد أن يتلمس جسدها ضامًا اياها ليشاطرها ذلك الثقل على كاهليها، يتمنى أن يتجرع هو كل تلك الآلام بدلًا عنها علها تشفع له في أن تسامحه يومًا ما.

لمح بعينيه ذلك القميص الذي يظهر مقدمة ثديهها لتعود عيناه للتأثر لينظر لها في غضب وهدر صوته سائلًا:

- ايه اللي أنتي لابساه ده يا سيرين؟!

اندهشت هي من تحوله المفاجئ وقابت زرقاويتاه بنظرة متعجبة ثم ارتفع حاجبها في تمرد وتحدثت له في جسارة:

- عاملي فيها راجل وهتتحكم في لبسي.. بعينك يا ابن هويدا!

عقدت ذراعيها ولم تكترث لقربه الشديد وكأنما ما فعله للتو مدها بالقوة وزجرته قائلة: 

- غور ابعد عني.. وسع 

ابتسم لها في توعد وأخذ يمرر سبابته على شفتاه ليهمس بها في خبث:

- أفتكري إني عاملتك بهدوء بس شاكلك ناوية إنك تستفزيني.. أنا بقا هاوريكي يعني ايه راجل.. يا سيرين! 

شعرت بكلماته تتغلغلها بعنف لتبتلع في وجل وتوجس لتراه يخلع سترته مبتسماً لها في زهو ونظرة ماكرة احتلت عينيه ولم يزح فيروزيتاه عن عسليتاها.


#يُتبع . . .