الفصل الحادي عشر - وكر الأبالسة - Den of Devils
الفصل الحادي عشر
❈-❈-❈
"انولد قبل إبليس بيوم"
مثل شعبي..
❈-❈-❈
انطلق بسيارته ليعبر البوابة الرئيسية ثم ابطأ من سرعة السيارة وهو يراها تسير على قدماها بمحازاة السور الخارجي لمنزلهم الشاسع وظل يُتابعها على مضض وارتقاب بآن واحد أن تبتعد قدر الإمكان وتغيب عن أنظار رجال الأمن المتواجدين على البوابة الرئيسية للمنزل..
زفر بضيق وهو يرمق ساعته كي لا يتأخر عن عمله فلقد عاد من سفره للتو وعليه أيضًا الذهاب لرؤية "رغدة" بعد الإنتهاء كما اتفق كلاهما، لديه الكثير ليفعله وتلك الحمقاء تتباطئ في خطواتها وهذا وحده يُضيع المزيد من وقته!
في الحقيقة هو يريد التخلص من ذلك الفتى المزعج الذي تعدى حدوده مع والدته، وهذه الفتاة كان يظنها مجرد عاملة بالمنزل ليس إلا.. ولكن إذا كانت هي وهذا الفتى سيُشكلان ازعاجًا له ولوالدته فعليه أن يبعد كلاهما أو احداهما على الأقل!! سيستخدم ما استمع له صباح اليوم بينهما ليتم ابعاد كلاهما عن المنزل!
تلك البيئة التي ينحدر منها مثلهما وبداية بمجرد شجار أمام حرس المنزل لن يكون أمرًا جيدًا لمظهرهم، هو حتى لا يتصور أن عند زواجه من "رغدة" سيكون عليهما العيش مع رجل مثل "جاد" أو عندما يُنجب ستكون مثل هذه الفتاة بصوتها الصارخ المُزعج بالمنزل مع ابناءه.. الأمر كله أن عائلة مثلهم لا يُمكنها الإختلاط بأشخاص من بيئة وخلفية مختلفة عنهم!
مشت تترنح بخطواتها الخائبة، لا تُصدق كل ما يحدث لها منذ ليلة أمس بظهوره أمام باب بيتهم إلي ما حدث منذ قليل.. هي لم تفقد الأمل بمجرد رجل عشقته منذ الطفولة وكان يستغلها، لا بل عليه الإدعاء وكأن الأمور بأكملها بخير أمام اخيها الذي سيخرج بعد سنواتٍ من سجن لم يكن له ذنب به!
تتحمل فقدان أخيها وذلك الشاب الذي تعشقه لظُلم بيّن، تتحمل بعدها بيومين فقدان والدها، وبعدها بسنواتٍ قليلة والدتها، واليوم عليها أن تتحمل المزيد.. ألن تنتهي هذه الدائرة من التحمل؟ ألن تجد الخلاص أبدًا؟ لو فقط ظهر أمامها ستُلقي بكل قوتها لتعانقه، أيًا كان الثمن، فلقد أرهقتها سنواتٍ عجاف لا تظن أن هناك الأسوأ بعدها أبدًا سوى عذاب الآخرة!
وبكل ما تُفكر به، وبكل ما تتمناه، وبكل إرادتها في بعضًا من الراحة التي لابد لها من أن تُسكن قلبها قليلًا وتربت عليه بأن كل شيء سيكون أفضل بالأيام القادمة، لم تتوقع في أسوأ تخيلاتها أن ترى ذو الوجه المُتعجرف هذا أمامها!
زفرت بوهن وهي تقلب عينيها بعد رؤيته أمامها بينما نظر هو لملامحها الباكية التي سرعان ما رفعت أناملها لتزيل بها تلك الدموع المنهمرة وتسيطر عليها ولم يستمع لتلك اللعنات التي ترددت بداخلها من مجرد رؤية وجهه وظل يتفقدها بملامح جامدة لتغمغم هي:
- إيه اليوم ده يارب.. أنا عملت إيه وحش بس علشان اتصبح بالنكد ده كله؟
استمع لكلماتها بينما رآها تبتلع وهي تحاول إدعاء الصلابة وبالرغم أن هناك نوعًا من الفضول بداخله ليعرف ما خلف بُكائها منذ ليلة أمس الذي يراه على وجهها وعندما شعر أنه يلين تجاه ملامحها تنحنح وامتن لتلك النظارة الشمسية التي تُخفي عينيه ثم اعتدل بوقفته بشموخ وتفقدها بأنفة ليُحدثها بتغطرس:
- روحي اركبي العربية!
بالكاد رفعت حاجبيها في تعجب منه لتعقب بإرهاق:
- أنت باينك أهبل وأنا مش ناقصة قرف على الصبح اكتر من كده.. اتكل على الله وشوف حالك وخليني أنا كمان أروح أشوف حالي!
لوهلة تجرع صدمته من طريقتها المُستفزة الصلبة وكأن هو من يعمل لدى عائلتها وليس العكس ليتسائل بينه وبين نفسه من أين لها بتلك الجرأة ولسانها هذا الذي يندفع مُطلقًا برصاصاته اللفظية دون هوادة ليتصاعد غضبه وأخيرًا لاحظ أنها أكملت طريقها تاركة اياه دون اكتراث ليتبعها آخذا خطوات واسعة وجذبها ممسكًا بذراعها ثم تكلم بين أسنانه الملتحمة غيظًا:
- لو متعدلتيش في كلامك معايا أنا بحذرك مش هاسيبك في حالك!
توسعت عينيها وهي تنظر له بمنتهى الغضب وجذبت يدها بعيدًا عنه ولكن غيظه من طريقتها دفعه ليُمسك بها بقوة فصاحت به:
- أمّا إنسان بجح وقليل الذوق علشان علشان تمسكني كده.. وسع ايدك دي بدل ما امسخر بكرامتك الأرض!
كاد أن ينفجر من تلك الكلمات ولأول مرة تضطره مجرد فتاة أن يُعاملها بمثل هذه الفظاظة ليهمس بنبرة آمرة:
- قولت قدامي على العربية.. ومش هكرر كلمتي تاني
رفعت حاجبيها أكثر وهي لا تُصدق ما الذي لا يفهمه هذا الرجل من ضرورة ابتعاده عنها وحاولت أن تتخلص من قبضته بينما لم تستطع فلم يكن لديها سوى حل وحيد، لم يظن يومًا بأسوأ كوابيسه أنه سيُحدث له، ولم يأخذ في حسبانه اختلاف تلك الخلفيات بينه وبين فتاة مثلها ليجدها تُضيق عينيها نحوه بغلٍ وتحولت ملامحها وكأنها مُنتصرة لتصرخ بأعلى صوتٍ لديها:
- الحقوني يا ناس.. الحقوني يا عالم.. الراجل ده بتهجم عليا وعايز يـ..
التفت نحوه سريعًا ليرى ما إن كان هناك أحدًا يستمع لها ثم بسرعة وضع كف يده على فمها فهو لن يستطيع تحمل فضيحة تنص أن "سلمان يكن" المصمم المشهور يتحرش بفتاة بشارع جانبي بالقرب من منزله ليدفعها مُسرعًا نحو سيارته ليُلقها بها وأنفاسه تتسارع بشدة قلقًا من أن يكون هناك أحد صور ما حدث أو لاحظ من هو وتمنى أن نظارته تُخفي ملامحه التي يعرفها البعض وانتقل سريعًا لكُرسي السائق الآخر قبل أن تدرك كيفية فتح باب السيارة الذي فعَل غلقه الإلكتروني فهو يُلاحظ أنها تحاول الفرار ليهدر صوته بتهديد:
- لو مشيتي دلوقتي هسجنك انتي وجاد بتاعك ده!! لو عايزة تزوريه تاني في السجن جربي تمشي!
التفتت تتفقده من الزجاج الجانبي لمقعد السائق الذي سرعان ما دخل ليجلس فوقه ثم انطلق ليقود بسرعة مبتعدًا عن الشارع بأكمله لمكان آخر..
❈-❈-❈
ابتلعت وهي تنظر إلي ابنتها بملامح شاحبة للغاية ثم همست متسائلة بغير تصديق:
- نانسي، انتي ازاي بتتكلمي معايا بالأسلوب ده؟ انتي فاهمة انتي بتعملي ايه؟
تناولت شهيقًا بهدوء ونظرت لها بدبلوماسية تعلمتها منها هي نفسها بعد سنواتٍ طويلة من الجلوس بجانبها وهي تشاهد كل ما تفعله لتواجهها اخيرًا برفضها لتحكمها الزائد الذي لا يتوقف:
- فاهمة يا مامي كويس.. بسمح لبنتي تعيش زيها زي أي طفلة بيبي في سنها.. البنت باباها دايمًا مشغول وأنا كل شوية لازم أكون موجودة وسط سيدات المجتمع المرموق والناني بتاعتها سخيفة وانتي مصممة عليها.. البنت في البيت الكبير ده كله مفيش حد قريب منها.. سيبيها تتبسط ما دام خالها مشغول وعمتها مش فاضية وجدتها طبعًا وراها خروجات ومنيو وتجديدات البيت اللي مبتخلصش والميزانية ومرتبات الناس اللي بتشتغل وبتساعدنا..
ما صدقت انها بتتعامل مع حد غيري وغير الناني ومبسوطة اوي وبتضحك..
زم شفتاه من على مسافة بينما ابتسم للصغيرة وهو يعتذر منها بطريقته:
- استني بقى نشوف الحجة الكبيرة ونرجع نكمل لعب!
نظرت له "سيلا" وهي لا تفهم ما يعنيه بينما اتجه نحو والدتها وجدتها وهو يتحدث بنبرة مرحة:
- ايه يا جماعة صلوا على النبي.. مش كده يا مدام دي برضو الحجة بركتنا وميصحش نزعلها..
اشمئزت "سوزان" وهي تستمع لتلك اللهجة التي يتحدث بها والتفتت له رامقة اياه بتقزز شديد بينما لاحظت ابنتها تحرك تلك العروق بعنقها ولم تستطع منع ابتسامتها وحدثته بإبتسامة لينة:
- كفاية نانسي متقولش يا مدام ولا حاجة..
التفتت ناظرة لإبنتها بزجرٍ شديد على سماحها له بأن يناديها ومن جديد حدقته بملامح جامدة يبدو عليها النفور بإسمها بينما تحدث هو بإبتسامة هادئة:
- هو يعني ولامؤاخذة لقيت البنت قاعدة وساكته كده ومكونتش عايز اعمل مشاكل.. يعني.. هو فيها حاجة لما اقعد معاها؟ ده يزعلك يا حجة في حاجة؟
لم تترك "نانسي" لوالدتها الفُرصة واجابته هي مُتحدثة بثقة:
- لا طبعًا براحتك.. أنا ما بصدق سيلا تبدأ تتعامل مع حد.. العب واقعد معاها زي ما تحب..
زفرت والدتها بغيظ وهي تحاول التحمل وسرعان ما تركتهما ودخلت للمنزل ليتعجب هو ثم تسائل:
- هي زعلت ولا إيه؟
أومأت له بتنهيدة ثم اجابته بهدوء:
- أنت بس لسه متعرفهاش.. هي زعلانة دايمًا كده من كل حاجة.. عمومًا متضايقش من كلامها، واتبسطت جدًا إنك قاعد مع البنت وبتلاعبها وكل ما تفضى يا ريت تعمل كده..
ابتسمت له بإمتنان ليتفقدها بأعين مُترددة وهو يتذكر ملامحها ليلة أمس ولكن تبدو هي الوحيدة اللطيفة بالمنزل بأكمله ولا تُثير ريبته كالجميع فتنحنح ثم سألها:
- هو يعني لو مفيهاش مشاكل، كان خير مالك امبارح؟ كنتي بتعيطي وشكلك متضايق!
زفرت أنفاسها بأكملها ونظرت له بإمتنان ثم اجابته:
- شوية مشاكل بس أنا بقيت تمام.. شكرًا يا جاد.. ومعلش مامي دايمًا حركاتها بتضايق شوية بس بكرة هتعرف تتعامل معاها كويس.. بعد اذنك علشان عندي ميعاد ومش عايزة أتأخر عليه.. باي..
رفع يده يُحيها فأومأت له وبعدها التفت في اتجاه المرأب وهي تشعر بأن مجرد التساؤل عن حالها يُكفيها في هذا المنزل الذي لا يعلم أحد عن الآخر به سوى الأسرار الهامة التي من شأنها تُصبح ورقة ضغط وتؤهل الفضولي الأفضل أن ينتصر على الآخرون بتحكمه اللاذع بما يعرفه!
وأكثر ما تُريده الآن هو الإبتعاد بكل ما تحمله من أسرار حياتها بعيدًا وبسرعة قبل أن تنهار أمام الجميع!
❈-❈-❈
دخلت توقظها بصياحها الحماسي وهي تُحدث جلبة بغرفتها:
- روفي روفي.. اصحي مش هتصدقي اللي حصل!
همهمت بنعاسٍ شديد وهي تتفقد الساعة بعينٍ واحدة نصف مفتوحة ثم همست بإستياء:
- فيه ايه يا ايناس.. سيبيني أنام شوية قبل ما اروح الشركة!
فتحت الستائر حتى يندفع نور الصباح بداخل الغرفة ثم اتجهت ووكزتها بيدها بينما استنشقت "رُفيدة" رائحة القهوة لتحدثها قائلة:
- اصحي بس ده أنا جبتلك قهوة وعايزة احكيلك على اللي حصل.. بجد هتموتي من الضحك!
زفرت بإمتعاض وهي تُطلق همهمة غير مفهومة ثم نهضت جالسة على فراشها وفركت وجهها لتحاول ترطيب شفتاها وتناولت كوب القهوة تُمسك به لتهمس بصوت لا يزال يحمل آثار النوم:
- قوليلي.. فيه ايه؟
جلست القرفصاء أمامها ثم اشعلت احدى سجائرها وشرعت بالكلام:
- لسه كنت بفوَق ورايحة أشوف حد يعملي قهوة سمعتلك صوت طنط سوزي وهي بتزعق لجاد علشان بيلعب مع سيلا! فجأة كده قامت نانسي مزعقة فيها وجاد فضل يقولها يا حجة يا حجة لغاية ما اتجننت وسابتهم ومشيت! بس كان موقف مسخرة.. ياريتك شوفتي بعينيكي..
تناولت السيجارة من بين اصابعها واستنشقت منها لتمتعض الأخرى واشعلت غيرها بينما قالت الأولى:
- ماليش دعوة ولا نانسي ولا سيلا ولا جاد، كفاية اللي ورايا النهاردة.. وحاولي تاخدي جاد بعيد عن طنط سوزان النهاردة بدل ما يقولها كل حاجة، أنا بجد مش ناقصة مشاكل..
رمقتها بجدية وملامح داعمة ثم عقبت بهدوء:
- مظنش جاد يعمل كده.. يعني.. حساه مش هو اللي يروح يقول مشاكل اخته للناس..
اراحت جسدها على الوسادة خلفها وهي تحاول أن تحارب تثاؤبها المتكرر بينما بدأت في الاستيقاظ وهي تتفقد صديقتها لتسألها:
- أنا شيفاكي جاية في صفه اوي من امبارح، وبتقولي عليه كلام كويس.. وهو بيبصلك ومركز معاكي وبيضحكلك.. what's going on between you and him؟ فيه حاجة أنا مش واخدة بالي منها مثلًا؟
تعجبت "إيناس" بأعين متوسعة على سؤال صديقتها الذي تسألها به عما يدور بينها وبينه لتضحك وردت بإستنكار:
- يمكن علشان الوحيدة اللي اتعاملت معاه كويس وشوفت هو بيعمل ايه، وبعدين اديكي جربتي بنفسك امبارح وانتو بتتكلموا.. مظنش كان رد فعله معاكي وحش..
نهضت لتبتعد قليلًا عن مواجهتها بينما تابعتها "رُفيدة" بأعينها وانتظرت في صمت لتستمع لها وهي تضيف مستطردة:
- وبعدين متقلقيش، أنا منفعش واحد زي جاد..
رفعت "رُفيدة" حاجبيها بإندهاش، أحقًا تظن أنها هي التي لا تليق به! منذ متى وصديقتها تُفكر بمثل هذا الغباء وتنظر بدونية شديدة لنفسها، نهضت لتتجه نحوها بينما التفتت الأخرى وأضافت:
- واحدة حياتها كلها رقص وسُكر ورجالة وعايشة لوحدها وفضايح كل شوية، تفتكري جاد الراجل الشرقي اللي متربي في منطقة شعبية هيبص لواحدة زيي! أنا وهو مننفعش بعض يا روفي!
نظرت له بآسى لتتنهد وسألتها بإهتمام:
- إيناس انتي مكونتيش كده؟ إيه اللي حصل لكل ده؟ انتي حياتك اتغيرت كده ازاي وامتى؟
ابتسمت لها بإنكسار وهي ترمقها بطيف من اللوم التمع بعينيها ثم همست مُجيبة:
- نسيتي.. الموضوع كله ابتدى بأصحاب ياسر.. وفجأة لا أهلي عايزني ولا صاحبتي الوحيدة عايزاني وطبعًا الشغل حسيتهم بيطفشوني منه بعد ما بابي مات.. هابقى على ايه ولا مين يعني.. فقولت بقى اشطة طز في الدنيا باللي فيها وعيشتها بالطول والعرض!
عقدت حاجبيها في غير فهم لما تعنيه فهي لم تُخبرها بتفاصيل كافية وكادت أن تتسائل عن المزيد ولكنها اوقفتها:
- يالا أنتي لازم تروحي شغلك وأنا مش عايزة اعطلك اكتر من كده، وقبل ما تقولي حاجة هنتكلم متقلقيش لما ترجعي.. وأنا كمان لازم ارجع البيت وأشوف ورايا ايه..
❈-❈-❈
حاولت من تهدئة اعصابها بعد أن احتست كوب العصير البارد وهي لا تُصدق ما يحدث بهذا المنزل بين ليلة وضحاها يأتي هذا الشاب الوقح بطريقة كلامه التي لا تتماشى مع مظهرهم الإجتماعي، وخطيبة ابنها التي لا تعلم كيف اقدم على أخذ هذه الخطوة دون مشاورتها، والآن ابنتها ذاهبة إلي مكان ما وهناك حقائب معها، بل وتصرخ بها أمام الجميع!
كيف تغيرت الحياة هكذا فجأة؟
استمعت لطرقات على باب غرفتها لتصيح:
- ادخل..
وجدت "سُهير" مُقبلة نحوها بملامح تحمل اخبارًا يبدو انها ستفيدها لتومأ لها مهمة أن تقول ماذا هناك فتحدثت الأخرى لتقول:
- مدام نانسي مسافرة اسكندرية.. أنا قدرت اكلم حامد السواق وقالي انها قالتله يوصلها اسكندرية..
عقدت حاجبيها مُتعجبة لتشرد لوهلة بينما اخبرتها بتحذير:
- خليه ياخد باله هتقابل مين ولا هتروح فين وخليه يعرفك وأول ما تعرفي تبلغيني..
أومأت لها برسمية ثم عقبت قائلة بإستفهام:
- حاضر يا مدام.. حضرتك محتاجة حاجة؟
أومأت لها بالإنكار وشاورت بسبابتها إلي كوب العصير فحملته ثم اتجهت للخارج في صمت بينما ذهبت رأس "سوزان" لتندلع بداخلها الكثير من التخمينات بفعلة ابنتها وقررت أن تعرف من زوجها ما الذي حدث حتى تذهب هكذا دون أن تخبرها!
جذبت هاتفها لتتفقد الوقت ما إذا كان مناسبًا لبدأ شن حروبها مع الجميع لتبدأ بإرسال رسالة إلي زوج ابنتها وهي تمط شفتاها للأمام بينما دخلت لأحدى مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة وتفقدت صور "رغدة" لتزفر هاكمة وضمت شفتاها لأحدى الجوانب بملامح منتصرة من الآن فيبدو أن أمر الإطاحة بهذه الفتاة سيكون سهل للغاية..
اتجهت لسجل هاتفها واختارت اسمها الذي يحمل رقمها بعد أن تبادلا الأرقام بالفعل ليلة أمس وسرعان ما تبدلت ملامحها كي تخرج نبرتها بسعادة حقيقية واتصلت وانتظرت الإجابة التي آتتها بعد عدة ثوان:
- بونجور يا دودو.. يا ترى صحيتك ولا انتي بتصحي بدري؟
حسنًا، من يعبث مع إمرأة محنكة ليس عليه سوى مُلاقتها على ساحة المعركة، أسبوعان ليس إلا وستُلقي بهذه الفتاة خارج حياتها وحياة ابنتها.. لأنها، وببساطة، لم تلق اعجابها منذ الوهلة الأولى..
❈-❈-❈
ظل يقود بالسيارة وهو لا يدري إلي أين يتجه ليتحدث معها، مقهى! فندق! التفت ناظرًا لها بإشمئزاز وهي تزفر بتأفف وبداخل عقله يعرف أن مثل تلك الفتاة لن تليق بتلك الأماكن، وكذلك قد تُجن مثل ما فعلت منذ قليل وستصرخ به أمام الجميع..
تفقد ساعة يده ليرى الدقائق قد مرت وهو لا يريد أن يتأخر عن عمله أكثر من هذا ليستمع لها تتمتم:
- اللهم طولك يا روح!
التفتت نحوه وصاحت به بشراسة:
- بقولك ايه يا جدع أنت، وربي وما أعبد، لو ما لخصت وقولت عايز مني ايه لاكون فاتحة باب العربية ولا الإزاز وهنط منها وأنا مجنونة واعملها!
هز رأسه بإستهجان ثم عطل كل التحكمات بالسيارة من احدى الأزرار الداخلية وأخذ وقته جيدًا في انتقاءه لكلماته التالية ثم سألها:
- ايه اللي بينك وبين اللي اسمه جاد ده؟
ابتلعت لوهلة بإرتباك ولكن سرعان ما ادعت ملامح الشراسة وصاحت به:
- وانت مالك؟
رمقها بطرف عينيه وهو لا يدري إلي أي لعنة يتجه بها ولم يعد يتحمل هذه الفتاة سليطة اللسان ولأول مرة بحياته بأكملها يجد من تدفعه للغضب بمثل هذه الطريقة ليهدر بها بلهاثٍ صاحب غضبه المحتقن بدماءه:
- ردي على السؤال، الصبح أنا سمعتكم! فيه إيه بينك وبينه؟
زفرت وهي الأخرى غضبها ساوى غضبه وصرخت به:
- يا اخي وانت مال اهلك، واحدة بتتكلم مع اخوها! بتدخل ما بينهم ليه؟
التفت ناظرًا لها بصدمة لاهثًا من تأثير لسانها الذي لا يتوقف عن النطق بالسُباب له وشعر أنه سيفقد أعصابه بأكملها على هذه الفتاة ليُسلط نظره من جديد على الطريق لتصرخ هي به من جديد:
- بقولك إيه يا ابن الناس.. سيبني في حالي احسنلك، اقسم بالله لو ما نزلتني على جنب لاكون فضحاك.. وأنتوا يا اخويا من بتوع الصيت ولا الغنى بعد ما بقيتوا عالم حرامية بتفتروا على الناس!! قولتلك بيتكوا ده أنا مش هاعتبه برجليا تاني، لا تأذيني ولا أذيك وشوف حالك وأنا اشوف حالي.. وجاد تبعد عن طريقه خالص وهو معملكش حاجة ولا أنا كمان! أحسن والله أكون فضحاك..
لولا أنه يقود، ولولا أنه لو وطأ بأقدامه أي لعنة سيُرى بها مع هذه الفتاة لكان قتلها عما على ما تقوله! حاول استلهام الهدوء وهو يتجه إلي احدى الطرق السريعة كي يستطيع حتى التحدث مع تلك المجنونة وإذا اضطر احدهما لمغادرة السيارة سيكون الطريق سريع وليس به الكثير من السيارات لتفاجئه بأنها تُمسك بهاتفها وهو تقوم بتصوير احدى الفيديوهات ثم صرخت بالقرب منه وهي تدعي البُكاء والفزع:
- ده سلمان يكن، وخطفني، لو حد لقى الفيديو ده يـ..
حاول الإمساك بالهاتف من بين يديها بينما منعته وحركته مشلولة بسبب القيادة ليوقف السيارة فجأة واحدة ثم رفع المكابح اليدوية بشدة ليلتفت بها صارخًا:
- هاتي الزفت ده..
ابتعدت إلي جانب الزجاج وصاحت به:
- ليه فاكرني هبلة علشان تمسح اللي صورته، لا ده أنا ناصحة اوي..
اقترب تجاهها بكرسيه لتنكمش على نفسها بينما مد كلتا يداه بجرأة ليُحاول الإمساك بها وبعد محاولات من دفعها اياه وطول قدماها لم يُساعدها في رفعهما بسرعة كي تدافع عن نفسها أمامه بينما هو سلط تركيزه على هاتفها حتى تناوله منها عنوةً واقترب منها لهاثًا بأنفاس غاضبة شابهت اللهيب:
- بقى انتي واحدة مالهاش لازمة زيك تعمل معايا أنا كده.. أنا بقى هعرفك مين سلمان يكن كويس!
لم يكن غضبها أقل من غضبه ليظن أنه نجا منها بعد حصوله على هاتفها ولم يُعجبها تلك النظرات المُحتقرة لها من عينيه لتصفعه بقوة دون مُقدمات!
❈-❈-❈
حدقت بتلك الزرقة بالمياة بعد أن وصلت للفندق الذي ستُقيم به بالأيام التالية وهي تجذب معطفها عليها ولم تكترث لشعرها المتطاير حولها الذي يحجب القليل من زرقة المياة..
كيف تحول ابن خالتها من شابًا لطيفًا خجولًا تعشقه إلي زوج عنيف بهذه الطريقة؟ لقد تحملت الإهمال، الإنشغال، تحملت حتى ضعفه الجنسي الذي أثر على علاقتهما منذ بداية الزواج، وضعت أنوثتها أسفل قدماها، ظنت أنه ربما بعد أن حملت بإبنتها وانجبتها سيذهب للطبيب حتى يتلقى أي علاج عله يُفيد، ولكنه لم يفعل!
تحملت أنها الأب والأم، تحملت جفاءه مع ابنتها وحاولت أن تلعب الدوران، والآن يأتي بمثل هذه الدناءة ليصفعها؟ أهذا هو ثواب انتظارها؟ كم كانت غبية وهي تظن أن إنتظار المرأة سيُصلح الأمور، بل هو النقيض تمامًا، تبدو لها الآن الحقيقة مُجردة أمام عينيها.. انتظار المرأة والصمت والسكوت عن حقها ليس له معنى سوى أنها تتقبل كل ما يحدث! ولكن فلينتبه الجميع.. هي لن تصمت بعد ما حدث!
صفعته لها كانت بمثابة حسم قرارها أمامه ومعه، مع والدتها وأسفل انظارها، يبدو حقًا أن ما لا يقتلك يجعلك أقوى بكثير مما كنت عليه يومًا ما..
استمعت للباب لتتوجه نحوه حيث أنها قد طلبت بعض الطعام فهي لم تتناول شيئًا من الصباح وقامت بالسماح لخدمة الغرف أن تقوم بوضع الطعام بالغرفة ولم تنس أن تقوم بإعطاء هذا الشاب بعض أوراق المال ثم أغلقت الباب وعدلت من حرارة الغرفة لتخلع معطفها وبدأت في تناول الطعام أثناء التحديق بحاسوبها المحمول..
ربما حان الوقت كي يُصبح لديها عملًا تمنته لكثير من الوقت، وتعلم جيدًا أن "سلمان" سيدعمها في ذلك.. سيستفيد بترويج لنفسه هو الآخر وسيكسب الجميع!
❈-❈-❈
هدر بصوته وهو يأخذ خطواته نحو المقهى:
- يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.. صباحك فل يا عم محروس..
أطال "محروس" التحديق به وهو يتجه نحوه ثم اجابه مُعقبًا على مضض بتنهيدة:
- صباح الخير يا رزق يا ابني..
فرك يداه وهو يتفحص وجهه مليًا وتوسعت ابتسامته وهو يتسائل:
- ألا هو سعد مش هيشرف النهاردة بعون الله؟
زفر الرجل بضيق ليزجره:
- وأنت مالك ومال سعد يا رزق، عايز تعيد اللي حصل مع جاد تاني! يا ابني اتقي الله وخاف على أهل بيتك ده أنت عندك بنات!
نظر له مُدعيًا الصدمة ثم تشدق بإستياء:
- جرا ايه يا عم محروس.. ما توحد الله في قلبك.. مالهم بناتي.. لو راجل ملو هدومه ومقتدر ورايد بت من بناتي في الحلال مش هقوله لأ..
نظر له بلومٍ شديد ثم كلمه بنبرة تحذيرية:
- ما قولنا يا رزق رحمة مش عايزاك، مش بنت بنوت متعلمة وبتشتغل هتتجوز واحد مكملش تعليمه ومتجوز وأكبر منها!
امتعضت ملامحه ثم تكلم بتأفف:
- قال تعليم قال، ليه وأنا مش فاتح بيوت من ورا الجزارة اللي بقت اتنين وتلاتة بعد ما الحج صلاح الله يرحمه مات، وهو يعني التعليم اللي رحمة رافضة عشانه.. قال يعني جاد كان متعلم اوي!
جمع "محروس" يداه ليقلبهما في تعجب قائلًا:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، تاني جاد يا رزق! ما تخليك في حالك وهو في حاله.. ما قولنا الجواز مش بالعافية يا ابني..
ابتسم له بسماجة ثم عقب:
- على العموم اخوها اللي يحكم.. بس اخوها اللي بجد.. مش ابن الحرام التاني!
❈-❈-❈
ترجل كلاهما من السيارة ليجده يعانقه بقوة شديدة مرة أخرى غير السابقة التي لاقاه بها منذ قليل، بينما الآخر يشعر أنه هو من خرج لتوه، بمجرد أنه معه الآن ويتيقن أنهما بعيدًا عن جدارن "المنكوبة" كان الأمر بمثابة استطاعته للتنفس من جديد ليزجره "سعد" كي ينهاه عن فعلته الطفولية:
- ما خلاص يا اخويا، مش سلمنا وطلعتلك.. النفس ورحمة ابوك!
ابتعد عنه لينظر له ثم ضحك بخفوت حتى ظهرت أسنانه وعقب على كلماته:
- اخويا وواحشني.. ولامؤاخذة يعني حقي!
ضيق عينيه نحوه بينما استطرد بجدية وابتسامته تتلاشى:
- يا ريتك كنت جنبي يا سعد اليومين اللي فاتوا.. أنا كنت مرعوب والله العظيم..
رمق تلك السيارة التي ينتظره السائق بها بعد أن عمل بنصيحة "إيناس" له صباح اليوم أن يستأجر سيارة بسائقًا وسهلت له الأمر عندما هاتفت احدى مكاتب السيارات ليرد بتهكم:
- لا ما باين إن وجودي كان هيفرق..
زفر بإرهاق وهز رأسه ليقول بحرقة:
- دول عالم أبالسة ولاد أبالسة.. وربنا كنت حاسس إنهم هياكلوني لولا انتخابات راغب وموت أنور الكلب مكونتش عرفت انفد منهم..
ربت على كتفه بقوة ليشد من آزره وقال:
- ما انت طلعت أسد اهو، واخدت كل حاجة وخدت حقك تالت ومتلت..
سيطر الوجوم على وجهه وأردف بحيرة:
- والله يا سعد أنا مش عارف اعمل ايه معاهم، مش عارف همّ كويسين ولا زي اللي خلفنا ولا نيتهم ايه، فيه حاجات كتير أوي عايزة اقولك عليها
هز رأسه بالموافقة ليرد قائلًا:
- طب انت رجعت في كلامك ومش هتعزمني على اكلة الكباب والكفتة ولا ايه..
ابتسم له ثم قال بنبرته المرتفعة:
- ودي تيجي يا عم سعد برضو.. ده أنت لو عايز تاكل في هولندا ونرجع بليل نروح علشان خاطرك...
أشار له بيده نحو هذا المطعم ليقول:
- يالا يا أخويا..
توجه كلاهما للداخل ليلتفت "سعد" وهو يسأله:
- البت رحمة مكلمتكش؟
أومأ بالإنكار واجابه وكلاهما يجلسان:
- لا، بعتت رسالة بتقول إنهم رخموا عليها في شغلها ومش عارفة تاخد إذن..
هز رأسه متفهمًا بينما بداخله شعر ببعض الغضاضة أنها لم تأتِ لإستقباله وفكر قليلًا في الأمر، هي تملك عملًا على كل حال، ما عساها تفعل! ربما ليس بذنبها!
حمحم "جاد" ثم نظر نحو أخيه وصديقه الوحيد وهمس له:
- سعد، انا محتاجك في حاجتين ومحدش في الدنيا اقدر استأمنه غيرك..
❈-❈-❈
وقف واضعًا يديه بجيباه ناظرًا لها بعجرفة بينما رمقته هي بغيظٍ شديد مُضيقة عينيها نحوه وابتلعت غصتها بعد أن مسح الفيديو الذي كانت ستدينه به لتضم شفتاها ثم عقدت ذراعيها بتحفز وبالرغم من كل ملامحها إلا انها لا تنسى اقترابه من تلك المرأة ليلة أمس وتشعر بالفزع لو حاول واقترب منها وهما بمفرديهما..
تنهد وهو يُفكر، هذا كان هو الحل الوحيد أمامه، أن يحدثها بفيلا من تلك التي كان يُقضي بها بعض الوقت مع أي إمرأة إذا أراد الإبتعاد عن منزله الذ يقطن به مع والدته وأخته، فتلك الفتاة لن ينجو من لسانها السليط أمام الجميع، وهو لن يُخاطر بأن يشوه سُمعته أبدًا فنظف في النهاية حلقه بعد معركة دامية من نظراتهما ليُحدثها بزهوٍ مبالغ به:
- حساب إنك تمدي ايدك عليا كبير اوي.. اديكي اهو في بيت بعيد لو صوتي مفيش ناس هتتلم عليكي، وموبايلك معايا، وخليتك تبعتي منه الرسالة.. اعقلي وجاوبي على سؤالي اللي مش هكرره علشان اخليكي تمشي ومأذيش حد فيكي انتي واخواتك، فيه إيه ما بينك وما بين جاد؟ كل الكلام اللي كنتو بتقولوه الصبح ده ليه؟
نظرت له بغلٍ وتوسعت عينيها وأنفاسها تتسارع بغضب:
- يا أخي وانت مالك.. وبعدين فكرك يعني إن جاد وسعد مش هيدوروا عليا، لو سألوا الناس اللي صوت قدامهم هيعرفوا أنا كنت مع مين وهيوصلولك ومش هيرحموك!
بسمة لانت على شفتاه دون أن تلامس عينيه ليُتمتم بتوعد:
- ماشي.. أنا هوريكي..
أخرج هاتفه ثم اتصل برقمًا وكلاهما يتبادلا النظرات المليئة بالشراسة منها والعجرفة منه بينما تحدث بهاتفه:
- ازي معاليك عامل ايه؟ تمام وبخير.. والمدام والأولاد..
اشار بسبابته للهاتف وهو يرفع احدى حاجباه ثم همس لها بعيدًا عن هاتفه:
- لما يترموا في السجن تاني متبقيش تزعلي..
حسنًا هو يفتعل كل ما يحدث، هو ليس بذلك الظالم بطبعه، ربما هيئته تبدو هكذا نوعًا ما ولكنه بعيد كل البُعد عن هذا، هو كل ما يُريده فقط الحصول على معلومة منها يستطيع أن يُخرج بها "جاد" وهي نفسها من منزلهم دون رجعة!
ابتلعت في ارتباك وهي ترى مدى جديته وشعرت أنها مُرغمة على الإجابة لترمقه وهي تهتف به:
- خلاص هقولك، أنا كنت بتخانق أنا وجاد علشان كنت فاكراه بيحبني وطلع مبيحبنيش!
ضيق عينيه تجاهها بينما أكمل مكالمته:
- لو هتقل عليك، أنا محتاج اجدد الرخص.. وهبعتهالك لغاية عندك!
تباعدت شفتاها لتعلم أنه كان يخيفها ليس إلا لتنهض وهي تتجه نحوه وملامحها غاضبة ليتابع حديثه:
- تمام، متشكر جدًا لحضرتك.. مع السلامة!
ارتسمت ابتسامة انتصار على شفتاه وهو يتخيل مواجهة الجميع بعلاقة مُشينة بين أخٍ وأخت وبشهادة رجال الأمن أمام كل من في المنزل ستخرج هذا الفتى السخيف من المنزل للأبد..
وضعت يديها بخصرها وهو تواجهه بشجاعة ثم صرخت بوجهه:
- بقى انت بتضحك عليا علشان عامل زي العيل البايخ الحِشري اللي عايز يعرف أي حاجة وخلاص! يا أخي ده أنت متتخيرش عن أمك، ايه شغل النسوان ده!
أخذ نحوها خطوات بملامح غاضبة بشدة وقد اكتفى من كلماتها اللاذعة ثم صرخ بها وقد دفعت غضبه للسماء السابعة لترى ملامحه تبدو غريبة وهو يقترب منها ويشير تجاه نفسه بسبابته:
- أنا عيل وشغل نسوان.. ومتخيرش عن أمي.. انتي عارفة إني ممكن اوديكي ورا الشمس وأنا لغاية دلوقتي مش عايز أؤذيكي.. بس لو هتغلطي اكتر من كده هبهدلك ومحدش هيعرفلك طريق
استمر بأخذ الخطوات نحوها لتبتعد هي عنه ولكنها حاولت التحلي بملامح شرسة تهدده خلالها أن اقترابه هذا لن يحصل بعده على شيء ليتابع هو صارخًا:
- بصي انتي بتضيعي في وقتي، بدل ما ازعلك ردي على السؤال، جاد استغلك ازاي؟ وايه اللي عمله معاكي خلاكي تصوتي في وشه كده؟ جاوبي بدل ما الاحترام اللي بعاملك بيه ده يتغير واقلب على الوش التاني ومش هتعرفي تاخدي معايا لا حق ولا باطل..
رمقته بغضب هي الأخرى بالرغم من تقهقرها أمامه وصرخت به:
- أنا مش فاهمة انت مالك ومالي ومال جاد، حاجة متخصكش، وقولتلك ولا هادخل بيتكم ولا هاعتبه تاني! سبني في حالي بقى وسبني امشي من هنا! انت ايه يا بني آدم انت معندكش دم ولا مـ..
أمسك بكلتا ذراعيها في عنف شديد وهدر صوته الصارخ الذي ارتطم صداه بهذا المنزل الغريب وارتج بقسوة بأذنها وهو لأول مرة يفعلها بإمرأة ولكنها فاقت كل الحدود بتعاملها بهذه الطريقة التي تخرج غضبه الجحيمي من أعماقه:
- ما تجاوبي بدل ما اوديكي في ستين داهية انتي وهو وارميه تاني يتسجن ولا اوقعه في أي مصيبة، ازاي فاكرة اخوكي بيحبك؟ انتي هتستعبطي!
لم ير كيف تحولت ملامحه وهو ينظر إليها بنظرات مُهيبة لتصاب هي بالذعر من تلك الملامح التي تحولت من مُسالمة لأخرى مُخيفة وحدثته بإندفاع دون ترتيب منها لكلماتها:
- جاد مش اخويا والله، ولا أنا اخته، بابا بس سجله بإسمه لأنه يبقى ابن عم أمه وأنور بيه رفض يسجله زمان بإسمه فوقف جنبها زمان، كل واحد فينا من أب وأم مختلفين، ووالله قولتلك الحقيقة، أنا كنت بحب جاد، كنت بحبه جدًا من وأنا صُغيرة، واستنيته سنين بحالها وفي الآخر مفرقش معاه، وأنا اللي ساعدته بعد ما طلع من السجن ياخد حقه من أنور بيه ووقفت جنبه وهو كان عارف اني بحبه وبعدين جه قالي امبارح إني مش اكتر من أخت بالنسباله.. وكان النهاردة الصبح بيصالحني وعايزني اعدي الموضوع..
رمقته بأعين باكية ومجرد النطق بتلك الكلمات آلمها ودفعها للبكاء بينما لانت ملامحه:
- اديني قولتلك كل حاجة.. ممكن بقى تبعد عني.. اديك عرفت!
رمقته بترقب بينما شعرت بيديه تلين على ذراعيها لتفر هي من قبضتيه المؤلمتين ومسدت مكانهما بينما لم تعرف لماذا تجمد مكانه وابتعدت عنه قدر الإمكان لتهتف به:
- لو سمحت متأذيهوش وسيبه في حاله، ولو عليا مش هاجي البيت عندكم تاني.. وسبني امشي.. اظن انت كده عرفت!
ابتلع ولم يُفسر ما قالته هو فقط قصتها بأكملها التي تصادمت كلماتها بإندفاعٍ من بين شفتاها المرتجفتان خوفًا منه ذكرته بكل ما عاناه مع "رُفيدة" يومًا ما!
يُتبع..