الفصل الخامس والعشرون - جسارة الإنتقام
- الفصل الخامس والعشرون -
حدقت به في خوف وتوسعت عيناها وهي تتابع حركته في خلع سترته وتلعثمت هامسة:
- أنت.. أنت بتقلع ليه؟ أنت.. هتعمـ..
سحق أسنانه وهو يشعر بالذنب يأجج صدره وكأنما التهمت النيران قلبه فجأة وهو يراها بتلك الملامح فصرخ بها مقاطعًا:
- قولتلك متخافيش.. مش عايز أشوف الخوف ده في عينيكي، فاهمه؟
ارتجفت لكلامته التي لا تدري اهي تساعدها أم تخيفها أكثر ثم ألقى سترته بوجهها لتتمسك هي بها بتلقائية وعفوية تامة كي لا تقع أرضًا ثم أقترب منها لتبتلع في وجل وتكلم بنبرة هادئة:
- عايزة تكملي يومك بإحترام تهدي كده وتعقلي وتبطلي خوف، الجاكيت ده هتلبسيه عليكي وتكملي اليوم بيه لو عايزاني افتحلك الباب.. مفتاح الباب في جيبي ومش هافتحه غير لما تلبسي اللي في ايدك ده! وزي الشاطرة كده من غير خوف تيجي وتاخدي المفتاح، لحسن ورحمة أبويا نفضل قاعدين هنا شهرين حتى ولا يفرق معايا!
ابتعد عنها وتوجه لمكتبه جالسًا وأخذ يعمل على حاسوبه ويتفقد بعض الملفات أمامه وكأنها ليست موجودة بالغرفة بينما بداخله كان يترقب قرارها ويتمنى أن يراها بنفس الصلابة والقوة التي عهدها بها يومًا ما..
ظلت واقفة، تشعر بالحيرة، لم تتوقع أنه أول من بدأ في أن يشعرها بوجوب استعادة رباطة جأشها وعدم إظهار خوفها أمامه مهما كان ما يفعله، لم تصدق أنه حتى لم يهددها مثلما أعتاد ولكنه قبلها، أقبلها حقاً أم أنها كانت تتخيل؟
بدأت برأسها تتجاذب اطراف الحديث بينها وبين نفسها ليدوي صوتها داخلها:
- هو ليه عمل كده؟ وايه البسي الجاكيت والهبل ده كله؟ شغل الاستعباد ده أنا مش هاطاوعه فيه! وفاكر نفسه هيدخل عليا بالحبتين بتوعه دول وأنا هجيب ورا! لا ده نجوم السما أقربله
توعدته بداخلها ثم استنشقت نفساً طويلاً وهي تحاول أن تبدو قوية وتذكرت كلماته لها لتشعر بالغضب تجاه نفسها التي خذلتها بضعفها الذي تجلى عليها واستطاع بسهولة أن يرى وجلها بعيناها ولكنها لن تستسلم له ..
توجهت له بخطوات مسرعة وصوت كعب حذائها المرتفع يعلن عن تحركاتها لتلقي السترة بوجهه وأعلى تلك الملفات التي يطالعها ليرفع زرقاويتاه محدقًا بها بنظرة نارية لا تحتمل النقاش لتزدرد لعابها في ارتباك ثم وقفت بغطرسة وأمسكت بخصرها في تمرد واستعادت تلك النظرة الجريئة بعسليتاها ولم تلقي بالا لعيناه المخيفتان ثم تحدثت بصلابة:
- بص يا ابن هويدا.. شغل البسي ومتلبسيش ده مش بتاعك.. لا تفتكر إنك جوزي بجد ولا هاعملك اعتبار واسمع كلامك.. واوعى تصدق إني خايفة منك.. أنا بقرف، وقولتلك بيجيلي مغص كل ما أشوف خلقتك دي..
رسمت ملامح السخرية على وجهها ببراعة لتردف:
- إنك تتحكم فيا وتجبرني على حاجة ده تنساه، اشطبه من قاموسك ودماغك بدل ما اوريك الويل ألوان! وإنك فاكرني مهزوزة ده لأني بحس إن لمستك ليا بتوسخني لأن من يوم ما عرفتك وأنت واحد وسخ وقذر مسابش واحدة قذرة وحاجة قذرة إلا واتمرمغ فيها!
افتح الباب من غير كلام كتير وقصر وانجز بدل ما أكرهك بجد في اليوم اللي سمعت بس فيه اسمي وانكد عليك صبح وليل لغاية ما تترجاني ارحمك!
تحلت بالقوة ليندهش هو مبتسمًا لها ثم نهض وعيناه لا تستطيع التوقف عن التحديق بكل إنش بجسدها الممشوق فاقترب منها بخطوات هادئة وواثقة تمامًا ولكنها هذه المرة رفعت له رأسها بتعالي وتابعته بعيناها وأخذ كلًا من رأسها وجسدها يستديران حتى تنظر له كمن تخبره أنا لست خائفة منك بعد الآن!
تمتم مبتسماً وتوقف أمامها وهو يمرر سبابته على شفتاه:
- قولتيلي إنك مش خايفة!
أقترب للغاية منها حتى أصبحت تلامس المكتب بجسدها وهو أمامها بطوله الفارع تكاد تفصل بينهما مسافة ضئيلة للغاية وتسائلت هي بجرأة ساخرة منه:
- منك أنت؟.. أنت ولا حاجة بالنسبالي.. وبعدين عرفت تمامك ايه، بتروح تتشطر على واحدة ست وتفتكر ساعتها إنك راجل!
ابتسمت له في تهكم وكم تمنت أن يدرك حقًا ما تقصده بتلك الكلمات عله يشعر بالإهانة والضعف أمامها.
سألها واقترب منها اكثر حتى أصبح جسده يلامس جسدها وعسليتاها لا زالت تطالعه ناظرة لأعلى:
- أنتي شايفة كده؟
زجرته متهكمة مرة أخرى وهي تلاحظ اقترابه الشديد منها ولكنها تمسكت بصلابتها وصاحت:
- بقولك ايه، ما كفياك حك بقا وحاول تسترجل كده وابعد عني.. ولا أنت متعرفش تتعامل غير بالوساخة عشان أنت طول عمرك وسخ ومتعود على كده؟
توسعت ابتسامته بعذوبة ثم همس:
- بصي يا سيرسن
قرب وجهه من وجهها أكثر ثم حاوط جسدها مستندًا بكلتا يداه على المكتب خلفها وأردف بنبرة عميقة غاية في الهدوء:
- أنتي متعرفنيش، ويمكن عمرك ما عرفتيني بجد، ولا عمرنا اخدنا فُرصة سوا علشان كل واحد فينا يعرف التاني بس بكرة تعرفي مين جاسر كويس اوي..
أخترقت فيروزيتاه عسليتاها لتشعر بالارتباك من مدى قربه منها فحاولت أن ترجع للوراء بظهرها حتى تتفادى قربه وهي تحاول التغلب على ذلك التوتر وتصنعت القوة ولكنه لم يتوقف عن التقرب منها ليحذرها بنبرة ملكت الوجل من دمائها:
- لسانك ده تلميه وتعلميه الأدب وبلاش بجد تشوفي أنا ممكن أعمل فيكي ايه كل ما تقولي حاجة تستفزيني بيها.. مش بهددك ولا باجبرك بس بلاش أنا عصبيتي وحشة اوي..
ابتلعت لتبتعد أكثر بجسدها للخلف بعد أن شتتها الإرتباك وكادت أن تسقط ولكن أحدى ذراعاه تمسكت بخصرها جيدًا وفقدت الشعور بالأرض أسفلها لتصرخ به وهي تنظر له في غضب وبدأت أنفاسها المرتبكة في التواتر بسرعة شديدة:
- ابعد ايدك عني يا حيوان!
سألها وهو يضيق المسافة بين وجهيهما حتى شعرت بأنفاسه الساخنة تلفح وجهها:
- ليه؟
صاحت به في صلابة:
- ايه اللي ليـ..
قاطعها وهو يتفحص عيناها باحثًا بداخلهما هل حقاً خائفة أم تشعر بالتقزز منه أم لا تستطيع السيطرة على توترها من اقترابه منها بتلك الطريقة:
- خايفة مني؟
قالت بتلعثم وهي تومأ له في انكار:
- للأ.. لأ مش خايفة!
سألها من جديد وهبطت عيناه بتلقائية ما إن لاحظها تلتهم شفتها السفلى بين أسنانها ليصر أسنانه مجبرًا نفسه على التحكم بما بزغ بتخيلاته:
- مش أنتي مراتي؟
أخذ يتابعها وهو يحاول أن يتحكم بتلك الرغبة الملحة التي تدفعه لتقبيلها فتعالت أنفاسه اللاهثة فهمست ببحة في صوتها:
- آه
لم تستطع التحكم في تلقائيتها بعدما سيطرت تلك النظرات المنهالة من عينيه التي لأول مرة تلاحظها ولم يترك اقترابه منها أي سيطرة بداخلها لتبدو قوية ثم أدركت ما تفوه به لسانها لتلعن نفسها بعقلها فهمس هو الآخر:
- طيب..
اقترب بشفتيه من أذنها ليتحدث بصوت يكاد يسمع:
- اتلمي يا سيرين لحسن كلمة تانية ولا شغل نمردة وقلة أدبك عليا قصاد الناس هتتباسي! سمعاني ولا لأ؟
بعثرت تلك البحة الرجولية بصوته مشاعرها وشعرت بالتخبط داخلها لتزداد وتيرة أنفاسها وارتبكت كثيرًا وهي لا تصدق حقًا ما أخبرها به ولا كيف تسمح له بإقترابه منها بهذه الطريقة ليُتمتم بالمزيد بالقرب من اذنها:
- لو مسمعتيش كلامي وفكرتي في الكلمة قبل ما تنطقيها أظنك عرفتي هاعمل فيكي ايه، لو جيبتي سيرة رجولتي تاني هخليكي تايهة كده زي ما أنتي ومش عارفة تتلمي على نفسك، متخلنيش أعاملك كده وخلينا محترمين، بلاش طولة لسان قصاد الناس وخليكي فاكرة إن مبيفرقش معايا حد وهامسكك ابوسك قدامهم كلهم..
غصب عن عينيكي الحلوة دي هتلبسي الجاكيت وهتجيلي لغاية عندي وهتاخدي المفتاح من جيبي، أنا مش بقرون عشان أسيب الرجالة تبحلق فيكي وياكلوكي بعنيهم! واياكي أشوفك لابسه كده تاني.. مش عايزة تسامحيني متسامنيش، متدنيش فرصة تانية، بس الإتفاق اتفاق.. انتي مراتي وعلى اسمي وطول ما احنا لوحدنا مش هقولك حاجة لكن قدام الناس كله إلا الغلط فيا وفي رجولتي!
بدأت يده في مداعبة خصرها بخبرة اكتسبها مع النساء من قبل لتتهاوى أهدابها في تلقائية دون ارادتها فأغمضت عيناها في استمتاع دون إرادة منها كلما شعرت بأنفاسه المحمومة تنهمر بالقرب من أذنها مرتطمة بها وعضت على شفتها فهي لأول مرة يقترب منها أحد متكلما معها بتلك الهمسات وهي لا تدرك أين ذهبت قوتها وكيف لها أن تستسلم بين يداه هكذا لتبتلع بصعوبة وفي تشتت هائل!
بالكاد فتحت عيناها لتجده انتهى من اغلاق زرا سترته عليها فنظرت له بغضب ولكنه ابتعد عنها بعد أن رمقها بنظرة إعجاب وجسدها يستقر داخل سترته موليًا ظهره لها وارتسمت على شفتاه ابتسامة انتصار وسعادة لم ترها هي.
صاحت متلعثمة بعد استيقاظها من ذلك الموقف البغيض الذي لم تقع به قبلًا:
- أنت.. أنت متقربش مني تاني.. سامع ولا لأ؟
تركها خلفه ثم ابتعد حتى أقترب من الحائط ليستند بظهره عليه واضعًا يداه بجيوبه في زهو وعاكست أحدى قدماه الأخرى لترمقه في كراهية وغضب من نفسها ومنه لتصيح به وقد بدأت في استعادة صلابتها:
- لا بقولك ايه، مش عشان وساختك اللي أنت واخد عليها مع الستات الوسخة فاكر إنك كده كلفتني بقا وهريل عليك وأثرت عليا زيهم وبقيت خاتم في صباعك
عقدت ذراعهيا في تحفز ليبدأ هو بالضحك لجسدها الضئيل وكم بدت مضحكة داخل سترته ولم يستطع السيطرة على قهقهاته لتغضب هي أكثر ولكن بنظره كان منظرها أجمل ما رآت عيناه وهي تبدو كالطفلة الصغيرة المتمردة التي تأبى تعليمات والدها لتهدأ ضحكاته وشرد بها في ابتسامه لتتوجه هي وتقف أمامه وهي لأول مرة تستمع منه تلك القهقات الرجولية لتشرد به هي الأخرى لثانية ولكنها سرعان ما زجرت نفسها!
مدت يداها وهي تحاول أن تتصنع الغضب بعد أن فاقت من شرودها بملامحه التي بدا بها شابًا يافعًا دون تلك النظرات المُخيفة المُتغطرسة التي لطالما تحلى بها وحررت بتأفف زرا سترته ولكن أوقفها صوته العميق بمنتهى الهدوء ثم تمتم لها وهو ينظر بمرمى عينيها ولا يزال محافظًا على ابتسامته:
- عايزة تتباسي يا قطة ولا ايه؟
توسعت عيناها في زجر لتصيح به:
- أنت انسان قليل الأدب وسافـ..
قاطعها متكلمًا في برود وتلذذ محدقًا بها:
- أقسم بالله لو قلعتي الجاكيت لاخدك وانزل فيكي بوس ومحدش هيحوشك مني.. مش مراتي واحنا اتفقنا خلاص.. وريني بقى هتعملي ايه!
ععقدت حاجباها في غضب وصرخت به:
- أنت بجد حيوان و..
قاطعها محذرًا وهو يُشدد على نطقه للحروف:
- ها! هنشتم تاني؟ احنا اتفقنا نحترم بعض ونبقى كويسين سوى، لا تقلي مني قدام حد ولا انا اضايقك.. وباللي انتي بتعمليه ده مصممة تخليني مش راجل قصاد الناس!
ازداد غضبها حنى رآى احمرار أذنيها لتتلعثم قائلة:
- أنت... أنت.. يوووه
لم تجد الكلمات لتصفع الأرض أسفلها بحذائها في حنق شديد لتتعالى ضحكاته مرة أخرى لتحاول التحدث والتحجج بحجة منطقية:
- طب ازاي الناس هتشوفني كده والجاكيت ده كبير.. وشكلي مشـ..
أدرك سريعًا إلي أين تريد الوصول فقاطعها بنبرة لينة مخبرًا اياها بإبتسامة بعد أن هدأت ضحكاته المتعالية ونظر لها بمصداقية:
- زي القمر يا سيرين.. بالجاكيت ولا من غيره، باللبس ده ولا بتاع زمان، طول عمرك حلوة!
زمت هي فمها في حنق ولكنها لأول مرة تشعر بإطرائه على أنوثتها ولن تنكر أن جزء بداخلها ضئيل قد تحرك إثرًا لكلماته ووجدت أنه لا مفر من الجدال معه فزفرت متأففة وتكلمت بصرامة:
- هات المفتاح..
أراد أن يراها تلك الواثقة فقال بتلقائية:
- تعالي خديه
نظرت له للحظة وهي تكره تحكمه اللاذع ولكنها مضطره أن تأخذ ذلك المفتاح منه ولكن خطرت ببالها فكرة وهو واقفًا هكذا وبالطبع لم ير ذلك المشهد الذي تخيلته هي فمشت نحوه بإبتسامة انتصار ثم بكل تلقائية وجرأة مدت يدها لتأخذ المفتاح من جيبه لتجد أصابعه تداعب خاصتها داخل جيب بنطاله في استمتاع ومُقلتيه تحدق بخاصتها في جرأة فجذبت يدها في هدوء وأقتربت منه قليلًا بإبتسامة ثم فاجئته بركله رجولته بركبتها وكم امتنت لذلك الحذاء الذي أعطاها ذلك الطول الذي افتقدته سابقًا وصاحت بإنتصار:
- اتفقنا على لبسي وكلامي.. متفقناش على الضرب!
وجدته يهوى أرضًا على ركبتاه وتخلى عن شموخه الذي يستفزها فابتعدت قليلًا ووقفت أمامه بشموخ افتقر هو له وهمست بتشفي:
- والله وجيبتك تحت رجلي يا جاسر يا شرف الدين
تعالت ضحكتها المنتصرة على آناته التي كتمها وغضبه الذي يُجاهد للسيطرة عليه لتذهب هي بخطوات هادئة كبطل الحرب الذي ظفر بالمعركة لتوه نحو الباب وفتحته وتوجهت للخارج!
صاحت "هويدا" بإنفعال وهي تتحدث بهاتفها:
- يعني ايه كل ساعة والتانية رايحاله الشركة؟
اجابها الرجل بتردد:
- معرفش حضرتك بسـ
صرخت به مقاطعة:
- متعرفش يعني ايه؟ مش بدفعلك كل اللي تطلبه على أساس إنك تعرفلي كل حاجة عنها أول بأول!
حمحم الرجل ثم قال:
- حضرتك اديني فرصـ..
قاطعته من جديد والغل تملك كيانها:
- اسمع اللي هاقولهولك ده كويس.. تعرف بتروح الشركة ليه، تتصرف بقا تشوف حد جوا الشركة ولا تموتها حتى ميهمنيش، قدامك لغاية آخر الأسبوع وتكون كل حاجة عندي
أنهت المكالمة على الفور لتلقي بالهاتف في غيظ ثم تمتمت بحقد دفين:
- حتة عيلة لا راحت ولا جت هتعمل فيا أنا كده.. أنا هوريكي يا بنت سلوى، ووراكي لغاية ما اشوفك مرمية في الشارع.. يا أنا يا أنتي!
كادت أن تنفجر من كثرة التفكير بسبب قربها منه هكذا طوال الوقت بينما هو بعيدًا عنها، هي احق به منها، هي من شيدت هذا الكيان المُسمى بـ "جاسر شرف الدين"
حاولت تنظيم انفاسها اللاهثة من شدة الغضب ثم تذكرت تلك الكلمة التي أخبرها بها عندما رآته آخر مرة لتصدح بعقلها حتى شعرت بالغضب أكثر
"بيتي وبيت مراتي.."
تحدثت بعقلها ثم توجهت لتأخذ هاتفها الملقى لتجري مكالمة بإبتسامة خبيثة:
- بقا بنت سلوى المعفنة هتاخدك مني زي امها ما خدت أبوها مني زمان.. ده بعدك أنت وهي! أنا هاعرف ازاي اخليها تبعد عنك..
صرخت بكل ما أوتيت من قوة أثناء نومها:
- مراد الحقني.. نور.. حد يجي متسبونيش..
صرخت مجددًا بشدة:
- ابعد عني
بدا عليها الهيسترية التامة لتتساقط دموعها بغزارة وصاحت في ذعر:
- كفاية.. أنا بكرهك ابعد عني..
ابتلتا وجنتيها بالدموع ليلعن نفسه مرارًا على كل ما تمر به وحاول أن يفيقها:
- سيرين فوقي.. سيرين.. ده كابوس.. قومي اصحي
ما إن سمعت صوته حتى نهضت على الفور واقفة بجانب السرير وها هي استيقظت في ثوانٍ من كانت تأخذ الكثير من الوقت كي تصحو ليشعر بمرارة ما ارتكبته يداه لتتحدث في انفعال وفزع ملتقطة انفاسها اللاهثة بصعوبة:
- ابعد عني.. أنت عايز ايه؟ أنا هاصرخ والم علينا الناس، هاقول لمراد ونـ..
نظر هو لها وقد سيطر على ملامحه الصدمة التامة فهو لم يكن يتوقع أن خوفها وصل لهذا الحد! أتراه بكوابيسها الآن؟ كيف له حتى أن يُصلح ذلك!
توقفت من تلقاء نفسها عندما تذكرت أين هي وما الذي حدث معها منذ صباح اليوم لتنظر له وهي تجفف دموعها وكل ما تمنته أن تختفي من أسفل ذلك الشرار المتطاير من تلك الزرقاويتان فتوجهت دون أن تنبس ببنت شفه للحمام..
كم كره نفسه! كم تمنى لو أصبح ميتًا بهذه اللحظة! كم غضب تجاه نفسه ولم يشعر بالمبالغة لو ذهب وقطع يداه بنفسه وبكامل قواه العقلية!..
توجه لغرفته وعقله كالبركان ينفجر به العديد من الكلمات التي تؤكد له أنها يستحيل أن تغفر له، أدرك أن فعلته لن تنساها بحياتها، شعر بالضعف عندما تذكر كلماتها وهي تستنجد بصديقها واخته تستجير بهما منه، بالطبع ستفعل؛ فهما الوحيدان اللذان كانا معهما بنفس المنزل بتلك الليلة المشؤومة.
هوى بجسده وعلم أن كل ما فعله اليوم لم يكن سوى نقطة في بحر مما عليه فعله بعد.. ولكن هل ستتقبل هي؟ هل سيستطيع يومًا ما التخلص من الشعور بذلك الذنب الذي يلازمه ليلاً نهاراً؟ هل سيقدر على أن يُنسيها كل ذلك الآلم، وسيساعدها على التخلص من فزعها وخوفها كلما رآته؟!
هل سيتوقف هو عن الخوف وشعوره بتأنيب الضمير والندم عندما يتطلع بتلك العسليتان وتدفعه للتفكير ألف مرة بكل كلمة سيتفوه بها معها وكل مرة أقترب منها حتى ولو بعفوية؟!
جلست على حافة المغطس وهي تجهش بالبكاء لا تدري هل لأنه رآى ضعفها وخوفها ظاهران أمامه بتجلي؟ أم لأنها لم تستطع التحلي بالقوة والصمود أمام عيناه؟ أم لأنها كلما أستعادت سيطرتها تتبدد في لمح البصر؟
شعرت بالكره تجاه نفسها كثيراً، أم أن تلك الكراهية تجاهه هو؟ هو المذنب بنظرها، لولا فعلته لكانت الآن بأحسن حال! ولكن ماذا عن اليوم؟ ما الذي يقصد بفعله كل تلك الأشياء؟!
منذ موافقته عن التنازل لها عن إرثه وحتى تلك النظرة التي لاحظتها على وجهه.. سيجن عقلها! لماذا يفعل كل ذلك وهو نفس الشخص الذي تعدى عليها وجعلها بتلك الحالة الميؤوس منها، لماذا يكترث من الأساس؟!
عاد عقلها ليتذكر ما حث صباح اليوم عندما غادرت مكتبه وتركته ساقطًا أرضًا وبداخلها دوامة من تشتت شديد لا ينتهي، ورغمًا عنها تحركت الفتاة الخائفة التي لم تتعامل مع زوج ولا حبيب قط والأنثى بداخلها قد تألمت من جديد!
همس "رامز" متعجباً ناظراً لها ما إن لاحظ أن "جاسر" قد انشغل بمكالمة هاتفيه و "معتز" ذهب ليحضر احدى الملفات:
- أنتي لابسة الجاكيت بتاعه ليه؟
اجابه "مراد" بهمس بدلًا منها:
- تلاقيه غيران بس مش أكتر
نظرت نحوه "سيرين" بحنق ولم تستطع أن تنفس عن غضبها المكتوم ليضيف مداعبًا بإبتسامة:
- ايه يا بنتي أنا أكلتك ولا ايه؟ بتبصيلي كده ليه؟"
اعادت نظرها لأحدى الملفات امامها بينما تكلم "رامز" بنبرة خافتة كي لا يستمع لهم أحد:
- أوباا.. والله ونخيت يا جميل
نظرت له زاجرة بعسليتاها الناريتان ثم تكلمت في انفعال:
- ولا نخيت ولا زفت.. اخرسوا أنتو الاتنين! ولا أقولكوا!!
تريثت لبرهة وهي تجمع أشياءها ونهضت لتغادرهما وحدثتهما بحنق:
- كملوا أنتو بقا.. أصلاً كلامكوا بقا يقرف..
تركتهما وتوجهت للخارج بينما لاحظها "جاسر" بطرف عيناه فناداها سائلًا:
- سيرين.. رايحة فين؟
لم تكترث لكلماته وأكملت طريقها نحو الخارج ليلحق بها فتوقف جانبها أمام المصعد ولكنها أدعت عدم ملاحظتها ليتوقف المصعد معلناً عن الوصول فدلفت داخله ليدلف هو الآخر فلم تتوقع حقا أنها ستكون معه بمكان ضيقا هكذا وحدهما فترجلت من المصعد بتأفف وقالت بمضض:
- ما دام سيادتك نازل انا هاستنى.. اتفضل وانا هستنى الاسانسير التاني.. انا مش رايحة معاك في حتة..
تبعها للخارج ونظر لها ولكنها لم تستطع مبادلته تلك النظرات فتظاهرت بالعبث في هاتفها ولاحظت خروجه لتدلف مجددًا وصاحت بغضب دون اكتراث لأي احد يسمعها:
- متقرفنيش بقا.. بطل تلزقلي.. حل عني يا اخي
تبعها هو في هدوء مرة ثانية ولم يدع لها الفرصة فوقف أمامها ليمنعها ثم أغلق الباب وضغط زر المصعد لطابق المرأب لتنظر له هي في وجل وارتباك وقالت بأعين التمعت ببريقًا مختلطًا من القلق والإشمئزاز:
- أنا مشوفتش في غباءك حد.. ايه مبتفهمـ..
لم يدعها تكمل حديثها فالتهم شفتاها في قبلة هادئة كي لا يصعب الأمر عليها فاستطاعت أن تتخلص منه بسهولة وصفعته بكل ما اوتيت من قوة وصرخت به متقززة:
- كفاياك وساخة بقا.. اياك تعمل كده تاني.. خلي عندك دم، أنا مبقتش طايقة ابص في وشك!
ابتسم أمامها بإنكسار بعدما للحظة شعر أنه محظوظ لملامسته لشفتاها وتوجهت للخارج بخطوات مسرعة ليتبعها في صمت وما إن توقفت أمام سيارتها حتى جذب يدها ليمنعها فالتفتت له إثراً لجذبته وكادت أن تصفعه مجددًا ولكنه تفادى صفعتها وبادر بالحديث:
- استني عايز اوريكي كام حاجة
غرق بعسليتاها الغاضبتان وابتلع لعابه وبعقله تعصف ملايين الأفكار ما بين سعادته بقربها منه ووجوده معها وبين ذلك الرفض الدائم الذي يحصل عليه منها لتفيقه من تحديقه بها مجيبة بإقتضاب:
- بعدين مش فاضية
جُذبت من يديها واجبرها علي أن تتبعه لتصيح به في تقزز مُدعية الخشونة:
- يوووه.. ما تبطل غباء بقا.. ايه الضعب في اللي أنا بقوله!
لم يُعقب على ما قالته بكلمات ولكنه توقف أمام سيارته ثم أخرج حقيبة منها لتتعجب "سيرين" ونظرت له بأعين متسائلة وأبى لسانها أن يتحدث ثم تحدث لها في جدية:
- بصي.. هتلاقي في الشنطة دي تلاتة Electric shock، بتعرفي تستخدميه ولا أعلمك؟
تعجبت ولم تدر لماذا آتى لها بذلك ولكنها سرعان ما أدركت أنه لا ينفك عن ملاحظة خوفها لذلك احضر لها تلك الأجهزة فعقدت حاجباها في انفعال ظانة انها محاولة خائبة في أن يبدو رجلًا شهمًا يحاول أن يُخلصها من ارتباكها وازمتها فصاحت به في رفض:
- مالكش دعوة بيا ومش هاخـ..
قاطعها بنبرة هادئة وارتسمت الجدية والتوسل على ملامحه:
- سيرين احنا من النهاردة هنكون جنب بعض، هتعيشي معايا ومش هابعد عنك أبداً، هساعدك تعدي من الأزمة دي، واللي عملته مستاهلش إنك تسامحيني حتى عليه، وفاهمك أوي إنك بتخافي
تريث لبرهة وكادت أن تتحدث فبادرها:
- خلي واحد في البيت وواحد في شنطة ايدك وواحد في العربية بتاعتك.. مؤقتاً لغاية ما تبقي أحسن، وحتى لو أنا جيت جنبك بطريقة محبتيهاش استخدميه عليا
اقترب منها في جدية ولم يستطع أن يطالع عيناه وهو يشعر بالآلم، لم يكن يملك القوة الكافية لفعلها فأمسك متعلقاتها التي بيديها تحت دهشتها الشديدة وفتح احدى أبواب السيارة الخلفية ليضع كل شيء بها ثم تحدث مجدداً مخبرًا اياها:
- يالا اركبي عشان فيه مكان لازم نروحه
تفقدته بعينيها وهي لا تزال مندهشة لتجد أنها تريد التفكير بكل شيء الآن فلم تستجب لكلماته والتهمت شفتها السفلى وشردت بعقلها لتفكر لماذا يعاملها هكذا؟ لتجده ينهاها بنبرة ماكرة:
- لا بصي؛ بلاش الحركة دي لحسن أنا اللي اجيب electric shock واصعق بيه نفسي
نظرت له في تعجب بعد أن أفاقه صوته من شرودها لتجده يتلمس شفتها بإبهامة فابتعدت فورًا برأسها للوراء على عجل وصاحت به زاجرة:
- يكون في علمك مش رايحة معاك في حتة، وأنا عندي عربيتي اللي هاروح وهاجي بيها و..
أوقفها عن الكلام بنظرة خبيثة وتكلم بنبرة اجبرتها على السكوت:
- هاجي اشيلك وادخلك العربية غصب عنك! هتركبي لوحدك ولا عايزة تتشالي؟
لمحت نظرة الانتصار بعيناه لتغضب أكثر من كلماته وصرخت به مندفعة كعادتها:
- لا بقولك ايه انا مش هـ..
قاطعها مبتسماً في نفاذ صبر وهو يحاول أن يكبح غيظه:
- عايزة تتشالي يا قطة ولا ايه؟!
تريث لبرهة ثم تابع:
- وبعدين هو أنتي لسانك ده ايه؟ لوكلوك لوكلوك!! اركبي يا سيرين ومتستفزينيش أكتر من كده!!
أخبرها وهو يحاول أن يسيطر على أعصابه التي برعت في استفزازها ثم توجه للسيارة حتى يدلف بها فتسائلت على مضض لتوقفه:
- هو احنا رايحين فين؟
اجابها دون اعطائها الإجابة التي ارادتها:
- دلوقتي تعرفي
زفرت بتأفف ليدلف كلاً منهما وصدح هاتفها بالرنين لتجلس على ركبتيها بالكرسي جانبه وأصبح وجهها مقابلًا للخلف بينما ظهرها قابل زجاج السيارة الأمامي فلمحها لينفجر ضحكاً ولم يستطع أن يوقف نفسه.
جسدها الضئيل وهي تتحرك هكذا بأريحية وسترته الضخمة على جسدها ربما تغطي جسدها بأكمله وحذائها الذي يبدو كبيراً للغاية أسفل سترته جعلها تبدو مضحكة للغاية بنظره.
رمقته بغضب وهي تطالع هاتفها الذي لم تستطع أن تجيب على المتصل حتى وجدته وسألته بتهكم:
- ايه؟ شوفت اراجوز؟!
أخبرها مجيبًا بين ضحكاته لتهدأ وتتحول لإبتسامة ثابته:
- أنتي مش ممكن، أحلى حاجة فيكي عفويتك دي
لم تكترث لمحاولته الفاشلة في التغزل بها ظل ينظر لها بين الفينة والأخرى سارقاً بعض النظرات لملامحها بينما رمقته هي بتقزز ثم هاتفت الذي اتصل بها من دقيقة وتحدثت فورًا:
- معلش ملحقتش أرد عليكي!
حدثتها "نور" من الطرف الآخر على الهاتف:
- وحشتيني أوي بقا ومحتجاكي جداً تنقذيني من الورطة اللي أنا فيها
ردت متسائلة:
- وأنتي كمان يا نور.. بس ورطة ايه؟
هتفت بها في توسل:
- معتز يا ستي.. صمم إن جوازنا آخر الإسبوع الجاي وكل حاجة اتكركبت فوق دماغي.. شغل وتجهيزات وشرا حاجات وبجد مش لاحقة أخلص حاجة
صاحت بدهشة وابتسامة سعيدة:
- مبروك.. وأقولك بتحبيه تقوليلي لا هفهمك.. محن بنات صحيح!
تريثت "نور" لبرهة حتى تتخلص من الصدمة التي سيطرت عليها بفعل ذلك اللفظ النابي الذي نطقت به بينما "جاسر" بعد أن شعر ببعض الغيرة تجاهها أنها كانت تعلم منذ الكثير على عكسه رمقها بتعجب وهز رأسه في إنكار ما إن سمع كلمتها الفظة وهي تتحدث بخشونة كما الرجال.
عادت لتسألها "نور" متحدثة:
- هاشوفك امتى بقا
اجابتها بعفوية:
- هاكلمك وأقولك، يا النهاردة بليل يا بكرة بالكتير
أنهت مكالمتها وتفقدت المكان الذي كانا به من نافذة السيارة لتندهش من كثرة القصور التي تحيط بها.. أو هكذا رآتها، المنازل بأكملها طرازها ساحر وتلك المسطحات الخضراء الشاسعة تجبر القلب على أن يشعر بالراحة، الهدوء الذي حاوطهما بعث لقلبها شعوراً محبباً بالألفة وبالرغم من أنها لم تكن من محبي تلك المظاهر إلا أنها شعرت بالراحة كثيراً.
ظلا يسيرا لدقيقتان بهذا الحي الراقي ثم دلفا من أحدى البوابات الإلكترونية لتتسع دهشتها وهي تطلع تلك الفيلا بإعجاب والحديقة حولها تحبر أياً كان على الوقوع بحبها فوراً.
توقف بسيارته أمام المدخل ثم ترجل من السيارة وهي شاردة تماماً ليفتح بابها ثم أخبرها بإبتسامة لينة:
- يالا..
أشرأبت بعنقها نحوه وتسائلت:
- احنا فين؟
اجابها بإقتضاب:
- بيتنا
ترجلت من السيارة لتغادرها وعسليتاها تتفقد المكان فازدادت ابتسامته لملاحظة إعجابها ثم توجه للمدخل وفتح الباب لتتبعه بترقب ولم تقترب منه كثيراً لتجد بالداخل رجل وفتاتان يبتسمون لهما فصافحه الرجل ومثله الفتاتان وهم يرحبوا به:
- جاسر بيه.. ازي حضرتك عامل ايه؟
حدثه برسمية مُجيبًا:
- تمام الحمد لله.. مدام سيرين.. مراتي
مد الرجل يده ليصافحها فابتسمت له بإقتضاب فهي لا زالت لا تريد أي تلامس مباشر مع الرجال ولكن صافحت الفتاتان ورآت التعجب بعيني كلتاهما وهما يتطلعا مظهرها في تعجب ليصدح صوته:
- شوفوا هتختار ايه وعايز كل حاجة تخلص بسرعة
هبط برأسه جانب أذنها وهمس لها:
- دول أحسن مصممين ديكور أعرفهم، حبيت تعملي كل حاجة على ذوقك.. شوفي هتختاري ايه على ما أخلص كام مكالمة وأرجعلك
تركها وهي لأول مرة كادت أن تذهب خلفه لتترجاه ألا يضعها بذلك المأزق فهي لم تفعلها من قبل..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
همست بالهاتف في توتر خوفًا من أن تستمع "هويدا" إلي مكالمتها:
- أنا سمعتها بتكلمه، وعايزاه يراقبها، معرفش مين بس شكلها ناوية تأذيها، وفضلت تتكلم أنها بتروح شركة لحد وعايزاه يراقبها ويعرف سبب بتروح ليه
سألها وهو متأكد أنها بالطبع كانت تتحدث عن "سيرين" ولكن لربما قصدت إمرأة أخرى أو هكذا أراد أن تكون الحقيقة فلا يستطع إنكار أنه أصبح يموت خوفاً من أن تتعرض لها "هويدا" بدهاءها وخبثها بشيء يؤذيها:
- متعرفيش كانت بتتكلم عن مين؟!
اجابته في قلة حيلة:
- للأسف مقالتش أسماء.. بس كانت متعصبة أوي..
همهم في تفهم ثم قال:
- طيب.. خليكي متابعاها وأي حاجة تحصل قوليلي
اخبرته في رسمية:
- حاضر يا جاسر بيه
ابتلع لعابه ثم تنهد في غضب وتسائل بداخله:
- يا ترى ناوية على ايه تاني؟!
شعر بالقلق فهو لا يستطيع أن يتحمل ما إن حدث لها مكروهاً من جديد بسببه هو ووالدته التي بات يتمنى بداخله لو انها لم تنجبه لهذه الحياة ثم توجه لها على الفور بعد أن أنهى جميع مكالماته الخاصة بالعمل وتسائل بإبتسامة مقتضبة متفحصًا اياها:
- ايه تمام؟!
تحدثت احدى الفتيات بإبتسامة وعينها وحدها تبدو كمن تتحرش به:
- تمام يا جاسر بيه.. المدام ذوقها حلو أوي وكل اختيارتها بسيطة وفي نفس الوقت شيك جداً
نظرت لها "سيرين" بإحتقار أمتزج غضباً ليقول هو بلهجة آمرة:
- عايزين نخلص بسرعة ومش عايز حاجة تطول..
ابتسمت الأخرى وقالت برسمية لا تخلو من الدلال المصطنع:
- تحت أمرك متقلقش
غادرت "سيرين" وهي لا تدري لماذا غضبت فودعهما بإقتضاب ولحق بها فسألها بحيرة بينما جلست هي بالسيارة عاقدة ذراعيها:
- ايه مشيتي ليه؟ فيه حاجة ضايقتك؟
اجابته بإقتضاب ولم تنظر له:
- مفيش..
مط شفتاه متعجبًا ثم شرع بقيادة السيارة لتترك غضبها جانبا وسألته بتآفف:
- أنت رايح فين تاني؟
نظر لها بطرف عينيه ثم اجابها:
- رايحين Hotel بتاعي عشان نقعد فيه اليومين دول على ما البيت يخلص
أومأت بإقتضاب بينما تعجبت لماذا لم يصطحبها لأحدى منازله التي يملكها ولكنها هكذا شعرت بالأمان أكثر فمهما يكون سيكون بجانبها العديد من الناس ولن يكونا بمفردهما تماماً.
صف سيارته أمام احدى فنادقه الضخمة ثم أعطى مفتاح السيارة لأحدى العاملين بعد أن حمل لها أشيائها بنفسه وتمنى بداخله أن تتوقف عن الشعور بالخوف وود أن تدرك أن بيده العديد من الأشياء ولن يستطع أن يفعل شيئاً لها..
واتته فكرة بأن يعطيها لأحدى العاملين مجبراً اياه بتلك الطريقة أن يصعد معهما بالمصعد ثم دلف جميعهم ليضغط على زر بالمصعد يحمل رقم ثلاثين لتندهش هي من ذلك ثم توقف أمامها واضعاً يداه بجيوب بنطاله لتطالعه هي بعسليتاها وتفقدت تلك التقسيمات العريضه بمنكبيه ثم هبطت عيناها لخصره لتتمتم بعقلها:
- حتة تور شبه الحيطة!! جته ستين نيلة
امتعضت ملامحها ثم توقف المصعد ليخرج الجميع ثم ذهب العامل ليفتح أحدى الغرف ووضع متعلقاتها بها ثم أعطاها البطاقة الخاصة بالباب وأستأذن منهما ليومأ كلاً منه له.
ناداها بعد أن كادت تدلف الغرفة:
- سيرين
نظرت له بنفاذ صبر ولا زالت عاقدة ذراعيها منذ أن كانا بالسيارة وكأنها تحمي نفسها بهما:
- عايز ايه؟
اجابها بلين:
- الأوضة دي بتاعتك وأنا الأوضة اللي جنبك.. هبعتلك حد كمان شوية هيديكي Access بتاع باب ما بين أوضنا ومتقلقيش مش بيفتح غير من عندك بس..
أومأت له بإقتضاب وكادت أن تغادر ليوقفها بيده جاذباً ذراعها بلطف فصاحت به:
- ما قولتلك متلمسنيش ولا أنـ..
تحدث مترجياً اياها وملامحه طغى عليها الآلم لتقابله بنظرة احتقار ولكنا تلك المرة أمتزجت بالحزن:
- أنا عايز نبتدي بداية جديدة.. عشان كده مرضتش أروح أي بيت دخلتيه قبل كده.. أرجوكي اديني فرصة.. أنا عار..
لم تتركه لُيكمل ثم توجهت لداخل الغرفة وصفعت الباب بوجهه ليبتلع في صعوبة متنهداً في آلم وخوف ثم تمتم وهو يتوجه لغرفته:
- ادي آخرة اللي يحب واحدة عنيدة!
تفقدت الغرفة التي لن تستطيع أن تصفها الكلمات، هذه أعجبتها حقاً، لن تمانع أن تمكث بها طوال حياتها.. خلعت سترته لتلقيها أرضاً بتقزز بعد أن تحملت عطره ورائحته الرجولية بها طوال اليوم ثم همست لنفسها:
- يا ساتر!! حاجة تقرف.. وقال يبوسني قال.. ده بعدك يا وسخ
خلعت حذائها بهرجلة لتلقيه كالعادة بإهمال لتتذكر ما تفعله ثم امتعضت ملامحها وضربت رأسها بيدها بخفة ثم تنهدت متمتمة:
- غبية!! هالبس ايه أنا دلوقتي؟!
ذهبت لتفقد الغرفة لربما هناك شيئاً ترتديه وما إن فتحت دولاب الملابس حتى صُعقت من كمية الملابس به!!
العديد من ملابس النوم وملابس أخرى رسمية وهناك فساتين أيضاً ولكن ما أثار حقاً دهشتها هو تلك الملابس التي أعتادت أن ترتديها من قبل..
سترات رياضية وكمية لا نهائية من السراويل الـ Jeans التي رُتبت بدراجتها، بل لم ينسى من آتى بكل الأشياء ملابسها الداخلية!! فهمست بآسى وهي تتوجه للحمام حتى تستحم علها تستطيع أن تُفكر بكل ما مرّ عليها اليوم:
- ليه جي تعمل كل ده دلوقتي؟!
فاقت من شرودها بعد تذكرها كل ما حدث اليوم على صوت تحطيم بعض الأشياء لتتوجه على الفور لتوصيد الأبواب عليها جيداً وازدردت لعابها في صعوبة لتدمع عيناها وهي لا تدري هل هو حقاً يدمر كل شيء بغرفته؟!
هي تعلم جيداً كيف يبدو وهو غاضب وبالطبع لن تذهب له، ودت أن تفر مبتعدة عن كل تلك الأصوات التي تسللت لأذنيها كما أن رأسها بها الكثير والكثير من التساؤلات وودت أن تتحدث بكل ما يدور بعقلها مع أحد..
تذكرت كم أصبح كلاً من "مراد" و "رامز" داعمان له فجأة وكأنه لم يؤذيها، هي لم تعد تطيق نظرات المزاح التي أنبعثت منهما وابتسامتهما كلما نظر "جاسر" لها أو حتى عندما تحدثا لها عن ارتدائها لسترته..
حدثت بهاتفها بعد أن رآت أن "أدهم" هو الشخص الوحيد الذي تستطيع أن تتحدث له فهي لن تحدث "نور" وهي أخته بنهاية الأمر كما أنها ستكون منشغلة بالإستعداد لزواجها:
- أدهم.. أنا محتجاك أوي!
صاح سائلاً بلهفة وقلق:
- أنتي كويسة؟! أني فين طيب؟!
اجابته مخبرة اياه بمكانهما:
- أنا في Hotel .... عارفه؟
همهم ثم اجابها:
- مش مشكلة هاجيبه على Maps بس ايه اللي وداكي هناك؟
كلمته بنبرة سريعة في توسل:
- تعالى بس وهافهمك كل حاجة.. أنا هنزل أستناك دلوقتي.. متتأخرش أرجوك
رد على الفور قائلًا:
- ربع ساعة أقصاها وأكون عندك.. المسافة مش كبيرة.. سلام
أنهت المكالمة ولا زالت أصوات التهشيم تنسلت لمسامعها حتى شعرت بالوجل والتوتر وتمنت أن يتوقف ولكنه استمر في تحطيم الأشياء حتى شعرت أن الجدار كاد أن ينهار من كثرة إلقاء الأشياء عليه.. فتوجهت مسرعة لتبدل ملابسها وتوجهت للأسفل على الفور..
#يُتبع . . .