-->

الفصل السادس والعشرون - ظلمات حصونه

 



 الفصل السادس والعشرون 


_ بتولد أزاى يعنى دى السابع لسه

 

رمشت "ملك" بأهدابها بكثير من القلق والأرتباك وهى لا تعلم ماذا يعنى ما ستقوله لتردف بخوف:

 

_ مش عارفه يا ماما ، إياد بيقولى إن جالها حاجه إسمها إنفصال المشيمة المبكر

 

ضربت "منال" على صدرها بفزع ورعب مما أخبرتها به أبنتها ، فهى تعرف ماذا يعنى جيدا إنفصال المشيمة ومدى خطورته على الأم والجنين لتصيح بهلع رادفة :

 

_ يالهوى..بنتى ، ودونى عند بنتى ، يا حبيبتى يا بنتى

 

نهض "محمود" من مكانه وهو لا يقل فزعا ورعبا عن زوجته ولكنه أصطنع القوة والثبات حتى لا يزداد فزع الأخرين ، حاول "محمود" أن يُهدئ زوجته رادفا بهدوء:

 

_ أهدى يا منال إن شاء الله خير ، روحى ألبسى وانا كمان هاجى ألبس عشان نروح للبنت

 

أسرعت "منال" فى الذهاب وهى غير مُتزنه ولكنها عزمت على الثبات لتغير ملابسها وتذهب لأبنتها ، بينما إلتفت "محمود" موجها حديثه نحو "ملك" مُضيفا بثبات:

 

_ خلى إياد يبعتلك العنوان وغيرى هدومك انتى كمان بسرعه

 

أومأت "ملك" برأسها موافقة على حديث والدها مُضيفة:

 

_ حاضر يا بابا

 

*-*-*

 

ركض "جواد" كالطفل الذى يهرب من شبح ما يلاحقه ويريد إنهاء حياته ، خرج من المشفى والدموع تتسارع فى الهبوط من زرقاوتيه ويشعر بصعوبة التنفس بسبب كثرة شهقاته ، سريعا ما وصل إلى سيارته ودلف بها لينطلق بأقصى سرعة لديه وهو بالكاد يستطيع رؤية الأشياء مُشوشة أمامه

 

ظل "جواد" يبكى بحرقة وقهر وشهقاته تتعالى وتزداد صعوبة تنفسه وأصبحت الرؤية شبه معدومة بالنسبة له بسبب تلك الدموع الذى تملأ مقلتيه ، شهقة تتابعها الأخرى وهذا كل ما يصدر من "جواد" بالأضافة لدموعه التى لا تتوقف عن الأنسدال

 

توقف "جواد" بسيارته فى مكان خالى من الحياة لا يوجد به سوى تلك الأسوار العالية والأبواب السوداء الذى تفصل بين من فارقوا الحياة ومن لايزالوا يُعانون بها ، ترجل "جواد" من سيارته أمام أحد المدافن الخاصة بعائلة "الدمنهورى" ليتقدم ناحية الباب بخطوات مُتهالكة ودموعها مُصاحبة لشهقات لا تتوقف

 

دفع "جواد" باب المدفن ليدخل ويقف أمام ذلك القبر الذى يفصل بينه وبين أعز الناس على قلبه ، سقط "جواد" على ركبتيه أمام ذلك اللوح المحفور عليه أكثر الجُمل التى يكرهها جميع البشر "هنا قبر المرحومة تهانى جابر الدمنهورى" ، أمتدت يده للمس حروف إسم والدته وما هى إلا لحظة حتى ألقى بنفسه على ذلك القبر مُحتضنا إياه وعينيه لا يتوقفان عن ذرف الدموع وقد أزداد نحيبه بالأضافة إلى تلك الشهقات التى كادت أن تمنع أنفاسه من الصعود ، ليصيح "جواد" بصعوبه وهو لايزال مُحتضنا ذلك القبر رادفا بتلعثم وبكاء:

 

_ ديانة...ديانة بتموت يا ماما ، ديانة هتسيبنى زى ما أنتى سبتينى ، هتوجعنى زى ما أنتى وجعتنينى ، هتكسرنى زى ما أنتى كسرتينى

 

تعالت شهقاته وسال لُعابه وهو يبكى كالأطفال مُتشبثا بتلك الحجارة وكأنه يريد أن يدلف بداخلها ويستطيع الوصول إلى والدته ، ليحاول التحدث بصعوبه من بين نحيبه رادفا ببكاء:

 

_ أنتوا ليه بتعملوا فيا كده! ، ليه كل اللى بحبهم بيروحوا منى ، فى الأول أنتى وبعدين عمى شرف وعمتو ماجده وبعدها طنط لبنى ، ودلوقتى بخسر ديانة اللى كان المفروض أموتها بأيدى دلوقتى ضعيف ومكسور بسبب إنها بتموت وبتروح منى

 

قال جملته الأخيرة وهو يصرخ بقوة وهو يضرب الأرض من تحته بكلتا قبضتيه لدرجة أن يديه تكاد تكون شُرخت أو كُسرت ، ولكنه لم يهتم لذلك الأمر وأخذ يصرخ مرة أخرى مُضيفا بألم وحسرة:

 

_ خايف تروح منى يا ماما ، خايف أخسرها زى ما خسرت كل اللى بحبهم

 

حول نظراته إلى القبر مرة أخرى وقد تكرمشت ملامح وجهه مُعلنة عن موجة بكاء وإنهيار أخرى رادفا بضعف:

 

_ أيوه يا ماما..أنا حبيتها ، حبتها أوى ، حبتها من أول مرة عينى وقعت عليها وهى أيدها فى أيد زميلها يوم ما كان رايح يخطبها ، حبيتها من أول مرة وقفت فيها قدامى بكل قوتها وجبروتها ومكنتش خايفة منى رغم إن الكل كان خايف منى ، حبيتها وهى ضعيفة وخايفة منى لما حست إن أتقفل علينا باب واحد ومحدش هينقذها من أيدى ، حبيتها لما قلبها جمد وفضلت تدافع عن نفسها وتضربنى عشان أبعد عنها ، حبيتها أكتر لما ضربتنى بالسكينه فى صدرى وبالشوكة فى أيدى عشان تثبتلى إنها مش ضعيفة ، حبيتها أكتر لما لاقيتها واقفة فى أوضتى وماسكة قميصى وأتلجلجت لما لاقتنى شوفتها وأخترعت حجة ، حبيتها وحبيت ضعفها وإستسلامها ليا وأنا عايزها رغم إنها مش ضعيفة وتقدر تقاوم وأنا متأكد من ده ، بس مش عارف ليه كانت بتستسلم ، حبيت ضعفها وقوتها ، حبيت جنانها وعنادها ، حبيت وجودها وقربها منى ، حبيتها يا ماما حبيتها أوى

 

دفن "جواد" وجهه بين كفيه وأزدادت نهنهاته ودموعه ملأت كفيه وأخذ جسده ينتفض بشدة بسبب شهقاته المكتومة ، ظل على تلك الحالة ما يقارب العشر دقائق ليزيح يده عن وجهه لتظهر عينيه التى أصبحت شديدة الأحمرار وكأنها تنزف الدماء ، ليرتعش جسده مرة أخرى وهو يضع يده على قبر والدته رادفا بصعوبة وبكاء متمتما بضعف:

 

_ سامحينى يا ماما مش هقدر أخدلك حقك من ديانة ، أنا بحبها أوى ومش هقدر إنها تروح منى ، سامحينى وأعرفى أنها لو راحت منى هموت ، أنا مش عايز إنتقام ولا عايز ورث ، أنا عايزها هى وبس

 

ألقى "جواد" بجسده على الأرض وسريعا ما ضم ساقيه إلى صدره ليصبح بوضعية الجنين وهو يصيح بألم وبكاء مرير صارخا بطلب الرحمة لعذابه رادفا بإنهيار:

 

_ يا ماما أنا بحبها ومش عايزها تروح منى ، يااارب متحرمنيش منها زى ماما ، يارب انا بحبها يارب آآه يارب

 

أمسك "جواد" برأسه وأخذ يضغط عليها وهو يصرخ بألم ولايزال على وضعية الجنين تلك ، من يستمع إلى تلك الصراخات يقسم أنه قد تمزق حلقه وجفت عينيه من كثرة البكاء والنحيب ، لم يشعر "جواد" بنفسه بعد كل تلك الآلام والمعناة ليفقد وعيه بجانب قبر والدته وهو على نفس حالته تلك التى تمزق القلوب من كثرة الحزن على منظره وعلى كل ما يحمله بداخله من ألم

 

*-*-*








 

يجلس "مالك" على الأرض يبكى على ما تسبب به من أذى لأخته ولجنينها ، لتمتد يدي "إياد" مُلتقطا ذراعى "مالك" راغما إياه على النهوض وسحبه بعيد عن غرفة العمليات وعن "هاشم" ، دفع "إياد" مالك على الحائط رادفا بغضب وإنفعال :

 

_ أنا عايز أعرف اللى حصل ده حصل أزاى؟!

 

أبتلع "مالك" بمرارة وندم على ما فعله فبعد ما كان يظن أنه هو المجنى عليه والذى تم خداعه من قبل حبيبته ، أصبح هو الجانى الوحيد فى حق حبيبته وفى حق نفسه ، ليرفع بصره ناحية "إياد" مُحاولا تفسير الأمر له مُتأملا أن يصدقه رادفا بضعف وإنكسار :

 

_ كنت سكران يا إياد والله العظيم ما كنت دريان بنفسى

 

رمقه "إياد" بتشتت وحيرة كبيرة لا يعلم أيصدقه ويتعاطف معه بسبب تلك اللعبة القذرة التى لُعبت عليهم! ، أم أنه هكذا يخلق له الأعذار ويُحلل له ما فعله بتلك المسكينة التى دُبحت على يد الشخص الذى أحبته ، ذكر "إياد" نفسه بأن هناك شيئا أهم من إن كان "مالك" يكذب ام يقول الصدق وهو ماذا سيكون مصير "زينة" الأن؟! ، ليطالعه بنظرات الغضب والحدة رادفا بأستفسار :

 

_ والحل دلوقتى أيه؟!

 

أحتدت ملامح وجه "مالك" وصاح بجدية ونبرة غير قابلة لنقاش رادفا بحدة :

 

_ هتجوزها ومحدش هيعرف حاجه لا أهلى ولا أهلها

 

أنشق ثغر "إياد" بإبتسامة مُستهزئة فهو أكثر شخصا يعرف "جواد" ويعرف كيف يتعامل صديقه مع تلك الأمور مُتذكرا ما كان ينوى أن يفعله ب"خالد" ليعقب مُجها حديثه نحو "مالك" رادفا بأستهزاء:

 

_ وتفتكر جواد هيوافق على كده!!

 

أومأ "مالك" برأسه مؤكدا على حديثه رادفا بلهفة وإنفعال وأعيُنه تلمع من كثرة الدموع :

 

_ لازم يوافق يا إياد أنا بحبها بجد ، والله العظيم عمرى ما كان جوايا أى نوايا وحشه ليها وعمر ما هيكون

 

أغمض "إياد" عينيه بتشتت ورفع يده وأخذ يفرك جبهته مُحاولا تشغيل عقله رادفا بحدة :

 

_ طب واللى فى بطنها! هتعملوا فيه أيه وهل محدش هيلاحظ؟!

 

إندفع "مالك" مُجيبا على سؤال "إياد" بعد أن فهم المغزى من سؤاله ليردف بحدة وإنفعال:

 

_ اللى فى بطنها أبنى وأنا مش هتخلى عن حد فيهم

 

تنهد "إياد" بقليل من الراحة لشعوره بتمسك "مالك" ب "زينة" وأنه لا يريد أن يتزوجها فقط من أجل ما فعله معها بل يشعر بحب "مالك" لها خصيصا بعد أن تذكر منظره حينما غابت "زينة" عن الوعى ، ولكنه عزم على إخفاء تعاطفه معه رادفا بحدة :

 

_ أنا هساعدك يا مالك بس مش عشانك ، عشان زينة تبقى أختى وأنت ظلمتها ، وعشان البيبى اللى فى بطنها ملوش ذنب إن ليه أب مجنون ومُتهور زيك ، المهم هى زينة فاقت؟!

 

هز "مالك" رأسه نفيا عن سؤال "إياد" رادفا بهدوء وهو يمسح وجهه:

 

_ مش عارف هروح أطمن عليها أهو

 

أومأ له "مالك" برأسه موافقا على حديثه مُعقبا بهد

 

_ ماشى وانا هستنى هنا مع عمى عشان ميحسش بحاجه

 

أسرع "مالك" فى التوجه نحو المصعد للصعود للطابق الذى توجد به "زينة" ، وصل أمام غرفتها ليقف أمام الباب وهو يشعر بالتردد والأرتباك ، ماذا سيفعل لو كانت أستيقظت! ، ماذا سيقول لها! ، كيف سيفسر لها سبب تلك العمله الشنيعة التى فعلها بها! ، هل ستصدقه وتسامحه أم بالفعل كرهته ولن تسمح له بالتفوه بحرف ، أستجمع "مالك" شجاعته وفتح باب الغرفة ليجدها نائمة على الفراش وذلك المحلول الطبى موصل بساعدها وهى لاتزال مُغيبة عن الوعى

 

سحب "مالك" كرسى ووضعه بجانب فراشها جالسا على الناحية الأخرى للمحلول ليلتقط يدها مُحتضنا إياها وأخذت دموعه فى التهاوى بصمت وبكاء مرير ، وظل يُفكر فى فداحة ما فعله بها وهو يتذكر صراخها وهى تطلب منه الرحمة وعدم فعل ذلك الشيء بها ولكنه لم يكن يستمع إلى صرخاتها بل كان يستمع إلى صوت تلك العاهرة الذى لم يُغيب عن باله لحظة ، ليتذكر صرخة "زينة" وهو يقتحمها بدون أى مقدمات ويفكر فى حجم ألمها فى تلك اللحظه بسبب غبأه وقلة عقله ، قبل "مالك" يد "زينة" وأحتضن كفها بوجهه وهو يردف بين بكائه المكتوم ودموعه التى تنساب دون توقف:

 

_ أنا أسف ، أسف يا زينة ، أسف

 

شعرت "زينة" بأحتضانه لكفها ودفء أنفاسه التى تضرب بساعدها وتلك الدموع التى رطبت يدها ، لتفتح عينيها بثقل شديد ورؤية غير واضحة ، لحظات ووضحت لها الرؤية لترى أن من يحتضن يدها هو "مالك" لتسحب يدها منه بسرعة ، ليلاحظ "مالك" إفاقتها ليرفع وجهه إليها لترى هى تلك الدموع التى تتهاوى من مقلتيه ولكنها لم تهتم ، لتصيح بفزع ورعب رادفة بأستفسار :

 

_ فين ديانة ، أيه اللى حصل؟!

 

أزدادت أعين "مالك" فى ذرف الدموع وهو ينظر نحو "زينة" بضعف وشعور بالذنب تجاههما هما الأثنتين رادفا ببكاء:

 

_ ديانة بتموت يا زينة ، بتموت بسببى يا...

 

قاطعته "زينة" بحزم وإصرار وهى تقوم بخلع المحلول من ذراعها رادفة بحدة :

 

_ ودينى عن ديانة

 

حاول "مالك" إيقافها ومنعها عما تفعله وهو يشعر بالرعب من أن تأذى نفسها رادفا بخوف :

 

_ زينه أهدى عشان خطرى أنتى كمان تعبانه أوى و..

 

قاطعه "زينة" مرة أخرى ولكن تلك المرة بإنفعال صارخة به بغضب وحدة رادفة :

 

_ بقولك ودينى عند ديانة حالا

 

شعر "مالك" بالقلق عليها بسبب إنفعالها هذا ليُوافقها على طلبها كى لا يزداد الأمر سوأ رادفا بتحذير

 

_ حاضر هوديكى بس خلى بالك محدش يعرف حاجه بخصوصنا ، أوعى تقولى حاجة دلوقتى على الأقل لما نطمن على ديانة

 

رمقته "زينة" بكثيرا من الغضب والإنزعاج الممزوج بخيبة الأمل التى تشعر بها تجاهه ، فهى لم تكن تتوقع منه أن يفعل ذلك بها والأن هما السبب فيما حدث ل"ديانة" وإذا حدث لها شيئا لن تُسامح نفسها أبدا

 

أستجمعت "زينة" قوتها ونهضت من على الفراش ليُحاول "مالك" مد يده ومساعدتها لتدفعه "زينة" بعيدا عنها ونهضت بمفردها وسارت مُتجهة ناحية الباب ، ليطالعها "مالك" بندم وأدرك أن كل الحب الذى كانت تحمله له قد تحول إلى كراهية بسبب فعلته الدنيئة تلك ليتبعها فى صمت وحسرة على ما وصلا له

 

*-*-*

 

كان لايزال مُغشيا عليه بجانب قبر والدته كالذى فارقته الحياة بجميع شهواتها وملازاتها ، يرقد ويبدو عليه الكثير من الراحة ، كيف لا يشعر بالراحة وذلك هو الملجئ الأخير الذى يلجأ إليه جميع البشر بعد أن يسترد خالقهم أمانته ، ولكن ليس وقته بعد لايزال لم يأتى ميعاده ، أرتفع صوت المؤذن بذكر الله لتنبيه للناس بأنه حان موعد أذان الفجر ، فتح "جواد" عينيه بثقل شديد وهو مُمسك برأسه يشعر بكثير من الألم بسبب كثرة بكائه ، أنتفض من مكانه عندما تذكر لماذا هو هنا ليصيح بصدمة ولهفة مُتمتما بأسمها رادفا :

 

_ ديانة

 

نهض "جواد" من مكانه ولم يهتم لملابسه التى اصبحت مليئة بالأتربة وسريعا ما توجه ناحية الباب عازما على الذهاب إلى المشفى ، ليوقفه تلك اليد المُجعدة المُتهالكة والتى عانت طوال عمرها التى أمتدت على الباب أمامه ، ليرفع "جواد" نظره إلى صاحب تلك اليد ليجده حارس المدافن الذى جاء لتفقد المكان ، بينما صُدم الحارس من وجوده ليردف بإندهاش موجها حديثه تجاه "جواد" بصوت مبحوح رادفا بأستفسار:

 

_ جواد! ، خير يا أبن الناس الطيبين

 

تنهد "جواد" بأنفاس مُتثاقلة موضحة حجم التعب والمُعانة التى يشعر بها ليربت على كتف ذلك الرجل العجوز رادفا بهدوء:

 

_ خير يا عم محفوظ ، معلش أقفل أنت الباب

 

كاد "جواد" أن يرحل لتمنعه يد عم "محفوظ" التى قبضت على ذراعه مانعا إياه من الذهاب رادفا بلهفة وأبتسامة مُحبة :

 

_ مستعجل ليه يا أبنى! ، رايح فين كده؟!

 

أغمض "جواد" عينيه بندم وشعور الحسرة والضعف لا يرأفان به ليجيبه بهدوء وتأثر بكلمات ذات معنى عميق قائلا :

 

_ رايح ألحق أصلح الغلط أللى عملته قبل ما يفوت الأوان

 

أبتسم عم "محفوظ" بأستهزاء على تسرع "جواد" وغفلته عما هو أهم رادفا بكلمات ذات معنى كبير وصادق:

 

_ كل شيء ولُه أوان يا جواد يا أبنى ، واللى أوانه حضر الأول يبقى واجب علينا تنفيذه والأذان أذن ولازم نلبى النداء

 

شعر "جواد" بالرهبة والأرتباك فهو لا يتذكر متى أخر مرة وقف ليصلى بها هو بالكاد يتذكر كيف نُادى الصلاة ، ولكن الأهم هل سيكون له القدرة على الوقوف بين يدى الله! ، هل سيتجرأ ويطلب منه شيئا فى صلاته وهو كل ما كان يفعله معاصى وذنوب! ، حاول "جواد" التهرب من عم "محفوظ" رادفا بتلعثم وإرتباك:

 

_ بس..بس أنا..أنا مستعجل و...

 

قاطعه عم "محفوظ" مانعا إياه من إكمال حجته رادفا بإصرار وتأكيد:

 

_ مفيش حاجه فى الدنيا تخلى الواحد يتأخر عن تلبية نداء ربه ، ربك هو اللى بيزيح الغُمه ويرفع البلاء مش الأموات يا أبنى

 

أندهش "جواد" مما قاله ذلك العجوز وأدرك أنه أستمع لما كان يقوله لوالده ، ليقطع "محفوظ" شروده مفسرا له الأمر رادفا بإعتذار:

 

_ أعذرنى يا أبنى صوتك كان عالى وغصب عنى سمعت صريخك وعياطك بس مردتش أدخل ، سبتك تطلع كل اللى جواك

 

زفر "جواد" بقلة حيلة سامحا لنفسه بالأستسلام والضعف وعدم إصطناع القوة المُزيفة تلك ، ليردف بتعب وحزن بات واضحا فى نبرة صوته قائلا:

 

_ كان نفسى أرتاح يا عم محفوظ

 

هز عم "محفوظ" رأسه بعد الموافقة على حديث "جواد" مُصححا إياه بثقة وتأكيدا رادفا بحب وصدق:

 

_ مش هترتاح غير وأنت وأقف بين أيدين ربك وبتأدى فرضك اللى أمرك بيه يا جواد ، هو بس اللى يقدر يرفع البلاء عنك ويريح قلبك ، أُقصده يا أبنى وأنت ساجد وهو مش هيردك مكسور الخاطر أبدا

 

لمعت عينى "جواد" متأثرا من حديث عم "محفوظ" ليرفع المؤذن صوت الإقامة مُعلنا عن النداء الأخير قبل البدء فى الصلاة ، ليبتسم عم "محفوظ" إلى "جواد" ويلتقط يده مُتجها صوب الجامع رادفا :

 

_ يلا يا أبنى ، يلا نلبى النداء

 

*-*-*

 

وصل كلا من "محمود" و "منال" و"ملك" إلى المشفى للأطمئنان على "ديانة" ، ما إن وصلوا أمام غرفة العمليات حتى أسرعت "منال" بأحتضان "مالك" بلهفة وإشتياق رادفة بنبرة مُعاتبة:

 

_ مالك ، كدا يا مالك تبعد عنى كل الفترة دى

 

بادلها "مالك" العناق بأشتياق مُماثل رادفا بهدوء :

 

_ حقك عليا يا حبيبة قلبى ، مش هبعد عنك تانى

 

خرجت "منال" من عناق "مالك" مُستفسرة عن حالة "ديانة" رادفة بلهفة وإستفسار :

 

_ أختك عملت أيه؟!

 

ربت "مالك" على كتفيها مُحاولا طمأنتها وهو بالكاد يمنع نفسه عن البُكاء رادفا بأعين لامعة :

 

_ لسه فى أوضة العمليات ، أدعلها يا ماما

 

وضعت "منال" يدها على صدرها وقد تهاوت دموعها بخوف ورعب على أبنتها وهى تردف بتمنى :

 

_ يارب ، يارب

 

كل ذلك كان يحدث أمام "زينة" التى تقف بجانب والدها أمام باب غرفة العمليات ، ليحاوط "هاشم" بذراعه جسد "زينة" رادفا بأستفسار :

 

_ جيتى ليه يا حبيبتى ، كنتة خليكى فى البيت وأنا أطمنك

 

حاولت "زينة" إصطناع القوة أمام والدها كى لا يشك بالأمر رادفة بهدوء :

 

_ مكننش هرتاح يا بابا ، كان لازم أجى أطمن بنفسى

 

كاد "هاشم" أن يتحدث ليقاطعهم خروج الطبيب من غرفة العمليات وهو ينزع عن وجهه تلك الكمامة الطبية ويزفر بثقل ، أجتمع الجميع حوله للأطمئنان على "ديانة" وجنينها ، شعر الجميع بالخوف الشديد من ملامح الطبيب الغير مُطمئنة وانعقد لسانهم خوفا مما سيقول بينما أندفع "هاشم" بلهفة موجها سؤاله نحو الطبيب رادفا بأستفسار :

 

_ خير يا دكتور؟!

 

*-*-*

 

 

دلف "جواد" إلى قاعة المُصلين بعد أن أنتهى من الوضوء ووقف بينهم وهو يشعر بالكثير من الخزي والندم من كل ما كان يقوم به من فعل أشيئاء مُحرمة ومكروهة ، وقف ورفع ذراعيه ليكبر ويبدا فى صلاته ، فى البداية كان يشعر بالثقل والعبء الكبير فوق كتفيه ولكن كلما كان يتعمق فى صلاته كان يشعر بالراحة والسكينة وخصيصا عندما سجد وتخلص من كل ذلك الكبر والغرور الذى يصطنعهم أمام الجميع لتخور قوته ويشعر بالحاجة الشديدة للبكاء والشكوى إلى خالقه

 

أنتهى "جواد" من صلاته ولكنه ظل جالسا فى مكانة وشعر بأنه لم يعد لديه القدرة على التحمل أكثر من ذلك ، خارت قوته وأخذ يبكى بكل ما فيه من ألم وندم على كل ما فعله بحياته ، وأيضا شعوره بالظلم لما عانه على يد "هناء" بدون أن يكون له أى ذنب فيما حدث ، ولكن لحظة لما يلومُ على "هناء" وهو فعل نفس الشيء مع "ديانة"! ، هو أيضا ظلمها بدون أن يكون لها أية ذنب فيما حدث من زمن

 

أزداد نحيب "جواد" وبكائه عند تذكره لكل شيء سئ فعله مع "ديانة" بدون أن يكون لها أى ذنبا معه ، رفع يده إلى السماء وعينيه تذرفان الدموع دون توقف رادفا بألم وحسرة مُتمتما :

 

_ يارب أنا عارف إنى مليش الحق إنى أرفع إيدى وأطلب منك حاجه ، بس أنا عشمى فيك كبير أوى ، أنت أحسن منى أنت اللى عالم باللى جوايا ، أنا مش هقول أعذار أو مبررات لأى حاجه غلط عملتها ، بس أنا هوعدك إنى مش هعمل كده تانى ، عمرى ما هرجع للمعاصى تانى ، عمرى ما هظلم ديانة تانى بس أنت متحرمنيش منها ، أنت اللى عالم أنا حبيتها قد أيه وبعمل أيه عشانها متخلنيش أحس إن كل ده على الفاضى ، بلاش تحرمنى منها أنا بحبها اوى يارب متحرمنيش منها يارب

 

ظل يشهق بين بكائه وهو يشعر بالندم والكراهية تجاه نفسه ، دفن وجهه بين كفيه وهو يبكى كالأطفال غير مُهتما بنظرات من حوله ، قطع بكائه صوت هاتفه الذى صاح مُعلنا عن وجود إتصال من صديقه "إياد" ، شعر "جواد" بالخوف والقلق من ذلك الأتصال ولكنه سريعا ما أجاب مُنفضا رأسه من تلك الأفكار السيئة التى تدور بها ، فتح "جواد" المكالمة ليأتيه صوت "إياد" رادفا بلهفة:

 

_ جواد تعالى بسرعة

 

أنتفض قلب "جواد" من الرعب والفزع وأصبح يتنفس بصعوبة بسبب ثقل أنفاسه رادفا بلهفة وهلع:

 

_ فى أيه! ، ديانة حصلها حاجه؟!

 

أتاه صوت "إياد" أمرا إياه رادفا بحدة وإصرار:

 

_ ديانة خرجت من أوضة العمليات ، تعالى بسرعة

 

فز "جواد" من مكانة وأسرع فى الخروج من المسجد وهو يشعر بزيادة ضربات قلبه موجها حديثه نحو "إياد" رادفا بلهفة وأستعجال:

 

_ أنا جاى حالا

 

يتبع..

 

أسفة جدا جدا على تأخير الفصل كل ده وكمان صغير أنا عارفه بس للأسف عندى حالة وفاة لشخصية كانت عزيزه على قلبنا جدا والبيت عندى كله اعصابه بايظه أنا أسفة جدا يا جماعه وأرجو أدعولها بالراحمة