-->

الفصل العشرون - ظلام البدر - دجى الليل

  


الفصل العشرون

"ايه اللي أنا هببته ده؟" تمتم بغيظ متسائلاً وهو يتذكر تلك القبلة التي جمعتهما، كل ما اراده هو أن يؤلمها ولكن في حقيقة الأمر قد سبب الآلم لنفسه أكثر منها.

أسيترك نفسه لتلك المشاعر التي تستحوذ عليه؟ تلك اللمسات التي تجعل خفقات قلبه سريعة، تلك النظرات التي تنظر له بها ويجد نفسه مجبراً ألا يشيح بعينيه بعيداً عنها! وأما ذلك الشعور الذي لا ينفك يتملكه عندما يراها تبكي فهو حتى لا يستطيع وصفه بالكلمات.. أسيقع فريسة خداعها؟ لا، لن يحدث ذلك أبداً.. هو يعرف جيداً كيف يوقف كل هذا! أو هكذا ظن وفكر أنه يستطيع!

جلس على تلك الأريكة بغرفته ثم أرسل برسالة لأحدى نساءه العاشقات للآلم ربما إذا أخرج كل الغضب الذي بداخله الآن قد يصفى ذهنه قليلاً ليعود بدر الدين الذي يعرفه.

--

"هو ليه بيعمل معايا كده؟ ليه مصمم يصدق نفسه ويكدبني؟ أنا هاصبر لغاية امتى على كده؟ سنة من العذاب ده كل يوم! أنا ممكن أموت من كتر الرعب اللي بشوفه كل شوية معاه، أنا لازم الاقي حل يخرجني من اللي أنا فيه ده.. أنا معملتش حاجة مع كريم.. والله ما سبته يقرب مني" تحدثت لنفسها وتهاوت دموعها في صمت ثم نهضت وهي تحاول أن تجد مرآة في هذا البيت الذي لم تتعود عليه بعد لترى ما الذي حدث لها بعد تلك الجروح.

نظرت لتلك الجروح على شفتها لتبكي في وهن شديد وذعر وهلع من ذلك المنظر الذي ارتسم على وجهها وهي لا تدري كيف لها أن تجعله يتوقف عن عذابها..

أتعود لمنزلها؟ ذلك البيت الذي تربت وكبرت به؟ ماذا سيفعل يُسري معها؟ هل سيتحرش بها ثانية بعدما فعله معها عندما كانت بالمشفى؟

ليس تعرف اي أحد آخر سوى زوج والدتها ذلك الحقير، هل حقاً تُفكر في الخروج من جحيم بدر الدين لتدخل بقدمها لجحيم من نوع آخر؟ أهذا كل ما اهتدى إليه عقلها؟

هل تخبر شاهندة؟ وهل ستصدقها بعد كل ما قالته؟ لقد مكثت منذ سويعات تقنعها بكم تُحب أخيها ولذلك تزوجا! ألهذا الحد قد تآكلها رعبها وخوفها منه؟ لقد أصبح يتحكم بكل شيء حتى ما تقول وما تفعل بل وكيف تُفكر أيضاً! إذن ما نهاية كل ذلك؟

وماذا لو أخبرت شاهندة أو حتى والدته.. بالطبع هو يمتلك دليل زائف يصدقه وسيصدقه الجميع.. لقد رآت كيف والدته تتحدث عنه وكيف تعتقد أخته أنه رجل جيد وحتى أخيه الصغير يقف كمن لا يملك اي حُجة أمامه..

وذلك الحقير الآخر لن يتوانى عن فعل أي شيء حتى يبعدها عن منزل زوجته وعائلتها ليكون لديه الفرصة حتى يتفرد بها وحدها.

لماذا لم تعد والدتها معها؟ لماذا تركتها مع كل تلك الذئاب ورحلت؟ لماذا لم تخبرها ما عليها فعله في مثل هذا الموقف؟ بين ليلة وضحاها غادرت.. دون أن تُنبئها.. دون أن تترك لها بضع كلمات لتواسيها، كانت فقط تتمنى لو عناق أخير يجمعهما سوياً حتى يظل معها كذكرى أخيرة تظل متعلقة بها طوال حياتها..

تهاوت أرضاً وأخذت تبكي وهي متكورة على نفسها، لم تعد تلك الفتاة التي لم تمتلك هموماً مثلما عهدت نفسها، لم تعد لديها غير طموح واحد وهو أن ينتهي ذلك الكابوس الذي تتعايش به، أصبح كل ما يُشغلها هو بعض ملابس لترتديها، أو لربما باب موصد عليها تحتمي به من كل من حولها.

لماذا لا يدعوها وشأنها؟ لماذا يفعلوا معها كل ذلك؟ هي لم تؤذي أحد، ولم تطمع بشيء على الإطلاق، لماذا كل تلك الإتهامات الباطلة توجه إليها..

لم يكن بعقلها محدود التفكير أن هناك مثل تلك البشاعة والكراهية والعذاب بهذه الدنيا.. حياتها كانت عبارة عن مشاركة والدتها بالمنزل لبعض الأعمال المنزلية البسيطة، ضحكات مستمتعة.. حنان.. ذهاب للجامعة والمداومة على المحافظة على دروسها ليس إلا.. لم يكن هناك أحدا ليُخبرها كم أن حياتها البسيطة التي ظنت أن الجميع يملك مثلها تختلف كثيرا عن حياة الجميع!!

ما الذي كانت تفعله بيومها سوى الجلوس أمام التلفاز لتشاهد فيلما أو مسلسل درامي لمجرد التسلية وقضاء الوقت مع والدتها، والدتها لماذا لم تخبرها عن كل ما تحتويه هذه الحياة الظالمة! لماذا تركتها وذهبت دون أن تفتح عيناها على ذلك الظلم؟! لماذا لم تحذرها؟ لماذا تركتها لتكون فتاة طيبة مثالية لا تضمر الشر لأحد؟ لماذا جعلتها تُصدق أن الجميع مثلها؟! لماذا فقط فعلت بها كل ما فعلته؟!!!

لماذا وقعت بكل ذلك؟ ما الذي حدث حتى تستيقظ بين يوم وليلة لتجد والدتها متوفاة، زوج والدتها متحرش، ذلك الحقير كريم مثله تماما، وذلك الجلاد الآخر يعذبها ليلا نهارا على كل ما لم تفعله ولم تظن ليوم بأنه موجود بمثل ذلك الشر والقهر بالحياة!!

لم تدر أثناء نحيبها ذلا وقهرا أن هناك من يشاهد شقاءها بنظرة الإنتصار تلك حتى لمعت عيناه من الفرحة الشديدة، ذلك القهر والذل اللذان تعايشهما كان بمثابة التنفس له بعد اختناق شديد عاش به الفترة الماضية وأخيراً وجد بعض الهواء ليتنفسه..

لم تدر أن ما فعله معها لم يكن شيئاً يُذكر، لم تر من هو بدر الدين حتى الآن.. لم تتغلغل داخله لترى ما يريد فعله حقاً بتلك النساء ليعوض جزءاً صغيراً مما فعلته به والدته وليعوض غياب ليلى بمعاقبة آخريات عندما يريدن المغادرة.

أما فتاة جميلة مُستغلة تريد أن تعبث مع عائلته، لقد جنت على نفسها، لا تدري كيف يراها بعد ولكنه سيعمل الأيام المُقبلة على أن تعرف كيف يراها بل وسيعذبها بشدة بعد أن مثلت له نُسخة جديدة من تلك الفاجرة التي ولدته لحياة الشفاء تلك.

ترك شاشة حاسوبه الذي كان يشاهدها عن خلاله ثم توجه لملاذه الوحيد حتى يُفرغ عن غضبه منها ومن والدته ومن أبيه ومن مغادرة ليلى له ومن كل ما حدث له ليصبح ذلك الرجل المُشوه الذي هو عليه!

لم تعد تستطيع التنفس بعد كل تلك الشهقات المتلاحقة وذلك الصداع الذي يُهتك رأسها في عنف.. تريد النوم بشدة ولكن إلي أين تذهب، لقد أوصد جميع الغرف سوى غرفته والمكتب. لقد تفقدت جميع الغرف منذ قليل ولكن لم تجد اي منها مفتوحاً.

عدم الأمان والذعر يفتكا بها، الإرهاق الذي لم تعان منه أبدا كان كثيرا عليها.. تلك الطفلة الصغيرة، الفتاة الطيبة، المدللة لدى والدتها لم تعلم كيف عليها الإستمرار في ذلك العرين المُخيف بصحبة هذا الوحش الضاري.. لا تدري ما الذي عليها فعله.. كيف تستطيع التصرف الآن؟! يا ليتها تموت وتتخلص من كل ذلك!

وما هذا الآلم اللعين الذي تشعر به أسفل معدتها.. هو لم يؤلمها بأي شكل في تلك المنطقة! ولكن؛ هل من الممكن أن ذلك يحدث الآن؟!

"يارب أنا ليه بيحصلي كده.. أنا تعبت من كل حاجة" تمتمت وهي تحاول أن تُهدأ من بكائها وابتلعت في مرارة عندما تأكدت مما يحدث لها، لم يكن هذا الوقت المناسب نهائياً لعادتها الشهرية اللعينة التي تؤلمها كل مرة وكأنما تآمر عليها القدر بأن تعاني بلا نهاية.

ماذا تفعل الآن؟ لا تملك ملابس، لا تملك مُسكناً لتلك الأوجاع، ولا تملك ما تحتاجه النساء عادة في مثل هذه الأوقات.

تتذكر أنه قد ترك جميع حقائبها بالسيارة ولكن ما الذي سيفعله بها إن خرجت دون أن تُخبره؟ واللعنة هل أحضرت معها بعض الفوط النسائية؟ بالطبع لا.. لم تفكر بهذا، لأنها وببساطة لم تتوقع أن تواجه كل ذلك حتى بأسوأ كوابيسها!

توجهت لأحدى الحمامات بفيلته لتستعين بأحدى المحارم الورقية لتجفف تلك الدماء التي تهاوت بلا إنقطاع.. لا تدري ماذا تفعله حقاً.. ليس هناك حلاً آخر سوى مهاتفة شاهندة ولكن كيف وليس هناك اية هواتف بالمنزل ويملك هاتفها معه؟ أحقاً عليها أن تتوسله لمثل هذا الأمر؟

توجهت لغرفته ثم طرقت على باب غرفته بينما لم يجيبها! تريثت قليلاً وهي تدعو بداخلها ألا ينفضح أمرها أمامه ثم طرقت مرة ثانية ولكن لم يجيبها مجدداً. شعرت بأن طيات عقلها الساذج تتمزق من تحمل كل ما مر ولم تعد تعرف ما الذي عليها فعله!

لربما هو نائم، سيستيقظ الآن بأي وقت لتجد تلك الثاقبتان تحدق بها في غضب مخيف، عليها فقط أن تحاول مرة أخرى.

تناولت شهيقاً عميقاً بأنفاس تمزقت بكاءا ثم كررت فعلتها ولكن طرقاتها كانت أقوى تلك المرة ثم أقتربت بأذنها لتلامس بها الباب علها تعرف إلي أين ذهب فلم تستمع لأي شيء قد يدل على حركته وكأن الغرفة خالية تماماً.

شعرت بالآلم يزداد ونظرت أسفلها لتجد قطرة دماء انسابت بين ساقيها لتتجمع الدموع بزرقاويتيها لتهرع للحمام مجدداً في خجل قهرها وهي تغتسل وتجفف نفسها بالمحارم وتحاملت على ذلك الآلم اللعين لتذهب لغرفة مكتبه التي لم تكترث لأي من تفاصيلها وبحثت عن ورقة وقلم لتكتب بها

"أرجوك.. محتاجة حاجة من شاهندة.. خليني أكلمها ضروري" نظرت للورقة ثم هزت رأسها في إنكار بين إنهيارها، فهو بالطبع لن يقتنع. كورت الورقة لتُلقيها بصندوق القمامة ثم تناولت أخرى لتكتب مجدداً غيرها

"أرجوك.. محتاجة شاهي في حاجة ضروري، مش هاقولها على حاجة، ٣٠ ثانية وهاقفل معاها على طول.. ممكن التليفون؟" نظرت لما كتبته وابتلعت في وجل وتوجهت لغرفته مرة أخرى وطرقت الباب ولكنه لم يجب.

أدخلت الورقة أسفل الباب وجلست بالقرب من الباب تنتظر وتنتظر وذهبت للحمام مرة ثم مرة أخرى لتأتي وتجلس عله يخرج بأي وقت قريب ورغماً عنها شعرت بإزدياد الآلم لتتكور على نفسها كما الجنين ببطن أمه واستندت بجانبها أمام الباب وتحسست ذلك الوجع ببطنها لتغرق في النوم من شدة الآلم وبدفع عقلها إليها لتهرب من تلك الأحداث الشنيعة التي مرت عليها في غضون أيام فقط من عمرها الربيعي وسقطت في ثُبات دون أن تشعر.

--

تنفس في اريحية شديدة وتلك الفتاة تُلملم ملابسها وتهرول لتفر من ذلك العذاب الذي بدا وكأنه لن ينتهي أبداً، لم تكترث للآلام التي توجع بها جسدها ولا الدماء التي انسابت منها وكل ما تمنته فقط هو أن تُغادر دون رجعة..

توجه ليصعد الدرج الذي يصله لغرفته وهو كل ما يُفكر بفعله أن يستحم ويخلد للنوم بعد ذلك اليوم الطويل الذي أنهاه بأفضل الطرق، أو هكذا ظن..

دلف الغرفة وهو يتفقد بقتامة عيناه اللامعتان كل محتوياتها فلربما تلك الفتاة قد عبثت بأشياءه ولكن وجد كل شيء كما هو عدا ورقة بيضاء أمام الباب فتوجه نحوها ليتفقدها ووجد ما بها ليبتسم في سخرية من كل تلك التخيلات التي انهالت على رأسه مما سيفعله معها.

أتظن أنه من السهل أن تطالب بشيء ما؟ أتظن أنه رحيم لتلك الدرجة؟ حسناً هي لم يتسنى لها معرفة بدر الدين بعد.. لن تتحايل تلك الماكرة عليه بأي سبب من الأسباب حتى تستجير بشاهندة!!

فتح الباب وكادت قدماه أن تخطو على جسدها المُلقى على الأرضية ليلاحظها فانخفضت نظرته للأسفل ليجدها نائمة ليبتسم في خبث لإهانتها وانخفض بجسده ليقترب منها يتفقدها ليلاحظ تلك العلامات على شفتيها مما فعله معها منذ ساعات وشحوب وجهها وآثار البكاء البادية عليها ليبتسم في تشفي شديد ويشعر بالرضاء.. رضاء مرضي سببه التلذذ بإيلام البشر، وخاصة النساء!

ومجدداً تفقدها!! ملامحها بها شيء عجيب يجبره على أن يُحدق بها طويلاً.. تنهد وهو يتخيل للحظة إن لم تكن فتاة جشعة بمثل هذا الإستغلال الذي يجري بعروقها مجرى الدماء لكان كل شيء أختلف.. ماذا بها يجعله مشتتاً ويأجج صراع بداخله هكذا؟ أهذا لأنها تُشابه طريقة والدته في تزييف براءتها أم هذا لشيء بها هي نفسها لم يتوصل إليه بعد؟!

اقترب يده منها ليرفع احدى خصلاتها التي تهاوت على وجهها النائم وقد بدت كالملائكة بنظره ليشيح ذلك التفكير بعيداً عن عقله وحاول أن يصده في ثوانٍ ووجد تلك الزرقاوتان خاصتها تحدق به في فزع لتتصلب ملامحه وعقد حاجباه ناظراً لها بمنتهى القسوة..

"أنا.. أنا آسفة.. نمت من غير ما آخد بالي والله.. ما قصدتش إني.." تلعثمت وهي تحاول النهوض لتجده يقترب منها بنظرته المُفزعة تلك لتحاول هي الحبو على يديها للخلف "أنا بس محتاجة شاهي تجبلي حاجة.. ثواني وهاقفل معاها" همست في رعب وهي تبتلع من مظهره الذي أخافها للغاية وهو لا ينفك يقترب منها..

"وأنتي فاكرة إن طلباتك مجابة مش كده؟" تحدث بتهكم

"أرجوك خليني أكلمها.. محتاجاها ضروري أنا بس.. كنت محتاجة.. يعني.." تلعثمت خوفاً وخجلاً بآن واحد ولم تستطع إكمال حديثها ليضحك ساخراً ظنا منه أنها تُحيك خطة جديدة لترتجف لتلك الضحكة في فزع وتوقف هو عن الإقتراب منها ليتفحصها بهاتان المعتمتان بينما شعرت هي بالجدار خلفها ثم خفضت نظرها للأرضية حتى لا تقابل عيناه المرعبتان

"هتقوليلها ايه؟" تهكم سائلاً

"هقولها.. إني.. كنت محتاجة حاجة من دولابي.. و.." تقطعت كلماتها وهي لا زالت تنظر للأرضية في وجل وتزايدت خفقات قلبها وهي تشعر بأنفاسه ورائحته الغريبة التي باتت تميزها ليرتجف جسدها لأنامله التي لامست أسفل ذقنها لتتلاقى أعينهما

"يا كدابة يا حيوانة.." تحدث بمنتهى الهدوء وهي تشعر بتلك الثاقبتان تتغلغل روحها وتعالت خفقات قلبها مما تفوه به "أنتي فاكرة انك ممكن تستغفليني مش كده؟!" همس ليراها تومأ بالنفي

"والله أبداً أنا فعلاً محتاجة إنها تجيـ.."

"هشش.." قاطع فزعها الواضح ثم تنهد ونهض ليدفعها بقدمه أرضاً في عنف ليتلاقى ظهرها بالأرضية لتجهش بالبكاء في رعب منه ومن تلك الدفعة القوية التي آلمت ظهرها ثم نظر للأسفل وكاد أن يضع قدمه على وجهها ويذيقها وابلاً من الذل والإهانة لتلمح عيناه بعض الحُمرة التي ظهرت بين أعلى فخذيها ليتفقد مساحة أكبر بعينيه ليجد قطرة من الدماء قد طُبعت على البساط ليزيد من عقدة حاجباه ويسحق أسنانه في غضب ليقترب منها وأمسك بشعرها في قوة لتصرخ آلماً..

"كنتي هتقوليلها ايه انطقي؟" تحدث بين أسنانه وهي يتأجج غضباً لقربه من ظهورها بريئة حقاً أمام عيناه لأول مرة.

"آآه.. كفاية ضرب أرجوك.. أنا كنت محتجاها تجيبلي هدوم وحاجة تانية.. هي هتفهمني.. أرجـ.." تحدثت بين شهقاتها التي انعكست اثراً لكل تلك المهانة

"حاجة ايه انطقي؟" جذب شعرها أكثر لتبدو شهقاتها لا نهائية

"مش هينفع.. هي.. هتعرف.. تجيبلي.." لم تترك تلك الشهقات الفرصة لها لتكمل جملة واحدة لتشعر بإقتلاع شعرها عندما أزاد تلك المرة من جذبه لتصرخ متحدثة "حاجة بنات.. مش هاقدر.. أقولك أكتر من كده" تركها لتنتحب هي ثم نهض مغادراً بعيداً عنها ولم تدري حتى إلي أين ذهب!

لقد أهانها وعذبها وأرعبها وفعل الكثير والكثير بها لكن لا تدري لماذا تلك المرة كانت الأصعب عليها من بين كل المرات السابقة لتنتحب أكثر في وهن وهي تتمنى أن ينتهي ذلك الكابوس قريباً..

لم تكن تفهم ما قارب عليه جسدها من شدة الإنهيار، الجهاز العصبي لديها قارب من الإنهيار من كثرة الخوف الذي تتلقاه، عقلها نفسه لا يستطيع مواجهة المزيد وكان الحل أمامه منذ أيام أن تتعرض لحمى.. أمّا الآن فقد قارب على أن يتدمر كليا إن لم يتوقف كل ما يحدث لها!

ارتجفت عندما رآت بعض الملابس قد أُلقت أمام عيناها وصوت ارتطامها بالأرضية فزعها ثم لاحظته بعينيها الباكية التي ارتفعت لتتفقده فوجدته كما هو بنفس الغضب وطريقته المعهودة

"قومي" آمرها ثم تبعته وهي تحمل الملابس وهو يسير متوجهاً لأحدى الغرف التي قد فتحها باحدى المفاتيح

"كام يوم؟!" سألها باقتضاب وبداخله لا يُصدق أنه يفعل كل ذلك أما هي فلم تفهم ما تقصده وآخذت تُفكر لثوان بينما هو فقد قدرته على الصبر ليلتفت لها لتفزع هي وتتراجع للوراء في خوف "بتجيلك كام يوم؟! انطقي!!" تحدث بغيظ بين أسنانه المُلتحمة وهو يقترب منها بأنفاس لاهثة لتبتلع هي في خوف

"تتتلاتة" تلعثمت مجيبة

"التلت ايام مشوفش وشك فيهم" أخبرها بنبرته الساخطة ثم جذبها من ذراعها ليدفعها داخل الغرفة موصداً بابها صافعاً اياه ثم توجه لهاتفه ليجري مكالمة هاتفية وبعد أن انتهى منا توجه ليحضر أدوات تنظيف لينظف تلك القطرة من الدماء أمام غرفته.

اقترب من الأرض وارتدى قفازات مطاطية ثم بدأ في سكب بعض المنظف على قطرة الدماء وآخذ يحكها في شدة بمنتهى التقزز والآلم في آن واحد..

"مش أنا فهمتك إن البيت ده غير بيت الواطية اللي كنت عايش معاها"

"يا بابا أنا.. أنا مقصدتش"

"لما تبقى مش محترم ومش عارف تحترم اللي في البيت ده أنا أعلمك الأدب كويس"

"كان غصب عني هي اللي اتكعبلت في رجلي ووقعت" تحدث في انفعال وهو يحاول أن يُظهر براءته أمام أبيه فهو لم يقصد أن يوقع هديل عندما كان بالحديقة صباح اليوم

"تعالى بقا أعملك ازاي توقعها تعورها في ايديها.. وازاي تاني مرة تاخد بالك كويس"

ابتلع بدر الدين في وجل وهو يعرف جيداً أن والده لن يكن متهاوناً معه خاصة بتلك المنضدة التي رُصت عليها أدوات قد حفظ عن ظهر قلب آلامها بعد أن عُذب بها لأيام.. فهذه المرة عقابه له سيكون مليئاً بالدماء..

"تعالى.." صاح والده وتقدم نحوه في رعب وهو يتمنى لو يمت الآن.. ذلك الآلم قد أختبره من قبل ولن ينساه أبداً بحياته "مد ايدك ولو اتحركت هموتك" آمره والده ليمد يداه أمامه على المنضدة وهو يقترب بتلك الكُلاَّبَةُ من أظافره ليخلع احداهما ولم يُشفق على صراخ ذلك الفتى الذي لم يتعد الثالثة عشر بعد!!

--

دلفت الحمام وهي تتفقد الغرفة التي رُتبت بعناية وكذلك الحمام الذي طويت به المناشف بنظامية شديدة ورُصت به أدوات الإستحمام وسوائل النظافة بمنتهى المنهجية التي لم تُصدق أنها موجودة حقاً وكأن هناك فريق كامل يعمل على أن يُرتب ذلك المنزل كل ثانية..

أوصدت الباب عليها في خوف وتحركت في خطوات بطيئة نحو المغطس ووقفت لتترك المياة تنساب عليها ثم أجهشت ببكاء مرير لم تعرف وقتها كيف توقفه..

تشعر بالخوف والفزع في كل لحظة، تتلاعب الأفكار برأسها وكأنما قاربت على الجنون من كثرة التفكير، هي لا تعرف كيف تكون قوية، ليست لديها الخبرات الكافية بالحياة ولم تتعلم كيف تتصرف من أحد..

لماذا لم تخبرها والدتها؟ لماذا عاملتها بمنتهى الطيبة والحنان لتأتي الآن ليتحول يومها للرعب والذعر مما قد يفعله معها بعد طُرق تلك العذاب التي لا تتوقف ودائماً ما يُفاجئها بالجديد.. كيف ستعيش مع ذلك الوحش لسنة بأكملها، سيقتلها حتماً.. لماذا لا يريد أن يُصدقها؟؟ لماذا يصمم على أنها خدعت الجميع؟ هي لا تريد أموالاً فهي لديها كل شيء و.. !!

امتنعت عن البكاء وهي تُفكر بأموالها!! أليست هي وريثة والدتها الوحيدة؟ أليس لها حق بتلك الشركة التي يديرها يُسري؟ لطالما أخبرتها والدتها عن ودائع قد وضعتها لها بالبنك من ورث أبيها ومن أرباح الشركة، هي لديها الحق في كل ذلك..

ألهذا الحد قد جعلها خائفة وتناست تماماً أنها لا تحتاج لأي شيء من أي أحد، أحقا قد ولج بداخل عقلها ليدمره هكذا.. أتخرج الآن وتواجهه وتخبره بأنها تريد المغادرة.. لا بالطبع لن يُصدقها بتلك السهولة.. إذن بأقرب فرصة ستخبر شاهندة بما تريد حتى تساعدها أمام يسري.. ولكن إلي متى ستظل محتجزة بمنزله..

أخذت تفكر وتفكر وهي لا تدري ما الذي عليها فعله وعقلها لا يستطيع مواجهة تلك الأفكار التي لم تدخل به من قبل، لم تواجه مثل تلك المواقف.. شاهندة هي الوحيدة من تستطيع مساعدتها.. عليها فقط أن تنتظر أكثر ليس إلا، وعندما تتأكد من أن أموالها ستكون معها ستتركه ولا تريد من أحد أي شيء.. ستعيش بمفردها وستشكر شاهندة على كل ما فعلته معها ومساعدتها إياها وستحصل منه على الطلاق..

أوصدت المياة ثم التفت بأحدى المناشف وتوجهت للخارج في نفس الوقت الذي وجدته يفتح الباب بعنف ثم نظر نحوها في كراهية واحتقار وألقى احدى الأكياس على سريرها لتلمح ما به وتوجه ليغادر.

"شكراً" قالتها بتلقائية شديدة ليلتفت هو نحوها وأخذ خطوات سريعة تجاهها لتعود هي للخلف خوفاً ليختل توازنها عندما لامست ساقها السرير وسقطت عليه بينما هو أقترب منها غير مدركاً ما يفعله حتى اعتلاها مستنداً بأحدى ركبه ولامس الأرضية بساقه الأخرى ونظر لها بكراهية وأنفاسه الساخنة تنهال عليها

"اوعي يا بت تكوني فاكرة إني حنين.. لا يبقا كده انتي غبية.. عايزة تعرفي انا عملت معاكي كل ده ليه مش كده؟" ابتسم في تهكم ثم نظر لها بإحتقار شديد وأكمل

"عشان أنا قرفت من منظرك وحتى القرف اللي انتي فيه التلت أيام الجاية مش هيخليني عايزك تعدي حتى من جنبي.." رمقها في تقزز لتتهاوى دموعها مما وقع على مسامعها منه في قهر شديد لتلك الإهانات التي لا تتوقف عن مغادرة شفاهه ليشعر بذلك الشعور الذي ينفجر بداخله كلما رآها تبكي وتوجه للخارج مسرعاً صافقاً الباب خلفه ليهتز كتفاها مع صوت الباب بنفس اللحظة.

لماذا كل ذلك العذاب؟ لماذا تتحمله وهي صامته؟ لماذا كل تلك الكراهية؟ أكل ذلك حدث لأنها شكرته على شيء؟! هي أيضاً لم تطالبه بمبرر لما فعله.. لماذا أخبرها تلك الكلمات اللاذعة وأهانها بمثل تلك الطريقة؟ عليها أن تبتعد بأي طريقة.. عليها أن تفكر بأي وسيلة قد تساعدها فهي لن تتحمل هذا الشقاء لأكثر من هذا..

ولكن كيف تفعلها؟ كيف وكل ما بها وكل ما هي عليه من طيبة ساذجة أدى بها لتقع في علاقة مشبوهة تقسم أنها بريئة منها؟ كيف لها أن تتصرف الآن وهي لا تملك أي حيلة بيداها مع هذا الكائن المخيف الذي لا يملك ولو ذرة شفقة بين طيات قلبه؟!

--

لقد فر كالهارب تماماً وهو يشعر من تأثير تلك النظرة بعينيها وتلك الدموع التي تفجر بداخله ذلك الشعور الغريب الذي يبدو وكأنه لم يعد يمتلك أدنى سيطرة عليه!

ماذا يحدث له؟ أيشفق عليها أم يتعاطف معها؟ تلك المستغلة المخادعة تجعله يلين نحوها! ما تلك اللعنة التي تملكها على الجميع؟ ولماذا تحدث لها منذ قليل من الأصل ليفسر لها ما يفعله؟

تلك الأيام اللعينة الثلاثة ستمر.. نعم هو يتقزز من الدماء ويكره رؤيتها.. هو لم ولن يلين نحوها.. هو فقط نظف تلك الأرضية لأنه يحب كل شيء نظيفاً كما أنه يكره الدماء ليس إلا..

سيعذبها إلى أن تبتعد عن حياتهم جميعاً وسيحمي عائلته بكل ما أوتي من قوة ولن تآخذ تلك الفتاة من تفكيره أكثر من هذا، لن يتأثر بتلك الدموع المخادعة ولا ذلك الوجه الماكر..

هو بدر الدين، الرجل الذي كره النساء وسيظل يكرههن إلي أن يموت.. لن يخاطر بأن يُصدق خداع تلك الأفعى؛ سوى والدته نجوى وأخته شاهندة لا توجد على الأرض إمرأة يستطيع أن يثق بنواياها..

سيجعلها تندم وتركع متوسلة له بأن يدعها وشأنها بعد أن يريها ماذا يعني أن تعبث معه، سيريها تلك الظُلمة بأم عينيها إلى أن تدرك مع من تتعامل.. تحكم به مرضه الذي ترسخ بداخله منذ نعومة أظافره، أدى كل عذابه ليتحول لعقد مُكتلة من الظلم والقهر الذي لم تكن السبب به سوى والدته!!

فقط ثلاثة أيام كي تستعد لما ستواجهه كما تمنى لو أن هناك من كان يفعل كل ذلك بوالدته بدلا من تحمله هو ذلك العذاب لسنوات عدة!..

يُتبع..