الفصل العاشر _ حب علي حافة المرض
الفصل العاشر "علم علم!"
جلست بإضطراب في هذا المطعم المفتوح.. المكشوف كذلك للهواء الطلق.. علي طاولة تجابه البحر بموازة السياج الزجاجى الذي يسمح لها بالشعور وكأنها قطعة من البحر.. لو كان تواجدها بهذا المكان لسبب ما غير السبب الحقيقي لكانت عشقته وصنعت بهِ الذكريات السعيدة.. ولكنها هنا اليوم لتقابل المحامى الذي سيأخذ توقيعها علي تنازلها بأي حق من حقوقها في زواجها من كرم كما اتفقت والدته معها علي الهاتف.. بداخلها قلق كبير، تردد، عبوس وخوف ولكن ستفعل طالما ستثبت لوالدته أنها تستحق كرم بالفعل وأنها تحبه هو لا ماله كما تزعم!.
وصل المحامي وقد عرفها بسرعة دون مشقة وبدا عليهِ هذا وهو يقترب منها قائلاً بعملية وهو يأخذ مكانه للجلوس: رنيم هانم مش كدى.
أومأت له بحيرة وهي تسأله: حضرتك المحامى؟ عرفتني ازاي؟!.
أيد حديثها وأخبرها: زهرة هانم ورتنى صورة حضرتك عشان أعرف هقابل مين بالظبط.
ثم أكمل حديثه متجاهلاً تلكَ التى ارتعشت من داخلها مجدداً،، كيف لتلكَ المرأة أن تحمل صورها!، كيف؟ وكيف تتسائل هى وقد استيقظت بليلة ما لتجد نفسها مختطفة من فراشها؟!.
- الأوراق، اتفضلي اقرأيها كويس قبل ما تمضي.
هكذا أخبرها بعد أن وضع حقيبته العملية هلى الطاولة بينهم وفتحها مستخرجاً منها الأوراق، ولكن ما استرعي انتباهها الأموال الطائلة التى تعم الحقيبة.. لتشهق بخوف تلقائي: ايه الفلوس ديه!.
أخبرها بعمليتهِ واحترامه الغير مشكوك بهِ: ديه فلوس شغل، ما أنا عندى مواعيد شغل تانية بعد ميعاد حضرتك.
تنفست وهى تغلق الحقيقة بعفوية قائلة: أيوة بس يعنى احنا في مكان عام وممكن حد يشوفك بالفلوس ديه ويترصدلك أو تتسرق مينفعش تبينها كدى للعلن.
ابتسم لها دون مجاملة ثم انتظرها حتى قرأت العقود التى لم تكن بالكثيرة لقرائتها.. فقط ستتنازل عن أى قرش قد تستحقه في هذه الزيجة وسينتهى الأمر.. خطت توقعيها وبقلب يرتجف سلمته الأوراق ليأخذها منها واقفاً باحترام: هوصل الأوراق ديه لزهرة هانم، وتقدري تتأكدى بنفسك منها انها وصلتلها.
ثم رحل دون تفوه حرف واحد منها وظلت هى علي حالها تبلل ريقها بين الحين والأخر برشفة من كوب العصير خاصتها، ومازالت تخشي المصير المجهول ولكن ترجو الراحة فيه.
■■■
فاقت من غفوتها أعلي سريرها علي رنين هاتفها، كانت لتتذمر لأنها لم تحصل علي النوم بعد بسبب تفكيرها المستمر فيما فعلته _وفي تلكَ الخطوة التي أقدمت عليها دون علمه_ هل هي تتصرف بطريقة صحيحة.. تنهدت بألم وهي تتذكر ذاتها التى كانت تقول أنه لن يوجد أسرار أبداً بينها وبين شريك حياتها.. ابتسمت بسخرية وهي تفكر أنها ستبنى أول خطواتها معه علي سر يخفي عنه!!.
أطالت التفكير وهى تنظر لشاشة هاتفها الذي يضئ باسمه حتي استوعب أنها ليست أول مرة فأجابته بصوت بعيد أثر نومها: السلام عليكم.. أيوة يا كرم.
أجابها مقلداً: وعليكم السلام.. أيوة يا رنيم هانم!.
تنبهت حواسها لهذه الجملة التى سمعتها اليوم من المحامي _رنيم هانم_ لتجلس قائلة بترقب: خير يا كرم فيه حاجة!.
قال ممازحاً مدعيا الصدمة: ايه يا بنتى أنتِ في مهمة رسمية.. فين أيوة يا حبيبي.. وحشتني.
استوعبت أنه يمزح لتبتسم: أنتَ بس صحتني من النوم فأنا مش مركزة شوية.
ضحك ليسألها بعبث: يعني لو مركزة هسمع حبيبي ووحشتني وأكتر من كدى كمان!..
كان واثقاً أنها ستزجره بالفعل قائلة: كرم!!!.
لذا تردد صوته مع صوتها قبل أن يضحك هو بشدة وتحمر هي خجلاً قائلة بطفولة: ربنا يسامحك.. بتتريق عليا!.
تمالك ضحكاته وأخبرها بحلاوة: مقدرش يا رنيمي أتريق عليكي أنا بس بقيت حاسس أنى أعرفك أكتر من نفسك!.
هي نفسها لم تعد تعرف نفسها في الأونة الأخيرة فكيف هو يعرف؟.
هل يجب أن تفهم شيئاً من هذا؟.. هل يُلمح لشيئاً؟.. هل يعرف!؟.. لما صارت مرتبكة ومتنبهة لكل كلمة منه هكذا.. هل لأنها يا تري تشعر بنفسها مذنبة تخفي شيئاً عنه ولم تبدأ حياتهما بعد!!!!.
تنهدت بآسي متمنية للحظات أن لو لم تكن والدته علي قيد الحياة قبل أن تستغفر ربها بعجز وهي تسمعه يسألها بعد صمتها الذي ترجمه خجلاً كعادتها: قوليلي عملتي ايه انهاردة.. طبعاً مش مستحملة يوم الأجازة من غيري.
ضحكت مرتبكة وهي تجيبه بدون تفاصيل: أبدا مفيش.. وأنتَ عملت ايه؟.
قال مفجراً ما فعله بمرح: أبداً يا ستي كلمت باباكي وحددت معاه ميعاد عشان اجيب المأذون وأجي.
صرخت بهِ بدهشة وهي تقف علي السرير بركبتها بعد أن كانت مستكينة كقطة بين طياتهِ: ايه عملت ايه بتهزر أكيد بتهزر.
ضحك ليخبرها مراعياً: يعني مش بهزر أوي بس حددت ميعاد عشان أجي ونتفق علي كل حاجة ويكون في علمك هنحدد كتب الكتاب ومش بعيد الفرح كمان ومفيش أعذار زي المرة اللي فاتت.
دقاتها كادت تصل له وهي تخبره بتوتر عفوي: يا كرم قلتلك بس نستني شوية.
تنهد يخبرها بجدية: لو ادتيني سبب مقنع هنستني ساعتها.
ثم قلب الأمر لعبث مجدداً: لكن لو خايفة ومتوترة التوتر الطبيعي ده بتاع البنات فنتجوز بقي ونتعامل معاه بعد الجواز وصدقيني من أول يوم هتنسيه.
تأففت بوجه يشتعل من عبثه الدائم: يوووه بقي يا كرم أنا هقفل.
ثم أغلقت الهاتف بالفعل وهي تلقي نفسها علي الفراش بإهمال ودون وجهة كما تري حال علاقتها معه.. ولكنها كانت مبتسمة بخجل وانتشاء حبها له يسري بعروقها موافقاً ومؤيداً حتي سمعت رنين هاتفها مجدداً ورسالة بعدها لأنها لم تجيبه " افتحي يا رنيم، بدل ما اجيب المأذون وأجي دلوقتي ".
ضحكت وهي تجيب اتصاله مجدداً عالمة أنه قد يفعلها بالفعل قبل أن تغرق معه ببحر من حبه طوال الليل.. متناسية كل شئ دون رغبتها بل بتواجد صوته يتردد بأذنيها فقط!.
■■■
لا تصدق أنه مر بعض الأشهر دون عبئ والدته علي صدرها، انتهي منزلهم الصغير التي رتبت كل قطعة بهِ بيديها بكل حب، ولا تصدق أنها الأن ترتدي فستاناً ذهبياً وتجلس جواره وهو يضع يديهِ بيدين والدها يعلن بفاههِ كيف يقبلها زوجة وكيف سيرعاها داخل عيونه بينما كفهِ الأخر تحاوط كفها الصغير الناعم لأول مرة.. وكم كانت أول مرة تلكَ قمة النشوة والارتفاع لعنان السماء بفخر وشوق ولهفة.
شوق اللحظة الأولي المنتظرة من كل شئ.. لمسة، قرب وهذا الحضن الذي بثَّ في كلاهما مشاعر الأخر بلهيب وهو يكاد يُدخلها بينَ أضلعه بدموع عينيهِ التي تدفقت مع كم المشاعر المشتعلة في صدرهِ.. وحالها لم يكن مختلفاً عنه!.
فعجباً كيف هي اللحظة الأولي التي تحمل نكهة الحلال.. راحة فقط راحة.
#يتبع...