-->

الفصل الحادي والعشرون - ظلام البدر - دجى الليل

 


الفصل الحادي والعشرون

لم يظن أنها ستحتوذ على كل وقته بهذا الشكل، تلك الثلاثة أيام وكأنه ليس لديه شيء لفعله سوي معرفة المزيد عنها وعن يسري وبماذا يتحدث ذلك الحقير الآخر الذي قلما يستخدم هاتفه الذي لا يعرف رقمه أحد؟!

أوصد حاسوبه في ضيق بعد أن أنهى بعض الأعمال القليلة ورأسه قد أنهكت من كثرة التفكير، لا يدري ما بها تلك الفتاة.. حتى والدتها قد منعتها من كل أموالها وأوصت بها لزوج والدتها، هذا ما توصل له من معلومات عن يُسري.. ألهذا الحد هي إنسانة مستغلة حتى تحرم ابنتها الوحيدة من ميراثها بل وتتركه لزوجها؟

ولكن لقد أخبرته شاهندة من قبل أن زوج والدتها كان يُجبرها على أن تُوقع على ميراثها وتتنازل له عنه عندما كانت بالمشفى!! كيف يُمكن هذا؟! لابد وأن هناك كذبة ما، لابد وأن هناك شيئاً.. إما زوج والدتها قد زور تلك الأوراق وإما أن شاهندة قد أخبرته بشيء غير الحقيقة.. ولكنه يستبعد هذا لأنه لم يعهد الكذب من شاهندة أبداً.. أما عن تلك الأفعى ذات الزرقة المهلكة بين جفنيها قد تخدعها بأي شيء!

"اللي اسمه يسري راتب، عايزك تعرفلي ايه قصة الورث اللي اخده من مراته ده في اقرب وقت"

"حاضر يا باشا.. بس خير يعني هو فيه حـ.."

"أنت هتسأل أنت كمان يا روح أمك.. نفذ اللي بقولك عليه وأنت ساكت!" صاح بالطرف الآخر ليقاطعه ثم انهى المكالمة في غيظ وضيق شديدان وأخذ يُفكر مجدداً عله يهتدي للتفسير واضح لكل ما يحدث حوله..

زوج والدتها يبدو مادي للغاية ومن حديثه لكريم قد بدا وكأنه يريد يزوجها لمن يعطي له أموال وعلى هذا كريم الحقير يساومه، تلك الأفعى نبثت سُمها بكريم حتى خدعته بحب زائف لأنها تريد الأموال، فعلت كل هذا بعد موت والدتها عندما علمت بطريقة أو بأخرى أن والدتها لم تترك لها أية أموال، إذن هي لم تستأمنها لأنها تعرف بحقيقة استغلالها جيداً وأن ابنتها تلك الأنانية لا تستحق تلك الأموال.. لابد وأن تلك القذرة قد خططت لكل ذلك عندما أدعت أنها بصدمة شديدة بسبب وفاة والدتها!! ولكنها فقدت الوعي أمامه، لقد حملها يومها بيداه الإثنتان!! كيف لها أن تتدعي كل ذلك؟!

لابد أنها فعلت شيء ما حتى تقنع شاهندة بتلك الترهات.. وهو يعرف كم أن أخته طيبة وحنونة وستصدق مثل تلك الماكرة التي تستطيع أن تخدع الجميع بمنتهى الإتقان والبراعة!! يا للسخرية، لقد قاربت وأوشكت على خداعه أكثر من مرة!

لن ينتظر أكثر من ذلك على تلك الفتاة، لقد أخذت من وقته أكثر من اللازم، هي لا تريد الإعتراف ولا الإذعان أبداً بما فعلته، هناك شيئاً ما لا يعلمه يجعلها لا تريد الذهاب ليُسري.. سيعرف كل شيء ولكن ربما عليه أن ينتظر قليلاً بعد، سيدعها ترتعب بهدوءه هذا الذي يسبق العاصفة التي ستدمرها بين ليلة وضحاها..

لو وجدها أمامه بعد كل ذلك التفكير بها والبحث ورائها سيقتلها حتماً، لا لن يفعل هذا الآن، ربما لاحقاً ثم أرسل رسالة لأحدى نساءه ربما يستطيع تفريغ جزء من غضبه عليها..

--

ماذا به الآن؟ أتوقف عن عذابها لمدة تلك الأيام لأنه حقاً يشعر بالتقزز منها أم يشعر بالشفقة تجاهها؟ هل يعد لعذاب من نوع آخر لها أم أنه قد توقف هكذا فجأة؟ هل عرف الحقيقة؟ ماذا حدث بتلك الأيام؟! لقد قارب عقلها على الجنون!

تتذكر بتلك الثلاث أيام أنها كلما تذكرت كلماته وفتحت الباب لتذهب لتعد الطعام وجدت أنه قد أحضر لها شيئاً لتتناوله وتركه أمام الباب.. تتذكر أنها ذهبت لغرفته لتستأذنه أن تخرج للحديقة قليلاً فأومأ لها بغضب وسمح لها بالخروج قليلا لعدة دقائق..

كما أنها تتذكر عندما طرقت بابه وأرادت أن تتحدث لشاهندة وتوسلته أن تُطمئنها عليها فقط وحتى لا ترتاب بإنقطاع اتصالها عنها هكذا فجأة، تركها أيضا تتحدث إليها..

لابد وأنه قد هدأ قليلاً وبدأ أن يشعر أنها لم تفعل شيء، هذا هو الوقت التي تستطيع أن تخبره بكل شيء حدث لها، لربما تلك المرة سيُصدقها وسيدعها تذهب وشأنها، ستقسم له أنها لا تريد أي شيء من عائلته وستفعل كل ما يريد فقط حتى تحصل على إرثها من والدتها وستبتعد عنه هو وعائلته تماماً.

تمنت بداخلها أن يستمع لها تلك المرة وآخذت شهيقاً عميقاً ثم أطلقته زافرة واستجمعت كل ما امتلكت من شجاعة وتوجهت لغرفته حتى تحاول معه مرة أخرى وظلت تدعوا ألا يكون غاضباً هذه المرة..

أتعلم الطيبة والسذاجة والإفتقار للصدمات بالحياة كيف يجعل الإنسان؟ أتدري أن هناك أشخاص في مثل سذاجة تلك الفتاة؟ أتعلم أن المرور بتلك المواقف الصعبة هي من تغير الشخص وتجعله صلدا قويا.. كانت تحيا حياة هادئة لا تعرف سوى والدتها وزياد ومريم وزوج والدتها وهذه حي الحياة بالنسبة إليها، لم تتعلم يوما الخداع، لم تكن ذكية ذلك الذكاء الذي تستطيع بمساعدته أن يُنجيها من ذلك العذاب وعِناد شخص معقد مثله!

دفعتها طيبتها على التفكير بأن التحدث له وإخباره الحقيقة والصدق قد ينجيها منه ومن بطشه وقسوته وعنفه الضاري!! يا ليتها تعلم أن الطيبة لم تكن يوما الحل الأمثل لمواجهة كل شيء.. ليت عقلها واجه ولو موقف صعبا بحياتها كي تتعلم منه كيفية التصرف، ولكن سوء حظها وافتقارها للخبرات بالحياة صرعها لتقع بما أوشكت على اختباره مع ذلك الرجل ذو الماضي المظلم!

تنهدت ثم طرقت بابه وتريثت لثوان ولكنها لم تجد إجابة فكررت فعلتها وانتظرت مجدداً ولكنه لم يجيب فاقتربت لتستمع أي حركة في الغرفة فلم تستمع لأي شيء فتعجبت لماذا أحياناً يجيبها مسرعاً وعندما تريد شيء ضروري لطالما لم تجده بغرفته..

"يمكن في مكتبه.." تمتمت لنفسها ثم توجهت لتتفقد الغرفة ولكنه لم يكن متواجداً بها لتتعجب فذهبت مجدداً لغرفته وطرقت الباب بشدة لعله نائم ولا يستطيع سماعها ولكن بلا جدوى!!

دعت بداخلها ألا يغضب مما ستفعله الآن وامتدت يدها بإرتجافه لتفتح باب الغرفة في هدوء وحرص وخطت بمنتهى السكون وكانت حذرة ألا تفعل صوتاً لتبدأ بالدخول للغرفة ولكنها لم تجده..

سريره يبدو كما هو.. كل شيء مرتب ولا يدل على وجوده، أتلك هي ليلى زوجته التي قد توفيت.. أقتربت من الصورة الموضوعة بإطار بالقرب من السرير على المنضدة الصغيرة بجانبه لتحدق بها في عفوية وشعرت بالآسى للحظة، لقد بدت جميلة للغاية وضحكتها رائعة، لابد وأنها عانت مع شخص قاسي مثله..

فكرت لبرهة ثم لاحظت أن دولاب ملابسه العملاق احدى درفه لم تكن موصدة بعناية فتعجبت وهي ترمقها

"أكيد خرج!" تحدثت لنفسها ثم توجهت نحو الدولاب لتوصده فربما قد يظن أنها هي من فعلتها وسيغضب مجدداً..

أقتربت لتغلق باب الدولاب ولكنها فجأة سمعت صوت صراخ أنثوي لتتعجب ووقفت مكانها لحظة وهي تحاول معرفة من أين يأتي هذا الصوت.. تريثت لتستمع لنفس الصوت مجدداً فشعرت بالخوف.. أحست أن ذلك الصوت يأتي من داخل الدولاب نفسه.. هي لم تتخيل ذلك.. هذا هو اتجاه الصوت..

فتحت الدولاب لتجده خالي تماماً ولم يوضع به أي ملابس ولا مناشف ولا حتى بعض الأرفف لتتعجب لماذا هو فارغ من الأعلى إلي الأسفل.. هذا هو الصوت مجدداً، نعم يأتي من ذلك الحائط خلف الدولاب، دلفت بحذر وازدادت أنفاسها في خوف وأستندت بأذنها لتحاول سماع ذلك الصراخ، لربما هناك أحد يحتاج مساعدة ما مثل ما كانت هي تفتقر للمساعدة من هذا القاسي، أيمكن أنه يترك فتيات خلف هذا الحائط في الظلام؟!

وضعت يدها على ذلك الحائط وازادت من ثقل جسدها مستندة به لتتأكد من الأصوات التي تفلتت لأذنها لتجد الحائط يتحرك وأوشكت على السقوط لتستعيد وزن جسدها وأدركت أن هذا مجرد باب يوصل لمكان ما..

استمعت للصرخات بوضوح أكثر بعد أن دخلت برعب وجسدها يرتجف وابتلعت لتنظر أسفل قدمها لتجد حوالي مساحة لم تتعدى متراً مربعاً اسمنتي دون أرضية، وبعدها درج يتوجه للأسفل صنع من الأسمنت لتبدو الدرجات غير ممهدة ولكنها لم تتبينه بأكمله من كثرة الظلام التي تواجدت بالمكان..

تحركت بخطوات حذرة وبطيئة خوفاً من ذلك المكان المظلم وأخذت تنزل الدرج بخطوات حذرة للغاية، هناك برودة غريبة تحاوط هذا المكان بالرغم من أنها بمنتصف فصل الصيف.. لا.. ستتوقف، ستعود وكأنها لم تسمع شيئاً.. ولكن هناك أحد يصرخ.. نعم صوت فتاة تصرخ كمن تتعذب أو تطلب المساعدة.. ماذا لو أنها هي الشخص الوحيد الذي يستطيع إنقاذها؟ لن تستطيع التراجع الآن والتخلي عن تلك الفتاة!..

صاح عقلها الساذج لتُكمل طريقها بحذر ورعب في آن واحد لتبدأ رؤيتها في الإنعدام ولم تدري إلي أين هي ذاهبة وإلي أين يمتد هذا الدرج..

"لا أرجوك كفاية.. ابوس ايدك كفاية كده" صاح ذلك الصوت الأنثوي بنحيب شديد لترتجف الدماء بعروق نورسين وتعالت أنفاسها في رعب ولكن صوت الفتاة التي تُعذب يعذبها هي نفسها.. ربما تستطيع مساعدتها..

توجهت لتصل لآخر درجة بعد أن كانت حذرة للغاية لتطأ بقدمها على أرض غير ممهدة ثم لمحت بصيص نوراً من آخر تلك الغرفة لتجد أن الجدار خلف المصباح قد بُني من الطوب فقط وكأنما لم يكتمل البناء..

"وكفاية ليه؟ مش انتي جاية عشان الفلوس اللي هتاخديها؟ لما أخد اللي أنا عايزه هاسيبك تغوري" هنا تصلبت مكانها وتعالى لهاثها في رعب، هي تعرف صاحب ذلك الصوت، ليس هناك غيره!! بدر الدين!!

"يا سيدي أنا جاية عشان أرضيك و.."

"أخرسي!" قاطعها لتضع نورسين يدها على فمها وشهقت مما استمعت له، ما ذلك الصوت الذي دوى بالهواء.. لماذا تبكي تلك الفتاة بشدة بعدها؟ ماذا يفعل بها؟ أقتربت على وجل شديد وقلبها كاد يُهشم صدرها من كثرة الخوف والخفقات السريعة المتتالية التي اندفعت بداخله وكأنه سيقتلع حتماً من كثرتها ولكنها حقاً تريد إنقاذ تلك الفتاة فماذا يفعل بها؟!

"عشان الفلوس جاية تبعيلي نفسك، جاية عشان أنتي مجرد كلبة وبتستغلي جسمك عشان الفلوس" دوى ذلك الصوت وبعدها صوت ارتطام غريب لتصرخ الفتاة

"أيوة.. أيوة عشان الفلوس" صاحت الفتاة ببكاء لتقترب نورسين على حذر وهي ترتجف من الأصوات حتى بدأت الرؤية في الوضوح قليلاً لترى فتاة واقفة ورفعت يداها بشيء للسقف لم تتبينه من شدة الظلام وفجأة لمحت شيء أسود يلمع يرتطم على جسد تلك الفتاة التي كانت عارية تماماً! اللعنة على تلقائيتها وسذاجتها التي ستهلكها!

"أيوة كده يا إستغلالية!!" صاح بعد أن كرر جلدها، لربما تلك هي الجلدة الخمسون، أم المائة، لا يدري ولا يكترث، لقد قارب جسدها على نزف الدماء.. هذا كل ما يريده وكل ما يتلذذ به ويسبب له المتعة المرضية..

أحست نورسين وكأنما قلبها سيغادر قفصها الصدري، شعرت بالفزع، كيف ستساعد تلك الفتاة الآن، بل كيف ستساعد نفسها بالمغادرة من هنا وأين هو بدر الدين هي لا تراه نهائياً.

"لما.. أنتي.. جاية.. عشان.. الفلوس.. ليه.. بتكدبي.. يا قذرة" صاح بها بأنفاس لاهثة وبين كل كلمة والأخرى جلدها بسوطه الذي قد تركه بالزيت المغلي للكثير من الوقت ولم يقلل من قسوته بل العكس، في مثل هذا الظلام وهو خلفها لا يرى منها أية ملامح تخيلها والدته بالكامل وأخذ يجلدها بقسوة شديدة وبقوة إلي أن رآى انسلاخ جلد ظهرها لتصرخ الفتاة بشدة

"آه.. كفاية أرجوك سيبني.. مش عايزة الفلوس.. أبوس ايدك سيبني أمشي" توسلته بين بكائها وانسابت دمائها على جسدها وخارت قدماها لتشعر الفتاة وكأنما ذراعيها ستتمزقا حتماً فهي لا تستطيع الوقوف بعد الآن..

"عايزة تمشي!!" صاح لها بتهكم سائلاً بينما نورسين كادت أن تفقد وعيها من قسوته التي تراها وتهاوت دموعها وكادت أن يتعالى بكائها ولكنها كتمت أنفاسها بيديها الاثنتان حتى لا يُلاحظها..

"أرجوك.. حاسة إني هيغم عليا.. هاجيلك تاني صدقني.. أنا تحت أمرك في أي وقت.. بس ابوس ايديك ورجليك سيبني أمشي خلاص مش قادرة استحمل" توسلته ببكاء ليرتجف جسد نورسين عندما سمعت ارتطام شيئاً بالأرضية ولم يكن سوى سوطه الذي ألقاه بينما هي لا تدري ولا تعرف ماهية تلك الأشياء التي تصدر تلك الأصوات..

سمعت صوت سلاسل أخافتها بشدة وتعالى صوت لهاثها لتحاول ألا يلاحظ بدر الدين صوت أنفاسها لتزيد من ضغط يداها على فمها وأنفها وفجأة لمحت ظهره اللامع بقطرات العرق يواجهها وهو يضع بجسد تلك الفتاة شيئاً ما ثم ابتعد ليختفي بالظلام مجدداً لترى نورسين وكأنما رُبطت الفتاة ببداية جذعها بشيئان يوصل بينهما سلسلة تدلى منها كرات حديدية تبدو ثقيلة لتبكي الفتاة وتشهق في وهن وآلم.

"عايزة تمشي مش كده؟" 

تحدث بهدوء لتذرف نورسين الدموع على كل ما يحدث أمامها لتجده قد آتى وبيده عصا رفيعة للغاية لتدرك أن تلك العصا قد تكون هي تلك التي استخدمها معها بالسابق وتعجبت لماذا يدور حول الفتاة بذلك الشكل، يمشي بخطواته الكبيرة حولها في دائرة ليظهر ثم يختفي في الظلام ثم توقف فجأة أمام الفتاة وأخذ يجذب تلك السلسلة بأحدى أصابعة لتتعالى صرخات الفتاة وتوسلاتها لتبكي نورسين أيضاً وهي لا تدري لماذا كل ذلك العذاب ولماذا يفعل بها ذلك؟

"شايفة دي؟" أومأ للسلسة بيده ثم رفعها ليضعها بين أسنان الفتاة "لو فكتيها ورمتيها على الأرض هاسيبك تمشي.." ابتسم لها في شر لتبدو ملامحه مُرعبة وصاحت الفتاة بعويل لإدراكها ذلك الآلم الذي عليها تحمله حتى تستطيع المغادرة.

توقف خلف الفتاة ليختفي عن تلك الزرقاوتان التي تشاهدهما في فزع تام وأخذت الفتاة تجذب السلسلة بأسنانها وتحاول بصعوبة حتى تتخلص مما يفعله وهي تأن بشدة ودموعها تتساقط بلا توقف لتنظر نورسين ملياً تشاهد معاناة تلك الفتاة وتهز رأسها في إنكار وآسى بل ورعب على ما يحدث أمامها وما يحدث لتلك الفتاة..

ارتفعت يده التي تحمل العصا لتتهاوى على ساقيها لتصرخ الفتاة بكل ما أوتيت من قوة لتسقط السلسلة من فمها

" لا لا أرجوك كفاية" توسلته ولكن سمعا كل من الفتاتان صوت ضحكته المخيفة التي دوت بالغرفة بصحبة نبرته الرخيمة ليتوقف أمام الفتاة

"فكرك إنك عشان لسه محدش لمسك ولسه بنت بنوت هارحمك يا كلبة الفلوس.. أنتي جاية هنا عشان مزاجي.. ومزاجي إني امرمطك واعذبك.. لو عايزة تمشي شيلي السلسلة واياكي توقع منك وإلا هتقضي معايا يومين!" ضحك مجدداً وهو يضع السلسلة بفمها ثانيةً

"يالا اسمعي الكلام عشان تمشي"


 بكت الفتاة أمّا نورسين فللحظة ومضت بذاكرتها العديد من الأشياء ودفعها عقلها كي تقارن بنفس الكلمات التي سمعتها للتو منه

"فكراني نايم على وداني ولا طيب وغلبان زي أمي وأختي؟ لا يا هانم أنا شايف وساختك من أول يوم، عارف إنك شايفة زياد عيل وصغير ففكرتي توقعي كريم عشان يتجوزك لأنك أصلاً كلبة فلوس.. "

"عشان واحدة استغلالية.. كدبك وحركاتك مش هاتدخل عليا أبداً.. مش أنا اللي حتة بت زيك تضحك عليه.. أنا عارفك وعارف الخامة الإنتهازية دي كويس اوي.. واوعي تفتكري إن عياطك والحركتين دول هيدخلوا عليا ولا شوية الدراما اللي عاملاها دي هتأثر فيا، أنا عارف انتي عايزة ايه.."

"يبقى تتجوزيني.. على الورق.. لمدة سنة! تخلصي جامعتك، وعارف إن انتي كلبة فلوس.. هاجبلك شقة وشغل بعد ما تخلصي وماشوفش وشك تاني وتخرجي من حياة أهلي كلهم!!"

"شوفي يا ستي.. مامته كانت ست ربنا يسامحها بقا استغلالية أوي ودايماً تتخانق مع باباه وخسرته فلوس كتيرة اوي وخانته مع صاحبه وكأنها مش أم، زي ما يكون معندهاش رحمة ومكانتش بتاخد بالها من بدر خالص.."

فاقت من كل الذي تذكرته للتو على صوت ارتطام تلك السلسلة بالأرضية لترتجف نورسين ثم نظرت لهما لتجده يحل وثاقها ثم تحدث بصوته الذي تشعر وكأنما كلما تحدث ارتجف جسدها

"فلوسك هتاخديها بكرة الصبح.. يالا امشي"

هرولت الفتاة بتلك الدماء التي انبعثت من جسدها وشهقاتها المتلاحقة لا تتركها وكأن تصرفاتها لا تنم سوى عن حالة هيستيرية شديدة ثم اقتربت من الأرض لتحمل ملابسها وعينا نورسين تتابعها في حزن وفزع بآن واحد لترتدي الفتاة ملابسها في عجل ورعب ثم توجهت مسرعة بإتجاه ذلك النور البعيد ثم اختفت من نظر تلك الزرقاوتان لتسمع فجأة ارتطام احد الأبواب لتبتلع نورسين بوجل ثم حاولت أن تلمح إلي أين ذهب بدر الدين ولكنها لم تجده..

❈-❈-❈

حبست أنفاسها وعملت على ألا تتحرك من مكانها حتى تتأكد من مغادرته وحذرت ألا يلاحظها وودت لو تقتل نفسها خوفاً من أن يستمع لخفقات قلبها التي تعالت في فزع من خوف أن يجدها..

"عجبك اللي شوفتيه؟" 

همس بأذنها لتلتفت ورائها برجفة تلقائية انبعثت بجسدها لتجد عيناه تلتمع بشدة في هذا الظلام ثم لمعت ابتسامته وتأثرت بها عيناه أكثر لتنظر له نورسين في خوف وتراجعت للوراء والدموع تتجمع لتحجب زرقاوتاها

"ايه؟! خوفتي؟" تسائل في تهكم لتحاول هي الابتعاد عنه وظلت تأخذ خطوات مرتجفة للخلف وهو يقترب منها لتبدأ في النحيب وكادت تموت فزعاً منه


 "شوفتي بعمل ايه في اللي عايزين فلوس"


رفع حاجباه مدعياً المزاح وظل يقترب منها وهي تحاول الابتعاد ولكنها شعرت بإرتطام ظهرها بشيء حديدي لتنظر خلفها في خوف وصدمة وذعر هائل وتحسست ما هذا الشيء الذي بدا كقفص حديدي به مربعات حديدية صغيرة بالكاد تسمح بمرور اصابعها

"فاكراني مش عارف انك بتتفرجي.. بس كويس بردو عشان متبقيش متفاجأة لما ده يحصلك"


 ابتسم في سخرية لتنظر هي له في رعب تام وهي لا تُصدق أنه سيفعل بها ذلك وتحولت ملامحه وتقاسيم وجهه بشكل مخيف أجفل ثنايا قلبها..

"لا لأ.. ابعد عني.. أنت مش هاتعمل فيا كده"


 تهدجت أنفاسها في فزع وتعالت أنفاسها الخائفة لتجده يحاوط عنقها بيده والأخرى تجذبها من شعرها لتقترب من صدره التعرق بغزارة

"وليه معملش في واحدة استغلالية وكلبة فلوس زيك نفس اللي عملته في اللي مشيت"


 همس بأذنها لتتآلم هي وتشعر بأن أنفاسه تلك تحرقها

"لأ.. مش هاسمحلك.. أنا مش استغلالية ولا كلبة فلوس" 


تحدثت مسرعة في خوف ليتركها ثم ابتعد لينظر لوجهها في غير تصديق وملامح السخرية تظهر على وجهه


"مش هتسمحيلي!! لا حلوة دي.. بس اقولك واضح أن العلامات دي راحت" 


لمس شفتها بإبهامه وضغط عليها في عنف 


"ما تيجي بقا توريني مش هتسمحيلي ازاي"


 ابتسم في شر لتبتلع هي وهي تلهث في رعب منه

"لأ أنا مش زي البنت اللي مشيت، ولا زي مامتك.. أنا فاهمة انت شايفني ازاي.. أنا عارفة كل حاجة و.." 


صفعها بشدة لترتمي أرضاً بعدما أحترقت دماءه غضباً وشعر بداخله بعاصفة قد انفجرت بعروقه ليجد نفسه يجذب شعرها هامساً بأذنها

"أنتي نسخة منها.. زيها في كل حاجة.. هاوريكي ازاي" 


ارتفع بجسده قليلاً ليلقيها على ظهرها ثم اعتلاها


"ابعد عني.. أنا ماليش ذنب في كل ده.. أنا معملتش حـ.."

"اخرسي يا قذرة" 


قاطعها بصفعة ومزق ملابسها لتصرخ هي أسفله ثم غرس أصابعه بخصرها لتتآلم بقهر


"حرام عليك كفاية.. أنا مش عايزة منك ولا من حد حاجة.. حرام عليك بقا"


"يالا يا كدابة، فكراني نسيت كلامك اللي سمعته بوداني" 


تحدث من بين أسنانه لاهثاً من كثرة غضبه وهي تحاول أن تتفلت من أسفله وتبكي ولم يكترث هو ونظر بعينيها وتحدث أمام شفتيها بهمس كفحيح الأفاعي ازادها خوفًا

"أنا لسه فاكر كل كلمة كويس أوي.. وهوريكي يعني ايه تفكري تأذي اختي" 

نهض ليجذبها من شعرها لتحاول هي التحرك من تلك القبضة وافلاتها وهي تبكي وقدماها تتحركان في عنف وفزع مما سيفعله بها لتجده يجذبها للأعلى مُرغماً اياها على الوقوف لتحاول أن تدفعه بعيداً عنها ولكنها تناست جسده ذلك الذي لن تستطيع أن تحركه ولو مقدار أنملة..

شعرت بشعرها يُجتذب أكثر للأعلى بينما هي تصرخ ولم تعد تملك أمامه أية كلمات قد تثنيه عما سيفعله بها ومن ثم ابتعد عنها لينظر لها في تشفي بأنفاس متعالية ولكنه لم يعد يلامس شعرها فماذا الذي قد جذب شعرها عالياً هكذا بل ويؤلمها أيضاً؟

ابتعد عنها لتحاول هي الوصول بأناملها المرتجفة ذعرا لما يلامس شعرها لتجده حبلاً معقوداً حول شعرها ليظهر أمامها مرة ثانية ثم أقترب منها لتشعر هي بالرعب

"ابعد عني.. أنت ليه مش عايز تسمعني ولا تديني فرصة اشرحلك اللي حصل"

"مش هاصدق بت قذرة زيك، فاكرة بحركاتك دي هتقدري تخليني اصدقك؟!" 


اقترب من يديها ليعقد حولها الحبال وكذلك فعل باليد الأخرى وأخذ يثبت كل يد بطرفي الجدار حتى شعرت بالآلم يفتك بذراعيها يميناً ويساراً وكأنهما أقتربا من البتر لتصرخ


"كفاية.. أنا مش عايزة فلوسك.. انا مش استغلالية والله ابعد عني" 


تعالى بكائها في حرقة ليضحك هو


"لكن عايزة كريم يطلق أختي مش كده"


"حرام عليك أنا بكـ.." صفعها مقاطعاً اياها


"لو سمعت نفسك هطلعك ميتة من هنا"


 همس بجانب أذنها ثم اختفى من أمامها لتبكي هي على ما يحدث لها وأخذ جسدها في الإرتجاف من مجرد تخيل ما قد يفعله معها.


عاد بالمزيد من الحبال ممسكاً بها في يداه ليجلس على ركبتاه أسفلها ليقرب ساقيها بالقرب من بعضهما البعض في قسوة ثم ثناهما للخلف وأخذ يحاوط قدميها بفخذيها ويعقد الحبال حولهما بعنف حتى شعرت نورسين وكأنما الدماء توقفت بقدماها..


نهض لينظر لها في تشفي شديد ثم تنفس في غضب وهو يخلع حزام بنطاله بينما هي شعرت بشعرها يتقطع فلم يعد يحمل وزن جسدها غيره، وبدون مقدمات أنهال عليها بالجلدات اللانهائية وهو يتذكر كل ما فعلته وكل ما توصل هو له من قسوة والدان، مرورا بعنف وعذاب، ونهاية بإفتراق حبيبته وبدأ في إخراج كل غضبه المتأجج الذي لا يخمد بداخله بجسدها.. بمنتهى المرض البشع!!


صرخت وصرخت إلي أن جُرح حلقها، لم تكن تدري أنه قد يفعل بها شيء كهذا، هذا الوحش الذي نُزع من قلبه الرحمة، ضحكاته التي تدوي لتمتزج بصراخاتها، تكراره لتلك الكلمات التي تهينها وتؤلمها أكثر من ضرباته، ستمت اليوم على يداه بالتأكيد.


لم تعد تدرك ماذا يفعل بها! أهذه هي دماء التي سمعتها تُقطر من جسدها؟ لم تعد تراه، لا تستطيع أن تصرخ مثل أول جلدة تلقتها منه، ربما تخدر جسدها أو خارت قواها بالكامل، نعم هي تشعر بالآلم ولكن لم تعد لديها القدرة على أن تصرخ أو تبكي، رؤيتها حتى أصبحت مشوشة رأسها ثقلت رغماً عنها وهي لم تعد تشعر بأي شيء على الإطلاق..

وجدت مياة ترتمي عليها لتشهق في فزع ووجدت نفسها مرتمية على الأرضية بنفس تلك الحبال حول ساقيها ولكن لم تكن مُعلقة من شعرها وذراعاها كالسابق ليبتسم لها بتهكم شديد

"اتعلمتي؟" سألها ونظرة عيناه ارعبتها لتبكي هي ولم تستطع الإجابة


 "انطقي يا كلبة" صرخ بها لتومأ له بالإيجاب في وهن وتساقطت دموعها وجذبها من شعرها ليتخبط جسدها خلفه على الأرضية غير الممهدة حتى توقف ثم نظر لها بإبتسامة انتصار وازدادت لمعة عيناه القاتمتان

"بوسي رجلي!" 


آمرها لترفع نظرها له في ذل مدقع ونظرت له بتوسل ألا تفعلها بالرغم من كل تلك الآلام التي لمت بسائر جسدها


 "جرا ايه يا بت!! هاتبوسيها ولا أقوم ابهدلك تاني؟" صاح بنبرة مرعبة لتصيح هي في بكاء وقهر

"لأ لأ متضربنيش تاني أرجوك" 


صاحت بين شهقاتها وأنفاسها المتلاحقة وأقتربت بصعوبة من قدماه العاريتان لتقبلهما وهي تكاد تتقيء وانفجرت بالمزيد من البكاء ليهتز جسدها على اثره ليريح هو جسده بالكرسي في رضاء تام وه يشعر بقبلاتها ودموعها التي بللت قدمه

"وايدي!" 


آمرها لتبكي بقهر وحاولت أن تتلمس يده وساقيها المقيدتان لا يساعداها على الإطلاق ليوصد هو عينه في راحة عندما شعر بشفتاها تلامس يداه..

ظلت تقبل يده برعب مشمئزة وهي لا تريد أن تختبر تلك الآلام مجدداً، هي حتى لا تزال تشعر بالآلام التي يصرخ بها جسدها، فربما إذا توقفت عما تفعله سيذيقها وابلاً جديداً من العذاب وهي ستفعل أي شيء حتى لا تتعرض لهذا مجدداً..

لا هي تدري ما الذي تفعله، تشعر بغياب عقلها من كثرة ذلك العذاب الذي تلقته، وكأن عقلها قد تخدر هو الآخر من كثرة ما مر عليها معه وشعرت وكأن جسدها وعقلها توقفا عن العمل والإستجابة وشعرت أنها ستفقد وعيها من جديد!

تلك الدموع التي تنساب على يده.. شفتاها الكرزيتان الآن تقبل يده بمهانة، لقد عرف كيف يُطوع تلك المستغلة بل وجعلها تتوسله، لقد قبلت قدماه للتو..


تعالت أنفاسه في رغبة ومتعة فقط مما تفعله بتلك القبلات وتلك الدموع، لم يشعر بذلك سوى مع ليلى، يشعر بتلك النبضات التي توقظ كيانه، أحقاً سينهض ليأخذها أسفله كما كان يفعل مع ليلى؟!



"كفاية" 


آمرها مقاطعاً ما شعر به للتو وزجر نفسه التي تحثه على التفكير بمثل تلك الطريقة التي لم يسبق وأن فكر بها مع أي من النساء اللاتي يعذبهن لتتوقف هي ولا تزال تبكي ليلمس أسفل ذقنها بعد أن دنى منها بجذعه وتلاقت ظُلمة عيناه بزرقة تلك السماء الصافية بعد أمطارا ذُرفت بأكملها ولم تقدر على البكاء بالمزيد

"أنا قرفت منك ومن منظرك.. أنا أروح أرميكي لجوز أمك واياكي تفكري تقربي من أهلي تاني وإلا المرة الجاية موتك هيكون على ايدي"

"ايه.. لأ أرجوك.. أرجوك بلاش تعمل كده.. وديني أي حتة بعيد عنه.. وديني الشارع بلاش يسري" 


صاحت في توسل لا نهائي وهي تبكي في فزع فهو بعذابه لها لا يريدها مثلما أرادها زوج والدتها..

"اخرسي يا قذرة" 


نهض ليجذبها خلفه من شعرها لتتجرح قدماها على تلك الأرضية القاسية ودرجات السُلم غير الممهد وهي تبكي بحرقة من التخيلات التي عصفت بعقلها للتو..

يُتبع..