الفصل الثامن_ حب علي حافة المرض
الفصل الثامن " فرصة! "
عزفت لسريرها.. تنتظر منه مكالمة كي يطمئنها إن وصل منزله أم ليس بعد.. يُجافيها النوم وهي تري ارهاق والديها بعد رحيله وذهابهم للنوم مباشرة مع انعقاد لسانها عن الحديث.. الأمر ليس بتلك السهولة ولكن يجب أن تخبرهم.
تنهدت وهي تنظر للساعة لقد مرت ساعة وأكثر، لابد أنه بمنزلهِ الأن.. فلما لا يتصل ولما لا يجيب علي اتصالاتها.. لما يُقلقها بهذا الوقت من الليل.. دعت أن يكون بخير وهي تنتظر مكالمته.. حتي مر الكثير بالفعل لتذهب هي بنوم مقلق دون إرادتها جعلها تستيقط صباحاً بأرق شديد لتبدأ يومها كالذي قبله ويبدو أن هذا الأرق سيدوم طويلاً حتي تحدث معجزة ما.
■■■
عقلها فارغ تماماً.. القلم لا يعمل ولا يساعدها علي سطر بضعة خطوط لتقوم بعملها.. لا تعلم أين هو حتي الأن، مرت ساعتين وربما أكثر علي موعد قدومه ولكن يطمئنها أن الوضع هادئ بالعمل، فلو حدث له مكروه لكان سمع الجميع.. تأففت وهي تضع يديها المثلجة علي وجهها لتبعث بعض البرودة لداخلها المتهيج.. حتي قطع تفكيرها مساعدته التي طلت برأسها من باب مكتبها وهي تقول مسرعة: رنيم كرم بيه جه.. قولت أقولك عشان سألتي عنه.
ثم غمزت لها بمرح قبل أن تخرج مجدداً مسرعة كما أتت..ارتبكت رنيم ولكن لا تنكر أن داخلها هدأ بدرجة كبيرة لكونه بخير.. هل تذهب له الأن أم تنتظر قليلاً.. في الحقيقة هي لا تستطع الانتظار ولكن ربما هو سيأتي الأن ويشرح لها بأسلوب الحلو اللين وربما ان ذهبت تعطله عن عملهِ طالما أتي متأخراً هكذا.. عاددت تتأفف مجداً وهي تنتظر خطوة منه أو منها.. إن رغبت.. ولكن شئ ما أوقفها قسراً بعد أن قررت الذهاب له وهو رؤيتها لنسمة_ حبيبته السابقة _ تتجه لمكتبهِ.
■■■
ذهبت له.. بعد أن رحلت نسمة وبعد أن ظلت تنتظره لربما يأتي.. وقفت أمام مساعدته تطلب منها أن تخبره بوجودها وبعد أن وافق ها هي تدق بابه لتراه ولكن لم يأتي صوته لها لتفتح الباب وتطل بجسدها للداخل.. ولم تراه في محيط الغرفة أبداً لتعلم أنه بالحمام الملحق بها.
اتجهت لهذا الحائط الزجاجي خلف مكتبه ووقفت تنظر للسماء الصافية.. يا ليت تكون حياتهم سوياً هكذا صافية.. دون والدته ومشاكلها.. فقط هو وهي وحبهم.. ارتعشت قدميها بتوتر بسبب انتظارها له لتسحب كرسي مكتبهِ قليلا وتجلس عليهِ في مواجهة لهذا الحائط الزجاجي.
شهقت وانتفض جسدها بخوف حين تحرك الكرسي بها علي غفلةٍ منها.. بفعل يديهِ ودون أن تشعر بهِ.. كانت تنتظره بشرود في السماء فمتي خرج وكيف لم تشعر بهِ.. نبض قلبها بعفوية مرتبكاً حين أصبحت محاصرة بين مكتبهِ وكرسيه.. وضعت كفيها علي سطح المكتب الخشبي وهي ترفع رأسها له في محاولة منها لرؤيته وهو يسيطر علي الكرسي الجالسة عليهِ من الخلف لتهمس اسمه برقة مرتعشة: كرم.
وقف مستنداً علي هذا الكرسي ومشرفاً عليها من علو ليُجيبها وهو يقرص وجنتِها بسرعة: ايه يا روح كرم.
شهقت مزعورة وهي تبعد وجهها عنه لتزجره بضيق: كرم؟.
ودت أن تنهض فحاولت ولكنه دفع الكرسي فقط لتلتصق أكثر بمكتبهِ ليُجيبها بتلذذ: نعم يا قلب كرم.
ارتعشت حواسها وصوتها كذلك وهي ترفع اصبعها له محذرة: كرم متمدش ايديك.. متلمسنيش.
لم تري ملامحه فهو خلفها ولا تعلم لما وضعها بتلكَ الحالة ولكنه أجابها فوراً باعتذار: أسف ياستي متزعليش.. ايه رأيك في مكتبي بقي؟.. تحبي نبدل ولا انقل مكتبك معايا هنا وتبقي تحت عيني طول اليوم.
ابتسمت قائلة: مكتبك جميل انا بس قعدت شوية وانا مستنياك بس انا جاية اشوفك انتَ مش اشوف مكتبك ممكن تسيبني اشوفك بقي.
ثم تابعت متسائلة بضحك: انتَ واقف ورايا كدي ليه؟.
أدارها فجأة وبسرعة لتغمض عينيها لوهلة ثم تفتحهم لتغرق بعسليتاه وبشرته السمراء أمام وجهها هكذا.. خصلاتهِ البنية الطويلة والناعمة والمصففة بعناية.. وسيم للغاية.. وسيم لدرجة مهلكة لقلبها البريئ، التصقت بالكرسي كلياً وهي تبتعد عن قربهِ هذا وهي لا تفهم لما يتصرف هكذا وهو يعلم أنها تنزعج فلا يحق له بعد أن يكون بهذا القرب لذا قالت بضيق منه: كرم لوسمحت ابعد بقي.
ابتسامته المستمتعة لم تختفي وهو يقول: مش عايزة تشوفيني بحققلك رغبتك اهو.
رمقته بلوم وهي تتحاشي أي تلامس بينهما ليضحك وهو يقف مبتعداً عنها قليلاً بعد أن كبت رغبته في قرص وجنتيها مجدداً فهو يعلم أنه تمادي وربما تتخذ موقفاً منه الأن ولكن وجنتيها الناعمة كانت ككهرباء سرت بعروقه لتتركه مشوشاً منهاراً.. كانت ستنهض عن كرسيه ولكنه أوقفها بحركة من يديهِ قائلاً: خليكي خليكي.
خطي بضعة خطوات بعد ذلك ناحية خزنته السرية بإحدي الخزانات ليفتحها ويلتقط منها بعض الملفات ومبلغاً من المال، ثم عاد للمكتب ليضعهم عليهِ وهو يلتقط قلماً ليوقع علي بعضها.. شعرت رنيم ببعض الضيق لتخبره: طيب أنا بس كنت عايزة أطمن عليك.. أنا همشي عشان تشوف شغلك.
قبل أن تنهض عن كرسيه سحب الكرسي بها قليلاً تجاهه حيث يقف جوارها ليمنعها: راحة فين ثواني وهفضالك.. هخلص حاجة بس وابقي معاكي.
ثم أخذ تلكَ الملفات وبعض من المال ليخرج لمساعدته طالباً منها عملاً ما وهكذا فضل أن يتم العمل حتي لا تدخل مساعدته عليهم هو ورنيم ثم عاد للداخل ليجدها تلعب كالأطفال محركة الكرسي يميناً ويساراً بها وقد عادت تنظر للسماء الصافية.. وضعت كفيها أسفل ذقنها وهي تطالعه بضجر قائلة بجرأة لا تعلم من أين أتتها: بعد ما نتجوز مش هسمحلك تشتغل واحنا سوا أبداً.
ضحك وهو يجلس أمامها ليعطيها كل انتباهه متحدثاً: خلاص يا حبيبتي خلصت اهو.. قوليلي عاملة ايه.
تذكرت ما أرادته من البداية لتخبره بلوم: انا كنت قلقانة أوي عليك.. انبارح ليه مطمنتنيش لما روحت وكمان انهاردة اتأخرت ومش بترد علي تليفونك.
تنهد وهو يسرد لها: لما روحت لقيت خالتو ونسمة عندنا.. فأخدت شاور كدي بسرعة وبعدين سهرنا سوا ولما طلعت أوضتي خوفت تكوني نمتي فأصحيكي والصبح كان فيه شوية شغل برا خلصته وجيت.
صمت مرجعاً جسده للخلف لتقل هي باستكانة وهي تعبث بأشياءه أمامها ولا تعلم لما ضايقها وضع تواجده مع نسمة في مكان واحد.. هي عائلته بعد كل شئ فلن يتخلي عنها لأجل خطأ بكل تأكيد وهي لا تريد هذا علي كل حال ولكن فقط الأمر يترك بداخلها ضيقاً: المهم انك كويس.. الحمدلله.
ابتسم وهو يسألها: تشربي حاجة.
نفت برفق ليقف ملتقطاً مبلغ المال الباقي أمامها وهو يسألها: مش محتاجة فلوس ولا حاجة.
قطبت حاجبيها لتجيبه بتلقائية: لا!.. هحتاج منك ايه يعني.
وضع الأموال بخزنته مجدداً ليعود لها مستنداً أمامها علي مكتبهِ ساخراً بلطف: هحتاح منك ايه يعني؟.. أي حاجة يا رنيم أي حاجة تحتاجيها أنا بقيت في حياتك خلاص.. واحنا الاتنين بقينا واحد.
أومأت له ولكنها أخبرته بتقرير: بس أنا لسة مش ملزومة منك.. أي حاجة هحتاجها هطلبها من بابا أكيد.
أومأ لها دون جدال فهي دائماً تقنعه بعقليتها ومبادئها ولكن هل زيف أم لا.. هو لا يتوقع شيئاً!!.. تحدث في النهاية: اللي يريحك.
تلاعبت بأصابعها لتسأله: هي.. هي نسمة كانت هنا ليه في حاجة؟.
داعبت الابتسامة شفتاه وهو يلمس غيرتها بهذا السؤال ليسأل مدعياً البلاهة:عايزة تعرفي ليه؟.
تلعثمت من سؤاله: لا أبداً انا.. انا بس سألت.. سألت مجرد سؤال عادي.. انا .. انا هرجع المكتب.
ثم وقفت أخيراً عن كرسيه لتمر من أمامه فيقل هو بضحك وهو يفسح الطريق لها: اتفضلي.
ودت لو تضرب صدره بغيظ من تصرفاته الطفولية الماكرة ولكنها فقط أخذت وجهها المشبع بالحمرة لتخرج من مكتبه ببعثرة دواخلها التي كلما تزداد أكثر وأكثر.
■■■
بوقت راحة الغداء.. خرجت من الشركة تستنشق الهواء وأخذتها قدميها سيراً لهذا المكان القريب المُطل علي البحر مباشرةً جلست هناك تتذكر كيف دخلت مكتبهِ صدفة منذ أشهر وكيف أصبح الأن سبباً أساسياً في دقات قلبها شغفاً وحباً.. البسمة تُرسم علي شفتيها حين تتخيله يضحك ويمرح معها بأسلوبه اللين ولكن دائماً تصل بتخيلها عند والدته لتشعر بضيق أنفاسها.. هل كان عليها أن تقع بحب كرم الثري!.. هل كان علي كرم أن يكون ثرياً!..
تأففت وهي تهز قدميها كالأطفال بحنق.. حتي أخرجها من حالتها رنين هاتفها برقم غريب لتُجيب بترقب: ألو!.
والصوت تعرفه جيداً.. شخصاً ما كان في تخيلاتها الأن.. بل وبالأحري واحدةً ما.. لم تكن إلا زهرة والدة كرم لتسأل بترقب: حضرتك جبتي رقمي منين.
استشفت السخرية في تنهيدتها وهي تجيبها بها إقراراً: بطلي تثبتيلي إنك غبية بقي يا رنيم.. بيقولو ابني خطيبك برده بس لو عايزة الموضوع يكمل فانتِ تشغلي عقلك كدي شوية عشان مرات ابني متبقاش بالغباء ده.
ابعدت رنيم الهاتف عن أذنها مستغفرة ربها بغضب من تلكَ المرأة قبل أن تقطب جبينها وهي تسألها بترقب: مرات ابنك!.. تقصدي ايه؟.
قالت الأخري علي مضض: هديكي فرصة يا رنيم.. بس طبعاً هنعمل اللي قولتي عليه.. بكري هتقابلي المحامي تمضي علي كل التنازلات اللازمة!.
#يتبع...