-->

الفصل الثالث - وكر الأبالسة - Den of Devils

 

الفصل الثالث


هذه القصة مستندة على احداث حقيقية ومأخوذة من ألسنة اصحابها مع الموافقة على النشر..



❈-❈-❈


"لا يخرج من بيضة الشيطان إلا شيطانًا صغيرًا"

مثل روماني..

❈-❈-❈


تفقدتها بأعين تشعر بالحزن من أجلها على كل ما استمعت إليه، رحلة طويلة من مجرد شك إلي يقين تام بأن زوجها خائنًا وأخيرًا انتبهت بعد أن ربطت الكثير من الأحداث ببعضها البعض..

تنهدت وأمسكت يد صديقتها بدعمٍ شديد ولم تتحدث بأي من التفاصيل ولكنها سألتها في حماس وملامح اتشحت بالتوعد:

- وناوية تطلعي عينه ازاي؟ 

رفعت "رفيدة" بصرها إليها وتوقفت عن البُكاء بينما ابتسمت لها "إيناس" كي تجيب عن ذلك التساؤل بعينيها، فهي تفهم جيدًا أنها تستفسر عن علاقتهما وكل ما تريده الآن هو أن تُطمئنها أنها بخير وستترك العتاب لاحقًا لوقتٍ آخر:

- ما هو يا روفي مش هيوقع بيني وبينك وفي الآخر اسيبه ينفد بجلده.. بصي.. عايزة الكام سنة اللي اتقاطعنا فيها بسببه تطلعيها عليه.. أنا مش طايقة منظره من يومها ومستعدة انتقم!

لانت شفتاها بإبتسامة تكاد تكون معدومة وهي ترمقها في امتنان ولكن "إيناس" لم ترد تلك المشاعر الجارفة الآن لأنها بالكاد تمنع نفسها عن البُكاء والصياح بوجه صديقتها عن مدى الآلم الذي تحملته وحدها وتلك الأوقات التي مكثت بها في صحراء مقفرة وحيدة تمامًا وكل ما احتاجته هو مجرد وجودها بجانبها فتحدثت في حماس وهي تنهض:

- قوليلي بقى نبعت نجيب أكل ايه علشان أنا من ساعة ما صحيت وأنا مأكلتش.. والتلاجة مفيهاش غير بيرة ومياة! وبطني بتصوت من كتر القهوة والسجاير.. ها اختاري.. 

تنهدت بآسى ثم سألتها بنبرة مُرهقة:

- انتي لسه بتشربي يا ايناس؟

أومأت لها مرات متكررة ولكنها ردت بلهجة مُحذرة:

- بلاش تفتحي النار عليا دلوقتي وسيبك مني لغاية ما نشوف هنخلص من سي زفت ده ازاي.. شوفي تحبي تاكلي ايه.

زفرت بضيق وقالت دون اكتراث:

- كلي انتي مليش نِفس..

قلبت عيناها بإمتعاض بينما زجرتها:

- يا بنتي انتي خسيتي اوي بقيتي شبه العضمة، لو بتسأليني لسه بشرب يبقى انتي لسه عندك هسهس بالوزن زي ما انتي.. واضح إن فيه حاجات كتيرة مبتتغيرش! بس النهاردة لازم ناكل علشان محتاجين الطاقة اللي هنفشخه بيها..

تعجبت من كلمات صديقتها التي لاحظت تغيرها لتصبح سوقية أكثر من المُعتاد وتمتمت في استغراب:

- هسهس.. هنفشخه!! ايه يا ايناس الكلام ده!

قلبت عيناها مرة ثانية ثم عكصت شعرها القصير للأعلى وهي تقول بإمتعاض:

- بقولك ايه أنا مش ناقصة وجع دماغ.. شوفي هنعمل ايه وابقي عدلي على كلامي بعدين.. تاكلي بيتزا ولا أي مكان نضرب منه برجر؟

اشمئزت ملامحها وهي تغمغم بمزيدًا من التعجب:

- بيتزا .. برجر .. نضرب.. لا كلي انتي bon appetit

زفرت بضيق ثم رمقتها وهي تشيح برأسها ثم أخذت قرارها:

- يبقى برجر.. هاجيبلك كومبو يمكن تغيري رأيك كمان شوية!

❈-❈-❈

دلف المنزل كالطلقة المندفعة لتصيب بالدمار وملامحه تحولت من ذلك الرجل الهادئ الذي بالكاد يتحدث إلي ملامح شيطانية مُخيفة وكأنه مُسلطًا على إيذاء هدف محدد ولم يهتم بأي ممن حوله كالمعتاد ولكن هذه المرة ملامحه دفعت القلق لوجدان كل من رآه..

تسارعت خطواته نحو غرفة والده التي يمكث بها لتُفزع "رحمة" من اندفاع الباب الذي انطلق بعنف ليرمقها بلمحة سريعة واعاد نظره لوالده وقال بصوت مسموع تشبع بالغضب:

- اطلعي برا واقفلي الباب وراكي!

فتح "أنور" عينيه وهو ينظر له في توجس فهو يبدو أنه علم بحقيقة الأمر ولم تلبث الأخرى سوى ثوانٍ لتحسم أمرها فهي لن تبادر بفضح نفسها أمام الجميع وسرعان ما توجهت للخارج وأغلقت الباب ليسأل الآخر ابيه بلذاعة:

- بتموت ولا مش حاسس بالدنيا حواليك.. تصحالي وترد عليا، أنت كنت متجوز ومخلف واحد اسمه جاد؟

ابتلع في ارتباك بينما لم ينتظر ابنه ليجذب من على وجهه جهاز التنفس وظل رامقًا اياه دون أن تتلاقى أجفانه بينما أومأ له بالموافقة وتحدث بمشقة:

- استنى.. انا اتجوزت علشان ناريمان مكنتش بتخلف.. كنت هاخد الولد واخليه ابني وابنها بس في نفس الوقت ناريمان فجأة قالتلي انها حامل.. 

ازداد لهاثه غضبًا بينما صرخ به:

- ناريمان بدوي لو كانت عرفت إنك متجوز عليها كانت موتتك قدام عينيها! 

التفت ليغادر ليوقفه والده سريعًا هاتفًا بمجهود:

- استنى.. متبوظش كل حاجة.. متتسرعش.. أنا جاد جالي النهاردة الصبح..

توقف ليلتفت له بملامح مستهزءة وهتف بحقد:

- وكمان بتقولها في وشي.. ما يولع جاد ده ولا يتحرق! 

ابتلع الآخر بصعوبة وقال ليوقفه:

- أنا عارف إنك مترشح لمجلس النواب.. اي حاجة هتتسرع فيها فأنت العين عليك.. استدرجه لغاية ما تضمن إنك كسبت الإنتخابات وبعدين ابقى اخلص منه.. أنا سجنته بإيديا.. أنا مكونتش عايز غير إن يبقالي ابن يكمل بعد مني كل حاجة.. ويوم ما عرفت إن ناريمان حامل بعدت عن الست اللي اتجوزتها ورميتها هي وابنها.. أنا مخونتش ناريمان يا راغب!

هدأ قليلًا بينما وضع الآخر جهاز التنفس ليستنشق منه بمجهود واضح ليرمقه ابنه بمزيدًا من الإشمئزاز ثم همس له:

- أنت عمرك ما فرق معاك غير الفلوس، ناريمان مكنتش غير سلمة في طريقك يا أنور بيه..

مقته بتلك الكلمات التي تلفظ بها وكاد أن يذهب ليخلع والده القناع سريعًا وتحدث بلهاث:

- ناريمان كانت تعرف كل حاجة! 

توقف متصلبًا في طريقه إلي الخارج محاولًا أن يستوعب الصدمة التي وقعت عليه لبعض لحظات وبعدها غادر للخارج دون أن يتحدث بالمزيد باحثًا عن اخته التي لابد لها العلم بكل ما يحدث فهو يُهاتفها منذ علمه ولكنه باء بالفشل في الوصول إليها!

توجه لغرفة مكتبه على عجالة والهاتف لا يفارق أذنه من كثرة تكرار الرنين الذي لا يُجاب في النهاية ليحاول الوصول إليها عن طريق زوجها ليتعالى قلق كلاهما فلا يعلم أيًا منهما إلي أين ذهبت ولا لماذا لا تجيب!

طرقت "نانسي" باب الغرفة ودخلت في هدوء لتفقد زوجها فتحدثت في هدوء:

- راغب أنت كويس؟

التفت بملامح ممتعضة لها وتوقف عن مسح الغرفة بخطواته المتسرعة بينما صاح بها:

- نانسي! مش وقته.. سيبيني ارجوكي واطلعي برا شوية..

تفحصته بعينيها وقد طفح الكيل من تلك الفجوة التي تحولت لبيداء شاسعة بينهما بمرور الأيام والشهور والسنوات وكلها بفعل يده لتقترب منه بخطوة تتبعها الأخرى وهي تتسائل ساخرة:

- مشغول، مش وقته، مش دلوقتي.. حتى لما اجي اطمن عليك! دايمًا أنا اللي بسأل وبهتم.. اخرتها إيه يا راغب؟ ممكن تفهمني؟! آخر الأسلوب اللي أنت بتعاملني بيه ده إيه أنا نفسي افهم!

عقد ذراعيها في تحفز وكز هو أسنانه بأنفاس متسارعة من كثرة غضبه ليخلل شعره بعنف وزجرها مشددًا على نطقه للحروف:

- سيبيني ارجوكي قولت مش وقته!

بالكاد استطاع التحمل وهو ينطق بتلك الكلمات ولكن لم تعد تتحمل هي جفاءه وكل محاولة تحاول خلالها الإقتراب منه لتتحدث بحرقة بمزيد من التساؤلات:

- لا وقته، وقته إنك تفضيلي نفسك ولو ساعة في اليوم، وقته إنك تحس إنك راجل متجوز وعليك مسئوليات.. وقته إنك تعتبرني إنسانة وتديني قيمتي.. ما الشغل والإنتخابات عندك كل يوم.. تقد تقولي أنا فين من يومك؟ اجازاتك؟ حياتك كلها؟! حرام عليك بقى أنا مبقتش قادرة استحمل الأسلوب ده.. ولا بقيت مستحملة التجاهل والجمود اللي بيني وبينك.. لو أنا للدرجة دي عبء عليك يبقى طلقني!

والده على مشارف مفارقة الحياة، وضعه الإنتخابي على المحك بسبب أخ مسجون للتو بعد ما يقارب من ثلاثون عامًا يعرفه، والآن زوجته تريد الطلاق! يومًا مثالي بالنسبة للمصائب! 

من جديد همس بين أسنانه الملتحمة:

- نانسي! قولت سيبيني!

أيريد التفلت من المواجهة الآن؟ لن توافق أبدًا بذلك! عليها المواجهة ولو لمرة واحدة بحياتها بأكملها، لن تتراجع بعد اليوم وبعد هذه اللحظة تحديدًا:

- لا مش هسيبك غير يا إما تشاركني في حياتك وتقولي مالك فيه إيه وتقدرني، يا إما الطلـ..

لم تُكمل جُملتها عندما دفع احدى الكراسي بعنف لترتجف اثرًا على ما فعله ثم صرخ بها:

- قولت اطلعي برا وسيبيني.. مش هكرر كلمتي!

توقفتا مُقلتيها تشاهداه في تلك الحالة الغريبة التي لأول مرة تتضح عليه فربما هي لم تره بمثل هذا الغضب العَرِم في حياتها بأكمله لتجد أن أنفاسها احتبست دون ادراك منها وبشخصيتها التي ترعرعت على اعتياد تحكم الآخرين التفتت لتغادره وهي خاوية الوفاض من جديد..

❈-❈-❈

ارتشف من كوبه مُخلفًا صوتًا مسموع ثم تنهد بعمق وتسائل:

-  وقصر الكلام لا مؤاخذة، ايه المغزى من كل الحوار ده؟

تفقده بأعين حزينة ثم همس له بآسى:

- قصر الكلام إن رزق عارف إنك مش ابن عطا الله، ورايد رحمة.. علشان كده كنت بكلمك على موضوع البيت!

ابتسم بتهكم ووضع الكوب على تلك المنضدة المعدنية الصغيرة وتمتم مستهزءًا:

- متجوز وعايز يتجوز تاني.. لا حلوة دي..

توسعت ابتسامته المتهكمة ثم سرعان ما تلاشت وحل محلها الجدية المحضة وقال:

- طيب بص يا عم محروس، رحمة أختي وبنت أبويا وأخت سعد.. ولغاية ما ربك يفرجها أنا ماليش غير الدكان اقعد فيه من ساعة ما بيتنا اتباع علشان عملية أمي اللي ملحقنهاش، ومظنش إني أنا ورحمة اتقفل علينا باب واحد من يومها، وابقى بلغ رزق إنه مرفوض، مش رحمة بنت عطا الله المتعلمة الصغيرة هترضى بجزار داخل على الأربعين متجوز وعنده عيال.. يلم بلاه عننا احسن ورب الكعبة اسيح دمه! 

نهض بملامح متحفزة وهمس في النهاية بتحذير:

- عقله يا عم محروس.. عقله بدل ما نهايته تكون على إيد مسجون زيي مش باقي على حاجة في دنيته.. أنت كبيرنا وأنا كبرتلك، إنما لا مؤاخذة هيتلون عليا هوريه الويل.. بالإذن علشان عايز أنام!

تركه وبداخله بركانًا كاد أن ينفجر بأي لحظة وحاول قدر المستطاع ألا يلمحه بأعينه واتجه صوب الدكان مباشرة ليفتحه أمام الجميع ومكث فيه منيرًا الأضواء ووجه ظهره للجميع وهو يُفكر فيما استمع له من "محروس" وحاول كبح غيظه فما الأمر إلا مسألة وقت إلي أن يغادر ويحصل على بيتًا بمفرده بعيدًا عن كل ذلك الفضول!

لوهلة استمع لصوتًا غريبًا لم يتعود عليه بعد ثم أدرك في ثوانٍ أن هذا هو صوت الهاتف الذي اعطته له فأجاب بعد أن كبس زر الرد ليأتيه صوتها المرتجف:

- جاد، فيه حاجة حصلت.. راغب فجأة دخل متعصب وكلم أنور بيه، بس طبعًا مقدرتش اسمع حاجة من اللي حصلت!

تريث لبرهة قبل أن يُجيبها بكلمات وفي النهاية همهم ليقول:

- متقلقيش هنعرف لو الحوار عليا ولا لأ! خليكي انتي بس معاه لغاية ما نشوف اخرتها.. 

توقف من تلقاء نفسه ثم هتف بإهتمام متسائلًا:

- انتي حد عِرف حاجة أو شك فيكي؟

ابتلعت بتوتر وهي تحاول أن ترى ما إن كان أحد يستمع لها ثم اجابته بنبرة مهتزة:

- لا.. لا مفيش حد قالي حاجة..

زفر براحة ثم قال بعناية:

- خدي بالك من نفسك ولو حاجة حصلت كلميني بسرعة.. وخير إن شاء الله متخافيش.. مش هيقدروا يفضحوا نفسهم بنفسهم ولا راغب زي أنور والدنيا مبقتش زي زمان، ولو حد فيهم عمل حاجة هيتفضحوا و..

قاطعته عندما ارتطمت بجسد خلفها:

- هكلمك تاني..

أنهت المكالمة سريعًا وهي تتفقد من ذلك الذي كان يستمع لها وشحب وجهها ولكنها بدأت في الحصول على بعض الطُمأنينة عندما أخرج تلك السماعات من اذنيه ورمقها في استغراب ثم سألها:

- انتي مين؟

تعجبت منه فلقد ارتطمت به مرة مسبقًا لتزم شفتاها واجابته بإمتعاض:

- أنا رحمة، الممرضة الجديدة.. جيت من فترة علشان Mr أنور و..

أومأ في تفهم لم يخل من الغرور والآنفة لترتفع شفتها في تعجب من غطرسته خصوصًا عندما أشار لها بكفه أن تكف عن الحديث ليذكرها بنفس ذلك الإصطدام الذي حدث بينهما لتندفع به قائلة:

- ناقص بقى تقولي إني المفروض مجيش هنا والمكان ده أصلًا جنب السلم بتاع الموظفين!

رفع احدى حاجباه لنبرتها التي تُحدثه بها ليقول بتلقائية:

- أنا كنت سرحان مش واخد بالي وباصص في الأرض.. مخدتش بالي..

بالرغم من أنه كان يتحدث بعفوية إلا أن طريقته التي تعج بالغطرسة لم تترك كبريائها إلا وقد جُرح لتزجره:

- يا سلام! انت بتتنك على ايه يا اخويا! مش فاهمة يعني.. ده بدل ما تعتذر؟!

لتوها لاحظت أنها اندفعت.. تمادت قليلًا، أو كثيرًا ربما.. فهي بهذه اللحظة تعرف جيدًا أنها تتحدث إلي "سلمان يكن" واحدًا من مُلاك هذا المنزل بأكمله، وبيده أن يفصلها عن عملها، وهذا كل ما لا تريده خصوصًا الآن بعد ما حدث صباح اليوم مع "جاد" فلقد اقترب للغاية من تحقيق رغبته!

ابتلعت وهي تتفقده بعد إدراكها كلماتها التي بالغت بها بينما رفع هو حاجباه وهو يتفقدها متعجبًا ولا يدري من هي تلك الفتاة لتُحدثه بمثل هذه الطريقة لتدارك ما قالته سريعًا بنبرة مهتزة:

- معلش.. اصلي صاحية من بدري ومش مركزة وعكيت في الكلام.. سلام!

تركته سريعًا وذهبت ليهُز رأسه مستنكرًا فعلتها ولانت شفتاه بإبتسامة من هذا الموقف الغريب ولكنه تركها وشأنها فهو ليس بذلك الرجل الذي سيفصل فتاة عن عملها بسبب بضع كلمات واتجه ليستكمل تفكيره بالكثير من الأمور ولقاءه الذي يظن أنه بات وشيكًا بـ رغدة! لم يكن يظن أنه بعد سنواتٍ عدة سيراها، بل ويشعر أنه يود ويرغب ذلك..

❈-❈-❈


سرعان ما عادت إلي غرفة "أنور" وتأكدت أن الأمور بأكملها بخير وقبل أن تغادر لمحته يشير إليها لتتجمد الدماء بعروقها، فلقد كانت تعلم أن هذا الأمر لن يمر بسلام.. ولكن لو أقدم على إيذاءها تعلم بل وتتيقن أن "جاد" لن يتركها وإذا أقدم على إيذاء ابنه فتتصدى هي له بما يملكاه.. 

اقتربت نحوه قليلًا بينما حدثته بتساؤل ونبرة متريثة للعاصفة التي ستهب بأي لحظة الآن:

- حضرتك محتاج حاجة؟ 

نظر لها بأعين تلتمع بالرغم من تقدم عمره، يتفحصها وكأنه يُجرد الحقيقة من بين مكنونات صدرها لتجده يبعد جهاز التنفس عن وجهه ثم سألها بلهاث من شدة مرضه:

- انتي اللي دخلتيه وساعدتيه، مش كده؟

ابتلعت وهزت رأسها بالنفي بسرعة وهي تجيبه محاولة قدر الإمكان الحفاظ على ثقتها:

- لأ.. أنا كلمت دكتور في المستشفى اللي دايمًا بيتابع مع حضرتك، قالي إنه مش فاضي وإن هيبعت حد بداله..

تفقدها وهو يعيد القناع مرة أخرى على وجهه وأومأ لها بينما بداخله لم يجد ذرة من اقتناع لتعلم هي أن الأمر مجرد وقت ليس إلا قبل أن يتأكد الجميع من أنها هي من خلف كل الأمر فقالت بصوتٍ مهتز في تساؤل روتيني:

- حضرتك محتاج حاجة مني تاني؟

أومأ لها بالإنكار لتفر هي إلي الخارج وهي تمرر بعض الهواء إلي رئيتيها بعد احتباس انفاسها من تلك المواجهة القصيرة وأدركت أن الحل الأمثل الآن هو أن تعود لمنزلها ولا ينبغي عليها الإنتظار هذه الليلة بهذا المنزل..

في أي وقت قد يحصل "أنور" على الدعم أو سيحدث طبيبه وبمجرد مكالمة قصيرة لا تتعدى الدقيقة سيعلم هو أو أي من ابناءه أن الأمر بأكمله مُزيف وهي السبب وراء كل ما حدث لتقرر في النهاية أن تبدل ملابسها سريعًا وتغادر في الخفاء قبل أن يصل الأمر لرجال الأمن على البوابات الخارجية ويمنعوها بالمغادرة..

لم تنتظر لتستشير "جاد" وربما قد يغضب ولكن من هيئة جميع قاطني هذا الصرح اللانهائي هي لا تملك ولو ذرة ثقة أو قوة أمامهم لتستطيع المواجهة!

❈-❈-❈

مرت الساعة تتبعا الأخرى وبعد الكثير من التفكير في الأمر وصلت أخيرًا هي وصديقتها "إيناس" إلي طريقة لتوثيق هذه الخيانة التي لا يتوقف عنها.. فبعد الكثير من الصدق والحديث بينهما توصلت كلتاهما إلي حقيقة واحدة.. هو خائن منذ سنوات.. وليس هذه المرة فقط.. 

لقد صدقته بالسابق عندما اقنعها بطريقته الثُعبانية أن صديقتها "إيناس" هي من تود أن تُفرق بينهما، وأنها مجرد فتاة وحيدة لا يطيق الرجال معرفتها وتتملكها الأنانية تجاه "رفيدة" وسيطر عليها لهيب الحقد عندما رآتها ستقترب من امتلاك حياة بعيدًا عنها.. ويا لغبائها لقد صدقته وقتها والآن تبكي على اللبن المسكوب!

حاولت تسليط تركيزها على الطريق وهي تتأكد أنها ليست متبوعة فهي بعد ما تيقنت منه ستصدق أن زوجها قد يفعل أي شيء، يراقبها، يغدق بالرشاوي لأي مما يعمل معها حتى يتأكد أنها لا تلاحظ شيئًا، لقد اصبحت ترتاب بأي شخص أو شيء قد يكون بمقدوره التوصل لأي شيء عنها.. 

صفت سيارتها بمرأب المنزل وتوجهت لتستخدم المصعد الداخلي في احدى ساعات الصباح الأولى ولا تعلم أن زوجها قد سبقها منذ عدة دقائق، فأخيها هاتف كل من قد يعرف عنها شيئًا ليزف إليها رياح العاصفة التي ستهز كيان هذه العائلة بأكملها.. 

مشت صوب غرفتها تحديدًا وبداخلها تراجع أوراق تلك اللعبة التي حفظتها عن ظهر قلب بعد ترتيبها مُسبقًا مع "إيناس" لتستطيع كسب هذه الجولة.. لن تقبل "رفيدة الشهابي" بحُسنها الآخاذ وأموالها الوفيرة وذكائها أن تُصبح مجرد إمرأة باكية تُصاب بالخيانة لتقابلها بالإستسلام والخضوع.. 

تظاهرت بالحزن، أو ربما لقد آتى تلقائي بعد تيقنها من خيانة زوجها لها.. ولكن لن تُفصح أن هذا ما يُحزنها.. فهي أكثر من يعلم أن لكل صفقة ثغرة تستطيع استخدامها، ولقد شرعت في استخدامها منذ ساعات بالفعل!

توجهت صوب الحمام وهي تتحرى بعناية التظاهر بأنها تفعل روتين يومي عفوي من استحمام وتبديل ملابس والعناية ببشرتها ولكن ما لا يلحقه زوجها الذي علم بقدومها وينتظرها بالفعل خارج باب حمام غرفتهما بتقيأها كل ما تناولته بالإجبار.. فهذا الأمر لا يعلمه عنها أحد سوى صديقتها "إيناس"!

"رفيدة" منذ أن تلقت التنمر الشديد بالسابق في نهاية مرحلتها الإعدادية وأولى سنوات مرحلتها الثانوية بسبب وزنها بات لديها ذُعر من مجرد ازدياد وزنها.. لذلك تذيق نفسها شتى أنواع القسوة ألا تكسب ولو عدة جرامات لوزنها.. لا تأكل، وإذا تناولت الطعام تتقيأه، وتعنف نفسها بالإستيقاظ المبكر لممارسة الرياضة المبرحة.. ولا يعلم أحد أنها خضعت لإحدى عمليات تكميم المعدة وعمليات تنحيف دون علم عائلتها بشيء وهي مجرد فتاة لم تبلغ الثامنة عشر بعد.. وبالطبع الوحيدة التي عرفت كانت "إيناس"! 

لوهلة عاتبت نفسها بقسوة، كيف فرطت في الوحيدة الأقرب لها من دمائها التي تسير بعروقها من أجل مجرد رجل خائن لا يستحق سوى الإنتقام؟ كيف صدقته وكذبت صديقتها الأكثر من والدة وأخت بل وأخٍ وكانت كل ما لها في الحياة يومًا ما؟ 

أحيانًا نتناسى وتأخذنا الحياة بما فيها، ولكن من حسن حظها أنها استطاعت إنقاذ نفسها قبل فوات الآوان.. 

أثنت على نفسها أنها لم تقم بالإنجاب.. لا تدري أخوفًا من ازدياد وزنها أم لوجود شعور خفي بطياتها بعدم ثقتها الكاملة في "ياسر" أو ربما هي لا تثق في الرجال بشكل تام! فوالدها ليس أفضل أب ليُعطيها تلك الصورة المثالية عن الزواج والإنجاب..

تنهدت ثم توجهت للخارج في استعداد تام لملاقاة زوجها، أخيها، زوجة أخيها، أو حتى ابن خالتها.. قد تأتي خالتها نفسها الفضولية لتتسائل إلي أين ذهبت.. توقعت حتى أن تستيقظ والدتها من قبرها للسؤال عن حالها.. ولكن "رفيدة الشهابي" لا تخاف ولا تقل ثقتها بنفسها، على الأقل أمام الجميع! 

وجدت "ياسر" لا يزال بملابسه ويتفقدها في إكتراث تام، علمت أنه يُزيفه بالطبع، وكذلك زيفت هي حُزنها الذي الوجه المستتر منه يقع تحت تأثير جرح كبريائها كإمرأة جميلة وأنثى يتهافت الكثير من الرجال عليها وكمكافأة خانها زوجها.. لتبدأ اللعبة إذن!

عقد حاجباه في عناية وهو يتفحصها ثم اقترب منها ليتلمس ذراعيها في حنان كاذب وسألها:

- حبيبتي قلتينا عليكي، انتي كويسة؟

ابتسمت بإقتضاب شديد وإنهاك وهمست بحُزن:

- أنا تمام.. حبيت بس أكون لوحدي شوية!

تزايدت عقدة حاجباه وهو يمسح وجهها في تحري عن السبب خلف غيابها فجأة فسألها بهدوء:

-  ليه يا حبيبتي إيه اللي حصل؟

رمقته بنظرة ناعسة في حقيقتها خيبة أمل، تلقت كلماته المُخادعة كآلف خنجرٍ مسموم يغرس بقسوة في ظهرها ولكنها اكتفت بإظهار الحُزن وهي تجيبه:

- مامي السنوية بتاعتها كمان كام يوم، حسيت انها وحشاني اوي.. حسيت اني محتاجاها فجأة.. بعدت عن الموبايل والشغل وروحت اوتيل قعدت لوحدي شوية

قضمت شفتاها المرتجفتان بينما تهاوت احدى دموعها في قهر صامت وهي تُلفق تلك الكذبة ليحتويها عدوها الأول بين ذراعيه الكريهتان وشعرت بتقزز جعلها تود التقيأ من جديد ولكنها تحملت.. لم يبق له سوى دور صغير في هذه الجولة التي ستكسبها بالتأكيد.. لا أحد يعبث مع "رُفيدة الشهابي" وينجو!

"ياسر محفوظ" لم يعد سوى بطاقة لابد أن تحرقها في هذه الجولة! لم يعد نفس الرجل الذي طنت أنه عليه.. لقد سقط من نظرها للأبد ولن يعود لما كان عليه في نظرها أبدًا!

تظاهر بضمها بحنان ودعم بالطبع كانا زائفان وإلا لما كان ليُقدم على خيانتها منذ سنوات، هذا الثُعبان كان يستغل كيان "رفيدة الشهابي" ونجح ببراعة في فعلها ولكنها ستجعله يتجرع آلمًا وندمًا.. هي كل ما تريده فقط ويفصلها عن تحقيق رغبة انتقامها به مجرد أيام سريان خُطتها!

همس بأذنها بنبرة صوته المميزة التي لطالما نجحت في خداعها:

- ممكن طيب تلبسي هدومك وتروحي تشوفي راغب لأنه كان قالب عليكي الدنيا..

ابتعد عنها يتفقدها بتأثر ثُعباني ولم تتلاقى جفونه وهو ينظر لها بدعم شديد قد يتراءى للجميع أنه يتمرمغ في عشقه ولوعته لغيابها عنه طوال ساعات بينما يتراءى لها بحقيقته المجردة.. خائن! 

❈-❈-❈

مشت بخطوات مسرعة نحو بوابة البيت الذي يضم الحانوت الخاص بوالدها فيما سبق وكذلك تلك الشقة الصغيرة التي تمكث هي بها وحدها لتجد أن "جاد" لا يزال مستيقظًا ولم يُغلق الأبواب بعد فقررت بعد ارتباك دام لثوانٍ أن تتحدث معه وليعلم وليحدث ما يشاء!

للحظة تهللت ملامحها بعيدًا عن ارتباكها الذي واتاها عندما وجدت أنها ستراه وحتى ولو لدقيقتان وستروي ظمأ عينيها العاشقتان بملامحه التي تهيم غرامًا بها فطرقت على جانب الباب ولم تمر ثوانٍ حتى ظهر بملامحه التي جعلته تتنهد هيامًا لجزء من الثانية بملامح سعيدة تناست توترها لحظيًا بينما هتف بها في استغراب:

- رحمة! ازاي ترجعي متأخر لواحدك في ساعة زي دي من غير ما تقوليلي ولا تعرفيني؟ وبعدين احنا مش متفقين إنك هتباتي هناك النهاردة؟

انتبهت على صوته الذي لا يقل عشقها اياه عن ملامحه وكل ما فيه لتستيقظ من افتتانها به وتعاركت الكلمات بحنجرتها لوهلة ثم اجابت بتلعثم:

- جاد أنا آسفة، بس.. بس، أنور بيه ندهني وقالي إن أنا اللي دخلتك وساعدتك.. فقولتله اللي اتفقنا عليه.. وراغب بيه كان متعصب اوي.. كمان أنا عكيت في الكلام غصب عني مع سلمان بيه و..

انقشعت عفويته ونظراته الهادئة وحل محلها غضب عرم ليزجرها مقاطعًا:

- جرا ايه يا رحمة.. ايه اللي انور بيه وزفت بيه.. ما كلنا ولاد تسعة.. وبعدين سلمان ده عكيتي معاه في ايه؟

نظفت حلقها وهي تحاول استلهام الشجاعة لتتحدث وهي تتفقد ملامحه وكاد أن يسبقها هو بالمبادرة بالحديث فقالت بإندفاع كي لا يتحدث:

- جاد أنا مش قد الناس دي.. ومش عايزة اخوفك بس لا أنا ولا أنت قدهم!

تحولت من مجرد نظرات سعادة وعشق إلي توسل خائف من أجله ومن أجل نفسها ثم همست بقلة حيلة:

- أنت متعرفش اني من يوم ما دخلت البيت ده اخواتك عمرهم ما خبطوا على باب ابوهم، ولا تحس ما بينهم غير بالشر والبُعد والمصلحة.. تناكة ومفيش حنية بينهم.. اعمل اي حاجة يا جاد بس بلاش تلعب معاهم اللعبة دي، أنا خايفة عليك! 

شعر بمصداقية كلماتها الحقيقية التي نطق بها فؤادها وليس لسانها ليتنهد محاولًا التخلص من غضبه وقال بنبرة هادئة علها تطمئن:

- متخافيش يا رحمة، أنا عمري ما هسيبك تتؤذي.. انتي اختي قبل أي حاجة لو حد اذاكي هفضحه ولو حد جه ناحيتي انتي معاكي كل حاجة وتقدري تفضحيهم.. ليه قلقانة بس؟ مش انتي بنفسك اللي قولتي الدنيا مبقتش زي زمان والفيس والواتس وموقع الفيديوهات ده وتقدري تعملي حاجات كتير؟

شعرت بطعنة تلقاها قلبها فور نطقه وتأكيده أنها اخته من جديد ولكنها تنازلت وتركت هذا الأمر جانبًا الآن لتهمس له بلهفة:

- يا جاد افهمني.. دول مش ناس سهلة.. ارجوك كفاية انه كتبلك الفلوس وخلاص.. ولا طظ في الفلوس وافتح الدكانة من تاني.. اعمل اي حاجة بس بلاش دول.. محدش فيهم هيحن عليك.. وحتى لو اخدوا الفلوس اللي كتبهالك النهاردة فمش مهم تغور في داهية، دول البصة في وشهم متطمنش..

كاد أن يتحدث بينما استمع لأكثر الأصوات التي كرهها في حياته:

- ياااه لسه صاحين.. حمد الله على السلامة يا رحمة.. كويس إنك لقيتي اخوكي مستنيكي!

قلب عينيه بعد أن التحمت اسنانه تلقائيًا وهو يستمع لتلك الكلمات الشامتة لتلتفت له الأخرى بملامح ممتعضة وقالت في تحفز:

- خير يا رزق عايز ايه الساعادي؟

حدجها "جاد" بنظرات حادة جعلتها تبتلع بتوتر وزجرها بنبرة قاطعة:

- اطلعي نامي انتي يا رحمة!

ابتسم الآخر متفقدًا كلاهما بنظرات مشمئزة وأضاف موجهًا كلماته إليها:

- ولما هي الساعادي متأخرة، ايه اللي مرجعك في وقت زي ده ولا خلاص مبقاش وراكي راجل! 

هذه من شيم النساء! الثرثرة.. وهذا ما لم يتحمله "جاد" الذي اندفع نحوه ممسكًا بتلابيبه وصاح به:

- هي مين دي اللي مورهاش راجل يا وسخ!

هذه كانت جُملته الوحيدة التي نطق بها في قمة غضبه وانهال عليه بعدها بالعديد من اللكمات لتشعر "رحمة" بالذعر بعد أن رآت وجهه يعج بالدماء من سرعة الضربات التي لم يتريث "جاد" في تلقينها اياه والآخر يصرخ اسفله لتحاول منعه:

- خلاص يا جاد والنبي كفاية.. كفاية الله يخليك.. 

بدأ الناس في التجمع على تلك الأصوات التي تدل على عراك تام ولم ينجح "رزق" في الدفاع عن نفسه أمامه لتعدو "رحمة" حيث منزل "محروس" وهي تصيح بأعلى صوتها بصحبة طرقات عديدة على بابه في حالة ذعر كاملة:

- عم محروس الحق.. جاد ماسك رزق هيموته! والنبي الله لا يسيئك تيجي تحوشه.. عم محروس..

سرعان ما وجدت الباب يتحرك ليظهر "محروس" في حالة تأهب وفزع وملامحه المُهرجلة من النوم لا تزال تتضح عليه وهتف بها:

- فيه ايه يا رحمة يا بنتي اهدي وفهميني

جذبته من ساعده للخارج وهي تتوسله وصدحت بهرج:

- رزق جه ولبخ في الكلام وجاد ماسك فيه ونازل فيه ضرب.. حوشه يا عم محروس لا يروح فيها تاني احنا ما صدقنا خرج

جحظت عينيه وهو يهرول تجاههما عندما وجد "رزق" أسفل "جاد" ولا يزال يتلقى اللكمات المتوالية منه وقد تمزق قميصه القطني بالفعل بينما بهتت الدماء على قميص الآخر وتعالى صياح عدة نساء ووجد اخته تهرول نحوه ويتبعها ذلك الشاب الذي يساعده بعمله ممسكًا بساطور بيده ليجذبه سريعًا وتشجع بعض الرجال عندما وجدوا "محروس" يتدخل ليُنهي ذلك العراك الدامي بينهما وهو يقول:

- خلاص يا جاد هتموته..

لهث بشدة وهو يحاول التحرر من جذب الجميع له ثم صرخ بالجميع:

- وسع منك ليه! فاكرها سايبة وجاي يتنأرز بالكلام زي النسوان!

حاول التقاط أنفاسه وأكمل صياحه بالجميع:

- اسمعوا كلكم وحطوا الكلام ده حلقة في ودانكو! رحمة بنت عطا الله اختي واللي هيقول عليها كلمة ولا عقله يوزه يقول عليها حرف هسيح دمه.. اخواتها الاتنين مساجين وعمرهم ضاع في السجن.. خمس ولا سبع سنين في كلب يفكر يلمس شعرة منها ميغلوش عليها.. سمعتوا ولا أقول تاني؟

تفقد الجميع بنظرات مُعادية كالليث الضاري في حالة افتراسه لفريسة اشبعت نهم غضبه بينما نظر الجميع له منهم بإستهزاء والبعض بإستغراب وآخرون رمقوا "رزق" فهو شخصية غير محبوبة بالفعل بين أهل المنطقة وساعد الشاب "رزق" ليحمله حيث منزله ليصيح "محروس" بالجميع:

- يالا يا جدعان كل واحد يروح يشوف حاله.. يالا على بيوتكم.. هتقضوها فُرجة ولا إيه! يالا روح على بيتك منك ليه..

❈-❈-❈


شعرت بالصدمة الشديدة جراء ما استمعت له من أخيها بشأن وجود أخٍ آخر لهما وكأن اليوم لا يريد أن ينتهي من كثرة الكوارث التي تقع فوق رأسها واحدة تتبع الأخرى دون تهاون ولكنها تمالكت اعصابها وسألته بهدوء:

- وأنت ناوي تعمل ايه؟ لازم نخلص منه طبعًا!

تفقدها بتردد بينما آتى قراره بهدوء شديد:

- أي حركة دلوقتي مش في صفي في وسط الإنتخابات! لازم نهدا لغاية ما الإنتخابات تخلص وأفوز وبعد كده أنا هخلص منه بمعرفتي!

ابتسمت بسخرية وهي تتفقده وبالرغم من ارادتها قول الكثير ولكنها اكتفت بالتعامل مع الكارثة العائلية أولًا قبل الكارثة الزوجية التي اصابتاها في مقتلٍ لتقول هاكمة:

- طبعًا طبعًا الانتخابات اللي ملهاش اي لازمة هي المهمة دلوقتي.. وهو انت عرفت منين؟

زفر بضيق ليجيبها بقليل من التلعثم:

- كنت معين حد علشان يعني.. لو فيه أي حاجة عننا يقدر يعرفها قبل ما حد تاني يعرفها! ونتصرف فيها، واهو حصل اللي كنت قلقان منه!

ابتسمت بسخرية بالرغم من بعض القلق الذي انتابها ولكن لطالما ادعت الثقة الشديدة عكس كل ذلك الخوف الذي بداخلها، مهما كانت الصورة الخارجية مثالية لا يعرف الجميع تاريخ كل ما حدث لأي من شخصيات الماضي، تركت افكارها جانبًا ثم همست بضيق:

- مكنش ليه لازمة كل ده.. لولا مجلس النواب اللي أنت عايزه اوي مكنش هيفرق معانا يبقى لينا أخ ولا لأ!

أطرق برأسه لإحدى الجوانب ثم هتف مُحذرًا:

- رفيدة! مظنش ده الوقت المناسب إنك تبدأي بالتريقة..

ابتسمت له بإقتضاب ثم همست له:

- عندك حق..

نهضت ليتفقدها بأعين متعجبة وسرعان ما نهض ليلحق بها وأوقفها متسائلًا:

- رايحة فين؟

التفتت ناظرة له بحزن لم يُفكر حتى بالإهتمام والسؤال عنه وبالرغم من جرحها الذي تحاول تضميده منذ تيقنها من خيانة زوجها لها اجابته:

- رايحة اشوف اللي وقعنا في الموقف ده لما بدأ وجاب ولد من واحدة تانية.. رايحة لبابي.. اكيد هو فهم ازاي جاله وازاي قدر يدخل من وسط كل الحراسة دي.. هبدأ بمين غيره علشان نعرف نتصرف! هشوف هحاسب اللي سمحله يدخل ولا نشوفه اداله فلوس وهيسكت ولا هنجيبه ونتكلم معاه! لسه هعرف لما اتكلم وافهم منه..

عقدت ذراعيها في تحفز هادئ لترى ما الذي سيقوله لو كان حتى أمامه حل آخر سوى ما فكرت به، هكذا بدأ الشيطان، وبنفس الطريقة سيسير ابنائه على خطاه.. 

ابتلع الآخر ثم همس لها وهو ينظر لها دون إكتراث سوى لتأثر سمعته التي ستكون على المحك لو هذا الأمر وصل لمسامع الجميع مما يعني الإطاحة به ليس فقط في انتخابات هذا العام بل ستكون نقطة سوداء في ملف عمره:

- ناريمان بدوي كانت تعرف كل حاجة!


يُتبع..