-->

الحلقة الثالثة ج ٢ - صائد المراهقات




الحلقة الثالثة الجزء ٢ صائد المراهقات  


فدع الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ

وازهَدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَـبُ

ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ

وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ 


صالح بن عبد القدوس


°°~°°~°°


بعد قليل عادت "زينب" و دخلت غرفتها و أغلقت قفل الغرفة من الداخل و بمجرد استدارتها رأت اخيها "حمزة" الاكبر منها بستة سنوات، فصرخت من المفاجأة فاقترب منها قبل أن تخرج صرختها يكتم فمها و هو يهمس. 


- اهدي اهدي ده انا. 


تعالت أنفاسها و تعالي صوت دقات قلبها و كم تريد أن تخبره أن المشكلة هو أنك أنت من بالغرفة.. انتظر قليلا حتي تهدأ أنفاسها ولكن هيهات. رفع يده عن فمها ببطيء و كوب وجهها بين كفيه يمسد وجنتيها بإبهاميه.. ثم مرر إبهامه علي شفتيها و همس بحرارة :


- كنتي بتبقي صاحية بليل صح.


فارتجف جسدها و نزلت دموعها قهرًا فتأتأ بفمه ثم اكمل همسه و هو يمسح دموعها بأصابعه :


- بتعيطي ليه بس.. بصي هننبسط سوا تمام.. متعيطيش بقي.. اه صح لو قولتي لحد محدش هيصدقك فياريت تفضلي حلوة كدة و ساكتة.. انا جبت حاجة حلوة نقعد نتفرج عليها سوا.. ماشي.


فتركها و ابتعد قليلا فوجدت حاسوبه المحمول مفتوح و موضوع علي سريرها و يوجد مقطع فيديو متوقف فنظرت في الشريط الممتد أعلي الشاشة لتري اسمه.. فوجدته احد المقاطع المحرمة محتواها عن المحارم.


اقترب منها و احاط جذعها من الخلف يشتم عبقها و يسحبه عبر أنفاسه و همس لها بحميمة :


- أنتي جميلة اوي علي فكرة و الخمار اللي بتلبسيه ده مخبي جمالك عن العيون اللي هتقدرك لو شافته. 


ظلت ترتجف أسفل يداه و عقلها لا يستوعب بعد أن أخيها و أمانها كان يتحرش بها أثناء نومها و الآن يبوح بذلك بدون خوف.. أنه يتلمسها بهذا الشكل المقزز و يريدها أن تعرض جسدها علي الرجال.. تكاد تقسم أن نبضات قلبها تضرب في يده التي تلتف حولها و تتلمس مفاتنها الان.. لم تتحمل كل هذا الضغط في رأسها و منه و من حظها الذي جعل اخيها بهذه الحالة الشاذة، فتثاقلت انفاسها و بدأت تظهر أصوات طنين في آذانها ثم سقطت مَغشيًا عليها تهرب من العالم. 


امسكها "حمزة" بسرعة قبل أن تسقط ارضًا ثم وضع جسدها الهامد علي السرير و مدده بجوار حاسوبه الذي اغلقه بمجرد ملاحظته. لا يعلم لماذا بات يشعر بالإثارة اتجاهها هكذا فجأة ولا يستطيع السيطرة على نفسه ؟ ربما ما يشاهده من مقاطع هي السبب. تلك المقاطع الإباحيه المحرمة التي تفسد عقول الشباب و تدمر أجسادهم و أدمغتهم، تلك اللعنة التي تُخرب الفطرة التي فطرنا الله عليها و تشعر مشاهديها بالنقص و الضعف و عدم الرضا. ربما يشعر الان ببعض الندم لانه واجهها و صدمها. الندم الذي أصبح يلازمه مؤخرًا، ذلك الصوت الضعيف المنبثق من القطعة المضئية الاخيرة الباقية في ضميره الذي قتله بممارسته لما يخالف الفطرة من مُتع لحظية عابرة لا قيمة لها. 


جلس بجانبها علي السرير بتوتر و امسك يدها يفرك باطن كفها بإبهامه في دوائر منتظمة و يتمني أن يكون مجرد فقدان وعي و تكون أخته علي ما يرام. و عندما تأكد من انتظام أنفاسها، بكل انعدام رحمة او رأفه بحالها فتح حاسوبه و شغل المقطع و استغل نومها بدون وعي ليتحصل علي مُتعه محرمة لا تسمن ولا تُغني من جوع.


بعد ربع ساعة تقريبًا فتحت "زينب" عينيها ببطيء تحاول تذكر ماذا حدث، و عندما بدأ عقلها بعرض صور ما حدث مجددًا امامها مدت يدها تتفقد ملابسها بسرعة لتجد ملابسها البيتية لا تغطي جزء كبير من جسدها فعدلت ملابسها بسرعة و سالت دموعها بدون إرادة منها و قد فعل ذلك مجددًا.. لقد تحرش بها أخيها و انتهك حُرمة جسدها غصبًا.. دفنت وجهها في وسادتها تبكي حظها التعيس. هي لا تفهم ماذا يفعل و لماذا يفعل ذلك؟ كل ما تعلمه أن ذلك خطأ و غير سليم. و تعلم ايضًا انها لن تستطيع الإفصاح عن ذلك و لن يصدقها أحد فأبيها و أمها مولعين بأخيها لأنه الذكر و ولي العهد.. ظلت تستغفر علي ذنبٍ لم تقترفه و تقرأ مما حفظته من قرآن لعله يهدأ من ارتعاش جسدها.


❈-❈-❈


- " يأتي النهار و يذهب، و يتسلمني الليل ليمزق عقلي لأشلاءٍ جراء التفكير في سبب الدوامات و العواصف التي تسكن حياتي.. حياة يسكنها فصل الخريف؛ فتسقط فيه دمعات عيني كقطرات المطر و تُلوث روحي أتربة و رمال ذكرتني ذراتها بعدد مرات خُزلاني من البشرِ، و غيوم الحزن تُحلق في سماء روحي، و تتناثر وريقات شبابي في ساحات كئيبة مظلمة.. و كل هذا يجعلني اتسأل متي سيأتي ربيعي؟ متي ستزهر حياتي؟ و لأن ليس لدي إجابة سأنتظر.. سأنتظر متي ستنعم روحي بالسلام".


أغلقت تولين كشكولها ذا لونها المفضل و هو الأزرق الداكن و وضعته علي منضدة أمامها ثم قامت تغير الموسيقي و تضع موسيقاها المفضلة و عادت تجلس علي الاريكة و أرجعت ظهرها للخلف و اغمضت عينيها تعلو فمها بسمة مسترخية ثم تذكرت أمرًا ففتحت احدي عينيها لتقط الكشكول القابع علي المنضدة ففتحت كلتا عينيها ثم سحبت الكشكول و فتحته فوجدت الرقم الذي دونه ناير. لا تنكر أن فضولها يريدها أن تعرف ما شأنه بها و أن تحدثه ولكن عقلها هو الآمر الناهي في نهاية الأمر و لن يسمح لها خصوصًا أن قلبها ايضًا لا يأتمن هذا الرجل اللعوب او الذكور عموما ليسوا موضع ثقة بالنسبة لها. 


رمت الكشكول علي الاريكة و قامت ترقص بنعومة مغمضة عينيها علي اللحن الرقيق تدور في فلكها الخاص.. تتمايل اكثر فتضيء كنجوم درب خيالها الخصب.. ثم تزداد رماديتيها دُكْنَة فجأة و تمطر غيومها و هي ترقص فتسبب غمامة أمام عينيها تجعلها تسقط عن قصد علي الأرض و تتعالي شهقاتها.. تشعر بضغطٍ زائدٍ كبالون علي وشك الانفجار.. باتت لا تعلم سبب حزنها الفترة الحالية و حالة الاكتئاب التي تقع بها و تجعلها تبكي بدون مبررات احيانًا، فقط تشعر أنها بحاجة للبكاء بصوت و شهقات مرتفعة تترجم الآلام صدرها لآناتٍ و أهاتٍ عالية. ربما هو ضغط الدراسة و أمها و ابيها هم السبب، او ربما هي جُنت أو اصبحت مريضة نفسية لا تعلم. 


بعد قليلمن الوقت سكنت فمسحت وجهها من أثار الدموع و ابتسمت، تلعن بداخلها الحياة و من علي قيدها و تخبرها بلغة عينيها سأكمل طريقي رغمًا عن أنفك و أنف ساكنيكي. و قامت لتستذكر دروسها و تحل فروضها المدرسية. 


❈-❈-❈


صوت شجارهما يعلو أكثر و أكثر.. حاولت "لوچين" إيقاف ما تسمعه بوضعها سماعات آذانها و رفع صوت الاغاني ذات ضجيج عالي عله يكتم مسامعها و لكن لم يكتم دموعًا سالت من مقلتيها التي تنضحان براءة، أما في غرفة اخري تتحرك "لورا" في حركة رتيبة للأمام و الخلف و قد شق نهري دموعها طريقه في وجهها وهي جالسة أمام مكتبها تذاكر و تردد بنبرة ضعيفة مهتزة بصوت مسموع كأنها تردده لنفسها لتقنع عقلها. 


- هذاكر.. هذاكر.. مليش دعوة بيهم.. هذاكر.. مليش دعوة بيهم.. هذاگ..


لم تستطيع إكمال كلمتها فقد غلبها البكاء فكتمت فمها بكفيها و تعالى أنينها و جسدها كله يهتز و به رجفة ولكنها تحافظ علي تلك الحركة الرتيبة للأمام و الخلف كالطفل الصغير الذي يتأرجح حتي يسكن و ينام. 


❈-❈-❈


اعاد "ناير" شعره للخلف بملل و هو يسمع الوصلة اليومية. ولكنه قطع كلام زوجته باستخفاف بمبرر واهي كعادته :


- أنتي مالك بيا و بحياتي.. ما تخليكي في نفسك و في عيالك. 


- و هما دول عيالي لوحدي؟ .. هما مش مسئولين منك؟.. هي التربية تبقي مجرد أكل و شرب وفلوس و بس؟ أنت ابوهم من حساب في البنك.. فين دورك في حياتهم يا معلم الأجيال يا تربوي؟


تأفأف بملل ثم قال باستخفاف :


- علي فكرة انتي بقيتي رغاية اوي. 


فضحكت بتهكم و تخصرت بيدها اليمني و اليسري استقرت علي جبهتها تكتم ذلك الصداع الذي يشق رأسها و قالت كأنها تحدث نفسها :


-أنت خلاص مبقاش عندك دم.. مبقاش في حاجة نافعة معاك. 


كان سيرحل و يترك لها الشقة بكاملها و لكن بمجرد سماعه كلامها قرر إيقافها عند حدها فغير مسموح بالتمادي في قاموسه الذكوري الشرقي مهم كانت الأسباب فاقترب منها و صفعها صفعة تسببت في فتح جرح في شفتها السفلية فنظرت له بتعجب و تجمُد و لم تتحرك فقط سالت دموعها قهرًا و لقد كانت مرته الأولى أن يضربها منذ ثمانية عشر عامًا في زواجٍ أصبح بائسًا و نقمةً عليها و علي أولادها.. خرج من المنزل صافعًا الباب خلفه فسقطت "دلال" علي الأريكة التي خلفها واضعة يدها علي خدها الذي صُفع فخرجت ابنتيها من غرفتيهما يسرعون إليها فاحتضنت كلتاهما و جلس ثلاثتهم يبكون. 


❈-❈-❈


في منتصف الليل بأحد المقاهي بوسط المدينة جلس "ناير" يشرب قهوته شاردًا في صاحبة الغيوم الداكنة. يكاد يعد الساعات المتبقية حتي يراها. يلعن بداخله "دلال" و العالم و العادات والتقاليد التي لا تتركه و شأنه و تصر علي وضعه في خانة محددة و هي خانة العجائز.. لماذا غير مسموح بالتمتع بشباب الدنيا ما دامت أنفاسي مازالت تسكن رئتي؟ لماذا يجب علي من وصل لسن الأربعين عليه أن يكون هاديء رزين خالي من المرح و جَاد التصرفات و ليس من حقه الاستمتاع و كأن صاحب الأربعون عامًا له قدم فالدنيا و أخري بقبرٍ فقد أصبح أجله قريب و يجب أن يستعد بقتل كل ذرة سعادة في حياته حتي يعجب البشر و يلقي احترامهم!.. رن هاتفه برسالة من دلال ففتحها و وجد محتواها كلمة واحدة :


- طلقني 


زفر بسُأم و فرك وجهه بكفيه ثم نادي علي أحد العاملين بالمقهى ليدفع الحساب و يرحل. 


❈-❈-❈


جلست ندي أمام مكتبها تأكل الشطائر الذي اعدتها لها أمها و هي تذاكر درسها في اللغة الفرنسية الذي أخذته اليوم ثم لمع طيف معلمها الجديد "ناير" أمام وجهها فابتسمت.. تظن أنه لطيف قليلا و ليس بالصورة الذي أخذوها عنه بسبب ملابسه و أسلوبه.. قطع أفكارها طرق السيد "عزمي" علي الباب و دخوله بعد أن اذنت له فقبل رأسها و جلس علي كرسي اخر أمام المطتب يسألها عن أحوالها و عن الدراسة بوجهه البشوش كالعادة ثم سألها سؤال جعلها تخجل قليلًا و تضحك ضحكة قصيرة :


- ها مفيش حاجة كدة ولا كدة عايزة تقوليها لأونكل. 


فضحكت و تصنعت عدم مغزي سؤال فقالت و هي تكتم ضحكتها :


- حاجة زي ايه؟ 


فضحك و غمز لها مجيبًا بمرح :


- يعني غراميات.. الشباب الحلوين اللي معاكي فالمدرسة.. عايزانا نقعدك من الدراسة و نجوزك. 


فجلجلت ضحكاتها و هو ايضًا شاركها ،فقالت بعد أن هدأت ضحكاتها قليلا :


- لا ميأستش للدرجة دي من الدراسة. 


فسأل بحنان أبوي رغم عدم وجود أبناء له فالسيد "عزمي" مُصاب بالعُقم و لم يمن الله عليه بنعمة الأطفال و لكن أعطاه "ندي" فقرر أن تكون ابنته منذ اللحظة الأولي التي رأها فيها فتقرب منها يصادقها و يشاركها كل شيء و هي تحبه كأبيها أيضا :


- طب و إجابة سؤالي؟ 


فزفرت "ندي" ببسمة و نفت برأسها و هي تقول :


- إجابة سؤال حضرتك لا مفيش حاجة. 


ضيق عينيه بابتسامة و سأل مجددًا :


- بجد ؟


- اه والله هو انا بخبي علي حضرتك حاجة أصلا. 


- لا مش بتخبي.. طيب و لما يبقي فيه؟ 


- متقلقش يا بابي هاجي أقولك علي طول والله. 


-ماشي يا قلب بابي وانا واثق فيكي.. تصبحي على خير.. و متسهريش كتير. 


فقام من مكانه و قبل رأسها مجددا و ذهب فابتسمت و هي تضع طرف قلمها في فمها و قد لمحت الطيف مجددًا. 


❈-❈-❈


دخل "ناير" من باب المنزل فوجده يعم بالصمت و الظلام فإتجه لغرفة نومه هو و زوجته و فتح الباب فوجد المصباح الصغير بجوار السرير مُضيء و "دلال" تتكوم في وضع الجنين فدخل المرحاض يأخذ حمامه و يبدل ملابسه ثم خرج و جلس علي السرير خلفها.. يعلم انها مستيقظة فهي لا تنام قبل وصوله يوميًا.. اقترب منها يحاوط خصرها و يدفن وجهه في عنقها يطبع عليه قُبلات ناعمة خفيفة فحاولت ابعاده بكتفها ولكن فشلت. و ازدادت حركات يده علي تفاصيلها و حدة تلثيماته قليلًا.. رفع فمه لحلمة اذنها يلتقمها باسنانه ثم تركها و همس لها بصوت خافت مثير بين تلثيماته لجيدها :


- اسف.. حقك عليا.. مش هعمل كدة تاني.. هعملك كل اللي انتي عايزاه بس متسبينيش.. مقدرش اعيش من غيرك. 


اغلقت "دلال" عينيها بتأثر من عبثه بها و فهو لم يقربها منذ مدة طويلة تكاد تصل لأربعة أشهر بسبب خلافاتهم و بطبع كانت تخجل من طلب أمرًا كهذا منه ففي مفهومها و الوسط الذي تربت فيه - بالرغم من عملها كمعلمة في السابق - هذه قلة حياء حتي لو كان هذا زوجها و والد أطفالها و بينهم عِشرة تصل لثمانية عشر عامًا! 


بعد بعض الوقت ابتعد "ناير" عن "دلال" يلهث و نام علي ظهره حتي هدأت أنفاسه ثم سحب غطاء خفيف يغطي به كليهما و نظر لها ثم شدها لتنام علي صدره فأطاعته فظل يداعب خصلات شعرها الطويل بأصابعه.. بعد دقائق ابتلعت ريقها و هي تكتم الكلام في نفسها، لا تريد أن تفسد هذه اللحظة بينهما و لكن هي تريد أن تستفسر عن السبب فقط فبعد دقيقتين من التفكير رفعت رأسها تنظر له فمرر أنامله علي وجهها ثم سحب ذقنها يقبلها ببطيء قُبلة سرقت أنفاسها و عندما حاوط وجهها بيديه يريد التعمق ابتعدت هي عنه فنظر لها بتسأول فرطبت شفتيها و هنا عرف أنها ستفسد لحظتهم كما تتفنن في العادة و لكنه لم يقاطعها فهكذا تسير خطته في طريقها الصحيح.. نظرت له باستعطاف و همست :


- ليه منفضلش كدة علي طول؟.. بتبعد عني ليه؟.. ايه اللي اتغير و خلاك كدة؟


فتصنع الملل و زفر بضيق ثم ابعدها عن برفق و قال و هو يعطيها ظهره :


- تصبحي علي خير. 


فنزلت دموعها بندم ليس لانها تكلمت و لكن لأنها سمحت له بلمسها.. تشعر بالاشمئزاز من نفسها لأنها استسلمت له.. قامت تسرع للمرحاض تغتسل من أثره علي جسدها.. تكاد تجرح نفسها من شدة فركها لجسدها.. هو لن يتغير لقد فقدت الأمل به و فوضت أمرها فيه لله ..إذن العيب ليس بها العيب فيه هو. فهو مازال يرغبها و لم يشعر اتجاهها بالبرود مثلا، إذن هو الخطأ ليس هي. تبًا له و للعنته لن تهتم بعد الآن فليفعل ما يشاء، و يا ليتها تستطيع إحصاء كم مرة كررت تلك الجملة في السابق. 


❈-❈-❈


- "صباحٌ رائقٌ كعيني حبيبي.. و شمسٌ لامعةٌ كنار غيرتي عندما تلمع ابتسامته لغيري.. و حلوي القطن البيضاء التي تزين سمائي تخبرني أن هذا اليوم سيصبح من أحلي أيامي.. صباح الخير اصدقائي". 


شاركت تولين منشور في احد برامج التواصل الاجتماعي مع متابعيها كعادتها كل يوم ثم تناولت فطورها و ارتدت ملابسها تستعد للذهاب لمدرستها و الغريب عدم اتصال امها بها اليوم و ولكن أبيها هي معتادة علي عدم اتصاله بها إلا عندما يحتاجها في شيء ما و بما انه لا يحتاجها في شيء فلا يتصل بها مطلقًا. 


❈-❈-❈


خرجت زينب من منزلها بدون فطور اليوم تريد أن تترك المنزل بأي ثمن.. تشعر بتقلصات شديدة في معدتها و باشمئزاز لا يفارقها كلما تذكرت أخيها و تلمسه لها و هي متأكدة مليون بل مليار في المئة أن والداها لن يصدقاها.. ثم خطر علي بالها ما حدث أمس في العشاء عندما سألت والدها و والدتها أن تذهب لعيد ميلاد أحد أقرانها يوم إجازتها :


- لا طبعا و أنتي من امتي بتروحي أعياد ميلاد ولا بتروحي عند حد من زمايلك أساسا. 


فأضاف والدها و هو يحك ذقنه الطويلة :


- أعياد الميلاد بدعة أصلا. 


فانتهز "حمزة" الفرصة و قال يحاول استعطاف والده :


- بس يا بابا زينب مش بتخرج خالص.. وافق حضرتك و انا هوديها بنفسي و هستناها. 


وضعت أم "زينب" المزيد من الطعام في طبق "حمزة" و ربتت علي ظهره بحنو لا يظهر إلا له.. فقال والده مفكرًا :


- بس أنت يا حمزة مشغول و وراك مذاكرة و عملي يا ابني. 


فوافقته الرأي أم "زينب" قائلة و هي تضرب علي صدرها فترن أساورها الذهبية المبالغ في عددها :


- هتتعب يانور عيني.. و هتقف تستناها فالشارع بليل! لا يا أخويا ولاد الحرام كتير.. يعلموف فيك حاجة كدة ولا كدة و تروح مني.. والله ده انا اروح فيها. 


فسحب "حمزة" كفها يقبله و قال بسرعة :


- بعيد الشر عنك يا أم حمزة.. ربنا يديكي الصحة والعافية ياحبيبتي.. وافق يا بابا عشان خاطري. 


فتنهد والدها و قال :


- خلاص ياسيدي ماشي بس متتأخروش و عموما طالما أنت معاها أنا مطمن. 


تذكرت أنها في تلك اللحظة و عند هذه الجملة من أبيها كادت أن تبكي و تقول له أنتم مغيبون. 


في مشيتها مع غمامتها التي تلازم عينيها كل صباح اصطدمت ب"ندي" بدون قصد فتأسفت بسرعة و سالت دموعها التي كانت معلقة بأهدابها فلاحظت "ندي" بكائها و حاولت أن تستفسر عن سببه لكن "زينب" لم تجيبها و ذهبت بسرعة لركنها المفضل في زاوية خلف المبني المدرسي تبكي و هي تكتم فمها بكفيها فصوتها إذا خرج سيسمعه العالم من شدة ألمه و قهرهه و كسرته.. تطلب الحل من الله فهي قليلة الحيلة و ليس لها غيره. 


❈-❈-❈


- ايوه يا Babe.. وحشتني جدا يا نيرو والله.. طبعا يا حبيبتي و انا ليا غيرك.. اكيد هقابلك قريب.. طب حددي المكان و عرفيني.. مش مشغول اوي يعني، كدة كدة مفيش حاجة تشغلني عنك ياحبيبي.. اه الشغل تمام.


كان "علي" يتحدث في الهاتف مع أحد الفتيات الذي يعرفهم ثم جاءه اتصال مفاجيء من "لوچين" فحاول الإغلاق مع "نيرة" بسرعة :


- طب بص يا حبيبي هقفل معاك دلوقتي عشان جالي اتصال مهم.. هكلمك بليل.. باي ياروحي. 


اتصل ب"لوچين" بسرعة و قال يلحقها قبل أن تسأله :


- حبيبي اللي أهم من تليفونات الشغل كلها. 


فتراجعت في سؤالها الذي قد وصلتها إجابته.. كم يفهمها و يحبها ذلك الشاب و كم تهيم هي أيضًا به.. لو يعلم أن كل ما تبذله من جهد في هذا العام لأن نهايتها ستكون معه في بيتٍ واحد و ستخرج من بيتها هذا اخيرًا.. قالت و قد سالت بعض دمعاتها و تحشرج صوتها قليلا :


- وحشتني اوي.. انا عايزة اسيب البيت ده تعبت منهم. 


قطب حاجبيه بقلق من صوتها فاستوقفها :


- استني بس كدة.. انتي بتعيطي؟.. مالك ايه اللي حصل؟ 


زاد تدفق دمعاتها من عينيها و قالت بنبرة حزينة متحشرجة و هي تلوح بيدها في هواء و هي تتحرك في دائرة حول نفسها في احد طرقات المدرسة الفارغة في هذا الوقت من الصباح :


اتخانقو تاني امبارح و ضربها بالقلم و خرج و النهاردة الصبح مشوفتوش معرفش بات برا بقي ولا ايه. 


- طيب اهدي متعيطيش.. محصلش حاجة هيتصالحو متقلقيش ياروحي.. كل البيوت فيها مشاكل عادي. 


علي صوت بكائها فقال بمرح ليخرحها من تلك الحالة :


- مهو احنا كمان ياستي لما هنتجوز هنتخانق و هنضرب في بعض بالمخدات كمان. 


فضحكت وسط بكائها و قالت بنبرة طفولية و هي تمط شفتيها :


- لا مش هنتخانق خالص عشان انا بحبك وانت بتحبني. 


- و مين قالك اننا مش هنختلف في حاجة فهنتخانق عليها يعني انتي مثلا هتكوني عايزة تدخلي ولادنا مدرسة معينة و انا عايز مدرسة تانية او انا عايزك تطبخي اكلة معينة و انتي عايزة حاجة تانيه.. احنا بنحب بعض بس مش شبه بعض في كل حاجة و هيجي يوم و نختلف و نتناقش و هي دي النقطة اللي نقف عندها.. إن النقاش هيكون عامل ازاي.. هيكون نقاش حضاري بين اتنين متفاهمين وو ناضجين عندهم استعداد يضحوا عشان بعض ولا كل واحد هيتمسك برأيه و نضرب بعض بالمخدات زي ما قولتلك.. فهمتي يا قلبي؟


فأومأت و هي تمسح دموعها فقال بمرح :


- وأنتي لما تشاوريلي براسك انا المفروض اشوفك ازاي؟ 


فتوسعت عينيها في صدمة ثم نظرت في الهاتف و قالت بنبرة تمثيلية :


- أنت بتراقبني؟ 


فقال بنبرة عملية :


- ايوه يا فندم براقب حضرتك و هجيبك.


فقالت هي بسرعة بعد سماعها لجرس بدأ الطابور الصباحي المدرسي :


- طيب يا باشا انا رايحه عشان الطابور بدأ و هما كدة اللي هيجيبوني من قفايا. 


❈-❈-❈


في الطابور الصباحي وقف الطلاب مصطفين في ساحة المدرسة الواسعة و بعد بدأ تمارين الصباح دخل "ناير" من باب المدرسة متأخرًا فلمحه بناته ثم نظرت كلًا منهما للاخري بتسأول هل كان يبيت في الخارج و لكن قرأ كلا منهما افكار الاخر عندما لاحظوا تبديله لملابسه. ربما جاء بوقت متأخر! 


عندما بدأت الحصة الثالثة كان "ناير" يدخل فصل "ندي" ببسمة بشوشة يحيي التلاميذ الذين وقفوا احتراما، و خص "ندي" بتلويحه لها بيده فأومأت له ببسمة جميلة، ثم طلب منهم أن يجلسوا و بدأ بشرح الدرس.


بعد انتهائه من شرح الدرس الذي كان يتوسطه الكثير من الأسئلة التي يسمح ل"ندي" بحلها، و قبل نهاية الحصة بعشر دقائق نادي عليها فقامت له تحت نظرات الطلاب المستغربة لماذا يخصها بهذه الأفعال و لكن ندي لم تلاحظ أيًا من ذلك فبالطبع سيتذكر أنها من حدثته أمس.. ذهبت إليه و قالت ببسمة مستغربة :


- حضرتك لسه فاكر اسمي. 


فضحك و قال بصوت و بسمة جذابتين :


- هو اللي يعرف ندي يقدر ينساها برضو؟ 


فضحكت بخجل و اخفضت نظرها فقال لها :


- دماغك عجباني اوي علي فكرة.. بس عندك مشكلة صغيرة فتطبيق ال Grammaire. 


- فعلا لأني بتلغبط فيهم و بعد ما بحفظهم بيدخلوا كلهم في بعض. 


- طب دي مشكلة بسيطة خالص.. و عشان أنتي طالبة مميزة يا ستي ممكن أقابلك يوم الاجازة و نحلها و بدون مقابل خالص. 


فعضت علي شفتها السفلية بحيرة ثم قالت بتوتر ظهر عليها :


- طيب انا هستأذن بابي و مامي و هرد علي حضرتك. 


فاقتبس من حديثها و قال بنبرة مرحة :


- و انا هستني رد حضرتك.. بس هاتي رقم موبايلك. 


ابتلعت ريقها و قالت بتوتر :


- حا.. حاضر ثانية واحدة. 


و ذهبت لمقعدها و اخذت كشكولها تدون علي احد اوراقه الرقم ثم قطعت الجزء المكتوب عليه الرقم و أعطته له فرفع لها هاتفه لتري انها كان يمكنها تسجيله علي هاتفه مباشرةً لكنه ضحك و لم يعلق و ذهب. 


❈-❈-❈


في الاستراحة جلست تولين تأكل شطائر صنعتها بنفسها و تراجع بعض القواعد النحوية و تحل تطبيقات عنهم.. كم تعشق اللغة العربية و قواعدها أكثر من أي لغة اخري فتلك الحروف هي الوحيدة التي تساعدها في التعبير عن شعورها كما لا تستطيع أي لغة اخري.. قطع خلوتها السيد المزعج الذي وقف أمامها يضع يديه في جيبي بنطاله بعنجهية فتأفأفت بدون أن يلاحظ ثم رفعت رأسها من كتابها تنظر له ببسمة صفراء سخيفة و هي تقول :


- نعم؟ 


فأزاح حاجيتها قليلا و جلس بجانبها يضع قدًما علي الاخري و قال ببسمة جانبية و هو يريح وجهه علي يده المستندة علي ركبته :


- مفيش.. جاي اسلم علي صاحبتي الخاينة اللي مش بتسأل عني و خدت رقمي و مكلمتنيش. 


قامت من مجلسها تلملم اشيائها و قالت و هي تجمعهم :


- حضرتك قصدك اديتها رقمي مش خدته. 


مط شفتيها و قال باسترخاء :


- مش فارقة كتير. 


توقفت عن جمع اشيائها و هي منحنيه تعدل من خصلات شعرها بحركه اشعلت كل ذرة بجسده و قالت و هي تعكص شعرها في عقدة مهملة 


- لا تفرق.. زائد اني قولت لحضرتك إن عرضك مرفوض.  


- انا مش شايف سبب لرفضك خصوصا انك علي طول لوحدك هشغل وحدتك يعني. 


- انا مش قاعدة لوحدي عشان معنديش صحاب.. انا قاعدة لوحدي عشان انا عايزة كدة. 


- طب ما تجربي هتخسري ايه ؟


لقد ملت من هذا السيد المزعج كثيرًا و لقد فاق الأمر حده و يجب أن تنتهي منه بسرعة فالعام الدراسي مازال أمامه اكثر من ثلاثة أشهر لذلك ستمارس بعض الحيل علها تنفع :


- أوك.. موافقة. 


كاد أن يقول شيئا لكنها اوقفته بإشارة من يدها :


- بس بشرط.. في حالة إن التجربة معجبتنيش هتبعد عني نهائي و مش هيبقي فيه كلام بينا برا إطار الدراسة خالص. 


فمد يده لها بالسلام و أومأ بنظرة متحدية :


- موافق. 


سلمت عليه فقال و هو يرفع حاجباه بعد أن تركت يده :


- طيب هتديني رقم موبايلك عشان أكلمك لان مفيش وقت اكلمك في المدرسة. 


فنظرت له نظرة حيرة فهمها فقال :


- لو لغيتي الاتفاق ابقي اعمليلي Block سهلة. 


فحمحمت و قالت :


- تمام.. هات موبيل حضرتك. 


اخرج هاتفه من جيبه و اعطاه لها و هو يقول 


- بصي ما بلاش الحدود اللي ملهاش لازمه دي. 


فامسكت الهاتف تسجل رقمها و قالت و هي منشغلة في كتابة الرقم :


- لا اسفة مش هشيل الحدود و ياريت محدش فينا يتعداها لأن هعتبر الاتفاق ملغي. 


فضحك و قال بمرح :


- المفروض انتي اللي تشتغلي مدرسة علي فكرة مش انا.. انتي صارمة اوي يابنتي ايه ده.. كلامك مش لايق علي شكلك ولا علي جمالك خالص. 


فابتسمت بثقة و قالت و هي ترفع حقيبتها علي كتفها كعادتها و تفك عقدة شعرها فتنسدل شلالات العسل الاسود علي ظهرها بشكلٍ مغري :


- هبقي افكر فالموضوع ده.. الحصة قربت تبدأ.. سلام. 


و تركته يشتعل و رحلت 


❈-❈-❈


بعد رجوع ندي من مدرستها جلست كعادتها تقص تفاصيل يومها علي والدتها و والدها الثاني السيد "عزمي" و أخبرتهم بشأن ما قاله لها معلم اللغة الفرنسية البديل فنظر كلا من والدها و والدتها لبعضهما ثم قال سيد "عزمي" بابتسامة حتي لا يشعر فتاته بالقلق :


- طيب يا حبيبتي احنا هنقرر انا و مامي و نرد عليكي بعد شوية تمام. 


فأومأت لهم بابتسامة مرتعشة قلقة لا تعرف لماذا تشعر بالخوف إذا لم يوافقوا. هي لا تفهم مشاعرها ككل هذه الأيام و هذا يشعرها بالحيرة و القلق حيال كل شيء هذه الفترة و التردد يلازمها في جميع اختياراتها. تشعر أنها مذبذبة ليست علي أرض ثابتة و هذا شعور متعب و مربك يصيبها برغبة في البكاء. 


بعد قليل قال السيد "عزمي" رغم تخوفه من ذلك المعلم أنه موافق أن يأتي البيت ليعطيها درس خصوصي بما أنها ضعيفة في جزئية ما لا تستطيع تحصيلها في المدرسة او وحدها و سيكون كل شيء تحت انظاره.. طلب منها أن يعطيها رقم هذا المعلم و سيكلمه هو بنفسه. 


❈-❈-❈


طرق علي باب غرفة "زينب" جعلها تمسح دموعها و تعدل من هيئتها و هي تستعد للنزول مع أخيها لتذهب لشراء هدية عيد ميلاد احدي صديقاتها و الذهاب لبيتها لإعطائها لها.


- يلا يا زينب.. حمزة لبس و جاهز خلاص. 


حاولت أن تنقي صوتها و لكنه خرج بحشرجة ضعيفة :


- حاضر يا ماما. 


هي ليست من الذين يتزورون اصدقائهم في بيوتهم و لكنها تريد قضاء معظم الوقت خارج المنزل لا أكثر و لكن من تخافه جاء خلفها و سينفرد بها ولا تعلم ما العمل.. لا تتمني غير أن يقبض الله روح أحدهما في تلك اللحظة لتتخلص ما ورطت نفسها به دون قصد.. وضعت كفها علي فمها تكممه من أنين يريد أن يخرج للعالم معترضًا علي حالها و سكوتها يريدها أن تأتي بحقها و لا تكتم حقها ولكن ليس بيدها حيلة.. سالت دموعها مجددًا بدون تحكم منها و تكاد تجف عينيها من بكائها الذي أصبح لا يتوقف.. قامت من علي سريرها و كادت أن تنكفيء علي وجهها بسبب شعورها بالدوار فجلست علي السرير مجددا تضع يدها علي جبهتها و بعد دقيقتين تقريبا فتح "حمزة" الباب عليها دون إستاذان فشهقت بينما رأته والدته من المطبخ فهتفت عليه  :


- ابقي خبط عليها الأول يا حمزة.. أنتو ما شاء الله كبرتو يا حبيبي. 


فذهب إليها يستخدم حيلته معها و قال و هو يقبل رأسها :


- ما انا عارف انها لابسه يا ماما ففتحت عادي.. بس حاضر مش هعمل كدة تاني. 


فربتت أمه علي كتفه و قالت بنبرة حانية :


- تسلم من كل شر ياحبيب امك. 


ذهب للغرفة مرة اخري فوجدها كما هي جالسة علي السرير شاردة في نقطة ما فاقترب منها فكادت ان تصرخ عندما رأته لكنه كمم فمها بسرعة و قال :


- ششش.. انتي بقيتي بتتخضي كتير اوي كدة ليه.. بصي هاتي معاكي شنطة ضهر كبيرة ماشي؟ 


فلم تتحرك و مقلتيها تكاد تغادر عينيها من المفاجأة المختلطة بالذعر.. و عندما لم يجد استجابه منها زادت حدة يده علي وجهها و قال بنبرة تحذيرية :


- ها.. ماشي؟


فأومأت له بسرعة فعض علي شفته السفلي و ابتسم بخبث ثم تركها ببطيء و رحل من الغرفة فاسرعت "زينب" بتكميم فمها مجددا علي صوت آناتها و لم تستطيع التحكم في دموعها التي سالت و لكن في النهاية حاولت التماسك لتؤدي ما أمرها به حتي لو لا تعرف مبرره فقط سترضيه عله يتركها في حالها. 


بعد قليل خرجت "زينب" من غرفتها و هي تحمل حقيبة علي ظهرها و وجدته جالس علي الاريكة وحده.. عندما رأها استقام من مكانه و نظر باتجاه جزء المطبخ الذي يطل علي صالة المنزل فلم يري أمه فاقترب من "زينب" و اخذ الحقيبة منها و دخل بها عرفته ثم خرج بعد قليل فمدت يدها بارتعاش لتأخذ منه الحقيبة لكنه قال لها :


- هشيلها أنا. 


تكاد تقسم أن دقات قلبها مسموعة لمن هم سائرين بجوارها في متجر مستلزمات الفتيات هذا.. لا تستطيع التحكم في أنفاسها المضطربة و تشعر بالدوار الشديد و غيمة عينيها لا تتركها في حالها.. قال "حمزة" بعد أن شعر بعدم اتزانها و هو يسحبها بشدة من يدها :


- هنجيبلها ساعة غالية و خلاص اهو حاجة صغيرة و قيمة.. هقول للبنت اللي واقفة تختارلنا أي حاجة طالما انتي مش قادرة تصلبي طولك كدة.. و اقترب من فتاة تعمل بالمتجر و طلب منها أن تساعده في انتقاء هدية لصديقته.. و بعد ربع ساعة كانوا يسيروا خارج المتجر في طريقهم لمرأب السيارات ليستقلوا سيارة والدهما. 


في الطريق لم تشعر "زينب بنفسها و هي شاردة في أي طريق هم ذاهبون فهي أصبحت بين فكي الأسد علي كل حال فليحدث ما يحدث.. و بالرغم من هذا الحديث اللا مبالي إلا أنه عندما يتحول لواقع يصدم و بشدة.


بعد قليل صف "حمزة" السيارة في شارع مظلم فارغ من المارة و البيوت به تبدو هالكة و كأن مر عليها ألاف السنين و الشارع ضيق لدرجة تجعلك تتسأل كيف مر بالسيارة؟! كما أن هناك رائحه غريبة للمكان.. رائحة الفقر تملأ المكان. و لكن أهم مميزاته هو الهدوء فإذا صرخ أحدهم لساعات متواصلة ليستنجد بأحد لن يسمعه حتي الأشباح. 


وضع يده علي كتف تلك الشاردة فصرخت و قبل أن تخرج صرختها كممت فمها بيدها تتنفس بسرعة في خوف و انكماش و لكنه رفع يديه في استسلام لكي تهدأ و بعد دقيقة قال و هو يفتح حزامه :


- وصلنا انزلي. 


فنظرت حولها بخوف و قالت بحشرجة و بتقطع :


- ب.. بس البيت مش هنا. 


فابتسم لها بملامح تنضح بالشر و قال و هو يشير علي مبني خلفها :


- لا هو المكان.. يلا اطلعي. 


صعدت و صعد هو خلفها هذا المبني المتأكل و سلمه البالي و عند صعودها رأت في نافذة بجوارها فأر ضخم فصرخت فأمسك بها أخيها لأنها كادت أن تسقط و تسقطه معاها أيضا، ثم دفعها للأمام و تابعوا الصعود حتي وصلوا للطابق الاخير و كان عبارة عن سطوح واسع به غرفة خشبية صغيرة قديمة للغاية.. وقفت أمامها متسمرة لا تعلم ماذا تفعل و لماذا أتي بها إلي هنا و لكنه استمر في دفعها حتي وصلوا للغرفة التي فتحها بمفتاح أخرجه من جيبه ثم دفع الباب الذي اصدر صوتًا مزعجًا للغاية و دفعها للداخل فرأت الغرفة الفارغة إلا من سرير واسع متهالك و طاولة و كرسيان باليان ايضًا.. ظلت هي علي وقفتها كأنها انسان آلي ينتظر الإشارة لتحريكه و اغلق هو الباب ثم وقف خلفها و احتضن جذعها و دفن وجهه برقبتها فسالت دموعها بدون أن تصدر صوتًا و قد خمنت الآتي.. سحب عبقها المسكر مع أنفاسه ثم همس بجوار أذنها :


- اقلعي هدومك كلها يلا. 


يتبع...