الفصل الثالث والعشرون - جسارة الإنتقام
- الفصل الثالث والعشرون -
جاءه صوتها ليشعر مباشرة بالآلم يتخلله مجددًا:
- مين؟
ابتلع مرة ثانية و تحدث بهدوء مجيبًا اياها:
- أنا جاسر.. افتحيلي
شعرت بالفزع ولكنها حاولت ألا تبدو نبرتها مهزوزة وضمرت خوفها بداخلها قدر ما استطاعت وصاحت قائلة:
- مش فاتحالك وامشي من هنا
حاول أن يتحجج بأي شيء منطقي ليبدو مقنعًا فقال:
- محتاج أتكلم معاكي بخصوص المحامي بكرة وهامشي على طول
أوصد عينيه ولأول مرة يشعر بغباءه في الحديث واستمع لصوتها الذي صدح بحزم:
- كلمني على موبيلي موجود
ناداها هاتفًا بنفاذ صبر:
- سيرين!
ارتعتد من الطريقة التي نطق بها اسمها لتبتلع متوجسة بينما آتاها صوته الحانق:
- هما عشر دقايق وهامشي على طول.. مش هانفضل نتكلم ورا من ورا الباب كتير..
شعرت بالذعر يتملكها ولكنها حاولت أن تهدأ من تلك الأنفاس المتلاحقة التي أربكتها ثم تتفست بعمق لتفتح الباب المعلق بسلسلة في الجدار ثم مدت رأسها لتلتقي عسليتاها بفيروزيتيه لتتسائل بلهجة حازمة والحنق يغلف صوتها:
- عايز ايه أتفضل اتكلم بسرعة!
تسائل في تعجب هامسًا وعيناه لا تريد ترك عسليتاها التي أفتقدها بشدة وظل يتفقد ملامحها التي أشتاق لها:
- هتسبيني كده أتكلم على الباب؟!
تحدثت بسأم أو هكذا أرادت أن تبدو وكأن حديثه ليس ذو أهمية بينما بداخلها قد غلف قلبها الرعب من فكرة تواجده بالقرب منها:
- احمد ربنا إني رضيت أفتحلك.. عايز ايه اخلص!!
تنحنح وهو ينظر لها في ندم ثم همس:
- أنا فاهم إن اللي أن عملته مكنش سهـ..
قاطعته وهي تحاول أن تتمسك بآخر ذرة قوة تحمُل لديها حتى لا تنهار أمامه فما آتى على ذكره ليس بهين:
- أظن القذارة اللي أنت عملتها ملهاش علاقة ببكرة!! هتقول عايز ايه ولا تغور على طول أحسن؟!
صمم على رأيه لتخترقها تلك الفيروزيتان لترفع حاجبها في عناد:
- مش هاتكلم غير لما تفتحي!
أوصدت الباب بوجهه وهي تطلق أنفاسها في خوف لتستمع لصوته الهادر بإنفعال:
- أنا عارف إنك سمعاني كويس!! مش هاتحرك من قدام الباب غير لما تفتحي وتتكلمي معايا! قاعدلك للصبح
خافت من كلماته وأخذت تجوب شقتها ذهابًا وإيابًا وهي تفكر بسرعة وتحاول الحصول على حل لتتحدث إلي نفسها:
- ما أنا يعني مش هاكلم الشرطة!! كده يبقى بفضح نفسي والناس هتقول جوزي وهيكدب ويمثل قدامهم.. ولو كلمت مراد هيقلق وهيجي هو ورامز!! طب أدهم!
فكرت مجددًا وهي تلتهم شفتها السفلى ولا تشعر بالطمأنينة نهائيًا لأن تفعل ما أخبرها به لتسمع جرس الباب مرة أخرى يدوي رنينه بأرجاء الشقة حولها وصاحبه صوته المصيح خلف الباب بنفاذ صبر وكان يحاول عله يبعث لقلبها القليل من الطمأنينة:
- بطلي عناد ومتستفزنيش أكتر من كده.. مش هاعمل حاجة غير هاتكلم معاكي!! وأظنك شوفتي النهاردة الصبح اتكلمنا ازاي
فكرت هي من جديد بسرعة ثم توجهت لغرفتها وأمسكت بهاتفها بعد أن آتتها فكرة لتتحدث به:
تريثت قليلًا في محاولة لإكساب نفسها بعض الدقائق وهي تتأكد أن مفتاح الغرفة موجودًا بالباب ثم تمسكت بشجاعتها وذهبت للباب وفتحته لتجده يأتي من آخر الرواق أمام شقتها لتتوجه للداخل بعيدًا عنه ثم صاحت به عاقدة ذراعها ونبرتها متحفزة للغاية ونظرت له بجرأة:
- عايز ايه؟
أخذ خطوتان للداخل وعيناه تجوب بتفاصيل شقتها ثم ارتكز على وجهها بزرقاويتيه لتلاحقه بالكلمات في زجر وجسارة:
- انجز عشان مش فضيالك!
نظر لها مندهشًا بنصف ابتسامة لم تلمس عيناه غير مصدق ما تقوله بهذه الحدة التي لا يعلم من أين لها بها وهي تحاول أن تبدو كالفولاذ لا تنكسر فسألها بعفوية:
- ليه وراكي ايه؟
اتسعت عسليتاها في إنكار وارتفع حاجباها لتزجره بحدة مرة ثانية في تساؤل:
- تصدق مشوفتش في بجاحتك.. انجز يا ابن هويدا عايز ايه؟
لاحظته يكز أسنانه في غضب لأنها مصممة على مناداته بذلك اللقب ولا تتوقف عن تذكيره بها ولكنه لم يندفع نحوها مثل ما عهدته ولأول مرة ترى نظرة إنكسار بعينيه ليتحدث بصوت خافت:
- بطلي تقولي الكلمة دي! أظن نور أو معتز قالولك كل حاجة و..
قاطعته ولم تكترث لما يشعر به في تأفف وحزم:
- يوووه!! مش هاخلص أنا، مالكش دعوة مين قالي ايه! قول اللي عندك وطرقني عشان مش فضيالك
كاد أن ينفجر غضبًا ولم تخذله يومًا في استطاعتها استفزازه ولكنه تحمل وسيطر على رغبته في الإقتراب منها لأنه يدرك خوفها وتألمها جيدًا خاصة بعد حديثه مع "رامز" اليوم ومعرفة تلك المشكلات النفسية التي تواجهها.
وضع يداه بجيباه بغرور وغطرسة ليغلف قلبها الوجل فقد أختلف كثيراً بنظرته المخيفة التى تستطيع رؤيتها الآن وتردد صوته بجمود قائلًا:
- بكرة زي ما هانقلك كل حاجة بإسمك هتمضي إنك لو طلبتي الطلاق هتتنازلي عن كل حاجة.. وهتيجي تعيشي معايا!
ابتلعت في وجل وارادت أن تبتعد عنه بأي طريقة، لقد رآت تلك النظرات الغاضبة من قبل، انهال العديد من الذكريات المؤلمة لترتطم بثنايا عقلها في قسوة هائلة وودت لو تفر منه بأي طريقة ولكنها تماسكت قدر الإمكان.
حمحمت ونظرت له بكبرياء لتتعجب سائلة:
- خلاص كده خلصت اللي عندك؟
أومأ لها بإقتضاب بالموافقة على كلماتها لتبتسم له في انتصار و أخبرته بتعالي:
- طب اقعد استناني على ما اخلص عشان كان ورايا حاجة وأنت عطلتني
غادرته مسرعة قبل أن تعطي له الفرصة للإعتراض ثم دخلت بغرفتها وأغلقت الباب ورائها بالمفتاح وهي تلهث بشدة مما أخبرها به لتوه..
مجرد فكرة أنه من اغتصبها تجلس بصحبته في مكان واحد تغلق قلبها بالآلم ولكنها لن تضعف ولن تتوقف عن رؤيته منهارًا مثل ما بدت هي وذكرت نفسها برغبتها في الإنتقام منه!
شرعت في تبديل ملابسها لتنفذ خطتها وعقلها لا يتوقف عن التفكير.. أعليها أن تهدده مجدداً بالتقرير؟ تعلم أن شخص مثله سيتحايل على الأمر، الإغتصاب الزوجي في دولة مثل مصر لا يعتد به، ولكن ما سببه لها قد يلاقي شفقة القضاة! وفي نفس الوقت نفوذ رجل مثل هذا الكريه الذي تزوجت منه ليس بهين!
تنهدت بحيرة وهي بالكاد تصدق أنه وافق أن يتنازل لها عن كل شيء.. تريثت لبرهة وهي تفكر بكل ما مر عليهما سويًا.. تُفكر بجرأتها وشجاعتها التي سُلبتا منها ولكنها ليست تلك الخائفة التي ستُفزع وستفر لركن بعيد!! مجرد فكرة أن تكون ضعيفة أمامه تؤلمها أكثر من أي شيء آخر.. ستواجهه وستجعله يكره أن لمسها بيوم ما كي يندم أشد الندم! هذا أكثر ما سيُريحها، أليس الجزاء من جنس العمل؟!
ألقت نظرة أخيرة على مظهرها الذي بدا أنثوي للغاية بذلك الثوب الفضي المخملي الذي لائم انحناءاتها بتناغم ثم ارتدت حذائًا يماثله وتركت شعرها يتساقط على أحدى كتفيها ثم استدارت لترى تلك الأربطة التي أظهرت ما يقارب منتصف ظهرها ثم وضعت أحمر الشفاة القاتم ونثرت بعضًا من أحمر الخدود على وجنتيها ومررت الماسكرا السوداء على أهدابها لتبرز عسليتاها وأنتهت بوضع بعض العطر ..
تفقدت الساعة لتدرك أن "أدهم" أوشك على الوصول فتوجهت لتمسك بأحدى الأوشحة التي لائمت ثوبها ووضعته حول كتفيها، سيبدو انثويًا وبنفس الوقت لن يُعطي لفيروزيتيه التي تصيبها بالخوف أن تتفقد المزيد من جسدها.. ما الذي تريده؟ أن يراها بأنوثتها التي حُرم منها أم تشعر بالخوف من رؤية عينيه تتنقل على جسده؟!
تركت تشتتها وخوفها بعيدًا ونفضت رأسها من تلك الأفكار وهي تُصمم أولًا أن تؤلم رجولته الزائفة، أليس هو من ثأر لوالدته لأنها مُغتصبة؟ إذن فليُريها الذكر الخائب برجولته غير الحقيقية عندما يراها مع سواه!!
أدارت مفتاح الباب لتتوجه للخارج بخطوات واثقة وأنوثة مبالغ بها لتتسمر عينا "جاسر" عليها في وله تام واستغراب شديد لمظهرها الذي تبدو به..
صاحت بينما لم تتغير نظراته لها:
- مش هتلمسني يا جاسر..
تعجب من قولها الذي لم يفهمه لتتابع حديثها وهي ترى عيناه ينظرا لها بطريقة لم تعهدها من قبل:
- هارجع أعيش معاك بس مالكش حكم عليا! كل واحد ليه أوضته ومحدش ليه حكم على التاني!..
تحدثت بثقة وابتسامة تهكمية عند ادراكها نظراته وطريقة تفقده لها:
- جرا ايه يا ابن هويدا هانم!! مش سامعني ولا سرحت فيا؟
همهم وهو يفيق نفسه من شروده ليتسائل هامسًا:
- بتقولي ايه..
ابتسمت له وامتزجت نظرتها له بالاحتقار لتقول بسخرية:
- لا بجد!.. نعيد تاني وماله عشان البيه كان سرحان، متفتكرش هاكون مراتك بجد، مش هتلمسني ومالكش حكم عليا، كل واحد ليه اوضته ومحدش ليه حكم على التاني
تكلم متهكما وهو يريد أن يكف عن تطلع عسليتاها في شرود فحاول بكل ما استطاع من قوة :
- على أساس إن ده جواز مثلاً؟!
تآففت ناظرة له بسأم لتتحدث بعادتها في الإندفاع:
- آفف.. هو ده اللي عندي.. عاجبك أهلاً وسهلاً.. مش عاجبك ابعد عني
بالكاد همس ممرًا سبابته على شفته السفلى بإبتسامة ولكن لم يبدو متهكما أو مستهزءا بل وكأنه سعيد بتواجدها معه:
- حاضر هاعملك اللي أنتي عايزاه..
شرد بها مرة إخرى وهو لا يُصدق مظهرها الأنثوي للغاية، هل بدلت ملابسها من أجله؟ ظلت عيناه تتفقد جسدها بأكمله بينما عادت عيناه لعسليتاها، هو حقًا لم يستمع لكل ما قالته بوضوح، يعلم جيدًا ما ينوي أن يفعله وقد فكر به مرارًا طوال ثلاث اشهر..
لكنه سيوافق على أي شيء الآن فقط ليحظى بوجودها بجانبه.. تنهد ثم أخبرها وهو ينهض متجهًا نحوها:
- يالا عشان نروح!
ابتسمت بتهكم ثم نظرت له بتعالي وحدثته بنبرة ساخرة:
- وهو احنا مضينا على حاجة.. بكرة ابقا أروح معاك.. معلش بقى اصلي مقدرش اثق في زاني خاين وحقير ومُغتصب سادي زيك!
رآته يقترب منها بإنفعال ارتسم على وجهه فابتلعت في وجل وهي تعلم أنها ستصرخ بوجهه ما إن أقترب أكثر ولكنه حاول أن يسيطر على غضبه فهي مُحقة بما قالته وتوقف على مقربة منها وقال متوسلًا:
- سيرين.. أنا عايز أقولك إني آسـ..
قاطعه صوتها عندما تركته وذهبت بإتجاه الباب لتشعر بأن وجود "أدهم" أنقذها من مواجهتها له:
- أتأخرت يا أدهم ليه؟
شعر "جاسر" بالغضب نحو ما يراه أسفل عيناه فتلاقت أعين كلاً منهما الزرقاء و "أدهم" ينظر له متعجباً بينما نظر له الأول بحقد شديد وتسائل بغضب مكتوم حاول بصعوبة أن يلجمه مراعيًا ما تمر به:
- أنتي رايحة فين؟
لرفعت حاجبيها متهكمة لتتشدق في غيظ:
- وأنت مالك.. يالا برا عشان أقفل الباب!
سحق أسنانه وهي تطرده أسفل أنظار رجل آخر بينما أندهش "أدهم" لكلماتها ولم يستطع التدخل بتلك المعركة فحتى الآن لم يحدث شيئاً يتطلب دخوله ليبتسم "جاسر" لكلًا منهما بغطرسة وكأن كلماتها لم تؤثر به فتوجه للخارج بخطوات متهادية وغرور لاذع ثم توقف خارج الباب لتقابله بعسليتاها المتسائلتان وهتفت به حانقة:
- ما قولنا ورايا حاجة.. ايه مبتفهمش عربي.. طرقنا بقا
صر أسنانه لتقارب على التهشم بينما ابتسم بإقتضاب و تمتم لها بنبرة متوعدة:
- ورحمة أبويا ما هسيبك يا سيرين!"
توسعت ابتسامته لتظهر أنيابه بينما عقدت هي حاجباها في غضب و "أدهم" بالكاد يستطيع أن يخفي ضحكاته ويتحكم بها على مظهرهما..
تحدثت "رزان" وهي تحاول تخفف قليلا من الحزن البادي على ملامحه:
معلش يا مراد، هي أكيد بتمر بفترة صعبة ولازم كلنا نكون جنبها، بالذات أنت ورامز أقرب اتنين ليها وكمان باباها لسه ميت.. هي أكيد محتجاكوا
تنهد ثم قال في آسى:
- بس مكنتش أتوقع أنها تعمل مع رامز كده
اخبرته بإبتسامة مقتضبة ولكنها حقيقة لتؤازره:
- بكرة هتتحسن إن شاء الله..
تتلاقت زمرديتاه بفيروزيتاها وشرد بعيناها فسألها بتلقائية هامسًا:
- هو أنا ممكن أتقدملك امتى؟
توردت وجنتيها وابتسمت في خجل واجابته بإندهاش:
- تتقدملي.. بسرعة كده!
أومأ لها وبادلها ابتسامتها لتضيف هي في تساؤل:
- تتقدملي ازاي بس واحنا لسه معرفناش بعض؟! ده تقريباً يعتبر أول Date لينا مع بعض..
كسى المزيد من الخجل ملامحها فتحدث لها سائلًا بنبرة لم تحتمل الصمود امامها:
- انتي موافقة؟
شعرت بالإرتباك وعبثت بخصلاتها ثم نظرت له وهمست في تردد:
- احنا بنتسرع ولسه مـ..
قاطعها ليتلمس يدها فازدادت ابتسامتها وتورد وجهها أكثر:
- رزان..
تنهد متغزلًا بنظراته لخاصتها وتكلم قائلًا:
- أنا من يوم ما شوفتك وأنا حسيت إن أنتي الإنسانة اللي عايز أكمل معاها حياتي، عمري ما حسيت بالإحساس ده قبل كده.. وبما إنك عايزة تعرفيني تقدري تقولي إني Old Fashioned شوية، لو حابة خطوبتنا تطول معنديش مانع، بس أنا مبحبش الإرتباط من غير ما يكون فيه مسمى رسمي
أخبرها لتقع هي في حيرة ولكن بدت السعادة على ملامحها التي لا يوجد تفسير لها فعاد وسألها بعد أن ازداد صمتها عن المعتاد:
- ها قولتي ايه؟
أومأت له وقضمت شفتيها ولكنها لم تستطع التوقف عن الإبتسام فردت مجيبة بدلالها الفطري:
- أوك.. هافكر وأقولك..
اتسعت فيروزيتيه وهو يتحدث إلي " نور" في دهشة:
- بجد كان شبه العيل الصغير قدامها.. مكنتش مصدق إن ده أخوكي.. اتنازلها عن الورث وكل حاجة طلبتها نفذها وكان هادي وقاعد مبلم خالص
تمتمت بإبتسامة صغيرة وهي شاردة بحزن:
- كده يبقا جاسر هيبتدي يتغير..
سألها عاقدًا حاجباه لرؤيته لملامحها الحزينة:
- أنتي لسه مبتكلميهوش؟
أومأت له بإنكار ليتلمس أسفل ذقنها في لطف وحدق بفيروزيتيها وهمس لها:
- خلاص يا نور سامحيه، أنتي الوحيدة اللي بقيتي فاضلاله من أهله، هو فعلاً على رأيك ابتدى يتغير، وسيرين مش ساهله، قالتله كلام زي الزفت قدامنا وعاملته بطريقة صعبة أوي وهو مفتحش بقه وشكلها هتطلع عينه.. وخلاص كلها كام يوم ونتجوز، بلاش تمشي من البيت وأنتي مبتكلميهوش
استمعت لكلماته التي حاول اقناعها بها لتومأ له بالموافقة ثم ردت مُعقبة:
- لو جه اتكلم معايا هابقا أعامله عادي
أومأ لها بالموافقة وتوسلها:
- معلش.. عشان خاطري حاولي ترجعوا زي الأول
تنهدت بعمق ثم تكلمت بصوتٍ متردد:
- اللي حصل يا معتز مكنش سهل، لما بفتكر منظرها مش بقدر أنساه، بتخيل نفسي مكانها ببقـ..
قاطعها في لوم وعتاب واضحان وملامحه تتحول للغضب:
- مش قولتلك متقوليش الكلمة دي؟
زمت شفتاها ثم حدثته في اعتذار:
- غصب عني.. متضايقش.. بس اللي حصل مش سهل!
تريثت قليلًا ثم حاولت أن تغير مجرى الحديث لتسأله:
- هو كل اللي حصل انها طلبت انه يكتبلها كل ورثه بإسمها؟ جاسر مقلهاش حاجة تانية؟
أومأ لها بالإنكار ثم جابها:
- قالها لو حصل مفيش طلاق
همهمت ثم أخذت تفكر وتعجبت من جديد:
- وهي وافقت؟!
اجابها دون أن يخبرها تلك الكلمات الفظة التي عبرت بها عن موافقتها:
- آه
ضيقت ما بين حاجبيها في استفسار وهي تسأله:
- تفتكر أنت لو مكانه ممكن ترجع كويس مع سيرين ازاي؟
طال سكوته ولم يدري كيف له أن يجيب ذلك السؤال ليتنهد مُجيبًا:
- حقيقي مش عارف..
أومأت له بإقتضاب ثم سكتت في حزن ليحاول أن يخرجها من تلك الحالة:
- لا بقولك ايه.. ده مش منظر عروسة، وبعدين بذمتك العيون الحلوة دي حرام تبقى دبلانه وزعلانه كده
أخبرها لتبتسم له بإقتضاب:
- أيوة كده.. مبحبش النكد أنا خلي بالك لحسن أول ما تنكدي هاروح أتجوز عليكي على طول!
رمقته بغضب لينهمر منها الشرار من فيروزيتيها وصاحت به منفعلة:
- طب ابقا أعملها كده!
رفع حاجباه ممازحًا اياها:
- حقي.. والشرع حللي أربعة
صرخت به زاجرة:
- جاك كسر حقك.. أنا ماشية، تصبح على خير..
نهضت لتغادره فتبعها مسرعًا بعد أن رآى انها جادة:
- استني يا مجنونة.. خلاص مش هاتجوز عليكي
لم تتوقف واستمرت في طريقها وهي تأخذ خطوات سريعة ليلحقها متمتما:
- أنا اللي جبته لنفسي!
صاح "جاسر" في حنق وفيروزيتيه ينهمر منها الغضب:
-أتفضلي قومي قدامي..
رفعت عينيه غاضبة نحوه وصاحت به في خشونة:
- هو أنت تنح كده ليه؟! ما قولتلك مش هتزفت، وبعدين مالك أنت بيا أصلاً؟
رد بلهجة قاسية:
- مالي إني جوزك يا هانم.. يالا قدامي بدل ما أ..
قاطعته بإنفعال متهكمة:
- ايه هتعمل ايه تاني؟
نظرت له بإحتقار وعلت نبرتها أكثر في رفض قاطع لتحكمه الواهي بها:
- تقريباً مفيش حاجة إلا وعملتها..
تألم لما أخبرته به وتبادلا النظرات بينما لم يفهم "أدهم" ما يتحدثا به وقرر أن يتدخل وتكلم بهدوء:
- خلاص يا جماعة الناس ابتدت تتفرج علينا
رمقه "جاسر" بحدة وهمس بسخرية:
- اسكت أنت كمان مش ناقصاك
أعاد نظره لعسليتاها ليصر أسنانه ثم صاح بها:
- مش هكررها تاني وأنتي عارفة إني مبحبش أعيد كلامي.. انجزي وقومي يالا
توسعت عينيها دهشةً من فظاظته وكأنما ذلك حقه وابتسمت له بتهكم لتقول:
- تعيد كلامك ولا متعيدهوش، ما تولع ولا تتحرق..
أرادت أن تُظهر له عدم الإكتراث ثم فاضت الشجاعة من عسليتاها وتابعت:
- أنا خرجت وهتعشى وهاروح بيتي وأنت مالكش كلمة عليا
ابتسم لها هو الآخر ابتسامة لم تلمس عيناه ولم تهتز لوهلة وأضافت:
- أظن أنك عرفت بما فيه الكفاية إنك شخص غير مرغوب فيه.. أحترم نفسك بقى وخلي عندك كرامة وغور من وشي!
ضيق فيروزيتيه نحوها ثم تعجب ببرود:
- بقا كده؟
تأففت ثم اجابته:
- آه كده وهو ده اللي عندي..
تمتم معقبًا بإقتضاب:
- ماشي..
استدار ليجري مكالمة هاتفية ثم عاد إليهما ليجلس على نفس الطاولة التي يجلسان عليها لتصيح بغضب لاذع:
- ده ايه القرف ده.. ما قولتـ..
قاطعها بحزم متجبرًا:
- أخرسي..
رفعت احدى حاجبها في عناد ولم تتقبل إهانته لها لتقول بتأفف:
- أنا ماشية وخليك أنت قاعد هنا
كادت أن تنهض ليمسك بيدها لتصفعه أسفل أنظار الجميع وكاد "أدهم" أن يتدخل بعد أن أندهش لما فعلته "سيرين" تحت انظار ناس غرباء تمامًا عنهما ولكنه فوجئ بمن يوقفه رغماً عنه ويتوجه به للخارج..