-->

الفصل الخامس والعشرون - ظلمات حصونه



- الفصل الخامس والعشرون -



أجلس "جواد" "ديانة" داخل السيارة وأنحنى لكى يضع لها حزام الأمان ، وسريعا ما نهض وألتف حول السيارة ليقوم بالجلوس بجانبها وأدار المحرك ، أنطلق "جواد" بأقصى سرعة مُتجها نحو المشفى وهو يشعر بالكثير من الخوف والفزع بسبب تلك الدماء المنسدلة من بين ساقيها مُتذكرا ذلك الحادث الأليم الذى أفقده والدته وجنينها والأن يفقد زوجته وطفله ، ظل "جواد" يوزع نظراته تارة على الطريق أمامه وتارة على "ديانة" للأطئنان عليها

 

بينما "ديانة" كانت تشعر بكثير من الألم ببعض الأماكن المتفرقة بجسدها ، تلك الآلام الحادة أسفل ظهرها ، وألم أسفل بطنها ، بالأضافة إلى تلك التى لا تُحتمل بداخل مهبلها مما كان يجعلها تصرخ بكثير من الألم وعدم القدرة على تحمل تلك الأوجاع ، وما زاد من ألمها هو سرعة "جواد" الفائقة لتصرخ "ديانة" مُنبهة إياه :

 

_ آآآه براحة ، هموت

 

أومأء لها "جواد" برأسة بسرعة عدة مرات موافقا على حديثها وهو يخفف من سرعته مُراعيا عدم التسبب لها فى الألم رادفا بفزع :

 

_ حاضر..حاضر ، متخافيش هتبقى كويسه ، أوعدك

 

لم تهتم "ديانة" بما قاله "جواد" بسبب شعورها بتلك الآلام التى لا ترأف بها راغمة إياها على الصراخ من شدة صعوبتها وعدم تحملها ، بينما ظل "جواد" يُتابعها بشفقة على ما تشعر به من ألم ، وأيضا يشعر بالرعب على أن يُصيبها هى والطفل أية مكروه

 

وصل "جواد" إلى المشفى وكانت من أكبر المُستشفيات الخاصة بالأسكندرية ، صف سيارته بمكان مخالف لها ولكنه لم يهتم ، ليترجل "جواد" من سيارته وسريعا ما قام بالدوران حولها ليصبح ناحية "ديانة"، وسريعا ما قام بفتح الباب لها وخلع الحزام وساعدها فى الخروج من السيارة وما إن لامست "ديانة" الأرض حتى شعرت بالدوران وعدم القدرة على الوقوف وسريعا ما سقطت بداخل صدر "جواد" الذى شعر بالهلع والذعر ، وسريعا ما أنحنى مُحاصرا خصرها بيده واليد الأخر ألتفت وراء ساقيها ليقوم بحملها والدلوف بها إلى داخل المشفى

 

أسرع "جواد" فى الدخول إلى المشفى وهو يصيح بكثير من الهلع والذعر على تلك التى تنزف الدماء بين يديه وهى مُغيبة عن الوعى ، صرخ "جواد" بكثير من الرعب رادفا بفزع :

 

_ دكتور ، عايز دكتور بسرعه

 

أسرع الكثير من الممرضين والأطباء بالألتفاف حول "جواد" لأستقبال الحالة منه ، أحضر أحد المرضين السرير المُتحرك (التروللى الطبى) ليقوم "جواد" بوضع "ديانة" عليه ودفعها نحو المصعد لتوصيلها إلى قسم الطوارئ حتى يقوم الأطباء بفحصها ، وصلوا إلى غرفة الكشف لتضع الممرضة يدها أمام "جواد" رادفة بحزم :

 

_ لو سمحت حضرتك أستنى هنا

 

أنزعجت ملامح "جواد" وكاد أن يدفعها ويدخل وراء "ديانة" ليوقفه صوت الطبيب الذى صاح موجها حديثه نحو الممرضة رادفا بأمر :

 

_ روحى أنتى شوفى شغلك

 

أنصرفت الممرضة من أمامها ليحول الطبيب نظره نحو "جواد" الذى كان يبدو عليه الكثير من الهلع والخوف المُمزوج بالغضب ، ليردف الطبيب بهدوء مُستفسرا عن حالة "ديانة" :

 

_ ممكن حضرتك تشرحلى أيه اللى حصل؟!

 

توتر "جواد" من سؤال الطبيب ، هو حقا لا يعرف ماذا يقول كأنه فقد القدرة على التفكير او الكلام ، ولكنه حاول جاهدا التفوه بأى شيء ليصيح بأرتباك وقلق رادفا بتلعثم :

 

_ مش..مش عارف أيه أللى حصل ، فجأة صرخت لما شافت الدم منها وبعدين أغمى عليها

 

أومأ له الطبيب برأسه مُتفهما الأمر ولكنه أراد سؤاله عن شيء رادفا بأستفسار :

 

_ هى فى الشهر الكام

 

أنعقد لسان "جواد" لا يعلم ماذا يقول هو حتى لا يعرف زوجته فى أي شهر من الحمل ، أى نوع من الأزواج هو؟ ، نظر "جواد" ناحية الطبيب بقلة حيلة وهو يهز رأسه بالنفى رادفا بتوهان :

 

_ مش عارف

 

شعر الطبيب بالغرابة من ردود "جواد" ولكنه فسر أنه يمكن أن يكون فى حالة عدم إتزان بسبب تلك الصدمة ليحاول أن يطمئنه رادفا بهدوء :

 

_ خير إن شاء الله ، أنا هدخل أشوف فى أيه وأطمنك

 

دلف الطبيب غرفة "ديانة" ليقوم بفحصها وترك "جواد" خلفه يشعر بكثير من القلق والرعب خاشيا أن يفقدها مثلما فقد والدته بنفس تلك الطريقة عندما توفت بعد خسارة جنينها ليأتى بذاكرته ذلك اليوم اللعين الذى ترتب عليه فارقا كبيرا فى حياته

 

*-*-*

 

خرج الطبيب من الغرفة ليلتف حوله كلا من "هاشم" و"هناء" بصحبة "جواد" الذى لم يتجاوز العاشرة من عمره ، ليصيح "هاشم" مُستفسرا عن حالة زوجته رادفا بشيء من الرعب والفزع

 

_ خير يا دكتور طمننى ، تهانى عامله أيه؟!

 

وضع الطبيب رأسه فى الأرض وهو يشعر بكثير من الأسى على تلك العائلة التى بالطبع أصابتها لعنة ففى البداية خسارة شقيقه ويليها عجز شقيقته ويليهما خسارة جنينه والأن خسارة الزوجة ، ليصيح الطبيب مواسيا "هاشم رادفا بحزن

 

_ أنت أكيد راجل مؤمن وهترضى بقضاء ربنا ، البقاء لله مدام تهانى توفها الله

 

وقعت تلك الكلمات على مسامع "هاشم" كالخنجر الذى رشق فى قلبه وجعله ينزف كل ما بداخله من دماء ، وضع "هاشم" يده على وجهه وسريعا ما سقط أرضا غير قادرا على الوقوف وكانه أُصيب بعجز ما

 

بينما "هناء" أخذت تصرخ وتعول بكل ما بها من قوة وهى تضرب على وجهها وفخذها رادفة بكثير من الصراخ

 

_ اختى لاا ، تهانى ماتت يا هاشم ، آآآآه يا اختى

 

ما إن أستمع هذا الطفل الصغير إلى تلك الكلمات حتى أمتلأت عينيه بالدموع شاعرا بألم وعذاب الفراق نعم هو لم يتخطى العاشرة من عمره ولا يعرف ماذا يعنى الموت ولكنه يعرف أن من يموت يختفى من حياتنا ولن نراه مجددا ولهذا شعر بألم وحسرة ، ليتسلل ويدخل إلى تلك الغرفة الموضوعة بها والدته

 

دلف "جواد" غرفة والدته ليجدها مُستلقية على الفراش وذلك الغطاء أبيض اللون موضوعا عليها مُغطيها بالكامل و يحجب عينيه عن رؤيتها ، تقدم "جواد" عدة خطوات بصوعبة يشعر بثقل كبير فى قدميه ولكنه أصر على التقدم نحوها ، جلس بجانب والدته وأزاح ذلك الغطاء عنها ليجدها نائمة ووجهها صافى جدا كالأطفال وتلك البسمة البسيطة جدا تُزين ثغرها ، ليشعر "جواد" بغصة فى قلبه ووضع يده فوق يدها مُحاولا إفاقتها هامسا ببراءة الأطفال رادفا برجاء

 

_ ماما ، ماما قومى يلا

 

إنسابت الدموع فى أعيُن "جواد" وهو ينحنى ليُقبل وجنتها بحزن وإنكسار مُتمنيا أن تكون لازالت على قيد الحياة رادفا بأنكسار

 

_ هما ليه بيقولوا أنك موتى! ، أنا عارف إنك مش هتسبينى عشان أنا لسه صغير ومحتاجلك ، عارف أنك أكيد زعلانه منى عشان مش بسمع الكلام بس والله ما هكررها تانى

 

أزداد "جواد" فى نحيبه وأخذت شهقاته تعلو بشدة ليُحاول التحدث بصعوبة وأنفاس مُتثاقلة من بين بكائه رادفا بترجى

 

_ ماما أنا أسف لو كنت زعلتك ، قومى بقى والله هسمع الكلام ومش هعمل حاجه غلط بعد كده بس قومى بقى

 

ظل "جواد" يُحرك فى جسد والدته برفق على أمل أن تفيق ولكن كيف يفيق الإنسان من الموت ، دلفت الممرضة إلى الغرفة لتحضر "تهانى" لتنفيذ أخر طقس لها بالحياة قبل أن تُسلم الأمانة إلى صاحبها لتتفاجأ بوجود ذلك الطفل ملقى بجسده داخل صدر تهانى، صاحت الممرضه موجهة حديثها تجاه ذلك الطفل رادفة بلهفة :

 

_ أنت بتعمل أيه هنا يا حبيبى! ، أطلع برا

 

أنتبه "جواد" على حديث الممرضة ليرفع رأسه عن صدر والدته ، وأخذ يهز رأسه بنفى غير موافقا على حديث الممرضة رادفا بصخب :

 

_ لا أنا هقوم ماما عشان تروح معايا

 

أغمضت الممرضة عينيها بألم وحزن على هذا الطفل المسكين وتقدمت ببضع خطوات ناحيته وأخذت تربت على كتفيه رادفة بهدوء :

 

_ يا حبيبى حرام ، مينفعش كده أنت بتعذبها

 

دفع "جواد" يد الممرضة بإنزعاج طفولى مُمزج بدومعه التى لم تفارق وجهه رادفا بحدة وألم :

 

_ أوعى أنتى ملكيش دعوه انا هخليها تصحى

 

أبتلعت الممرضة مرارة حزنها ثم وضعت يدها على ذلك الطفل مُشفقة عليه ثم سريعا ما قامت بسحبه بعيدا عن جثمان والدته خوفا من أن يحدث له شيئا بسبب حزنه عليها رادفة بهدوء :

 

_ طيب تعالى بس

 

ظل "جواد" يُقاوم بين يدى الممرضة يحاول الأفلات منها ولكنها أحكمت قبضتها عليه وأخذت تسحبه إلى خارج الغرفة وتُحاول الأستنجاد بأحد حتى لا يتسبب ذلك الطفل فى حدوث بعض الأذى لنفسه لتصيح باستغاثة رادفة :

 

_ يا جماعة حد يلحقنا هنا

 

أسرع "هاشم" فى الحضور والأمساك بيد "جواد" مُحاولا إخراجه من الغرفة ، ليصيح "جواد" بالجميع وهو يتلوى بين يديهم ودموعه تتهاوى بلا توقف رادفا بصراخ ممزوج بالبكاء :

 

_ لا أوعوا سيبونى ، يا ماما أصحى ، يا مامااا

 

*-*-*

 

_ ماما

 

صاح "جواد" بتلك الكلمة وعينيه لا تتوقف عن ذرف الدموع ليلاحظ أنه لايزال يقف أمام غرفة الطوارئ الموجود بها "ديانة" ، ليغمض "جواد" عينيه بألم وحسرة على تلك الذكريات التى تُعاد عليه للمرة الثانية وكأن تلك الحياة لا تريد أن تراه مرتاحا او سعيدا

 

أنتبه "جواد" لتلك اليد الذى وضعت على كتفه مواسية إياه ليرفع نظره وعينيه لا تزال تذرف الدموع ليجده صديقه "إياد" صاح مستفسرا بقلق :

 

_ فى أيه يا جواد! ، فين ديانة؟!

 

تنهد "جواد" بحسرة ودموعه تتهاوى من زرقاوتيه وكأنه سمح لنفسه بإظهار ضعفه ولو لمرة واحدة أمام أحد ليغمض عينيه بكسرة رادفا بضعف :

 

_ جوا لسه الدكاترة بيفحصوها

 

حاول "إياد" تهدئة صديقة محاولا أن يطمئنه رادفا بتمنى :

 

_ متقلقش يا جواد إن شاء الله خير

 

أومأ "جواد" برأسه بالموافقة على حديث "إياد" ولاتزال عينيه تذرف الدموع ، ليلاحظه صديقه ذلك ليقترب أكثر إلى "جواد" واضعا يده فوق كتفه رادفا بأستفسار :

 

_ أنت حبيتها يا جواد ؟!

 

شهق "جواد" بكسرة وضعف وسريعا ما أنهار فى البكاء أمام أعين صديقه غير مُهتما لتلك الشخصية الفولازية التى كان يُحاول أن يُظهرها أمام الجميع كل تلك السنوات ، وكيف له ألا ينهار وهو بالفعل أصبح يعشقها وليس يحبها فقط! ، كيف له أن يسطتع التظاهر بالقوة وهو بداخله قد تحطم بالكامل عند رؤيتها تسقط بين يديه! ، لا يستطيع التظاهر بعدم التأثر وهو أصبح حطام رجل ليس إلا ، بينما فزع "إياد" على حالة "جواد" تلك الذى لم يراه عليها منذ بداية معرفتهما ببعضهما ، أحتضن "إياد" صديقه وأخذ يربت على ظهره مُحاولا مواساته رادفا بتأثر :

 

_ هتبقى كويسه يا جواد ، صدقنى هتبقى كويسه

 

خرج "جواد" من عناق صديقه وأومأ له بالموافقة وأخذ يُحاول جاهدا أن يُسيطر على نفسه ، ليرفع يده ويقوم بالمسح على وجهه مُحاولا إسترجاع قوته رادفا بحدة :

 

_ فين زينة؟!

 

توتر "إياد" قليلا من سؤال "جواد" وفكر ألا يخبره خوفا من ردة فعله ولكنه يجب أن يعرف حتى لا يقع بالحديث أمام أحد ، ليردف "إياد" بقليل من القلق :

 

_ زينة تعبت وجبناها المستشفى هنا ومالك معاها

 

جحظ "جواد" عينيه بغضب وحنق وكاد أن يصرخ ب "إياد" زاجرا إياه ليلاحظ صديقه ملامح وجهه وردة فعله وسريعا ما أوقفه بنبرة مُحذرة رادفا بهدوء:

 

_ جواد من غير عصبيه الموضوع مش زى ما أنت فاهم دى لعبة أتلعبت علينا ، نتطمن بس على ديانة وأنا هحكيلك على كل حاجه ، على فكرة أنا كلمت عمى هاشم وزمانه جى اوعى يعرف حاجة

 

أدار "جواد" وجهه إلى الناحية الأخرة وأغمض عينيه بشيء من الضعف والأنكسار لا يعلم أى مُصيبة عليه مواجهتها أولا ، أمصيبة شقيقته الذى إذا علم بها أحد ستلحقهم فضيحة طوال عمرهم! ، أم مصيبة تعب "ديانة" الذى تضيع من بين يديه الأن ، حتى أنه لا يعلم إلى الأن ماذا أصابها ، ضرب "جواد" الحائط بيده مُحاولا إخماد تلك النيران التى تندلع بداخله

 

*-*-*

 

أنتهى "هاشم" من إرتداء ملابسه وهبط السلم بسرعة وكاد أن يخرج من الفيلا لتوقفه "هناء" الذى أمسكت بذراعيه وصاحت بحدة رادفة بأمر :

 

_ أستنى أنا هاجى معاك

 

زفر "هاشم" بنفاذ صبر فهو لا يستطيع التأخير أكثر من ذلك ، ليبعد "هاشم" يدها عنه رادفا بشيء من الحدة :

 

_ هناء أنا مستعجل وانتى لسه هتلبسى ، أبقى ألبسى وحصلينى

 

تركها "هاشم" وسريعا ما أتجه صوب الباب وسريعا ما خرج من الفيلا بأكملها ، لتنزعج ملامح "هناء" من ذلك الأهتمام المفاجئ الذى حدث ل"هاشم" لتصيح "هناء" زافرة بغضب وحنق رادفة بتمنى :

 

_ إنشالله توصول تلاقيها ماتت

 

صعدت "هناء" إلى غرفتها لتقوم بتبديل ملابسها واللحاق ب "هاشم" مُتجهة إلى المشفى لمعرفه ماذا يحدث لتلك الفتاة الذى تتمنى أن تكون جثة عندما تصل إلى هناك

 

*-*-*

 

خرج الطبيب من غرفة الكشف ليُسرع نحوه "مالك" وهو يشعر بكثير من الخوف والفزع من أن بكون حدث ل "زينة" او لجنينه شيء، ليردف بلهفة :

 

_ طمينى يا دكتور زينة عامله ايه ؟!

 

لاحظ الطبيب خوف "مالك" الشديد على "زينة" ليُخمن أنه زوجها ليحاول طمأنته عليها رادفا بهدوء:

 

_ أنا عايزك تطمن ده مجرد هبوط عادى ممكن يحصل بسبب التعرض للتوتر أو الخوف بس ده مش كويس على صحتها ولا على صحة الجنين لازم تخلى بالك منها ومتحطهاش تحت أى ضغط نفسى تانى

 

لم يشعر "مالك" بالأطمئنان الكامل ليحاول الأستفسار أكتر عن وضعها هى وجنينه ليردف بأستفسار :

 

_ هو فى أى خطر عليها يا دكتور؟!

 

هز الطبيب رأسه بالنفى لكى يطمئن "مالك" رادفا بهدوء :

 

_ لا متقلقش ده مجرد ضعف بسيط وتقدر تعوضه بأنتظمها فى الأكل وشوية فيتامينات كده

 

أبتلع "مالك" بمرارة حينما تذكر ما فعله بها للوصول لتلك المرحله لينظر للطبيب بضعف مُستفسرا عن وضع الجنين رادفا بحرج وخزى:

 

_ طب والجنين كويس؟!

 

أدرك الطبيب أن "مالك" يشعر بالتوتر الشديد ليخمن أن هذا أول طفل لهما ليبتسم كى يًهون الأمر عليه رادفا بمرح :

 

_ الظاهر كده انه أول طفل ليكوا ، متخفش هى والبيبى بصحة كويسة ، احنا بس علقنالها محلول وبعد كده هكتبلها على خروج عادى

 

أومأ "مالك" برأسه بالموافقة على حديث الطبيب رادفا بأمتنان :

 

_ شكرا يا دكتور

 

*-*-*

 

مازال "جواد" واقفا أمام غرفة "ديانة" ينتظر خروج الطبيب والكثير من الأفكار السيئة تُسيطر على عقله ، أحقا سيفقدها كما فقد والدته! ، لما يبتعد عنه أحبائه ؟ هل ستسامحه "ديانة" وتوافق على العيش معه؟ ، هل ستمنحه فرصة أخرى لكى يكون لها الزوج الذى تريده؟ ، هل ستتركه يُعوضها عن كل شيء فعله بها؟ ، أسئلة كثيرة تدور فى رأس "جواد" يُحاول أن يجد لها أجوبة ، ليقاطعه "هاشم" الذى وضع يده على كتف "جواد" رادفا بلهفة وهو يلهث :

 

_ فى أيه يا جواد ديانة فين؟!

 

ألتفت "جواد" إلى والده وهو يعمل جاهدا على التظاهر بالقوة أمام والده وعدم إظهار ضعفه وخوفه رادفا بهدوء :

 

_ جوا لسه الدكتور بيفحصها

 

أمتدت يد "هاشم" للقبض على عنق قميص "جواد" بغضب وحنق صارخا فى وجهه بحدة رادفا بإندفاع:

 

_ أنا مش قولتلك خلى بالك منها ، أنا عايز أعرف أيه اللى حصل بالظبط!!

 

كاد "جواد" أن يصيح بوالده ولكن أوقفه تدخل "إياد" الذى أبعد يد "هاشم" عن عنق "جواد" مُحاولا تهدئته رادفا بهدوء :

 

_ بعدين يا عمى المهم دلوقتى نطمن عليها

 

أخفض "هاشم" يده عن "جواد" ولكنه ظل يُطالعه بنظرات ثاقبة ومليئة بالغضب والحدة ، وفى تلك اللحظة خرج الطبيب من غرفة "ديانة" ليلتف الجميع حوله مُستفسرين عن وضعها ، صاح "هاشم" موجها حديثه نحو الطبيب رادفا بلهفة :

 

_ خير يا دكتور طمننى؟!

 

أخفض الطبيب رأسه بأسى عما سيقول ولكنه مُضطر أن يخبرهم :

 

_ للأسف الحالة متطمنش ، مدام ديانة حصلها حاجه أسمها إنفصال المشيمة المبكر

 

ضيق "هاشم" ما بين حاجبيه بعدم أستيعاب مُضيفا بأستفسار:

 

_ يعنى أيه؟!

 

حاول الطبيب تفسير الأمر لهم لكى يسهل عليهم فهمه ليردف بتوضيح:

 

_ المشيمة دى بيوصل عن طريقها الغذاء والأكسجين للجنين ، وللأسف المشيمة دى حصلها إنفصال عن الرحم والموضوع ده نادرا جدا لما بيحصل ، وده حصل بسبب تعرضها لأرتفاع فى ضغط الدم بنسبة 90/ ١٨٠ ده للأسف هيضطرنا للخضوع لولادة مبكرة ، بس للأسف ده فيه خطورة عليها هى والجنين وممكن نفقدهم

 

أتسعت عينى كلا من "جواد" و"إياد" بصدمة بينما "هاشم" سريعا ما أدمعت عينيه وأمسك بيد الطبيب مُحاولا التكفير عن ذنبه فى حق "ديانة" ولو بجزء بسيط رادفا بضعف :

 

_ لو أضطريت تضحى بالجنين ضحى ، المهم الأم

 

نظر "جواد" ناحية والده بصدمة وألتمعت عينيه بما قاله والده وهذا أكد له ان والده لم يعد يرغب فى أذية "ديانة" وأن هناك فرصة لهما للعيش بسلام ، ليحطم أماله الطبيب وهو يردف بأسى :

 

_ للأسف حتى دى كمان فيها خطوره على حياة الأم لأنها نزفت كتير جدا وحدوث ولادة مبكرة هيضطرنا لتدخل جراحى وعمل ولادة قيصرية ومع الأسف ده خطر جدا لأنها ممكن تتعرض لنزيف شديد ونفقدها

 

أندفع "جواد" بغضب ناحية الطبيب وسريعا ما أمسك به من عنقه بأعين مُشتعلة وملامح وجه يملأها الغضب والكراهية رادفا بحدة :

 

_ يعنى أيه ، أنت مش عارف تتصرف يعنى؟!

 

أبتلع الطبيب بخوف من ملامح "جواد" الذى تصرخ بالغضب مما جعله يبدو كمن ينوى قتل جميع من حوله ، ليحاول الطبيب أن يتحدث ويوضح له الأمر رادفا بتردد :

 

_ يا فندم الموضوع مش سهل والعمليه خطيرة

 

أشتدت قبضة "جواد" حول عنق الطبيب وأصبحت عينيه على وشك أن تذرف النيران وتلك العروق البارزة التى جعلت مظهره مرعب للغاية ، ليصرخ عليه بغضب وأسنان ملتحمة رادفا بتحذير:

 

_ حياتها قصاد حياتك ، أقسم بالله لو جرالها حاجة هتكون جثتك بتتغسل قبل جثتها ، أنت فاهم!!

 

صُدم "هاشم" من ردة فعل أبنه الذى أكدت له أن ذلك الخوف والهلع الذى يشعر به "جواد" ليس من أجل طفله بل من أجل "ديانة" وأن قلب أبنه قد تحرك نحوها ، بينما أبتلع الطبيب برعب وذعر من تهديد "جواد" له ليحاول التحدث رادفا بتلعثم :

 

_ يا فندم..الموضوع صعب..لان فصيلة دمها نادرة جدا ومعندناش منها فى المستشفى الكمية اللى ممكن نحتاجها فى العملية

 

تدخل "إياد" مُستفسرا عن فصيلة دم "ديانة" عساه أن يستطيع تقديم المساعدة رادفا بلهفة :

 

_ هى فصيلة دمها أيه؟!

 

حول الطبيب نظراته إلى "إياد" وظل يُطالعه بخوف ورعب وكانه يستغيث به أن يُفلته من يد "جواد" رادفا بإندفاع :

 

_ فصيلة دمها AB سالب

 

جذبه "جواد" بشدة من عنقه رادفا بلهفة وإنفعال :

 

_ أنا نفس فصيلة دمها ، خد منى اللى أنت عايزه

 

تدخل "هاشم" بسرعة هو الأخر رادفا بلهفة :

 

_ وأنا كمان عمها ونفس الفصيلة

 

زفر الطبيب براحة نوع ما ليوجه حديثه نحو كلا من "جواد" و"هاشم" رادفا بهدوء :

 

_ تمام جدا ممكن حضراتكوا تروحا مع الممرضه عشان يتم السحب

 

أرخى "جواد" قبضته عن عنق الطبيب وسريعا ما أبعد بيده عنه لينادى الطبيب على إحدى الممرضات وإخبارها بأخذ كمية مُعينة من الدم من كلا من "هاشم" و"جواد" وبالفعل ذهبت الممرضة لتنفيذ الأمر بينما وجه الطبيب حديثه نحو ممرضة أخرى رادفا بهدوء:

 

_ حضروا أوضة العمليات وجهزوا المريضة

 

أومأت له الممرضة براسها موافقة على حديثه رادفة بأنصياع :

 

_ حاضر يا دكتور

 

*-*-*

 

فى هذا الوقت وصلت "هناء" إلى المستشفى وسريعا ما توجهت ناحية الأستقبال لتسأل عن غرفة "ديانة" ، صاحت "هناء" موجهة حديثها نحو عامل الاستقبال رادفا بغرور وكبرياء:

 

_ هى ديانة الدمنهورى أوضه رقم كام؟!

 

نظر موظف الاستقبال فى الحاسوب أمامه ونظر إليها مرة أخرى رادفا بتوضيح :

 

_ هى فى العمليات دلوقتى يا فندم

 

ضيقت "هناء" ما بين حاجبيها بأستنكار وقد ظنت إن "ديانة" قد فقدت الجنين ، لتصيح باستفسار وبداخلها تشعر بالفرحة رادفة:

 

_ ليه فى أيه؟!

 

أبتسم لها الموظف وهو يبلغها هذا الخبر الذى ظن أنه سيُفرحها رادفا بهدوء:

 

_ تقريبا بتولد يا فندم

 

أتسعت عينى "هناء" بصدمة مُمزجة بالغضب غير مُستوعبه لما استمعت له رادفة :

 

_ بتولد!!

 

*-*-*

خرج كلا من "هاشم" و "جواد" من غرفة التبرع بالدم ليجدوا "إياد" لايزال ينتظرهما أمام غرفة العمليات الموجودة بها "ديانة" ليقفوا جميعا فى إنتظار خروج أحد ليطمئنهم ، وقف "جواد" يُطالع غرفة العمليات بقلق ورعب بينما ربت "إياد" على كتفه كى يواسيه ويطمئنه ، بينما لاحظ "هاشم" عدم وجود "زينة" ليصيح مُستفسرا :

 

_ هى زينة فين؟!

 

نظر "جواد" نحو صديقه ليصيح "إياد" موجها حديثه نحو "هاشم" رادفا مسرعا :

 

_ فى البيت يا عمى أصلها أترعبت لما شافت الدم فمرضناش نجبها معانا

 

أومادأ له "هاشم" بالموافقة على حديث "إياد" رادفا بتاكيد

 

_ أحسن مش ناقصه تعب أعصاب وتوتر

 

لم يُكمل "هاشم" حديثه حتى تفاجأ بتلك المزعجة وهى تتجه نحوهم وتصيح بأعلى صوتها موجهة حديثها نحو "جواد" رادفة بحدة وصراخ مُوبخة إياه:

 

_ الله الله يا جواد بيه ، بتضحك عليا وتقولى بنت بنوت!!

 

صدم الجميع مما تتفوه به "هناء" ماعدا "جواد" الذى ظل يُتابعها بنظرات نارية مليئة بالغضب والكراهية ، بينما "هناء" لم تتأثر بتلك النظرة المُشتعلة وصاحت به مرة أخرى صائحة عليه بإهانة رادفة بتهكم :

 

_ قولى بقى يا سيد الرجاله بنت البنوت بتاعتك بتولد أزاى وهى لسه مكملتش حتى السبع شهور ، ولا تكونش ضحكت عليك وطلعت أنت اللى بنت بنوت

 

أتسعت أعين "جواد" بكثير من الغضب ولأول مرة أقسم على أن يُقفها عند حدها ويُخرسها إلى الأبد ، كز "جواد" على أسنانه ورفع يده عاليا وكاد أن يتهاوى بها على وجه "هناء" ولكن أمتدت يد والده اليسرى مُلتقطاً ليد "جواد" مانعه عما كاد أن يفعله ، بينما رفع هو يده اليمنى وتهاوى بصفعة قوية على وجه "هناء" أثر عليها خللا فى توازنها

 

رفعت "هناء" عينيها ونظرت فى أعين "هاشم" بكثير من الغضب والحدة فتلك أول مرة له أن يقوم بمد يده عليها ، بينما "هاشم" رمقها بنظرة تحدى وغضب رادفا بحدة:

 

_ عيب لما أبنى يمد أيده على خالته ومرات أبوه ، لكن مش عيب إنى أربى مراتى لما أحس إنها فجرت ومبقاش هاممها حد وكمان بتسب فى عرض بنت أخويا

 

نظرت له "هناء" بكثيرا من الحنق والغضب بينما ألتقط "هاشم" ذراعها وقبض عليه بعنف وغضب رادفا بأسنان ملتحمة:

 

_ روحى يا هناء ومش عايز ألمح ضلك فى المستشفى يلاا

 

دفعها "هاشم" بعيدا عنه لدرجه أنها كادت ان تسقط أرضا لتشعر "هناء" بأنها خسرت أحترام الجميع وإنها أوشكت على أن تخسر كل شيء ، ألتفتت "هناء" وغادرت المستشفى على الفور وهى تقسم على أن تنتقم منهم جميعا وبالأخص تلك الساقطه الذى بسببها أنقلب الجميع عليها

 

ما إن أختفت "هناء" من أمامهم حتى خرج ممرضتان من غرفة العمليات وهما تُهرولان بسرعة لأحضار ما أمرهما به الطبيب ، تصيح الممرضة الأولى إلى الثانية رادفة بلهفة:

 

_ شوفى دكتور محمود فين وأنا هروح أشوف بنك الدم ، بسرعه عشان الحالة خطيرة جدا

 

شعر "جواد" بالفزع من طريقتهما ليلتقط ذراع واحدة منهما مستفسرا عن الأمر رادفا بلهفة :

 

_ فى أيه!! أيه اللى بيحصل جوا! ، ديانة مالها؟؟

 

أبتلعت الممرضه بفزع ورعب من منظر "جواد" ونظراته المُخيفة رادفة بلهفة :

 

_ حالة الام خطيرة جدا أحنا بنعمل اللى علينا بس خروج الأتنين من اوضة العمليات محتاج معجزة

 

ترك "جواد" يد الممرضة وهو يشعر بالعجز الشديد الذى سيطر عليه وأصبح نفس ذلك الطفل الذى فقد والدته منذ أكثر من عشرون عاما ، ظل "جواد" ينظر حوله بصدمة إلى والده وصديقه اللذين يبدو عليهما الفزع والرعب وسريعا ما أبتعد عنهما وأخذ يركض بعيدا عن غرفة العمليات ، ولم يهتم حتى ل "مالك" الذى نظر لهم بكسرة وأخذت دموعه تتهاوى بلا توقف مُلقيا بالذنب على نفسه وأنه الآن يخسر أخته إلى الأبد بسبب ما فعله ، ليسقط "مالك" أرضا وأخذ يبكى بكل ما فيه من ألم وضعف

*-*-*

يتبع...

 

الفصل القادم يوم الخميس ١٦/٩/٢٠٢١

ولو خلصت قبل المعاد هنزله على طول

 

دُمتُم بخير