-->

الفصل الحادي والعشرون - جسارة الإنتقام

- الفصل الحادي والعشرون - 


تحدث لها "أدهم" محاولًا أن يُطمئنها:

- متقلقيش يا سيرين.. أنا شوفت التقرير طبعاً أول ما جيت.. كل حاجة فيه توديه في داهية.. بس هو ليه عمل كده؟

تغيرت ملامح الجميع لما سمعوه.. 

"مراد" يشعر بالشفقة تجاه كلًا منهما، سواء هو أو هي لا يرى أنه ذنب أحدًا منهما والسبب هو والدة "جاسر" التي انطلت كذبتها عليه.. بينما "رامز" لا يدري بم يشعر.. لا يزال يُحمل نفسه ذنب تلك الفجيعة المؤلمة وعدم وجوده بجانبها بالرغم من أن ما أخبره به "معتز" لا يجب أن يُستهان به أيضًا.. 

أمّا "سيرين" فامتعضت ملامحها وتحولت نظرة عيناها لإحتقار ممزوج بالإنتقام وغلف الصمت الغرفة حولهم ليردف "أدهم" متعجبًا:

- ما حد يرد عليا يا جماعة.. ليه جوزها عمل كده؟!

نهض وكاد أن يقترب من "سيرين" لتنظر له في غضب جم ممزوج بالذعر لتجره بحدةٍ:

- متقربش يا أدهم!!

ازدادت دهشة ثلاثتهم ثم ازدردت بآلم لتتحدث بإحتقار:

- الوسخ ده فاكر أن بابا أغتصب أمه

اندهش لما سمعه وتسائل بغير تصديق:

- ايه الكلام ده؟! الكلام ده حصل فعلاً؟!

 أسرع "رامز" بإجابة سؤاله:

- لا طبعاً.. محصلش الكلام ده

شردت هي في صمت تام وملامحها يزداد عليها الإنفعال، تشعر بالتقزز تجاه كل ما حدث، لازالت كلماته لها عالقة بأذنيها، تدوي في عقلها، تفكر وتفكر كيف ستنتقم لنفسها ولا تكترث بأي شيء آخر..

بعد لحظات سكوت تعجب "أدهم" ثانيةً:

- طيب معلش، أنا لسه معرفوش، هو مين قاله كده أو فهمه كده؟! 

اسرعت "سيرين" بالرد بنبرة منزعجة:

- معرفش، وميهمنيش أعرف، أنا كل اللي عايزاه إني أبهدله.. شوفولي مستشفى تانية لو سمحتـ

قاطعها "مراد" بتعجل:

- استني يا سيرين.. حسام أنتي مشوفتيهوش عمل ايه في جاسر.. التقرير اللي كاتبه فعلاً يوديه في داهية، هو في صفك جداً و..

 صرخت بهم جميعاً وكأن الغضب تملكها بالكامل لتقاطع "مراد" بحرقة: 

- مش عايزة أي حد بيتعامل مع الوسخ ده يجي جنبي.. قولتلكوا أنقلوني من المستشفى ولا أتصرف أنا؟!

استغرب الجميع من تصرفها وانفعالها فحاول "رامز" أن يهدأ من ثورتها:

- حاضر.. هنعملك اللي أنتي عاوزاه.. هنادي بس حسام عشان..

لم تدع له الفرصة وقاطعته بإنفعال لاذع:

- حسام لأ.. مفيش راجل هيقرب مني.. شوفولي دكتورة وبرا المستشفى دي

بدأ "أدهم" في إدراك ما تمر به نفسيتها بينما لم يستطع صديقيها معرفة السبب خلف معاملتها الجافة لهم القاسية بتلك الطريقة معهما فتمتم "مراد" وهو لا يستطيع التحكم في اعصابه:

- حاضر يا سيرين..

توجه مغادرًا للخارج فتبعه "رامز" هو الآخر في غضب وما إن خرجا حتى حاول "أدهم" توصيد الباب عليهما ليختبر ما ادركه ليصدح صوتها المفزوع و كادت كلماتها أن تتحول لصرخات:

- أنت هاتعمل ايه؟! أفتح الباب ده.. متقفلوش 

تأكد "أدهم" جيدا أنها تشعر بالخوف من مجرد إقتراب الرجال منها والتواجد مع أي رجل بغرفة مغلقة فترك الباب مفتوحًا ثم توجه ليجلس على مقربة منها ولكن دون أن يتعدى حدًا قد تشعر منه بالريبة وألها وعيناه تتفحص ملامحها المنزعجة من تواجده معها وحده:

- في مستشفى معينة عايزة تروحيها؟! ولو تحبي كمان تقعدي في البيت وأجيبلك كل اللي أنتي محتجاه هناك مفيش مشكلة

تريث منتظرًا سماع اجابتهاو حاول أن تبدو كلماته داعمة قدر الإمكان لحالتها لتجيبيه بإقتضاب ولهجة غير مرحبة لحديثه:

- مش عايزة أروح البيت.. عايزة أروح مستشفى تانية وخلاص ومتصدعونيش بكلام كتير..

دخل فجأة "مراد" و "رامز" تابعين "حسام" الذي شرع بالتكلم قائلًا:

- حمد الله على السلامـ..

قاطعته بشراسة ضارية:

- بقولك ايه!! امشي أطلع برا لحسن ورحمة أمي هافضحك أنت والكلب اللي ماشي تلم وراه .. غور مش عايزة أشوف وشك

أندهش من كلماتها اللاذعة ولكنه تحكم في ردة فعله نظرًا لحالتها وما مرت به ثم قال بهدوء:

- "أنا مش بلم ورا حد!! وأحسنلك تروحي ترفعي عليه قضية.. اللي حصل ده ميرضيش حد، والتقرير عندك تقدري تسألي أي دكتور غيري، وعمـ..

صاحت به بإنفعال قاسٍ وقاطعته:

- ما قولتلك غور ومش عايزة منك حاجة.. ولا مبتفهمش عربي!

 انفعل "حسام" هو الآخر ولكنه سيطر على نفسه وقال:

- حاضر بس هنطمن على حالتك وأقدر أطلعلك تصريح خروج على مسئوليتك زي ما أنتي عاو..

قاطعته من جديد ليلاحظ الجميع خوفها  المرتسم على ملامحها الذي أمتزج بالغضب:

- لأ أنت مش هتقرب مني.. لا أنت ولا غيرك.. شوفلي دكتورة هي اللي تطلع تصريح الخروج!

حاولت إظهار تماسكها قدر الإمكان بينما أدرك كلًا من "أدهم" و "حسام" أنها تمر بأزمة نفسية وصجمة من اقتراب الرجال بعد ما حدث لها فأومأ بالموافقة وتحدث بهدوء:

- حاضر.. معلش يا جماعة محتاجكم برا شوية 

وجه كلماته لثلاثتهم ليغادروها لتصدح بآخر من خرج منهم:

- أقفلوا الباب وراكم

فعل "رامز" ما أخبرتهم به وهو متعجبًا لحالتها وطريقتها الفظة في التصرف معهم فهي لطالما كانت تعامل الجميع بفظاظة ولكن ليس اصدقائها..

همست وهي تحظى ببعض اللحظات بمفردها أخيرًا:

- استحالة بابا يكون عمل في أمه كده.. استحالة

أجهشت بالبكاء وكأنها بعد طريقٍ من اختناق دام لسنوات تستطيع التنفس وكلماته لازالت تتذكر كل حرف منها لتهمس:

- ليه تعمل فيا كده؟ ليه مقولتليش؟! ازاي جالك قلب تعمل كده على سرير واحد ميت.. منك لله! 

تمتمت بين نحيبها وهي تكره شعورها بالضعف وقلة الحيلة وحاولت نفض تلك الذكريات من عقلها ثم فكرت وهي تتوعده بنفسها:

- ماشي يا جاسر الكلب.. أنا هوريك.. إن ما أنتقمت منك وكسرتك مبقاش أنا سيرين.. أنا هخليك تندم على كل حاجة عملتها فيا.. هدوسك بجزمتي ومبقاش خلاص يفرق معايا حاجة تاني بعد كل اللي عملته فيا واستحالة أخسر أكتر من اللي خسرته

جففت عينيها وهي تتوعد بالإنتقام والثأر لما فعله بها ونظراتها انهال منها الوعيد والصلابة وفجأة سمعت طرقاً على الباب فحمحمت لتجيب محاولة ان تبدو نبرتها تلقائية:

- أدخل

دخلت "نور" لتُحدثها في لهفة:

- سيرين.. حمد الله على سلامتك

توجهت بسرعة نحوها وسألتها: 

- أنتي كويسة؟! طمنيني عليكي

نظرت لها نظرة غير مرحبة بتاتًا لتشعر "نور" بالإرتباك من تلك النظرة وقبل أن تجيبها بادرت بالحديث: 

- بصي عارفة إنك دلوقتي مش طايقة تبصي في وش حد.. بس أرجوكي أديني فرصة.. لازم تعرفي كل حاجة، ولو على جاسر أنا مقطعاه من يومها.. أرجوكي يا سيرين تسيبيني أتكلم، كفاية السكوت اللي سكته قبل كده..

أدركت "نور" أن الصراحة والحقيقة الشيئان الوحيدان لردع ذلك البركان الذي ظهر بعسليتاها ربما ولو بمقدار بسيط ولن تدع أن يمر كل هذا ببضع كلمات لتواسيها بل عليها معرفة كل شيء..

     

صاحت "هويدا" بفرحة وهي تعانق "جاسر" بإبتسامة سعيدة بنجاحه:

- مبروك يا حبيبي.. ألف ألف مبروك.. دايماً كده مفرح قلبي 

 اجابها بإقتضاب ونبرة لا تدل على السعادة:

- الله يبارك فيكي يا ماما

سألته متعجبة من حزنه:

- ايه يا حبيبي.. مش مبسوط ليه؟! ده أنت مجموعك ما شاء الله والكل فرحان عشانك.. ده أنا هاجبلك كل اللي نفسك فيه بس أنـ..

قاطعها في رفض بمزيد من الحُزن وابتعد عن عناقها:

- ماما أنا مش عايز أدخل كلية هندسة دي، أنا مبحبهاش، بابا مصمم أدخل كلية زيه وقولتله كذا مرة إني مش عايز

سألته بنبرة مُتفهمة:

- طب أحكيلي عايز تدخل كلية ايه؟!

اجابها على مضض:

- أنا بحب الموسيقى، مبحبش الهندسة..

أومأت له بإبتسامة وقالت بثقة:

- طب ما أنا عارفة من زمان.. بس هاقولك حاجة

أقتربت منه ثم أمسكت بيده وحدثته في ثبات وهي تستحث بداخله العديد من المشاعر البريئة بإستنزاف تام:

- جاسر يا حبيبي احنا محلتناش غيرك، أنت اللي هتشيلنا لما نكبر، لازم يا حبيبي تدرس هندسة وإدارة عشان تشيل كل تعبنا السنين اللي فاتت دي واللي جاية كمان، ولو على الموسيقى شوف اللي أنت عاوزه وأنا هاعملهولك، عاوز تغني تعزف تعمل اي حاجة أنا هعملهالك.. 

بس يرضيك بردو تعبي ده كله يروح هدر؟! وبعدين لو معتمتدش على حبيبي وابني الراجل جاسر هعتمد على مين؟ وبعدين نور صغيرة ومش زيك، أنت أذكى منها وهتقدر تتحمل المسئولية..

عقب على مضض قائلًا:

- يا ماما بس..

 قاطعته وهي تعانقه لتطنب بالمزيد من الكلمات، فهي يستحيل أن تدمر كل ما خططت له يومًا ما برغبة طفولية مُراهقة كتلك التي يريدها:

- من غير بس.. أنا عمري ما هاحرمك من اللي أنت عايزه.. وهجبلك النهاردة أغلى بيانو، اللي تشاور عليه هجبهولك بس أنت كمان لازم توعدني إني هاشوفك أشطر مهندس في الدنيا.. 

عشان خاطري يا حبيبي، اسمع كلامي وأنت عارف إني عمري ما هرفضلك طلب أبداً، تحب تشوف تعبنا ده كله في ايد حد غيرنا؟ تحب تعبي يروح على الأرض بعد السنين دي كلها؟

تنهد وهو يقتنع بكلماتها التي انطلت عليه بصحبة كذباتها الخادعة ليتمتم بإقتضاب وهو يبادلها العناق:

- خلاص يا ماما.. هاعمل اللي أنتي عايزاه

ابتسمت له وهي تؤكد له في ثقة:

- وأنا أوعدك عمري ما هرفضلك طلب أبدًا.. وهاسيبك تعمل كل اللي نفسك فيه ومحدش هيقولك لأ على حاجة.. ربنا يخليك ليا يا حبيبي وميحرمنيش منك ولا من حنيتك عليا!

     


قرر "معتز" أن يخبره بحقيقة مشاعره لأخته ورغبته في الزواج منها بعد أن لاقى منه كمية هائلة من الهدوء التي لا يعهدها عنه أحد وصمته الذي لازماه منذ الصباح فتحدث بتردد قائلًا:

- جاسر أنا عارف إن الوقت مش مناسب وأنا أستنيت كتير ودايمًا الوقت عمره ما كان مناسب بس..

تنحنح منظفًا حلقه ثم همس:

- أنا عايز أتجوز نور!! 

أخذ يتنفس في وجل وهو يلاحظ ملامح "جاسر" الهادئة وحاجباه اللذان عكسا ملامحه المتعجبة فتوجس بينما سأله:

- أنت قولتلها الكلام ده؟!

تعجب لنبرته اللينة ولكنه اجابه:

- أيوة.. بس مش من كتير، يوم ما سافرت آخر سفرية لأمريكا..

ابتلع بإرتباك واضح على ملامحه لاحظه "جاسر" ليزفر "معتز" في توتر ليضيف بلهوجة: 

- بصراحة أنا بحبها من زمان، وكنت هتقدملها بس في السنة دي عمي شرف الدين الله يرحمه ابتدى يتعب ودخل المستشفى وأنت عارف من ساعتها كل حاجة عدت بسرعة وأنـ..

قاطعه كي يُنهي تلك المشقة التي وضحت عليه:

- خلاص يا معتز.. مش هلاقي أحسن منك لنور أختي، ما دام أنتو موافقين شوفوا عاوزين تعملوا ايه وأنا موافق

نظر له بدهشة مأخوذًا بالصدمة من كلماته الهادئة المُتقبلة التي لم يتوقعها ليتسائل في ذهول والإبتسامة بدأت في الإرتسام على شفتاه:

- يعني أنت مش متضايق؟ ولا متعصب؟ يعني أنا هاتجوز أختك؟!

اجابه بإقتضاب:

- قولتلك أيوة خلاص..

لكمه بخفة على ذراعه وهو يتنفس الصعداء قائلًا في راحة:

- ما الموضوع سهل أوي أهو.. أمال أنا كنت خايف ليه؟! نشفت ريقي يا راجل!!

نظر له وابتسم ابتسامة لم تلمس عيناه:

- أنت اللي دماغ بهيمة.. 

تعجب "معتز" كثيرًا من جديد بعد ملاحظة هدوءه وسهولة التعامل معه ولربما ظن للحظة أن "جاسر" الصلب بجموده أختفى للأبد فأضاف قائلًا:

- إن شاء الله أول ما سيرين تكون كويسة وتـ..

وما إن نطق اسمها حتى نهض "جاسر" وابتعد عنه ليواجهه بظهره وكأنما يفر من تحت أنظاره هارباً فتوقف من تلقاء نفسه للحظات ليُعيد من بعدها التحدث:

- جاسر.. أنا عارف اللي حصل كان صعـ..

زجره مقاطعاً عاقداً حاجباه: 

- معتز!! متتكلمش في الموضوع ده! 

واجهه "معتز" كي ينظر إليه وحدثه مُقدرًا ما يمر به:

- أنت فاهم إنك لازم تتكلم في الموضوع ده دلوقتي أو بعدين!!

شرد بنظره خارج النافذة وهو يحاول ألا ينظر له وأومأ في آلم بالموافقة ليتحدث بهمس وصوته بالكاد يُسمع:

- مش قادر دلوقتي"

شعر "معتز" بآلمه وهز رأسه في موافقة وآسى على حاله وأعطاه فرصة عله يصبح أفضل بمرور الوقت.

     

نظرت لها بكراهية فاضت من تلك العسليتان بعدما سمعت منها الحقيقة كاملة وشعرت بوقوفها بصفها ودعمها لها وصاحت بحرقة:

- بردو مش مبرر.. وحتى لو أخوكي أنا مش هاسكتله على اللي عمله فيا..

تأثرت ملامحها لتقول في تردد:

- أنا عارفة اللي عمله صعب، بس صدقيني كان مظلوم، ماما لعبت في دماغه جامد، وأنا عرفت مفيش من كام يوم وكنت هقولك بس كل حاجة حصلت بسـ..

 قاطعتها بجدية وصرامة: 

- نور كفاية.. كل اللي حصلي بسببه ميديلوش الحق إنها توصل لكده، استحالة أسامحه على اللي عمله ده

ازدردت في ارتباك لتحدثها بصوتٍ مرتجف:

- بصي، أنا مقدرش أطلب منك إنك تسامحيه، أنا نفسي مش مسمحاه على اللي عمله معاكي ومش عارفة أمتى هاقدر أكلمه، بس من حقك تفهمي كان بيعمل معاكي كل ده ليه، أنا مش ببررله اللي عمله، بس أرجوكي هاطلب منك حاجة، لو جالك وطلب يتكلم معاكي اديله فرصة!! 

جاسر اتكسر قدامي وقدام الناس كلها، ولسه مكسور وحاسة إنه مش هيرجع أبداً جاسر بتاع زمان، لو تشوفي كان عامل ازاي ساعتها هتفهمي قصدي ايه.. متسامحيهوش بس متقفليش الباب في وشه، أقصد يعني.. فيه حاجات منقدرش نسامح عليها أبداً.. 

أعتبريهاله غلطة ومش هتتكرر.. أنا مش عارفة أقولك ايه..

سكتت "نور" من تلقاء نفسها بعد شعورها بأنها لن تستطيع إقناع "سيرين" وأن كل ما تتفوه به لا يقارب المنطق بأي صلة وشعرت بالتشتت وهي تنظر إليها وتشعر بحالتها وفي نفس الوقت شعرت بالحُزن جراء كل ما حدث لأخيها كذلك وتعاطفت معه لتنقسم مشاعرها مناصفة بينهما بالتساوي!

 تحدثت لها بإنفعال معقبة على كلماتها:

- ولا هتعرفي تقولي حاجة، هو غلط، وغلط كتير، وغلط غلط مينفعش أسامحه عليه..

شردت بنظرة مليئة بالجسارة و الوعيد بالإنتقام لتقول بصوت خافت: 

- أي حاجة قبل ليلة عزا بابا كنت ممكن أسامحه عليها مع الوقت ولو إن اللي عمله مكانش سهل، أياً كان اللي عمله فيا قبلها كنت ممكن أنسى وأعديها، كنت ممكن أمثل عبيطة وأعمل نفسي هبلة.. 

بس لأ!! قعدتي في السرير ده مش بالساهل، غلطه في بابا مش هعديه، غلطه فيا مش هعديه، هحاسبه على كل حاجة، وهدفعه تمن اللي عمله ده غالي.. وغالي أوي 

أخبرتها بحرقة وهي شاردة، غرقت مخيلتها بكل ما تنوي عليه، لا يملئها غير الإنتقام ورغبتها في رؤيته متألماً مثلها ليسيطر على عيناها بريق الثأر الذي تُصمم عليه عاجلًا أم آجلا..

لن تُذعن لظلم رجل أبدًا وستلتهم كل ما تظنه حقها ولو أن كل ما تُفكر به ليس رادع ولا يستحق سوى أن يُسجن ويُعزر على ما فعله بها من جريمة في حقها كأنثى ولكنها في دولة عربية شرقية لن تعترف بممارسة زوج للعنف على زوجته في علاقة جنسية بينهما كأمر يستحق العقاب!

     

تحدث "حسام" إلي ثلاثتهم ولم يفهمه بسهولة سوى "أدهم" بينما غرقا صديقيها في الصدمة التي تأخذ في التصاعد والتزايد على ملامحهما كلما استمعا لكلماته:

- اللي أتعرضتله أثر على نفسيتها، لاحظتوا قد ايه كانت بتقول محدش يقرب مني وأقفلوا الباب وراكم.. حاولوا محدش يتعصب عليها أو يتعدى أي حدود معاها لغاية ما نشوف نفسيتها هتتحسن ولا لأ.. 

اللي حصلها خلاها مش عايزة أي حد يقرب منها بالذات الرجالة.. عشان كده أكدت إن يجيلها دكتورة ورفضت تمامًا أي دكتور.. لو فضلت كده مدة كبيرة مش بعيد تبقا محتاجة علاج نفسي..

أومأ "أدهم" بالموافقة والتفهم ثم تدخل قائلًا:

- طيب.. احنا عاوزين نطلع تصريح الخروج في أقرب وقت

أومأ "حسام بالتفهم" وقبل أن يتحدث استمعوا صوت نسائي يتحدث ليلتفت الجميع ولم يصدق "مراد" من وقعت زمرديتاه عليها

- مراد.. أزيك عامل ايه؟! 

همس في تعجب مجيبًا اياها:

- رزان.. الحمد لله تمام..

تكلمت بإبتسامة مقتضبة تلائم الموقف وقالت في تساؤل:

- كنت جاية عشان أطمن على سيرين.. هي بقت أحسن دلوقتي؟

أومأ لها بالقبول واجابها مقترحًا:

- يعني مش أوي.. تعالي معايا نروح نشوفها

تعجب "رامز" من ملامح "مراد" التي لم يرها من قبل ترتسم على وجهه ولم يدر "أدهم" من هي تلك الفتاة وغادر كلًا منهما للخارج لتتحدث له "رزان" قائلة:

- معلش.. كان نفسي أشوفك في ظروف أحسن من دي، بس إن شاء الله سيرين تقوم بالسلامة وتخرج بسرعة

نظرت له في خجل ليبتسم نصف إبتسامة ولربما بدت ابتسامة متهكمة ليرد مُعقبًا:

- ولا أنا..

 تريث وهو يطالعها بزمرديتاه ليتنهد وقال:

- بس آخر كام يوم كده عدوا بسرعة و كمـ

قاطعته حتى لا يبدأ في الحديث بأشياء قد تحزنه أكثر فلقد أدركت مدى تأثره من مظهره الحزين:

- أنا عارفة.. معلش.. ربنا يقومها بالسلامة!

سألها وهو يمرر يداه على عنقه وزمرديتاه تتفحصها:

- أنا عارف إن الظروف مش مناسبة بس..ممكن رقمك؟! 

 أجابته بإبتسامة مقتضبة نظرًا لذلك الموقف الذي هما به فهما في المشفى و "سيرين" التي بمثابة اخته تواجه أمرًا جلل لتهمهم وقالت بإرتباك:

- مممم.. أوك!

     


جلس جاسر بغرفة مكتبه أمام البيانو الذي لم يرافقه غيره تلك الأيام المنصرمة، لا يدري إلى متى سيلازمه ذلك الآلم، لا يدري إلي متى سيظل لا يراها، متى سيعود للتحدث مع أخته، متى ستنتهي تلك الدوامة التي يواصلها كل لحظة بيومه، آلامه لا تندثر، ذلك الوجع بصدره لا يبارحه، لم يعد قادرًا على مواجهة أحد، يشعر بمدى ضعفه كلما أقترب "معت"ز من التحدث معه بخصوص ما حدث..

بالكاد يحافظ على شخصيته القوية بالعمل وأمام الناس حتى يعود كل ليلة هاربًا لمرافقة أحزانه وذكرياته التي تمر أمام عيناه يوميًا ليتجرع آلامها في وحدة تامة..

ثلاثة أشهر كاملة بالكاد يستطيع النوم، أصبح كالآلة، يستيقظ ليعمل ثم يعود للمنزل، لا يرى سوى "معتز" وحده ويشعر بتحاشي "نور" المستمر له وكأنما فجأة أصبح شخصًا غير مرغوب به.

يدرك أن كل ما فعله يستحق ألا يكسب عطف وشفقة من حوله جميعًا، أصبح عقابه أن يكون وحيدًا، يشعر كذلك بأن "معتز" يعامله معاملة سطحية، أنشغل هو الآخر عنه كثيرًا خاصة بعد معرفته أنه يريد أن يصطحب "نور" ليتزوجا بمنزل خاص بهما، ولكن لمتى سيبقى وحيدًا، أذنبه الوحيد ثقته بوالدته ثقة عمياء؟ أعليه أن يتحمل كل تلك المشقة والمعاناة وحده؟ دون وجود من يشاركه بألآمه؟ وإلي متى سيجبره ضميره أن يغرق في الندم دون وجود منقذ؟!

حياته الآن تتجه نحو المجهول، لا يستطيع التعرف على وجهته.. يتمنى فقط لو يراها، لو يبوح لها ويعترف لها بالعديد من الأشياء التي أختبرها معها ولن يدركها سواها، ولكن أنى له أن يخبرها بشيء؟ كيف له أن ينظر لها ويتطلع بوجهها بعد أن ظلمها؟ بالكاد يحصل على أخبراها القليلة من فم "معتز".. 

لو لم يكن يراقب كل ما تفعله لم يكن ليعرف عنها أي شيء، يشعر بالقليل من الراحة بعد تحسن حالتها، يعلم أنه بيوم ما عليه مواجهتها ويحاول تجنب هذا اليوم بكل ما تبقى لديه من قوة..

متاهة!! هكذا تحولت حياته مؤخرًا، متاهة فارغة يدور بداخلها كالشريد، لا يوجد بجانبه أحد، لا يملك القدرة غير على الإختلاء بنفسه، ضياع وفراغ يثقل كاهلة كل يوم، وكأنما العالم توقف، أصبح بمفرده ولا يوجد من يبوح له بكل ذلك الثقل، كلما دمعت عيناه ود أن يعانقه أحد، أن يخبره بأن كل شيء سيصبح بخير..

ولكن إدراكه لفجاعة كل ما حدث يزيد الثقل والمرارة ليعيد التفكير مجددًا بكل ما حدث ويبدأ في أخذ خطوات بحثه عن نهاية لتلك المشقة ليجد نفسه بنفس المتاهة مجددًا ومهما أستغاث ببعض همسات وحده لا يوجد من يغيثه ولا من ينتشله آخذًا بيده لطريق العودة..

C'est un S.O.S, je suis touchée je suis à terre
Entends-tu ma détresse, y a t-il quelqu'un?
Je sens que je me perdsJ'ai tout quitté, mais ne m'en veux pas
Fallait que je m'en aille, je n'étais plus moi
Je suis tombée tellement bas
Que plus personne ne me voit
J'ai sombré dans l'anonymat
Combattu le vide et le froid
J'aimerais revenir, je n'y arrive pas
J'aimerais revenir, ohJe suis rien, je suis personne
J'ai toute ma peine comme royaume
Une seule arme m'emprisonne
Voir la lumière entre les barreaux
Et regarder comme le ciel est beau
Entends-tu ma voix qui résonne?Le silence tue la souffrance en moi
L'entends-tu, est-ce que tu le vois?
Il te promet, fait de toi
Un objet sans éclat
Alors j'ai crié, j'ai pensé à toi
J'ai noyé le ciel dans les vagues
Tous mes regrets, toute mon histoire
Je la reflèteC'est un S.O.S, je suis touchée je suis à terre
Entends-tu ma détresse, y a t-il quelqu'un?
Je sens que je me perds

نداء أستغاثة، أنا ممسوس، ملقى أرضاً!
هل تسمع معاناتي ، هل هناك من أحد؟
أشعر أنني أخسر نفسي ...
لقد تركت كل شيء ولكن لا تلمني
كان علي أن أذهب، لم أعد نفسي
لقد سقطت، هاوياً للغاية
لدرجة لا أحد يراني بعد الآن
غرقت في المجهول
حاربت الفراغ والبرد
أريد العوده، لا أستطيع الوصول
أريد العودة
أنا لا شيء، أنا شخص
كل آلامي كمملكة

فقط سلاحي يسجنني

أرى الضوء من خلال القضبان
كم تبدو السماء جميلة؟
هل تسمع صوتي وصداه؟
الصمت يقتل المعاناة في داخلي
هل تسمعها؟ هل تراها؟
يعد لك ، يجعل منك
كائن بدون سطوع
لذلك بكيت ثم فكرت بك
أغرقت السماء في الأمواج
كل ما أملك من ند ، كل ما أملك من ذكريات
أنا أعكسه
نداء أستغاثة، أنا ممسوس، ملقى أرضاً!

هل تسمع معاناتي ، هل هناك من أحد؟

أشعر أنني أخسر نفسي ...

تغنى بكلمات لربما تمتع لسانه ولو لدقائق بما يشعر به وتشاركه تلك النغمات بعضًا من آلامه التي لا يستمع لها أحد ولا تتزحزح بمقدار أُنملة، وهكذا أصبحت ليالي عناءه مع وحدته ونفسه.. وأخيرًا.. صورتها أمام عينيه!!

     

 صاح "رامز" بغضب احتل ملامحه:

- يعني بصي أحنا أستحملنا بالعافية قعدتك لوحدك وحوار الشقة اللي جبتيها دي.. أنا مش فاهم ليه مترجعيش بيتك ويبقى حواليكي دادة منى ونهلة وأميرة ونقدر نجيلك وقت ما نحب!

زجرتهما "سيرين" وهي تعلم أنها بالكاد تستطيع من إقتراب شخص منها لذلك أختارت أن تكون بمفردها بعيدًا عن الجميع وهي تحاول خلال تلك الثلاث أشهر أن تلتزم بعلاج صدمتها الشديدة:

- أرجوكوا سيبوني براحتي.. أنا كده مرتاحة!

حدثها "مراد" بحزن على حالها السائد بعد خروجها من المشفى وتفحصها بزمرديتاه الصادقتان والمليئتان خوفًا عليها ليقول بلين:

- هتفضلي كده لغاية امتى يا سيري؟ ده أنتي حتى مبقتيش بتقعدي معانا غير في الشغل، وحتى ابن خالك مشفتيهوش غير بالعافية، هتفضلي قافلة على نفسك لغاية امتى؟!

تناولت شهقيًا مطولًا وزفرته في تأني شديد ثم قالت:

- مش كتير.. بكرة هتيجوا معايا!

صاح كلًا منهما في آن واحد بتعجب

- فين؟!

شردت في الفراغ بعسليتين ثابتتين واجابتهما: 

- هنروح لجاسر..

 وقعا في صدمة ولكن صاح" رامز" مسرعًا في تساؤل:

- عايزة تعملي ايه؟!

طال شرودها للحظات لتهمس بالنهاية:

- بكرة هتعرفوا كل حاجة

ازداد قلق كلاً من "رامز" و "مراد" على ما تنوي فعله غدًا بينما شرودها وهدوءها وكلماتها المقتضبة وكثرة تفكيرها في صمت وحالتها التي لازمتها كالهواء الذي تتنفسه بات يرعبهما طوال الفترة الماضية!!

#يُتبع . . .