-->

الفصل الثامن عشر - وكر الأبالسة - Den of Devils



 الفصل الثامن عشر

❈-❈-❈


الشيطان شاطر

مثل شعبي


❈-❈-❈

هذه هي المرة الأصعب التي اضطرت أن تواجه خلالها صداع ثمالتها اللعين، من جديد تفعل هذا بنفسها، بعد أن شعرت بالوحدة حاولت أن تنساها خلال ذهابها كي تعانق المزيد من الضوضاء المشتتة لما تفكر به ليلة أمس ولكن على ما يبدو هي ستكون مضطرة أن تواجهها، وتواجه ذلك الضوء المُزعج الذي انتشر بغرفتها، بل وتواجه هذا الوسيم الجالس بغرفتها وهي لم تعتد أن تبرر تصرفاتها لأحد.. ولن تفعل.. حتى لو كان هو بكل ما يُعجبها به! 


التفتت له وهي تُمسك برأسها التي لا يتوقف آلمها ثم سألته بنبرة متألمة لا يزال يتضح عليها آثار النُعاس وملامحها يكسوها الإنزعاج من شدة عدم تحملها للوجع:

- ايه اللي مقعدك هنا؟


رفع حاجباه بإندهاش مما ادى لتقطب جبينه واكتفى برفع هاتفه الذي استخرج منه مكالمتها المُسجلة بشكل تلقائي لتمتلئ ارجاء الغرفة بصوتها الباكي المُسجل:

- جاد أنا في الشارع تعالى خدني أرجوك! أنا مش عارفة أنا فين!


أومأت له وهي تهز رأسها بالموافقة بمنتهى الإستهتار مما جعلها تشعر بإزدياد الوجع برأسها ثم عقبت قائلة: 

- مش قولنا بلاش تركز في كلام السكرانين!


ابتسمت هاكمة ثم غمغمت مُضيفة:

- بقيت خلاص بتعرف تسجل مكالمات على الموبايل.. ده ايه التطور ده كله بس!


نهضت زافرة بضيقٍ والآلم لا يُريد أن يتوقف وسرعان ما اتجهت للمطبخ اسفل عينيه لتخرج من احدى الأدراج قرصين من احدى العقاقير المُسكنة علها تُنهي هذا الصداع اللعين ففكرت للحظة ثم اتجهت لتصنع محلولًا قوي المفعول من شأنه يُسكن اوجاع الجسد بأكملها فعلى ما يبدو من كل الذي تشعر به بعد نهوضها أنها احتفلت بمنتهى الصخب ليلة أمس فتناولته سريعًا وهو إلي الآن يحاول التفكير مليًا في أول ما سيفعله معها، فما يظهر منها إلي الآن لا يُبشر سوى بأنها ترفض التحدث معه! 


عادت من جديد إلي غرفتها فتبعها ليراها تُغلق الستائر فظلمت الغرفة سوى من ضوءٍ خافت تسلل بهوانٍ من حواف الستائر ثم وجدها تعود نحو فراشها وهي تقول:

- وقمة قلة الذوق إنك تصحي حد من نومه! 


تنهدت وهي تجذب الأغطية عليها وتحدثت بلهجة آمرة تعج باللذاعة:

- متنساش تاخد الباب في ايدك يا عم جاد.. يالا وريني عرض كتافك..


هل حقًا تقوم بطرده بعد ما فعله معها ليلة أمس؟! هذه المرأة يستحيل أن يتوقع تصرفاتها التي لا تتوقف عن التهور، ولكنه إن خسرها الآن هذا يعني أنه سيخسر رابطًا قويًا مع "رُفيدة" وهذا لا يريد له الحدوث على الأقل لوقتٍ قريب! 


كتم غيظه بإبتسامة وهو يهز رأسه بالموافقة بينما صاحت حانقة:

- ما قولنا تحل عني بقى.. ايه عايزني اسجلهالك على موبايلك دي كمان!


لم يُحرك ساكنًا وفكر بسرعة بينما اضجعت هي على جانبها لتقوم بإنارة الضوء الجانبي لفراشها ورمقته بأعين فتك بها الآلم ثم سألته بتنهيدة:

- عايز ايه من قاعدتك مع  واحدة شمال زيي مكونتش طايق لسانك يجي على لسانها من يومين؟


تبادلا النظرات لوهلة لتلعن حظها السخيف الذي اوقعها بهذا الموقف مع رجل مثله وهو في النهاية أخٍ لـ "رُفيدة" بينما احتمت بالمزيد من الضوضاء التي تصيح بها علها تختفي خلف كل ما تفعله واخبرته بنبرة لينة عكس السابقة:

- ابعد يا جاد وامشي من هنا.. أيًا كانت مساعدتك ليا مش هتعرف تصلح حاجة.. امشي وسيبك مني ولما ابقى احتاجك في حاجة تاني متبقاش تسمعلي وابقى اقفل المكالمة في وشي!


اغلقت الضوء ثم عادت لتحاول تصنع النوم عله يستمع لكلماتها ويغادرها لتجده يعيد اضاءة المصباح الجانبي من جديد وهو يشاهدها بعينيه على مُكث لتزفر بنفاذ صبر وكادت أن تصرخ به ولكنه فاجئها بسؤاله الذي فكر به مليًا:

- ايه اللي بيخليكي تعملي كل ده يا إيناس؟


قلبت عينيها بضيق لتنهض جالسة ونظرت له نظرات غاضبة ثم حدثته بين اسنانها:

- بقولك ايه، دور الحنين اللي هتلعبه زي ما لعبته على رُفيدة ده مش هياكل معايا.. قولتلك امشي ووريني عرض كتافك! ايه مبتفهمش؟


ظنت أن صدها المتواصل له سيجعله ينتهي ويبتعد ويتركها وشأنها بينما قابلها بإبتسامة لم تُظهر اسنانه ولكنه لعنت بداخل نفسها عندما برزت غمازتيه على جانبي وجهه وتحدث متناولًا نفسًا مطولًا بنبرة ذات مغزى مُشيرًا لطريقة تعاملها معه منذ البداية:

- ودور الحنينة الجدعة اللي لعبتيه معايا أول ما دخلت في وسطكوا!


ابتسمت بغيظٍ ثم اردفت بخفوت ولهجة مُستفزة:

- كونك رضيت بالمساعدة ميخلنيش ارضى بمساعدة واحد مبيشوفنيش غير ست شمال.. على الاقل انا محكمتش عليك وقولت جه رد سجون


عقد حاجباه وهو يتفحصها بينما واصلت هي بصلابة وحافظت على ملامحها التي قد تدفع أي كان من امامها للشعور بالإستفزاز الهائل:

- ياريت تتفضل تمشي ويوم ما ابقى اكلمك تاني متبقاش ترد.. اقولك.. اعملي بلوك، ولا ده متعلمتوش لسه في الموبايلات وبتعرف تسجل مكالمات بس! 


حاولت أن تفصل تلك النظرات المصوبة نحوها لأنها بالكاد تتحمل رؤيته وهي تصد نفسها بكل ما تولد بداخلها من مشاعر تجاهه وسلطت نظرها على الأغطية امامها بينما استمعت له يقول ببعض التحدي المختفي خلف استسلامه المتصنع وهي تلمحه بجانب عينيها يرفع كلتا يداه:

- هامشي.. بس ولا مؤاخذة لسه كلامنا مخلصش.. هنعيده كله تاني لما تبقي فايقة شوية بدل راسك اللي مموتاكي دي


اطلقت ضحكة ساخرة ثم التفتت له بمزيج لوني مُقلتيها لينزعج من تلك الملامح لتصرعه بحقيقة حياتها:

- نعيده ولا منعيدهوش، مفيش كلام هينفع يا عم جاد.. احسنلك واحسنلي انسى إنك عرفت واحدة اسمها إيناس خالص! ومتنساش توريني عرض كتافك بدل ما تتفضح بمعرفة واحدة زيي، شمال!!


عقد حاجباه وهو يزم شفتيه بغضبٍ من كلماتها ثم التفت وهو يُصفع مرة اخرى بطرده من منزلها لتتابعه هي بعينيها وظلت مُسلطة نظرها حيث الطريق الذي ذهب منه إلي أن استمعت صوت ارتطام الباب الذي اغلقه خلفه وبداخلها بُتر الأمل ببقائه! 


اغلقت الضوء الجانبي لفراشها مرة أخرى ثم تكورت على نفسها اسفل الأغطية وهي تغمض عينيها تعتصرهما من مجرد تخيل أن رجل مثله سيكترث لها وسيبقى بجانبها.. ما الذي توقعته بأفعالها المتهورة، أنه سيتوسلها ليعتني بها ويضمها بين ذراعيه بعناقٍ دافئ حتى يُخلصها من كل ما تشعر به! لا.. لن يحدث.. الأمر لا يسير هكذا بهذه الطريقة، بل الحقيقة أنها إمرأة حُكم عليها من قِبل الكثيرين أنها إمرأة سيئة في وسط هذا المجتمع بعد أن فعلت ما يفعله الكثير من الرجال بمنتهى الحُرية دون أن يحكم عليهم أحد..


هناك رجال معروفين بسمعتهم السيئة واشتهروا بمعاقرة الخمر والإحتفال كل ليلة، بل وهناك أكثر من رجل آخر وصل للمحاكم بقضايا اثبات نسب اطفاله الذي تخلى عنهم بعد أن انجبهم كحصيل وناتج علاقة غير شرعية.. وإلي الآن يعملوا وتأتيهم العروض بالمزيد من الأعمال ولا يحكم أحد عليهم.. أمّا هي لو اختارت أن تعيش مثلهم بالطبع سيشير الجميع نحوها ليقولوا أنها إمرأة فاسقة!


لقد اختارت هذه الحياة وهي تدفع بكل من يقترب بعيدًا.. ربما لم يعد لديها سوى أن تُكمل إلي نهاية اختيارها.. حتى ولو وجدت رجل باتت تُكن له ما لم تشعر به من قبل تجاه أي رجل آخر وتتحاشى تمامًا تلك الفكرة برأسها بأن يتواجد في حياتها مرة أخرى تحت أي مسمى من المسميات!


في النهاية هي إمرأة لا تستحق، وأخت لا تستحق، وكذلك ابنة لا تستحق، وصديقة لا تستحق.. لا يوجد من سيثابر من اجلها ويتقبلها كما هي! فليعتبرها البعض جرأة، ذكاء، فساد، أو غباء منها.. ولكنها لن تبني آمالًا واهية بتواجد أحد بجانبها! ستصد الجميع الذين يحاولوا الحكم عليها دون معرفة حقيقة ما عانت منه.. حتى ولو كان هو!


❈-❈-❈


تفقد مظهره بالمرآة بعد أن انهى استعداده لبداية هذا اليوم وكلماتها لا تغادر رأسه، عنه، عن والدته، وعن إمرأة منذ عدة أيامٍ كان يُفكر بأنها ستكون معه إلي الأبد كزوجته التي سيُنجب منها ويُكمل معها بقية حياته بهدوء!


كان عليه أن يوضح بعض النقاط لوالدته، هو لن يقبل منها أن تُفسد له أي علاقة سواء بـ "رغدة" أو غيرها، على كلٍ هو لم يتبق له الكثير من الوقت ليدخل بعلاقة من جديد، يبحث حتى يجد فتاة يشعر نحوها بمشاعر وتفاهم، يقر لها بإرادته بالتقرب منها، ثم تأتي والدته لتفسدها، هو ليس شاب بالثانية والعشرون من عمره ليكرر كل هذه المعاناة.. ربما عليها إدراك أنه قد بات رجلًا الآن وقريبًا سيكون بالأربعين من عمره.. عليها أن تتنحى عن عجلة القيادة ليُتابع هو طريقه بنفسه ليقود حياته أينما شاء..


تفقد ساعة يده ليجد أن الوقت لا يزال مبكرًا ولكنه يعلم أنها الآن اوشكت على إنهاء فطورها وعما قريب ستبدأ في تناول قهوتها فتوجه للأسفل وبالفعل وجدها جالسة على المائدة الرئيسية ولكنها كانت وحدها ليشعر بأن هذا هو الوقت الصحيح لمواجهتها فاقترب متوجهًا كي يجلس على يمينها بينما ترأست هل المائدة بالمقعد الذي كان يومًا ما يخص والده، وبعدها زوج خالته، والآن قد بات لها بالكامل!


دنا للأسفل قليلًا ليطبع قُبلة على وجنتها بينما ابتسمت هي له بعذوبة وملامح رائقة فألقى تحية الصباح:

- بونجور


تهللت ملامحها وهي تنظر له وأردفت مُعقبة:

- بونجور يا حبيبي.. 


ابتسم بإقتضاب وهو يتصنع تناوله للفطور الذي لا يحدث إلا نادرًا بينما استمع لسؤالها:

- صاحي بدري أوي النهاردة مع إن كان شكلك تعبان امبارح اوي.. هتتقابل أنت ورغدة قبل الشغل ولا عندك حاجة مهمة صحيتلها بدري؟


هل حقًا تريد أن تعرف ما الذي حدث بينهما بعد لقائها معها، أم تريد معرفة ما اوصله للثمالة ليلة أمس؟! "سوزان بدوي" لا تتوقف أبدًا عن الوصول لكل ما تريده، ولكنه يجب أن يوضح لها أن هذا لن يستمر..


دنت منه وهي تُعدل له منديل بزته بجيب سترته ولكنه ترك كل ما بيده ثم نظر لها بإبتسامة صادقة وحدثها بهدوء:

- انتي عارفة غلاوتك عندي قد ايه.. وعارف إنك بتحبيني اكتر من اي حد في الدنيا.. بس مش شايفة اني أنا المفروض اخد قراراتي بنفسي من غير ما تدخلي!


ادعت الإستغراب على ملامحها بينما تعجبت منه زافرة بدهشة بطريقتها المعهودة وكأنها لا تعلم ما الذي يتحدث عنه:

- قرارات ايه يا سلمان؟ فيه ايه انت قلقتني اوي بكلامك ده! انت كويس يا حبيبي وكل حاجة تمام؟


ابتسم لها إبتسامة ذات مغزى وهو يهز رأسه ثم تكلم بخفوت:

- بلاش نتكلم بالأسلوب ده لأن انتي اذكى ست أنا اتعاملت معاها.. 


ضيقت ما بين حاجبيها وهي تدعي المزيد من عدم الفهم بينما لم يبتع ادعائاتها المتوالية ونهض وهو يُغلق سترته بعجرفته التلقائية وتكلم بنبرة محذرة بتغطرس:

- موافقة على رغدة ولا مش موافقة عليها.. هي او غيرها، من حقي ارتبط بالإنسانة اللي شايفها مناسبة ليا.. أنا مبقتش صغير علشان تروحي تتكلمي معاها من ورايا!


تريث لبرهة وهو يحدقها بحدة وفي ثوانٍ غابت الرقة وابتسامته الدافئة التي تُمتع الانظار وحلت ملامح شرسة على وجهه وواصل بمزيد من غروره العفوي الذي ليس له سلطان عليه:

- يا ريت الموضوع ده ميتكررش علشان ميبقاليش تصرف تاني.. انا وانتي مش هانخسر بعض علشان موقف وخلاص خِلص.. بس صدقيني لو حصلت تاني هتشوفي سلمان بطريقة تانية خالص غير ابنك اللي بتحبيه.. 


ثبتت أمام كلماته اللاذعة بينما دنا منها وهو يُقبل يدها برقة وتهذيب ثم غمغم متحدثًا بالفرنسية:

- وداعًا!


تابعته بعينيها وهو يُغادر بينما تُفسر بداخلها أن لقائها بـ "رغدة" قد آتى ببعض ثماره لتتكوم شفتاها بإبتسامة ضئيلة جانبية بأن ما ارادته قد تم بالفعل وكل ما يلزمها هو بعض الوقت لترى ما الذي وصلا إليه، فهي يستحيل أن تقبل بزواج ابنها من إمراة تكاد تكون منعدمة الأهل والنسب.. لن يتزوج أبدًا "سلمان يكن" إلا بإمرأة تُناسبه! وستعمل على تحقيق هذا بكل الطرق المتاحة بين يديها! وحتى لو كان عليها أن تتعاهد مع الشيطان لن تتركه إلا وهو بين يدي إمرأة تليق به!


❈-❈-❈

أخذته قدماه حيث واحدًا من افرع الشركات التي دائمًا تذهب إليها "رُفيدة" فهو لا يريد الخسارة باكرًا ولا يستطيع خسارة كلتاهما بيومٍ واحدٍ وتمنى أن يجدها بالداخل ليُمارس بعضًا من تلك التصرفات التي يظن أنه عن طريقها سيميل قلبها له ومر من امام مساعدتها الشخصية التي اعطته نظرة لا تختلف عن نظرات اخته نفسها ودخل ليراها تبدو منشغلة خلف شاشة حاسوبها فهلل بمرح:

- ده ايه القمر ده.. طب يمين بعظيم وشك نور لما خلصتي منه


اغلقت عينيها عندما استمعت لتلك الطريقة التي يتحدث بها وحاولت أن تتماسك بينما حدقت من جديد بشاشتها وهي تحاول أن تُنجز بعض الأعمال المُتأخرة بالفعل فتواجد "إيناس" لم يكن كافيًا خصوصًا بالتعامل مع الشئون المالية التي لا يُقبل بها سوى وجودها هي أو "راغب" فقط مما جعلها تتذكره فهاتفت مساعدتها وهي تتحدث بلهجة آمرة ولكن لم يغب عنها انوثتها المعهودة وخيلائها بنفسها:

- شوفي assistant راغب، لو فاضي خلينا نعمل meeting النهاردة في اقرب وقت!


كادت أن تنهي المكالمة بينما ضيقت ما بين حاجبيها بإستغراب وهي تغمغم متعجبة:

- سافر امتى!


تريثت لوهلة ثم انهت المكالمة وهي بالكاد تنطق من بين شفتيها المزمومتين:

- خلاص أوك..


وضعت هاتفها جانبًا بينما ادعت اكمالها لتلك الأعمال المكتظة ببريدها الإلكتروني وهي تحاول أن تنحي تفكيرها بعيدًا كي تستطيع التركيز، فلقد تعلمت منذ الكثير من الوقت أن من يُرثي ويبكي على حاله لن يتغير مآله!


تحدث لها بزهوٍ وهو يكسب هذه الجولة الصغيرة بما يعرفه هو ولا تعرفه هي ببعض الطفولية منه:

- والله الواد راغب ده مية مية.. سمع الكلام واديه اهو هو ومراته بقوا زي الفُل!


رمقته بلمحة جانبية وهي تستمع لتلك الثقة التي يتحدث بها بينما نهض يتجول بمكتبها عابثًا بكل ما وصلت إليه يده وواصل حديثه:

- بس كان لازم برضو اصلح ما بينهم بدل الزعل ده ما كان طول.. يالا ربنا يسعدهم!


استغربت من واقع كلماته لتتسائل بعفوية بعد أن اثار فضولها:

- هو ايه اللي حصل؟


التفت لها بإبتسامة ظافرة بإستدعائه انتباهها واجابها:

- أبدًا يا ست البنات، هو وأم سيلا كانوا زعلانين شوية كده وانا قولتله ياخدها ويغيروا جو وعدت على خير الحمد لله


امتعضت ملامحها بتقزز من تلك الكلمات التي هبطت على مسامعها وعينيها تتوسع من لذاعة حديثه المفتقر لأسلوب لائق بكلمات لائقة ومن جديد نظرت امامها لتُكمل بملامح لا يزال يُسيطر عليها التقزز عملها.. 


غمغم بسره دون أن تصل نبرته لأذنيها:

- اخوات تشرح القلب ما شاء الله


توجه نحوها ليقترب منها ثم تسائل بسخريته التي لا تغيب عن حديثه:

- هو بعون الله مش ناوية تتعدلي مع اخوكي ولا ناوية تعامليني زيي زي الغريب؟ 


زفرت بحنق وهي تقلب عينيها بسأم منه بينما واصل:

- ده بعد ربنا، لولايا مكونتيش عرفتي تخلصي من ياسر بالسرعة دي بدون شوشرة زي ما روحتي وفضحتي نفسك بالبرنامج اللي سجلتيه!


اخفضت رأسها بإحباط ثم سلطت نظراتها الغاضبة نحوه وحدثته بغطرسة:

- اسمع.. لما تبقى تتكلم بإسلوب كويس ابقى اتعامل معاك


توسعت عينيه ثم صاح بطريقة فظة وهو يدنو منها بتلقائية:

- جرا ايه يا ست الانزوحة.. شايفاني بشتمك كل ما بكلمك ولا تِنك زيك!


رفعت سبابتها بتحذير وهي تتكوم للوراء بمقعدها ثم حدثته:

- لا لو سمحت ابعد.. انا مبتعاملش بالأسلوب ده خالص.. 


رفع حاجباه وهو يبتعد عنها غير مُصدقًا ما قالته ثم قال:

- هو انا هاكلك يا بنتي.. لا إله الا الله، ما تتعاملي زي أي اخت خلقها ربنا مع اخوها، ده أنا لو ساعدت واحدة غريبة تطلق مش هتعاملني كده


كادت أن تصرخ به من شدة استفزازه اياها ولكن امتنت لإهتزاز هاتفها لتنتشله سريعًا بينما حاول هو تفسير ما كُتب على شاشته بتلك الحروف الاجنبية بعد أن استدعت انتباهه وهي تجذب الهاتف ليحاول تجميع الحروف بعقله وهي ينطقها بينه وبين نفسه لتميل كل ظنونه نحو "إيناس" بمعاناة ليست بهينة بينما هي وجدت اخيرًا ملاذًا من هذا الرجل الذي لا يتوقف عن كلماته وتصرفاته غير اللائقة:

- بونجور يا حبيبتي.. ممكن تيجي الأول ..


اقترب من التأكد أنها هي التي تُحدثها بينما تيقن عندما قالت:

- بعدين يا ايناس هبقى افهمك.. تعالي بس وبعدين نشوف


ابتسم ببعض الانتصار عندما ادرك أنها ستأتي بعد قليل، إذن لم تنم مثلما ادعت منذ قليل.. ليرى كيف ستواجهه حينها وهو ليس لديه أية مشاريع اليوم سوى ملازمة "رفيدة" اخته الرائعة واتجه ليجلس بملامح متهللة والإبتسامة تأبى ترك شفتاه لترمقه هي بضيق وبداخلها تتمنى أن تأتي "إيناس" بأسرع وقت ممكن لتخلصها منه فعلى ما يبدو هي الوحيدة التي تستطيع أن تتعامل معه!


❈-❈-❈


نهض بعد أن رتب الكثير من افكاره بخصوص "جاد" الذي لا يزال يُقلقه بعد استجابته لمكالماته منذ ليلة أمس، وكذلك الكثير مما عليه فعله بشأن أن يُهيء حياته حتى يستطيع النجاة على الأقل، فكونه الرجل الوحيد الذي يتبقى بجانب "رحمة" لا يترك له سوى حقيقة أنها مسئولة منه وليس عليها أن تتولى هي شئون كل شيء وخصوصًا المادية منها ولكنه لا يزال يحتاج وقتًا ليس بقليل كي يصل لما قد يصفه بـ حياة معتدلة!


اتجه نحو حانوت والده القديم هابطًا للأسفل وهو لا يدري كيف سيبدأ، لقد تعلم الكثير بالفعل من بقائه بالسجن لسنوات وكذلك قبل أن يواجه هذه اللعنة بأيام دراسته بالجامعة، هل عليه أن يستأجر الأدوات اللازمة لبدأ العمل على أن يُسدد الثمن لاحقًا، قد يُساعده كذلك "محروس" في هذا ولكنه لا يتحمل بداخله أن يطالب بالمساعدة من أحد!


لوهلة تذكر عدم اكماله عامه الجامعي الأخير بسبب ما حدث وقلب حياته رأسًا على عقب ليشعر بالندم تجاه أمرًا ليس له به يد وكاد أن يُطنب بالتفكير بينما لاحقه "محروس" مناديًا بملامح متهللة مُلقيًا عليه التحية فالتفت له وهو يُلقي عليه تحية الصباح بالمقابل:

- صباح الفل يا عم محروس


اقترب منه ثم حدثه بلهجة مستفسرة:

- قولي بقى أنك ناوي تشغل الدكان تاني! 


أومأ له بملامح مُستغرقة بالتفكير ورد بإقتضاب:

- إن شاء الله، بشوف بس هبتدي منين و..


قاطعه سريعًا فهو يحاول منذ أن عاد أن يساعده هو أو "جاد" بأي شكل:

- متشيلش هم حاجة وأنا معاك اهو.. اتكل انت بس على الله وأنا سداد


كاد أن يحدثه بالإمتنان له ولكنه كان ينوي أن يوضح له أن مساعدته له ستكون الحل الأخير لديه فقاطعتهما "وداد" التي مرت من أمامهما لتتوقف وألقت تحية الصباح على كلاهما:

- صباح الخير


اردف "محروس" مُعقبًا بتنهيدة وهو بداخله لا يحبذ التحدث معها:

- يسعد صباحك يا وداد


سلطت نظرتها نحو "سعد" الذي نظر لها بتلقائية دون مشاعر ظاهرة على وجهة فحدثته بإبتسامة غير مبالغ بها:

- حمد الله على سلامتك يا سي سعد.. 


رد بإقتضاب شديد وهو لم ينس ما اخبره "محروس" بشأنها ليلة أمس:

- الله يسلمك


تحدثت بثقة وهي تتفحصه بنظرات لم تلق اعجابه:

- لو احتاجت لحاجة في اي وقت ابقى شيعلي مع عاطف.. ده احنا اهل وولاد حتة واحدة وميصحش بردك تروحوا للغريب


من جديد اكتفي بإقتضابه في الحديث:

- تشكري يا وداد! 


ابتسمت لهما وودعت كلاهما بينما أكملت السير في طريقها حيث كانت تود ابتياع بعض الأشياء لتجد "عاطف" يتحدث لرجل يبدو غريبًا ولم تتذكر رؤيته أبدًا فأخذت تراقبهما بينما وجدته يُشير نحو بيت "جاد" و "سعد" مما اثار فضولها تجاه الأمر وقررت أن تنتظر حتى ترى ما سيحدث وبمجرد رؤيتها لتفرقهما قصدت أن تقاطع طريقه بينما تحدثت بدلال فهي تعرف أنه حدث اخيها اكثر من مرة بشأن زواجهما:

- صباح الفل، ازيك يا عاطف؟!


نظر لها تلك النظرة المفتتنة بها ورآته يبتلع بينما تحملت هي بأعجوبة نظراته التي تجعلها تشعر بالتقزز فهي يستحيل أن تقبل به كزوجٍ لها:

-  الحمد لله.. عاملة ايه يا ست البنات؟


تحاشت أن تتابعه وادعت التلقائية التي لم تخل من دلالها ثم اجابته:

- عايشة وبخير ومش ناقصني حاجة.. صحيح، ابقى عدي على أمي علشان عايزاك تروح تجيبلها حاجة!


أومأ له بالموافقة ثم أردف بإبتسامة:

- عينيا لست الكل


ادعت الإستغراب وهي تسأله فهذا هو ما تريد معرفته بعد انتظارها كل هذا الوقت وهي تتابعه:

- هو صحيح من الرجال اللي كنت بتتكلم معاه ده؟ ناوي يقعد معانا في الحتة ولا ايه؟


أومأ لها بالإنكار ثم اجابها بمصداقية فهو يأمل بهذا الحديث منذ اسابيع كانت بالكاد تحدثه بها:

- لا.. ده بس كان بيسأل على مكان بيت رحمة!


ضيقت ما بين حاجبيها وأردفت متعجبة:

- خير، مصيبة جديدة من مصايبها اللي مبتخلصش ولا ايه؟


تابع ملامحها وهو يتفحصها بنظراتٍ مسبلة واجابها:

- لا أبدًا.. ده باينها اتجدعنت مع ابنه وهو عيان فجاي يعني يعمل الواجب ويديها اللي فيه النصيب!


مصمصت شفتيها واردفت بتهكم:

- وهي رايحة تعمله الواجب في بيته ولا في مكان شغلها، مش غريبة دي شوية!


نظف حلقه ليشرح لها ما فهمه من الرجل واستطرد بحديثه إليها وهو يُطنب به ليُحافظ على تلك اللحظات معها التي لا يحصل عليها سوى كل فترة:

- اصله حاول معاها في الشغل بيقول انها رفضت، فجاي يعني يعرف بتكون مش موجودة امتى وبتروح شغلها من امتى علشان يسيبلها اللي فيه النصيب مع حد من أهل الحتة يوصلهالها وسألني قولتله يروح عِدل على عم محروس!


همهمت وهي تتفحصه برمقاتٍ خبيثة لم يرها سوى أفضل ما شاهدت عينيه الساذجتين لتقول منهية حديثهما:

- يالا اهي غلبانة وبتفحت في الصخر علشان الكام ملطوش اللي بتاخدهم.. ربنا يسترها عليها وعلينا.. 


سرعان ما تحدث بعد أن شعر بأنها قاربت على تركه:

- امين يارب العالمين ويسترك بإبن الحلال اللي يستاهلك 


ادركت أن يوشك على مفاتحتها بالأمر فتفلتت منه سريعًا وهي تقول:

- تسلم يا عاطف.. يالا أنا يادوبك امشي علشان الحق اللي ورايا! ومتنساش تعدي على أمي وابقى خد منها اللي سايبهولك معاها.. سلام!


قصدت أن توضح له أنها من تركت له إكرامية حتى يتوقف عن التفكير بشأن أمر زواجهما الذي لن تقبله فهي بعد كل هذا الوقت لن تقبل بهذا النحيف ذو الملامح القبيحة الذي بالكاد يملك ما يسد جوعه ومشت في طريقها وهي لا تُصدق تلك القصة التافهة بشأن "رحمة".. 


كلمات هذا الرجل ليست بمنطقية، وإما قد يكون "عاطف" يكذب بشأن ما قاله، لابد من أن هذه الفتاة تفعل أمرًا شائنًا ولا تريد لأحد أن يعرف.. وقتها لو حدث وتيقنت من معرفة ما الذي يدور بينها وبين ذلك الرجل تستطيع المساومة، سيتزوجها اخيها ويسعد هو وستتزوج هي من "جاد" الذي منذ رؤيته مؤخرًا وهي لا تُفكر سوى به! 


اكملت طريقها للخارج والشيطان بدأ ينسج في عقلها الكثير من التخمينات التي لن تبرح عقلها لمدة من الزمن لا بأس بها!


❈-❈-❈


تلمس يدها برقة وتفقدها بمقلتين نادمتين ثم همس لها متسائلًا:

- لسه زعلانة؟


أومأت له بالإنكار وهي تُربت على يده والتفتت بمقعد الطائرة بدرجة رجال الأعمال وتنهدت وهي تجيبه:

- مش زعلانة، بس اللي هتعمله الفترة الجاية كلها هو اللي هيحدد! sorry يا راغب بس لو لقيتك رجعت تاني زي الأول هيبقى محاولتنا كلها مش صح!


هز رأسه بالموافقة لتتفقده هي بأعين مترددة ثم حدثته لتعرف كيف ستكون ردة فعله تجاه قرارها:

- أنا طبعًا مكنش فيه فرصة اقولك على الموضوع ده بس أنا قررت اعمل business خاص بيا


رمقها بإستغراب وهو يسألها:

- اشمعنى يعني؟


هزت كتفيها ثم اجابته:

- انت طول الوقت في شغلك ورفيدة متابعة معاك وسلمان انت عارف انه دايمًا مشغول في شغله وكل فين وفين ما بيتابع معاكم.. وبصراحة مش حابة انا ابدأ بشغل كبير اوي زي بتاع العيلة.. فقررت اني اعمل حاجة جديدة وتفيدني في نفس الوقت .. ما انا جربت اهو قاعدة من بعد الجامعة سنين وسيلا كبرت ومش حابة خالص ستايل مامي بتاع الخروجات مع اصحابها ده.. حسيت أن الوقت مناسب! 


أومأ لها بالتفهم لتضيف سائلة:

- إيه رأيك؟


ابتسم لها وهو لم يتوقع قط بحياته هذه الخطوة منها ولكنه انتقى كلماته بعناية كي لا يُفسد ذلك الهدوء بينهما:

- لو ده قرارك فبراحتك، لو ده هيبسطك اعمليه، ولو حابة اساعدك كمان أنا معنديش مشكلة..


ابتسمت له بإقتضاب بينما تريث هو لتوضح المزيد من التفاصيل فهو يعلم أنها بالطبع ستخبره بما يجول بخاطرها تجاه هذا العمل الذي تود أن تبدأ به فجأة ولكنها احبطت من تريثه:

- هبقى احكيلك أنا عملت ايه بالتفاصيل بس بعد ما نرجع من السفر! 


ابتسم لها ابتسامة لم تظره اسنانه وتلمس يدها بينما شعرت هي أنها تريد التحدث معه بالمزيد بخصوص أي شيء، فلقد اشتاقت له ولإستماعه لها:

- بس حاسة اننا مكنش ينفع نسافر وقت طلاق رفيدة، وفجأة كده سافرنا.. يعني مش لو كنا رجعنا قعدنا في البيت يومين الأول قبل السفر كان بقى احسن؟


تنهد بعمق وانزعجت ملامحه ليُعقب بإقتضاب:

- خليها تعمل اللي هي شايفاه! 


سيطر الوجوم على ملامحها وتعجب مستفسرة:

- راغب أنا فاكرة أنك أنت وروفي كنتوا اصحاب اوي وانتو صغيرين، وبعدين افتكرت انكم بعدتوا بس بسبب انها سافرت وكملت دراستها وقولت يمكن مشغولين في الشغل، بس مكونتش اتوقع منك إنك تسيبها في وقت زي ده، هو ايه اللي حصل ما بينكم؟


هز رأسه بإنكار واجابها بمزيد من الكلمات التي لا تُفسر شيء وهو يقلب شفتاه ولكنها رآت الإنزعاج يُسيطر على زرقاويتيه واحدى حاجباه ارتفع ثم انخفض بحركة سريعة:

- مفيش.. عادي يعني.. زمان كنا صغيرين وكبرنا وبقينا شايلين مسئوليات.. لكن مفيش حاجة حصلت!


زمت شفتيها وهي لم تقتنع كليًا بإجابته وهذا التوتر الذي لمسته منه فقررت أن تُنهي هذا الحديث:

- ممكن، واحنا اصلًا كلنا متعودين نتعامل بطريقة professional بسبب مامي..


تنهدت وقررت أن تغير مجرى الحديث فهي لم تكتفِ بعد من التحدث بكل ما يدور برأسها ولم تكن تظن أنها تشتاق لمجرد جلسة معه وهو يستمع لها فقالت بإبتسامة:

- امال لو كنا اتربينا زي جاد كنا بقينا عامين ازاي! بصراحة هو فظيع، عليه شوية كلام يضحك معرفش بيقوله ازاي


هنا اختلفت ملامحه للغضب الصريح فسرعان ما سألته:

- فيه ايه مالك؟ انت اتضايقت من كلامي؟


زم شفتيه بحنقٍ ثم تكلم بنبرة محذرة ولكن دون أن يرفع من صوته أو يبالغ بالأمر:

- نانسي.. جاد جالنا في وقت غلط واخد حق مش حقه! مش هيفضل معانا كتير وكلها كام يوم وكل حاجة ترجع لطبيعتها في البيت


تعجبت مما استمعت له لتردف بسؤالٍ آخر:

- هو مش طلع ابن انكل أنور.. ايه المُشكلة في انه يقعد معاك أنت وروفي في نفس البيت ما دام اخوكم؟


احتدمت زرقاويتيه بالمزيد من الغضب واجابها بلذاعة:

- مش معنى إنه قدر يثبت نسبه إنه خلاص يبقى زيه زينا!


لم تلق طريقته اعجابها وجعلها تشعر بعدم الإطمئنان نحو ما يقوله فقالت بنبرة بها القليل من الإعتراض:

- بص هو ميخصنيش يعني.. بس انا شايفاه طيب وبيحب سيلا وكويس مع الكل.. يمكن يبقى إنسان كويس


ابتسم بسخرية على قولها ثم ربت على وجنتها بيده الأخرى وأردف:

- نانسي حبيبتي، واحد زي ده طماع وعمره ما هيكون كويس أبدًا!


هزت كتفيها وعدلت من جلستها بالمقعد مرة اخرى وهي تشعر بداخلها أنها لا تتفق معه فيما قاله بينما فكر هو مليًا فيما يعرفه عنه بالفعل، لقد ابتاع منزلًابتلك الأموال التي استطاع الحصول عليها كنصيبًا من إرثه، ولكن يكفي ما يتحمله الجميع بسبب تواجده في حياتهم، بل ويكفي أنهم لا يستطيعوا بعد أن يخرجوه من العمل.. ولكن لابد من حساب كل شيء جيدًا حتى عندما يتخلص منه لا يجد أي طريق للعودة لهم مرة أخرى.. 


سيُساعده مقعده في البرلمان، سيساعده النفوذ الذي سيكتسبه، وهو على تمام اليقين أن "رُفيدة" ستؤازره حتى يتخلص كلاهما منه دون أن يتركوا له ولو احتمال واحد بالعودة.. حسنًا.. بعد عودته من السفر لابد من أن يبدأ بالأمر وهو يعد له مأزق لا يستطيع القيام منه أبدًا وليريه كيف سيستطيع أن يتعامل معه حينها!


❈-❈-❈


فُتح الباب واتضحت هي من خلفه وهي تدخل لمكتب "رُفيدة" لتتقاطع اعينهما بنظرة واحدة تجاهلتها هي سريعًا بينما ظل هو يتابعها بعينيه في سكوتٍ تام واخته منشغلة بإحدى المكالمات وهي تتحدث بالإنجليزية فلم يجد سوى الإنتظار الذي لا يعلم إلي متى سيظل وضعه الدائم بهذا الوكر من الأبالسة الذي يبدو أنه لن يتغير كل شاغريه أبدًا..


اتجهت نحوها بسرعة وتقصدت أن تواجهه بظهرها كي تتفادى أي كلماتٍ معه وهي مصممة بداخلها أن تقوم بقتل أي طريقة للتواصل فيما بينهما فبعد كل ما حدث لن يُفيد الحديث معه بشيء، وعلاقتها به ستُزيد عقلها تعقيدًا وهي ليست بإمرأة تُطنب بالتفكير في رجل مهما كان من هو! 


حاولت "رُفيدة" أن تُنهي المكالمة سريعًا واعينهما تتبادلان النظرات المتسائلة إلي أن فعلت بأعجوبة بعد مناقشة آلمت أذنها وبمجرد لمستها على شاشة هاتفها وهي تُنهي المُكالمة سألتها:

- انتي فين وانا كلمتك آلف مرة من امبارح؟


ضيقت ما بين حاجبيها وهي يظهر عليها ملامح الإرتباك بينما نظرت لها نظرة ذات مغزى بأنها لا تستطيع التحدث وهو جالس بخلفها ثم تعجبت من نفسها لتلتفت له بملامح غير ودودة وهي تقول بإستهجان:

- ممكن حضرتك تسيبلنا المكتب شوية ولا نتفضل احنا برا؟


سرعان ما نهض وهو يبتسم لها بمكرٍ ثم اجابها:

- لا طبعًا ودي تيجي.. اسيبلكم المكتب علشان تتكلموا براحتكم!


امتعضت ملامحها وهو يتحدث بتلك الطريقة المُستفزة وتوجه للخارج فتابعته بعينيها إلي أن غادر فزفرت وهي تعيد نظرها نحو صديقتها وتكلمت "رُفيدة" قبل أن تفعل هي:

- بصي أنا خلاص، مبقتش مستحملة قاعدته كل شوية معايا.. وراغب سافر وسابهولي لما حاسة اني مضغوط عليا من كل حاجة! قولت انتي اللي هتقدري تخلصيني منه وتتصرفي معاه


اشارت بيده كدلالة على عدم الإكتراث وتوجهت لتجلس بنفس مقعده الذي تركه لتجد بقايا عطره الذي اختارته معه يومًا ما لا تزال متعلقة به فاتجهت لتجلس على المقعد الآخر وتعجبت منها "رفيدة" على ما فعلته بينما اردفت بسؤالها مرة اخرى:

- كنتي فين امبارح؟


تنهدت وهي تزم شفتيها واجابتها بإقتضاب:

- كنت سكرانة ومكونتش حاسة انا بعمل ايه خالص!


رفعت حاجبيها مما ادى لتقطب جبينها وهتفت بها بنبرة مكترثة:

- ايناس مينفعش اللي انتي بتعمليه ده.. انتي كده بتدمري نفسك!


اشارت برأسها دون اهتمام لتزم الأخرى شفتيها لتواصل بلهجة صارمة:

- بصي انتي تنزلي تشتغلي معايا في الشركة


اطلقت "إيناس" ضحكة هاكمة وهي ترمقها مضيقة عينيها ثم اشعلت احدى سجائرها لتواصل الأخرى حديثها:

- على الأقل احسن من وجود اللي اسمه جاد ده معايا طول الوقت! وبعدين انتي لازم بقى تعيشي بطريقة طبيعية بدل اللي انتي عملاه في نفسك ده!


نفثت دخان سيجارتها ثم حدثتها بنبرة لا تدل سوى عن انها تبالغ بشأنه وتحاشت تمامًا التحدث عن نفسها:

- هو مش خلصك من ياسر وطلقك منه بمعرفته وعمال يطبطب عليكي.. عايزة ايه تاني يا روفي.. ما تفكيها معاه بقى!


زفرت بحنق وهي تنهض لتجلس امامها ثم عقبت بتقزز:

- بيخنقني.. وكلامه الغريب.. وبيقول على نانسي أم سيلا! انتي متخيلة واحد بمستواه ده لو قعد معانا أنـ..


قاطعتها وهي لم تعد تتحمل طريقة "رُفيدة" المبالغة في الإلتزام بما ربتها عليه خالتها الفضولية:

- بقولك ايه، مبقاش فيه حد خلاص محافظ على الاتيكيت اوي كده زي حضرتك، وبعدين واحد متربي في حارة واتسجنله مش اقل من 12 سنة.. مستنية يخرج يكلمك لغات وياكل بالشوكة والسكينة زيك انتي وراغب، وبعدين انتي هبلة بصراحة.. اديلو دروس ولا اضحكي عليه بكلمتين وهيحل عنك وتخلصي من خنقته مع انه لغاية دلوقتي معملكيش حاجة وحشة!


ابتسمت بتهكم وسألتها بإستهجان:

- انتي بتدافعي عنه كده ليه؟ 


أومأت لها بالإنكار وهي تستنشق من سيجارتها ثم اجابتها بشفتين مقلوبتين:

- انا مش بدافع عنه، انا اللي شايفاه واحد زي ده تخليه جنبك بدل ما انتي خلاص لا فيه ياسر ولا باباكي وراغب طول عمره بارد وسلمان مقموص من زمان! على الأقل يوم ما احتاجتي لحد يطبطب عليكي وياخدك في حضنه كان جنبك!


ضيقت عينيها وهي تتفحص ملامحا بينما زمت شفتيها واخذت تطرق عليهم بأصابعها بحركتها العفوية المعهودة عنها عندما تُفكر بشيء:

- لا فعلًا كلامك ميبينش انك بتدافعي عنه خالص، هو انتو اتكلمتوا تاني بعد اللي حكتيلي عليه؟


لم تود أن تتحدث بالأمر وحاولت أن تغير مجرى الحديث فسألتها:

- سيبك مني أنا وجاد، قوليلي انتي عملتي ايه في الحوار بتاعك؟


تنهدت وهي لا تدري من أين عليها التحدث وبنفس الوقت تريد أن تعرف الكثير فهي ليست بغبية، صديقتها تتهرب من الإجابة ولقد فهمت ذلك تمامًا ولكنها اجابتها:

- جالي اللي اسمه سعد ده امبارح، وروحت معاه بيت غريب كده ولقيت ياسر قاعد ومعاهم ناس ومضينا على القسيمة واتطلقنا!


نظرت إليها بإهتمام وهي تستمع للحزن بنبرتها وحاولت أن تدعمها ببضع كلمات:

- بجد انتي احسن حاجة حصلتلك إنه بان على حقيقته وعرفتي تخلصي منه.. وبعدين اظن ده موقف كويس يبين إن جاد مش بيكرهك.. ما هو كان ممكن راجل متربي تربية غيرنا خالص كان راح ولعبها بطريقة تانية خالص مع ياسر


هزت كتفيها وسكتت لبرهة وهي تشرد بالفراغ بحزن وحاولت أن تتناسى ما حدث لها ليلة أمس ورؤيتها لهذا الرجل وهو يعانق اخته وكل ما مر عليها ولكنها فجأة رفعت رأسها إليها وهي تصيح بها:

- اديكي اهو بتدافعي عنه تاني!


اعادت رأسها للخلف بكرسيها وهي تزفر بملل مغمضة لعينيها ثم واجهتها ناظرة إليها وتكلمت بمنتهى الجدية والصدق:

- اه بدافع عنه علشان شايفاه حد كويس وتبقي غبية لو فرطتي فيه


ابتسمت لها بإستغراب لتعقب بسخرية:

- هو ده اللي بتموتي أي حاجة جواكي ليه علشان تعقدي الموضوع ومتديش لنفسك معاه فرصة! واضح فعلًا.


فركت جبهتها بحنقٍ وهي لا تتحمل كلماتها بينما استطردت "رفيدة" مرة أخرى:

- انتو كان مالكوا بتتكلموا مع بعض من شوية بطريقة مش لطيفة خالص؟


اخذت تعبث بشعرها بتوترٍ ثم اجابتها رامية بكل ما ثقل كاهلها دفعة واحدة:

- بصي بقى علشان أنا محورش عليكي.. أنا آه مش عايزة اي حاجة بيني وبينه تحصل بس امبارح بمنتهى الغباء كلمته وانا مش حاسة بنفسي صحيت لقيته قاعد جانبي ومن ساعتها وانا هتجنن من التخلف اللي عملته ده


توسعت عينيها لتهتف بها بدهشة:

- تقصدي إن انتي وهو.. 


قاطعتها مسرعة وهو تومأ بالإنكار:

- يا روفي افهمي جاد مش وسخ كده! مش هينام معايا علشان خاطر سكرانة وحتى لو فايقين مظنش إنه اصلًا يقبل بحاجة زي دي من غير جواز! انا لقيته قاعد عادي مستنيني اصحى، شكله فضل طول الليل جانبي


قلبت شفتيها بتعجب وسألتها:

- علشان كده فاكراله الموقف وهو بيتصرف زي اي gentleman وعمالة تدافعي عنه من ساعة ما جيتي؟


هزت كتفيها وهي تشرد وتحاول صوغ ما يدور بعقلها وبدأت في الهمس وهي تصفه:

- مش عارفة.. هو فعلًا ممكن يكون كويس بس كل واحد مننا ليه تفكير مختلف.. جاد خامة كويسة وعايز حضن وعيلة وحد مش كئيب كده ولذيذ اوي بصوته العالي اللي بيعمل دوشة ده، وبيحب الهزار بكلامه الغريب، وضحكته بحركاته، وغير طبعًا إن شكله حلو و..


توقفت من تلقاء نفسها لتجد زوجًا من العيون الزرقاء تحدق بها بإستهجان وهناك ابتسامة تلوح على شفتيها واطلقت زفرة متعجبة لتدارك "إيناس" أن تحدثت اكثر من اللازم :

- ده انتي واصلة لمرحلة صعبة! كل ده في كام يوم بس؟


ادعت الصرامة على ملامحها ثم حدثتها بنفور قائلة:

- بصي مش معنى اني جوايا حاجة من ناحيته أو شايفاه كويس يبقى ننفع نكون سوا.. صعب اوي حد زيه يقبل واحدة زيي.. بصي حواليكي يا روفي وشوفي الرجالة بتفكر ازاي! عمرنا ما هننفع ولا هو عمره هيقبل واحدة زيي!


قلبت شفتاها ونهضت لتتجول وهي تشعل سيجارة هي الأخرى وغمغمت:

- بكرة نشوف! 


تمددت بجسدها قليلًا ولكنها التفتت لها فجأة وسألتها:

- بس ملقتيش غير ده تحسي من ناحيته بكل الاحاسيس دي؟


هزت لها كتفيها ثم اجابتها بنبرة سائلة:

- وانتي ملقتيش غير ياسر علشان تحبيه وتتجوزيه وتسيبيه يستغلك ويبعدك عن صاحبتك؟


ابتسمت لها بإقتضاب وهي ترمقها بمزيج لوني عينيها وأردفت:

- مش بمزاجي ولا بمزاجك يا روفي!


تنهدت وهي تتفق معها في هذا وكاد الحزن أن يعود ليتحكم بها مرة اخرى ولكنها لن تسمح بهذا فهي لا تريد سوى أن تهرب من واقع ما حدث لها بزواجها وتحدثت بحماس:

- بصي بقى.. سهر وعيشة الضياع اللي انتي فيها دي هتبطليها.. عايزة تعيشي حتى معايا تعالي، اتصرفي، بس مش هاسيبك لواحدك.. الشغل موجود مبيخلصش! انزلي اشتغلي معايا او اقعدي حتى في البيت وضايقي طنط سوزي او حتى الحقيني من جاد اللي بجد مبعرفش اتعامل معاه لغاية ما نعرف هيفضل قاعد معانا لغاية امتى.. المهم اعملي اي حاجة وفوقي شوية يا ايناس


ابتسمت بحسرة واردفت بسخرية:

- شغل ايه تاني بقى ما كان زمان


تنهدت وهي تتجه نحوها لتلقي ببقايا سيجارتها بالمنفضة وحاولت من جديد لتقول بإلحاح تناشدها:

- بلاش شغل.. بس خليكي جانبي.. انا فعلًا محتاجة وجودك معايا.. وانا وانتي من زمان كل واحدة بتكمل التانية.. بلاش يا ايناس واحدة فينا تخسر نفسها اكتر من كده لأي سبب من الأسباب.. مظنش اننا محتاجين نعيد مشاكلنا تاني.. وانتي عارفة اننا هنكون احسن لو رجعنا قربنا من بعض زي زمان


حدقت بملامحها لبُرهة وهي تحاول التفكير بكلماتها لتومأ لها بالموافقة وملامحها حزينة ولكن سرعان ما تحولت فجأة لتصيح بها:

- بس لأ.. جاد ابعديني عنه!


أومأت لها بالإنكار وقالت بلهجة لا تحتمل النقاش:

- ده انتي محدش هيعرف يتعامل معاه غيرك!


❈-❈-❈



في نفس الوقت..


خرج وهو يُفكر بالكثير من الأمور التي قد تجرى بين كلتاهما، يُفكر بشأن الحديث الذي ستتحدثا به، بعد ما استمعه يدور بينهما بغرفة "رفيدة" يعلم أنه سيكون موضوع النقاش المتبادل بين كلتاهما، ولكن هل ستُدلي "إيناس" بمنتهى الصراحة بكل ما حدث ليلة أمس؟ 


اخذ عقله ينسج الكثير من الإستنتاجات والنتائج التي ستنتج عن حديثهما، ولكنه لم يكن يُفكر وحده، كان يُصاحبه شيطان لعين لا يتوقف عن الوسوسة له، فلقد نوى منذ سنوات أن يملك كل ما لم يمتلكه، الأموال فقط ليست غايته ولا رغبته، بل يطمع أن يكون الوحيد الذي لا يستطيعوا الحياة دونه..


اصدر هاتفه رنينًا ليتفقده ثم التفت حوله ليجد مساعدة "رُفيدة" تتابعه بعينيها وهي جالسة على مكتبها فرمقها بنظرة متفحصة ثم غادر للخارج حتى يحصل على بعض الخصوصية واجاب هاتفه بإعتذار كان لابد من أن يبدأ به معه:

- لا مؤاخذة يا سعد طول الليل امبارح كان معايا حوار..


آتاه سؤاله المُستفهم بإكتراثٍ صادق:

- انت كويس ولا فيه حاجة حصلت؟


زفر بضيق وتريث لوهلة ولكنه لم يُرد أن يثير المزيد من قلقه بعد كل ما فعله من أجل "رفيدة" بالأيام الماضية:

- لا كله زي الفل وماشي الحال..


لم يبتع "سعد" اجابته وقرر أن يترك ما لا يود البوح عنه حتى رؤيته وحدثته بجدية:

- انا عايزك تجيلي تقعد معايا شوية، فيه حاجات كتيرة لازم نتكلم فيها


عقد حاجباه بإستغراب ثم هتف به متعجبًا:

- ايه الكلام ده يا عم، ولامؤاخذة ايه المغزى من اللوغاريتمات دي؟


اجابه بإقتضاب دون أن يطيل بكلماته:

- لما ابقى اشوفك هتبقى تعرف! هتجيلي امتى؟


تنهد وهو حقًا لا يعلم متى سيلقاه ثم اجابه بإقتضاب:

- مش عارف، هاخلص واجيلك، بس متقلقش كده كده لازم نقعد سوا فهعدي عليك اكيد


انهى مكالمته بعد أن اتفقا على رؤية بعضهما البعض بينما أخذته قدماه وهو يسير دون وجهة محددة وهو يُفكر بأمر "سعد" وبداخله الكثير من الإرتياب، فهو يعرف أنه لن يقبل بسهولة ما يود فعله معه! 


شرد وهو يحاول أن يجد بداخل عقله الأفضل لنفسه في النهاية، فإن لم تنجح محاولاته مع كلًا من "رفيدة" و "راغب" فعللى الأقل لن يستطيع خسارة "سعد" و "رحمة" .. لو كان عليه أن يختار بين كل هؤلاء سيختار في النهاية من يعرفهم طوال سنين عمره ويثق بهما ثقة عمياء.. ولكن لا تزال اللعبة مستمرة، ولا يزال بيديه بعض المحاولات كي لا يخسر جميعهم! فهو لا يستطيع أن يُغير فكرته بشأن أن يصبح هو الوحيد الذي يحتاجه الجميع! 


وجد نفسه أمام واحدًا من الأبواب التي طُبع عليها بالإنجليزية كلمات لا يفهمهما ولكن لابد من أنها تشير إلي منصب من يجلس خلف هذا الباب.. التمعت عينيه ببعض الحماس وهو يبتسم بكر إلي أن توسعت ابتسامته ولقد قرر بداخله أن يقضي وقته في اثارة بعض المُشكلات التي ستجعل اخته غاضبة حد الجحيم وستجعلها هي وصديقتها يُنهيا أيًا ما كان حديثهما وستأتيان راكضتان حتى توقفاه عما يفعله!

❈-❈-❈


ظهيرة نفس اليوم..


طرق بإصبعه مرارًا على شاشة الهاتف التي تعكس حروف اسمها للمرة الخامسة اليوم وهي لا تقوم بالرد عليه لينتهي كل صبره وينفذ فقرر أن ينهض ويبحث عنها بنفسه ليرى ما نهاية هذه الفتاة معه! 


تقوم بصده في البداية بلذاعة حديثها، تصفعه، تصادقه، يُشاركها بأمور حياته، ثم فجأة تُقرر أنها لا تريد التحدث معه بالهاتف، والسبب أنها لا تتحدث إلي رجال [اوقاتٍ متأخرة، إذن ما الذي كانت تفعله بالأيام الماضية بصحبته؟! وما لعنتها في الرد على مكالمته طوال النهار؟! هذه الفتاة ستفقده عقله!


فكر كثيرًا في ما يعرفه عنها، لو كانت هي من تعمل ممرضة إذن لابد من وجود مشفى تذهب له، فهو لن يستطيع أن يذهب لمنزلها بالطبع الذي لا يعرف مكانه، وهو يستحيل أن يسأل "رفيدة" أو هذا المسمى بـ "جاد" عن عنوان منزلها، كما أنه ليس بالشخصية التي تحبذ اثارة المشاكل!


زفر بضيقٍ بينما امسك بهاتفه مرة اخرى وبدأ في البحث عن حسابها بواحد من مواقع التواصل الاجتماعية وبعد عناء بين اللغة الإنجليزية واللغة العربية ومحاولة تذكر اسم والدها تناول من وقته ما يقارب نصف ساعة استطاع أن يجد حسابها ليتنهد براحة عندما استطاع ايجاد اسم المشفى الذي تعمل به! 


الطريق لن يكون قصيرًا ولكنها محاولة جيدة.. على كل حال هو يُريد أن يراها، أو يتحدث معها، لا يدري تمامًا ايهما اقرب ولكنها عليها أن تُفسر له سبب عدم اجابتها عليه منذ الصباح!


اتجه بسيارته نحو الموقع الذي تقع به المشفى وانتظر الوقت الذي لا يريد أن يمر بسبب ذلك الزحام الذي لا ينتهي وكثرة الإشارات المرورية التي يبدو وكأنها لن تفارق اللون الأحمر أبدًا واخذ يتابع هاتفه تارة والطريق تارة إلي أن لمح واحدًا من اشهر الأماكن التي تتميز بقهوتها، هو لا يحبها كثيرًا ولكنها ستقضي غرض صداعه اللعين..


صف سيارته بعد أن عبر اشارة المرور ووقف لإبتياع القهوة واقترح عليه عقله أن يحضر لها البعض كذلك فهو لم يتبق سوى خمس دقائق على وصوله لها كما يظهر على هاتفه وخمن لفترة ما الذي قد يُعجبها ويروقها ولكنه التزم بنوعٍ من القهوة الخفيفة باللبن غير مُضاف إليه الكثير من الإضافات! 


واصل طريقه من جديد ثم صف سيارته بمرأب المشفى وتناول كوبان القهوة وتوجه للداخل ثم اقترب من مكتب الإستقبال وابتسم برسمية لموظفة الاستقبال ثم سألها:

- لو سمحتي فيه ممرضة هنا اسمها رحمة عطالله ممكن اروحلها ازاي؟


ضيقت الفتاة ما بين حاجبيها وهي تنظر له بإستغراب واجابته سائلة:

- هو حضرتك جايلها زيارة يعني؟


أومأ لها بإقتضاب وهو لا يكره من أن يمنعه أحد عما يُريده واتضحت عجرفته على وجهه بعفوية دون تحكم منه فرمقته الفتاة مليًا ثم اخبرته متسائلة:

- طيب اتفضل حضرتك استناها وانا هبلغها! بس اقولها مين مستنيها؟

- سلمان يكن!


اجابها بلهجة متغطرسة ثم التفت نحوه ليجد بعض المقاعد فتوجه نحوها بينما تعجبت الفتاة منه ومن هيئته التي يبدو عليها وكادت أن تُمسك بالهاتف الداخلي للمشفى لتقوم بالإبلاغ عن زيارة هذا الرجل لها بينما سألها رجل آخر:

- بعد اذنك.. فيه ممرضة اسمها رحمة عطالله، هي بتخلص امتى؟


اندهشت لما يحدث وكأن ليس هناك سوى هذه الفتاة بالمشفى بأكملها ليسأل عنها الجميع وهي بالطبع لن تصرح بمواعيد العمل وخصوصًا طاقم التمريض الذي له مواعيد مختلفة على حسب تغير نوبات عملهم فأجابته قائلة:

- مش عارفة على حسب الـ shift بتاعها.. بس ممكن حضرتك تستريح وانا ابلغها.. عمومًا هي عنها ضيف تاني ممكن تستنى معاه!


تعجب الرجل ثم سألها:

- ضيف مين؟


قلبت شفتاها فهي ليس من المفترض أن تصرح بهذا وقالت بنبرة حاسمة:

- اتفضل وانا هبلغها.. 


ادعت الإنشغال بطلب رقم داخلي ليلتفت الرجل وكاد أن يتوجه لينتظرها حتى يُنفذ ما اسند إليه من اوامر وبمجرد وقوع عينيه على مقاعد الإنتظار الشاغرة لمح بعينه "سلمان يكن" الذي لن يجعل مهمته سهلة!


سرعان ما غادر المشفى وهو يتحدث بهاتفه وبمجرد اجابة الطرف الآخر عليه ابلغه بما رآه:

- انا روحتلها الصبح قالوا انها راحت المستشفى وعلى ما جيت لقيت سلمان يكن قاعد مستنيها! 


استمع لضحكة خافتة منه ثم قال:

- خلاص.. تروحلها بدري من بكرة الصبح وتستناها وهي خارجة من بيتها وقبل ما تدخل المستشفى تجيبهالي! 


انهى مكالمته ثم غمغم بإبتسامة ساخرة والكثير من صور الماضي تلوح بعقله:

- شكلنا هنعيد الذكريات يا سلمان تاني ولا ايه! 


❈-❈-❈

يُتبع ..