الفصل الرابع عشر

"ما لا يقدر علية الشيطان تقدر علية المرأة"

❈-❈-❈

استمع كلاهما لطرقات على الباب ليرفع سبابته سريعًا بمحازاة شفتيه لتتوسع عينيه بإستغراب ليهمس لها بسرعة:

- لو حد سأل أنا مش هنا وانتي مشوفتنيش..

قطبت جبينها هازة رأسها بإستهجان ثم توجهت نحو الباب لتجد تلك المرأة "سهير" التي يعرف الجميع أنها أهم جنود "سوزان" بهذا المنزل لتُعطيها سريعًا ملامح جافة وعقدت ذراعيها متحفزة لما تريده والأخرى لم تحمل  سوى الرسمية الشديدة وسألتها:

- مشوفتيش سلمان بيه؟

كونت ابتسامة من خط واحد لا يتضح بها سوى عدم التقبل وأومأت لها بالنفي لتهمهم لها بإبتسامة غير مُرحبة ثم غادرت لتغلق "رحمة" الباب سريعًا واتجهت إليه من جديد لتهتف به سائلة:

- ايه شغل العيال الصغيرة ده، انت بتستخبى ولا بتستعر إنك موجود هنا؟ 

قطب جبينه مبتسمًا إليها إبتسامة حقيقية لم تظهر منه أمامها قبلًا بينما شعرت هي بالإستفزاز لتلحقه سريعًا:

- ولا اقولك.. انت تمشي من هنا علشان ميصحش والوقت اتأخر! اتفضل بعد اذنك امشي علشان أنام..

لم يستطع منع تحول ابتسامته لضحكات عالية وهو يتفقدها ليدخل بنوبة ضحك لا نهائية بسبب ملامحها التي تتحول بعد كل عدة ثواني بصحبة كلماتها التي لا تدل سوى عن عقلها المحدود وخاصةً وهي تمتعض ناظرة له الآن ليشعر بالرثاء على حاله مما أقدم عليه منذ قليل بأن يُصادق مجرد فتاة لا يتلاقى لا في الطبقة الإجتماعية ولا حتى في التفكير وأدرك كم كان سخيفًا للغاية!

ضيقت ما بين حاجبيها ثم هتفت به:

- جرا ايه.. شايف مُسخة قدامك؟ ايه اللي مخلي فشتك عايمة اوي كده؟

تعالت ضحكاته أكثر لكلماتها ولم يُدرك أنه كان هناك من يسترق السمع وازداد غضبها هي لتُصيح به:

- طيب قسمًا بالله لو ما خرجت يا سلمان يا يكن لا اكون لامة عليك البيت في انصاص الليالي!

انحنى مستندًا على ركبتيه محاولًا أن يتحكم بضحكاته إلي أن هدأ قليلًا وتحدث بصوت لا يزال يحمل آثار ضحكاته:

- تعالي بس اقعدي علشان لو لميتي البيت عليا محدش هيعرف يعملي حاجة

انزعجت من طريقته أكثر  ليشعر بالإستمتاع وهو ينظر إلي ملامحها وسرعان ما تحدث قبل أن تبادر هي بنزال كلامي شديد لا ينتهي سوى بغضبه:

- شوفي يا رحمة، البيت هنا متربين تربية غير تربيتك، يعني مش معنى إني موجود معاكي في اوضتك يبقى عيب أو غلط زي ما انتي فاكرة، رُفيدة درست سنين برا وكانت عايشة لواحدها، نانسي وراغب كانوا بيسافروا سوا أيام خطوبتهم ومحدش كان بيفرق معاه، كل الأفكار اللي في دماغك دي مش هتناسبنا خالص.. فلو صوتي ولميتي البيت عليا زي ما بتقولي مش هتكسبي حاجة..

اتسعت عينيها وهي تُحدق به لوهلة وقاربت التحدث أكثر من مرة لينعقد لسانها من هؤلاء الناس الغريبة الذين حقًا لا يشابهوا ما تعودت عليه فوضع هو يديه بجيبيه وسرعان ما تحول لغروره الذي لا يتركه لتشير له بيدها ساخرة:

- لا تصدق الكلمتين بتوعك دخلوا عليا، ما أنت كنت من شوية بتتوشوش ومش عايز حد يعرف إنك هنا!

اختلفت ملامحه زافرًا بإبتسامة هاكمة ثم اغلق انوار الغرفة واتجه نحو الشرفة وهي ترمقه بتعجب شديد وقبل أن تبادر بصراخٍ جديد تحدث هو بهدوء:

- البيت ده كل التصرفات فيه محسوبة، سوزان بدوي يوم ما تعرف إني كنت موجود في اوضتك بليل ولا الصبح ولا في أي وقت هتعمل سيناريو كبير من ازاي وليه بتتكلم مع البنت دي.. لازم تتحكم في كل كبيرة وصُغيرة جوا البيت.. وانتي اللي هتتؤذي مش أنا!

تنهد ناطقًا جُملتيه الآخيرتين ثم عبث بجيبه لتتبعه هي بنبرة زاجرة:

- بقولك ايه يا ابن الناس.. متشكرة على جدعنتك، ده إذا كانت جدعنة يعني.. وبعدين ما الكل عارف إن والدتك مبتسبش حد في حاله.. اتكل على الله الساعادي وسيبني أنام..

التفت نحوها مبتسمًا بإنكسار ليتحدث دون الحصول على اذنها:

- سوزان بدوي حياتها فاضية اوي علشان كده البيت ده وكل اللي بيحصل فيه اهم حاجة بالنسبالها، دي حياتها من زمان بتدور حوالين البيت وأنا ونانسي وأي حد هنا، هي للأسف مش ناريمان بدوي بتاعة الـ business، يمكن لو تعرفيها زي ما أنا اعرفها مش هتقولي عنها الكلام ده، لو على البيت ما تسيبوه ليها..

رفعت حاجبيها بإستهجان وهي عاقدة لذراعيها بينما وجدته يُشعل احدى سجائره ثم عقبت بهدوء:

- لولا انها والدتك كنت قولت كلام تاني، بس علشان كل واحد بيحب اهله أنا مش هتكلم..

زفر ساخرًا ثم قال بإبتسامة مشيرًا إلي سيجارته:

- متبقيش تنسي تروحي تقولي لكل اللي في البيت سلمان بيشرب سجاير، أو تصوريها وتنشريها في كل حتة..

أطلقت تأتأة بإستهجان من كثرة تحذيراته الخفية ثم قالت بإستغراب:

- بقولك ايه، أنا مش عيلة صغيرة علشان كل ساعة والتانية تقولي تروحي تقولي ومتقوليش و..

قاطعها ناظرًا لها بإستغراب وهو يتسائل:

- هو انتي عندك كام سنة صحيح؟

اعطته نظرة منزعجة لتتنهد حانقة واجابته:

- اربعة وعشرين سنة..

ضحك بخفوت ساخرًا من نفسه، صغيرة، غاضبة دائمًا، وابعد ما يكون أن تفهم من هو، لماذا ألقى بنفسه في هذه الورطة؟ على كلٍ هو يريد التحدث معها ليس إلا!

حمحم وهو يتخلص من سييجارته بإلقاءها بعيدًا ثم تحولت ملامحه للجدية وتكلم بهدوء:

- لو حد شافني وأنا بشرب سجاير والموضوع اتعرف يبقى سلمان يكن راجل منافق، منين بيشارك في مارثون كل شوية وبيشجع على الأحداث الرياضية وبيهتم بالرياضة وهو بيعمل حاجة مضرة بالصحة!

تنهد وهو يُخلل شعره ثم التفت إليها وهي تتفحصه:

- كل حاجة محسوبة.. على كل اللي في البيت ده.. مفيش حاجة سهلة!

عقدت حاجبيها وظلت تنظر له بإستغراب لكلماته التي لا ترتبط منها بالأخرى ليباغتها قائلًا:

- علشان كده مكونتش واثق في قعدتك في البيت، ولا واثق في أي حد احكيله على أي حاجة، المجالات بتاعتنا دي الكلمة فيها تودي في داهية زي ما بيقولوا!

زفرت قاضمة شفتاها وهي تُفكر بتلك الكلمات التي تستمع لها منه ليستطرد بإبتسامة:

- بس خلاص اللي حصل حصل.. عمومًا احنا مش هنتخانق تاني زي الأول.. وعلشان تتأكدي من كلامي أنا جاي اهو وبعزمك على خطوبتي!

تفقدته بمزيدٍ من الإستغراب ليُشير لها بسبابته كمن تذكر شيئًا:

- اه صح فيه فستان هيليق عليكي وهيناسبك اوي!

أشاحت برأسها بسخرية تامة وعقبت برفض قاطع:

- اه زي الفستان اياه، لا متشكرة لخدمات سيادتك..

نظر لها بلومٍ ثم حدثها بغطرسته المعتادة:

- لما اقول هيناسبك يبقى هيناسبك.. متقلقيش    مش زي التاني خالص! 

تنهد ثم نظر لها بجدية شديدة وحُزن حاول أن يُخفيه ثم سألها:

- ما تحكيلي عنك انتي وجاد! ايه اللي حصل ما بينكم من زمان؟

اختلفت ملامحها ثم ابتلعت وكل ما فكرت به هو أنه يسأل عن أمرٍ لم يحدث به الكثير على كل حال، بينما هو لم يكن يعلم أنه يأخذ أولى خطواته نحو الخلاص بعد سنوات معاناة بينه وبين نفسه لم يُفصح عنها لأحد من قبل!

❈-❈-❈

تفقده بجدية هائلة وزم شفتاه مانعًا نفسه أن يغضب بعد ما استمع له منه ليسأله بعد تحدثهما:

- يعني ولامؤاخذة بعد كلامك الكتير ده، ايه المغزى؟ عايزني ابعد عنهم؟

تنهد "سعد" وهو ينظر له بجدية واكتفى بأن يومأ له بالموافقة وشعر برفضه الواضح على ملامحه فأضاف بخوفٍ حقيقي:

- يا جاد افهم، أنا خايف عليك.. اللي انت بتقول عليها أختك دي في ثانية واحدة كانت هطلعك أنت الوحش، الناس دي مش سهلة، الحق انفد بجلدك منهم بعد ما جالك حقك، ابدأ على نضيف بعيد عنهم..

رفع له حاجباه مُمدًا كلتا ذراعاه إلي جانباه وتكلم هاكمًا:

- وطبعًا ده كلام سعد باشا اللي بيفهمها وهي طايرة وهو الكبير اللي بيفهم والمفروض أنا اسمع كلامه..

ضحك بخفوت لتنزعج ملامح الآخر وترقب بقية حديثه:

- لا يا اخويا.. الموضوع ده ولا الحارة ولا المنكوبة علشان امشي في ضلك! 

عقد حاجباه بعد استماعه لتلك الكلمات الصادرة منه بتحفز شديد وانتظر أن يُفصح عن كل ما لديه فهذه هي عادته دائمًا التي لن تتغير، سيظل مُندفعًا متهورًا حتى ولو بعد سنوات:

- اللي انت شايفهم جامدين اوي وفاكرهم هيؤذوني واحد منهم مكنش هيعدي الإنتخابات وعرفت انه متخانق مع مراته وماشي يدور عليها، والتانية هبلة ومضحوك عليها من جوزها الكلب ده.. لو شايفهم شياطين فهم برضو في الأول وفي الآخر اخواتي.. ولو كان واحد فيهم لقى حضن ولا رباية زي اللي احنا لاقيناهم مكنوش بقوا كده..

ابتسم نصف ابتسامة وأومأ له متفهمًا ثم عقب بهدوء:

- اديك بتقول، احنا اتربينا، عارفين يعني ايه اخويا واختي.. انما دول لو اخر حاجة قدامهم انهم ياكلوا في بعض هيعملوها! دول مش عيال صُغيرة، دول قدك.. يعني معدش رباية تنفع معاهم.. اسمع نصيحتي يا جاد احسنلك! ابعد عن طريقهم بدل ما يؤذوك بجد..

رمقه بغضب هائل لعدة لحظات ثم تحدث بين أسنانه المتلاحمة التي ظن أنه يُفرغ بها غضبه:

- مصارين البطن بتتعارك، وبكرة اوريك انهم مش وحشين اوي زي ما أنت فاكر.. انا اخوهم الكبير، وزي ما أنت كنت اخويا من حقي كمان هم يكونوا اخواتي!

التفت ليغادره فأوقفه هاتفًا به وهو يُحذره:

- أنا اخوك اه، اخوك اللي كان بيلحقك يوم ما بتحتاج خياطة في المستشفى بعد خناقة في الحارة ولا المدرسة، اخوك اللي بتيجي تحكيلة على البت أمل، اخوك اللي انت وهو كنتوا تطلعوا تقلبوا رزقكوا في الاجازات، انما التانيين مش شايفينك غير زحمة في طريقهم، شوية وهيعدوك وحياتهم هتكمل عادي وينسوا النص ساعة اللي اخرتهم فيها وبكرة تشوف انهم مستعدين ياخدوا اي طريق علشان يخلصوا من اللي معطلهم!

 تعالت أنفاسه الغاضبة طيلة فترة ركوضه وهو يستمع له موليًا اياه ظهره ليعقب بكلمة واحدة دون أن ينظر له:

- هنشوف!

تركه وتوجه مغادرًا للخارج ولم يتوقف عن مهاتفة اخته وكذلك "إيناس" عله يعرف ما الذي ستفعله خصوصًا وأنه إلي الآن لم يصل ولو للحظة استسلام من "ياسر" الذي لا يضمن بعد تركه ما الذي سيفعله ولم يلحظ تلك الأعين التي لا تترك متابعته بالأيام الأخيرة سواء من "وداد" أو اخيها..

❈-❈-❈

طرق الباب من جديد علها تستجيب له بعد كل هذه الدقائق التي لم يتوقف خلالها عن محاولة الدخول لغرفتها لتفقد هي صبرها متنهدة ثم توجهت أخيرًا لتتحدث له ولم تقم بفتح الباب واكتفت بالتساؤل:

- اقدر اساعدك في ايه يا راغب؟

ابتسم مغتاظًا ثم رد بصوت خافت كي لا يستمع له أحد:

- نانسي يا حبيبتي اكيد مش هنتكلم من ورا الباب.. ممكن تفتحي لو سمحتي!

زفرت مخرجة كل تلك الأنفاس التي تمنعها عن مواجهته وإذا كان ترك كل شيء من أجلها ظانًا أنها بمجرد قوله أن تعود معه وبمجرد اعتذاره ستنسى الأمر لتكون إذن المواجهة كي توضح له للمرة الأخيرة أنها لن تقبل سوى الإنفصال!!

فتحت الباب تاركة له مساحة أن يمر لداخل الجناح الذي تمكث به واكتفت بأن تُشير له برأسها بالدخول وتفحصها بهدوءه المُعتاد بينما هي عاقدة ذراعيها وبمجرد اغلاقه للباب سألته:

- عايز ايه؟ عايزنا نتكلم في ايه؟

حمحم وهو يختار الكلمات الصحيحة كمحاولة منه أن يُصلح هذا الأمر بينهما ثم تحدث بخفوت مُجيبًا:

- نانسي، أنا كنت متعصب ومضغوط والفترة دي كانت دماغي فيها حاجات كتيرة اوي، واللي عملته ده كان غلط ومش هيتكرر تاني، أنا آسف..

تحركت زرقاويتيها بكامل ملامحه وهي تبتسم ابتسامة ساخرة لم تلمس عينيها لتغمغم بالفرنسية:

- هذا حقًا سخيف ويثير الضحك!

عقد حاجباه وهو لم يتوقع أن يكون هذا ردها وشاهدها تذهب لتجلس على احدى المقاعد وكأنه غير متواجد ولم تجعله يشعر وكأنها تكترث لكونه واقفًا أمامها يعتذر إليها بنفس الغرفة ولولا أنها تكلمت لكانت استطاعت أن تُصاعد غضبه بما تفعله:

- راغب المُشكلة مش اللي حصل ما بيننا اخر مرة، اللي أنت مش قادر تفهمه إني خلاص مبقتش قادرة استحمل اننا نفضل متجوزين! اصل حقيقي وجودك زي عدمه!

انتقل متخذًا بعض الخطوات نحوها وهو يراها تهز كتفيها دون اهتمام وانتظر ليجدها تتابع:

- من بداية جوازنا وأنا وأنت عارفين إن sexually (جنسيًا) أنا مش مبسوطة.. فضلت جنبك وحاولنا بمليون طريقة لغاية ما بقيت حامل في سيلا.. قولتلك كتير تروح لدكتور وأنا هاصبر واستحمل بس انت مقدرتش ده! وعلشان أنا مش أنانية قولت يمكن البنت تعمل ما بيننا اختلاف فاستنيت..

تنهدت وهي تبتلع بمرارة وقد صَعُبَ عليها أن تنطق بمثل هذه الكلمات التي كانت لا تبارح عقلها واستقرت بداخله لسنوات ولكن لم يعد هناك مفر من الإعتراف والنطق بهذا فتابعت حديثها:

- من ساعة ما سيلا اتولدت وفضلت ما بيننا، عمري ما حسيتك إنك باباها، طول الوقت مشغول، حتى هي مش بتديها ولو جزء من وقتك، تعرف بجد اللي خلاني مش قادرة اقعد في البيت واكدلي إني لازم امشي بأي طريقة كان ايه؟

تكومت الدموع على حدقتيها لتحجب لونهما ثم همست مُجيبة سؤالها بنفسها بينما هو يُتابعها بملامح مُتأثرة:

- جاد اللي لسه داخل بيتنا، أول مرة أشوف حد في البيت بيلاعب سيلا إنها بنوتة صغيرة من حقها تلعب وتفرح، لكن أنت فين من كل ده؟ شغل وانتخابات و business جديد و meetings كل ساعة والتانية! طيب وبعدين؟ أنا وبنتك فين من كل ده؟ طيب حتى عندك فكرة إن رُفيدة بقالها كام يوم مش مظبوطة وبتعيط في اوضتها ومحدش جنبها غير جاد وايناس؟ ملاحظتش كل اللي بيحصل حواليك؟

تفقدته بإنكسار وهطلت دموعها فسرعان ما جففتها بأناملها وأكملت بصوت خافت ارتجف آلمًا:

- أنا راغب اللي حبيته من واحنا أطفال، وبقيت مراته ومامة بنته، اكتشفت انه اكتر إنسان أناني في الدنيا.. وأنا مش هاقدر اكمل حياتي مع إنسان بالأنانية دي كلها!

نهضت ثم اقتربت نحوه وهي تلومه متوجعة:

- تعرف إنك الإنسان الوحيد اللي صارحته بقد ايه مامي بتضغط عليا بحياة كاملة أنا مش عايزاها، خوفت احكي لسلمان لأنه بيحبها جدًا وهي مدلعاه، ورُفيدة عمرها ما بيفرق معاها حد غير نفسها ومشاكلها، كنت مستنية منك أي step (خطوة) احس إني بفرق معاك حتى بعد ما بابي ما مات.. بس أنت كل ما الوقت بيعدي فيه ما بيني وبينك زي gap (فجوة) بتكبر وعمالة تكبر لغاية ما خلاص مش قادرة اوصلك and I'm just fed up with everything (وأنا فقط سئمت كل شيء) مفيش حاجة بتتغير من سنين واللي كان نفسي يتغير مش هيتغير دلوقتي

رطبت شفتاها بينما أسر الصمت لتزفر بقليل من الراحة لنطقها بتلك الكلمات ورفعت شعرها للخلف بكلتا يديها ثم نظفت حلقها محاولة التغلب على اوجاعها:

- تعرف، it's too late اننا نتكلم الكلام ده، لا لقياك لا راجل ولا أب، ده أنا فرحت لما لقيت جاد بيلعب مع سيلا، ولا حتى قومت بدورك كشريك وزوج ولا صاحب حتى وفي الآخر تيجي تضربني بعد ما تصد كل محاولاتي في اننا نكون احسن!.. 

تنهدت متألمة وهزت رأسها بإنكار على أن تتحدث بالمزيد لتزجر نفسها ألا تُكمل ثم قالت حاسمة:

- كل بس اللي هحتاجة اننا نتطلق بمنتهى الهدوء لأن خطوبة سلمان كمان كام يوم.. please خلينا منعملش مشاكل ودوشة قدام حد.. علشان كمان سيلا متتأثرش.. وأنا هاقدر جدًا لو عملت كده.. بس seriously مش هاينفع نرجع لبعض.. أنا already بقى ورايا حاجات كتيرة الفترة الجاية شغلت نفسي فيها.. ارجوك نخلص كل حاجة بيني وبينك من غير دوشة..

❈-❈-❈

توقف بتلك السيارة التي بات يستخدمها خلال السائق الخاص الذي اقترحته عليه "إيناس" ليُدرك من أن هذا المكان الذي طلبت أن تُقابله به هو مجمع سكني حيث أنه يخلو من أي مكان تجاري وقد تم استجاوبه على البوابة الخارجية فهاتفها مرة لتتحدث إلي واحدًا من طاقم الأمن بنفسها ليتعجب قليلًا لماذا صممت أن تُقابله هنا بعيدًا عن أي مكان آخر ولكنه تكلم قائلًا:

- أنا وصلت، انزلي..

توقف السائق أمام بناية لا تزيد عن ثلاث طوابق لتعقب ساخرة:

- ونتكلم قدام السواق علشان الفضيحة تبقى مليون مش كده! اطلع يا جاد متقلقش مش عملالك كمين.. الدور التالت..

تردد بداخله قليلًا قبل الإقدام على الصعود إليها ففي النهاية هي فتاة وهو رجل وقد تأخر الوقت كثيرًا ولكنها تواجدت معاه بمفردهما بالسابق لينصاع في النهاية ثم حدثها قائلًا:

- طيب طالعلك..

ترجل من السيارة ثم كاد أن يتجه إلي الداخل فتوقف زافرًا بتردد وهو يزم شفتاه مُفكرًا ثم اتجه من جديد للسيارة وتحدث إلي السائق عله يُنهيه عما يُريد فعله:

- انا مش هتأخر، عشر دقايق ونازل.. استناني ها!

التفت له الرجل مُتعجبًا منه ثم أومأ له بالموافقة وقال:

- تمام.. مستني حضرتك

عقد حاجباه ليغمغم:

- مفيش منك نفع أبدًا أنت!

ازداد تعجب السائق وهو ينظر له نظرات مستفسرة بينما توجه من جديد ليصعد إليها ولم يتوقف تردده بداخله ولو للحظة وعند استقرار المصعد ترجل للخارج ليجد احدى الأبواب قد فُتحت بالفعل فتوقف مستطلعًا ما إن كان هذا الباب الخاص بشقتها ليأتيه صوتها من على مسافة:

- ادخل يا جاد!

هز رأسه مستنكرًا من هذه الفتاة غريبة الأطوار ولكنه لم ير منها سوى عدة تصرفات مُريبة، فلو فكر قليلًا بالأمر، ستكون هي الوحيدة التي تُعامله مُعاملة جيدة منذ أن قرر أن يكون له مكان وسط هؤلاء الأبالسة، لو كانت هي كل شيطانيتها لا تتعدى بعض الجرأة فهو مقبول بالنسبة له بدلًا من أن تكون مثل "راغب" الصامت الذي لا يعلم عنه شيئًا!

اخرس افكاره ثم توجه للداخل آخذًا بعض الخطوات ليتفاجأ من تواجدها جالسة ممدة ساقيها وتحتسي ما أدرك أنه مشروب كحولي يعود لتلك الزجاجة على المنضدة بجانبها لتتكلم قائلة:

- رفيدة نشرت فيديو ياسر وهو مع واحدة في كل حتة.. بكرة الصبح الدنيا هتتقلب!

شربت ما تبقى بكوبها دُفعة واحدة ليقف هو كالمشتت تمامًا بين ما تفعله هي وبين ما استمع له لتتابع هي:

- لا ولسه.. محدش عارف رفيدة بايتة فين، صممت تمشي وقالتلي اننا منحاولش ندور عليها، وأي حد محتاجها في الشغل يبعتلها whatsapp والإمضاءات تستنى وقالتلي انزل مكانها الشغل الفترة دي اللي مش عارفة هتكون قد ايه.. ومن اللي اختك بتعمله ده احب اقولك إنها ناوية على نية سودا..

شعر بالغضب مما استمع له وهو يشعر وكأن كل ما يحاول فعله معها خلال الأيام الماضية لم ينجح حتى في أن تهاتفه هي بنفسها أو ترسل له ولو مجرد رسالة قصيرة على هاتفه ليسألها وهي تسكب المزيد من مشروبها الكحولي ولم يقترب نحوها:

- انتي اكتر واحدة تعرفيها، قولي يا ايناس ومتكتريش في كلام ممنوش فايدة، رفيدة ناوية على ايه؟

ابتسمت بسخرية لكلماته إلي أن تحولت لضحكة رنانة لا تدري هل بسبب سؤاله أو بسبب هذه الزجاجة اللعينة التي تحتسيها حتى من قبل أن حضوره لتهمس بين ضحكاتها:

- ناوية على ايه! دي رفيدة الشهابي.. ناوية قال!

ازداد غيظه وهي تضحك بمثل هذه الطريقة الساخرة ليصيح بها بصوتٍ عالٍ:

- انتي هتستعبطي! ما تردي عِدل وتبطلي تتمسخري عليا..

حاولت أن تُهدأ من ضحكاتها ونهضت بخطوات اتضح عليها الترنح وهي تحمل كوبها ثم سألته بملامح مبتسمة:

- قولي يا جاد أنت نمت مع كام واحدة لغاية دلوقتي؟

عقد حاجباه وأنفاسه تتعالى بصدره لتلهبه غيظًا فوق غيظه ليرمقها بإحتقار ثم التفت ليغادر فأوقفته هي بنبرة ثملة:

- خلاص متزعلش، انا بسأل بس علشان اشوفك هتفهم اللي هقوله ولا لأ.. رفيدة كانت مدمنة واتعالجت برا

توقف عن آخذ الخطوات نحو الخارج ثم التفت لها بملامح مُستفهمة ثم تسائل بصدمة:

- مدمنة! مدمنة ازاي؟ وازاي تروح برا وتتعالج؟ اهلها عرفوا ساعتها ولا عملوا ايه؟

التوت شفتاها متهكمة من اسئلته ثم اتجهت نحو الباب لتغلقه بخطوات مترنحة وقالت بنبرة مرحة من آثار مشروبها الكحولي:

- لا ده احنا لسه قدامنا قاعدة طويلة بقى علشان كده كنت بسألك، يمكن تكون فاهم وده اللي هيقصر القاعدة ويمكن ميبقاش عندك فكرة! عمومًا هفهمك كده اللي حصل على قد ما اقدر!

رطبت شفتاها ومن جديد توجهت حيث كانت جالسة بينما هو كان يغلي بداخله كالبركان من ثمالتها وطريقة هذه الفتاة التي لا يعلم كيف تتركها عائلتها هكذا ورآها تحتسي من الزجاجة مباشرة دون اكتراث وكاد أن يصرخ بها ليجدها بادرت بالكلام:

- لما عرفت روفي كانت بتغيب كتير بالأيام وبعدين تظهر، كانت بتحب تذاكر مع نفسها بهدوء وكانت دايمًا مش موجودة، وبعد ما قربت منها اوي وكنت بستعجب دايمًا ليه مش بتخرج معايا كتير ودايمًا شكلها مش نايم ومُرهقة ودايمًا مش بترد عليا اول بأول وابتديت اكتشف إنها مش بتسافر مع اهلها وكانت بتكدب عليا، ده لو كانوا اهل اصلًا.. فهمتني انها ادمنت العادة السرية! عارف دي كمان ولا كونك مقربتش من واحدة ست متعرفهاش؟

شعر بنبرتها الساخرة ليزداد غضبًا فوق غيظه ولا يدري هل يشعر بالشفقة مما تقوله أم يشعر بالغضب من أسلوبها الذي تتحدث به ولكن لوهلة هداه عقله أن هذه الثمالة التي تتحدث بها قد تكون هي المرجوة كي يعرف كل ما تُخفيه هي أو اخته فنظر لها بإهتمام وهي تحتسي المزيد وتمني لو أن كل هذا العرض وما يحدث أمامه كان صادقًا منها!

اطلقت هسيسًا خافت من شدة لذاعة المذاق لما بالزجاجة وتابعت بنبرة ازدادت ثمالة:

- أنا كنت دلوعة بابي وسابني ومشي، بس روفي كانت لوحدها دايمًا وأنور وناريمان بيشتغوا وطنط سوزي حشرية ومش بتحب حد وقاسية، كانت قاسية اوي.. فلما رفيدة سافرت برا، قولتلها تتعالج.. وإن الـ masturbation بتتعالج وفرصة انها تبطلها، كنت خايفة عليها بعد الجواز اوي تبقى اتعودت على ادمانها.. وهي كانت لسه بتحبني وبتسمع كلامي.. وانا كمان كنت بحبها اوي يا جاد.. بس ياسر بوظ كل حاجة! 

أدرك عدم اعتدال نبرتها وملامحها ثملة للغاية ليجدها تحتسي مرة أخرى فتوجه نحوها آخذًا خطوات واسعة ليجذب ما بيدها عنوة وصاح بها متسائلًا:

- سيبي الزفت ده وفهميني ياسر بوظ كل حاجة ازاي! كفاياكي شُرب وفوقي وكلميني.. ياسر ابن الكلب ده عمل ايه؟

رفعت مُقلتيها الثملتان المختلطة بأطيافٍ شتى بين الزمرد وانهار العسل الصافي لتبتسم له ثم همست:

- انت صح هو ابن كلب فعلًا.. ابن ستين كلب كمان

ارتمت برأسها الي احدى الجوانب ليصرخ بها زاجرًا:

- فوقيلي وقولي عمل ايه؟

قلبت شفتاها ثم قدمت يدها أمامها مباعدة بين اصابعها لتُحصي عدد السُباب واجابته بنبرة اشتدت ثمالتها:

- عمل كل حاجة.. خلاها ترجع تعمل كده تاني، وهي معاه، وهي مش معاه، كان بيكلمها على الموبايل ويخليها تعمل ده وهي بعيد عنه، والحِجة انه كان جوزها.. جوزها ده كلب وتِعبان ووسخ وواطي وحقير وزبالة وكان عايز ينام معايا وخلانا نبعد عن بعض! أنا بكرهه يا جاد اوي.. بكرهه اوي..

تحول صوتها في النهاية لما يُشابه الهمس الذي لا يستطيع تبينه ولاحظ أنها اغلقت عينيها وتستسلم لحالة سُكرها المبالغ بها لينظف حلقه وناداها:

- ايناس.. فوقي وفهميني رفيدة ليه نشرت الفيديو دلوقتي.. وراحت فين؟

همهمت مُغلقة عينيها واجابت بهمس وكلمات متثاقلة:

- مش عارفة، بس ناوية تعمل مصيبة.. هي فضحته..

تنهد عاقدًا حاجباه وهو يتفقدها مرتمية بجسدها على هذه الأريكة وصمت لمُدة غير مُدركًا ايحملها ويحاول أن يوقظها كي تتحدث بالمزيد أم ربما هل هي تدعي كل هذا؟ كيف وهو يشتم لهذه الرائحة الكريهة النافذة من هذه الزجاجة؟ إذن هي لا تكذب بالأمر! وقد احتست أمامه مقدارًا ليس بهينًا.. أم عليه الذهاب دون اكتراث؟! لا يدري، بعد رؤية فتاة والساعة قاربت على الرابعة صباحًا بمنزل بمفردها تحتسي الخمر ولا تُمانع فعلها مع رجل غريب عنها جعله يرتاب بداخله!

فجأة وجدها تلتفت له ونظرت له بثمالة وهمست بإبتسامة سعيدة:

- أنا هاشوفك بكرة في الشغل وهنقضي اليوم سوا..

تفحصها مُستغربًا ما تنطق به ليجدها تحاول النهوض فاقترب منها بتلقائية عندما لاحظ أنها قد تسقط فأمسكت هي بيده فهمهمت له ولا تزال مبتسمة بأعين شبه مُغلقة:

- أنت بقى غيرهم مش كده.. بس أنا مكونتش كده زمان! أنا كنت حلوة ومش بعمل كده..

تفقدها ثم التفت لينظر إلي هذا المنزل ليجد أن المطبخ قريبًا فجذبها معه إليه ليجدها تضحك وهي تغمغم:

- ده أنت طلعت زيهم، مفرقتش يعني.. بس كنت فاكراك مش زيهم

حاول أن يُجلسها أرضًا وهي تقارب على فقدان الوعي أو يبدو أنها لن تفعل فمما رآى أدرك أنها معتادة على شرب الخمر ولم ينس ولو كلمة واحدة مما تفوهت به ولكنه لن يتركها قبل أن يُفيقها من تلك الثمالة التي يعرف كيف يُخلصها منها جيدًا فلقد اختبر الأمر منذ الصغر مع بعض اصدقاء السوء يومًا ما قبل أن ينتهي به الحال مسجونًا وسيترك كل شيءٍ لاحقًا ليُحدثها به! 

بحث بالمبرد ولم يجد سوى صفيحتان من مشروب الشعير وبعض المياة ليلعن بداخله وأخرج هاتفه ليتحدث للسائق كي يُحضر له عدة أشياء وحاول أن يُسقيها بعض المياة لتستجيب هي له بثمالة شديدة وعانى كثيرًا إلي أن انهت زجاجة المياة وهو يتفقدها بأعين غاضبة امتزجت بالصدمة وخيبة الأمل، ربما بداخله كان يُريد رؤيتها بحالٍ أفضل من هذا.. 

حاول أن يضرب على وجهها بخفة وناداها علها تستجيب:

- ايناس.. انتي سمعاني..

همهمت له بإبتسامة وهي تنظر له بينما لم تذهب أي من آثار ثمالتها ولا يبدو أنها من ستتقيأ من جرعة المياة تلك وحسب ليتقين أنها ليست مرتها الأولى لتباغته وهو ينظر لها بإندفاعها نحوه وتعلق ذراعيها بعنقه كي تجذبه لها أكثر وقبلته بعبث شديد ليبتعد عنها مُسرعًا وحاول إخماد ما يشعر به من مزيج غريب مختلط بين مشاعر عدة بين القليل من رغبته بها وبين الكثير من احتقارها ليتفقدها بصدمة تامة!

❈-❈-❈

بعد مرور عدة أيام..

هناك رجل أخيرًا ظن أن حياته باتت أفضل، لم يعد الأمر مؤلم كي يتحدث بماضيه، لا يدري أهذا بسبب البوح في المُطلق أم من يُشاركه تلك الآلام يجعل الأمر أيسر بكثير عليه! هو لا يعرف، ولكنه أخيرًا شعر ببعض الخلاص أو الراحة، لم يُصدق أن مشاركته لطفلة مثلها بالحديث تنحدر من خلفية اجتماعية مختلفة عنه قد تُفيد.. يبدو الأمر غريب للغاية بأن يفعل هذا ولكنه بات ملازمًا لذلك الحديث الليلي معها غير عابئًا بتلك الأعين التي تتابعهما وهما جالسان بحديقة المنزل بعد شدة رفضها بأن يتكرر الحديث بغرفتها أو غرفته.. 

لوهلة شعر وكأنه يريد الذهاب لهذا الفتى كي يلكمه إلي أن يشعر بالإرهاق! لماذا يرفض فتاة مثلها تعشقه؟ ولماذا رفضته "رُفيدة" يومًا ما؟ لماذا لا يستطيع كل شخص مبادلة عشقه للآخر دون تسبيب جروحٍ للآخر؟ هل الأمر صعب وشاق على كلاهما كي يرفضها "جاد" وترفضه ابنة خالته؟! فليذهبوا للجحيم.. هو حتى لا يكترث! أو اصبح لا يكترث.. ولكنه كذلك عليه تقبل أن بمصادقته إلي "رحمة" سيكون عليه تقبل هذا الـ "جاد" الذي لا يدري لماذا فعل ودعاه لحفل خطبته! 

أحيانًا يلوم نفسه على كونه رجل لطيفًا مُهذبًا.. هل كان غبي بفعلته؟ هل سيُسبب له المزيد من المُشكلات لو حضر الحفل؟ حقًا لا يعلم!

تفقد مظهره الذي يعلم بالفعل أنه رائع، لطالما أدرك أنه رجل جذاب إلي أن تملكه الغرور.. ربما عليه التوقف عن التفكير والإستعداد فسوف تأتي "رغدة" بعد قليل، وسيبدأ هذا الإحتفال الذي يتمنى من كل طيات قلبه أن تكون والدته حافظت على رغبته بأن يبقى صغيرًا.. عل كل حال لا أحد يضمن ما قد تفعله "سوزان بدوي" وما يدور في رأسها خاصةً بهذه الإحتفالات!

لا يستطيع الإدلاء بأنه يشعر بالسعادة الغامرة، ولكنه كذلك لا يُنكر أنه يشعر بالراحة لإقترابه من حياة أخرى جديدة عليه، ربما قد يستقيم هذا التفكير أخيرًا بإنتقاله إلي حياة رجل آخر لا يُريد سوى الإستقرار!

استمع لطرقات على باب غرفته فذهب ليتفقد من الطارق فوجدها "نانسي" لينظر لها بإبتسامة رائعة ثم تسائل:

- انتي فين بقالك كام يوم مُختفية خالص، من ساعة ما قولتيلي انك بتحضري لحاجة واحنا متكلمناش تاني؟ 

بادلته الإبتسامة ثم اقتربت له لتقبله على وجنته وأخبرته بسعادة:

- مبروك يا حبيبي.. رغدة شكلها لايق عليك جدًا وواضح انها بتفهمك اوي.. good luck 

ضيق عينيه ولا يزال مُحافظًا على ابتسامته ليسألها من جديد:

- مش هتجاوبي سؤالي؟

تنهدت وهي تقترب منه لتُعدل من ربطة عنقه الرسمية ثم اجابته بإقتضاب:

- فكرة لـ application كده على الموبايل وكان لازم اجهزلها كويس علشان أول ما أبدأ بيه يقدر يستمر ويبقى ثابت وجوده..

همهم لها بتفهم وقد اعجبه ما تتحدث به ليسألها من جديد:

- عن ايه بالظبط؟

زفرت من جديد وتوجهت لتساعده بإرتداء سترة حُلته الرسمية واجابته بهدوء:

- مش الوقت المناسب.. بس صدقني هنتكلم سوا كتير.. خليها بعد الخطوبة.. 

تفقد ساعة يده ليجد أنه هناك المزيد من الدقائق المُتبقية على موعد وصول "رغدة" فأخبرها بجدية:

- دردشي معايا في الفكرة طيب.. لسه معانا وقت..

قضمت شفتاها وهي تنظر له ثم ابتعدت لتعقد ذراعيها وشرعت بالحديث:

- البنات والستات في مجتمعنا بيضيعوا وقت كبير اوي في انهم يتابعوا انستجرام و tik tok علشان خاطر يتعلموا ازاي يلبسوا لبس مناسب ومش بيسيبوا fashionista الا ويتابعوها وبيبقى عندهم تضارب في الأفكار مين احسن ويلبسوا زيهم.. فجاتلي فكرة إني اعمل application يعملوا فيه upload من صور لحاجات already عندهم ويترد عليهم اقصاها في ساعة واحدة بالـ outfit المناسب.. وفي نفس الوقت بنقترح عليهم حاجات زيادة زي مثلًا accessories او piece زيادة تخلي الشكل النهائي مناسب..

عقد حاجباه متفقدًا اياها بتعجب لتستطرد هي:

- بس طبعًا مش ده بس، أنا مركزة اني اكتر البنات اللي ليهم تواجد على انستجرام والسوشيال ميديا في العموم يكونوا هم اللي هيعملوا الـ marketing في البداية.. عن طريق حساباتهم.. واللي هيفيدهم إني بعمل كذا offer وخصومات وكل واحدة فيهم بديها ميزة مش موجودة عند التانية للمتابعين بتوعها، غير ان الإقتراحات اللي بنقدمها لأي outfit فيها delivery لغاية البيت وطبعًا اللي عايز توصله الحاجة اسرع بيدفع مبلغ زيادة شوية عن حد بيوصله ال order بعد يومين او تلاتة.. 

أومأ لها بتفهم وقد لاقت الفكرة اعجابه لتتنهد هي وتابعت بقليل من الإرهاق:

- وكل ما بيعملوا معاملات اكتر عن طريق الـ application بيكسبوا حاجت، يعني خصومات، أو pieces معينة من اماكن مشهورة، زي bonus system (نظام مكافآت) تقدر تقول، وده الجزء اللي محتاجاك تساعدني فيه لأن الـ line بتاعك ليه اسمه من فترة كويسة..

 بس كل ده كان محتاج team كبير وكويس من ناحية الشحن، من ناحية تطوير البرنامج نفسه علشان ميبقاش صعب ومفيهوش مشاكل، من ناحية الناس اللي مؤهلة ترد على كل الطلبات، ولازم قسم مالي.. الموضوع كان محتاج تجهيزات كتيرة جدًا لأني حابة كل حاجة تبقى indoor وتبقى خاصة بالبرنامج نفسه وكل تابع لكيان واحد..

اعجبته الفكرة كثيرًا ليهمهم بتفهم ووضع يديه بجيبيه ثم قال:

- تمام.. nice idea (فكرة جيدة).. I'm in.. ايه رأيك كبداية 40%

ضحكت وهو تومأ له بالإنكار ثم قالت بتحفز:

- كنت بفكر اقصاها 5%

اندلع الإحباط على ملامحه ثم تحدث متذمرًا:

- انا اخوكي.. 5% ايه.. 35%؟!

أومأت مُطلقة همهمة رافضة ثم قالت حاسمة:

- سلمان، 10%، ومحدش هيعرف حاجة، مش هيبقالك ظهور مباشر غير إنك سلمان يكن اخويا، قولت ايه؟

زفر بضيق وأومأ لها بإمتعاض لتكلمه بجدية:

- سلمان بص، الـ application نفسه مش عايزاه يكون لطبقة مُعينة.. أنا هبتدي من أول المُحجبات وستايل العبايات لغاية البكيني والـ formal والـ casual .. عايزاه نوعًا ما يبقى مُتاح للكل!

رفع حاجباه مما أدى لتقطب جبينه وهز رأسه بالموافقة ليقول بهدوء:

- بس ده هيبقى مشروع كبير جدًا..

اقتربت له بإبتسامة ثم قالت:

- معايا ملايين مش عارفة لسه هاعمل بيهم ايه، beginners luck is all I need (حظ المبتدئين هو كل ما احتاجه).. ويالا علشان رغدة زمانها جاية.. ومتنساش إن محدش غيرك يعرف الموضوع ده، حتى راغب ومامي لسه مقولتلهومش!

هز رأسه موافقًا بينما تعجبت ملامحها وسألته:

- صحيح انت متعرفش رفيدة وياسر فين؟ معزمتش حد فيهم؟ من ساعة ما الفيديو ده نزل والدنيا مقلوبة!

قلب شفتاه متعجبًا ثم اجابها بتساؤل:

- مظنش محتاجين يتعزموا يعني واحنا في بيت واحد، وماما هي اللي بتعزم الكل، بس فيديو ايه اللي بتتكلمي عنه؟ أنا مشوفتش حاجة!

❈-❈-❈

استنشقت ما تبقى من دخانها والقت ببقايا السيجارة بالمنفضة ثم تجرعت ما تبقى بفنجان قهوتها بواحدة من استراحات الوقود المتواجدة على الطريق ولم تُعطِ بالًا لكل هؤلاء الناظرين إليها وإلي مظهرها الذي ستتواجد به بعد قليل بحفل خِطبة "سلمان" لتزفر بضيق وتمنت أن "جاد" لن يكون متواجدًا.. وهذا ما تسبعده، بالطبع سيتواجد هناك.. 

حسنًا.. منذ تلك الليلة التي استيقظت بها من ثمالتها وهو يوقفها أسفل المياة بعد أن تقيأت الكثير من الأشياء التي احتستها وقد صنعها هو وهي تشعر بتجنبه اياها، وهي الأخرى لم تكن تريد المواجهة!

تتذكر أقل القليل من هذه الليلة و "رُفيدة" تُصعب عليها الأمر كثيرًا بإختفائها والتواصل معها فقط بخصوص العمل عن طريق عدة برامج، أما ما تم نشره وضرب اسم "ياسر محفوظ" بمقتل، ولكن ما لا تفهمه هو أنها مُختفية ولا تريد لأحد أن يعلم أين هي!

توجهت نحو سيارتها من جديد وبدأت في القيادة متجهة صوب المنزل، فكرت كثيرًا أن "رُفيدة" بعد تلك الفضيحة التي لم تتوقف مواقع التواصل الإجتماعي عن التحدث عنها بنشر خيانة زوجها لها سيكون عليها الظهور، ولكنها ترتعب فقط من هذا الظهور، هي تعلم صديقتها جيدًا! 

قاطعها صوت رنين هاتفها الذي اجابته بعد رؤية أن "سعد" هو المتحدث فهي إلي الآن تحاول أن تتجنب "جاد" بشتى الطرق بعد ملامحه التي غادرها بها:

- ازيك يا ايناس.. متعرفيش جاد فين؟

ابتلعت عاقدة حاجبيها ثم اجابته:

- لا مش عارفة، هو مش بيرد على موبايله؟

آتاها رده مسرعًا:

- لأ.. مش انتي معاه في الشركة كل يوم، مشوفتيهوش النهاردة؟

تعجبت مما تستمع إليه فمن المفترض أنه أقرب شخص له فظنت أن "جاد" فقط يفتعل الأمر لجعلها تُحدثه فأجابته:

- لأ، كنت مشغولة وهو كمان مشغول مع راغب اظن، هو فيه ايه يا سعد؟! 

تردد لوهلة قبل أن يُخبرها بالحقيقة ليحمحم قائلًا:

- لما تشوفيه بس خليه يكلمني في اسرع وقت.. مش انتي رايحة الخطوبة بتاعة سلمان.. اكيد هتلاقيه هناك.. 

همهمت بتفهم ثم أخبرته:

- تمام.. لما اشوفه هاخليه يكلمك.. 

انهت المُكالمة وهي تعلم بقرارة نفسها أنه ليس هناك مفرًا من مواجهته، لتواجهه إذن، بغض النظر عن ما فعلته بتلك الليلة وهي لا تتذكره بأكمله، وبالرغم من أنها بالغت في احتساء الخمر، ولكنها بالنهاية ليس لديه ما تُخفيه عل كل حال!

❈-❈-❈

رمقته بإحتقار عاقدة لذراعيها وهي تطرق بأناملها على شفتاها وخلفها عدة رجال أمن وسألته بهدوء:

- بعد كل الكلام ده، اختار، هتطلقني يا ياسر بهدوء انده المأذون، ولا عايز الفضيحة تبقى اكبر من كده والموضوع يُدخل في محاكم؟

ابتسم لها واجابها بنفس الهدوء:

- حبيبتي يا روفي مينفعش اللي انتي بتعمليه ده.. وبعدين الفضيحة اللي طالتني بكرة تطولك.. ولا انتي شايفة ايه..

ابتسمت له ابتسامة لم تلمس عينيها ثم قالت:

- تمام.. انت اللي اخترت!

التفتت لتغادر بينما اعترض "سعد" طريقها لتنظر له بملامح هادئة للغاية في انتظار لما سيقوله فسألها:

- انتي رايحة فين؟

نظرت له بإستهجان وتفقدته من أعلى رأسه لأخمص قدمه وكادت أن تغادر فأوقفها ممسكًا بساعدها بتلقائية متغلبًا على كل ما يشعر به وخصوصًا اليوم، هي تبدو رائعة الجمال أكثر من أي مرة أخرى التقيا بها لتلحق يده بنظرة مُسلطة عليها ثم رفعت زمرديتان غاضبتان نحوه واستمرت ملامحها مستترة خلف هدوئها ليقول:

- لو الموضوع دخل في محاكم انتي عارفة إنك مش بتضري غير نفسك، واخوكي؟ فاكرة إن ياسر مش هيتكلم إنه قاعد هنا؟ وبمجيتك دي فيه أكتر من حد شاهد إنك كنتي تعرفي اننا ماسكينه هنا.. 

التوت شفتاها الممتلئتان بنصف ابتسامة هاكمة ثم التفتت ناظرة لبعض رجال الأمن وأخبرتهم:

- ممكن تبعدوه علشان امشي..

انتقل بعض الرجال ليفرقوا بينهما وبالفعل نجحت في التخلص منه واتجهت للخارج بصحبة رجلين بينما تبعهم الآخرون بعد تأكدهم أنه لا يعترضهم وليس متحفزًا لعراك مهم وبمجرد رؤيتهم يغادروا بدل سريعًا حذاءه المنزلي لآخر وهرول متخذًا الدرج لأسفل وهو يهاتف "محروس" فهذا هو الحل الوحيد أمامه وقد اجابه بالفعل بعد لحظات من رنين:

- عم محروس الله يخليك.. تعالى الشقة، أنا ورايا مشوار ومش هينفع اسيب ياسر لواحده.. هتلاقي المفتاح جنب عداد الكهربا!

تعجب الرجل الذي قد استمع لبعض الثرثرة الجانبية بين أهل الحارة بأكملها ولكنه تريث بعد ملاحظة نبرة "سعد" المسرعة واجابه بغير تصديق مستفسرًا:

- ياسر مين؟!

سرعان ما رآه أسفل عينيه يعدو متجهًا لخارج الحارة بأكملها ليقول:

- ماشي يا ابني! هاجي..

انهى المكالمة وانطلق للخارج يعدو فهو يعلم أن هناك مسافة بين بيتهم وبين أقرب مكان تستطيع السيارة أن تقف به ليحاول أن يلحق بها سريعًا قبل أن تتسبب في كارثة وهو نفسه وكذلك "جاد" لن يستطيعا تحمل المزيد من سنوات السجن التي بالكاد فرا منها فأوقفها مُناديًا وهو يلهث من عدوه:

- استني يا مدام رفيدة.. بلاش قضية! 

التفتت نحوه ولم تكترث بما يقوله ناظرة للرجال بما يُفيد أن يوقفوه واتجهت من جديد صوب السيارة التي تخصها وأمامها أخرى خاصة بهؤلاء الرجال كحرس شخصي ليقترب هو خلفها فوجد رجلين يتجها نحوه ليزفر بضيق على ما سيفعله وبدأ بالفعل بلكمهم كي يتخلص منهم ونجح في التخلص من احدهما ليبدأ الرجال في تركها هي والعودة له ليصيح بصراخ ونبرة عالية:

- أنا هطلقك منه من غير قضايا! 

التفتت مرة أخيرة ناظرة له وهو يقوم بضرب هؤلاء الرجال الذين لم يتوقف احدهم عن تسديد اللكمات له لتشعر بالهيبة من ذلك المنظر ولكنها فرت مُسرعة للداخل وأخبرت السائق أن يغادر بسرعة كي تستعد للتالي فهي قد اعدت مُسبقًا للمزيد لتنتصر بهذه الحرب على هذا الخائن غير آبهة لما يحدث خلفها بالرغم من أن صورة "سعد" وهو يقوم بالتشاجر معهم لا يريد الغياب عن عقلها، ولم تعلم بعد أنها لن تنسى الأمر لبعض الوقت!

❈-❈-❈

نفخت بتآفف وتردد شديد بالرغم من استطاعتها بالنجاح أن تأخذ هذه الخطوات والتفلت إلي أن وصلت أمام باب غرفته فهي ليست مرتها الأولى أن تتسلل بهذا البيت لتحسم آمرها بالنهاية وقامت بالطرق على الباب في انتظاره أن يقوم بالظهور بأي لحظة الآن!

لعن أسفل أنفاسه الغاضبة من عدم استطاعته أن يقوم بربط تلك العقدة السخيفة خلف عُنقه وتوجه بملامح غاضبة وأنفاس متسارعة وهو يُمسك بربطة العنق وفتح الباب بقوة ليتفقد من هذا المُزعج الذي قد آتى لتتسمر كلًا من اعينهما في تلاقي بعد عدة أيام من محاولات شتى لتجنب كلاهما للآخر ليلاحظ ترددها الشديد فبادر هو متسائلًا بإنزعاج:

- عايزة إيه؟

لم يُعجبها نبرته المتسائلة بهذه الطريقة لتحدثه مجيبة:

- سعد بيدور عليك.. رد عليه مش عارفة عايزك في ايه..

أومأ لها متفقدًا اياها بنظرة منزعجة وملامحه ليست بالودودة اطلاقًا ثم حدثها بإقتضاب:

- طيب متشكر!

قارب على أن يوصد بابه لتمنعه هي بيدها التي حالت بين الباب وبين اغلاقه ليُغلق عينيه زاممًا شفتاه كمحاولة للتغلب على غضبه لتسأله هي:

- هنفضل مكملين في اللعبة دي علشان بس شوفتني سكرانة؟!

زفر بضيق ثم رمقها بنظرات لا تدل سوى ارادته ألا يُكمل هذا الحديث فتركها بالفعل واتجه لداخل غرفته فتبعته هي بجرأة لتصيح به:

- أنا مش فاهمة أنت بتعاملني بطريقة ناشفة ليه؟ علشان مكونتش مثلًا متوقع إني بشرب، ولا ايه اللي حصل بالظبط يخليك تتحول فجأة كده معايا؟

لم تحصل منه على اجابة وهذا كل ما تريد أن تعرفه فهي لا تتذكر وقت ثمالتها ما حدث بينهما ووقفت خلفه لتجده يحاول عقد ربطة عنقه الرسمية وهو يفشل بفعلها تمامًا لترمقه خلال المرآة ثم تحدثت له قائلة:

- أنت آخر واحد المفروض تتعامل معايا أنا بالذات بالأسلوب ده.. ولا نسيت اول يوم دخلت فيه هنا مين اللي وقف جنبك؟ ولا علشان بشرب بقيت وحشة؟ ما ترد عليا؟ 

اقتربت متجهة نحوه لتبتسم بتهكم ثم صاحت بالمزيد:

- اللي بتحاول تساعدك وتخليك بني آدم وسط الناس دي فجأة بقت وحشة وبتاخد جنب منها!

اقتربت له أكثر وهو يحاول التغلب على غضبه كي لا يصل لإندفاعه وتهوره المعهودان بينما هي لم ترفق به لتستطرد بنبرة خافتة:

- واضح انها حاجة في دمكوا، كلكوا مبيفرقش معاكوا، لا راغب ولا رفيدة ولا أنت كمان! زيك زيهم.. أنا كنت غبية يوم ما فكرت إني أسـ..

التفت لها صارخًا بوجهها موقفًا اياها بصوته الجهوري عن الكلام:

- علشان مش طبيعي واحدة محترمة تسكر وتقرب مني وتعرض نفسها عليا وتطلب مني أنام معاها!

❈-❈-❈

جلست أمام هذه المرأة المُستفزة ذات الشعر القصير وظلال أعينها الثقيل الذي تكرهه للغاية في ترقب المزيد من أسألتها التي لا تفشل في استفزاز أي إنسان على وجه الأرض ولكنها إلي الآن بعد تلك الأسئلة لا تزال تتحكم فيما تمر به مرتدية وجه الهدوء واللباقة لتستمع لها:

- الفيديو.. كنتي عارفة إننا هنتكلم عليه! مش كده؟

ابتسمت لها بإقتضاب وقلبت شفتاها لتجيبها بثبات شديد:

- نتكلم..

ارتدت احدى وجوهها الأكثر استفزازًا ثم تسائلت:

- ايه اللي يخلي راجل يخون ست بجمال ونجاح رفيدة الشهابي، علشان معندكوش ولاد؟

ابتسمت إليها واجابتها بثبات:

- اللي معندوش ولاد من مراته ممكن يتجوز عليها ده لو هي رافضة إنها تجيب اولاد، بس مش ده اللي حصل..

تفحصتها بعينيها العسليتين بنظرات مُستفزة جعلتها تود أن تنهض لتدمر مسيرتها المهنية بأكملها ولكنها تحملت من أجل الظفر بهذه الحربلتجدها تتحدث بنبرتها التي لم تفشل في ازعاجها وهي تُشدد على نُطقها للكلمات:

- عملتي ايه يوم ما شوفتي فيديو لجوزك منشور في كل حتة وهو بيمارس علاقة مع واحدة غيرك! استقبلتي الصدمة ازاي..

تريثت للحظات وتلاشت ابتسامتها ثم اجابتها بصوت خافت:

- اتصدمت.. زيي زي أي واحدة ست فاكرة جوزها بيحبها ومخلص ليها..

همهمت لها بتفهم لتستفزها بجرأة:

- يعني رفيدة الشهابي في النهاية زيها زي أي واحدة ست، عيطتي وانهارتي لما شوفتي الفيديو!

أومأت لها لتدعي الدموع بعينيها التي لا تحتاج لمجهود منها فهي تحاول الهروب بشتى الطرق من البكاء بكل تلك الأيام الماضية ثم همست لها بإقتضاب:

- آه..

تحركت بمقعدها متحلية بإبتسامة بسيطة جعلت الأخرى تشتعل غيظًا بينما لم تتوقف هذه المُذيعة عن تكييل المزيد إليها:

- مفكرتيش زي أي ست إنها ممكن تكون نزوة، أو إنك انتي الغلطانة، فكرة إنك تسامحيه زي ما أي ست بتسامح مخطرتش على بالك وقتها؟

انهمرت احدى دموعها لتومأ لها بالإنكار ثم تحدثت قائلة:

- الخيانة بالذات من راجل حبيته مش هاقدر اسامح فيها.. مفيش أي سبب لخيانته..

لحقتها بالمزيد من كلماتها لتقول:

- وليه زي ما بيقولوا، إنك انتي متبقيش الغلطانة، سيدة أعمال زيك مشهورة أكيد وقتها كله ضايع في الشغل، ليه متبقيش انتي اللي مقصرة معاه، مش كل حاجة وليها سبب برضو؟ 

جعلتها تود النهوض لقتلها ولكنها تحملت وهي تجفف دموعها ثم حاولت التحلي بالثقة:

- ولو كان ده السبب أي اتنين عاقلين في الدنيا بيتكلموا في مشاكلهم، ولو أنا سيدة اعمال فهو كمان رجل أعمال ووقته ضايع في شغله، هل ده مبرر إني اروح اخونه؟!

قلبت شفتاها ثم لحقتها بالمزيد:

- بس الست في مجتمعنا غير الراجل، مهما كانت الطبقة الإجتماعية مُختلفة، هل كلامك بيقول لكل اللي بيشوف الحلقة دي إنك ضد جواز البنات اللي بيقعدوا في بيتهم ومش بيشتغلوا، ولا تشجيع منك إن الست زيها زي الراجل ومن حقها تخون جوزها زي ما هو يخونها؟

ابتسمت لها بمزيدًا من الإقتضاب بالرغم من ذلك البركان الثائر بداخلها واجابتها:

- أنا بشجع أي بنت أو أي ست انها متقبلش خيانة جوزها ليها، وبشجع أي اتنين متجوزين لو بينهم مشاكل يتكلموا ويحلوا مشاكلهم لأن الخيانة في النهاية مش حل أبدًا.. المشاكل لو زادت آخرها الإنفصال، لكن مش الخيانة! 

همهمت وهي تتفقدها مليًا ثم سألتها:

- رُفيدة الشهابي، بعد جواز عمره سنين، ليه مخلفتش لغاية دلوقتي، الشغل عندك أولوية عن الأطفال؟

هزت كتفيها كإشارة للرفض واجابتها ناظرة لها بنفس نظراتها واجابت:

- بالعكس، الأطفال هم الأولوية، وأنا لو كان عندي طفل كنت يمكن بعدت عن الـ business كله فترة مش قليلة لأن الأطفال يستحقوا كل وقتنا.. ولكن ربنا مأرادش!

اكملت هذا الحوار للنهاية مُدافعة عن نفسها تارة وتارة استترت خلف ضعف المرأة الذي ستكسب به هذه الجولة أمام زوجها، والآن تتلاعب بآخر وريقات تُملكها بيديها أمام هذه المرأة المُستفزة، كان عليها أن تبدو كملاك وإمرأة مجروحة وتُخفي شياطينها لبعض الوقت، فهي ليست بوقتها الآن أبدًا أن تظهر أمام أعين الجميع! 

أحيانًا لا يملك الشيطان سوى كتاب سماوي بين يديه ليتلاعب بكلماته مقنعًا الجميع أنه على صواب، وهذا كل ما تفعله "رفيدة الشهابي" بجلستها أمام هذه المرأة المُستفزة!

ربما هي محاولة، وبعدها ستظهر أمام أعين الجميع بحفل خطبة ابن خالتها "سلمان يكن" وهي مُرتدية زي المرأة المُنكسرة التي صُدمت بخيانة زوجها لها، لن تسكت العدسات المُلتقطة لأوجاعها.. يبدو أن القوة تكمن بالضعف وهي لم تر هذا الأمر منذ البداية!

❈-❈-❈

تنقلت اعينها وهي تتأكد أن كل الأوضاع جيدة وجميع العاملون بأماكنهم ولا يتوانى أي منهم عن الإستجابة وخدمة المدعوين التي قامت بإستقبالهم هي بنفسها وأحيانًا كان يتواجد معها "سلمان" أو "رغدة" ولكن إلي الآن لم تجد ولو فردًا وحيدًا من عائلتها مما جعل بداخلها أمر التفرقة بينهما حتميًا.. 

بحثت بعينيها عن "سلمان" الذي وجدته بالفعل ذاهبًا بإتجاه المرأب بعيدًا عن المنطقة التي يحتفلوا به فكادت أن تذهب خلفه ولكن "رغدة" اوقفتها بإبتسامة ممتنة وكلمتها قائلة:

- ميرسي اوي يا طنط.. كل حاجة بجد perfect.. مش عارفة اشكر حضرتك ازاي..

ابتسمت إليها وهي تربت على يدها التي أمسكت بها وتحدثت له بنبرتها المميزة بسعادة برعت في ادعائها:

- لأ ازاي يا دودو متقوليش كده.. انتي هتبقي مرات سلمان اغلى حد عندي في الدنيا.. 

شعرت بالود الشديد نحوها لتكرر امتنانها مرة أخرى ثم قالت بمصداقية:

- بس بجد شكرًا.. أنا مبسوطة جدًا بكل حاجة.. مكونتش مُتخيلة إن حضرتك هتعملي كل ده علشاني أنا وسلمان.. 

ضيقت عينيها نحوها بطريقة لم تلحظها الأخرى وحنكتها في التعامل والإدعاء لا تُبارى لتضعها بأولى اختباراتها ثم قالت:

- انا ممكن اعمل اي حاجة علشان خاطر سلمان.. وأنا حبيتك زي نانسي بالظبط.. ايه رأيك لو بكرة نخرج أنا وانتي لوحدنا، بس please من غير ما سلمان يعرف، girls time out زي ما بيقولوا بعيد عن الدوشة دي كلها؟

أومأت لها بالموافقة ثم اجابتها:

- طبعًا.. الوقت اللي حضرتك تحبيه كمان.. 

توسعت ابتسامتها لها وهي تقصد أن تسخر من سذاجتها ولم يظهر الأمر عليها ثم ربتت على يدها من جديد وأخبرتها:

- يالا بقى مش هعطلك علشان تكوني موجودة مع اصحابك.. انا رايحة اشوف سلمان..

يُتبع..