-->

الفصل الثاني - ElEVEN ELEVEN

 



الفصل الثاني

(ذاكرة كاذبة 1)


 

كنت اعتقد أنني لن أستطيع أن أعيش يومًا من دون ابتسامتك..

دون أن أخبرك بأموري،

دون أن أسمع صوتك مجيبًا عليّ..

 

ثم جاء ذلك اليوم..

كان صعبًا للغاية،

لكن ما تلاه كان أصعب..!!

 

عرفت من شعور الغرق أن القادم سيكون أسوأ..

وأنني لن أكون على ما يرام لفترة طويلة،

لأن فقدان شخص ليس مناسبة أو حدثًا، أو أمرًا يقع لمرة واحدة فحسب،

بل يتكرر مرة بعد مرة بعد مرة..!!

 

أفقدك في كل مرة أفكر فيها في تقبيلك،

في ضمّك،

وحين تستعر رغبتي فيك اذهب للفراش ليلًا،

وافقدك حينما أتمنى أن أخبرك عن يومي،

وصباحًا حينما أصحو وابصر الفراغ بجانبي،

أفقدك ثانيةً من جديد..

 

-لانج لييف-

•¤•¤•¤•

 

 

10 نوفمبر 2006

 

 

كنت أحاول .. واللعنة، كنت أحاول التشبث بأي شعور يجمعني به، ولو كان شعور لحظي .. أي شعور يُلهيني ويسحبني بعيدًا عن هذا العالم، ولو لثواني .. خاصة، الشعور به هو، بلحظة تجسده معي الآن، بأنفاسه الحانية التي تدفئني، بعينه التي تضخ بأوردتي العشق، وملامحه التي أذوب بين ثناياها .. بتلك الطريقة التي يضمني بها لحضنه فألتحم مع خلاياه، وأشعر بأنني هناك، داخل قلبه .. بقبلاته التي يمنحني بها نكهة جديدة للحياة..

 

 إلا أن هذا كله كان بعيدًا جدًا، فذلك البغل المنفوخ فوقيّ لا يساعدني أبدًا!!

 

كخوار الثور، كانت انفاسه الكريهة المشبعة بعبق كحول رديء تحرق وجهي .. عرق غزير يبلل غِرته النحاسية المتدلية على جبينه ليكون مصيرها بالنهاية كذلك على وجهي اللعين .. عينه الرمادية غائرة من أثر الثمالة، يفتح فمه بترديّ ليُزيد الصورة بعيني تقرفًا .. فيما كنت أفكر بحق الجحيم حينما دعوته لفراشي الليلة؟!

 

 

اللعنة على الكحول، بيك!!

اللعنة على الغباء!!

 

 

عُدت لواقعي من جديد، ولحياتي العاهرة التي لا تكتفي أبدًا من منحني جائزة أكثر فتاة ذو حظ وفير من النحس!! .. نظرت للبلّوة التي جلبتها لنفسي، صحيح كل شيء يبدو جيدًا من بعيد، فالصورة عن قرب تُقرف!! .. رغم تلك العضلات التي يملكها، إلا إنه يبذل مجهود خرافي ليدُكّ جسده بجسدي بطريقة بهلوانية مبالغة، كي يشعرني بقوته الخيالية .. مع ذلك كنتُ لا أشعر بشيء!! .. هذا إذا تغاضينا عن حجم رجولته وأنه آاا...

 

 

اللعنة ما هذا؟!!

هل انتهى حقا؟!!

هذا فقط؟!!

هذا كل شيء؟!!

 

بحق الجحيم متى صار داخلي لينتهي؟!

فقط بضع ثواني...!!!

 

تبا لحظي اللعين الذي يوقعني في مخنثين!!!

 

 

-        واو .. قطعة نادرة!!

زفر بها من بين أنفاسه وهو بالكاد يرفع رأسه عن عنقي مشيرًا للفراشة المعلقة في قلادتي، وبدى وكأنه انتبه لها للتو..

 

 

-        غادر..!!

لفظتها بنفور فور أن ارتمى بجسده جانبي، وأظنه قضى وقتًا أطول في استيعاب كلمتي، أكثر من ذلك الذي مضاه داخلي!!

 

 غبي، وانا أكره الأغبياء!!

 

لذا بحركة مفاجئة نهضت من جواره، وانا ٱمطره في سري باللعنات، فالعاهر أفسد عليّ ليلتي .. جذبت تيشيرت مُلقى على الأرض وارتديه لأتمكن من طرد هذا الرذيل من شقتي .. فقط كان غبي حقًا، يحدق في وجهي ويبتسم ببلاهة مستفزة بينما مازال يضجع الفراش براحه:

-        ألم تسمعني؟! .. قُلت ارتدِ ملابسك وغادر!!

 

بالكاد رفع جسده يتكأ على مرفقه وقد بدأ ينتبه أخيرًا أني أتحدث بجدية:

-        ما خطبك يا فتاة، لمّ انتِ حادة المزاج هكذا؟! .. تعالي هنا، وسأعوضك بأصابعي، ثم نعيد الكرة بعد قليل .. الليلة لاتزال في بدايتها .. هيا بيبي، ذكريني ما كان اسمك؟!

 

 

اللعنة على بلدة الأغبياء التي ألّقتك عليّ!!

 

 

هذه المرة قررت أن أكون أكثر وضوحًا في طلبي، فجمعت القمامة التي كان يرتديها وألقيتها في وجهه:

-        أنا لم أخبرك أسمي، فلا تتحاذق عليّ .. وإذا كنت أحب العبث بالأصابع ما كنت رأيتك وجهك هذا من الأساس .. ولن يكون هناك ليلة فقد أصبح لدي فكرة عن أدائك .. والآن وداعًا بيبي!!

 

 

وبحركة درامية اعتدت فعلها مع أمثاله من المخيبين للآمال، فتحت له باب غرفتي على الواسع آمرة بنظرة عين باردة:

-        بسرعة!!

 

 

شكرًا للسماء، هذا كان كافيًا ليتدارك وضعه المخزي، ويدس عضوه المترهل داخل سرواله ويقف أمامي .. وقبل الرحيل بالتأكيد لابد أن يرمي كلمة تحفظ ماء وجهه الذي بالمناسبة فاض تعرقه أكثر .. لعق شفته بغل ليدنو من اذني وأنا لدي تصور بما سيسُبنيّ به:

-        أتعرفين؟؟ في البداية استغربت عدم رغبتك في اخباري اسمك .. لكني عرفت الآن ما هو؟؟

 

رمقته بعداء فتقبلها مني بابتسامة صفراء متنمرة:

-        عاهرة مختلة!!

وصمني بها بينما ينحني قليلًا عليّ وبلحظة مقززة مثله، لعق خدي ليزفر من بين انفاسه المقرفة:

-        ولكنك حلوة!!

وبسرعة ابتعد عني يحمل سترته ويحرك لي اصابعه بحركة سافلة:

-        تشاوو!!

 

 

حبًا بالمسيح فيما كنتِ تفكرين حينما دعوت هذا الكائن المقزز لفراشك، بيك؟!

 

 

”كنت أفكر بك، توماس..

مجددًا ضعفت، وغلبني شوقي لك، فانجرفت كعادتي مع أول شخص يحمل رتوشًا ولو سطحية من ملامحك،

كل ما رغبته هو الشعور بك قليلًا .. فقط قليلًا توم،

أردت أن أعود لحلمي الجميل معك، وأعيش داخله لبعض الوقت .. فقط أنا وأنت معًا.. وكأننا نكمل تلك الليلة .. هكذا بهذه البساطة!!

خاصة هذه الليلة .. لم يمكنني قضاؤها وحدي..

لكنها كانت محاولة فاشلة للأسف، وعليّ أن أواجه بؤسي الآن!!“

 

 

أحيانًا بعض الأمنيات من فرط بساطتها، تكن مستحيلة!!

 

 

دون تفكير تحركت للمطبخ وسحبت زجاجة (بيرة) من التي أملأ بها ثلاجتي .. وبآلية توجهت لغرفة المعيشة وانا أفكر كيف سأقضى ليلتي .. الاختيارات لم تكن كثيرة بهذه الحالة، فغالبًا يكن لدي طريقة واحدة للتخفيف من بؤسي .. على الفور شغلت فيلمي المفضل الذي أشاهده على الدوام حينما أشعر بالسوء، وسحبت (فلتة) إلى حضني، ولم يكن سوى دمية غبية في شكل سمكة صفراء منفوخة تمثل شخصية كرتونية من فيلم (الحورية الصغيرة  The Little Mermaid).. والذي هو فيلمي المفضل الذي أشاهده الآن..

 

 

 طالما كان الكرتون إدمان الأثير، ومخدري لكل ألم .. لكن هذا الفيلم بالذات منذ أول مرة شاهدته بنوفمبر 1989 عقب وفاة أبي، انقذني حينها من الألم الذي شعرت به، حمى عقلي من واقعه، وانا احببت هذا جدًا .. لدرجة أنني لفترة ليست قصيرة، وفي الوقت الذي عانت في والدتي من البحث عني بعد دوام المدرسة كل يوم، اعتدت أنا قضاء هذا الوقت بالسينما أشاهد الفيلم حتى لقبني العاملون هنا بـ(أريل) على اسم الحورية بطلة الفيلم..

 

 

ومن هنا، صارت عادتي على مدار حياتي، حينما تسوء حالتي النفسية، أعزل نفسي بعيدًا عن الجميع وألقي بها داخل محيط أتلانتيكا، وسط شخصياتي المفضلة، ودميتي الغبية..

 

 

فتحت الزجاجة لأملئ معدتي بها لعلّني أنسى المهزلة التي حدث منذ قليل .. بل أنسى ما افتعلت من أجله تلك المهزلة .. أنسى أن اليوم هو ليلة ذكرى وفاة توماس الخامسة..

 

 

”لأنساك أنت توماس..!!“

 

 

لكن هذا لا يحدث .. لم يحدث قط  .. فبكل ثانية أفكر فيها بطريقة لنسيانك أجد نفسي أسير في طريق تذكرك .. فها انا أجلس أحاول نسيانك بينما أشاهد نسخة الفيديو التي أهديتني إياها بعيد ميلادي .. والشيء بالشيء يُذكر، لأنهض مجددًا وأجلب أحد الأشرطة بعينه، واستبدله بذلك الفيلم .. ثم أراك أمامي..

 

 

حسنًا، أستطيع أن أقضي بقية حياتي وأنا أشاهدك..!!

 

 

 أذكر هذا اليوم جيدًا .. كم كان جميل أن أفتح بابي لأفاجئ به يوجه كاميرا فيديو لوجهي ويسجل اللحظة!! .. يغني لي أغنية عيد الميلاد بأداء هزلي يجعلني أخبيء وجهي من الضحك ليطاردني بالكاميرا في الداخل .. ويصرّ على تصوير قبلة ساخنة تجمعنا، قبل أن يمنحني هديتي التي لم أحصل علما هو أغلى منها بعيني .. ويهمس ببحة صوته المميزة:

-        أحبك، بيك..

 

 

جمدت هذه اللقطة، ومن ثم لاصقت شاشة التلفاز، لأمرر أصابعي على وجهه البهي .. تلك هي الحالة الوحيدة التي يتثنى ليّ فيها لمسه .. أعدت اللقطة لأسمعه يقولها ثانيةً .. أحبك، بيك .. غرقت عيني بالدموع وأن انهار تمامًا أمام الشاشة، أقبل وجهه بطريقة جنونية بينما كل ما يجول بذهني أن ذلك كان آخر ما سمعته منه تلك الليلة السوداء

 

 

حتى وهو يودعني لم يبخل عليّ بها..!!

 

 

”لماذا توماس؟؟

لماذا لم تبق قليلا فقط؟؟

لمَّ مُت؟!

ولمَّ قتلك ذلك اللعين؟!

ولمَّ انا خذلتك؟!"

 

 

أجل خذلته ولا يسعني سوى الاعتراف بهذا .. إلا أن الأمر لم يكن بيدي .. قلبي لم يبق من بعده أكثر من دقيقة وأصيب بجلطة، لأستيقظ من بعدها وأجد الجميع يصنف ما حدث على أنه هجوم ارهابي يستهدف مطعم أدريانا العريق!!

 

 

لم يصدقني أحد حينما أخبرتهم بما أسرّ لي حدسي بعد أن جمعت أشلاء الحادث بعقلي .. كان جليًا أنها حادثة اغتيال مدبرة لتوماس!! .. ذلك اللعين بدى وكأنه مُرسل في مهمة محددة متخفية أسفل غطاء الحادث الارهابي .. مهمة كـخطفيّ مثلًا للانتقام من توماس!! .. كان يعرفني .. انا واثقة من هذا، لكن الكارثة أنني لم أكن واثقة من التعرف عليه .. بِـلعنةً ما لم استطع تذكر ملامحه مطلقًا وكأنها طُمست من ذاكرتي دون أثر يُذكر!!

 

 

حاولت التذكر مرة بعد مرة، كل ليلة وكل ثانية لعينة قضيتها من وقت فتحت عيني، وأنا أعيش من أجل هذا الهدف .. أعيّد الأحداث المشؤمة بعقلي حتى كدت أفقده، على أمل أن ألتقط أي شيء .. لكن دون فائدة!!

 

 

أخبروني ألا أجبر عقلي على التذكر لأنني أعاني من فقدان ذاكرة مؤقتة عقب صدمة وقوع الحادث .. عقلي العاهر لم يختار غير صورة اللعين وهو يقتل توماس ليختزلها من الأحداث!!

 

 

غبي ومتآمر هو الآخر!!

 

 

لكنني لم أيأس، تركت كل شيء خلفي ولهثت خلف هذا الهدف .. بحثتُ بين المعتدين الذين تمّ القبض عليهم في هجوم تلك الليلة، ولم أتعرف قط على ذلك اللعين بينهم .. تواصلت مع أصدقاء توم، وتوسلت الجميع مساعدتي، إلا انهم صدقوا رواية الحادث الارهابي لما لها  من صِيت اكثر إثارة .. أو ربما لأنهم لم يكونوا أبدًا أصدقاءً له بالقدر الكافي!!

 

 

 ومع الوقت ضرب كياني الاحباط وعششت الكآبة بين جدران حياتي .. فقدت كل اهتماماتي ولم أعد أجد شغفي في شيء .. لا الكتابة، ولا الرسم، ولا حتى اليوجا .. أجل، فطبيعتي العصبية المتوترة على الدوام لم تعد تناسب أيًا من هذا!!

 

 

لذلك تركت هذه المهنة أيضًا، وبحثتُ عن أخرى لا تتطلب مني أي نوع من أنواع التفاعل مع البشر .. وبالطبع موظفة بأرشيف إحدى المجالات هي المهنة الأمثل لذلك، حيث لا أتعامل فيها سوى مع الرفوف والأوراق .. لينقضي يومي سريعًا في أفضل صورة من السلام والهدوء والراحة النفسية!! 

 

 

كاذبة .. لا داعي لقولها، أعرف .. ذلك هو قمة البؤس .. قمة الروتين والتقييد .. خاصة لمّا اعتادت أن تفعله "ويرد بيك" .. آه، تلك هي النقطة .. بيك بعد هذا لم تعد غريبة .. صارت تقليدية عادية مثل جموع غيرها .. لم تعد حيوية ..

 

 

 ”ولم تعد كفراشتك الحرة، توماس!!“

 

 

أمسكت بفراشتي أداعبها بحنين بين أصابعي بحركة معتادة، وعيني أصحت غيمة من العبرات بينما أمرر أمامي السنوات الماضية .. الحقيقة أنني لم أعد أي شيء مما كنت عليه مع توماس .. لقد فقدت نفسي يوم توقف قلبي معه .. نعم، مُتّ ذلك اليوم!! .. والآن قلبي هذا لا ينفع سوى لضخّ الدم، فقط لا غير .. لا مزيد من المواعدة .. لا مزيد من الحب .. لا مزيد من العذرية..!!

 

 

”لا مزيد من الزهور والقلوب من بعدك توماس .. لا مزيد من الرومانسية الغبية ولن أجرب تلك الأحاسيس مع أحدًا غيرك .. ببساطة لأنك أخذت كل ذلك معك!!“

 

 

 ليس هناك سوى ليلة واحدة للجنس والشراب .. بدون أسماء، بدون مشاعر، بدون مواعدة..!!

 

 

راودني فجأة شعور بالخزي من عيون توماس التي كنتُ قد ثبتُ صورتها .. كان ينظر لي بولّه لستُ جديرة به الآن!! .. لذلك مررت بضع رشفات من البيرة لحلقي وأنا أمسح وجهي المبلل بالدموع .. ثم شحذت صوتي لأحدثه خارج عقلي هذه المرة:

-        أعرف، لابد أنك تشعر بالقرف مني الآن!! .. لكن هذا ما فعله بيّ غيابك .. تركني جثه بلا روح .. أخبرني طبيبي النفسي كثيرًا أنني أنتقم من نفسي وأهوى تعذيبها بكل هذه الطرق .. أنكرت هذا وقتها، وقلت له أنه لا يفهم شيء؛ لأن فتاة لا ترتدي نعل عالي يستحيل أن تهوى تعذيب نفسها!! .. كذبت في هذا أيضًا .. صِرت أرتدي النعل العالي توماس، وصِرت أهوى تعذيب نفسي بالفعل .. الأمر فقط .. أنني أستحق هذا .. لأنني لم أتذكر قاتلك!! .. سأظل أعذب نفسي حتى أتذكر هذا اللعين، وعندها.. سأفرغ كل عذابي في تحويل حياته لجحيم من صنعي الخاص!!

 

وأومئت له كأنه يراني بعين متسعة يملأها الوعيد والشر، لأضيف بمزيد الحقد والألم:

-        أخبروني أنني ذات يوم سأتذكر .. وطالما حدسي يؤمن بهذا، فانا أؤمن أثق أنه سيحدث .. لذا طال الزمن أو قصر، سألتقي به، توماس، لا تحمل هم!! .. ومن اجل هذا، أنا أعمل على تغذية روحي بالحقد، تجديد الألم كل ليلة، كيلا أنسى أبدا ما سلبني إياه!!

 

رفعت زجاجتي التي شارفت على الانتهاء وبالكاد استطعت أن ابتعد خطوة أو اثنان عن الشاشة ليصدح صوتي بثقة مطلقة لتوماس الغائب الحاضر أمامي:

-        نخب هذا اليوم، تومي  .. نخب وجودك بقلبي خمس سنوات وإلى الأبد!!

 

 

 

Here’s to the ones that we got

هذا الكأس نخب الأشخاص في حياتنا

 

Cheers to the wish you were here, but you’re not

نخب رغبتي في وجودك، لكنك لست موجودًا

 

Cause the drinks bring back all the memories

لأن المشروبات تُعيد كل الذكريات

 

Of everything we’ve been through

ذكريات كل شيء مررنا به

 

Toast to the ones here today

تحية للموجودين هنا اليوم

 

Toast to the ones that we lost on the way

تحية للذين فقدناهم في الطريق

 

Cause the drinks bring back all the memories

لأن المشروبات تُعيد كل الذكريات

 

And the memories bring back, memories bring back you

والذكريات تُعيد، الذكريات تُعيدك

 

 

 

There’s a time that I remember,

هناك وقتٌ أتذكره

 

When I did not know no pain

عندما لم أعرف أي ألم

 

When I believed in forever,

عندما كنت أؤمن بالأبدية

 

And everything would stay the same

وأن كل شيء سيبقى كما هو

 

Now my heart feel like December

الآن أشعر أن قلبي كشهر ديسمبر (بارد ومُوحِش)

 

When somebody say your name

عندما يقول أحدهم اسمك

 

Cause I can’t reach out to call you,

لأنني لا أستطيع مدّ يديَّ لأناديك

 

But I know I will one day,

لكن أعلم أنني سأفعل يومًا ما

 

 

 

 

❈-❈-❈

 

 

-        بيك، استيقظي!!

-        سيدة "سميث".. صباح الخير!!

-        جيد أنكِ تعرفين أننا بالصباح، ولسنا بالليل!!

 

آه .. سيدة "سميث"، وفي وقت الصباح!! .. انها أحد أكبر العقوبات التي أدخلتها حياتي .. حقا المرأة أبشع من صداع الثمالة الذي ينقر رأسي الآن .. "إيما سميث" هي أحد الاوغاد المتنمرين عليّ بالثانوية، ولحظي اللعين، لم أجد سوى المجلة التي تعمل بها، لأعمل أنا كذلك بها!! .. وليس هذا فقط، بل وتكون بشكل غير مباشر مديرتي!! .. هذا خلاف أنها ومنذ صدور فيلم (Mr and Mrs Smith) السنة الماضية وهي لديها إيمان مريب بأنها تملك روح  (أنجلينا جولي) .. عفوًا ليس روحها فقط، بل تملك إمكانياتها أيضًا!!

 

 

هل لأن لقبها (سميث) ولأنها تملك زوجين من العيون الزرقاء أصبح مبرر كافي لتعذبنا بهذه الطريقة الشنعاء؟! .. لا أعرف أي أبن عاهرة، لقيط، لا يملك ذرة ضمير أو رحمة بالبشرية أدخل برأسها هذه المعلومة!!

 

 

حرفيًا المرأة صدعت عيني برؤيتها كل يوم تحاول باستماته نفخ شفتيها وثديها لتبدو كالممثلة، حتى أصبحت آخذ منها العبرة كلما أرى ما صارت عليه بعد أربعة عمليات تجميل خلال سنة واحدة .. وستدمع العين من الشفقة، عندما يراها أحد وهي تتحدث متقمصة اسلوب أنجلينا، لتبدو كشخص لديه اعوجاج في الفك تقريبًا .. وستصبح الدموع انهار بالطبع لو عرف أنها الآن تظن نفسها مثيرة وأنني بالطبع أغيّر منها .. لأنها مراسلة معتمدة في هذه المجلة، أما أنا فمجرد موظفة أرشيف!!

 

 

 أقسم أنجلينا ستشوه وجهها إذا وصلها خبر أن هناك مسخ سارب بالمدينة يتقمص شكلها وطريقتها!!

 

 

 حسنا، ربما لن تفعل، لان بالفعل قد كثر المسوخ من أمثالها، منعدمي الهوية وسارقي الشخصية .. لكن هذا لا يقلل من انها مازالت أكبر عقوبات حياتي!!

 

-        ألم أخبرك ألا تسرحي بوجهي هكذا؟! .. أعرف أن جمالي يُبهرك، لكن تبا، أديري عينك عني ستصيبني بالحسد!!

 

 

ضحكت .. لم أستطع أن أقاوم الضحك .. تلك المرأة أحيانًا تُبدي حس فكاهة عالي يخرجني مما أنا فيه:

-        علما تضحكين؟؟ .. انظري بيك، أقسم هذه المرة سأحولك للتحقيق إذا اكتشفت أنكِ ثملة الآن!!

 

كبحت ضحكتي بصعوبة قبل أن تجدها فرصة وتنفذ حلمها بطردي من العمل، فالمرأة حقا حقودة وقد تفعلها:

-        عفوًا، بالطبع لا، لستُ ثملة!! .. أنا فقط تذكرت مشهد مضحك من مسلسل...

-        اششش لا أريد أن أعرف .. هل ستحكي لي قصة حياتك الغريبة؟؟ .. تبا، نسيت لما أتيت هذا المكتب البائس .. نعم، أريدك أن تجمعي لي كل نشاطات السيناتور في المدينة خلال السنة الماضية .. كلها بيك، حتى لو كانت صغيرة، بل الصغيرة أهم لدي من الكبيرة!!

 

تغاضيت عن الجزء الأول من جملتها  فضلًا مني وحفاظًا على سلامي الداخلي وسألتها بلا اهتمام بحت وأن أمسك قلمي لأدون:

-        حسنا، أي سيناتور؟؟

 

فعليا إيما تدلى فكها من الدهشة وكأني أخبرتها الآن أن وصلات شعرها المزيفة قد سقطت!! .. جحظت بعينها لي لتبدو مرعبة حقا، وهي تسألني بنبرة شديدة الخطورة:

-        ألا تعرفين حقا عن أي سيناتور أتحدث؟!

 

تبا، وماذا في هذا الآن؟! .. هل يجب أن أقرأ ما داخل جمجمتها اللعينة قبل أن تقوله .. ابتلعت ريقي باحتراز قبل أن امط شفتي بجهل .. وقد كانت الشرارة التي تحتاجها لتفتك بي في احدى نوبات نرجسيتها العنيفة .. وذلك جعلني أتساءل، هل هذا ذنب الرجل الذي طردته نصف عاري أمس؟!

 

-        بحق السماء .. على أي كوكب تعيشي؟! .. أنا لن أخبرك أنه لا يوجد سوى سيناتور واحد تتحدث عنه المدينة كونه المرشح الأول للرئاسة .. لكن، تبا، أنتِ تعملين بالأرشيف يا فتاة، يعني كامل أخبار المدينة من المفترض أن تكون مخزنة داخل عقلك الفارغ هذا .. عذرًا هو ليس فارغ في الحقيقة، لأنكِ تمليه كل ليلة بالشراب لدرجة أنك لا تعرفين أي سيناتور أقصد!! .. اللعنة، أنتِ تزدادين غرابة بمرار السنوات!!

 

 

”آه .. كانت هذه خطبة جيدة أحيكِ عليها .. لا لم أنزعج بتاتًا مما قلتِ .. فانا أعترف، انا كل هذا، وانا فخوره بهذا، وأعمل من أجله .. ولا أيتها المسخ لا أريد أعرف من هو حضرة السيناتور الأشهر، لن استفيد شئ الحقيقة .. ولا أجد أنه مهم أن أكون ملمة بكل أمور الكون حتى لو كانت مهنتي تعتمد على ذلك .. وحتى لو وقع نيزك من السماء علينا، لن أهتم .. زمن الاهتمام وَلىَّ .. يكفيني فقط أن أتحمل وجه المسخ هذا، وأؤدي مهامك السخيفة!!“

 

 

أردت بشدة أن أخبرها بهذا لكن ولأنني مجددًا لا أهتم، طاقتي النفسية لم تتجاوز حيز خيالي، صدقًا ربما يمكنني أن بدأ مشاجرة لكن ليس لدي الطاقة لأكملها ..  لذلك ابتسمت لها بسماجة وسألتها مجددًا لأنهي هذا الحوار الغبي:

-        ومتى تريدين المعلومات، سيدة سميث؟؟

 

رمقتني بغرابه لجزء من الثانية قبل أن تخبرني بغطرسة:

-        قبل الساعة الثانية ظهرًا بالطبع، لأكون جاهزة لحضور المؤتمر الذي يعقده اليوم لأننا حددنا موعد منفرد معي... اقصد مع المجلة بعدها!!

-        ماذا؟! .. اليوم .. كيف سأنهي كل هذا العمل قبل الثانية؟! .. ثم أين مساعِدتك، أليس هذا عملها؟!

 

لم أتحمل وصرخت في وجهها باستنكار .. أجل يمكنني التحكم في كل مشاعري إلا الغضب ويمكنني تحمل أي شيء إلا الغباء!!

 

 

وضعت ذراعها بخصرها كعاهرة رخيصة وهي تنحني على مكتبي الصغير وتخبرني بخبث:

-        وما شأنك أنتِ؟! .. على الأقل ستقومين بعمل ما بدلًا من قضاء طول اليوم بالنوم والشخير دون عمل، وبنهاية الشهر تقبضين الراتب دون مجهود!! .. ولا تقلقي، مساعدتي أرسلتها بمهمة، تستلم ثوبي الجديد من دار الأزياء الذي سأجري به اللقاء .. تعرفين، ليست كل يوم أقابل الرئيس الأمريكي المستقبلي!!

 

 تحولت نبرتها لحماسية شديدة في النهاية وهي تقفز أمام مكتبي مصفقه في الهواء .. ومن ثم استدارت وتركتني في حالة هبوط حاد من الصدمة .. اللعنة على يومي الملعون، هل سأعمل كل هذا وحدي؟! .. تبا لحياتي البائسة، ما كان عليّ أن أغادر الفراش بيومٍ كهذا .. لقد بدأت أصدق حقًا أن يوم وفاة توماس، ما هو إلا لعنة وتطاردني كل سنة!!

 

 ”بدأتِ تصدقي، بيك؟! ..  بحق السماء ماذا سيحدث لكِ بهذا اليوم المشؤم أكثر من موت حبيبك بأول موعد لكما، وأول موعد في حياتك؟! .. أم نسيتِ ما حدث السنة الماضية حينما صدمتي بسيارتك كلب وقضيتي ليلتك بالحبس إضافة للغرامة الباهظة ليزداد بؤسك مكيالين!! .. والسنة التي تسبقها، تذكرين ماذا حدث؟! .. قررتِ أن تثملي كعادتي، حتى التهبت الزائدة الدودية وكادت تنفجر أمعائك لتقضي الليلة في عويل ونواح حتى تم استئصالها .. ولا داعي بالطبع لذكر ما حدث في السنوات السابقة .. انتحري، افعليها بيك، وارتاحي أفضل من الجلوس كل هذه الساعات على المكتب تمحقين عينك بأرطال من الملفات لتنجزي للعاهرة عملها!! .. وليتك فعلًا تنجزيه!!

 

 

لا، لن أنتحر أيتها الافكار الانتحارية الساقطة!! .. انا اعرفك جيدًا، لقد نبهني لكِ طبيبي، تتحينين أي فرصة لتقفز بها وتصرعيني بإلحاحك!! .. لذا اصمتي عليكِ اللعنة، لقد أخبرتك مرارًا لن انتحر قبل أن أجد العاهر الذي جعلني أسبح في بؤسي هكذا!!

 

 

عليه اللعنة الأبدية، وعلى إيما المسخ، وعلي السيناتور هو الآخر في يومًا واحد!!

 

 

لحظة واحدة، تبا، لم تخبرني أسم السيناريو .. كيف سأبدأ العمل الآن؟!

 

بمجهود مضني قررت أن أفتح حاسوبي المُترب من قلة الاستخدام، وابحث عن أسم ذلك الأحمق، كفرصة للتعرف على من أمتلك الشجاعة ليترشح ضد (بوش) .. كتبت سؤالي في خانة البحث، وانتظرت الإجابة بملل، فلم تأتي لأنني وببساطة لم أوصل الانترنت .. تأفف مجددًا من كم المجهود الذي أجبر نفسي على بذله وقررت أن اشغلي عقلي حقا في هذه المهمة رغم سخافتها، إلا أنها ربما تكون منقذ لي من كآبتي هذه السنة .. قمت بإعادة تفعيل البحث، ولأنه كان واضحًا أن سرعة النت تتآمر مع الكوكب ضدي هذا اليوم، قررت أن اتركها تعمل على راحتها، وانهض لأعد كوب قهوة كبير لأستعيد بعض تركيزي واتمكن من أنجاز هذه المهمة الغبية إلى أعلى مستوى..

 

 

حينما عدت، كانت صفحة البحث قد حُملت بالفعل، وظهرت العديد من العناوين المثيرة، أهمها كان اسمه..

 

جوزيف جولدنبرج

 

-        حسنا، أسم مميز، وأفضل من "بوش"

 

تمتمت ساخرة وأنا اضغط على الفور أول مقطع فيديو، لأراه عن قرب .. ثم التهيت بإفراغ أكياس السكر بكوب القهوة لحين أن يشتغل، وفور أن حدث حانت مني نظرة خاطفة عليه، ومن ثم سقط الكوب مني دون أن أدري ليغرق الحاسوب!!

 

 



إنه هو..

هو قاتل توماس..

وهو العاهر الذي أبحث عنه..

لقد تذكرتك أخيرًا أيها السيناتور..!!

 

 

There’s a time that I remember

هناك وقتٌ أتذكره

When I never felt so lost

 

عندما لم أشعر أبداً هكذا بالضياع

 

When I felt all of the hatred

 

عندما شعرت أن كل الكراهية (بسبب الفقد)

 

Was too powerful to stop (Ooh, yeah)

 

كانت أقوى مما أستطيع أن أُوقِفه

 

Now my heart feel like an ember

 

الأن أشعر أن قلبي كجَمرَة

 

And it’s lighting up the dark

 

وأنه يُضيء الظلمة

 

I’ll carry these torches for ya

 

سأحمل تلك المَشاعل من أجلك

 

That you know I’ll never drop,

 

التي تعرف أنني لن أُوقِعها

 

 

Everybody hurts sometimes

 

الجميع يتألمون أحياناً

 

Everybody hurts someday,

 

الجميع يتألمون يوماً ما

 

But everything gon’ be alright

 

لكن كل شيء سيكون بخير

 

Go and raise a glass and say,

 

اذهب وارفع كأساً وقُل

 

Here’s to the ones that we got

 

هذه (الكأس) للذين نملكهم

 

Cheers to the wish you were here, but you’re not

 

في صحة رغبتي في وجودك، لكنك لست موجوداً

 

‘Cause the drinks bring back all the memories

 

لأن المشروبات تُعيد كل الذكريات

 

Of everything we’ve been through (No, no)

 

ذكريات كل شيء مررنا به

 

Toast to the ones here today

 

تحية للموجودين هنا اليوم

 

Toast to the ones that we lost on the way

 

تحية للذين فقدناهم في الطريق

 

‘Cause the drinks bring back all the memories

 

لأن المشروبات تُعيد كل الذكريات

 

And the memories bring back, memories bring back you

 

والذكريات تُعيد، الذكريات تُعيدك

 

 

 ❈-❈-❈


#يتبع