-->

الفصل السادس _ حب علي حافة المرض

 


الفصل السادس " لأجله " 

بعد منتصف الليل ومنذ أن عادت من العمل برفقتهِ وهي تفكر وتفكر حتي أصابها ألم شديد برأسها.. ألم ليس اعتيادياً.. رغم أنها تعرف كرم منذ شهور معدودة إلا أنها تريد بشدة أن يكون هو مصدر أمانها الأن.. رغم والدته تود أن تكون جزأ من حياته كما حصل هو علي قلبها في رمشة عين.. ربما أعجب هو بجمالها أو هيئتها المثيرة الطفولية لا تعلم فهي لم تتحدث معه مطولا بعد عن مشاعرهم ولن تقدر علي ذلك حتي فطرياً.. ولكنها واثقة أنه يحبها.
وهي وقعت له لدرجة يوجعها قلبها بشدة من خصامه البسيط من أول اليوم علي قصها لشعرها كما أوهمته وأوهمت الجميع..
بتلكَ الأشهر المعدودة كم كانت تنتظر لحظة أن يصرح علناً بحبه الذي كان ظاهراً بتصرفاته وكلامه وكل شئ.. كم تلهفت، حَلِمت وأنسجت الخيالات برأسها عن حياتهم معاً.. لتأتي والدته التي لا تعلم عن الأمومة شئ وتدمر كل شئ جميلاً توقعت أن تعيشه معه!.

توقف عقلها عن التفكير فيما يجب عليها فعله وما القرار الصائب الذي يجب أن تتخذه.. يوم البارحة الذي قضدته وحدها بغرفتها كان لازماً لتتخطي صدمتها فقط ولكن اليوم يجب أن تفكر كيف ستتصرف وهل تخبر الجميع أم لا.. 
الجميع تقصد بهم والديها، فدائماً وأبداً لم يكن هناك عندها أسرار تُخفي عنهم.. هم الأوعي عنها والأكثر خبرة بهذه الحياة ودائما ما كان يحدث قولهم حتي لو عاندتهم ولم تأخذ برأيهم.. لذلك بكل تأكيد ستخبرهم وهذه هي خطوتها الأولي.. أما هو فلا تعرف حقاً ماذا يجب أن تفعل أو أن تقول.. ولكنها متيقنة من أمر واحد أنها نسيت نفسها، نسيت والدته وتهديدها وهي معه!. 
لذا يبدو أنها ستقرر أن تُجازف.

■■■


استغلت رنيم اليوم التالي وقد كان كرم لديه العديد من زيارات المواقع خارج الشركة مع بعض المهندسين.. واستأذنت لبعض الوقت مع راحة الغداء وعزمت علي تنفيذ ما فكرت بهِ.. تجربة ربما تصيب وربما تخيب! 
ولكن يجب أن تُقدِم علي تلكَ الخطوة قبل أن تخبر أهلها بما حدث لها وبما تريده هي. 


شهقت الكثير من الهواء وهي تجلس ببهو منزله الخاص تنتظر والدته حتي تتكرم وتنزل لها.. تنظر للساعة كل تارة وأخري،، لا تريد أن تتأخر عن العمل فيعلم كرم وتكون محط تساؤل بالنسبة له فتعاود الكذب عليهِ مجدداً.
لقد عادت لهنا مجدداً.. ربما هذا غباءاً وربما تلكَ شجاعة منها.. ولكن لم يكن أياً منهم فرنيم لم تكن محط موقف كهذا من قبل ولا تظن أنها تمتلك الشجاعة الكافية لمجابهة تلكَ الجبارة والدته ولكن فقط كرم وتلكَ المشاعر البريئة التي تكنها له هي ما تحركها بأمل. 


ارتبكت وظهر ذلك جلياً علي أهدابها المرفرفة بألم قلبها وهي تنظر لوجه زهرة التي جلست أمامها بكل استعلاء وبدت أمامها بالنسبة لزهرة كقطة خانعة تماماً ولكنها كانت شابة رقيقة لم تكسرها الآلام بعد وهي حطت بيديها علي أول طريق آلامها!.


تحدثت زهرة وهي تنظر لها بكل مكر متلذذة تماماً بما فعلته بها وهي ترمق حجابها: الحجاب لايق عليكِ يا رنيم.


دق قلب رنيم من تلكَ النبرة.. هذه المرأة خطيرة، خطيرة جداً وهي توشك علي البكاء الأن ولكنها ستكمل حتماً لذا همست برفق: مدام زهرة أنا..


أوقفتها زهرة بتقزز فوراً وبنبرة حادة: زهرة هانم.


شهقت رنيم مجدداً لتقول بتوتر: زهرة هانم.. ممكن نتكلم لو سمحتي بهدوء من غير أي حدة أو كره من ناحيتك لشخصي.


ضحكت زهرة باستخفاف لتجيبها: كره.. مين قالك إني بكرهك يا رنيم.


ثم صمتت.. لا تعطيها إجابة شافية.. تلقي كلمة أو اثنين تبعثر بهم تلكَ الفراشة الصغيرة وتستلذ هي بذلك.. شعرت رنيم بصغرها فعلاً أمامها وكأنها ليست شابة صاحبة خمسة وعشرين عاماً، لتسألها: مش بتكرهيني.. طيب  ليه حكمتي عليا حكم مسبق بالشكل ده.. ليه مفكرة إني عايزة فلوس كرم.. صدقيني أنا ميهمنيش أبداً..

قاطعتها مُجدداً بحدة: عندك عندك انتِ هتاخدي وتدي معايا في الكلام ولا ايه.

ثم صمتت لتستشيط رنيم غضباً فتتحدث بنبرة مرتفعة قليلاً: حضرتك لازم تسمعيني.. أنا مش جاية أدافع عن نفسي لأني مش عارفة انتِ ليه شايفة إني جاية اصطاد ثروتك وفلوسك.. أنا مش عايزة أي حاجة من كرم.. مش عايزة أي حاجة.

ضحكت زهرة وهي تهز رأسها وتزفر باعتيادية وكأنه مشهد هزيل يُعرض أماماها لتخبرها بملل وتحذير في آن: كلامك اللي هتقوليه محفوظ يا رنيم ومش ده اللي اتفقنا عليه من يومين صح!.

أنهت الموقف وتلكَ المرأة تلعب علي أعصابها لتخبرها ما أتت لأجله: مستعدة أمضيلك عن تنازل عن أي حق ليا في جوازى من كرم.. ومستعدة أمضيلك عن أي تنازل انتِ عيزاه لو ده هيريحك من ناحيتي وصدقيني لو اديتي نفسك فرصة تعرفيني هتعرفي إن فكرتك عني غلط تماماً.

ضحكت زهرة هذه المرة بجدية.. ليس هزلاً ولا استخفافاً.. إنما أثارت رنيم حقاً دهشتها بكلامها الطفولي قبل أن تتغير ملامحها للشر مجدداً.. تلكَ الملامح نفسها التي آرتها إياها من يومين لتقل بحدة: أنا مش قلقانة من طفلة زيك ده أولاً.. ثانياً انتِ مين عشان أدي نفسي فرصة أعرفك.. ثالثا من غير مطرود يلا يا شطورة علي بيت أهلك وابقي اقفلي بابك عليكِ كويس وانتِ نايمة.


تقهقرت رنيم كلياً بعد هذا وهي تقف لترمقها بعدم تصديق قائلة: حقيقي أنا مش مصدقة إنك ممكن تكوني أم كرم فعلاً.


وقفت زهرة ترتب هندامها وهي تستعد لمراقبتها وهي تذهب من أمامها قائلة بغموض: يبقي أنتِ متعرفيش مين كرم يا رنيم.


لم تأبه باهتزازها الواضح وراقبتها وهي تذهب حتي اختفت من أمامها لتُمسك بهاتفها الذي سجل كل حرف في تلكَ المقابلة السخيفة قائلة: بنت غبية.


■■■


لقد خابت.. خابت محاولتها في الولوج لعقل تلكَ المرأة وجعلها تغير وجهة نظرها عنها والأن ستخبر أهلها بما حدث وقد تخبره أيضاً ولكن بعد أن تستشير أهلها.. بعد عودتها من العمل مساءاً.

عاد كرم من جولتهِ.. ليُنهي بعض أعماله ويطلبها لمكتبهِ.. رفرف قلبها وهي مشتاقة لرؤيته بعد أن حرمها خصاماً من صوته البارحة واليوم.. التقطت بعض الملفات ذريعةً كي لا تكون محط أنظار الجميع لتُداري خجلها وراء العمل ثم ذهبت له.

بعد أن سمح لها دخلت بترقب واقتربت منه بهدوء وهي تنظر لعينيهِ التي تأكلها تفرساً كذلك.. وقفت مُتمسكة بالملف بين يديها بصمت ليسألها برفق ضاحكاً: ايه الملف ده.

رفعت كتفيها لتُجيبه بصدق: مش عارفة جبته عشان محدش يتكلم علينا.

وقف ليقترب منها وهي تدعو كي لا تنهار آلا يقترب ولكنه كرم بالنهاية.. وقف أمامها مُحاصرا إياها بين مكتبهِ مُتسائلاً: وفيها ايه لو اتكلمو الكل قريب هيعرف انك بقيتي خطيبتي وهتبقي مراتي.


زفر قلبها بالألم رغم محبته لهذا الكلام.. ليتهُ صادقاً ويتمسك بها حين يعلم ما يحدث من ورائه.. ليته يعلم ولا يتركها بمواجهة المدفع وحدها هكذا.. طال صمتها وهي تنظر أرضاً فظنها خجلة كعادتها ولم يفطن أنها تفكر بشئ أخر.. لذا حاول أن يلمس وجهها ليرفعه لها لتبعد هي وجهها عنه قائلة بتحذير خافت: كرم.


ابعد يديهِ مجدداً قائلاً بحنان: خلاص آسف تعالي نقعد هناك ونتكلم شوية.


جلست معه لتسأله هي قبل أن يتحدث: أنتَ مبقتش متدايق مني عشان شعري.


تنهد بحزن حقيقي ليُجيبها: لا يا حبيبتي خلاص.. معلش لو كنت اتعصبت انبارح ولا دايقتك،، أنا كنت بحب شعرك جداً بس بحبك انتِ اكتر طبعاً ومش مهم هيطول تاني ان شاء الله.


نظرت له بوله مُتسائلة باحتياج: بجد يا كرم.


تسأله إن كان يُحبها حقاً.. وأن هي أهم من أس شئ لديه ولكنه فهم أنها تسأله عن خصامه لها ليُجيبها بمزاح: طبعاً يا حبيبتي بجد، أنا مقدرش أزعل منك أنا بس اتصدمت شوية.


أومأت له بصمت لينظر لها بتفحص.. ما بها.. وجنتيها المحمرة تبدو وكأنها مجهدة وليست خجلة.. شرودها بين كل جملة وأخري، هتف برفق وكم ود لو يتناول كفها بين يديهِ ليشعر بدفئهم.. لم يكن يعلم أنهم أثلج من فصل الشتاء بأكمله كعادتها حين تتوتر أو تحزن.. وجهها يسخن كبركان وأطرافها تكون مثلجة كالقطب الجنوبي.. يناقض جسدها المشاعر والآدمية معها.. تسائل كرم بقلق: مالك يا رنيم انتِ كويسة.


لوهلة كانت ستنفي ولكنها قالت بسرعة: أيوة كويسة بخير.. انتَ كنت عايزيني في ايه.


باغتها فوراً دون تفكير: وحشتيني.


ابتسمت بصدق ونظرت له بحلاوة عينيها قائلة بخجل: انتَ عارف اني مش هقدر أجاريك في كلامك ولا تصرفاتك.


ضحك وهو يعرف أنها تعني قوانينها ليقل بصدر رحب: عارف يا ستي ومستحمل أهو.. بس ايه رأيك بقي نعمل الخطوبة كمان يومين ولا حاجة.


حمحمت بخفوت لتقل بصدق: ممكن أقولك حاجة.


أومأ بتهلل ليخبرها: قولي.


لعبت بأصابعها تخبره ما كانت تريده دائماً: هو أنا مش عايزة نعمل خطوبة.. يعني كفاية قراية الفاتحة لحد ما نعرف بعض كويس ولو ربنا أراد نكمل مع بعض نبقي نعمل حفلة في كتب الكتاب.


تابعها حتي صمتت ليسأل: طيب ليه عايزة كدي يا حبيبتي.


أخبرته بجدية: يعني احنا هنعملها ليه.. أنا لا هرقص معاك ولا همسك ايديك ولا هسمح انك تلبسني الشبكة حتي لأن كل ده ممنوع وان كان علي الناس فممكن تعرف من غير حفلة وان كان علي صحابنا فاحنا برضو ممكن كل واحد يحتفل مع أصحابه لو عايز.


نظرت له بتوتر تعض شفتيها وتراقب رد فعلهِ: فاهمني يا كرم صح؟.


باغتها بشهقة خشنة ليطلب بجدية: قولي كرم تاني كدي.


قطبت حاجبيها ولم تتوقع هذا منه لتقل بطاعة: كرم.


زفر متأوهاً ليقل صادماً إياها: فاهمك يا قلب كرم.. يبقي نكتب الكتاب ونعلي الجواب زي ما بيقولو عشان نرقص براحتنا.


بدت علي ملامحه الجدية تماماً لتقل بدهشة: ايه!!.. انتَ بتهزر يا كرم.. لا مينفعش.. لسة بدري..كت..


قاطعها بنهييه للأمر: خلاص يا سكر وأنا كنت عمال أفكر اجبهالك إزاي اننا نتجوز علي طول بس انتِ حلتيها أهو.. بما ان كله ممنوع فاحنا نتجوز.


لوهلة شعرت أنها لا ترتدي حجابها وأنها تنفخ بخصيلات شعرها التائقة لشفتيها ففعلت بالفعل هذا وهي تضع يديها تعيد ترتيب خصلاتها لتصتدم بحجاب رأسها ليضحك كرم بدفئ عليها لتغتاظ منه قائلة: متهزرش بقي.. أنا راحة مكتبي.


أسرعت لتخرج من عنده ولكن صوته أتاها من خلفها بكل جدية وهو يضحك عليها ليدق قلبها بقسوة فأي متاهة تلكَ هي بها: قولي لبابا رحيم إني هتعشي معاكم انهاردة.


#يتبع