الفصل الرابع عشر - مشاعر مهشمة
الفصل الرابع عشر
نائمة على جانبها فى فراشها مقربة ركبتيها من صدرها تنظر أمامها فى نقطة ثابتة دون التقاء جفونها شاردة فى محادثتها معه منذ عدة ساعات مضت لم تمنع عبراتها من الإنسياب كلما تتطرق بذهنها نفوره منها الذى أوصله للفرار بعيدا عنها لوت فمهما ضاحكة بسخرية أإلى هذا الحد لا يريدها ولا يريد فقط رؤيتها !! أإلى هذا الحد لا يطيق قربها !! أغضمت عينيها بوجع بالغ هذا الصوت الصارخ بعقلها بلا انقطاع يخبرها أنها المذنبة فيما آلت إليه حالتها لم يكن ينبغى عليها أن تغدق عليه بمشاعرها بكل تلك السذاجة دون حتى أن تعلم أتَقَبّل وجودها فى حياته وكونها زوجة له أم لا ، هى حتى لم تنتظر أن يبادلها تلك المشاعر وبمنتهى الغباء التام أظهرت مشاعرها له بل وأخبرته أيضا وها هى جالسة الآن تبكى على رفضه لها الذى أظهره أكثر من مرة وهى الحمقاء التى كانت تلتمس له أعذارا واهية دون سبب وجيه فيها او فيما يبدر منه تجاهها
تبكى بحرقة وصاحب بكائها شهقاتها التى بدأت فى العلو تقسم ان الوجع بداخلها الآن لا يضاهى ، ما يحزنها انها لم تنتظر أن يبادلها تلك المشاعر التى لأول وهلة فى حياتها تشعر بها تجاه رجل ، كانت تود قبوله بها فقط ، بعض حنان منه معها ، واحتوائه لها الذى حرمت منه منذ وفاة والدها كانت تنتظر أن يعوضها ذلك الأحساس الذى شعرت به بأحضانه عندما كانت تبكى وظلت داخلهم إلى أن سكنت ، فما هدأها لم يكن سوى ذلك الدفء الذى تتذكره مذ كانت طفلة صغيرة ذات سنة أعوام عندما كانت تتشاحر مع شقيقها إلى أن تبكى ليأخذها والدها الراحل بين أحضانه حتى تهدأ ، أحست لوهلة أنها بأحضان والدها لم تكن تريد منه سوى تلك الأحضان ودفئها وقبوله لمشاعرها فقط لا غير ، لمَ رفضها بتلك الطريقة المشينة لها ألا يرى ذلك العشق الكامن بداخلها له ، ألا يعلم كيف أصبح عالمها بأكمله متمحور حوله هو فقط
رفعت خضراوتيها اللتين أختفتا خلف عبراتها صوب الكومود عندما استمعت لمجئ رسالة لها جففت دموعها المنهمرة فوق وجنتيها بأصابع يدها ثم رفعت جسدها قليلا ومدت ذراعها والتقطت هاتفها ، خفق قلبها بقوة عندما وقع نظرها على حروف اسمه لتجد انه هو من بعث لها بتلك الرسالة ، فتحتها بتلهف لمعرفة ما تحويها ، لتجد تلك الكلمات البسيطة التى يوجد بين طياتها اعتذار منه على فعلته ، اعتدلت بجلستها فوق السرير وظلت تقرأ تلك الرسالة مرة بعد مرة لتلين ملامحها المليئة بالشجن وانشق ثغرها بابتسامة صغيرة تزامنا مع احساسها بهدوء توغل بداخلها طاردا تلك الزوبعة برأسها ، فتلك الرسالة ان كانت تدل على شىء لن يكون سوى اهتمامه البيِّن لأمرها ، واعتراف منه على خطأه فى عدم اخبارها بأمر سفره قبلا وهذا يعنى انه متقبل وجودها بحياته ويراها زوجته وإلا لما بعث لها بتلك الرسالة التى جاءت فى ذلك الوقت لتكون بمثابة طوق نجاة لها ينتلشها من شبح أفكارها الذى كان يتفرس بذهنها إلى أن قارب على الإنفجار
تلك الحروف البسيطة والكلمات -المجردة من أى نوع من المشاعر التى تَنشُد أن تجدها بكلماته معها يوما- أسعدتها للغاية فمجرد كلمة منه أصبحت كفيلة لتبلغ بها عنان السماء إما تخسف بها قاع الأرض ، لم تتوقع نهائيا أن تكون ما أصبحت عليه ، لم تتخيل يوما أن يصل بها عشقها لرجل غفرانها لأى شىء يبدر منه مهما نَتج عنه من جروح غائرة تصيب قلبها دون هوادة أو رحمة بذلك القلب الذى لم يتسنى له بعد الشعور بلذة العشق ليُفرَض عليه شجنه ، ذاك العشق الذى استوطن قلبها وجعل منها فتاة أخرى غير التى تعهدها ، لطالما رأت بذاتها القوة والصلابة التى تجعلها تواجه الشدائد مهما بلغت من ضراوتها ليس ذلك فحسب بل التغلب عليها أيضا ، ليأتى ذلك اليوم منذ ما يقارب الثلاثة أشهر حتى الحين لا تعهد على نفسها سوى الضعف والهوان امام بضعة مشاعر وليدة بداخلها أخذت تتفرس بقلبها إلى أن سيطرت عليه سيطرة كاملة لتجعل منها فتاة تعيسة ذا ملامح شجية مناقضة تماما لملامحها التى تملأها تفاؤل الكون بأجمعه المحافِظة على بسمتها التى تبخرت منذ عشقت ذلك الكيان الجافى لتجد نفسها محاصرة بين كومة من المشاعر المهشمة التى لا تجد من بينها مفرا ولا خلاصا
مازالت جالسة على وضعيتها ممسكة بهاتفها بين يديها عاقدة حاجبيها بحيرة هائلة لا تجد سبب وجيه لجميع افعاله معها ، تارة يحادثها بجفاء وهجوم وتارة أخرى ترى العشق جليا بعينيه مصاحبا بلين كلماته ، واليوم يتشاجران معا والآن يراضيها ، أأبله هو أم ماذا !! أم هى التى فقدت عقلها إثر معايشتها لكل تلك التناقض الذى يتعامل معها به ، زفرت بتخبط لا تدرى لمَ يحدث معها كل ذلك ، ووجهت عينيها صوب هاتفها الذى مازال ينير بتلك الرسالة لتجد إبهامها بعفوية يتنقل على شاشته يكتب كلمات خرجت من بين حنايا قلبها الملتاع والمشتاق له تحوى على "ممكن أبقى أكلمك فى الوقت اللى بتبقى فاضى فيه ؟!" ، أغلقت الهاتف ووضعته مكانه وتوسدت الفراش بظهرها انهالا جفناها لأسفل فى محاولة للنوم تعلم انها ستنتهى بفشل ذريع وستظل مستيقظة طوال الليل بانتظار رده على رسالتها
فتحت عينيها باتساع فى غضون أقل من دقيقة ونهضت بهرجلة ملتقطة الهاتف سريعا عندما وصل لمسامعها رسالة صادرة لها متيقنة انها منه فمن سيحادثها بوقت كهذا غيره ، لتبتسم باتساع وازدادت خضراوتيها لمعة براقة عند قرائتها لرسالته التى جعلت السعادة تتخلل بقلبها بلحظة واحدة حيث انه كتب بها "هكلمك انا عشان ابقى اتطمن عليكى ونامى بقى عشان الوقت اتأخر والساعة بقت أربعة الفجر عندك ، خلى بالك من نفسك لحد ما ارجع" ظلت تبتسم كالبلهاء لقد أراح قلبها كثيرا بما بعثه لها وكل ما جال بفكرها من أفكار سوداء كانت تتآكل برأسها تبخرت فى الهواء ليحل مكانها عزيمة قوية فى أخذ خطواتها نحو تطور علاقتهما ، فهى لن تيأس وستعقد العزم إلى أن يصبح عشقها متملك قلبه وجميع أوصاله عادت بظهرها للخلف مجددا أغمضت عينيها بأريحية بالغة لم تحتس بها لأيام عدة غافلة عن ذلك العشق الذى بالفعل قد تمكن من قلبه وأصبح كالسهم الذى أصابه واستقر به آبيا أن يُنزع منه ، لا تعلم أن سبب ابتعاده لم يكن سوى ذلك العشق الذى تتمنى أن يذرع بداخله ولا تعلم أنه كاره ذاته لذلك الأمر
❈-❈-❈
اليوم التالى ..
فى وقت الظهيرة جالسة رفقة والدها بحديقة القصر منذ أتت لما يقارب الثلاث ساعات يتشاركان الأحاديث التى يتخللها من حين لآخر ضحكات "أسيف" الرقيقة التى تصدح لكلمات "هشام" المملوءة بالمرح الذى ابتعد عنه منذ زمن بعيد لتعود هى ومعها بعضا من روحه التى سُلبت منه لمفارقتها ثم رحيل والدتها ، ليشع وجهه بالحياة من جديد ويعزم على العيش ليعوض تلك الغائبة والتى عادت لأحضانه بعدما قد فقد الأمل نهائيا فى استرجاعها وسماع ذلك الصوت الذى افتقده وافتقد أكثر منه صاحبته قارورته الغالية طوال الستة عشر عاما الماضية ، ممسكا بين يديه كوب شاى قربه من فمه وارتشف منه ثم تابع حديثهما بسؤال متطرقا به لحديث آخر
–انتى وعدى عاملين ايه مع بعض
ابتلعت ببعض من المفاجأة لسؤاله تلك لتزوغ بنظرها قليلا وهى تجاوب بإيجاز متمنية ألا يظهر عليها أى تعبير يدل على ذلك التوتر الذى أصبحت عليه علاقتهما مؤخرا
–كويسين
لم يكن من الصعب عليه رؤية ذلك الإرتباك الذى ظهر جليا على ملامحها ويكاد يقفز من عينيها ليُعاد فى ذاكرته لعدة ثوانٍ كلمات "عدى" له عندما سأله عن حالهما سويا كاطمئنان منه عليهما حيث لم يُرِد "عدى" أن يراوغ فى إجابته وقرر وقتها أن يخبره كيف تسير علاقتهما منذ زواجهما حتى الآن
–بصراحة يا عمى أسيف لحد دلوقتى بعيدة عنى كل واحد فينا بينام فى اوضة ، لسه مش متقبلة فكرة اننا اتجوزنا ، حاولت أكتر من مرة معاها بس انا مش هقدر افرض عليها وضع هى مش حباه وخصوصا ان اسيف مش بتتقبل اى تغيير فى حياتها بسهولة
كان ذلك إجابة "عدى" على سؤال "هشام" عندما اتصل به ليطمئن على احوالهما ليتعجب "هشام" مما تشدق به الآخر الذى يتضح عليه الآسى من صوته ليتحدث بتخبط
–انا مش فاهم حاجة يا عدى انتو اصلا ماكنتوش بتحبوا بعض ؟!!
وصل إليه زفرة "عدى" المتمهلة التى لم تكن سوى تأهب لتوضيح الأمور له منذ بدايتها ليقول بهدوء وتريث
–احنا لحد قبل حضرتك ماتظهر فى حياتها كنا بنتعامل مع بعض على اننا اخوات ، جوازى منها كان عشان متبعدش عنى واتفقت معاها انه هيبقى صورى بس انا من وقت ما بقت على اسمى وانا مش قادر اشوفها اختى تانى بقت بالنسبالى أسيف مراتى وحبيبتى ، انا حبيتها بسرعة جدا وبشكل انا نفسى مكونتش عمرى اتخيله ، مش عارف اعمل معاها ايه أكتر من اللى عملته الفترة اللى فاتت ولا عارف اقربها منى ازاى
اطنب الآخر بهمهمة وهو يستجمع كلماته برأسه ونما إلى علمه مخططهما مفكرا فى حل لعلاقتهما فهو لا يريد لتلك الزيجة ان تنتهى حيث انه يرى كم الحب البادى على "عدى" لابنته وبنفس الوقت يشعر ان ابنته تكن له حبا بداخلها فقد رأى ذلك عليها لأكثر من مرة يكفى ذلك الآمان والراحة اللذان تشعر بهما معه ويراهما عليها لذا قال بنبرة مطمئنة ل"عدى" بعد برهة من التفكير
–متشيلش هم الموضوع ده يا عدى انا هكلمها أقولها تيجوا تقعدوا معايا كام يوم وهتكلم معاها فى وقت متبقاش موجود فيه وهحاول على قد ما اقدر اغير نظرتها ليك وافهم برضه هى بتفكر فى ايه جايز فى حاجة جواها هى اللى مخلياها مش عارفة تاخد اى خطوة فى علاقتكم والموضوع مالوش علاقة بإنها شايفاك أخ لسه
ليأتى رد "عدى" عقب انتهاء الآخر من اقتراحه ليغمغم بموافقة ونبرة رخيمة
–تمام يا عمى بس بلاش اجى انا معاها عشان متبقاش متوترة أكتر.. ومتعرفهاش بعد إذنك انى اتكلمت مع حضرتك فى حاجة عشان متحسش بضغط عليها من كزا جهة
تكلم "هشام" بهدوء وهو ينهى معه المكالمة
–خلاص اتفقنا ، هكلمها النهارده واقولها وان شاء الله خير
تفقد ابنته وهو فى حالة تأهب لما سيلقيه عليها لكى يرى تعبيراتها وأثر تلك الكلمات عليه ليحمحم منظفا حلقه ثم هتف بها بكلمات قاصدا كل حرف منها
–عدى شاب محترم جدا وابن ناس ونابغ فى شغله وفيه كل الصفات اللى تخلى اى أب يحب يديله بنته ، بس صدقينى انا حاجة واحدة اللى خلتنى اوافق على جوازكم من بعض ، عارفة ايه هى يا أسيف ؟
صبت جام تركيزها على ما يقوله لتتمتم بهدوء ردا على سؤاله الذى استحث جميع حواسها
–ايه هى ؟!
ابتسم بلطف ونظر لها بخضراوتين مايزالان يلتمعان رغم مرور السنين وترك آثارها على وجهه ليتكلم بلين مترصدا أية إيماءة ستبدر منها إثر ما سيلقيه عليها من كلمات حدثت بالفعل مستغلا إياها لإخبارها بها
–الخوف اللى شوفته عليه لما حس انى ظهورى فى حياتك هياخدك منه وبعد ما وافقت على جوازكم الفرحة اللى شوفتها فى عينه والراحة اللى بانت على وشه كأن روحه اتردتله أكدلتى انى مغلطتش لما وافقت ، حبه ليكى باين عليه مش محتاج انى اتأكد منه لإنى شوفته فى نظراته ليكى وأنا أكتر واحد يفهم فى نظرات الحب دى
جاءهما صوت "رفيف" المتقدمة نحوهما بوجهها البشوش المبتسم كالعادة والتى تكلمت بمزاح لوالدها على كلماته الأخيرة
–يا H يا جامد انت يا بتاع النظرات
قابل تقدمها بابتسامة طيبة سريعا ما اختفت ليحل مكانها نظراته المتفحصة لهيئتها ثم تساءل
–ايه ده انتى خارجة ؟!
أومأت برأسها فى إيجاب وهو واقفة بجانب مقعده لتجيبه هى
–رايحة النادى مع داليا بقالى فترة كبيرة مروحتش الجيم ولا عملت تمارين وانت عارفنى يا بابى بحب أحافظ على جسمى
تفقدها مليا وهو مضيقا ما بين حاجبيه واعتلى ملامحه الاستنكار لما قالته ليتشدق
–يا بت هو انتى فيكى شكل ولا جسم هتحافظى عليه أكتر من كده ايه
صدحت ضحكتها وكادت تجيبه ليأتيها اتصالا من صديقتها انهته بكلمات قليله ثم قالت فى تحفز موزعة حديثها بين والدها وشقيقتها
–طب باى يا بابى دلوقتى عشان داليا خلاص وصلت النادى ومش عايزاها تستنى لواحدها كتير ، باى يا سوفى هحاول متأخرش عشان نقعد مع بعض عايزه نتفرج على أى movie سوا ونسهر للصبح
ابتسمت "أسيف" برقة لا متناهية وقد أعجبها اقتراحها لتقول بموافقة
–تمام.. هستناكى
ارتدت الأخرى نظارتها الشمسية وأشارت لهما بيدها وهى ذاهبة من امامهما قائلة بحماس لا يغيب عنها
–okay see you later , bye (حسنا أراكما فيما بعد، وداعا )
ابتسم هشام بحب لها وارتكز بنظره عليها إلى أن أختفت من امامها ليقول بعدما حول نظره ل"أسيف"
–دايما كده مليانة نشاط وحيوية
هزت وجهها دلالة على علمها ثم قالت وهى محافظة على ابتسامتها
–أخدت بالى
أكمل مضيفا بنبرة هادئة محافظا على تعابير وجهه الحانية
–رفيف طيبة اوى وكل ماهتتعاملى معاها هتعرفيها أكتر وهتحبيها أكتر
تنهدت مطولا محاولة ترتيب كلماتها لتنظر له بحب ثم قالت
–انا فعلا حبيتها ، وحبيتك كمان اوى ، أول مرة ابقى كده مع حد انا عادة بخاف اتعامل مع اى حد معرفوش ولو اتعاملت بيبقى بحدود اوى ، لكن انا معاكم بتعامل بطبيعتى وحاسة اننا مع بعض بقالنا سنين ، انا معاكم زى مانا مع ماما نادية وعدى وطيف "ابتلعت ثم قالت بصوت مهزوز وهى تعيد خصلاتها المتمردة للخلف بأناملها" يمكن.. يمكن بس مجد اللى مش عارفة اتعامل معاه لسه.. وتقريبا لحد دلوقتى متكلمناش خالص و.. وبخاف منه شوية بس...
قاطع تتابع حديثها بكلمات تحمل الحزن الدفين على ابنه وإلى ما آلت إليه حالته منذ أعوام بعيدة ليصبح على ما هو عليه الآن
–عشان انتى لسه متعرفيش مجد ، مجد يبان حاجة وهو فى الحقيقة حاجة تانية صدقينى يا بنتى مجد طيب اوى وحنين يمكن اكتر كمان من رفيف بس هو من ساعة موت والدتكم وهو كده قافل على نفسه حتى معانا ، كان متعلق بيها اوى وإنهار لما اتوفت ، وعلى فكرة كمان كان بيحبك اوى وانتى كنتى علطول معاه وكنتى بتسيبى اوضتك وبتروحى تنامى جنبه فى اوضته
ابتسم عند تذكره لما كانت تفعله وهى طفلة صغيرة ثم تابع
–كنت انا ومامتك نروح نتطمن عليكى قبل ما ننام نلاقيكى مش فى الاوضة بتاعتك نعرف انك روحتى لمجد نروح نتأكد انك هناك نلاقيكى نايمة فى حضنة "تنهد واطنب بحزن لاح على قسماته" مجد فضل فترة كبيرة مكتئب وقافل على نفسه اوضته لما اتخطفتى ووصل لدرجة انه رفض الأكل قبل ما نعرف ان حد اتبناكى كان فاكر انك.. "لم يسطتع نطقها ليغمض عينيه لثانية ورطب شفتيها وأكمل استرسال كلماته" وقتها كان عايز يموت وراكى لولا انا قعدت معاه وهديته شوية وبرضه مرجعش لحالته الطبيعى غير لما عرفنا ان فى حد اتبناكى يمكن حزننا من بُعدك عننا كان لسه جوانا بس وقتها قلبنا اتطمن شوية اما عرفنا انك لسه عايشة
أحست بحزنه الذى تطرق على وجهه وملأ صوته ليلين قلبها تجاه شقيقها الذى لم يجمعهما حتى الآن أيه أحاديث لا تدرى ما الذى عليها ان تقوله بعد كل ما قاله ليأتى فى ذاكرتها عدة مواقف عابرة لتنطق بها بعفوية منها دون ترتيب سابق
–لما بابا طارق الله يرحمه اتبنانى كنت وقتها فاكرة اسمى وماما قالتلى انهم سألونى عن اهلى قولتلهم ان عندى نجوى وبابا وواحد صغير كان قصدى بالواحد الصغير ده تقريبا مجد "قالتها وهى تضحك ببعض الحرج ثم تابعت" وماجبتش سيرة رفيف خالص أكيد كنت نسيتها، انا مع الوقت نسيت كل ده ماما اما كبرت هى اللى قالتلى.. كنت دايما بحلم بيكوا وخصوصا ماما هتصدقنى لو قولتلك انها كانت بتجيلى فى الحلم بشكلها اللى فى الصورة
–ربنا يرحمها
أردف بها بخفوت وقد ملأ الشجن ملامحه على ذكر زوجته الراحلة وأكثر من أحب بالوجود وشرد بعدة مواقف حدثت بينهما بالماضى ليبتسم بألم حينما أتى بذهنه تلك الذكرى المحببة لقلبه المليئة بالشغف المتبادل بينهما
–بس يا هشام بقى متهزرش أسيف ممكن تيجى فى اى وقت وتشوفنا
هتفت بها "نجوى" بحنق وهى تتلوى بجسدها بين ذراعى زوجها المحاوطين لخصرها من الخلف ولاصق ظهرها بصدره بتملك بالغ بينما كانت واقفة هى أمام المرآة تمشط خصلاتها ، تلك الحركات التى تفعلها بجسدها فى محاولة لابتعادها عنه لم تزيده سوى إثارة ورغبة تأججت بداخله بقوة تجاهها ليهمس بلا مبالاة وهو يقترب بوجهه من عنقها ملثما إياه برقة بالغة
–وايه يعنى عيلة صغيرة ومش فاهمة حاجة.. تعالى بقى
غمغم بالأخير وهو يدير جسدها له لتدفعه من صدره على الفور قبل ما يزيد مما يفعله وتستسلم لأبحر عشقه بالنهاية وهى تود أن تطمئن على طفلتيها أولا لتقول بحدة
–الصغير بيكبر وبيفهم.. ابعد
لم يخفُ عن ناظريه تدللها عليها لينظر لها بخبث لم تلحظه ثم هدر مدعيا استسلامه
–تمام خلاص بعدت اهو
كادت تغادر ليسبقها ويغلق باب الغرفة وحملها حتى سريرهما ووضعها برفق وسارع بالجثو فوقها لتهتف هى مسرعة
–هشام أسيف لواحدها و..
وضع يده فوق فمها مانعها من الإكمال ونظر بعينيها ببعض الخمول ثم قال بأنفاس متثاقلة وهو يحرك إبهامة محددا شفتيها بحركة مثيرة
–هتقعد مع رفيف ، قولت للنانى تخليها معاها
ابتلعت وعلت أنفاسها لتتمتم بإختلاق أى أمر ليتوقف عما سيفعله
–طب استنى كنت عاي...
انهال على شفتيها مبتلعا باقى حديثها بفمه بقبلة طويلة شغوفة فرقها بعدما أحس أنهما قاربا على الإختناق ليهمس أمام شفتيها وهو يلهث بشدة
–وحشتينى
أحاطت عنقة بابتسامة راغبة به هى الأخرى لتقول من بين انفاسها التى تكافح لالتقاطها
–وانت كمان
فاق من تلك الذكرى على يد ابنته فوق ذراعه المتفقد له حيث انها تناديه منذ فترة ليبتسم لها وهو يوارى ذلك الحزن الذى لم ولن ينتهى حتى يلاقاها بدار الآخرة ، حاول قدر استطاعته ان يتابع معها الحديث متأملا ملامحها التى تذكره بكل إنش بها بحبيبته ووالدتها التى أخذت منها كل شىء من ملامحها تعبيراتها رقتها وحتى صوتها
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام ..
ماتزال "أسيف" ببيت والدها يطمئن عليها "عدى" من حين لآخر بمهاتفة والدها ويطلب منه فى كل مرة أن لا يخبرها بسؤاله عليها لقد اشتاقها للغاية لم يكن يعلم ان عدم رؤيتها لعدة أيام فقط سيؤرقه هكذا ويطرد النوم من عينيه فهو لا ينم سوى ساعات قليلة منذ يوم ذهابها لبيت عائلتها لم تغب عن باله للحظة لا ينفك يتخيلها معه وبين أحضانه كم يرغب برؤية خضراوتيها اللامعتين ذوى النظرة الساحرة الذى أصبح متيم بهما كما صاحبتهما تماما ، لا يدرى أكل ذلك العشق بداخله لها فقط من بضعة أسابيع لهما سويا كزوجين أم من تلك اللحظة التى شعر بها بانجذاب نحوها منذ عدة أعوام مضت
ذلك التعلق بها منذ الصغر الذى نما بداخله بمرور السنين ليتحول لانجذاب بها وهو كالأحمق كان يقنع نفسه انه انجذاب لجمالها ورقتها ليس إلا وهى ليست سوى أخت بالنسبة له ليأتيه فترة لم يستطع فيها منع نفسه عن التفكير بها بمنظور آخر أخذ عقله برسم سيناريوهات لهما معا بعيدة كل البعد عن كونها شقيقة كان يُهيَأ له انها بين أحضانه يتشاركان معا بعض القبلات التى كلما وقعت عينيه على شفتيها المكتنزة لود أن تصبح حقيقة وليست مجرد تخيلات كان يتخيلها نائمة بجانبه بوجهها الذى يشبه الملائكة وهو بجانبها يرسم هيئتها النائمة بذهنه وصل لمرحلة كان يتخيلها بين أحضانه وملكه هو فقط ويتشاركان معا بعض اللحظات الحميمية ، ليشعر ان عقله قد بالغ للغاية لينفض تلك الأفكار عن رأسه ناهرا نفسه وبشدة على تفكيره بها بتلك الطريقة وهى التى لا تراه سوى أخيها وصديقها الوحيد ولكن تلك الافكار لم ترحمه لتواتيه من جديد كأن عقله على تصميم منه بتمزيق صورتها كأخت من رأسه وحياته كلها وإبدالها بصورة أخرى لن يقبل بها من حوله حتى هو لا يتخيلها واقعا
ابتسم حين تذكر ذلك اليوم الذى كان يصنفه بالماضى بيوم المصيبة الكبرى كانت حينها "أسيف" ببداية مرحلتها الثانوية بينما هو قد انهى مرحلته الجامعية لتوه ، كانت مصابة بحمى ووالدته كانت ساهرة بجانبها تضع لها كمادات على جبينها لتخفض حرارتها تأخر الوقت والساعة قد تعدت الثالثة صباحا ، كان "عدى" دالفا غرفة "أسيف" للإطمئنان عليها ليرى والدته على تلك الحالة من الإرهاق الذى كان جليا عليها ، إقترح عليها الذهاب لغرفتها لتستريح قليلا وهو سيظل بجانب "أسيف" ريثما تغفو هى قليلا وتريح جسدها ، وبالفعل رحبت بالأمر وتركته معها
–ماما قومى انتى نامى فى اوضتك ارتاحى شوية وانا هفضل جنبها وهتابع حرارتها
أخبرها بصوت خفيض وهو يربت على ذراعها لتنظر له بتعب ثم تكلمت وهى تتنهد
–انا فعلا تعبت اوى معدتش قادرة أقعد أكتر من كده ، هى حرارتها نزلت شوية غيرلها الكمادات واوعى تسيبها يا عدى ولو حرارتها علت تانى او تعبت صحينى
أومأ لها برأسه ليتحدث بحنو بعدما نهضت وجلس مكانها
–خلاص يا ماما متقلقيش روحى نامى انتى بقى
غادرت الغرفة وظل هو يبدل لها الكمادات كلما شعر بانتقال الحرارة من جبينها لها ، تحسس جبينها بعد فترة بيده ليجد الحرارة انخفضت والدواء الذى أخذته ظهر مفعوله ، ليتنهد ببعض الراحة ولكنه لم يستطع إبعاد زيتونتيه عن وجهها الملائكى المتعب للغاية وبتلقائية وجد يده تتحسس وجهها برقة لتقع عينيه حينها على شفتيها ابتلع بتوتر ولكنه لم يشعر بنفسه سوى وهو يقترب منهما ملثما إياهما بتروٍ مهلك وأخذت يده بتحسس ذراعها العارى لارتدائها منامة بدون أكمام انتقلت يده من ذراعها لخصرها ليدخل يده أسفل ظهرها مقربا جسدها منه أكثر وقد تحولت قبلته وقتها للحدة قليلا وظل يعمق بها إلى أن شعر بها تإن بين قبلته
ليبتعد عنها سريعا وقد هربت عروقة من جسده وصدره يعلو ويهبط بقوة إثر كل تلك الإثارة التى إندلعت بداخله هدأ قليلا عندما وجدها مازالت نائمة أوصد عينيه وأخذ يسب نفسه على ما فعله وإقترابه منها بتلك الطريقة وزم شفتيه بغضب فإذا كانت إستيقظت وهو يفعل معها ذلك فلن يستطيع حينها النظر بعينيها مدى الحياة ، تلك الرغبة التى تحكمت به حتما ستودى به إلى الهلاك ، وقعت عينيه على شفتيها الحمراوتين والمنتفختين قليلا إثر قبلته لتزداد انفاسه من جديد ليعلم ان وجوده معها الآن لن يؤدى سوى لفعل كارثة حتمية ليترك وقتها الغرفة سريعا دالفا غرفته وموصدها عليه مانعا نفسه بكل طاقته ألا يخرج إليها ويهشم تلك الشفاه مجددا بين شفتيه
من بعد ذلك اليوم وهو يحاول السيطرة على أفعاله قدر المستطاع يبتعد عن أى مكان يجمعهما وحدهما أصبح يغض بصره عنها وعن النظر لمفاتنها التى تجذبه على الرغم من أن ما ترديه نفسه الذى ترديه "طيف" ولكنها بالطبع مهما أقنع ذاته أنها مثلها مثل "طيف" لن يقتنع داخله بذلك الأمر مجددا ، بدأ عملا جديدا فى ذلك الوقت ليجعل كامل وقته وتركيزه به وبالطبع مع الوقت تغير تماما ، أصبح يتعامل معها بحدود وبذات الوقت يمرحان سويا ويتحدثان كى لا يرتاب أحدا بأمره ولكنه عاهد نفسه ألا يفعل ذلك مجددا فلن يخون تلك الأمانة الذى تركها لهم والده فمن المفترض ان يصبح هو حاميها وليس مستغلها
اتسعت ابتسامته مظهرا اسنانه من تلك الذكرى ، مَن يصدق ان ما كان يخشى حدوثه قد حدث بالفعل وأصبح الجميع مرحبا به عاداها هى ، ليتنهد ببؤس كم يتمنى أن تصبح له كيانا وروحا أيضا يحتاجها كثيرا ويحتاج أن يتمتع بدفء أحضانها ، لم يعد يتحمل ذلك البعد أكثر من ذلك ، إذا لم يحدث بينهما شيئا يكفى أن تبقى معه وأمام مرأى عينيه ، نهض من فوق المقعد متوجها نحو دولابه لتبديل ثيابه سيذهب إليها لن يستطيع المكوث دونها أكثر من ذلك
❈-❈-❈
دلف "جاسم" مكتبه بعصبية بالغة تهرول خلفه سكرتيرته التى لاح الرعب على وجهها من رؤيتها له بتلك الحالة لأول مرة منذ عملت معه ليصلها صوته الصائح بها بإنفعال وهو واقف امام مكتبه
–إلغى بقية اجتماعات النهارده مش عايز اشوف حد ولا اكلم حد كفاية اوى كمية التهريج اللى كان فى الاجتماع ده
أومأت له وهى تقول برسمية ممزوجة بالخوف
–حاضر يا فندم
غادرت مسرعة ووصدت الباب خلفها ليجلس هو على كرسى مكتبه يباشر عمله ووجهه يظهر عليه الوجوم ، بعدة مضى عدة دقائق يستمع لفتح الباب ودلوف أحدهم دون أخذ إذنه ليرفع وجهه عن التقارير امامه بملامح غاضبه تفاجأت بها "رفيف" وتأكدت مما قالته لها السكرتيرة الخاصة به بشأن ثورته عليها وبالإجتماع منذ قليل
لانت ملامحه قليلا عندما رأى أنها هى الدالفة لينهض من فوق مقعده متوجها نحوها وقام بإحتضانها بملامح مقتضبة بعض الشىء لتفرق عناقهما وهى تتفحصه ثم تحدثت متسائلة
–ايه مالك منال قالتلى بلاش ادخللك وانك مش عايز تتكلم ولا تشوف حد
تنهد متعبا ثم أجابها وهو حانق نتيجة لما حدث بذلك الإجتماع
–مافيش يا حبيبتى كنت فى اجتماع واتنرفزت شوية فيه "لتتحول ملامحه للإستهجان الواضح ثم تابع" وبعدين منال ازاى تمنعك تدخلى انا قولت مش عايز اشوف حد من الموظفين و..
قاطعته بابتسامة بينما وضعت كفها على إحدى وجنتيه فى محاولة منها لتهدئة تلك الملامح المشدودة التى لأول مرة تراها على هيئتها تلك
–حبيبى هى ممنعتنيش مانا دخلت اهو هى قالتلى بس انك متعصب ويستحسن مدخلكش دلوقتى
ابتسم بحب ومال وجهه للجانب طابعا قبلة مطولة براحة كفها الموضوع على وجنته ثم قال بعاطفة وعشق خالص
–انا فعلا كنت متعصب بس هديت خلاص اما شوفتك
ابتسمت باتساع واقتربت قليلا منه وقالت بنعومة وهى تنظر بداخل لبنيتيه
–وحشتنى اوى "لاحظت رغبته فى تقبيلها من نظرته تجاه شفاهها وازدراده لتستطرد قائلة ببعض الدلال وتظاهرت بالعبوس وهى تعبث بيديها الموضوعتين فوق صدره بزرار قميصه" وزعلانة منك
عقد حاجبيه بتعجب من تحولها السريع تلك ليتحدث بتساؤل وهو يعيد خصلاتها بيده للخلف
–ليه يا حبيبتى انا عملت ايه زعلك ؟!
ابعدت يديها عنه وقامت بعقد ذراعيها امام صدرها وتكلمت بلهجة منزعجة
–بقالنا قد ايه مخرجناش مع بعض ؟!
زفر بإرهاق وهو ينظر لعينيها العسلية اللامعة ليتحدث بتبرير ونبرة صادقة
–والله غصب عنى مضغوط جامد فى الشغل زى مانتى شايفة كل حاجة فوق دماغى ومجد مش عارف هيرجع امتى
مطت شفتيها للأمام بحزن طفولى وتكلمت وهى ترفع يدها أمام وجهه ضاممة أصبعى السبابة والأبهام لبعضهما كدلالة على الجزء الصغير من الشىء
–يعنى مفيش شوية وقت قد كده لرفيف حبيبتك
طالع هيئتها المدغدغة لحنايا قلبه وقال بصوت ملأته العاطفة وهو ينظر لها نظرة ينهال منها العديد من المشاعر
–وقتى كله لرفيف حبيبتى
رفعت إحدى حاجبيها وهى رافعة وجهها صوب وجهه ثم قالت باستفزاز له
–ده كلام
ابتسم على طفوليتها تلك ونفى ما قالته وهو يقرص ووجنتها بمداعبة
–لأ مش كلام
همهمت بخبث ثم رفعت إحدى كتفيها بدلع وهو تتساءل
–وايه اللى يثبت ؟؟
طوق خصرها بيديه وأخذ يقربها نحوه ثم قال بصوته الرجولى العذب وملامحه ظاهر عليها الإبتهاج
–اللى يثبت ان بكرا اليوم كله ليكى وهنقضيه فى المكان اللى يعجبك
توسعت عينيها بفرحة ثم تساءلت بعدم تصديق
–بجد ؟!
قربها أكثر إليه ليصبح جسدهما متلاصقين وهمس أمام شفتيها بأنفاسه الدافئة
–بجد
انحنى برأسه ملتقطا شفتيها بقبلة تمهل بها قدر المستطاع لترتفع هى بأناملها تتخلل شعره الأشقر جاذبة رأسه أكثر سامحة له بالتعمق بتلك القبلة على إثر ذلك أخذت قبلتهما مسار آخر حيث انه اصبح يقبلها بشغف وعشق تام ، سار بها حتى الأريكة الجلدية الوثيرة الموضوعة بمكتبه لترتفع ساقيها دون وعى منها محاوطة خصره وهى متشبثة به بقوة رافضة أن يبتعد عنها ، فرق قبلتهما بعدما أحس أن أحداهما حتما سيصيبه الإختناق ظل يلهثان بقوة وغابتا أعينهما خلف أبحر من النشوة لتجد نفسها فوق الأريكة أسفله ، دفن وجهه بعنقها يلثمه برقة شتت كيانها لترفع يديها تتحسس ظهره بأصابعها ليفقد هو ثباته وتزداد حدة تلثيماته وأخذ يفرقها فوق عنقها يمينا ويسارا بفوضوية ليقول ببحة رجولية مثيرة من بين تلثيماته التى لا تنتهى
–بحبك اوى.. مبقتش قادر ابعد عنك.. ولا اتحكم فى نفسى معاكى
واصدة عينيها ووجهها أصبح كجمرة من نار وجنتيها امتلأتا بحمرة قانية ، تقضم شفتها السفلى لم تستطع تكوين أيه كلمة كأن كل الحروف تطايرت من فوق لسانها إثر لثماته ليتابع بهمس هو بعدما ارتفع بوجهه فى مواجهة وجهها
–اوعى تبعدى عنى
التهم شفتيها يقبلها بروية ولطف بالغ عكس قبلته الهوجاء منذ برهة وهبطت يده فوق خصرها يتحسسه بإثارة مهلكة لها لتإن بين قبلتهما تلك الإثارة التى تمكنت منهما ورغبة كل منهما فى الآخر تصعب من ابتعادهما الآن لتضرب أجراس الخطر فى رأسها تحذرها مما يفعلاه فقد أصبحا على شفا حفرة من تحكم جسديهما بهما ، لتفرق تلك القبلة التى لم يرِد هو لها ان تنتهى وتدفعه بيدها المرتجفة كى ينهض من فوقها وبالطبع استجاب لرغبتها وهو يشعر بالقلق حيال تبدل حالتها يخشى أن يكون تماديه معها أغضبها منه ، ليبتلع ثم تساءل وانفاسه مازالت متسارعة وهو يتفقدها
–فى ايه يا رفيف انا ضايقتك فى حاجة ؟!
أومأت برأسها نافية ثم تحدثت وهى تنهض ملتقطة حقيبتها التى وقعت أرضا منذ قبلتهما الأولى
–أنا بس اتأخرت على بابا متفقة معاه انى مش هتأخر وهنتغدا سوا "ابتسمت ابتسامة مهزوزة بعض الشىء واقتربت بتباطؤ منه -وهو واقف امام الأريكة- كأنها تجبر أرجلها على ذلك ثم تابعت" انا همشى بقى ، باى
قالت الأخير تزامنا مع قبلتها فوق وجنته وهى محافظة على مسافة بين جسديهما ثم غادرت سريعا قبل حتى أن يتشدق بحرف ، تركته مدهوشا من التغير الذى طرأ عليها فجأةً وأخذ يراجع ما حدث بينهما فهو لم يفعل شيئا لم تكن راغبة به فقد لاحظ رغبتها بكل ما يحدث بينهما ومبادلتها له قبلاته ولمساته وقد شعر أيضا بشبقها للمزيد ولكن ابتعادها المفاجئ ذلك عنه يشتته ولا يدرى ما سببه
❈-❈-❈
بعد مرور شهر وبضعة أيام ..
–فى حاجة يا نانى.. بتجرى كده ليه
تحدثت بها "رفيف" بقلق لمدبرة بيتهم التى كانت تهرول نزولا فوق الدرج بهرجلة واضحة ويظهر الرعب جليا على وجهها لتتوجه نحوها مسرعة قائلة من بين انفاسها التى تجاهد لالتقاطها نتيجة لتلك الحالة التى عليها
–هشام بيه تعبان اوى فوق ورقم الدكتور مش معايا و..
توسعت مقلتيها بخوف بالغ وازدادت خفقات قلبها ، لم تنتظر ان تتفوه بكلمة أخرى وأخذت درجات السلم بسرعة فائقة لأعلى ، لم تمر سوى بضعة ثوانٍ وكانت امام غرفة والدها التى دلفتها دون استئذان متوجهة نحو سريره الراقد عليه بتعب ظاهر وجلست على طرفه بجانبه لتقول مستفسرة بانفاس متسارعة ودموع حبيسة بعينيها
–مالك يا بابا حاسس بإيه ؟
فتح عينيه وهو يقول بانفاس متهدجة ونبرة صوته ضعيفة للغاية
–مش قادر اخد نفسى يا رفيف ، كلمى الدكتور بسرعة خليه ييجى
أومأت برأسها عدة مرات ونهضت لتردف بربكة وهى متوجهة نحو الخارج
–ححاضر.. حاضر هروح اكلمه اهو ارتاح انت بس
ذهبت غرفتها بخطوات لم تخلف أثرا لها بالارض لخفتها ، التقطت هاتفها من فوق مكتبها وقامت بالإتصال بطبيب والدها واخبرته بحالته والمجئ فورا ، وضعته مجددا بمكانه على المكتب وكادت تغادر عائدة لوالدها حتى تذكرت "مجد" امسكت بهاتفها وجاءت برقمه واجرت اتصالا به وانتظرت ان يجيب ولكن انتهت المكالمة كالعادة فى الآونة الآخيرة دون رد لتطرأ برأسها ان تبعث له برسالة تخبره بتعب والدهما المفاجئ ، وبالطبع قامت بإرسالها وتركته وتركت الغرفة كلها عائدة لوالدها فحالته تلك تكاد تخلع قلبها من مطرحه
❈-❈-❈
كعادته طوال الشهرين الماضيين جالس فوق مقعده بغرفة مكتبه بشركته بشرود تام ، كان يعتقد ان بذهابه بعيدا عنها سيتسنى له نزع عشقها من قلبه ، سينتشل من داخله تعلقه بها ، وسيحرق احتياحه إليها ويحوله لرماد ومن ثَم يزج بهم جميعا فى الجحيم ، ليعود حينها إلى سابق عهده ذلك الكيان الجافى المتجرد من جميع المشاعر الإنسانية -حتى إن كان ظاهريا- الصلب الذى لا يتأثر بأى شىء ولا بأى شخص كان يتوقع ان الأمر سيأخذ منه بضعة ايام ولنقل اسبوعين شهر بأقصى حد وها هو الآن لقد مر على سفره شهرين كاملين ولم يحدث أى شيئا مما رتب له بل على النقيض لقد زاد عشقه لها بداخله يشتاق لها حد اللعنة يحتاج كل إنش به لها ، لم يتوقع ذلك الفشل الذريع لقد أخفق عقله هذه المرة ، ولكن ذلك القلب المتمرد عليه وعلى المنطق الذى لطالما حاول اقناعه به عقله والذى لم يقتنع به يوما ، ليأتى هو وبمنتهى الغدر يضع به عشقا واحتياجا ويغلق عليهما بقوة ويأبى إخراجهما مهما كلف الأمر حتى إذا وقع مع هذا العقل بمشاداة حامية لن يتراجع ، ولما يتراجع إذا وقد تفوق عليه وانتهى الأمر واثبت ضعف عقله بعد كل تلك السنوات مقارنة به ، ولكن هل هذا ما اراده منذ البداية ان يجعله عاشقا هاربا مِن مَن عشقها هل هذه قوته ، لمَ لم يفرض عليه العودة إذًا والتنعم بالعيش بجانبها وبين احضانها بالقرب من دقات قلبها التى يتيقن انه اصبح يخفق فقط من أجله ، ولكنه إذا عاد هل سيتعهد له بعدم جرجه يوما ، بعدم تركها له ، هل سيجعل القدر غير قادرا على سلبها منه متى أراد كما فعل معه بالماضى البعيد والذى هو سبب رئيسى بما اصبح عليه الآن
هذا التناقض بداخل رأسه والجدال المحتد بين عقله وقلبه ولا يكفا عنه يبعثراه لأشلاء ، لم يعد بمقدوره التحمل أكثر ، كان ينوى العودة إليها بعدما يتأكد انه لم يعد بداخله عشقا لها ، ولكن كيف !! ، كيف يريد العودة وبذات الوقت يريد نزع مشاعره تجاهها من داخله ، أأحمق ذلك العقل أم هو متآمر عليه هو الآخر كما قلبه ، ما يريده يتنافى تماما مع المنطق بعيدا كل البعد عن الواقعية ، إذا كان يريد لذلك العشق أن يتبدد من قلبه لَمَا رغب بعودته إليها ، أيرغب بها هو الآخر أم ماذا ، أغمض عينيه معتصرهما من ذلك التشتت الساحق ، لمَ كل هذا العذاب لمَ لا يقتنع ان عشقها أصبح كدماءه يسرى بعروقه إذا فكر يوما بنزعه سيلقى حتفه ، أصبح بكل وهن وضعف واقف بالمنتصف بين عقل رافض وقلب راغب ، وهو المشتت بينهما كلما خضع لإرادة أحدهما يعنفه الآخر ليتبع هواه حتى يفعل ليأتى الأول ويذكره بما لا يريده ويعود إليه ذليلا وتُعاد الكرة من جديد ، ليصبح على ما عليه الآن كيان صلب لا يقهر من الخارج بينما من الداخل مهشم كل ذرة به ، ألن يرحمه عقله ولو قليلا ليرأف حتى قلبه به ، إذا كان ذلك العقل قاسٍ منزوع الرحمة منه هل سيصبح قلبه مثله
لمح هاتفه الموضوع فوق المكتب امامه ينير دون صوت لتفعيل وضعية الصامت به لرغبته بعدم إزعاج أحد له ويحظى ببعض الهدوء الذى لم ولن يهنأ به كلما بقى على حالته تلك ، التقط هاتفة بلا مبالاة ليلقى نظرة على مكالماته الواردة إذا كانت هى واحدة منهم ، لم يخلف بوعده لها وكان يحادثها من حين لآخر محاولا إقناع عقله بأن ذلك امرٌ عادىٌ وملزم به كونها زوجته ولكن فى قرارة نفسه كان خاضعا لرغبة قلبه واشتياقه لسماع صوتها الذى لا يعشق وقوع صوتا على أذنه سواه ، وجد عدة مكالمات من أكثر من شخص ولم يجد مكالمة منها بينهم ليزفر وكان على وشك إغلاق الهاتف ولكنه لفت انتباهه رسالة اخته التى كان بمحتواها كلمات أوقعت فى قلبه الرعب والفزع "مجد بابا تعبان اوى وكلمت الدكتور ييجى يشوفه انا خايفة اوى ومش عارفة اعمل ايه ارجوك تعالى متسيبنيش لواحدى انا خايفة يجراله حاجة مش هعرف اتصرف من غيرك" اصابه حالة من الذعر من كلماتها ليجد نفسه بتلقائية يلملم اشيائه من فوق المكتب وهو يأتى برقم "جاسم" اجرى الإتصال ووضع الهاتف فوق المكتب وضغط على مكبر الصوت وتابع جمع متعلقاته لينفتح الخط ويستمع لصوت "جاسم" الحانق وهو يقول
–انا مش مصدق نفسى والله ، مجد باشا بنفسه بيكلمنى د...
–جاسم بابا تعبان هو حاليا فى البيت والدكتور زمانه هناك روح دلوقتى حالا وخليك مع رفيف متسيبهاش لواحدها ، لو حصل اى حاجة اتصرف لحد ما اجى ، انا جاى على اول طيارة
قاطع كلماته متحدثا بجدية بالغة ثم انهى المكالمة دون سماع رده وحمل متعلقاته وغادر المكتب ألقى عدة كلمات مقتضبة لسكرتيرته فى طريقه يخبرها انه مغادر وان تبلغ المدير العام الخاص بالشركة ان يتولى إدارتها مجددا ترجل من الشركة دالفا داخل سيارته وادار محركها على الفور متوجها نحو المطار يتضرع إلى الله ألا يصيب والده أى مكروه
يُتبع . . .