-->

الفصل الخامس والعشرون - ظلام البدر - دجى الليل


الفصل الخامس والعشرون 

"ايه ده.. هو بيعمل كده ليه؟" تحدثت بداخلها وهي تتعجب من طريقته التي كانت جديدة عليها تماماً فهو لا زال يفاجئها بالعديد من تصرفاته الغريبة التي لم تستطع تفسيرها.. ومن أين لها بذلك وقد فقدت أحداث آخر سنتين تماما، هي حتى لا تذكر أنها تعاملت مع رجل غريب عنها من قبل

نظرت للأرضية وأخذت تتمعن في الزجاج المهشم الذي تبينت أنه يخص احدى زجاجات الخمر ثم نظرت له تتفقده لتدرك أنه ثملا وقد هشم تلك الزجاجة..

تفحصت ملامحه التي لم تكن جادة وصارمة مثلما عهدته.. لقد أصبح هادئاً معها كثيراً بتلك الأيام السابقة، ولكنها لن تأمنه أبداً فقد يغضب مرة ثانية. فيكفيها غضبه أمامها بذلك اليوم الذي طلبت منه الحديث إليه أثناء عمله..

تنهدت وهي تطالع تفاصيل ملامحه الرجولية بشعره الفحمي الذي لم يحمل غير سواد الليل لتقارن بينه وبين ذقنه التي تجمع بها الشعيرات البيضاء فضيقت ما بين حاجبها وهي تستغربه للغاية.

ملامحه هكذا مسالمة، لا يبدو مثل ذلك الرجل الذي يخيفها.. لن تنكر أن إقترابه منها بذلك التلاصق الشديد يُشعرها بإرتباك لم تشعر بمثله يوماً، هو فقط كلما أقترب منها تزايدت خفقات قلبها وأخذت تنبض بجنون ولكن هذه المرة تشعر بالإختلاف.. فهو ليس مستقيظاً وفي حالة ثمالة!!

" هو ممكن لو سكران يتعصب عليا زي اليوم التاني ده؟" سألت نفسها ثم ارتابت لتعض على شفتيها بحيرة "أنا احسن حاجة اعملها ابعد واروح اوضتي" تحدثت داخل نفسها وحاولت التحرك بهدوء ولكنه لم يدعها..

"متقوميش" همس بنبرة ناعسة لتتوتر هي فلماذا يريدها ألا تغادره..

"أنا.." حمحمت ثم لم تدري بم عليها إخباره ليدعها وشأنها "أنا هلم الأزاز اللي اتكسر بس" همست له وهي تحاول أن تقنعه كي تبتعد عنه لتسمعه يهمهم بإنزعاج فتفدته وهو عاقداً حاجباه

"سيبيه.." همس بإرهاق "بس.. بابا.. هيضربنـ.." همس مجدداً لتتحول ملامحه للضيق الشديد أو لربما الخوف، هي لا تدري.. أحقاً يشعر بالخوف من أبيه الميت؟!

لمس قلبها القليل من الشفقة عندما رآته بعينيها ليبدو كالطفل الصغير وشعرت بالحزن لآجله.. ولكن فجأة ومض بعقلها بعنف آلم رأسها صورة له وكأنهما بمفردهما وهي تعاني من الحمى أو مريضة على سرير ما، وقد كان نائماً يهلوس أمامها ربما أو يتحدث وهو نائم قائلاً "هيموتني.. أنا.. خايف"

أقتربت منه وهي تتفحصه، هناك ذكريات تحملها حقا معه.. بالرغم من أن مظهره مخيف وأي احد قد يهاب تلك الملامح ولكنها تتذكر الآن نطقه لها بتلك الكلمات، ولكن أين كانا وقتها؟ لا تدري ماذا حدث له بالسابق ولا ما حدث لها معه، لا تعرف شيئاً غير ما أخبرها هو به والذي لم يكن كثيرا وكان في غاية الإقتضاب.. تنهدت في حيرة وهي لا تعرف كيف لها أن تحدد ماهية مشاعرها تجاهه خوف أم شفقة أم ارتباك لوجود هذا الغريب بجانبها.

لاحظت جبينه يلمع من قطرات العرق الواضحة عليه التي انسالت أسفل احدى خصلاته الفحمية التي جذبتها بشدة خاصة وأنها تعشق الشعر الطويل الفحمي، تمنت لو أنه لا يقصره أبدا وكما بتلك الصور العديدة المُعلقة بالمنزل.. فهي تراه هكذا أفضل، لماذا تُفكر كيف يبدو على كل حال؟!

تضاربت مشاعرها وجالت زرقاوتاها بملامحه وهي لا تستطيع التحرك وبدأ كتفها بالشعور بالإرهاق من ثقل رأسه لتحاول التحرك من جانبه مرة أخرى ليهمهم بإنزعاج لتتنهد هي في قلة حيلة فهي لا تعرف ماذا تفعل!!

"ممكن طيب تقوم تنام في أوضتك؟" همست له وهي تتطلع ملامحه في براءة

"مش قادر.." همس بتعب مجيباً اياها وشدد من محاوطة خصرها بذراعه

"طيب أنا هساعدك" أخبرته ونهضت بأعجوبة لتجده يعود لتلك الهمهمات المنزعجة مرة أخرى وحاولت جذب يده ولكن بلا جدوى..

بالكاد استطاع أن يرى بين جفناه المغلقان ليلاحظها أمامه في ذلك السروال القصير الوردي الذي شابه قميصها أيضاً ثم ابتسم في بلاهة وابتسامته تعالت لتصبح قهقهة تعجبت لها نورسين

"فاكرة هتقوميني.. مش هتقدري اصلاً" أكمل ضحكاته لتدرك أنه لا يعي ما يقول لتتآفف من ضحكاته الساخرة لتجده ينهض بصعوبة فتوجهت هي نحوه عندما رآت جسده يترنح لتسانده على الفور ليتكأ هو على كتفيها بتلقائية مستنداً بذراعه الأيمن وألقى بثقل جسده بأكمله عليها لتشعر هي وكأنها ستسقط لا محالة ولكنها تماسكت قدر الإمكان..

"أنا عايز أنام.." همس بنبرة ناعسة بينما هي حاولت التوجه معه لغرفته

"هتنام اهو.. اوصل بس لغاية الأوضة" أخبرته وهي تعمل على ألا يسقطا سوياً وبصعوبة وصلت للغرفة وهو يترنح ناعساً ثم دلفت الغرفة لتضيء الأنوار ثم توجهت معه بالقرب من السرير ليرتمي هو بجسده عليه وبمنتهى المشقة رفعت ساقاه وخلعت حذاءه ثم توجهت لتغادره بعد أن لمحته سريعاً وهو لا يزال في حالة الثمالة تلك..

"استني.." اوقفها صوته لتبتلع لا تدري خوفاً أم توتراً والتفتت إليه "تعالي.." همس بنبرته الناعسة التي لم تآلف غيرها في الدقائق المنصرمة الماضية والتفتت لتراه يستند على ساعداه ويحاول أن ينظر لها بين تلك الخصلات التي تدلت على عيناه لتجد ملامحه تلك تزيد من خفقات قلبها لتتلاقى أعينهما لبرهة "قلعيني"

صُدمت مما أخبرها به، ماذا يريد منها الآن؟ ألا يستطيع هو أن يخلع ملابسه.. نظرت له بتمعن لتراه ثملاً للغاية وجفناه لا يتوقفا عن الإغلاق ثم ارتمى بجسده على السرير لتفكر هي ماذا لو تركته ولم تستمع لكلماته؟ أسيغضب عليها؟! أم هي.. هي زوجته بالنهاية أليس كذلك؟!

"ثواني هقلعوا وامشي" تحدثت لنفسها وتوجهت نحوه دون أن تنظر له وخلعت قميصه بصعوبة بالغة وأنفاسها تتلاحق لا تدري خوفاً أم ارتباكاً من اقترابها من صدره العالي بتلك الطريقة ثم وضعت القميص على سريره وتوجهت لتغادر ولكنه عقد قبضته حول يدها

"والبنطلون.." همس لها لتنظر له في دهشة واتسعت زرقاوتاها وهي تنظر له ليهمهم بإنزعاج ونبرة ناعسة "يالا عايز أنام!"

تصلبت في مكانها وهي حقاً لا تعرف ماذا تفعل فهي لم تكن مع رجل قد طلب منها هذا من قبل، كل شيء معه كان جديد عليها، طريقته وغضبه هدوءه لأيام بملامحه الجامدة، كلماته المقتضبة ثم حنانه وهدوءه بشكل لائق، تصرفاته غير المفهومة تجاهها، كل هذا يُحدث زوبعة جديدة عليها لم تختبرها أبداً.. كيف تزوجت من هذا الرجل على كل حال؟

ترك يدها ثم توجه وجهه يميناً ويساراً وعقد حاجباه وزفر بعدم راحة ليرق قلبها تجاهه فهي لم تتعود أن ترى من يعاني أمامها ولا تساعده.. لم يكن هذا متواجداً بقاموس مشاعرها تجاه أياً كان، بالرغم من طريقته الغريبة معها وعدم اطمئنانها معه ولكنها وجدت نفسها تشفق عليه..

توجهت وهي تُفكر كيف ستساعده بخلعه بنطاله فاقتربت بأيد مرتجفة لتحل ذلك الزر الأعلى لسرواله وكذلك سحابه بأطراف أناملها ولكنها حاولت السيطرة على تلك الأنفاس المتلاحقة التي واتتها عندما تلمست عضلاته الصلبة اسفل معدته وهرولت لنهاية السرير حتى جذبت البنطال من أسفل قدماه حتى لمحته وهو يستقر أمامها بسرواله الداخلي فقط فتركت البنطال بسرعة وهرولت للخارج وأطفأت الأنوار ليوقفها مرة ثانية

"استني.." صاح لها ونبرته الناعسة تبدو منهكة بشدة..

"نعم.." ارتجف صوتها وهي لا تدري ما هي تلك النهاية لتلك الليلة الغريبة

"تعالي.." اقتربت منه وهي تتمنى أن يكون ما سيقوله هو النهاية حتى تستطيع النوم بينما هو مد يده لها وما أن لمسها حتى جذبها بكل ما امتلك من قوة حتى ارتمت بجانبه على السرير لتشهق في صدمة ومفاجأة لتجده ينام محتضناً اياها وكأنه يخاف أن يفقدها في زحام شديد بينما هي ارتجف جسدها وتعالت أنفاسها في خوف..

"أنت.. بتعمل.. ايـ.."

"هشش" قاطع تلعثمها

"طب.. طب سيبني.. أشيل الهدوم" تكلمت بإرتباك لتشعر بساقه تزيح الملابس على الأرض

"لأ سيبيني أنام يا نوري.." أراح رأسه على صدرها وحاوط خصرها مطبقاً عليه بذراعاه القويتان ليغمض عيناه ليزفر منزعجاً "بابا هيضربني على الهدوم.." تحدث بنبرة خائفة وبعدها بدأت أنفاسه في الإنتظام بينما تركها هي في حيرة وارتباك وهي لا تدري ما كل تلك التصرفات الذي يفعلها..

حاولت أن تلمحه في تلك الظلمة على ضوء القمر المتسلل من الشباك لتتهاوى دمعة من عيناها وهو تتذكر ذلك الأسم الذي ناداها به لم يناديها به غير والدتها من قبل..

لأول مرة تكون بهذا القرب من رجل، يحتضنها بتلك الطريقة، ذراعاه يأسرانها وكأنها ستبقى باقي حياتها بينهما، هدأت خفقات قلبها قليلاً لتشعر بخاصته المنتظمة ولأول مرة تشعر بخفقات قلب أحد غير والدتها..

تفقدت ملامحه التي قد اختلفت كثيراً وبخجل وخوف شديد مدت كفها لتزيح احدى خصلاته التي انسابت على جبينه وهي تُفكر

"هو يعني عشان سكران بيعمل كل ده فجأة؟!" وقعت في الحيرة ثم قررت بداخلها

"ما هو مفيش غير الحل ده.. بس أنا هنام ازاي دلوقتي كده جنبه؟!" وقعت بالمزيد من الحيرة والخجل أيضاً عندما تفقدت صدره العاري وذراعاه وشعرت بساقاه العاريتان يلتفان بين ساقيها لتتنهد في قلة حيلة لتدرك أنها لن تستطيع النوم أبداً طالما هو بجانبها ولكنها أوصدت عيناها لتستنشق تلك الرائحة الغريبة التي تلاحظها كلما أقتربت منه لتتذكر فجأة متى اشتمت تلك الرائحة وومض عقلها وهي تشعر بآلم كالصداع لتتذكر احدى الأحاديث من اخته ووالدته التي أخبرها عنهما اليوم من خلال الصور ورائحته تسللت بداخلها بقوة شديدة..

كانت تقف بمكان ما كمكتب بمنزل هي لا تدري وكان وجهها يبدو حزينا، ولكنه لا تزال تشتم رائحته وتذكرت والدته وهي تُحدثها وكذلك أخته وآلم رأسها يزداد بعنف شديد

"بصي يا بنتي، بدر ابني راجل صعب، مش هاقولك إنه سهل أبداً، بس أنتي تقدري عليه، عارفة ليه؟! عشان أنتي طيبة وقلبك أبيض وهو على قد ما و عصبي بس حنين أوي.. عارفة إن ما بينكم فرق سن كبير، وعارفة إنه شكله أحياناً بيكون مخيف ويرعب بس هو خلاص بقا جوزك ودي بقت حياتكو.. بدر لما حد بيعامله بحنية بيحبه أوي، واللي بيستحمله في الأول بيلاقي إنه غلبان أوي وساعتها بدر بيمسك فيه بإيديه وسنانه"

"أنا لسه فاكرة أول يوم شوفته فيه، كانت تصرفاته عدائية جداً، مكنش عايز حد يقرب منه، فضل يكسر في اوضته لغاية ما قربت منه وفضلت أكسر معاه كل حاجة.. استغربني في الأول، كان فاكرني هزعقله، كان رافض يتعامل معايا خالص، بس بعد ما خلصنا تكسير ورمينا كل حاجة على الأرض قعد جنبي وهو بينهج وقالي أنا عايز ارجع لماما.. قولتله وأنا كمان!!"

"ليه أنتي مامتك فين؟!" نظر لها ذلك الطفل بتلك المقلتان اللامعتان

"مامتي بعيد اوي في بلد تانية"

"بس انتي كبيرة وتقدري تروحيلها، لكن أنا بابا مش هيخليني امشي" ارتسم الحزن على ملامحه

"مين قالك إني مقدرش.. أنا لازم أكون موجودة هنا عشان بحب باباك، وبحب اخواتك شاهي وهديل وكمان عشان بحبك.. مش معنى إننا نقدر نعمل حاجة يبقا نعملها، يعني مثلاً أنا ممكن أكسر معاك كل اللعب دي وممكن نفركش السرير مع بعض، لكن ده مش المفروض نعمله تاني.." أقتربت منه على حذر وجلست بجانبه ليطالعها ويتفقد ما تفعله "تفتكر بابا جابك ليه؟"

"عشان هو مبيحبش ماما وعايزني ابعد عنها" اجاب بتلقائية شديدة

"لا يا حبيبي.. هو جابك هنا عشان الناس اللي بتحبك، أنا وشاهي وهديل وهو كمان بيحبك.. أنت كنت عند مامتك بقالك فترة كبيرة، والدور علينا بقا ولا عايز الناس اللي بتحبك متقعدش معاك؟!" توسعت عيناها وهي تنظر له في براءة ثم أكملت "كلنا طلبنا من بابا إنه يجيبك هنا عشان نلعب سوا وعشان تقعد مع شاهي وهديل شوية وعشان أنا بحبك اوي ونفسي كان يبقا عندي ولد جميل اوي زيك كده.. وأنا أوعدك إنك هتشوف مامتك تاني بس بعد ما تقعد معانا شوية"

"بجد يا طنط؟!" تعجب وتوسعت عيناه في دهشة

"بجد يا حبيبي، بس على شرط.. تقولي يا ماما نجوى وأنا أعملك كل اللي أنت عايزه" ابتسمت له لتجده يهرع نحوها يعانقها

"أنتي طلعتي طيبة أوي يا ماما نجوى وأنا هاسمع كلامك عشان أشوف ماما تاني"

"وأنا بحبك أوي يا حبيبي.. وهخليك تشوف مامتك وكتير كمان، بس يالا بقا بسرعة نوضب الأوضة الجميلة دي لحسن شاهي وهديل هيجوا كمان شوية ولازم اوضتك تبقا حلوة زي اوضتهم.. هتساعدني؟!" أومأ في صدرها لتربت هي على ظهره وتنهدت في حزن على ذلك الصغير.

عاد عقلها ليؤلمها بعنف وهي بجواره تنظر له في صدمة اعترتها بتذكر حديث والدته عنه وهو طفل صغير لتتذكر المزيد من ذلك اليوم

"ليه اتجوزتيه؟ ليه مقولتليش إنكو حبيتوا بعض؟ ليه اتسرعتي كده من غير ما ترجعيلي؟"

عقدت شاهندة ذراعيها وهي تتحرى الصدق بتلك الزرقاوتان لتتنهد نورسين ووقفت ظهرها مواجهاً نفس الباب الذي دلف هو منه وسمع ما قالته شاهندة بينما هي لا تدري لماذا اعترتها تلك القشعريرة بجسدها وكأنما توقفت شعيرات جسدها بالكامل، أهذا هو عطره؟! أتلك هي أنفاسه التي تُربكها؟

"اتجوزته ليه!! مش عارفة أرد على سؤالك يا شاهي ازاي.. كلامي عايزله كتب عشان يكفي.. بس هحاول أجاوبك.."

"اتجوزته علشان بدر الوحيد اللي حسسني إن أبويا مماتش وعوضني عن وجود الأب بحنيته وحمايته وخوفه، علشان شوفت إن في كل مرة اتعصب عليا فيها كان خايف عليكوا أوي وكان نفسي في حد يخاف عليا ولو ربع الخوف ده ويحبني كده، أنتي أو زياد أو حتى ماما نجوى وهديل كان بيخاف عليكم مني عشان لسه داخلة بيتكم ولسه مش عارفني.. فاكرة يوم ما جوز ماما الله يرحمها جه هنا هو اللي وقفله معاكي ودافع عني وحماني وخلاه يمشي وميجيش تاني.. لو بس تشوفيه وهو قاعد جنبي في لندن يوم ما تعبت وسهران جنبي لغاية ما اطمن إني كويسة هتعرفي أنا اتجوزته ليه، حبه اللي بيبان جوا قسوته وعصبيته حسيت إني عمري ما هلاقيه أبداً في أي راجل تاني.. على قد ما كان شاكله كارهني في الأول بس لما عرفت إنه اللي شالني وساعدنا يوم وفاة ماما ابتديت أعرف قد ايه هو حنين وعمري ما هلاقي في حنيته..

تعرفي يا شاهي واحنا في لندن، دي كانت أول مرة اروح الملاهي من يجي ست سنين، يمكن ماما مكانتش واخدة بالها إن لسه جوايا طفلة وعيلة صغيرة بس بدر طلع الطفلة اللي جوايا تاني وعرف ازاي يحببها فيه"

"الفرحة اللي عيشتها معاه اليومين دول كانت أحلى أيام في حياتي.. خلاني نسيت إني يتيمة الأب والأم، خلاني انسى قذارة يُسري، خلاني أشوف مين بدر الدين بجد مش الراجل اللي بيزعق وبيتعصب.."

"عارفة لما بيلمس ايديا بإيده الكبيرة دي بحس إني مش على بعضي بس في نفس الوقت فرحانة ومش خايفة وبحس إن مجرد وجوده جنبي بيحميني، لما وقف قدام الناس وقال إني مراته وبيحبني حسيت إني عمري ما هخاف وهو جنبي وإن محدش يقدر يقربلي تاني طول ما هو موجود.. كلامك عنه، وكلام ماما نجوى عنه أكدلي إني اخترت صح وإن عمري ما كنت ممكن ألاقي راجل زيه.. عرفتي يا شاهي اتجوزته ليه أول ما عرض عليا الجواز؟!" فتحت عيناها لتجفف تلك الدمعات التي تهاوت على وجهها لتومأ لها شاهندة في حب وتوجهت نحوها تحتضنها

"ربنا يسعدكوا يا حبيبتي وأتأكدي دايماً إني جنبك مهما حصل ومش عايزاكي تخافي من أي حاجة.. وأي حاجة تحتاجيها اطلبيها مني وعمري ما هتأخر عليكي.."

توقف ذلك الآلم برأسها بأعجوبة.. هي تتذكر الحديث بينها وبين والدته وأخته، تشعر حقا أنها تعرفهما، تبدوان طيبتان وحنونتان للغاية، ولكن لماذا ازداد خوفها منه هكذا؟! لماذا تشعر بأنه قاسي للغاية ومخيف؟ رمقته في الضوء الخافت بالغرفة وابتلعت في حُزن وهي حقا لا تتذكر المزيد من ذلك اليوم.. هل حقا سافرا بمفردهما؟ هل ذهبا سويا لمدينة الألعاب كما أخبرت اخته؟ هل تُحبه فعلا مثل ما قصت لأخته؟

هي تتذكر الحديث ولكن الأحداث لا تستطيع تذكرها!! مهلا.. كلماتها تدل على أن يُسري فعل شيئا ما، ولكن لماذا بداخلها مشاعر متضاربة بين الخوف منه والشفقة عليه؟!

أخذت تحاول بصعوبة أن تتذكر المزيد ولكنها لم تستطع وكذلك حاولت الإفلات منه ومن ذراعه الثقيلة للغاية كي تتركه وتذهب فهي ليست بمعتادة على النوم بجانب رجل ولكنها فشلت تماما ولم تنجح بالأمر فظلت تنظر إليه إلي أن سقطت في النوم

--

فتح عيناه بصعوبة شاعراً بصداع يهتك رأسه ليدرك أنه يرى نهدان لم يرى مثلهما من قبل.. أهو يحلم؟! رفع حاجباه وحاول الابتعاد برأسه للوراء قليلاً ليستطيع تفحص المزيد منهما ثم عقد حاجباه ليدرك أنه قد رآى تلك البشرة الحليبية من قبل فرفع رأسه ليرى نورسين نائمة وخصلاتها الحريرية قد تبعثرت حولها ووجنتاها تلك يغريانه بشدة على أن يلتهمهما قُبلاً إلى أن يتضاعف حجمهما..

نظر للأسفل ليجد ذراعاه تحاوطها ووجد نفسه عارياً بجانبها.. أهي حقاً من تخلصت من ملابسه؟ لا يتذكر.. ما الذي حدث ليلة أمس؟! نهض قاعداً وهو يدلك رأسه ثم آخذ مسكناً من الدرج جانبه ليزيل ذلك الصداع اللعين ثم نظر لها مرة أخرى ليشرد بملامحها وشعر بالضياع تماماً فهو لا يدري ما الذي يفعله بها..

أعليه البداية معها من جديد وخير له ولها أن تناست كل شيء وعليه هو الآخر أن يتناسى أم أنها تخدع الجميع؟ هو لا يدري ولا يعلم!!

وجهها ذلك البريء لم يعد يستطيع الإبتعاد عنه، لا يمر يومه من دونه، ماذا لو قد اكتشف شيئاً ما عنها؟ أسيفقد تلك اللحظات التي ينظر لها بها؟ أسيغضب عليها مجدداً؟ حسناً، هي لا تبدو مثل والدته، كل ما تفعله يشير إلي أنها بريئة تماماً، أما ذلك الجمال الرائع الذي لم يراه بإمرأة أخرى فهو يجعله مشتتاً، كم يتمنى لو أنه فقط قضى معها ليلة واحدة.. ليلة واحدة سيجعلها تستمر إلى أن تغادر روحه جسده!

أقترب منها لتلامس شفتاه وجنتها التي تشربت بالحُمرة ولكنه حاذر أن يوقظها ثم توقف فوق تلك الكرزيتان الذي يتمنى أن يتذوقهما بكل مرة ينظر إليها..

أتنظر له السماء أم هو يحلم؟! أيُمكن أن يخفي إنسان السماء بين جفناه؟ مم صنعت تلك الفتاة؟ لماذا ألقى القدر بطريقه كتلة الجمال تلك؟ أحقاً تبدو السماء خائفة أم هو يتخيل؟

"لو.. سمحـ.." تلعثمت وأنفاسها تلاحقت في ارتباك من قربه المفاجئ فهي لم تتوقع أنه سيكون بذلك القرب منها عندما تستيقظ.. لقد ظنت أنه سيكون غاضباً وسيتركها، لقد كان ثمل ليس إلا!!

"صباح الخير.. ممكن تعملي فطار قبل ما نسافر؟" سألها بهدوء وتلك الثاقبتان تصرخ حزناً وآلماً كي لا تترك تلك الزرقاوتان لتضيق هي ما بين حاجبيها في تعجب واستغراب لطريقته الهادئة وملامحه الجديدة عليها التي تتغير كل يوم عن ذي قبل لتومأ له وهي تحاول أن تنظر بعينيها بعيداً عن تلك الظلمة التي توترها للغاية بينما هو عقد ما بين حاجباه في انزعاج لتهرب تلك السماء من أمامه ونهض مغادراً لحمامه لتتفقد هي جسده بعينيها وهي تشعر بالخجل الشديد ولا تدري لماذا ابتسمت رغماً عنها وتوجهت مسرعة لتعد الإفطار ولن تنكر أنها شعرت بالحماس والسعادة لأنها سترى شاهندة اخته التي اخبرها عنها وتذكرت بعضا من حديثها معها ليلة أمس وكل ذلك فقط سيكون بعد ساعتان من الآن..

"يا نهار أسود!" تمتم بعد أن تذكر ما حدث.. كيف لها فقط بنصف زجاجة فودكا ووجه بريء تحصل عليه بمثل تلك السهولة، لقد تذكر احتياجه لها، لقد طالبها بأن تبقى معه، لقد هلوس بشيء ما عن أبيه.. ماذا بها تلك الفتاة لتسيطر عليه؟ أتخدعه مثل الآخرين لأنها تبدو جميلة للغاية؟! حسناً!! ملامحها تلك أصبح لا يستطيع الحياة دون أن ينظر لها، أهو مدرك أنه إذا أكتشف حقيقة علاقتها بكريم سيبتعد عنها بالنهاية؟ أهو مستعد لذلك؟

فكر وهو يشعر بالغضب الشديد تجاه نفسه قبل أن يغضب عليها هي! لم يبغض بحياته من قبل مثل هذا الشعور بالضياع الشديد والضلال، لقد بدأت تلك الفتاة في الاستحواذ على عقله ووقته بل وبمشاعره أيضاً وتستطيع التحكم به بمنتهى السهولة! لا لن يكن ذلك الخاضع المذعن لها!!

توجه لغرفته واستعد بعد أن ارتدى ملابسه ونثر عطره وتنهد في تصميم على أن يمنع نفسه من التأثر بتلك الفتاة التي عبثت بعقله وأحدثت عاصفة داخله لابد له من أن يوقفها بكل ما أوتي من قوة..

توجه للمطبخ بملامح متجهمة ليتفقدها وهي تقوم بإعداد الإفطار ولم يستطع أن يتوقف عن تطلعها في وله تام، أحقاً ما تفعله؟! سأل نفسه واتسعت عيناه وهو يتفقدها بمنتهى الدهشة..

"..حبيبي يا نور العين.. يا ساكن خيالي.. عاشق بقالي سنين.. ولا غيرك في بالي.. ايه ده أنت! أنت هنا من امتى" شهقت بعد أن توقفت عن الغناء وملاحظة أنه كان خلفها والتمايل بجسدها ولكن ليس بإثارة، لقد حقاً بدت كالطفلة الصغيرة، لتشعرهي بالإرتباك والإحراج الشديد بينما هو أعاد تلك الكلمات برأسه لينفجر ضاحكاً وتذكر يوم أن وقفت تدندن بمكتبه ولم يتوقف عن الضحك وهو يتذكر نبرتها وهي تُغني مذعناً وخاضعاً لتلك الفتاة لتتملك روحه!!

"أنت بتضحك عليا ليه بقى؟" صاحت به في طفولية بينما هدأت ضحكاته

"تعالي تعالي.. عايز أقولك على حاجة" أخبرها وهو يتوجه نحوها "بصي يا نورسين علشان مش عايز مشاكل.. اياكي حد يعرف بموضوع إنك ناسية كل حاجة ده.. فهماني ولا بلاش نسافر أصلا معاهم؟!" نظر لها بتحذير وعيناه بدتا مخيفة وكأنما تتغلغل داخلها وهي تنظر له في توتر

"ليه يعني هو مش هـ.."

"نورسين!!" شدد على نطقه لحروف اسمها لتبتلع في خوف من مظهره "لو كلمة واحدة وصلت لشاهندة او لجوزها انتي مش هاتخرجي برا البيت ده تاني.. واستحالة اخليكي تروحي لشاهي أبدا.. وكمان مش هاخليكي تكملي جامعة!" أخبرها بنظرة هو يعلم جيدا أنها تربك أيا كان من أمامه لتومأ بإقتضاب

"يالا حضريلنا باقي الفطار" حدثها بهدوء بنبرته الرخيمة لتومأ بإقتضاب وتزايد شعورها بالخوف منه فهي لم تعد تعلم كيف ستتصرف مع ذلك الرجل الغريب!!

--

"وحشتيني أوي.." صاحت شاهندة وهي تعانق نورسين بشدة

"وأنتي اوي يا شاهي.." بادلتها العناق ثم نظرت لها في اشتياق بعد أن شعرت أنها تعرفها بل وشعرت بالراحة لمجرد رؤيتها وودت لو تحدثت معها بالكثير ولكن تحذيرات بدر الدين لها ونظراته المرعبة كي لا تخبر أحد بفقدانها لذاكرتها جعلتها تشعر بالخوف منها

"اخدتها مني خلاص!! ماشي يا بدور!" نظرت شاهندة لبدر الدين لتغضبه بتلك الكلمة لتراه يسحق أسنانه غضباً لتنفجر هي بالضحك بينما تعجبت نورسين على ما تناديه به!

"يالا بقا عشان وحشاني جداً وعايزة أعرف كل حاجة حصلت اليومين اللي فاتوا دول" غمزت لها لتتلاقى أعين بدر الدين المحذرة ونورسين المتوترة، لقد شعرت بالخوف من مجرد تلك الكلمة التي قالتها شاهندة بتلقائية وعفوية شديدة أما هو فلقد نظر لها بطريقة لم تعلم منها ماذا يريد سوى أنه يحذرها كما حذرها صباح اليوم؟

"ايه يا بدر.. الجواز خدك مننا ولا ايه" صاح حمزة بإبتسامة "تعالى تعالى أحكيلك على حتة موضوع بقا بس الأخبار الجديدة عندي شوفت شركة..." لم يستمع حقاً لما قاله زوج أخته وشعر بأنه يسير فقط بسبب يد حمزة التي تدفعه برفق على ذراعه وعيناه تعلقت بتلك التي سلبت عقله..

"يا سلام.. يعني بدر أخويا عمل كل ده؟!!" رفعت حاجباها في دهشة مما سمعته وهي تجلس بجانبها في مقاعد الدرجة الأولى بالطائرة

"آه.. هو كان بيبسطني على قد ما يقدر.." ابتسمت نورسين بإقتضاب وهي تحاول أن تتظاهر بحفنة كلمات قد تُلاقي التصديق من شاهندة اخته بالرغم من أنها لا تتذكر العديد من الأشياء والمواقف التي جمعتها بها ولكنها كانت تبدو شخصية مرحة وحنونة ثم نظرت لإتجاه كرسيه الذي تقدم مقعديهما بجانب حمزة ثم غرقت بشرود تام

"ماشي يا ستي ربنا يسعدكوا.. وعايزاكي بقا تتبسطي الاجازة دي على قد ما تقدري علشان خلاص الدراسة قربت تبتدي وأنا مش هاقبل بأقل من امتياز السنادي.."

"إن شاء الله يا شاهي.. ماما نجوى عاملة ايه؟!" سألتها عن تلك المرأة التي تذكرت بعضا من حديثهما ليلة أمس

"الحمد لله، على قد ما هي مبسوطة بجوازكم بس بردو مضايقة انها مش بتشوفكوا"

"هنيجي.. هو بس كان مشغول شوية وهنيجي إن شاء الله" ابتسمت لها وشاهندة تكاد تجن من تلك الفتاة، هي رآت أخيها تلك الأيام الماضية بالشركة كل يوم وبدا دائماً شارداً، فكرت قليلاً.. إما هما الإثنان قد غرقا ببعض عشقاً وإما هناك شيئاً هي لا تعلمه!! عشق ماذا؟! لقد تركها لدى يُسري.. لكن نظراتهما لبعضهما البعض تستطيع رؤية مشاعرهما من خلالها!! ستجن!! حقاً ستفعل، لا تستطيع معرفة أي شيء من كلمات نور المقتضبة تلك.. ستحاول مع أخيها إذن..

"ماشي هنستناكوا.." ابتسمت لها وهي تشعر بالغيظ وكأنها كالـ أطرش بالزفة!!

"ممكن تندهيلي أخويا شوية بقا.. هتروحي كده هناك" أشارت لها على مقعدي بدر وحمزة "هتلاقي راجل بقا مقولكيش.. زي القمر.. اقعدي معاه واندهيلي أخويا شوية عشان وحشني" ابتسمت لكلماتها وأومأت لها بإقتضاب لتتابعها شاهندة مضيقة عيناها وهي تكاد تنفجر غيظاً..

نهض بدر الدين عاقداً حاجباه وتوجه على مضض نحو أخته ثم جلس بجانبها وعيناه الثاقبتان بنظرة الصقر تلك لا تفارق كلاً من نورسين وحمزة، لا يدري لماذا يشعر بالغضب تجاه جلوسها جانبه؟!

"تصدق.. أنت متستاهلش أن واحدة زي دي تحبك" أخبرته شاهندة له ولكنه لم يتبين حقاً ما قالته وانشغل تركيزه بنورسين "يا بدر بيه!!" نادته وهي حقاً لا تُصدق أنه يتابع نورسين بتلك الطريقة "ما تركز معايا والنبي شوية يا أخويا مش هتطير متخافش.. حجزتلكوا أوضة مع بعض.."

"أوضة ايه؟!" نظر لها وهو لم يستمع ما قالته

"لا ده بجد.. للدرجادي خلاص مش قادر تسيبها تبعد عنك شوية؟!" تعجبت بتهكم

"مش قادر اسيب مين.. فيه ايه يا شاهي؟!" نظر لها في ضيق وعقد حاجباه وهو يحاول فهم ما تقوله أخته

"يا ابني انت من ساعة ما شوفتك وانت عينك ماتشاليتش من عليها.. دي مراتك يا حبيبي.. متخافش هتروح معاك والله مش هاخطفها منك" زفر هاززاً رأسه في حنق من كلماتها "لا ركزلي بقا كده شوية!"

"عايزة ايه طيب؟!" نظر لها بتركيز

"أنا جبت مراتك من هنا لهنا مقالتليش حرف عن اللي حصل مع يُسري!! أنا مش فاهمة فيه ايه!"

"هي حرة.. تتكلم ولا متتكلمش حاجة ترجعلها"

"لا والنبي ايه!! تصدق انها خسارة فيك.. بقا بدل ما تشوف هي قد ايه بتحبك وعايزة تخليك كبير في عيني تقولي حاجة ترجعلها.. يا اخي بطل حركاتك دي بقا.." هل تشعر تجاهه بمشاعر حقاً؟ عقد حاجباه في تفكير بكلمات أخته ليلتفت فجأة على ضحكتها التي تصاعدت فجأة وصاحبها ضحكة حمزة ليشعر بغليان الدماء بداخله

"شاهي بقولك ايه، أنا تعبان وعايز أنام على ما نوصل.. روحي ارغي مع جوزك بقا وسيبيني أنام"

"تصدق.. إنت خنيق والله.. أنا اروح لحمزة فعلاً.. ربنا يصبرك يا بنتي على ما بلاكي" تمتمت شاهندة وهي تغادره وتذهب نحو كلاً من حمزة ونورسين وتطلعت لها بحزن "روحي يا اختي شوفي جوزك الرخم ده وسيبيلي الفرفوش ده شوية" ضحك حمزة وابتسمت لها نورسين وهي تعود لمقعدها بجانب بدر الدين لتجده يتفحصها بعينيه الثاقبتين لتشعر هي بالتوتر الشديد من تلك النظرة التي تغللتها!

"بقولك ايه.. لما تقعدي مع حد تقعدي بإحترامك.. ضحكتك وصلت لكل اللي في الطيارة" تمتم لها هامساً وهو يحاول أن يُسيطر على غضبه لتنظر له في براءة ولكن لا لن ينخدع بمثل تلك النظرة

"أنا بس كنت بـ.."

"مش عايز اسمع كلمة!" قاطعها لتدرك أنه عاد لغضبه الآن وخفضت نظرها وأخذت تفكر فيما سيفعله معها ورغما عنها شعرت ببعض آلام برأسها وتشويش وتذكرت عدة أوجه غاضبه له وانتعشت الذكريات السوداء بعقلها لملامحه المخيفة ولكن الأحداث تبدو مشوشة فتحاملت على ما تشعر به في صمت لتتهاوى دموعها في قلة حيلة من تلك الآلام التي تعصف برأسها بينما هو ارتفع غضبه ليرى تلك الدموع منها وهو لا يدري أيريد أن يصرخ بها لتتوقف أم يصرخ بنفسه لسيطرة ذلك الآلم الذي ينبعث به كلما رآها تبكي

"طيب خلاص متعيطيش.." توقفت في دهشة وهي لا تُصدق أنه يكترث لبكائها ونظرت له بزرقاوتين متسعتين ليدرك تلك النظرة بعينيها وهو لا يقدر على التفوه بالمزيد من الكلمات التي قد يواسيها بها، لا هو لا يريدها أن تتوقع أنه أصبح ليناً تجاهها أم ربما هي لا تتذكر كيف كان!! لم يعد يعلم ما الذي عليه فعله!

"عشان في وسط الناس.." حاول أن ينظر لها تلك النظرة التي ترعب من أمامه ولكنها كانت نظرة مشتتة لم تفهم هي منها شيء بينما تشتته هو داخلياً كان أكثر من تشتتها..

تصنع النوم وهو يشعر بتلك الزرقاوتين تتفقده على استحياء وكأنما تلك الزرقة بأبحر عيناها تداعب ملامحه بخجل، يستمع لتلك التنهيدات التي عكست حيرتها وارتباكها تجاهه ثم شعر بها تذهب في النوم ليحاول لمحها بطرف عيناه وما أن تأكد أنها ذهبت في النوم وانتظمت أنفاسها اراح يده بمنتهى الحذر كي لا تستيقظ وأغمض عيناه لينم هو الآخر..

--

"عصافير الحب.. الطيارة خلاص هتنزل.." فتح بدر الدين عيناه قبل نورسين وابعد يده عنها مسرعاً وأومأ لشاهندة بينما توجهت هي لمقعدها لتهمس لزوجها "بص شوف دي.." ناولة زوجها صورة التقطتها بكاميرا حملتها معها ليلتقطا الصور بتلك الرحلة ليتمعن حمزة بصورة تجمع كلا من بدر الدين ونورسين وايديهما تتلامس بتلك الطريقة ليبتسم لها حمزة

"ربنا يسعدهم يا حبيبتي"

لم تدري نور كيف تضع الحزام وشعرت بالارتباك فهي أول مرة لها أن تركب طائرة وعندما أقلعت الطائرة شاهندة هي من ساعدتها بوضعه ليلاحظها بدر الدين وأقترب منها ليضعه لها لترتبك هي من تلك الرائحة التي أصبحت تشتتها وتدفع العديد من الذكريات لعقلها وأوصدت عيناها في توتر أمّا هو فبالكاد استطاع أن يبتعد عن تلك الكرزيتان..

ابتسمت وهي تشاهد تلك البلد الغريبة التي لم ترها من قبل غير ربما بحفنة مسلسلات وأفلام بالتلفاز ليس إلا، تراقصت عيناها فرحاً وهي تتفقد كل ما وقعت عليها عيناها ليبتسم بدر تلقائياً عندما رآها بتلك السعادة ثم تصنع الجدية ما إن تلاقت عيناه بعينا أخته التي ابتسمت ثم غمزت له ليعقد هو حاجباه بضيق من تصرفاتها..

"أنا هغير بسرعة الصاروخ وهتلاقوني على البحر.. انجزوا وتعالوا بقا.. هستناكوا" صاحت شاهندة وهي تدلف غرفتها التي وقعت بالقرب من غرفة بدر الدين ونورسين.. "ابقا قابلني لو شفناهم غير بليل.." همست وابتسمت لزوجها الذي هز رأسه في غير تصديق ثم همس لها هو الآخر

"طب ما تيجي نقابلهم بليل احنا كمان" نظر لها بعينيها وهو يحاوط خصرها دافعاً اياها برفق للجدار خلف الباب

" نفسي اوي انزل البحر عشان بقالي كتير منزلتوش.. وأوعدك بليل كله لينا ومش هنروح في حتة" قبلته بشغف مسرعة ثم فرت من قبضته على خصرها وهي تتوجه نحو حقائبها لتبدل ملابسها.. بينما تنهد هو بعشق تام ولم يرد أن يزعجها وظل يشاهد كتلة الحيوية تلك بعينيه، هي دون الجميع التي أسرت قلبه ولا زالت تفعل!!

--

دلفا الغرفة ليتصلب كلاً من جسديهما ليندهش هو للحظة ثم تحولت اندهاشته للغضب عندما رآى الغرفة مهيأة بالورود والشراب وكأنها ليلة عُرس أحد ما بينما شعرت هي بالتوتر من تلك الإعدادات الغريبة فتحرك مسرعاً نحو ما ظن أنه الحمام وقرر التظاهر بعد الإكتراث لتلك السخافات التي فعلتها أخته وهو يقرر بداخله أنه سيتجادل معها بالتأكيد على فعلتها

"هاغير واروحلهم، خلصي وتعالي" أخبرها وتحاشى النظر لها فتابعته بزرقاوتيها وتعالت خفقات قلبها بتلقائية..

لا تدري ما الذي يحدث لها بجانبه!! أستنام بالقرب منه على ذلك السرير.. مجدداً أستواجه نفس ما واجهته ليلة أمس، لم تنم بسهولة فقط من رائحته تلك التي تسللت لأنفاسها ودفعت بعض الذكريات لعقلها!! أوصدت عيناها في تمني أن تجد حلاً لهذا المأزق.. هذا الغرفة لا تحتوي حتى على أريكة تستطيع النوم عليها!!

فتحت عيناها لتجده أمامها، مرتدياً رداء السباحة لتتفقده وهو عاري الصدر وتلك العضلات البارزة التي يمتلئ بها جسده تجعلها مرتبكة، أم خائفة؟ هي لا تدري ولكن تعرف أن هناك شيئاً ما يحدث بداخلها عندما تراه بهذا الشكل كما رآته بالأمس ونجح هذا الشيء في بعثرتها لأشلاء.. ثم عادت لتتذكره وهو يصرخ بها بشيئا لتضع يدها على رأسها وهي تطأطأها للأسفل ليزفر هو بحنق عاقدا حاجباه ولم يعد يدري ما الذي عليه أن يفعله مع تلك الفتاة

"متتأخريش.." أخبرها ثم توجه للخارج لتتعالى هي أنفاسها وازداد التشويش برأسها وصوت صراخه صاحب صوت الباب الذي يُعلن عن توصيده ولكنها لم تُفسر أيا من كلمات صراخه عليها..

توجهت لترتب ملابسها بالدولاب ثم فعلت بملابسه هو الآخر وأخذت رداء سباحة أزرق يلائم تلك الزرقة بعينيها وذهبت لترتديه حتى تذهب لهم..

--

"وفيها ايه يعني.. يا ابني انتو لسه عرسان" ابتسمت له لتلاحظ غضبه منها "يووه بقا يا بدور.. ما خلاص يعني أنا عملت ايه، عايزة بس اطمن إن أخويا مبسوط" حدثته وهي تضحك ليشعر هو بالغضب من تلك الطريقة التي تعامله بها

"ما قولنا خلاص" أخبرته متصنعة الجدية ثم أومأ هو لها "تعالى بقا أضايقك بجد" تحدثت في خبث ثم توجت نحوه لتدفعه بكل ما لديها من قوة ليسقط بالقاع فهو لم يتوقع فعلتها ثم نهض على قدماه مجدداً بينما ابتسم لها في اقتضاب

"عارفة أنا ممكن أعمل فيكي ايه مش كده.. يالا بلاش برضو الناس تتفرج عليكي" هز رأسه بإنكار ثم نظر للشاطيء ليتفقد لماذا أخذت نورسين كل ذلك الوقت للحضور!

"نهار أبوكي أسود!" تمتم بداخله وهو يتوجه مسرعاً للخارج بينما تعجبت شاهندة من مغادرته هكذا فجأة ونادته ولكنه لم يجبها..

كيف لها أن تمشي هكذا بين الناس؟ ألا ترى هذان النهدان الصارخان بالإثارة بتلك الرجفات العنيفة التي حدثت كلما خطت خطوة، تلك المنحنيات التي التصق بها تلك اللعنة التي ترتديها لتهتز مُحدثة إضطراباً في عقل كل من سقطت عينه عليها، أيرى كل هؤلاء الرجال إنحنائتها المُفصلة بوضوح في هذا الرداء السخيف؟ كيف لها أن تفعلها؟ كيف أستطاعت الظهور هكذا؟ ألم تدرك بعد من هو زوجها؟ حسناً لن يحرمها تلك الفرصة لتتعرف عليه إذن من جديد.. حتى ولو سيذكرها بأبشع ما فعل بها!

توجه نحوها لتشعر بالرعب من ذلك الغضب الجلي بعينيه وأنفاسه المتلاحقة التي لاحظت أنها ستفجر صدره الذي علا وهبط في صخب ولكنه دون مقدمات جذب يدها بعنف لتشعر وكأنما عظامها ستتهشم أسفل تلك القبضة لتهرول خلفه لتحاول ملاحقة خطواته السريعة لتجده يتجه لغرفتهما دالفاً اياها في نفاذ صبر وصفع الباب خلفه لترتجف هي على ذلك الصوت ثم دفعها على السرير أمامه الذي لا زال مُزيناً بتلك الورود ليعتليها وهي تشعر بالفزع من تلك النظرات المُظلمة المُسلطة عليها وأزاد من حدة قبضته على يدها لتبدأ الدموع بالتراكم في عيناها ومن ثم تعالت لنحيب عندما شعرت بيده الأخرى تمزق رداءها..

"لا أرجوك بلاش اللي بتعمله ده.. أنا معملتش حاجة!!" توسلته في رعب وهي تحاول أن تحتمي فهي لا تدري لماذا يتصرف معها هكذا..

توقف بعد أن مزق رداءها بالكامل ثم تفقدها وهي تغطي وجهها بيدها الصغيرة ليسحق أسنانه في غضب عارم ثم أمسك بكلتا يداها عاقداً قبضتاه حولهما بقسوة صارخاً بها

"ايه اللي أنتي لابساه ده!! انطقي.." ليتعالى نحيبها وهي لا تستطيع أن تجيبه من شدة ذلك الغضب الذي لم تره به من قبل!

يُتبع..