الفصل السابع - حب علي حافة المرض
الفصل السابع " لا تصدق "
لقد حاصرها وأوصلها للمنزل بعد أن تفاجئت أنه غير هندام عملهِ بالشركة.. وتحدث مع والدها بنفسهِ عن وجوب زيارتهِ لهم والتحدث معهم بأمر مهم.. وبالتأكيد والدها رحيم رحب بهِ فلم يكن بيديهِ غير ذلك على كل حال.. والأن هي من تتخذ موقفاً منه.
وقف أمام بائع أزهار ليتركها بالسيارة ويترجل منها مُتجهاً له.. راقبته بتشتت وضيق.. هي لا تعلم كيف تحافظ على هذا الحب بعد وكيف تعيش بنفس الوقت طبيعيتهِ، مشاكلهِ ومواقفهِ.. راقبته يعود لها ليدق علي زجاج السيارة فتفتحه لها ليتسائل بجدية وكأنه في مأزق: ايه نوع الورد اللى بتحبيه.
هي تُحب الورد كله وهذا ما قالته له بضيق ليسألها مجدداً: طيب اللون.
أجابته مجدداً كل شئ تحبه فتركها ليعود بعد قليل بباقة صغيرة احتوت فرعين من الورود أحدهما باللون الأرجوانى والأخر أحمر.. أحبتهم وراحت تتلمسهم بحب ليسألها وهو يتابعها: بتحبي الورد شكلك.
أومأت له قائلة بهدوء: ايوة جداً.
ابتسم بحب ليخبرها مقراً: هجبلك علي طول بإذن الله.. قوليلي بقي بتحبي ايه تاني.
هي واعية أنه يحاول تلاشي هذا الموقف الذي ضايقها ولكنها تحدثت تخبره بصدق: كرم انا محبش انك تحطني قدام الأمر الواقع كدي.. قولتلك لسة بدري عشان نتجوز قومت روحت كلمت بابا ولا أكني قولتلك حاجة.
أخبرها بصدق: لو الموقف مدايقك اني كلمت باباكي قبل موافقتك أو انك رفضتي وأنا مُصِر فحقك عليا يا ستي مش هتحصل تاني اني احطك قدام الأمر الواقع.. لكن لو مدايقك بقي اني مستعجل أصلا واننا هنتجوز فديه حسبة تانية خالص وساعتها أنا اللي هزعل وأجيب ناس تزعل بقولك أهو.
أنهي حديثه بمزاح.. وبالبداية ذاب قلبها لحلاوة كلامه اللين دائماً معها، ثم لم تمنع ابتسامتها وتلتها بضحكة خفيفة لتسأله بتردد: طيب افرد مامتك مش موافقة مش لازم تتكلم معاها الأول قبل قرارك ده.
نظر لوجهها لثوانٍ قبل أن يعاود نظره للطريق ليُكمل مزاحاً: هي ماما اللي هتتجوزك ولا ايه.
تضرجت وجنتيها بحمرة لتصمت بسأم.. قلقة ولا تعلم ما القادم.. ولكن والدها قد يوافق وهي لم تتحدث معه بعد ولا تعلم كيف ستفعل بوجود كرم.. هل تخبرهم جميعاً معاً.. لا! بالتأكيد لا.. ستجعل كرم خجلاً بمنتصف ثيابه إن فعلت.. هذا إن صدقها ولم يدافع عن والدته علي الأقل أمام عائلتها.. هوووف كبيرة صدرت منها رغماً عنها بصوت عالٍ لينظر كرم لها رافعاً حاجبيه ليتسائل: ايه يا رنيم للدرجة ديه أنا مضايقك خلاص هوصلك للبيت وأمشي وابقي اعتذري من باباكي وقولي إن جالي شغل.
نظرت له بغير وعي تسأله: ايه؟ ليه ما أنا ساكتة أهو.. أنا اتكلمت.
أجابها بحيرة: أنا واخد بالي إنك متضايقة أوي فخلاص يا حبيبتي لما تبقي مستعدة نبقي نتكلم.. احنا داخلين علي البيت أهو اعتذري لباباكي بقي لإني زماني عطلته ومستنيني.
تقهقرت ملامحها بحزن لتخبره بجدية ما إن أوقف السيارة ناظراً لها: يا كرم والله مقصدش حاجة ولو سمحت أطلع.. زي ما قولت أكيد هما مستنيينك وماما أكيد عملت حسابك في العشا خلاص.
بدا وكأنه يفكر لتلح هي ببراءة: يلا بقي.
صمت قليلاً وظلت تراقب ملامحه حتي همس بمشاكسة يخرج لها لسانه: هطلع عشان زين وحشني مش عشانك.
ضحكت ليود مجدداً لو يقرص وجنتيها الشهية تلكَ فضحك معها قائلاً بجدية: لو طلعت هفاتح والدك في الموضوع.
ليس هيناً.. لا يترك أمراً يُريده.. عضت شفتيها قائلة برجاء وهي تشاور بأصابعها: نأجلها بس شوية صغيرين عشان خاطري.
تنهد لا يعلم سر تمسكها برفضها هذا ليوافقها علي مضض لأجل خاطرها قبل أن يصعد ويمضي أمسية رائعة ودافئة مع عائلتها.
■■■
عاد كرم لمنزلهِ قبل منتصف الليل بقليل ليجد والدته، خالته وابنة خالته في بهو المنزل بانتظاره في جلسة تبدو مشحونة سلباً قليلاً أو هذا ما بدا له من نسمة فقط أما والدته زهرة وخالته فريال فلا يظهر إلا ملامح الارتياح عليهم كالعادة.. وكأن لا شئ قادر علي هدم مخططاتهم أو هكذا يتظاهرون دائماً!.
اقترب كرم ليُحييهم جميعاً قائلاً بمرح: ايه التواجد العائلي الجميل ده.. ازيك يا فوفا هانم.
زجرته فريال ليضحك قائلاً: اسف ازيك يا فريال هانم.
لانت بسمتها لتُجيبه بهدوء ظاهري: كويسة يا كرم ازيك انتَ.
هذا جيد ومقلق بنفس الوقت.. فخالته فريال تُجيبه وتتحدث له بل وتسأله عن حالهِ وهي التي كانت أخذت مقاطعة تجاهه بعد ما فعله لنسمة.. لذا أن يأخذ اللين مجراه معها فجأة فهو أمر محير ويبدو أنهم يخططون لمصيبة ما قادمة.. تنهد ليخبرها: الحمدلله بخير.
ثم نظر لنسمة المتوترة ليسألها بمشاكسة بصوت خفيض: وانتِ يا نسوم ازيك يا قمر بقيتي أحسن من بعد تردد الزيارات علي مطعم كنان مش كدي.
توسعت عينيها لتزجره بخفة خشية أن تسمع والدتها: بس يا كرم.
ضحك بقوة لتتحدث والدته بهدوء: احنا مش قاعدين ولا ايه ما تشركونا معاكم بتقولو ايه.
وقف كرم مقبلاً جبهتها قائلاً: ولا حاجة يا زهرة هانم أنا بس بسلم عليها.. هطلع أنا أخد شاور وأفوق كدي للقاعدة اللطيفة ديه وأنزلكم.
أومأت والدته وتحدثت فريال: احنا مستنيينك.
ما إن صعد حتي وقفت نسمة قائلة بضيق صدرها: لو سمحتو أنا مش عايزة ابقي جزء من أى حاجة في اللي هتعملوه فأنا همشي أنا.
زجرتها فريال قائلة: نسمة اقعدي مكانك يا حبيبتي.. ابن عمك لازم يعرف انك خايفة عليه ولسة بتحبيه.
زفرت نسمة بسأم وهي تقول بتردد: يا ماما ويا خالتو صدقوني أنا وكرم فعلا مش بنحب بعض حب جواز وعلاقات احنا بنحب بعض بس عشان اتربينا مع بعض وزي الأخوات مش أكتر وده احنا اكتشفناه ومينفعش تغصبونا علي غير كدي احنا مش صغيرين.. ثم اني مش مصدقة أصلا ان رنيم تطلع بالشكل ده.
نظرت زهرة لها بحدة متسائلة بمكر: قصدك ايه يعني يا نسمة.. أنا كدابة ولا انا اللي غصبتها تجيلي هنا وهددتها تقول الكلام ده.. انتِ مش شوفتيها بنفسك وانتِ جاية وهي ماشية من هنا.
أومأت نسمة بتوتر: مقصدش أكيد يا خالتو وأيوة شوفتها بس خايفة يكون في سوء فهم في الموضوع وكرم يرجع يزعل تاني أنا ما صدقت اني بقيت كويسة مع الكل.
وأمام نظرات كلتيهما لم تجد نسمة مفراً إلا من الجلوس بضجر وتأفف معتمدة علي سعة صدر كرم بألا يظنها معهم!.
■■■
انتعش بفعل المياه التي رفعت عن كاهلهِ تشنج عضلاته من عمل اليوم ثم ارتدي ثيابه المنزلية لينزل لعائلته الصغيرة بالأسفل.. وحوش هما دون نسمة_ والدته وخالته _ وحقاً يخشي علي رنيم حين تدخل بينهم كفرد من العائلة.. حتي الأن لا يجد لغة للتفاهم مع والدته كي تكون راضية تماماً عن زيجته برنيم!
جلس جوار زهرة ليتسائل: انتو هتباتو معانا بقي مش كدي.
نفت نسمة فوراً: لا نبات ايه ده انا عندي شغل الصبح وفي حاجات كتير في البيت لازم اخدها معايا.. احنا بس استنينا نسلم عليك قبل ما نمشي.
ثم نظرت لوالدتها باستجداء أن تؤيدها.. كيلا يكونا جزءاً من هذا الأمر ولكن والدتها صمتت غير معيرة لحديثها أي اهتمام بل زادت الأمر وهي تتسائل بمكر: صحيح يا كرم نسمة جات قبلي هنا انهاردة وشافت رنيم وهي طالعة من البيت بس ملحقتهاش عشان تسلم عليها.. كان باين عليها متوترة شوية.
ظهر عليهِ تشنجاً طفيفاً لعضلات فكهِ وهو ينظر لخالتهِ بهدوء صامتاً للحظات قبل أن يمظر لوالدتهِ سائلاً إياها: رنيم جات هنا انهاردة؟.
أومأت والدته بملامح بدت متشفية أو مشفقة لم يفهم كثيراً ولكنه علم أن ما سيسمعه بعد تلك الملامح لن يسره لذا انصت لها جيداً وهي تقول: اه رنيم كانت هنا انهاردة.. كشفت كل أوراقها المستخبية عنك.. مش عارفة بقي هي غبية كدي بالفطرة ولا ايه.
ضغط كرم فكيهِ ناهراً بلطف: ماما!.
ابتسمت زهرة تحمل هاتفها لتمنع عنه أي مناوشات جانبية بالحديث كي لا يتحامل هكذا عليها وهي تخبره: اسمع كدي يا حبيبي البنت اللي عايز تتحوزها وتدخلها عيلتنا كانت جاية تساومني ازاي.. انا هسمعك حاجة بسيطة بس من الحوار اللي دار بيني وبينها.
انهت حديثها.. وبات هو متأهباً بغلظة لما يحدث من حولة.. حتي استمع للتسجيل الصوتي الذي تعالي من هاتف والدته بصوتها تماماً وصوت رنيم:
_مدام زهرة لو سمحتِ نتكلم بهدوء ومن غير أي حدة.. أنا ميهمنيش كرم أبداً.. أنا عايزة فلوس كرم.
_أنا مش قلقانة من طفلة زيك ده أولاً.. ثانياً انتِ مين عشان اديكي من فلوس ابني.. ثالثا من غير مطرود يلا يا شطورة علي بيت أهلك.
بالبداية كان صوتها هي بكلمات لا تمس العقل والمنطق بالنسبة له.. وقلبه وقف حاجزاً بين تلكَ الكلمات عسي ألا تدخل عقله فيتفتح مجال الشك والغضب.. ثم استمع لوالدته وهي تخبرها بكل هدوء كما يعهدها أنها لا تؤثر بها بمثقال ذرة.
ضغط بأصابعه علي عينيهِ مجعداً ملامحه بعدم تصديق وبدأ وجهه بالاحمرار الطفيف من غضبه ومن مشاعره المتزعزعة.. مفكراً ما الخطوة الذي عليهِ اتخاذها الأن.. رفع وجهه لوالدتهِ معاتباً أنها تفعل هذا أمام باقي العائلة لتلمح فريال تلكَ النظرة فتخبره بود مزيف: ايه يا كرم احنا مش غراب يا حبيبي.. ده أنا أمك التانية وانتَ عارف انك زيك زي نسمة بالظبط حتي لما اخترت لبنتي شخص ياخد باله منها مخترتش غيرك.. وأكيد برده يهمني انك تختار الشخص الصح اللي هتكمل معاه.
لم تزيده كلماتها راحة مثلا بل زادته اشتعالاً فتجاهل الرد وهو يسأل والدته بحدة: هو ده كل الحوار فين باقي الكلام.
وضعت زهرة كفها علي ظهره وهو يجلس هكذا لتخبره: قولتلك يا حبيبي ديه أبسط حاجة اتقالت أنا مسحت الباقي وهمسح ده أصلا بس كان لازم تعرف طبعاً.. أنا وافقتك علي دخولك في الموضوع ده عشان بس تفهم وتعرف الناس ديه بتفكر ازاي.. لكن أنا مكنتش موافقة طبعاً علي جوازة زي ديه.. وكويس الموضوع جه منها مش مني.. يعني انا متعبتش عشان اكشفهالك او أي حاجة..
ثم ضحكت متقنة الدور لتخبره: تصور تقولي همضيلك علي تنازل انتِ عيزاه مقابل طبعاً انها تتجوزك وتعيش هي وأهلها حياة أفضل بفلوسك.
لم تكن زهرة تكذب كلياً بل كانت تقول ما يعرفه عقلها عن رنيم بظنها المحدود.. محدود نعم ومن يراها من بعيد يشفق عليها حقاً أكثر من رنيم.. فهي لا تعيش حياتها، لا تستمع بوقتها، لا تكون علاقات لطيفة لو كانت علاقة رنيم تلك منهم لكانت شخص مختلف الأن و لا تري بهجة الحياة وقصرها للتوقف عن تلكَ الصراعات.. كل ما تراه الطبقات، الماديات وحب الجميع لثروتهم وليس لهم وهذا نابع من عدم شعورها بالحب والأمان أساساً.. عدم حبها لذاتها لتحب غيرها.. ورغم كل ذلك يسندها جمودها وقوتها المتقنة فقط لتلكَ المواقف التي هي حياتها بأكملها.. حقاً هي حالة تمثل الشفقة بأوجهها كلها.
#يتبع...