-->

الفصل الثاني والعشرون - ظلمات حصونه


- الفصل الثاني والعشرون -



 أستيقظ "مالك" من نومه بصعوبة وهو يشعر بكثير من الصداع والألم الشديد برأسه ، فتح عينيه بثقل شديد وبعد عدة لحظات رأى نور الصباح المنبعث من تلك الشرفة ، أعتدل فى جلسته مُحاولا التحكم فى توازنه بعد أن لاحظ أنه لايزال نائما بتلك الملابس


أدرك "مالك" أنه قد فقد الوعى بسبب كمية الكحول التى تناولها ليلة أمس ولكن ما الذى أتى به إلى هنا ، هو كل ما يتذكره انه كان مستلقيا على تلك الأريكة خارج الغرفة بعد أن عاد من الخارج ، كيف دخل إلى هنا؟؟


خرج "مالك" من الغرفة وهو يُمسك برأسه ليتجه نحو المطبخ لصنع كوبا من القهوة لعله يخفف من ألم رأسه ، وسريعا ما أنتهى من صنعه وأتجه نحو تلك الأريكة للجلوس عليها وتناول قهوته ، بمجرد أن جلس "مالك" صدح رنين هاتفه مُعلنا عن إتصال من شقيقته ، أغمض "مالك" عينيه بملل وقرر أن لا يُجيب وسريعا ما غير رأيه خوفا من أن يأتى إليه أحد ، فتح "مالك" المكالمة موجها حديثه نحو شقيقته رادفا بهدوء


_ ايه يا ملك


صاحت "ملك" بلهفة وأشتياق مُعاتبة شقيقها عن إبتعاده عنهم ومُحاوله جعله يُغير رأيه رادفة بإنزعاج


_ كده بردو يا مالك ، هونا عليك تسيبنا تانى وتبعد عننا! ، دا أحنا كنا ما صدقنا يا أخى


وضع "مالك" كوب القهوة على الطاولة أمامه وهو لايزال مُصمما على رأيه رادفا بتصميم


_ معلش ياملك أنا مرتاح كده


حاولت "ملك" إستعطافه والضغط عليه كى يعود ، نعم هى تعرف حقيقة الأمر ولكنها عزمت على أن لا تتكلم فى هذا الأمر إلا عندما ياتى "إياد" بتسجيلات الكاميرات ، لتردف "ملك" بإلحاح مُحاوله إقناع "مالك"


_ عشان خاطرى يا مالك أرجع ، طب بلاش عشان خاطرى خليها عشان خاطر ماما


تنهد "مالك" بقليل من الغضب بسبب مُحاولة شقيقته فى الضغط عليه وجعله يوافق على حديثها ، ليصيح بحدة مُحاولا جعلها لا تتحدث معه بذلك الأمر مجددا رادفا بضيق


_ عشان خاطرى انا يا ملك سيبونى على راحتى


لاحظ "مالك" تلك المحارم الملطخة باللون الأحمر المُلقية فى سلة القمامة ، ضيق "مالك" ما بين حاجبيه بأستنكار، ليصيح موجها حديثه نحو "ملك" عازما على إنهاء المكالمة معها رادفا بحدة


_ هرجع أكلمك تانى يا ملك ، سلام


أنهى "مالك" المكالمة مع شقيقته لتمتد يده وتلتقط تلك المحارم من سلة القمامة مُتفحصا إياها ، شعر بالصدمة عندما تأكد أن ذلك اللون الأحمر هو دماء ، لينظر إلى جسده بدهشه وأخذ يتفحص نفسه إن كان هناك جرح 


شعر "مالك" بالصدمة عندما لم يجد أى جرح بجسده ، ولكن من أين أتت تلك الدماء ، يبدو أن هناك شيئا ما حدث وهو لا يتذكره ، يجب أن يأخذ حماما لكى يستعيد وعيه بشكل كلى وتذكر ما حدث ليلة أمس


أسرع "مالك" بالذهاب إلى المرحاض الخاص بغرفته وتخلص من كل ملابسه الذى يفوح منها تلك الرائحة الكريهة ، فهو لم يسبق له أن يتناول كل تلك الكمية من الخمور ، وبالتالى ما يمر به لم يجربه من قبل


وقف "مالك" تحت تدفق المياه مُحاولا تذكر أى شيء مما حدث ليلة أمس ، ولكن لما لا يستطيع تذكر شيء ولكنه يشعر أن هناك خطأ كبير قد أجترفه ، ولكن ما هو ذلك الخطأ ، ما هى إلا لحظة وصدع ذلك الصوت الأنثوى الصارخ بأذنه "لا يا مالك متعملش كده ، أرجوك يا مالك بلاش ، فوق يا مااالك"وضع "مالك" يده على أذنه مُحاولا التخلص من ذلك الصوت الذى لم يستطيع التعرف عليه ولكنه يشعر أنه يعرف صاحبته


حاول "مالك" تذكر أى شيء مما حدث ليلة أمس ولكنه لا يستطيع رؤية شيء سوى تلك الصورة المُشوشه لفتاة تقف أمامه وتصرخ عليه "أنت ليه مش عايز تصدقنى والله العظيم ما عملت حاجه يا مالك أعملك أيه عشان تصدقنى" ، لما لا يستطيع تحديد من هى تلك الفتاة وما الذى حدث بعد ذلك


تنهد "مالك" بأسى عندما خمن إن من ممكن أن تكون تلك الفتاة هى "زينة" وإنها يمكن أن تكون قد جاءت ليلة أمس ، ولكن لماذا لا يتذكر ما حدث! ، وما الذى حدث بينهما بعد ذلك الحوار! ، هل أستغلت ثمالته فى الكذب عليه وأستعطافه ، هل هى من أدخلته غرفته ووضعته على الفراش! ، كيف لها أن تتجرأ وتأتى إلى هنا ، يجب أن لا يسمح بذلك أن يحدث مرة أخرى عليه أن يخرجها من حياته


ترقرقت الدموع من أعين "مالك" بسبب ما يُفكر به وما حدث فى ذلك اليوم عندما رآها فى فراش "إياد" شعر بغصة فى حلقه وكثيرا من الضيق والحسرة على ما فعلته به ، ضرب "مالك" الحائط أمامه وقد أخذت دموعه طريقها فى الأنسدال إلى أن أمتزجت بالمياه وهو يصرخ بألم مما يشعر به داخله رادفا بحسرة


_ ليه كده يا زينة! ، ليه تعملى فيا كده! ، ليه تعملى زيها مع إنى حبيتك أكتر منها ، ليه تكسرينى وتوجعينى بالشكل ده! ، كنتى ممكن تقوليلى مش بحبك ، مش عايزاك ، بحب واحد غيرك


أحتدت نبرة صوته بشكل مُخيف وكأنه تحول إلى شخص أخر وكور قبضته بحدة رادفا بأسنان ملتحمة مُكملا حديثه صارخا


_ لكن ترسمى عليا الحب ومن ورايا بتنامى فى حضن غيرى لااا ، لا يا زينة ، انتى بنسبالى خلاص موتى زى اللى قبلك


أغلق "مالك" صنبور المياه وألتقط المنشفة وسريعا ما قام بلفها حول خصره متجها نحو خزانته لكى يرتدى ملابس ويذهب لعمله لأشغال نفسه بأمر غيرها راغما نفسه على نسيانها


*-*-*


دلف "إياد" مكتب "جواد" ويبدو عليه ملامح الضيق والإنزعاج من شيء ما ، أتجه نحو مكتب "جواد" ليعقب وهو يجلس على ذلك الكرسى المقابل لوجه "جواد" رادفا بضيق


_ مساء الخير يا جواد


لاحظ "جواد" إنزعاج "إياد" الواضح عليه ليخمن "جواد" أن هناك مصيبة ما ، وذلك لأن "إياد" ليس من الطبيعى أن يكون عابسا بتلك الطريقة ، ليعقب "جواد" متأكدا أن هناك أمر


_ متدخلش عليا بالوش ده الا لو فيه مصيبه ، خير


شعر "إياد" بشيء من القلق لا يعلم أيخبر "جواد" أم لا ولكنه يجب أن يخبره ليكون هناك وقت لحل تلك المشكلة التى لو أستمرت أكثر من ذلك ستخسرهم الكثير ، رفع "إياد" وجهه نحو "جواد" مُحاولا الثبات رادفا بهدوء


_ فى حاجه حصلت كنت عايز أقولك عليها


تسرب القلق إلى قلب "جواد" شاعرا أن هناك أمر ما ، ليصيح بعصبية وعدم صبر موجها حديثه نحو "إياد" بإندفاع وحدة رادفا


_ ما تدخل فى الموضوع على طول يا إياد وأنطق فى أيه؟!


توتر "إياد" بسبب إندفاع "جواد" وحدة ردة فعله من قبل أن يعرف ، ماذا سيفعل إذا لو علم عن الأمر! ، ولكنه مضطرا أن يقول له كى يُحاول التصرف وإنقاذ تلك المشكلة قبل أن تكبر ، حمحم "إياد" بحرج رادفا


_ بصراحة فى مشكله كبيرة فى فرع شركتنا اللى فى لندن ، النهاردة الصبح بعتولى email بيقولوا إن فى خسارة الشهر اللى فات حوالى خمسة مليون دولار


نهض "جواد" واقفا فى مكانه وهو فى قمة غضبه مما تفوه به "إياد" ولكنه حاول السيطرة على نفسه لمعرفة حقيقة الأمر ، ليردف بحدة مُستفسرا عن سبب تلك المشكلة


_ يعنى ايه الكلام ده! ،وأيه هى المشكله اللى توصلنا لخساير كبيره بالشكل ده؟!


عقب "إياد" بحرج بسبب ما سيقوله ولكنه ليس بيده شيء فتلك ليست من ضمن صلحياته ولا يسطيع التصرف فى هذا الأمر ، ليردف بهدوء موجها حديثه نحو "جواد"


_ لسه معنديش فكره و...


قاطعة "جواد" بغضب وإنزعاج شديد ، صارخا بوجهه وهو يُهاجمه بحديثه الملئ بالأهانة والأستهزاء رادفا بإندفاع وهجوم دون أن يشعر بنفسه أو بما يقوله 


_ بتقول ايه يا بشهمندس! ، معندكش فكرة عن أيه! ، أومال أنت شغلتك ايه هنا؟ ، آه نسيت أنت دلوقتى مش فاضى لشغلك ، مقضى اليوم كله دلع ومياصه وصرمحه ويولع الشغل على دماغنا كلنا


أنزعج "إياد" من مهاجمة "جواد" له بتلك الطريقة وتلك الأهانة والأستهزاء الواضح والصريح فى حديثه ، ليشعر إياد بالغضب مما قاله ويقرر أن يوقفه عند حده رادفا بإنفعال موضحا ل"جواد" حقيقة الأمر


_ على فكرة يا جواد بيه أنا مش بقضى اليوم كله دلع ومياصه وصرحمه زى ما بتقول ، المشكله دى كبيرة بجد ومش هتتحل بمجرد email نبعته ، لا دى محتاجه حضرتك أو هاشم بيه ، لأن الموضوع أكبر من صلحياتى ومقدرش أخد أى خطوة فيه بدون أذن من حضراتكم 


أزداد غضب "جواد" بسبب إنفعاله على "إياد" الذى يبدو أنه إنزعج منه كثيرا وأيضا تلك المشكلة التى لم يعرف سببها بعد ، وما زاد غضبه هو إضطراره للسفر بأسرع وقت لأن والده لن يستطيع أن يُسافر وحده لحل تلك المشكلة ولذلك يجب أن يسافر هو لحلها ، رفع "جواد" نظره نحو "إياد" رادفا بحدة


_ أحجزلى على أول طيارة بكره طالعه لندن


أومأ له "إياد" بالموافقة ولم يفتح مجالا أخر للحديث لكى لا يُزعج أحدهما الأخر بحديثه ، ليقرر "إياد" الأنصراف من مكتب "جواد" قبل أن تتطور الأمور بينهما رادفا


_ حاضر ، بعد أزنك


خرج "إياد" من مكتب "جواد" مُتجها نحو مكتبه وهو يشعر بكثير من الغضب والضيق بسبب ما فعله "جواد" ، بينما "جواد" لاحظ إنزعاج "إياد" من حديثه ، ليشعر "جواد" بالغضب الشديد وإحتقان الدماء فى عروقه مما يحدث حوله من أشياء تُعكر مزاجه وتضطره لإخراج أسوء ما بداخله


ألتقط "جواد" هاتفه ومفاتيج سيارته من على مكتبه وشرع فى الخروج من المكتب بل من الشركة كلها ، يشعر وكأن اليوم لن يمر بسلام ، حتى أنه لم يذهب إلى ذلك الموعد الذى أعتاد عليه منذ فترة ، ولكن ذلك الشعور بداخله يشعره بعدم الرغبة بفعل أى شيء الآن


*-*-*



خرج "هاشم" من شركته مُتجها إلى منزل "جواد" للأطمئنان على "زينة" التى أطالت فترة إقامتها عند "جواد" ، صعد "هاشم" سيارته مُوجها حديثه نحو السائق رادفا بجمود


_ أطلع على فيلا جواد


أدار السائق مُحرك السيارة مُتجها نحو منزل "جواد" وبعد وقت ليس بكثير وقف أمام بابا الفيلا ، ليترجل "هاشم" من السيارة دالفا إلى الفيلا ، رن "هاشم" جرس الباب لتفتح له الخادمة وتقوم سريعا بإدخاله فالبطبع هى تعرفه ، أردف "هاشم" بأستفسار موجها حديثه نحو العاملة


_ زينة فين؟!


صاحت العاملة بأحترام وأدب رادفة بهدوء


_ الست زينة بتفطر جوا مع مدام ديانة يا هاشم بيه


شعر "هاشم" بقليل من الأنزعاج بسبب جلوس أبنته مع تلك الفتاة أبنة "لبنى" ولكنه سريعا ما هدأ نفسه مُذكرها أن تلك الفتاة تحمل حفيده بأحشائها وأنه ترك أمرها بيد "جواد" وما سيقرره "جواد" سيترتب عليه باقى الأمور


دلف "هاشم" غرفة الطعام لتلاحظه كلا من "زينة" و"ديانة" التى شعرت بقليل من الصدمة لرؤيته ، وتشعر أيضا بقليل من التوتر ، هى لم يسبق لها أن رأته عن قرب أو بعيدا عن الزحام ، بينما "زينة" نظرت نحو والدها بدهشة رادفة بلهفة


_ بابا!!


نهضت "زينة" من مقعدها وأسرعت فى إلقاء نفسها داخل صدر والدها محتضنة إياه وهى تتمنى أن تبكى بكل ما فيها من قوة وتتمنى أن تقص عليه كل ما حدث ولكنها تخشى ردة فعله ، بينما "هاشم" قد بادلها بكل حب وعاطفة أبوية رادفا بعتاب


_ لقيتك مش بتسألى عليا قولت أسال أنا عليكى ، ما أنتى خلاص معدش عاجبك القاعده معانا


هزت "زينة" رأسها بالنفى كى لا يظن والدها إنها لا ترغب فى العيش معه رادفة بلهفة


_ أبدا يا بابا الموضوع مش كده خالص ، انا بس قاعده مع ديانة عشان الحمل بقى وانت عارف مينفعش أسيبها لواحدها


نظر "هاشم" تجاه "ديانة" بمزيجا من الرغبة بالأنتقام والعطف والشفقة على كل ما حدث لها ولكنه سريعا ما تذكر ما فعلته والدتها بأخته وأخيه وزوجته وجنينه ، لا تلك الفتاة لا تستحق الرحمة او الشفقة ، بينما "ديانة" كانت تنظر له بمزيجا من الكراهية والأحتياج ، نعم هى تشعر أنه من دمها وكم تتمنى أن تلقى بنفسها داخل صدرة لأستنشاق رائحة والدها به التى لم تجربها من قبل ، ولكنها تشعر بالكراهية أيضا تجاهه فهو من جعل ذلك ال "جواد" يتحكم بمصيرها وتشجيعه على الأنتقام منها ويؤيده الرأى ، هذا الرجل بالطبع لن تستطيع أن تشعر بداخل صدره برائحة والدها لانه لم يرأف عليها مثل لو كان والدها ، أشاح "هاشم" بنظره عن "ديانة" مُحولا نظره تجاه "زينة" رادفا بأستفسار 


_ طب والبيبى كويس؟!


كادت "زينة" أن تُجيب والدها وتطمئنة ولكن قاطعها تدخل "ديانة" موجهة حديثها نحو "هاشم" هاتفة بنبرة مستهزئة رادفة بأستفسار


_ هيفرق معاك فى حاجه يا عمى !


رمقها "هاشم" بدهشة من تدخلها وحديثها معه لأول مرة ولكنه لم يُظهر دهشتة وأستطاع إخفائه وراء ملامحه الجامدة رادفا بحدة


_ أيوه يا بنت لبنى هيفرق معايا ، لأنه حفيدى من صُلبى


ضحكت "ديانة" بأستهزاء على ما قاله "هاشم" ، تراه يتكلم وكأنها هى الأخرى ليست من صُلبه لتصيح موجهة حديثها نحو "هاشم" رادفة بتهكم


_ وأيه يعنى يا عمى! ، منا كمان من صُلبك ، ولا أنت نسيت إنى بنت شرف كمان مش لبنى بس ، ومع ذلك عايزين تدفعونى تمن حاجه أنا معملتهاش


شعر "هاشم" بالغضب والضيق من كلام "ديانة" مُتأثرا به نعم هى من صُلبه ودمها هو دمه ، فهى أبنة شقيقه الذى يتمنى أن يدفع باقى عمره ليحتضنه ولو مرة واحدة ، ولكنها أيضا تحمل دم تلك المرأة التى قتلت زوجته وجنينه ولذلك هى لا تستحق تلك الرأفة ، ليصيح "هاشم"وهو يُحاول إخفاء تلك الغصة بحلقه موجها حديثه نحو "ديانة" بحدة رادفا


_ أمك هى اللى بدأت يا بنت لبنى


أمتلأت عينى "ديانة" بدموع وسريعا ما صرخت بوجه "هاشم" بكل ما بداخلها من ألم رادفة بحدة


_ مش مصدقة ، ولو ده فعلا حصل أنا ذنبى أيه؟!


تهاوت الدموع من أعين "ديانة" وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة منذ زمن طويل ، لتصيح بكل ما بداخلها من ألم وحسرة وظلم ، مُكملة حديثها مُحاولة التكلم من بين شهقاتها رادفة بحدة


_ أنا ذنبى أيه يا هاشم بيه! ، ذنبى أيه أترمى فى الشارع من وأنا لسه مكملتش شهرين ، حتة لحمة صغيرة لا ليها حول ولا قوة لو كان كلب معدى فى الشارع شافها كان كلها ومحدش خد باله ، ذنبى أيه أتحرم من أبويا وأمى وأترمى فى الشارع لناس مش من دمى هما اللى يربونى، ذنبى أيه أعيش طول طفولتى بسأل الناس اللى كنت فكراهم أهلى هو انا ليه أسمى مختلف عن أخواتى وأحس إنى فيا حاجه غلط ، ذنبى أيه لما أكبر شويه يفضل ملازمنى إحساس إنى مليش اهل وإنى جايه من الملجأ وإنى ممكن أطلع بنت حرام فى الآخر ، ذنبى أيه أعيش طول عمرى فاكره إن مليش أهل وإنى زرعة شيطانى كده


شهقت "ديانة" بشدة مرة أخرى لتُسرع "زينة" لمساندتها بعد أن لاحظت خلل توازنها ، بينما "هاشم" قد رجف قلبه قلقا من أن يُصيبها شيء ولم يستطيع أن يُميز أهو خاف عليها أم على جنينها ، أكملت "ديانة" حديثها موجهة إياه نحو "هاشم" بمزيد من الألم والحسرة صارخة


_ ذنبى أيه يوم ما أحس إن حياتى هتتظبط ولقيت الشخص المناسب اللى هبنى معاه حياة جديدة وهعوض نفسى عن كل حاجه حصلت فى حياتى ، يطلعلى أبنك يدمرلى كل حاجه ، يهددنى بكل الناس اللى بحبها انه هيأذيهم ، يجبرنى عل الجواز منه ويتجوزنى غصب عنى ، يعاملنى بأوسخ مُعامله ، يذلنى ، يضربنى ، يشتمنى شتايم قذره ، يجبرنى على علاقة انا مش قبلاها ويخلينى أشيل جوايا حته منه وأنا بكرهه لانه عمره ما عمل حاجه تخلينى مكرهوش ، ذنبى أيه مراتك تجيلى أكتر من مره وتهينى وتغلط فيا وتهددنى ، ذنبى أيه اول ما أحس إنى تقبلت الطفل ده مراتك تبعت حد يقتلنى أنا والجنين بتاعى! ، قولى بقى أنا ذنبى أيه فى كل ده يا عمى ؟


شعر "هاشم" بكثير من التأثر والندم بسبب ما تتفوه به "ديانة" ، هل هى على حق! ، هل هو ترك نار الغضب والأنتقام تعميه إلى هذا الحد ، هل كان ينتظر طوال تلك العشرون عاما قتل أبنة أخيه الوحيدة ، هل كان يريد التخلص من آخر شيء يحمل رائحة شقيقه ، هل غضبه جعله ولا مرة يرى بها إنفعال وحدة وجرأة "شرف"! ، ماذا كان سيفعل! ، هى مُحقة ما هو ذنبها بكل ما حدث ، ولكن لحظة أحقا "هناء" فعلت ذلك وأرسلت أحدهم لقتل حفيده ، بينما "ديانة" ظلت تشهق وتبكى كالأطفال الصغار ولكنها حاولت أن تتماسك وتقدمت نحو "هاشم" ووقفت أمامه مُصطنعة الجمود والثبات رادفة بحدة


_ أنت ظالم يا هاشم بيه ، ظالم ومعندكش لا قلب ولا رحمة ولا بتحس بحد غير نفسك ، مشوفتش غير وجعك أنت بس ، أنت عمرك ما حبيت بابا لأنك لو كنت حبيته بجد كنت حافظت على أخر حاجه من رحته ، بس أنت عملت العكس عشان كده يوم ما هتموت وتروحله ، مش هيبص فى وشك أبدا يا هاشم بيه


ضيق "هاشم" ما بين حاجبيه بصدمة وكأن أحدهم صفعه بصفعة قوية لكى يفيق من كل ذلك الظلم والكراهية التى عمت بصيرته وتركت نار الأنتقام هى من تتحكم به ، كاد "هاشم" أن يتحدث ليتفاجئ بدخول "جواد" بينهم الذى قبض على يد "ديانة" بغضب وأسنان ملتحمة رادفا بحدة


_ أنتى أزاى تعلى صوتك وتتكلمى معاه بالطريقه دى؟!


صاح "هاشم" مُوجها حديثه نحو "جواد" مُحاولا إيقافه رادفا بحزن وإنكسار


_ سيبها يا جواد ، سيبها


سحبت "ديانة" يدها من يد "جواد" بكثير من الغضب والأنفعال موجهة حديثها نحوه رادفة بحدة وإندفاع


_ أسمع الكلام وسيب أيدى يا جواد بيه ما أنت أصلا دى شخصيتك ، إنسان ضعيف وجبان ومعندكش شخصيه ، بتفترى على أى حد عشان بس تثبت لنفسك إنك قوى وراجل وأنت أصلا معندكش ريحتهم وإنسان ضعيف


قالت جملتها الأخيرة وهى تدفعه فى صدره بكل حدة وغضب ، شعر "جواد" بأحتقان الدماء داخل عروقة بسبب كل تلك الأهانة وبمجرد أن دفعته ، رفع "جواد" يده ليتهاوى بها على وجهها لكى يُسكتها ولكنه منع نفسه بأخر لحظة قبل أن يصفعها ويجعلها مُلقاة على الأرض تنزف الدماء ، رأى "هاشم" ما كاد "جواد" أن يفعله ليصرخ عليه زاجرا إياه رادفا بحدة


_ جواد


رفعت "ديانة" زرقاوتيها تجاه يد "جواد" ثم حولت نظرها تجاهه مرة أخرى ويبدو على وجهها ملامح التقزز والأشمئزاز رادفة بأحتقار


_ مش قولتك إنك ضعيف ، أنا بكرهك يا جواد بكرهك


ألتفتت "ديانة" ناحية الدرج وسريعا ما صعدت إلى غرفتها لتلحق بها "زينة" مُحاولة تهدئتها خوفا من أن يصبها شيء بسبب كل ذلك الغضب والأنفعال ، بينما "جواد" شعر وكأنه أصبح مثلما تقول هى ، فقد أصبح ضعيف ومحطم ، يشعر وكأنه عاد إلى نفس ذلك الطفل الحبيس بتلك الغرفة المظلمة ، يشعر وكأنه على وشك البكاء ولكنه لن يُظهر كامل ضعفه أمام أحد


خرج "جواد" من الفيلا غير مُهتما لصُراخ والده الذى يُحاول إيقافه ، ليأخذ مفاتيح السيارة من السائق وسريعا ما صعدها وحرك السيارة وأنطلق بسرعة جنونية لدرجة أن السأئق أقسم أن "جواد" كاد أن ينقلب بالسيارة بسبب شدة سرعتها ، بينما "جواد" لم يُحدد وجهته وكأنه يبحث عن أخر نقطة بالعالم كى يُفرغ بها كل ذلك الألم والكسرة التى بداخله


خرج "هاشم" من المنزل بعد أن رحل "جواد" ليتجه إلى منزله لحثم الأمر مع "هناء" وإيقافها عند حدها وإبعادها عن طريق "ديانة" وحفيده


*-*-*



كانت "ديانة" تبكى بكل ما بها من ألم وحسرة متذكرة كل ما مرت به طوال حياتها وأكثر ما يؤلمها من يحاول إيذائها هم بالأصل أهلها وعلى رأسهم زوجها الذى تزوجها كى ينتقم منها على ذنب لم ترتكبه وليس لها أية صلة به ، أقتربت "زينة" منها وأخذت تُحاول تهدئتها ولكنها لا تعلم أتُهدئها أم تُهدئ نفسها ، فهى أصبحت الأن أخر شخص يمكن أن يقوى أحدا وهى أصبحت أضعف شخصا على وجه الأرض ، ولكنها حاولت السيطرة على نفسها وأخذت تربت على كتف "ديانة" رادفة بحب


_ ديانة أهدى عشان خطرى


حاولت "ديانة" التحدث من بين شهقاتها العالية وصوتها المبحوح من كثرة بكائها رادفة بألم وحسرة


_ كان عايز يضربنى يا زينة ، كان عايز يكسرنى ويذلنى قدامكوا كمان


هزت "زينة" رأسها بالنفى غير مؤكدة على حديث "ديانة" رادفة بتوضيح


_ لا يا ديانة جواد عمره ما كان هيعمل كده وأديكى شوفتى مقدرش يعمل حاجة


أغمضت "ديانة" عينيها بخيبة أمل وكسرة خاطر ، تشعر وكأن بداخلها ألم وحسرة العالم بأكمله ، تشعر وكأنها خسرت كل شيء ولم تعد ترغب فى العيش أكثر من ذلك ، أصطنعت "ديانة" القوة موجهة حديثها نحو "زينة" رادفة بحدة


_ انا عايزه أتطلق يا زينة


أتسعت عينى "زينة" بصدمة وكأن هناك من صعقها ، هى ليست حزينة على طلب طلاق "ديانة" وأنها تريد أن تترك أخيها ، بل تخشى عليها من غضب أخيها حينما يسمع طلبها ذاك ، فزواجها من "جواد" هو نجاتها إلى الأن ولكنها لا تستطيع أن تخبرها بهذا الأمر لكى لا تكره الجميع أكثر من ذلك ، لتحاول "زينة" تهدئة "ديانة" رادفة بأستفسار


_ أنتى بتقولى أيه يا ديانة؟! أنتى مش عارفة أنتى بتقولى أيه


صاحت "ديانة" صارخة بوجه "زينة" مؤكدة على حديثها رادفة بإصرار


_ بقول إنى عايزه أطلق  يا زينة ، حتى لو كان التمن أنه يقتلنى المهم مبقاش مع البنى أدم ده انا بكرهه يا زينة بكرهه


أحتضنت "زينة" "ديانة" وهى تشعر تجاهها بكثير من الشفقة والحزن فهما الأثنتان يبدو أن حياتهما تُشبه بعضهما ، فهما الأثنتان أصبحا مدمرتان الأن ولهذا السبب هى لا تستطيع الغضب منها بل الأشفاق عليها ، ربتت "زينة" على ظهر "ديانة" رادفة بحزن


_ طب أهدى يا ديانة ، أهدى دلوقتى وبعدين نتكلم فى الموضوع ده


سكتت "ديانة" وظلت فى حضن "زينة" وسريعا ما أنتهى بكائها لتسقط بالنوم وهى لاتزال فى حضن أبنة عمها ، عدلتها "زينة" بالفراش وقامت بتغطئتها ونهضت وخرجت من الغرفة وهى تشعر أن مصيرها ومصير "ديانة" اصبحا مُتشابهين للغاية

*-*-*


يتبع...


سيتم نشر الفصل القادم يوم الأتنين الموافق ٦/٩/٢٠٢١