-->

الفصل الثامن عشر - ظلام البدر - دجى الليل

 


الفصل الثامن عشر


"خلاص يا بدر باشا كله تمام، كل حاجة جاهزة، الكاميرات اتركبت في كل الفيلا في قلب ديكورات السقف ومش ظاهرة خالص ونظام الحماية الجديد شغال ناقص بس تعمل كلمة السر بتاعته علشان تسجيلات الكاميرات تتخزن، على فكرة دي اجدد حاجة نزلت بيستخدموها في البنوك"


"تمام.. نبه على كل اللي عندك إنها ممنوع تخرج غير معايا، أي حد يدخل الفيلا أو يخرج منها اتبلغ فورا.. وأي حاجة تانية تحصل تبلغوني بيها أول بأول"


"حاضر يا باشا"


أنهى المكالمة وهو بالكاد ركز فيما قاله، يريد أن يتحرى ماذا تفعل نورسين مع والدته الآن، ليس أمامه حل آخر سوى أن يتجسس عليهما من باب المكتب المطل على الحديقة مباشرة فتوجه ذاهباً لهناك.


"... أنا عارفة ولادي كويس، زياد مش عارف هو عايز ايه، وكلها يومين والموضوع ده هيعدي وهيبقى بالنسباله ولا حاجة، وشاهندة عمرها ما هتزعل منك أبداً لأنها في الأول وفي الآخر عايزة تشوف بدر سعيد ومبسوط وأنا متأكدة إنك هتقدري تسعديه.." ارتسمت ابتسامة أجبرتها نورسين على شفتيها


"بصي يا نور، أنا اللي مربية بدر، عارفة انه أكتر واحد في ولادي تصرفاته محدش يتوقعها، بس غالباً كل اللي بيعمله بيكون صح في الآخر، ومش عايزاكي تزعلي من تسرعه ده.. عارفة إنك بنت صغيرة ومن حقك تفرحي وتعملي فرح وتتبسطي بس معلش اعذريه عشان اللي شافه في حياته مكنش شوية.. من قسوة مامته لصابر الله يرحمه لموت ليلى للمسئوليات اللي تقلت عليه، أنا كنت حاسة بيه إنه دايماً مخنوق بس أنا واثقة إنك هتغيريله حياته تاني وهتقدري تنسيه كل اللي عاناه" 

ابتسمت لها عندما سمعت طرقات على الباب فتوجهت بنفسها لتفتحه


"شكراً يا زينب" 


تحدثت نجوى ثم أوصدت الباب مرة أخرى وتوجهت لتجلس أمام نورسين التي لا تُصدق حقاً ما تفعله والدته والذي قلل كثيراً من ارتباكها فقط بإبتعادها عن تلك الثاقبتان المخيفتان كان كدخول الجنة بالنسبة إليها، لقد ظنت لوهلة أن والدته ستعارض ما يفعله ولكن يبدو أنها كانت مخطئة تماماً


"خدي يا حبيبتي" ناولتها صندوق كحلي اللون مخملي لتأخذه نورسين على تردد


"ايه ده يا ماما؟"


"أنا ملاحظة إن لا فيه معاكي دبلة ولا خاتم ولا حتى شبكة.. ده طقم صابر الله يرحمه كان جايبهولي وبحبه أوي إن شاء الله يعجبك" ابتلعت نورسين وهي تهز رأسها في إنكار


"مالوش لازمـ.."


"اتفرجي بس عليه" قاطعتها بإبتسامة ونبرتها الواثقة لم تدع لها مجالاً لتعارضها ففعلت لينفرغ ثغرها في دهشة من كل تلك الأحجار الماسية اللامعة 


"حضرتك.. أنا.. مش.." تلعثمت وهي تتجول بزقاوتاها بين محتوى الصندوق وعينا نجوى


"مبروك عليكي يا نور يا بنتي وعقبال ما يجبلك الأحسن منه"

 ابتسمت لها ثم خلعت دبلتها 


"أنا مبحبش بصراحة جو الخواتم الجديدة بتاع اليومين دول والدبلة دي عمرها ما فارقت ايدي غير النهاردة" 

ابتسمت بمرارة ويبدو وكأنها تتذكر الآن العديد من الذكريات 


"جربيها كده عليكي" ناولتها اياها وأخذتها ولكنها لا تدري كيف تتصرف في مثل هذا الموقف


"كفاية يا ماما الطقم ده وإن شاء الله بدر هيبقى يجبـ.."


"أنا عايزاكي تخديها.. شوفي بس مقاسك زيي ولا لأ" 


ابتسمت لها مشجعة اياها لتتنهد نورسين وحاولت أن ترتديها لتجدها ضيقة عليها قليلاً فحاولت مجدداً أن تخلعها ولكن لم تستطع فزفرت في حيرة وحاولت مجدداً أن تخلعها ولكن دون جدوى


"زي ما تكون مش عايزة تطلع من ايدك.. خليها بقا معاكي ولما بدر يجيبلك غيرها ابقي رجعيهالي" ضحكت نجوى بخفوت وهي تنظر لها ملياً في حب وسعادة


"بصي يا بنتي، بدر ابني راجل صعب، مش هاقولك إنه سهل أبداً، بس أنتي تقدري عليه، عارفة ليه؟! عشان أنتي طيبة وقلبك أبيض وهو على قد ما و عصبي بس حنين أوي.. عارفة إن ما بينكم فرق سن كبير، وعارفة إنه شكله أحياناً بيكون مخيف ويرعب بس هو خلاص بقا جوزك ودي بقت حياتكو.. بدر لما حد بيعامله بحنية بيحبه أوي، واللي بيستحمله في الأول بيلاقي إنه غلبان أوي وساعتها بدر بيمسك فيه بإيديه وسنانه" ابتسمت نجوى في آسى وشردت بالفراغ ثم أكملت حديثها


"أنا لسه فاكرة أول يوم شوفته فيه، كانت تصرفاته عدائية جداً، مكنش عايز حد يقرب منه، فضل يكسر في اوضته لغاية ما قربت منه وفضلت أكسر معاه كل حاجة.. استغربني في الأول، كان فاكرني هزعقله، كان رافض يتعامل معايا خالص، بس بعد ما خلصنا تكسير ورمينا كل حاجة على الأرض قعد جنبي وهو بينهج وقالي أنا عايز ارجع لماما.. قولتله وأنا كمان!!"


"ليه أنتي مامتك فين؟!" نظر لها ذلك الطفل بتلك المقلتان اللامعتان

"مامتي بعيد اوي في بلد تانية"

"بس انتي كبيرة وتقدري تروحيلها، لكن أنا بابا مش هيخليني امشي" ارتسم الحزن على ملامحه

"مين قالك إني مقدرش.. أنا لازم أكون موجودة هنا عشان بحب باباك، وبحب اخواتك شاهي وهديل وكمان عشان بحبك.. مش معنى إننا نقدر نعمل حاجة يبقا نعملها، يعني مثلاً أنا ممكن أكسر معاك كل اللعب دي وممكن نفركش السرير مع بعض، لكن ده مش المفروض نعمله تاني.." أقتربت منه على حذر وجلست بجانبه ليطالعها ويتفقد ما تفعله "تفتكر بابا جابك ليه؟"

"عشان هو مبيحبش ماما وعايزني ابعد عنها" اجاب بتلقائية شديدة

"لا يا حبيبي.. هو جابك هنا عشان الناس اللي بتحبك، أنا وشاهي وهديل وهو كمان بيحبك.. أنت كنت عند مامتك بقالك فترة كبيرة، والدور علينا بقا ولا عايز الناس اللي بتحبك متقعدش معاك؟!" توسعت عيناها وهي تنظر له في براءة ثم أكملت "كلنا طلبنا من بابا إنه يجيبك هنا عشان نلعب سوا وعشان تقعد مع شاهي وهديل شوية وعشان أنا بحبك اوي ونفسي كان يبقا عندي ولد جميل اوي زيك كده.. وأنا أوعدك إنك هتشوف مامتك تاني بس بعد ما تقعد معانا شوية"

"بجد يا طنط؟!" تعجب وتوسعت عيناه في دهشة

"بجد يا حبيبي، بس على شرط.. تقولي يا ماما نجوى وأنا أعملك كل اللي أنت عايزه" ابتسمت له لتجده يهرع نحوها يعانقها

"أنتي طلعتي طيبة أوي يا ماما نجوى وأنا هاسمع كلامك عشان أشوف ماما تاني"

"وأنا بحبك أوي يا حبيبي.. وهخليك تشوف مامتك وكتير كمان، بس يالا بقا بسرعة نوضب الأوضة الجميلة دي لحسن شاهي وهديل هيجوا كمان شوية ولازم اوضتك تبقا حلوة زي اوضتهم.. هتساعدني؟!" أومأ في صدرها لتربت هي على ظهره وتنهدت في حزن على ذلك الصغير.

سحق أسنانه غضباً عندما أدرك أن تلك الفتاة بدأت في معرفة كل شيء عنه وكاد أن يدخل لتوقفه شاهندة "استنى يا بدر أنا عايزاك" التفت لها وارتسم الغضب على ملامحه وهو ينظر لها نظرات مبهمة لتجذبه من ذراعه لليتوجه معها لأحى المقاعد القريبة بالحديقة.

"ده بدر يا نور يا بنتي في كل حاجة.. بيتعصب ويكون عدائي بس أول ما بيشوف الحنية مبيقدرش يبعد عن الشخص الحنين تاني.. هو كمان عنده مشكلة، بيخاف يبعد عن اللي يعرفه وبيحبه، وبيخاف من أي حاجة جديدة أو أي شخص جديد يدخل حياته ولما كبر بقا بيخاف من دخول اي حد جديد وسطنا" أطلقت ضحكة خافتة

"عارفة لما حمزة اتجوز شاهي!! بدر ده مكنش بينام.. كنت حاساه هيتجنن، فضل يعترض عليه ويختبره لغاية ما سبحان الله بقوا حبايب، ونفس الكلام مع كريم بس كريم مش زي حمزة، كريم مش صبور كده وهادي وراسي زيه خالص، عشان كده لغاية دلوقتي تحسي إن فيه ما بينهم اختلافات حتى بعد العمر ده كله.. بدر دايماً كده في الأول مع أي حد بس يوم ما بيحبه بقا استحالة يفرط فيه"

"اوعي تفكري إني مآخدتش بالي من بصاته ليكي، وعصبيته الزيادة عليكي، أنا كنت متأكدة إنك لفتي نظره وفضلت اتفرج من بعيد وكنت واثقة انه هياخد الخطوة ويتجوزك.." ابتسمت لها في حنان وطيبة

"بس بقا خلاص شكلك كده وقعتيه، ومن هنا ورايح عايزاكي يوم ما تحتاجي حاجة ولا لو ضايقك قوليلي وسيبيها عليا وأنا هاتصرف، بس أهم حاجة اصبري عليه وخليه يكون واثق فيكي، ساعتها هيبقا عامل زي البيبي الصغير معاكي" ابتسمت لها في حب شديد وهي تعانق وجهها بكفيها "اتفقنا يا حبيبتي؟!" لا تدري ماذا تفعل نورسين بعد كل ما سمعته وهي بداخلها تود أن تحتمي بها من بطشه وقسوته ولم تصدق أياً مما قالته نجوى ولكنها أومأت لها بالنهاية خوفا ما إن علم شيئا سوف يعذبها من جديد

"اتفقنا يا ماما"

--

"أنت لازم تتصرف معاه، أنا فعلا مش عارفة أعمله ايه" تحدثت شاهندة في انفعال

"العيل الصغير ده كمان عايزاني اتصرف معاه!! زياد مبيحبهاش، ومش عارف هو عايز ايه، وبكرة اثبتلك وهتشوفيه رجع طبيعي خالص بيسكر وبيسهر ولا كأن حصل حاجة"

"يا بدر متجننيش، يعني أنت اللي بتحبها؟!" نظرت له تتفحصه لينهض هو وولاها ظهره وقلبه يخفق بشدة ليوصد عيناه وتذكر ضحكة ليلى الرنانة وعسليتاها الحيوتان المبتسمتان دائما

"ايوة بحبها يا شاهي.. بحبها اوي.. مش عايزها تبعد عني أكتر من كده" هدأت نبرته ولم تصدق شاهندة نبرته المتألمة تلك لتتعجب كثيراً بينما هو لم يقصد سوى ليلى التي عشقها منذ أن وقعت عليها عيناه

"ماشي يا بدر.. اياك تأذيها أو تزعلها في يوم وساعتها أنا اللي هازعل منك ومش هكلمك تاني" تركته شاهندة ودلفت لحجرة المكتب ولكن بدر الدين لا يزال على هيئته وأخذ يتذكر المزيد من الذكريات التي جمعته بليلى

"أأذيها؟! ده أنا ممكن أموت قبل ما بس أفكر أأذيها.. عندي استعداد أعيش مشلول بس عشان أشوف ضحكتها قدامي تاني واسمعها.. لو بس رجعتلي هاوافق نخلف عشر مرات علشان خاطرها.. أنا بقيت مستني اليوم اللي هاموت فيه عشان متأكد إني هاقبلها تاني، هاحكيلها على كل اللي حصلي بعدها، هعيط في حضنها تاني علشان تطبطب عليا وتقولي إنها جنبي.. وحشتني اوي.. وحشتيني أوي يا ليلى!"

أدرك فداحة ما تفوه به للتو ثم فتح عيناه في فزع والتفت لينظر لشاهندة التي قد غادرت منذ قليل ليحمحم ثم زفر بحرقة واطمئنان أنها لم تستمع لشيء وتوجه لداخل غرفة المكتب في هدوء شديد ليعرف ما تتحدث به نجوى ولكن فوجئ بشاهندة تتحدث معها.

"ليه اتجوزتيه؟ ليه مقولتليش إنكو حبيتوا بعض؟ ليه اتسرعتي كده من غير ما ترجعيلي؟"

عقدت شاهندة ذراعيها وهي تتحرى الصدق بتلك الزرقاوتان لتتنهد نورسين ووقفت ظهرها مواجهاً نفس الباب الذي دلف هو منه وسمع ما قالته شاهندة بينما هي لا تدري لماذا اعترتها تلك القشعريرة بجسدها وكأنما توقفت شعيرات جسدها بالكامل، أهذا هو عطره؟! أتلك هي أنفاسه التي تُربكها؟ هل آتى ليذيقها المزيد من غضبه ويأخذها لمنزله ليعذبها مرة ثانية؟ أم يريد أن يكتشف من هي وما هي نواياها مثلما أخبرتها والدته.

"اتجوزته ليه!! مش عارفة أرد على سؤالك يا شاهي ازاي.. كلامي عايزله كتب عشان يكفي.. بس هحاول أجاوبك.." ابتسمت وشردت كأنها تتذكر ذكريات عدة وابتلعت ثم تنهدت بعمق وهي تتخيل كل ما ستجيبها به

"اتجوزته علشان بدر الوحيد اللي حسسني إن أبويا مماتش وعوضني عن وجود الأب بحنيته وحمايته وخوفه، علشان شوفت إن في كل مرة اتعصب عليا فيها كان خايف عليكوا أوي وكان نفسي في حد يخاف عليا ولو ربع الخوف ده ويحبني كده، أنتي أو زياد أو حتى ماما نجوى وهديل كان بيخاف عليكم مني عشان لسه داخلة بيتكم ولسه مش عارفني.. فاكرة يوم ما جوز ماما الله يرحمها جه هنا هو اللي وقفله معاكي ودافع عني وحماني وخلاه يمشي وميجيش تاني.. لو بس تشوفيه وهو قاعد جنبي في لندن يوم ما تعبت وسهران جنبي لغاية ما اطمن إني كويسة هتعرفي أنا اتجوزته ليه، حبه اللي بيبان جوا قسوته وعصبيته حسيت إني عمري ما هلاقيه أبداً في أي راجل تاني.. على قد ما كان شاكله كارهني في الأول بس لما عرفت إنه اللي شالني وساعدنا يوم وفاة ماما ابتديت أعرف قد ايه هو حنين وعمري ما هلاقي في حنيته..

تعرفي يا شاهي واحنا في لندن، دي كانت أول مرة اروح الملاهي من يجي ست سنين، يمكن ماما مكانتش واخدة بالها إن لسه جوايا طفلة وعيلة صغيرة بس بدر طلع الطفلة اللي جوايا تاني وعرف ازاي يحببها فيه"

تهاوت الدموع من عيناها وهي تتذكر كل ما فعله معها تلك الأيام الماضية وخاصة عندما احتجزها بذلك الدولاب لتوصد عيناها في آسى وحزن بينما تجمعت الدموع بعينا شاهندة لتجد نفسها تنفعل هي الأخرى مع كلماتها بينما هي كانت تتمنى بعد استماعه لتلك الكلمات أن يرأف بها قليلا، فلقد فعلت كل ما أراده ولم تخالف أيا من أوامره ولعله سينتهي عن بطشه وقسوته معها فهي لم تعد تتحمل كل ما يفعله وفكرت أن تنطب بالمزيد عله يملك ولو القليل من الشفقة بين طيات قلبه..

"الفرحة اللي عيشتها معاه اليومين دول كانت أحلى أيام في حياتي.. خلاني نسيت إني يتيمة الأب والأم، خلاني انسى قذارة يُسري، خلاني أشوف مين بدر الدين بجد مش الراجل اللي بيزعق وبيتعصب.." حاولت أن تتذكر أي ذكرى جيدة جمعتهما لتتذكر كل ما حدث منذ قليل بعد أن تحدثت لزياد وآتى هو فحاولت أن تصنع منها قصة قد تُقنع بها شاهندة

"عارفة لما بيلمس ايديا بإيده الكبيرة دي بحس إني مش على بعضي بس في نفس الوقت فرحانة ومش خايفة وبحس إن مجرد وجوده جنبي بيحميني، لما وقف قدام الناس وقال إني مراته وبيحبني حسيت إني عمري ما هخاف وهو جنبي وإن محدش يقدر يقربلي تاني طول ما هو موجود.. كلامك عنه، وكلام ماما نجوى عنه أكدلي إني اخترت صح وإن عمري ما كنت ممكن ألاقي راجل زيه.. عرفتي يا شاهي اتجوزته ليه أول ما عرض عليا الجواز؟!" فتحت عيناها لتجفف تلك الدمعات التي تهاوت على وجهها في خوف وتمني بأن تنتهي من قسوته لتومأ لها شاهندة في حب وتوجهت نحوها تحتضنها

"ربنا يسعدكوا يا حبيبتي وأتأكدي دايماً إني جنبك مهما حصل ومش عايزاكي تخافي من أي حاجة.. وأي حاجة تحتاجيها اطلبيها مني وعمري ما هتأخر عليكي.."

--

"فين أهلها.. ماجوش ليه عشان ياخدوها.. كده مفيش اتفاق ما بينا وكل حاجة هلغيها.." صاح كريم بعصبية

"نعم يا اخويا!! أنت عايزني أكلم الناس امبارح يجوا النهاردة.. أنت عارف الناس دي مبيسألوش عليها هي وأمها بقالهم كام سنة؟! ده زي ما يكونوا ارتاحوا انها ماتت لما عرفوا.."

"أنت أتأخرت عليا، واهي الزفتة دي اتجوزت النهاردة!!"

"ايه؟!! اتجوزت!!" صاح يُسري في صدمة والغضب يتآكله "أنا ماليش دعوة بيك تاني واعتبر إن كل حاجة ما بينا اتلغت.. وأنا هاعرف اتصرف معاها كويس ما دام أنت مش عارف تتصرف.. وابقى اقعد بقا اتفرج على اللي لهفها منك.. سلـ"

"استنى بس.." أوقفه عن الكلام عندما شعر بأنه سيخسر كل ما خطط له "الكلام اخد وعطا مش كده.. احنا اتفاقنا زي ما هو.." تحدث كريم له بهدوء "واعتبر اتفاقنا زي ما هو وأنا لسه عند كلمتي والاتنين مليون هتاخد فوقيهم بوسة كمان.. بس قولي انت قولت لأهلها ايه؟!"

"قولتلهم إن بنتهم ماشية على حل شعرها وقاعدة في بيت ناس غريبة"

"حلو اوي.. عايزك بقا تزود حاجة بسيطة جداً مش هتاخد منك حاجة.."

"لا لأ الكلام ده مينفعنيش.. ولا ازود ولا انقص وأنا هاجي اخدها واجرجرها من شعرها واجوزها للي يدفع أكتر منك.. وحتة عملية هبلة تحل كل مشاكلي وترجعها صاغ سليم بدل ما أنا في وجع القلب ده.. انسى بقا اتفاقنا خالص و.."

"طب يا سيدي عشان خاطرك هتلاقي بكرة الصبح تلتمية آلف جنيه في حسابك كعربون محبة بينا واهو حق المكالمات اللي بتكلمها لأهلها وحق المشوار الجاي اللي هتعمله عشان بردو فلوس البنزين" قاطعه كريم في خبث ليرى تريث يُسري "ها قولت ايه؟!"

"عايز تقولهم ايه؟!" صاح يُسري على مضض متسائلا ليبتسم كريم في خبث وآخذ يتحدث ويخبره بخطته القادمة بينما لم يلاحظ تلك الإبتسامة على وجه من يراه ومن استمع لكل مكالمته بل وقد كان على علم بكل ما يفعله من قبل!

--

"خدوا بالكم من بعض يا ولاد ومش هاوصيكم على بعض" أخبرتهما نجوى في حب بعد أن عانقت نورسين وهي توزع نظراتها الحنونة بينهما ثم توجهت لتقف أمام بدر الدين

"أخيراً اتنازلت عن نشفان دماغك ده واتجوزت.. ده أنا كنت فاكرة إني مش هاعيش لغاية ما اليوم ده ييجي" عبثت في شعره وهو يكره تلك الحركة كثيراً وكأنه يتذكر عندما كان طفلا صغيرا "مبروك يا حبيبي" ابتسمت له في حب ليومأ لها وأجبر شفتاه على الإبتسام في اقتضاب

"زي ما قولتلك يا نور.. سيبك من بدر ولو احتاجتي اي حاجة قوليلي.." تحدثت شاهندة التي عانقتها هي الأخرى ثم توجهت لبدر الدين "وأنت ابقى والنبي اشركني في قراراتك العجيبة التي بتطلع فجأة كده قبل ما أموت.. مرة من نفسي يعني!!" زفر في ضيق وهز رأسه في إنكار على كلمات أخته له

"بعد إذنك يا أمي.." استأذن والدته وجذب يد نورسين ليغادرا

"اتفضل يا حبيبي.. وابقا طمني عليكو لما توصلوا.. وفكر تيجي تعيش هنا معانا أنت ونور زي ما قولتلكوا.." أطلق زفرة اعتراض وكاد أن يتحدث لتوقفه والدته "بقولك فكر.. يعني ممكن ترفض وممكن توافق.. بطل عصبية بقا يا بدور"

"دايماً بدورتي كده بيتعصب بسرعة" صاحت شاهندة في تحفز لأنها تعلم جيداً كم يكره أن يُناديه أحد بهذا الأسم

"يوووه يا شاهي.. أنا ماشي.. سلام!!" توجه للخارج مع نورسين التي عاد شعور الفزع لها مرة أخرى وكالعادة خفق قلبها في جنون وهي تُفكر بما ينتظرها بعد قليل

"بترخمي عليه ليه؟!" حدثتها نجوى في خفوت

"زي ما رخم عليا ومقاليش.. كان لازم بردو يعرفني انه عايز يتجوزها" عقدت ذراعيها في تحفز مجيبة

"خليكي كده عمالة تفكريني بأيام ما كنتو صغيرين وبتكبريني" حاوطت نجوى كتفيها بذراعها

"يا نوجا ده أنتي جميلة وصغنونة اهو وزي القمر.. أكبرك ايه بس!!"

"مممم.. يا بكاشة أنتي.. بس تعرفي.. أنا فرحانة اوي انهم اتجوزوا.. ربنا يسعدهم ويارب تعوضه عن كل اللي شافه"

"يارب يا ماما.." همست شاهندة متنهدة ثم توجها سوياً للخارج.

--

اقترب منها للغاية بعد أن داهمها بين ذراعاه وبين سيارته التي استندت نورسين بظهرها عليها ونظرت له في وجل وهلع اثر تلك النظرة المخيفة التي بعينيه الثاقبتان وملامحه المريعة التي بالكاد ظهرت بسبب انعكاس ضوء القمر عليها، وابتلعت في ارتباك شديد من أنفاسه الساخنة التي انهالت على وجهها لتنظر له بتلك الزرقاوتان المرتعتدان.

"اوعي تفكري إن كل الفيلم اللي حصل النهاردة ده إن فيه حاجة اتغيرت وإنك زي ما قدرتي تمثلي عليهم وتخدعيهم هتعرفي تعملي كده معايا!! انسي!! أنت لسه معرفتيش مين بدر الدين الخولي!! هاتي.." 


امتدت يده لذلك الصندوق بيدها التي أعطته لها نجوى لتفزع هي وتركته في استسلام ليتناوله منها جاذبا اياه بقسوة


"والله أنا كنت بنفذ اللي قولتلي عليه.. أنا مكنتش بكـ.."


"أخرسي!! مش عايز اسمعلك صوت!" قاطعها بينما تحدث بين أسنانه المطبقة 


"وهاتي دي كمان!" همس لها بكراهية وامتدت يده ليحاول أن يخلع من إصبعها دبلة والدته التي أعطتها لها ولكن وكأنها التصقت بإصبعها للأبد!


"آه.. براحة" 

تألمت وهو يحاول بعنف أن ينزع تلك الدبلة من حول اصبعها وأخذ يضغط كثيراً عليها وهو يحاول أن يخرجها من اصبعها بأي طريقة ولكن لم يستطع وحاول مرة أخرى حتى جُرحت وانسابت الدماء بين يديهما لينظر لها في تقزز شديد واحتقار لاذع ثم جفف يده بملابسها ليبعد تلك الدماء عن يده..


"قدامي يا بت" 


أشار للسيارة بأومأة من رأسه بعد أن ابتعد عنها لتهرع هي للداخل في رعب مما يفعله وأخذت تلف إصبعها الذي آلمها بأحدى المحارم الورقية بينما تعجبت له وهو يتناول احدى زجاجات المياة من سيارته في سرعة مبالغ بها وكأنما لامس أقذر شيء بحياته وسكبها بالكامل على يده التي لامست دمائها وبعدها أخرج زجاجة عطره ليضع منها على يداه بل وبالغ فى وضع العطر حتى امتلئت السيارة بأكملها برائحته لينظر لها نظرة اشمئزاز شديدة امتزجت بالغضب والكراهية الخالصة وكأن دمائها تلك أخبث ما أضطر لملامسته ثم شرع في القيادة مسرعاً لتشعر هي بالمزيد من الخوف منه وهي لا تعلم ما الذي سيفعله معها الآن بعد أن أدركت أنها ستكون بمفردها من جديد معه وانساب إلي عقلها عدم تحمل بشاعة منظره بالأيام السابقة حتى أحست أنها ستفقد عقلها خوفا وهلعا لا محالة.

يُتبع..