-->

الفصل الرابع عشر - ظلام البدر - دجى الليل

 


الفصل الرابع عشر
عاد بسرعة بعد أن أحضر كل العلاج اللازم للحمى! هو يعرف جيداً ما بها وقد واجهه من قبل عندما مرضت ليلى!
حملها ثم وضعها في المياة الباردة حتى تقل حرارتها قدر المستطاع ليسمعها بين الحين والآخر تهذي بنفس الكلمة "بلاش ضرب"
لقد واجه العديد من المواقف التي بكت بها النساء وتآثرن من عذابه؛ ربما كسرن، نزفن، لقد رأى كل شيء ولكن تلك الحالة من الهذيان جديدة عليه تماماً.
أخرجها من المغطس ثم جففها وألبسها تلك الملابس وأعطاها حقنة بسرعة لتخفض من حرارتها وآخذ في عمل الكمادات وأخذ يراقب حرارتها التي انخفضت بعد الكثير من الوقت.
لأول مرة يشك أنه فشل بشيء ما وكان سيتحدث للطبيب ولكن لماذا كل هذا العناد منها بل ومن جسدها تجاهه.
تنهد وهو ينظر لها وأكمل صنع الكمادات الباردة لها لتستمر في الهذيان بين الحين والآخر ثم للحظة شعر بالكراهية تجاه نفسه.. إلي متى سيظل يعذب النساء، أين له بالخلاص من كل ذلك؟ هذه الفتاة أخطأت ولذلك هو يفعل كل هذا، يرى بها نفس المرأة المستغلة التي كرهته من قبل، ولكن ماذا بعد أن ينتهي منها؟ هل سيعود لعادته القديمة ويحضر نساءاً فقط ليعذبهن!!
منذ أن رحلت ليلى وتركته لم يعد الأمر بالنسبة له هو رؤية والدته بهن، بل أصبح يأتي بالمرأة ليعذبها إلى أن تطلب منه الرحيل وحينها لا يرى أمامه إلا ليلى متمثلة بهن وهي تخبره بأنها ستعود قريباً ويعود هو ليكتشف أنها ليست هناك ولم تعد ولن يراها مرة أخرى وأن كل ما يره هو مجرد وهم!
هنا يجن جنونه ويُطلق ذلك الوحش بداخله ليفترس من أمامه بمنتهى الحيوانية والهمجية، يتمنى فقط لو مرة وهو يعذب إحداهن أن تنطق وتخبره بأنها ستبقى، ستبقى بجانبه ولن تتركه أبداً.. ولكن لم يحدث ذلك ولو لمرة واحدة..
تطلع وجه نورسين ملياً وهو يرفع خصلاتها الحريرية ثم أطلق زفرة عميقة وهو يُفكر بكل شيء أوصلها لهذا الوضع بين يداه، لقد أذنبت كثيراً بحق عائلته، تلك العائلة التي لن يخسرها أبداً مهما حدث، لا يعرف أحد بحياته غيرهم، هم من مثلوا له الأسرة، الحب، العائلة، احتضنوه في وقت كان مُدمراً به، لن يترك أحد يُفكر في أذيتهم أو استغلالهم.. لن يحدث هذا ما دام لديه القدرة على التنفس..
لماذا أرادت أن تفعل ذلك؟ فتاة مثلها في مقتبل عمرها، تبدو ذكية، جميلة، متفوقة، طيبة، لماذا تأتي لتُفسد على رجل وإمرأة زواجهما بهذه الطريقة؟
نظر لها وهو يُفكر بما سيفعله معها الأيام القادمة، بالطبع لن يدعها لتستحوذ على عقل عائلته بطيبتها المُزيفة، ولن يستطيع أن يدعها بالقرب من كريم حتى يُظهر خيانته لهديل!!
وقع بالكثير من الحيرة وشرد ليفكر مجدداً وعلم أن الطريقة الوحيدة للإنتهاء من إلحاح الأفكار عليه هو أن يُكشَف كل من كريم ونورسين بسرعة حتى ينتهي من ذلك الكابوس.. مد يده ليبدل الكمادات على رأسها ليجدها تفتح عيناها ووجهها شاحب للغاية
"أنا حرانة أوي.. هو ليه الجو حر كده"
 همست وهي تغلق جفناها في تعب شديد وشعرت بالسخونة الشديدة تكاد تحرق عيناها ثم نظرت لتجد أن بدر بجانبها ويبدو وكأنه هو من يطببها 

"أنا مش قادرة أقوم عشان انضف.. أنا آسفة.. أنا.. " 
تحدثت في تلعثم واضح وبدأت في الخوف منه ونبرتها أهتزت رعباً منه ليوقفها عن الكلام واضعاً سبابته على شفتاه ثم حدق بعينيها المتعبتين وتوجه ليحضر لها بعض المياة وهي تتابعه بزرقاوتيها في إرهاق شديد لتجده يتوجه نحوها ويقترب منها لتخاف هي ولكنه ناولها المياة لتتعجب فآخذتها منه ولكنها لم تستطيع التحرك.

زفر في حنق ليقترب منها فشعرت بالرعب من قربه لها هكذا ثم حاوط خصرها بذراعه حتى يساعدها لتجلس فتمسكت هي بذراعه في تلقائية لتستند عليه ونظر إليها لتتلاقى أعينهما لبرهة وتزايدت خفقات قلبها في خوف بينما هو عاد له نفس ذلك الإحساس كلما أقترب منها ليبتعد مسرعاً عاقداً حاجباه.
"اشربي.." 
صاح آمراً لتشرب هي بسرعة وما إن انتهت اقترب منها ليآخذ الكوب 

"حاسة بإيه دلوقتي؟" 

بالرغم من أن سؤاله هذا يٌعتبر اهتماماً ما من قِبله ولكن لهجته الحادة لم تدع لها الفرصة للشعور بذلك الإهتمام!

"حرانة ودايخة وزوري بيوجعني اوي.." 

تحدثت في تلقائية ليزيد هو من عقدة حاجباه وعادت هي للشعور بالخوف.

"كان ناقص كمان قرفها ده" 

تمتم بعد أن توجه للخارج ليقوم بطلب بعض الحساء الساخن والدجاج لها واستدعى الطبيب.
❈-❈-❈


حاولت أن تفهم ما الذي يفعله معها، يعذبها ويهينها والآن يعتني بها!! تعجبت كثيراً من كل هذا ثم اندهشت وهي تعود بذاكرتها لليلة الأمس..
لقد جلست تبكي حتى شعرت بأن حبالها الصوتية قد تضررت من كثرة النحيب، أشتاقت لوالدتها كثيراً، تريد أن تذهب لها وتقص عليها كل شيء، هي حتى لم تقم بزيارة قبرها ولو لمرة واحدة، أجهشت بالبكاء ثانية عندما أدركت أن بدر الدين لن يدع لها الفرصة لتفعلها حتى ولو توسلت له!!
لقد نامت هنا، تبكي، لم تشعر بالوقت، لقد كانت بالكاد تخفي جسدها عنه، نعم هي تتذكر ذلك، إذن، هو الذي ساعدها لترتدي تلك الملابس، لقد فاقت لتجده بالقرب منها يضع لها الكمادات على جبينها، ماذا حدث له منذ البارحة إلي الآن؟ أيمكن أنه قد أكتشف الحقيقة وعرف أنها لم يكن لديها يداً بكل ما حدث؟!
تنهدت في حيرة ثم تفقدت الوقت لتجدها التاسعة مساءاً وظلت تفكر، أحقاً بدر الدين الخولي لم يعود لعائلته فقط لأنها مريضة؟ كان بإمكانه أن يدعها تجلس معه بالسيارة وعند عودتهما كان له أن يستدعي الطبيب أو شاهندة لتعتني بها ولكن ما أثار حيرتها أكثر أن مظهره ذلك وملامحه التي رآتها منذ دقائق تخبر بأن بداخله بعض الإكتراث والقابلية لمساعدة الغير!! أيمكن هذا معه أم أنها تتوهم لطيبتها الزائدة؟!

وجدت شخصاً يدلف عليها وبالقرب منه بدر الدين لترتبك وهي تحاول أن تعتدل في جلستها ثم همس بدر بشيئاً لم تستطع هي سماعه وتوجه للخارج بينما أقترب الشخص الآخر منها لتشعر بالخوف فهي لم تعد تثق بما قد يفعله بدر الدين حتى ولو هي مريضة فكل ما فعله معها لا يترك لها مجالاً للإطمئنان.
أقترب منها حاملاً الطعام بعد أن فحصها الطبيب الذي أخبرهما بأنها حمى شديدة وسوء تغذية وإرهاق لتفر دمعة ازاحتها سريعاً بأناملها عندما تذكرت أنه السبب في كل ذلك بينما بدر الدين وبمنتهى الإندهاش تجاه نفسه شعر بداخله بالذنب الشديد لما فعله معها.
"خلصي الأكل ده.. أنا رايح أجيب الدوا وجاي" آمرها في اقتضاب بعد أن وضع الطعام أمامها وهي تطالعه بزرقاوتاها في توتر ثم أشاحت بنظرها وسلطته على الطعام لكي لا ترتبك أكثر بفعل عيناه تلك القاتمتان.
أنهت الطعام بأكمله حتى شعرت بالإمتلاء ووصدت عيناها لبرهة ولم تشعر بنفسها بعد ذلك.
دلف الغرفة التي تمكث هي بها ليجدها نائمة وأمامها الصحون فارغة ليعقد حاجباه في حنق واستنكار من تصرفاتها، كيف لها حتى أن تسقط في النوم دون وعي بما أمامها.. لا يُصدق أنها بمثل تلك الطفولية الشديدة.
أقترب ليزيح الأطباق جانباً ثم توقف ينظر لها في تحير شديد ولكنه لن يضيع المزيد من الوقت عليها، أقترب بيده ليجعلها تستيقظ لتناول دواءها ولامس كتفها "اصحي" تحدث في هدوء ولكن على مضض.
"لا لأ متضربنيش" صاحت في فزع عندما رآته بالقرب منها وعادت للوراء بجسدها بينما نظر لها هو في غضب شديد وقدم يده لفمها ليجبرها أن تبتلع الدواء ثم ناولها المياة
"اطفحي الزفت.." تحدث بين أسنانه المطبقة غضباً ثم ابتعد عنها لتفعل هي على الفور ثم استمع لإرتطام الكوب بطاولة السرير الجانبية "اتخمدي عشان هنرجع بكرة" أخبرها وهو موجهاً ظهره لها وبعدها توجه للخارج.
تركها في حيرة من آمرها فهي لم تعد تعي ما الذي يفعله معها وما الذي أثناه هكذا فجأة عن طريقته معها بالأمس لتزفر في حيرة ثم وضعت رأسها على الوسادة ووصدت عيناها لتذهب في النوم سريعاً.
❈-❈-❈

"شاهي حبيبتي عاملة ايه؟"
"ايه يا بدر وصلتو لفين؟"
"لا احنا لسه في لندن.. حصل اجتماع مفاجئ تاني واضطرينا نأجل السفر شوية" تحجج بأي شيء حتى لا يُشعرها بالقل على نورسين
"يووه بقا، يعني لسه هتيجوا بكرة.."
"ايوة.. كده احنا خلصنا كل حاجة.."
"ماشي يا بدر أما أشوف آخرتها ايه، نور وحشتني أوي.. هي جنبك؟"
"لأ في اوضتها" اجابها بإقتضاب وسحق أسنانه في غضب من تلك الأعذار الواهية التي يقدمها من أجل تلك الفتاة
"طيب سلملي عليها كتير.. أنتو طيارتكو امتى صحيح؟!" سألته في تلقائية بينما تريث هو وهو لا يدري بم يجيبها!
"طب شاهي هكلمك تاني.." أنهى المكالمة بسرعة ليتمتم غاضباً " فيه ايه بقا! ايه اللي أنا بهببه ده؟" هشم بمنفضة سجائره احدى المرايات بالغرفة وهو يتعجب على كل ما يفعله معها ولأجلها، إلي الأمس كان كل شيء بخير، ما الذي حدث بعدها؟ لماذا غير خططه بأن يدعها تستريح؟ أيشفق عليها؟ أيكترث لأمر تلك الحثالة؟ لماذا يُقدم الأعذار من أجلها؟ لا!! لن يحدث..
لن يكترث مجدداً لأمر إمرأة أياً كانت.. لن يفعلها أبداً! هن بأكملهن مجرد مستغلات.. احدهن تستغل الأموال وأخرى تستغل عشق الرجال لها..
عاد ليتذكر تلك اللحظات مع ليلى عندما طوعته لكل ما أرادت وكأنها تحلم وهو يترجم حلمها حتى يجعله حقيقة من أجلها، ابتلع في مرارة ثم تهاوى جسده جالساً على أحد المقاعد وتذكرها مجدداً..
"اتبسطتي؟" همس سائلاً اياها وهو يتلمس أسفل ذقنها وحدق بتلك العسليتان وهي جالسة على ركبتيها بين قدماه المتباعدتان
"اوي" اجابته بإبتسامة وهي تومأ له وبالرغم من وجهها الذي يبدو عليه الإرهاق وجسدها الذي يؤلمها إلا أنها شعرت وكأنما تُحلق بالسماء السابعة فقبلت يداه الاثنتان ثم اراحن رأسها بجانب قدماه.
"أنتي عارفة ومتأكدة إنك مش لازم تعملي ده عشاني.. ملوش لازمة لو بيتعبك!" أخبرها بدر ثم أراح جسده بذلك الكرسي الوثير ليجذبها ويجلسها على ساقيه ثم أراح رأسها على صدره.
"حبيبي.. أنا حبيت كل ده معاك.. يمكن لو في ظروف تانية مكنتش بقيت كده.. بس تعرف! من ساعة ما قولتلي وأنا ابتديت أفكر في الموضوع، قريت كتير عنه، اتفرجت على حاجات كتير، اخدت الموضوع من وجهة نظر تانية خالص، لقيتني شوية بشوية حبيته، كان نفسي اجرب ده بجد عشان أتأكد وأقرر إذا كنت هاحبه اوي ولا مجرد الكلام اللي شوفته شدني.. بس صدقني أنا خلاص بقيت مقدرش أعيش من غير الحاجات دي؛ كل لمسه بتلمسهاني وكل قسوتك معايا في الأوقات دي مقدرش خلاص اعيش من غيرها" 

أخبرته وهي تحاوط صدره بذراعها وتستمع لخفقات قلبه
"بس أنا مش عايزك تتعودي على الحاجات دي؛ أنا لولا إن أنتي اللي معايا ممكن الموضوع يخرج عن ايدي وأأذيكي وساعتهـ.."
"عمره ما هيخرج عن ايدك عشان بتحبني وأنا واثقة ومتأكدة إن عمرك ما هتأذيني أبداً" قاطعته ثم ازادت من حدة معانقتها له وهو يخلل يده بين خصلاتها الطويلة ثم نهض غاضباً من كثرة تلك الآلام التي تجددت بداخله بعد أن تذكر تلك اللحظات.
"بس أنتي آذتيني يا ليلى.. ادتيني كل حاجة وغيرتيني وحسستيني بالأمان وفجأة سيبتيني وخرجتي من حياتي" تمتم متآلما ثم حدق بصورتها على هاتفه للكثير والكثير من الوقت وآخذت ملامحه تتحول من التألم للغضب الشديد لينهض مسرعاً بعد أن آخذ قراره.
لن يلين لإمرأة، لن يتهاون مع أي منهن حتى لا تظن أن هناك بعض الإكتراث بداخله.
لن يدع الفرصة لمثل تلك الفتاة بأن تعتقد ولو لثانية واحدة إنه يشفق عليها أو يكترث لأمرها، تلك المستغلة الصغيرة عليها أن تتذكر من هو مجدداً.. ستسافر والآن في حالتها تلك ولن يتغير شيئاً بمرضها.. إذا مرضت فتلك مشكلتها وليست مشكلته هو!
اصطحب غضبه وقراره لجناحها دالفاً اياه وتوجه لغرفتها وهو يتوجه نحو سريرها في غضب وكاد أن يتحدث ولكنه توقف من تلقاء نفسه.
رآها وهي متكورة على نفسها، متعرقة بغزارة شديدة، تأن بين أنفاسها المنتطمة كالمرتعبة من شيء ما.
لا يدري لماذا تراجع مجدداً؟ لقد أقضى حَالي ساعتان يحاول أن يقنع نفسه أنه لن يصبح ليناً معها أبداً.. ما الذي يحدث له الآن؟!
سأل نفسه وهو يجلس في حيرة على كرسي قريب منها ونظر لها ملياً ليجدها تهمس بين نومها مرة أخرى

 "بلاش ضرب.." سمع نبرتها النائمة الخائفة ليزفر في حيرة وهو لا يدري ماذا يفعل معها!
ظل جالساً يُفكر ويُفكر وهو ينظر لها يتفحص ذلك الوجه البريء الذي خدع الجميع ببراعة وحاول أن يستحث ذلك الغضب وتلك القسوة بداخله على أن يوقظها ولكن شيئاً ما يغلله وكأنما وقع أسيراً في براثن من لا يرحم!
توجه نحوها وهو يرفض تلك الشفقة التي تصرخ بداخله كي يدعها وشأنها ومد يده ليجذبها من شعرها ولكن خارت قواه تماماً ليعيد الغطاء عليها مرة أخرى وعاد لمقعده وهو يحاول مجدداً أن يستدعي قسوته وبدلاً من أن يوقظها سقط هو في النوم.

"صابر! كفاية بقا! حرام عليك، ليه بتعمل فيه كده؟ ليه بتظلمه؟ ده مش ذنبه.. ده طفل مكملش عشر سنين، أنت كده بتربيله عقدة" 

صاحت نجوى في انفعال بينما استمع بدر الدين لكل ما قالته ولكنها لم تراه فلقد أختبأ جيداً أسفل الطاولة.
"نجوى.. ده ابني وملكيش دعوة أتصرف معاه زي ما أحب.." 

صاح صابر بنبرة قاطعة لا تحتمل النقاش
"وهو بردو ابني زي ما هو ابنك.. أنا مش هاقبل عنفك معاه ده" تحدثت له بعصبية ثم توجهت نجوى نحو زوجها وهي تنظر له في توسل "أنا بحبك.. حبيتك بكل ما فيك؛ مكنتش أتصور أبداً إن قلبك الحنين ممكن يعمل كده في طفل ملوش ايد في كل اللي بيحصل"
"لأ يا نجوى ليه ايد.. ذنبه انه ابنها.. بشوفها فيه كل لحظة.. بشوف خيانتها واستغلالها و..."
"لأ.. مش هو اللي عمل كل ده.. هي اللي عملت كده، فوق ارجوك وحاول تحس أنت بتعمل ايه.. لو أنا عملت كده في شاهندة لا قدر الله عشان حصل ما بينا مشاكل تفتكر هتسامحني؟ تفتكر هتحبني؟ هتشوفني ازاي وهتبوصلي ازاي؟" قاطعته في حزن لينظر لها متمعناً بها
"انتي حاجة وعلاقتي بيكي حاجة واللي حصل مع الواطية التانية حاجة.. متقارنيش ما بين اللي بيني وبينك واللي حصل معاها وسيبيني أربي زي ما أنا شايف.. عارفة ده دمه بيجري فيه الوساخة والاستغلال زي أمه.. لو متكسرش مرة واتنين وتلاتة وعشرة واتربى صح هيتنمرد زيها!"
"يا صابر حرام عليك اللي أنـ.."
"كلام دلوقتي مش عايز وسيبيني لوحدي عشان اهدى بدل ما امسكه اموته،" 

صرخ بها لتنظر له نجوى في حزن وآلم على ذلك الصغير ولم تتحرك من مكانها فنظر لها هو في غضب 

"يوووه! اديني ماشي وسايبهالكم عشان ترتاحوا!" 

صاح ثم توجه خارجاً صافعاً الباب خلفه لتبتلع نجوى لعابها في حزن ثم شعرت بحركة أسفل الطاولة لتتوجه وهبطت على ركبتيها وتفقدت ما تلك الحركة لتجد بدر الدين يرتجف رعباً فابتسمت له في حنان ودلفت هي الأخرى أسفل الطاولة معه.
"قفشتك.. بتعمل ايه هنا بقا؟" 
همست له وهي تنظر بتلك العينتين البريئتين.
"بابا هيموتني.. أنا خايف اوي.. ماما نجوى ابعديه عني.. أنا خايف" 

همس برعب لتعانقه هي وشعرت بإبتلال بنطاله وخجله في نفس الوقت فلم تشعره هي بإحراجه وكأن كل ما فعله طبيعي وربتت على شعره الأسود الفحمي في حنان وهي تضمه لصدرها وتحاول أن تقلل من ارتجافه
"متخفش.. طول ما أنا معاك مش هيقدر يعملك حاجة.. بابا كان متعصب بس شوية واكيد لما يرجع بليل هيهدى وينسى كل الكلام ده.. وعلى فكرة بابا بيحبك اوي يا بدر.. عارف! كان مبسوط جداً لما اخدك من عند مامتك عشان تقعد معانا هنا. هو بس عصبي شوية لكن حبه وهينسى"
"لأ.. هو قال هيموتني.. ممكن يا ماما نجوى تخبيني ومتقوليلهوش.. وأنا مش هاعمل صوت خالص"
"اخبيك فين بقا؟" نظرت له بأعين متوسعة مازحة
"هنا تحت الترابيزة.. هو مش هياخد باله"
خلاص اتفقنا.. بس ايه رأيك قبل ما يجي تيجي تتفرج على الحاجات الحلوة اللي جبتهالك؟"
"بس كده بابا هيشوفني ويموتني"
لا يا حبيبي متخفش.. طول ما أنت معايا متخافش يا بدر الدين.. محدش هيقدر يقرب منك أو يأذيك طول ما أنا عايشة.. مش عايزاك تقول الكلمة دي تاني أبداً.. اتفقنا؟" 

أومأ لها لتبتسم له ثم قبلت مقدمة رأسه وتوجها ليخرجا سوياً من الغرفة..
"هيموتني.. أننا.. خايف" 
تمتم هامساً أثناء نومه على ذلك الكرسي وفجأة تعجبت نورسين مما يقوله فهي قد سمعته جيداً فابتلعت في حيرة وهي لا تدري لماذا يقول ذلك! هي أيضاً مندهشة أن مثل هذا القاسي بجبروته ذاك الذي رآته مع الأيام الماضية قد يشعر حقاً بالخوف.
آخذت تتمعن في ملامحه التي تبدو متآلمه لتتعجب لماذا يبدو بتلك الهيئة التي لم تراها من قبل، هي أيضاً لم تنتهي بعد من تعجبها من نومه هنا بجانبها على ذلك الكرسي، أكان ينتظرها أن تستيقظ ليضربها مجدداً أم ماذا أراد منها؟
حلقت تلك الزرقاوتان في فزع ثم أجفل قلبها ما إن نظرت لها تلك السوداوتان القاتمتان في قسوة لتبتلع لعابها في رعب لتجده ينهض وولاها ظهره 

"قومي اغسلي وشك ويالا على العربية.. أنا مستني تحت!" ألقى بآوامره ثم توجه للخارج ليترك عقلها يصرخ من تلك الغرابة التي تتلقاها من معاملته!
دلف غرفته ليُمسك بالحقيبة التي تخصه بعد أن أحضر العديد من الملابس له ليعقد حاجباه ثم تذكر أنها آتت إلي هنا دون ملابس نهائياً ليُدرك أن هذا ربما سيثير تساؤل عائلته فقرر أنه عليه أن يبتاع حقيبة أخرى فارغة ليعتقد الجميع أنها لها..
توجه للأسفل ثم دلف بالسيارة وهو يتابع بعيناه قدومها ليراها تأتي نحو السيارة وتسير بخطوات مترددة ليتنهد هو لمظهرها الخائف الذي يتمنى زواله قبل أن تذهب لعائلته مرة أخرى..
دلفت السيارة بجانبه لينطلق هو في صمت وهو يحاول أن يلمحها بطرف عيناه ولكن وجدها شاردة تماماً متكورة على نفسها في بعض من أجزاء كرسي السيارة ليشعر بالغضب الغير مبرر يتملكه مجدداً.
ثلاث ساعات من الصمت كانت كفيلة أن تآخذ هي قرارها بينما كانت أكثر من كفاية له بأن يقرر أنه لابد أن يبعدها عن منزل العائلة في أقرب فرصة وإلا قد تقوم بالمزيد من الخداع للجميع..
ترجل من السيارة بعد أن توقف لتفيق هي من شرودها ثم نظرت حولها لتجد أنهما توقفا أمام محلات عديدة ثم فتح باب السيارة ونظر لها بثاقبتيه وأومأ لها بالخروج ففعلت في ارتباك خوفاً منه ثم توجها لأحدى المحلات لتجده يبتاع احدى حقائب السفر ثم أخرج بطاقته الإئتمانية ليدفع ثمنها وتوجه فوراً للخارج وهي تتابعه بزرقاوتيها وتتعجب لماذا فعلها!
"الشنطة دي هتبقى شنطتك عشان محدش يشك في حاجة.. واياكي تجيبي سيرة باللي حصل لحد! سواء معايا أو مع الكلب التاني كريم!! سامعاني؟!" 

صاح محذراً لتومأ هي على الفور بعد أن شعرت بالرعب من نظرته تلك لتجده يُلقي بالحقيبة في السيارة ثم جذب تلك البطاقة من عليها حتى لا تظهر وكأنها جديدة..
فتح باب السيارة ثم دفعها للداخل في غضب وتوجه لينطلق مرة أخرى نحو المنزل.
ابتلعت هي لعابها وارتبكت كثيراً وآخذت تحمحم في تردد ثم نظرت له أكثر من مرة وهي تحاول التوصل لطريقة بأن تفاتحه فيما تريد ليشعر هو بها فأوقف سيارته في انفعال وارتجفت هي عندما سمعت صوت المكابح التي انطلقت في عنف.
"انطقي فيه ايه!!" 

صرخ بها آمراً لتتجمع الدموع في عينيها ونظرت له في توسل
"أنا عايزة اروح لماما.. ازورها مرة.. عمري ما زورتها.. والله ما هاطلب منك اي حاجة تاني.."
 توسلت وتهاوت دموعها وهي تعرف أنه لن يوافق ولكنها فعلتها على كل حال بينما عقد هو حاجباه ناظراً لها وصر أسنانه في غيظ شديد 
"فاكرة نفسك بتتفسحي يا بت ولا نسيتـ.."
"والله العظيم هاعملك كل اللي أنت عايزه.. هاسمع كلامك في كل حاجة.. بس خليني اروح ولو مرة، مش هاقول لحد حاجة ومش هاعمل اي حاجة غير لما اقولك بس خليني اروحلها مرة واحدة بس، هانفذ كل كلامك بالحرف"

 قاطعته لتنساب الكلمات منها دون تفكير وتعالى صوت بكائها وبدأت تشهق في شدة وتساقطت دموعها في تتالي حتى عاد له نفس الشعور عندما رآها تبكي لأول مرة.
"ماشي.. بس ورحمة أبويا لو اتعوجتي هخليكي تحصليها!" 
انطلق بسيارته لتنظر له هي في دهشة وتوقفت عن البكاء بينما آثار شهقاتها لازالت تنعكس عليها

 "طريق الزفت ازاي؟" سألها منفعلاً دون أن ينظر لها 

"كمل على طول.. وبعدين شمال في تاني يمين هنلاقي المدفن آخر الطريق على اليمين!!"

 همست مُجيبة ليُسرع هو في القيادة وبداخله قد قتله غضبه آلف مرة في الإنسياق والموافقة على كلامها.
توقف بالسيارة لتفر هي بسرعة خارج السيارة لتتوقف أمام البوابة ولعنت حظها أنها لم تستطيع الإقتراب أكثر فهي لا تملك المفتاح ونظرت لقبر والدتها ووالدها بالداخل وتراكمت الدموع بزرقاوتيها لتنسال على وجنتيها بلا إنقطاع.
جلس بسيارته وهو لا يُصدق أنه بمنتهى السهولة وأمام دموعها التي بالتأكيد زيفتها ببراعة قد انصاع لآوامرها ليعقد قبضتاه في غضب شديد وأقسم بداخله أنه سيذهب ليجذبها من شعرها ويعود بها الآن.
نزل ثم توجه إليها وهو يسحق أسنانه في غضب حتى كادا فكاه أن يتهشما وأقترب أكثر ليقف خلفها وكاد أن يجذبها ولكن عاد صوت بُكائها ليوقفه مرة أخرى
"..... والله يا ماما أنا ما عملت حاجة.. أنا اتبهدلت أوي من غيرك، أنا مكنتش أعرف إن كل ده هيحصلي.. يا ريتني سمعت كلامك ولا روحت تدريب ولا زفت، يا ريتني فضلت جنبك أكتر من كده، أنا مبقتش عارفة أعمل ايه، ويُسري يا ماما، يُسري طلع إنسان بشع مش زي ما كنتي فاكراه طيب.. مكنش يستاهل حبك ده أبداً.. لو بس يا ماما تعرفي كان عايز يعمل ايه في المستشفى!!" 

تعالى نحيبها لتجهش أكثر في البكاء واهتز جسدها بأكمله وهي تحاول أن تسيطر على نحيبها ثم أكملت

"لولا شاهندة مكنتش عرفت أتصرف.. الإنسانة دي طيبة اوي.. أنا بحبها، بحبها اوي يا كوكي، وفيه كمان ماما نجوى طيبة جداً، بس كريم ده السبب، زي ما قولتلك والله ما حاجة حصلت غير كده، أنا معملتش حاجة ولسه زي ما انتي مربياني محترمة وبسمع الكلام.." 

انفجرت بالبكاء ثانيةً ولم تلاحظ ذلك الذي وقف خلفها
"أنا غصب عني كان لازم أسمع كلام Mr بدر يا إما كان ممكن يضربني تاني.. أنا بخاف منه اوي، خايفة يضربني، خايفة يبصلي بصاته دي بترعبني.. أنا مش عارفة هو ليه بيعمل كل ده من غير ما يسمعني، أنا عمري ما شوفت حد صعب زيه.." 
حاولت أن تتنفس بين شهقاتها وهي تُكمل
 "بس.. بس امبارح أنا تعبت، وكنت سخنة اوي، جابلي أكل ودوا وآخد باله مني.. طب ليه كان بيضربني يا ماما؟! أنا مبقتش عارفة حاجة ولا فاهمه حاجة ومعنديش حل تاني.. ما أنا يا إما هرجع ليُسري يا إما هترمي في الشارع!! أنا مش عارفة اعمل ايه" 

تعالى بُكائها بينما بدر الدين لم يتحمل أكثر من ذلك ليجذبها من ذراعها
"كفاية كده.. يالا على العربية!" 

تحدث لها في هدوء لتقابله هي بزرقاوتيها الممتلئتين بالدموع لتجده ينظر لها بطريقة مغايرة تماماً عن أي مرة نظر لها من قبل 
"والنبي تسيبني شوية كمان!!" 
توسلته وتساقطت المزيد من دموعها
"قولت يالا يبقا يالا وإلا هـ.."
"وإلا ايه؟ هتضربني؟ هتقولي اني بستعبط عليكم كلكم وبكدب؟ هتقولي نمتي معاه كام مرة تاني؟! أنت ايه!! حرام عليك اللي بتعمله ده، أنا معملتش حاجة، أنا كنت بقوله يطلق أختك عشـ.."
 قاطعته وهي تحدثه في صراخ ليجذب شعرها موقفاً اياها وأمسك به بين قبضته ويده الأخرى ممسكة بذراعها ليتعالى صراخها آلماً وحزناً بآن واحد.
"عشان واحدة استغلالية.. كدبك وحركاتك مش هاتدخل عليا أبداً.. مش أنا اللي حتة بت زيك تضحك عليه.. أنا عارفك وعارف الخامة الوسخة دي كويس اوي.. واوعي تفتكري إن عياطك والحركتين دول هيدخلوا عليا ولا شوية الدراما اللي عاملاها دي هتأثر فيا، أنا عارف انتي عايزة ايه كـ.."
"أنا عمري ما شوفت في قسوتك.. أنت مفتري.. منك لله.. بتعمل ليه كل ده.. أنا معملتش حاجة كريم السبب والله.. سيبني بقا في حالي.. أنا بقيت بكرهك وبخاف منك، ربنا ياخدني يا ياخدك.." 

صرخت في وجهه ودموعها تنساب بغزارة لينظر لها بقاتمتيه الغاضبتين 
"اخرسي يا حبيبة أمك وأعرفـ..."
"متجيبش سيرتها على لسانك.. أنت لو عيشت فوق اللي عيشته ضافرها برقابتك" صرخت مقاطعة اياه ليجد نفسه يتركها وينظر لها بأنفاس متلاحقة غضباً يصفعها بمنتهى الغضب لترتمي أرضاً وتوقف نحيبها تماماً.

يُتبع..