-->

الفصل الثامن والعشرون - ظلام البدر - دجى الليل

  

الفصل الثامن والعشرون 

"انا بنادي عليكي.. مش سامعاني؟" توقف أمامها وهو يحاول أن يتحكم بنفسه ألا ينهار أمامها لتنظر له في وجل ولازال يلاحظ ارتجافها فهي لا تعرف ما الذي يظنه عنها ولا ما الذي اعتقده وخاصة أنها تذكرت وقتها أنهما لم يكونا متزوجان وإلا لما كان كريم عرض عليها الزواج في السر وشعرت بتخبطها أمام بدر الدين ما إن علم أن كريم كان هنا للتو

"ايه.. شوفتي عفريت ولا ايه؟" تحدث عاقداً حاجباه وهو يتصنع التعجب بإبتسامة مقتضبة أجبرها لترتسم على شفتاه ثم أقترب منها يتلمس ذراعيها ويتفقد ملامحها التي بدت مذعورة لتنفجر هي بالبكاء..

لم يستطع سوى أن يجذبها له لتستقر رأسها بصدره، هو يدري جيداً لماذا تبكي، يعرف تمام المعرفة ما بها، يشعر وكأنه يتهشم بداخله لرؤيتها تبكي بتلك الطريقة، وعلى الرغم من عذابه بتلك الدموع التي بللت صدره وذلك النحيب الذي يُضعفه تركها تلك المرة لتبكي مثلما تُريد..

ربت على ظهرها في حنان ثم همس بأذنها ليحاول أن يُطمئنها بعض الشيء بالرغم من معرفته أنها تعاني من مداهمة هذا الحقير إليها ولكنه لم يعرف بعد أن بدأ يعود إليها بعض المقتطفات من ذاكرتها

"هششش.. متعيطيش أرجوكي" توقفت هي ليتحول بُكائها لشهقات متقطعة لتدفعه بعيداً ثم نظرت له في انفعال ولكنها بدت كالطفلة الصغيرة..

"أنت كنت فين وسيبتني لوحدي؟ مش قولتلي إن فيه حراس بره؟ كانوا فين وليه مجوش، اشمعنى بيدخلوا ناس.." صرخت به في لوم

"أنا كنت في الشغل، وبعدين ناس ايه اللي بيدخلوا؟ أنا مش فاهم تقصدي ايه!!" تصنع عدم المعرفة وبداخله يسُب نفسه لتلك الحالة التي رآها بها

"أنت.. أنت لازم.. تفضل هنا.. معايا.. متمشيش وتسبني تاني" تحدثت بعصبية ليقترب هو منها وهو يجفف دموعها بأنامله

"طيب حاضر هاعملك اللي انتي عايزاه وهاسيب شغلي علشان خاطرك.. مبسوطة كده؟" نظرت له بوجه عابس جعلها حقاً كطفلة في الخامسة من عمرها وعينتاها الزرقاء تنظر له في غضب طفولي

"لا متسيبوش.. ابقى تعالى كل شوية.. او اشتغل من البيت.. او اتصرف بقا.." أخبرته وهي لا تدري ما ذلك الهراء الذي تتفوه به بينما هو ود لو يسألها لماذا عليه أن يبقى؟ أهي تشعر بالأمان معه؟ ألهذا الحد كانت تحتمي بالتواجد بقربه من ذلك الحقير؟ ولهذا الحد كان أعمى حتى لا يلاحظ كل ذلك؟!

"بصي.. غيري هدومك والبسي وتعالي نروح نتغدى برا عشان أنا رجعت بدري النهاردة وأكيد معملتيش أكل!" تحدث بخفوت وهو يحاول كتم تلك الدموع ليبتلعها شاعراً بغصة في حلقه وتوجه لمغادرتها ليوقفه صوتها

"بجد هنخرج؟!" صاحت متسائلة في حماس ليلتفت وهو يومأ لها بإبتسامة ثم ولاها ظهره مجدداً ليصيح وحاول بصعوبة ألا يبدو آلمه على نبرته

"هاستحمى وأغير وهاجيلك.." أخبرها وغادر مسرعاً ليهرول لغرفته ليدلف إليها موصداً بابه عليه ثم هرول لصورة ليلى لتتساقط دموعه رغماً عنه وهو لا يدري من أين له بأن يبدأ بالكلام..

--

"اسمع لما أقولك.. أنت لو مجيبتش أهل البت دي في خلال يومين أنا هاهد الدنيا على دماغك، سامع ولا لأ؟!" صرخ كريم بهاتفه متحدثاً ليُسري

"جرا ايه مالك.. وبعدين اسمعني كويس.. أنا ممكن اخد البت دي واجوزها للي يدفع أكتر منك، أو ممكن اروح لجوزها وأخد منه اللي أنا عايزه، أنا مخلصتش من أمها عشان تقرفني هي، ولا تغور خالص ومش عايز حاجة، إنما كل شوية هتقرفني أنا مش عايز وجع الدماغ ده!!" صاح يُسري مجيباً ايه في غضب بينما لاحظ كريم كل ما أخبره به وتلك الكلمة التي قالها بخصوص كوثر والدة نورسين

"معلش اعذرني بس الموضوع طول.. وأنا بقا بصراحة هموت عليها وعايز أخلص من بدر ده بأي طريقة.." لانت نبرته ثم تنهد "متعرفش كده طريقة تخلصنا منه ولا نضطر نقول لأهلها ولا حاجة؟!" فكر كريم قليلاً لربما يُخبره أي شيء يستطيع أن يُدينه به يوماً ما حتى يُنفذ كل ما خطط له!

"مممم.. يمكن أعرف.. بس كله بحسابه!" ابتسم يُسري في خبث

"وأنا كريم.. وكريم أوي كمان معاك أنت بالذات.. تحب نتقابل النهاردة نتكلم في الموضوع ده؟!"

"تمام اتفقنا.. تعالالي البيت النهاردة على تسعة او تسعة ونص كده بليل"

أوصد كريم هاتفه وهو يُفكر الآن التلاعب بيسري مثلما تلاعب به هو الآخر وعرف جيداً كيف سيجعله رهن إشارة واحدة من سبابته ليبتسم في انتصار ثم توجه لمكتبه وهو يدندن بشيء ما..

--

"انتي متخيلة يا ليلى أنا عملت فيها ايه؟! متخيله أنا بهدلتها ازاي؟" همس لصورة ليلى أمامه ودموعه تتساقط في ضعف وإنكسار "هي مش بس عرفت حقيقتي ولا اتعصبت عليها ولا حتى عملت زيك وكانت عايزة ده، لأ أنا كنت شايف فيها وفاء.. عارفة يعني ايه وفاء؟ أكتر ست بكرهها في حياتي.. أنا طيب هاعمل معاها ايه دلوقتي؟" مسح دموعة بحرقة وهو يحاول أن يتنفس بين بكاءه

"طب هبدأ منين؟ أنا.. أنا مبعرفش أعتذر ولا أكون حنين.. ايه فجأة كده هاجي أقولها أنا مسامحك ومفيش جواز؟ لأ يا ليلى أنا مش هاقدر أبعد عنها.. كفاية أنتي بعدتي عني.. هتيجي هي كمان تبعد عني؟!! لأ استحالة.. أنا عارف إني أناني بس مش هاقدر ابعد عنها، مش هاقدر أسيبها تضيع من ايدي بعد ما لاقيتها.. أنا بحبها أوي يا ليلى.. أنا مش عارف هاعمل ايه!!"

"ابن الكلب الوسخ ده خلاني أشك فيها.. أنا مش بعيد أموته، ده أنا هاعذبه بالبطيء.. أنا هخليه يمشي يتلفت حواليه على كل اللي عمله فيا وفيها وهديل!! أنا هاعمل فيه أضعاف اللي عملته في نورسين زي ما خلاني ابهدلها" اعتصر عيناه في آلم عندما تذكر أخته

"ذنبها ايه تقع في واحد قذر زي ده؟ ذنب ولادها ايه؟" صاح صارراً أسنانه بعنف ثم وضع صورة ليلى بمكانها ثم توجه بخطوات بطيئة للحمام وهو يشعر بالتشتت وكاد أن ينهار بأي وقت..

عقله فارغ، فارغ من كل شيء، ذلك الرجل الذي لطالما عرف ما يفعله جيداً لم يعرف ما الذي عليه فعله الآن!! كبير العائلة والقدوة لم يعد مُدركاً كيف ستمر تلك الأيام القادمة عليه وعليها.. متشتت وخائف، منكسر ومهزوم.. يشعر بمدى ظلمه وافترائه عليها، لقد ظلم طفلة، طفلة وقع في حبها وبشدة وقاوم بكل جوارحه، لولا فقط ذلك الفكر الذي سيطر عليه بأنها كانت تخدعه لكان يحيى أسعد أيامه معها ولكن كل ما حدث كان غلطته هو.. بمنتهى الغباء.. لقد كانت محقة عندما أخبرته أنه غبي!

لقد فهم ما نطقت به بمنتهى الخطأ، لقد كانت تدافع حقاً عن أخته، لم تكن تريد لأخته أن تنخدع بمثل ذلك الحقير الذي تزوجته، لقد كانت تدافع عن أطفالها، تحثه على أن يكون على وعي بما يرتكب.. ولكن غباءه لم يدعه ليُصدق الحقيقة التي كانت واضحة وضوح الشمس بمنتصف نهار صيف لم تغيب شمسه ولو للحظة واحدة..

"دي غلبانة وطيبة اوي.. هاعمل أنا ايه دلوقتي معاها؟!" تمتم وهو أسفل المياة ليشعر بتلك الآلام التي قد فتكت به تخبطه يميناً ويساراً وإدراك أنه ظالم ظلماً شديداً جعله للحظة يتخيل نفسه كأبيه لتتساقط دموعه رغماً عنه وهو يتذكر كل تلك الأشياء التي فعلها بها مثل والده..

عندما حبسها أول مرة لقد فعل به والده ذلك، عندما أهانها بتلك الكلمات كان قد سمعها من أبيه لأمه، عندما عذبها وهو يجلدها لقد تعرض لتلك الجلدات من قبل، لقد كان كنسخة طبق الأصل من أبيه!! لقد شابه أكثر من كره من الرجال بحياته.. أو لربما الجزء الذي كرهه به، فلولا أنه أعطى حياته فرصة ثانية بإحضاره له من منزل والدته كان ليضيع تماماً بتلك الحياة.. ويا للهول لو تذكرت فجأة كل ما فعله بها!! ستتدمر علاقتهما بالتأكيد!

--

شعرت بالخوف ما إن آتى كريم هنا مرة أخرى؟ ماذا لو أخبره الحراس بأنه قد آتى؟ ألاحظ عليها خوفها؟ ألاحظ أنها كانت في حالة الذعر تلك؟! لقد تذكرت أن بدر الدين استمع لهما يومها ولكن ما الذي فعله بعد ذلك؟!

أحيانا يأتي بعقلها ومضات مؤلمة تجعلها تشعر بأنها عاشت مواقف واحداث مرعبة مع بدر الدين ولكنها لا تتذكرها بأكملها ورأسها تأخذ في إيلامها بشدة.. ولكن ربما هذا منطقي، لأنه فكر وظن أنها على علاقة بكريم.. ولكن تقسم أنها لم تفعلها!!

وما الذي يفعله معها تلك الأيام؟ يُقبلها على رأسها، يبتاع لها ملابس جديدة، يدعوها لتناول الطعام بالخارج، لم يعد يغضب ولا يصرخ بها، يبتسم لها دائماً ويضحك كثيراً أمامها!!! إذن هل علم الحقيقة بأنها لم تكن على علاقة بكريم حينها؟

أيُمكن أنه قد عرف الحقيقة كاملة؟ لماذا لم يُخبرها إذن؟ ولماذا يتقرب لها بذلك الشكل؟ وما الذي فعلته هي معه عندما رآته؟ لقد بكت بصدره اليوم، وعندما كانا بتلك الرحلة لقد بكت بصدره أيضاً!! أيُمكن أنها لم تعد خائفة منه مثل قبل؟ لماذا لا يتبدد شعورها منه بالخوف؟ أحيانا تخاف وأحيانا تشعر معه بالأمان.. شعرت بتشتت هائل.. ما الذي فعله معها لتشعر بكل ذلك؟!

أستطاعت أن تآمن بجانبه بمثل تلك السهولة؟ لماذا تشعر وكأنها دائماً تحتمي به وهو قد يكون فعل أي شيء بها بعد ادراكه بمنتهى الخطأ أنها على علاقة بزوج اخته؟ لقد آتى بالوقت المناسب حتى ابتعد كريم عنها تماماً.. ولكن ماذا لو غضب عليها وقتها؟ لماذا يتشتت عقلها هكذا كلما فكرت به؟ لا تعرف هي تكرهه أم تحتمي به، هو يُعذبها أم يحاول إسعادها؟ وماذا لو لم يأت بمثل هذا الوقت.. أكان ليتهجم عليها كريم ويفعل معها شيئا حقيرا بنظراته تلك التي انهالت من عينيه من قليل؟!

احترق عقلها مُفكراً وهي ليست سوى فتاة بالعشرون من عمرها لا تدري ولا تعي أياً مما يحدث معها ولم تعد قادرة على تحمل كل تلك التصرفات الغريبة التي يقوم بها، ولا تتحمل حقيقة فقدانها لذاكرتها وموت والدتها الذي لا تعلم عنه شيء وحقيقة قذارة زوج والدتها وزواجها من ذلك الرجل الذي يجعلها تشعر بالخوف والآمان!! عقلها لم يعد يستطيع التحمل أبدا!

تذكرته عندما أقترب منها بتلك الطريقة منذ يومان لتخجل مجدداً ورغماً عنها وجدت نفسها تضم قدميها وتعتصر يداها في خجل، كلما تذكرت ما فعله وصرخاتها تلك تشعر بالإحراج الشديد وعدم الراحة، وعندما تتذكر شعورها بتلامس جسديهما العاريان ودت لو انشقت الأرض وابتلعتها حية!!

"هو ازاي بيعرف يعمل كده؟" تمتم عقلها سائلاً لتبتسم وهي شاردة تماماً فيما فعله وطريقته "يمكن عشان شايفني حلوة؟ هو قالي كده بنفسه" تذكرت عندما أخبرها بتلك الكلمة لتتوسع ابتسامتها وأخذت تزيح شعرها بيدها للخلف وآخذت تتخيل لو فقط لها أن تقترب منه مجدداً!

تعجبت لتفكيرها الذي نهت نفسها عنه زاجرة عقلها ورأسها التي عادت لتتذكر تلك الأفعال المُخلة لتصيح بنفسها في تأديب

"ايه بقا قلة الأدب اللي أنا بفكر فيها دي!!" فكرت جيدا بأنها لا يجب عليها ألا تُفكر في مثل تلك الأشياء مرة أخرى وستتناسى تلك الأفكار تماماً.. عليها فقط أن تُفكر بخوفها وذاكرتها تلك يجب أن تستعيدها حتى تتفهم كل شيء بوضوح وتعلم ما الذي حدث لها!

"جاهزة؟!" صاح بإبتسامة أجبر نفسه على تصنعها لتلتفت هي له وتومأ له ثم توجهت نحوه لتجده يمد يده لها فتنهدت في تعجب من تصرفاته الغريبة عليها اليوم ولكنها تشعر بالحماس للتوجه للخارج فوضعت يدها بيده وسارت معه حتى دلفا السيارة سوياً ..

"أنت.. موديني فين؟ أقصد يعني هنروح فين؟!" سألته بتردد وارتباك ولكن عيناها رآى بهما طيفا من حماس طفولي

"فيه اوتيل حلو اوي على الكورنيش وبيعمل أكل حلو" أخبرها ليلمحها بطرف عينه ليجد ملامحها تعبس ثم لاحظ الحُزن بادياً عليها

"طيب" اجابت بإقتضاب لتجده يصف السيارة على جانب الطريق ثم التفتت متوجهاً إليها متنهداً في حيرة وهو لا يستطيع أن يتفقد تلك الملامح البريئة دون الشعور بالندم على كل ما فعله بها

"شكلك مش عاجبك الاوتيل من دلوقتي.. قوليلي طيب عايزة تروحي فين؟!"

"يعني ممكن نروح أي مكان فيه كذا حاجة جنب بعض، هناكل في اي حتة هناك وهنتمشى ونتفرج على حاجات كتيرة وهنتبسط أكتر.. لكن الاوتيل مش هنعمل حاجة وهنفضل قاعدين"

"بس كده.. المكان اللي يعجبك نروحه" ابتسم لها لتنظر له بإندهاش وسعادة

"طيب ممكن أوصفلك مكان حلو "

"طبعاً ممكن.." أخبرها لتبتسم إليه

"شكراً لحضرتك أنا مش عارفة أقولك إيه" أخبرته بإبتسامة وبالرغم من شعوره بالفرحة لأجلها إلا أنه يحتقر نفسه على كل ما فعله معها

"مش قولنا مفيش حضرتك والرسمية دي" ضيق عيناه ناظراً لها

"أنا آسفة.. المرة الجاية مش هاقولها" نظرت له بتلك الزرقاوتان ليومأ لها وشرع في القيادة متوجهاً حيث تخبره بالطريق ليفعل لها كل ما أرادته..

لقد كانت طفلة بالفعل.. تمشي مثل الأطفال وتتجول عيناها هنا وهناك، تشاهد كل شيء ولكن دون أن تطلبه، تتحرك بحيوية وطاقة شديدتان، تبتسم للأطفال وتلاعبهم، لم يكف عن اللحاق بها حتى لا تغيب وسط الزحام عن عيناه..

أمسك بيدها مجدداً وهما يتمشيان سوياً ولم يكف هو عن الإبتسام بإقتضاب كلما نظر لها أما هي فقد كانت سعيدة بشدة، يستطيع أن يرى تلك السعادة بادية على ملامحها، وأما عندما تلاقت أعينهما كان يرى ارتباكها وخجلها ليتنهد هو وهو لا يدري كيف عليه التصرف معها..

"تعالي نشتري حاجة من هنا" أخبرها لتومأ له وهي تتبعه ثم وقفا أمام احدى المعروضات التي كانت هواتف محمولة ذات علامة تجارية لم يكن يتواجد سواها وقتها "ايه اللون اللي عجبك؟"

"أنا طول عمري بحب السيلفر ده حلو اوي.. بس لو ليك أظن الأسود هيليق معاك أكتر.." تحدثت له وهي تتفقده بتلك الزرقاوتان

"اشمعنى بقا الأسود هيليق معايا؟" عقد ذراعاه وهو ينظر لها بتلك الثاقبتان لتبتلع هي مما أوشكت على قوله وبالنهاية قررت أن تقول شيئاً آخر

"مممم.. يعني.. هو Formal (رسمي) اوي.. وأنت بحسك Formal اوي في كل حاجة"

"مممم هو ده السبب يعني؟" سألها لتومأ له بإقتضاب وأشاحت بنظرها بعيداً عنه بينما هو عرف جيداً أنها تُخفي الحقيقة، فبالطبع الأسود هو أكثر ما يلائم تلك الظُلمة الحالكة بداخله!!

أمسك بيدها بعد أن حدث أحدى مسئولي المبيعات بالمحل ليومأ الرجل له ثم أعطاه بطاقته الإئتمانية وعاد ليحدق بعينتاها تلك اللاتي آسراه وأصبح لا يستطيع الحياة دونهما..

"اتفضل حضرتك.. شرفت" أعطاه الرجل حقيبة ليومأ له وآخذ الحقيبة منه وتناول بطاقته الإئتمانية ثم أعطى الحقيبة لنورسين

"عشان أنتي طول عمرك بتحبي السيلفر جبتهولك.." نظرت له بعينان متسعتان بمنتهى الدهشة ثم ابتسمت له في غير تصديق

"بجد؟ ده اجدد حاجة.. يعني خلاص هيبقالي موبايل بتاعي زيك؟" أومأ لها بالإيجاب وابتسم لها ليجدها تندفع فجأة نحوه وتعانقه أمام الجميع ليعقد هو حاجباه "متشكرة اوي.." ابتعدت عنه مسرعة ثم فتحت صندوق الهاتف لتتفقده "ممكن بس تديني الخط عشان أشغله"

"تعالي نجيب واحد جديد وسيبك من القديم" أخبرها فأومأت له بالموافقة وعيناها لم ترتفع عن تفقد الهاتف كالطفلة الصغيرة ليبتسم هو على ما يراه..

"الفيلم ده شكله حلو أوي.. ده شكله بيضحك وأنا بحب أوي الأفلام دي" شهقت عالياً وهي تنظر لأحدى اعلانات أفلام الكوميديا التي تُعرض على شاشات السينما "هو احنا ممكن ندخله.. أرجوك متقوليش لأ ومش هاطلب أي حاجة تانية منك" توسلته ليومأ لها بالموافقة

"واطلبي اللي أنتي عايزاه كمان" ابتسم لها وهو يتبعها حتى يحصلا على التذاكر

"لا لا استنى" صاحت به ليندهش هو وتوقف عما يفعله "ما احنا لو دخلنا السينما دلوقتي يبقى مش هناكل، وعلى ما نخلص هنلاقي محلات الأكل قفلت، ولو أكلنا دلوقتي يبقى لازم ندخل معاد الساعة عشرة وكده هنروح متأخر.. خاللي السينما يوم تاني بقا" صاحت بحزن

"هو انتي وراكي حاجة عشان مش عايزة تروحي متأخر؟" ضيق عيناه الثاقبتان لها وهو يتفحصها..

"اصل يعني.. أنا عمري ما روحت متأخر" همست له وهي تشعر بالغرابة ليضحك هو ولمس يدها في رقة ولطف

"لا عادي ممكن وأنتي معايا تروحي متأخر.. ولا مش شايفاني كبير كفاية؟" ابتسم لها ليرى اتساع زرقاوتاها

"لأ حضرتك كبير بس.. بس.. ماما كانت دايماً تقولي متأخرش" عادت عيناها لطبيعتها ثم أدرك أنه تتذكر والدتها ليرى لمسة من الحزن لمست عيناها

"مامتك كانت بتقولك كده عشان كانت بتخاف عليكي تروحي لوحدك، لكن أنتي متجوزة دلوقتي.. بقيتي كبيرة خلاص ومع جوزك، طول ما انتي معايا اعملي اللي أنتي عايزاه" ابتسم لها لتبتسم له وهي تنظر له في فرحة

"طيب ممكن ناكل الأول.. أنا جعانة اوي بصراحة.." عبس وجهها ليبتسم هو على طفولتها

"المكان اللي يعجبك شاوري عليه واحنا ناكل فيه"

"قولي بقا إنك بتحب الـ Burger، فيه محل بيعملوا أصلاً عنده.. من أول ما بيـ..."

لم يستمع حقاً وصفة البرجر تلك ولكنه شرد بعينيها التي انهال منها الحماس وهي تتحدث، ثغرها وهو ينطق بتلك الطريقة، أحقاً مثل تلك الأشياء البسيطة تُسعدها!! لو أرادت أن تفعل هذا كل يوم سيفعله من أجلها، بل وسيفعل المزيد من أجلها لو ودت ذلك، يريد أن يعوضها عن كل ما بدر منه تجاهها علها يوم تتذكر كل قسوته ستسامحه ويتخلص وقتها من ذلك الشعور بالندم ولكن لن يكون هذا هيناً أبداً..

--

حملها ليصعد بها لفيلته بعد أن نامت مثل الأطفال فلقد فعلا اليوم العديد من الأشياء حتى نامت وقد تأخر الوقت كثيراً فهو يعلم أنها تستيقظ مبكراً..

لم تدرك أنا حاوطت عنقه بذراعيها وهو يحملها وأكملت نومها ليبتسم وهو يسرق تلك النظرات لملامحها الملائكية النائمة بتلك الطريقة ثم دلف غرفتها ليضعها بالسرير وخلع حذائها وبدأ في محاولة أن يبدل لها ملابسها ولكن للحظة توقف..

لم يعد يريد أن يشعرها بعدم الراحة وذلك الخجل الذي يعتريها بشدة، لا يريد لها أن تتذكره يوما بتلك المرات التي رآها بها عارية لأكثر من مرة وهو يُجبرها بأن تتعرى ليُشعرها بالإهانة.. هو يدرك الآن أنها لم تستحق منه ذلك منذ البداية وتمنى لو أن تصرفه الذي سيفعله قد يغير ولو جزءاً ضئيلاً مما فعله من قبل..

"نوري.. اصحي" ناداها لتهمهم هي بنعاس "نوري.. قومي غيري هدومك" فتحت عيناها لتنظر له بتلك الزرقاوتان الصافيتان

"حاضر" همست له ثم نهضت ليرها تغادر للباب

"رايحة فين؟!" سألها لتلتفت له ولا زال وجهها يحمل أثر النعاس ليرها تدلك عينها

"عطشانة اوي وعايزة أشرب"

"طيب غيري هدومك وأنا هاجبلك مياة" أخبرها بهدوء لتومأ له ليتوجه هو مُحضراً لها المياة وما إن دلف غرفتها حتى رأها بأحدى الثياب القصيرة التي بدت مثيرة عليها حد اللعنة!!

حسناً، عليه أن يبتاع لها بعض الملابس التي لا تكشف جسدها بتلك الطريقة للنوم أيضاً، وإلا إذا رآها هكذا أمامه لن يستطيع التحكم في نفسه..

"نوري.. المياة" همهمت له ثم نهضت جالسة في نُعاس لتآخذ الكوب منه ثم انتهت لتعيده إليه ووجدها تنظر له ببراءة

"أنا اتبسطت اوي النهاردة.. شكراً يا Mr بدر" أخبرته ثم قبلته على وجنه وعادت للنوم ليتعجب هو من كل ما تفعله تلك الصغيرة به ثم ارتسمت ابتسامة على شفتاه.. ثم لوهلة شهر بالإستغراب، فهي قبل أن تفقد ذاكرتها بتلك الليلة المشؤومة كانت دائما تناديه بـ "Mr بدر" هل هذا كان تلقائيا منها أم أنها تذكرت كل شيء؟!

توجه للخارج بعد أو أوصد باباها في هدوء ليندلع بداخله بركاناً من الأفكار التي لا تملك شفقة على رأسه وكذلك بركان من شدة الندم والذنب الشديد على كل ما فعله معها.. حتى الآن يرى أنه يستغل طفولتها الشديدة.. فقط بمجرد ساعات معها تتغير معه بتلك الطريقة! أليس هو المُستغل الآن لبراءتها المتناهية؟! تتناسى ما حدث لها مع كريم ثم تذهب معه لتبتسم وتضحك وتشعر بالسعادة!

دلف غرفة مكتبه ليُشعل حاسوبه وهو يستمع لذلك الحقير ومكالماته التي قام بها التي تُرسل إليه على بريده الإلكتروني.. عرف أنه قد اتفق مع المراجعين وهو السبب في كل ما حدث، هذا الوغد لن يُفلت أبداً بفعلته معه!! سيفضحه أمام الجميع ولكن عليه أن يتلاعب به أولاً..

سمع أول مكالماته مع يُسري وهو يريد بأي طريقة أن يصل لأهل نورسين وكذلك مكالمته الثانية ولكن أكثر ما آثار حفيظته هي تلك المُكالمة الأخيرة التي كان يهدده بها

"بص بقا.. أنا شغل العوج اللي بتعمله معايا ده مش عاجبني.. يا تجيبلي أهل نور في خلال يومين يا إما..."

"أنت هتهددني ولا ايه؟!" صاح يُسري مقاطعاً اياه "لا بقا وريني هتعمل ايه؟"

"أنا أقولك.. فاكر كل الكلام اللي بعبعتلي بيه وقولتلي خلصك من حد قبل كده.. أنا بقا بفهمها وهي طايرة، أنت خلصت من مراتك بنفس الطريقة عشان تكحوش (تلم يعني أو تسرق) على القرشين اللي حيلة مراتك.. مراتك لسه مكملتش كتير في تربتها، والمفاجأة بقا إن كل كلامك متسجل في قعدتنا الحلوة.. فأنت قدامك حل من اتنين.. يا تجيبلي أهلها زي ما قولتلك يا إما هعترف عليك.. وقدامك يومين بالظبط، لو متصرفتش زي ما اتفقنا فكر بقا توكلك محامي شاطر.." ابتسم كريم بإنتصار

"ايه اللي أنت بتقوله ده أنا.. أنا معملتش كده.. أنا كنـ.."

"لا لا.. مش عليا الحبتين دول، الحبتين دول تعملهم على واحدة زي شاهي.. نور.. إنما أنا عارف صنفك الوسخ ده كويس.. ابقى بقى كلمني بعد يومين وقوللي عملت ايه"

نهض بدر الدين غاضباً بعد أن استمع لتلك الحقارة الشديدة التي تقاسمها كلاهما وهو يتناول هاتفه ليتصل بأحد ما من حراسه

"يسري راتب تجبهولي زي ما هو باللي عليه من بيته وترميه في أي حتة بعيدة لغاية ما أفوقله، بس عايزله حتة تجننه، وكريم الدمنهوري، أول ما يطلع بكرة الصبح من بيته تجيبه وترميه معاه.. الاتنين عايز موبايلاتهم عندي!! وسيبهملي بقا أنا هاعرف اتصرف معاهم كويس"

أوصد بدر الدين هاتفه في غضب شديد بأنفاس متسارعة ليجلس على كرسي مكتبه وآخذ يحتسي لفودكا ولم يتوقف عن تدخين سجائره المتوالية وهو يقسم بداخله أن يذيق هؤلاء الأوغاد أضعاف ذلك العذاب الذي ذاقته نورسين على يده!!

يُتبع..