-->

الفصل الثاني عشر - ظلام البدر - دجى الليل

  

 

الفصل الثاني عشر

 

لماذا ينتظرها؟ أيشعر بالشفقة على تلك الحثالة؟ تلك المستغلة لن تذهب من تحت يداه إلا بعد أن تتعلم جيداً كيف تعبث مع عائلته!

"بقوا اربعتاشر دقيقة"

صاح بصوته محذراً اياها لتأتي بخطوات خائفة وأسدلت شعرها بجانب عيناها كي لا تراه ليجدها تحمل ملابسها التي كانت ترتديها المبتلة وملتفة بمنشفة صغيرة

 

"ملقتش اي حاجة انضف بيها"

 

همست وهي تنظر للأرض

 

"هنضفها بهدومي"

 

تحدثت في همس ورعب لتستمع لأنفاسه الغاضبة وهو يتوجه نحوها بغضب عارم ليُكلمها متوعدًا بغلٍ شديد

 

"بت!! انتي هنا زيك زي الكلاب، غوري قدامي نضفي اللي هببتيه"

جذبها من شعرها لتقع أرضاً على ركبتيها وهي تصرخ وتبكي من كل تلك الإهانة التي لا تعلم متى ستتوقف وبدأت في تنضيف الدولاب والأرضية بسرعة خوفاً مما قد يفعله معها مجدداً.

 

هذا هو ما تستحقه كل إمرأة شابهت والدته المستغلة الحقيرة، هذا كل ما تستحقه من تتلاعب بالرجال من أجل الأموال، لا لن يعاملها سوى بما تستحق، أيا كان ما ستقوله وحتى ولو بكت بدل الدموع دماءا لن يرأف بها ولن تملك الشفقة على قلبه من سلطان تجاه إمرأة مثلها دلفت بين عائلته لتزعزع استقرارها، لن يسمح أبدا لتلك العائلة بأن تتذوق طعم المرارة التي تذوقتها منذ سنوات بسبب العاهرة التي انجبته.. لن يسمح لتلك الفتاة الصغيرة بأن تفعل مثل ما فعلته والدته يوما ما..

 

بالأمس كان صغيرا مرتعدا من والده ولم يستطع الدفاع عنهم جميعا من بطش والدته أما الآن فهو رجل يستطيع فعل الكثير ليصد عن هؤلاء الذين لا يملك سواهم مكانا بقلبه أي ضرر أو شر قد يتعرضوا له!

 

جلس خلفها يشاهدها وهي تقوم بالتنظيف بمنتهى الغضب وهو يسحق أسنانه في انفعال وعصبية ملتقطا أنفاسه المتسارعة بعد أن ومض بعقله ذكريات مريرة لا تتصف سوى بالسواد ولا يزال ممسكاً بحزامه الجلدي ثم للحظة ذهب عقله بمكان آخر تماما ليتذكر منظرا مماثلا لها وحاول بصعوبة أن يتحكم بتلك بما يشعر به كلما تفقد وتمعن بمنحنياتها التي تظهر بعفوية دون أن تقصدها..

 

"اعمل اللي انت عايزه، أنا قابلاه كله، بحبك زي ما أنت واستحالة أبداً أقولك لأ على حاجة"

 

"ليلي!! بطلي اللي أنتي بتعمليه ده، مش هيوصلك لحاجة أبداً وقوليلي يا بدر وانسي انك تكوني زيهم" 

 

تحدث في انفعال وهو يشيح بنظره عنها ليجدها تقترب أسفله وتتوسل له

 

"أرجوك.. أنا حابة ده معاك، حابة أكون ليك زي ما بتحب، أنا بحبك أوي، لو موتني مش هاشتكي"

 

"ابعدي عني وانسي الكلام اللي بتفكري فيه ده"

 

نفض يدها من على قدميه ليشعر بصوت نحيبها

 

"طيب ليه؟ ليه مش عايز تديني الحق ده؟ هو أنا مستاهلش إنك تعمل معايا زي ما بتعمل مع الستات التانية، أنا موافقة على أي حاجة أنت عايزها، حتى لو هعيش تحت رجليك طول عمري، بلاش تبعد عني أكتر من كده، أنت قولتلي إنك متعلق بيا ومش هاتبعد عني و.."

 

"قولت.."

 

قاطعها بقسوة وأنفاسه تتثاقل بغضبٍ مما تدفعه لفعله

 

"قولت إني مش هابعد لكن استحالة أعمل معاكي زي ما بعمل معاهم، هم حاجة وأنتي حاجة تانية"

 

تحدث بعصبية وهو يسحق أسنانه محاولًا كظم غضبه الذي لو لحق بها لن يكون الأمر عليها هينًا

 

"أنا عايزاك وقابلاك بكل اللي بتعمله، عايزاك تديني الفرصة اني أكون تحت رجليك مش بس حبيبتك ومراتك.. سيبلي الفرصة دي، جربها معايا ولو لمرة واحدة بس"

 

توسلت له ليخلل شعره الفحمي الطويل بإنزعاج

 

"ماشي يا ليلي.. أنتي مصممة بردو مع اننا اتكلمنا في الكلام ده كتير بس حاضر أنا هوريكي أنا بعمل فيهم ايه، مرة واحدة بس، ولو اشتكيتي عمرها ما هتتكرر تاني"

 

كلمها مستسلمًا لما تريده هي على مضض ليلتفت لها وهي تنظر له بأعين متوسلة امتلئت بالسعادة من قراره ثم صفعها بقوة ليرى الدماء تتطاير من فمها وتسقط هي أرضاً لتحاول بعدها التقرب من حذاءه لتقبله في امتنان

 

"شكراً يا سيدي"

 

شكرته لتتثاقل أنفاسه وهو ينظر إلي كل تفاصيلها التي عشقها وأمسك بحزامه 

 

"لفي واركعي على الأرض"

 

آمرها لتمتثل أوامره بينما هو يحاول أن يهدأ من نفسه ويسيطر على ذلك الجموح بداخله وهو لا يدري كيف له أن يكون رقيقاً معها فهي زوجته التي يعشقها والوحيدة التي وجد بعناقها ما يريح آلام سنوات.

 

لم يشعر بنفسه وهو يجلدها لتصرخ نورسين آلماً وتبكي وهي لا زالت تقوم بتنظيف ذلك الدولاب ولم تتوقف شهقاتها للحظة وآثارها تنعكس عليها في ارتجافات متتالية.

 

لماذا يتذكر ليلي الآن؟ ما الذي يحدث له؟ لماذا يشعر بذلك الإلحاح بأن يقوم بإدماء نورسين؟ يريد أن يرى بشرتها الحليبية الناعمة للغاية وآثار غضبه مرتسمة عليها، يريد أن يصنع منها لوحة بديعة بألوان دماءها الحمراء ويستمع لصراخها المتتالي ولكن لا، هو لا يريدها له، هو يعاقبها على استغلالها لعائلته. هي ليست بليلى، ولن تكون ولن يُصبح هناك إمرأة بحياته بعد ليلى أبدا!

 

"ناقص تمن دقايق يا كلبة"

 

تكلم مُحذرًا بعد أن نفض ذلك التفكير من رأسه وهو يراقب تحركاتها بأنفس متثاقلة غاضبة للغاية.

 

حاولت هي أن تجفف دموعها التي لا تستطيع الرؤية من خلالها بمسح وجهها بذراعها وهي تُسرع خوفاً من أن يضربها ثانيةً أو أن يفعل بها شيء آخر والهلع التام يُسيطر عليها ولا تصدق كل ما يحدث حولها وشعرت وكأنها بكابوس حتما وستستيقظ منه عما قريب.

 

نهضت مسرعة للحمام حتى تنظف تلك الملابس التي امتلئت بالقاذورات ثم عادت مرة ثانيةً أسفل نظره لتقوم بتنظيف المتبقي وهو لا يزال يراقبها بنظراته المتفحصة الثاقبة وكادت أن تنهض مجدداً ولكنه أوقفها

 

"بت أنتي نسيتي انك حيوانة هنا ولا ايه؟ تروحي اي حتة وأنتي ماشية على ايديكي ورجليكي زي الكلاب"

لم تتصور أن اهانته قد تصل لهذا الحد ورفعت عيناها الزرقاوتان لتقابل عيناه المعتمتان وتهاوت المزيد من دموعها ليتوجه نحوها غاضباً

 

"كمان يا بت بتبصيلي؟ ايه هتربيني يا روح امك"

 

صرخ بها ثم تهاوى بضربة شديدة عليها لتصرخ هي بشدة حتى شعرت بجرح حلقها

 

"قدامي على الحمام"

 

آمرها ليبالغ معها بالمزيد من الجلدات على ظهرها لتفر هي على أربع لتنظف قطع الثياب وهو خلفها لازال يكيل لها المزيد من الجلدات وصراخها وبكائها لا يتوقف.

 

"ناقصلك اربع دقايق يا واطية"

 

لا زال يجلدها وهي تصرخ وتبكي حتى وصلت إلي الدولاب مرة ثانية

 

"كفاية.. ضرب.. أرجوك.."

 

توسلت له وصوتها يكاد ألا يُسمع في هلع وصدمة شديدة لم يستطع عقلها الصغير أن يواكبها وذعر منها بسبب ملامحه ليقهقه في تمرد وشر

 

"ده أنا هنسيكي اسمك واعرفك يعني ايه تلعبي بقذارة مع عيلة الخولي، نضفي يا بت" 

 

صرخ بها وكرر فعلته بقسوة وشهقاتها وخوفها لا تتركها كي تُركز في اي شيء فهي لم تُضرب من قبل بحياتها، لم تُعامل بشدة، لم يزجرها حتى أحد وتأتي فجأة لتُقابل كل هذا العذاب فهي لم تعد تحتمل وودت لو ماتت الآن بدلا مما يحدث لها.

 

تذكرت والدتها لتتوقف يدها عن العمل بل وتوقف بُكائها، كم كانت لينة معها، كم كانت عطوفة وتعاملها بحنان وطيبة ولين حتى عندما كانت تُخطأ لم تعنفها أبداً..

 

"ما تخلصي يا روح أمك ولا عايزاني أعرفك مقامك أكتر من كده؟" 

 

صرخ بها عندما رآها تتوقف عن التنظيف وجلدها مجدداً لتلتفتت له متحاملة على نفسها وعلى آلامها التي فتكت بها

 

"آه.. عايزاك تموتني عشان اروح لماما، أنا معملتش حاجة لكل اللي بتعمله فيا ده، حرام علـ.."

 

تعالي صوتها وعيناها تحولت للحمرة الشديدة من كثرة البُكاء الذي لا تستطيع أن توقفه وهي في حياتها لم تكن تتوقع أنه تُصاب بمثل هذا الكابوس الذي يستمر بحياتها دون توقف

 

"وكمان بتعلي صوتك" 

 

صرخ بها ليترك حزامه وأنهال عليها بالصفعات المتتالية حتى سقطت أرضاً

"حرمت عليكي عيشتك"

 

أكمل صفعاته وهي شهقاتها تتعالى وتحاول التحدث بكلمات لا تُسمع ولا تُفهم من كثرة بكائها وهي تزحف أرضاً لتحتمي بأي شيء من ذلك البطش والقسوة التي لم تظن أنهما متواجدان في واقع هذه الحياة ولكن دون جدوى ولم تجد من يحميها منه بينما هو تحول لشيطان هائج لا يرى ما يفعله ولا يعلم أين تقع يداه بتلك الصفعات ثم أمسك بشعرها وآخذ يصفع رأسها أرضاً مرة ثم مرة وفي المرة الثالثة توقفت تماماً عن البكاء وتحولت بين يداه لتُصبح جثة هامدة لينظر لها بين يداه وهو يحاول أن يتنفس بروية وابتلع على مضض!!

--

 

مسح جبينه من كثرة تعرقه ثم ترك العصاة أرضاً بعد أن تمزق حزامه لشدة الضربات ونظر لتضررها الدامي من شدة ما فعله بل وانسابت بعض الدماء منها ليبتلع في كراهية تجاه نفسه وهو يلهث من كثرة ما فعله ثم أجبرها أن تلتفت له لينظر بتلك العسليتين في خوف من ردة فعلها وأنفاسه متثاقلة وتقابلت قتامة عيناه بعينيها في تردد ليتلمس أسفل ذقنها على وجل

 

"مبسوطة باللي عملته فيكي؟ مبسوطة بكل ده!! إياكي اسمعك بتقـ.." 

 

تحدث بأنفاس متلاحقة لاهثاً قاطعته لتخفض يده ممسكة بها فتعجب وتابع ما تفعله ليجدها توجهها نحو الدليل على عدم شعورها سوى بالرغبة ليُدرك ما تعنيه ونظر لها في دهشة مُقطبًا جبينه بنظراتٍ متسائلة بتعجبٍ منها بينما هي تقابله بنظراتٍ مؤكدة على قبولها وابتسامة مُنهكة!

 

"قولتلك إني بحبك.. واللي عملته فيا مضايقنيش بالعكس ده.. أنت عارف قصدي ايه!!" 

 

ابتسمت واخفضت رأسها ثم أمسكت بيديه لتقبل كل واحدة منهما على حِدَةٍ ليجذب يده ثم نظر لها ملياً وهو مندهش وتزايد ثقل أنفاسه

 

"بصيلي" 

 

آمرها ففعلت ليصفعها على وجهها ليتهاوى وجهها وشعرها الطويل ثم استعادت توازنها مرة ثانية لتعود وتنظر له مثلما آمرها منذ ثوان ليفعلها مرة ثانية!!

 

صفعها مراراً وتكرارا وبدأت قوة تحملها في التناقص لتآخذ خطوات للخلف بينما تبعها هو للأمام حتى وصلت لتقابل الجدار بظهرها المجروح آلماً لتنظر له بينما هو حاوط عنقها بيده وتحدث بين أسنانه المتلاحمة هامساً بجانب أذنها

 

"مبسوطة يا بت؟!"

 

سألها لتومأ له بالموافقة 

 

"ردي يا ليلى!!"

 

همس بأذنها ثم لثمها بين أسنانه ليفترسها بعنف بينما صرخت هي

 

"أوي.. أرجوك بلـ.."

 

"هشششش.."

قاطعها بينما رفعها لأعلى ليحصل عليها وهو لا يُصدق ما يفعله ولكن هذه المرحلة التي اوصلته إليها كان يصعب عليه التراجع بعدها .. ثبتها وهو لا يزال محاوطاً عنقها ولم تتوقف هي عن الصراخ في آلم تقبلته كي لا يذهب لإمرأة أخرى وتمنت لو تخلى هو عن كل ولكنها تعشق زوجها ولن تستطيع أن تتركه ليحصل على ما يريده بين يدي إمرأة أخرى!

 

أراحها أمامه وهو يتفقد أين بداية خط الدماء هذا الذي انساب على عنقها ليتفحص رأسها ثم تنهد في هدوء بعد أن وجده مجرد خدش ليس إلا، وهو يسعى جاهداً أن يتوقف على تذكر ليلى وذكرياتهما معاً وهو يتعجب من نفسه بشدة، لا يدري لماذا تذكر الآن أول مرة اختبر ساديته معها!

 

أزاح شعرها الحريري الناعم بعيداً عن جبينها ثم تفحصها أمامه وبدأ في تمرير أنامله على وجهها المتورم بسبب صفعاته ومجريان دموعها التي وكأنها لن تتوقف أبداً ثم تمتم في نفسه متسائلاً 

 

"لما أنتي صغيرة ومش قد اللعبة الزفت دي عملتي كده ليه؟! بس يالا.. جيتيلي على الطبطاب وتستاهلي كل البهدلة دي"

 

أنخفضت أنامله بصحبة انظاره لحذعها بنا يحتويه من انوثة مهلكة فهو لم ير مثلهما بحياته، حتى ليلى لم تمتلك هذا القدر من الفتنة!! لُعنت تلك الصغيرة، لماذا يقارن بينها وبين ليلى، لا يليق له حتى أن يقارن بينها وبين حذاء زوجته الراحلة!

 

لم يدر بنفسه وعقله يُخيل له معانقة ما سقطت عليه عينيه في لين وازدرد بوجل وهو لا يدري لماذا يفعل ذلك ويحثه عقله على هذا التفكير لينهض مسرعاً ويخلل شعره الذي اكتسب طولاً ملحوظ وحاول الهدوء والسيطرة على عقله.

 

توجه للخارج ليحضر مياة وثلج من المبرد ثم مرر الثلج على وجهها ليقل هذا التورم ثم بعد أن انتهى امسك بالزجاجة ونثر المياة عليها لتستيقظ شاهقة.

 

نظرت له في رعب وبدأ الشعور في العودة إليها مرة أخرى لتشعر بصداع لعين وجسدها يكاد تحترق من كل تلك الجلدات وتذكرت عنفه معها منذ قليل لتزحف للوراء في ذلك السرير وتجمعت الدموع بعينيها الزرقاء ونظرت له خوفاً في توسل.

 

"ارجوك بلاش ضرب كفاية.. كفاية أنا عمر ما حد ضربني.. أنا معملتش حاجة لكل ده"

 

 توسلت له وهي تبكي وترتجف من شدة البُكاء والرعب ثم أخذت احدى الشراشف تحاوط بها نفسها ليقترب هو منها مستنداً بركبة ساقه لتتكور هي على نفسها دافنة وجهها في الغطاء وتصرخ في توسل

 


"بلاش ضرب تاني والنبي.. هاعمل كل اللي تقول عليه بس من غير ضرب.. اللي انت عايزه هنفذه.. ضرب تاني لأ.. بلاش"

 

 اجهشت بالبكاء وهي تموت بداخلها رعباً ليبتسم هو لمظهرها الخائف

 

"بقا هتعملي اي حاجة انا اقول عليها" صدحت ضحكته عالياً في شر 

 

"ماشي.. مش هضربك.. بس بكرة ترجعي تتحايلي عليا اني اضربك.. انا هعلمك ان الضرب اهون حاجة.. قومي كملي تنضيف" 

 

همس بالقرب من وجهها ثم نهض ليلقي عليها اوامره

 

"طول ما انتي معايا هتفضلي كده بالبشكير ده، تمشي زي الكلبة على ايدك ورجلك، مسمعلكيش نفس، انسي انك تتكلمي غير لما اسمحلك.. متبصليش غير لم اسمحلك.. وكل اللي اقولك عليه يتنفذ بالحرف، ويومك اسود لو اعترضتي على حاجة!" 

مد يده ليصفعها بعنف 

 

"مكانك على الأرض يا حيوانة.. سامعة ولا اقول تاني؟!" 

 

صرخ بها لتهز رأسها وفرت بسرعة للأرض فهي تظن أنها إذا امتثلت آوامره سيكف عن ذلك التعذيب ولكن هي لم تعرف من هو بدر الدين الخولي بعد!

 

"تمشي زي الكلبة تنضفي القرف ده لغاية ما اقولك كفاية" 

 

أومأت بالقبول ودموعها تتهاوى في صمت وآخذت تفعل ما آمر به حتى انتهت بعد حوالي نصف ساعة.

 

كان جالساً يشاهدها كلما تحركت وخوفها الذي جعله يحلق في السماء منتشياً للغاية وارتجافة جسدها خوفًا ورعبًا اسفل عيناه الثاقبتان جعلته يشعر بسعادة عارمة لإصابتها بهذه الحالة التي اصبحت عليها.

 

نهض ليتجول وهي تحاول أن تلاحظه ثم اقترب بخطواته منها لترتجف في رعب مما قد يفعله معها وآخذ تفكيرها يصرخ أسيضربها مجدداً أم ماذا!

 

جعلها أسفل قدماه المتباعدتان لتلاحظ كلا منهما على يمينها ويسارها فابتلعت وجلاً وتهاوت دموعها في صمت.

 

نظر ملياً بعد أن شعر بالرضاء عما فعلته ليهدر صوته الرخيم 

 

"كفاية كده" أخبرها ثم ابتعد ليعود للجلوس على الأريكة بالغرفة ليآمرها منادياً 

 

"تعالي هنا تحت رجلي!"

توجهت له على يداها وقدماها بذلٍ ثم انتظرت ماذا يريد منها وهي خائفة وشهقاتها لازالت تتابع بين الفينة والأخرى من آثار بكائها الحاد.

 

"بصيلي!" آمرها ففعلت في خوف وتردد ليبتسم نصف ابتسامة في تشفي وراحة

 

 "احنا راجعين بكرة.. هتقولي بقا كنا فين؟!" تريث للحظة لتتحدث هي

 

"معرفش" همست مُجيبة بتلقائية ليضحك في تهكم

 

"يا غبية يا متخلفة أنا قولتلك تردي ولا تفتحي بوقك؟!" مرر سبابته وإبهامة على شفتاه وآثار ضحكته لازالت ترتسم عليهما لتشعر هي بالرعب وتوقعت صفعة مجدداً من صفعاته التي لا تنتهي فتقهقرت للوراء ليُكمل هو 

 

"هوريكي حاضر!! بس انتي قولتي مش عايزة ضرب مش كده؟!" نظر لها في خبث مُضيقاً عيناه ثم امتدت يده لجيبه ليخرج عملة معدنية ونهض آمراً اياها 

 

"تعالي ورايا"

 

توجه ليتوقف أمام احدى الجدران وألقى نظرة عليها ثم ابتسم بتهكم "قومي" آمرها ففعلت ثم وضع القطعة المعدنية على الجدار في مستوى وجهها ليدفعها أمامها تماماً لتقابل أنفها وترك العملة المعدنية لتتثبت بفعل أنفها

 

"خليكي بقا ماسكالي دي زي ما انتي كده، واياكي تقع أو تتحرك.. وطبعاً لا هتتحركي ولا هتلمسيها بإيدك.. قدامك ساعة ونص!!"

 

 آمرها ثم تركها وتوجه للأريكة بينما هي اندهشت مما سمعته وتهاوت دموعها في صمت 

 

"متنسيش انك قولتي مش عايزة ضرب، ولو كلامي متنفذش هابهدلك!!" 

صاح بصوته الذي بدا كالرعد الهادر لتتهاوى دموعها أكثر وبدأت في الشعور بوجع عنقها وقدماها لا تستطيعان أن تحملاها بعد كل ذلك..

 

آخذ يستمع لتلك المكالمات التي ذهبت للبريد الصوتي الذي وصله على هاتفه وهو يلعن نورسين بداخله، لديه طناً من الأعمال ولا يستطيع فعل العديد من الأمور بسببها هي فقط..

 

مرت حوالي نصف ساعة وهو يُفكر بما عليه فعله من أعمال كما عليه أن يتفقد بريده الإلكتروني من أي حاسوب قد يجده بهذا الفندق وهو لا ينفك يتابعها بعينيه الثاقبتان ويلاحظ تأثر قدمها وعنقها من تثبيت العملة المعدنية بتلك الطريقة ليبتسم في تشفي وانتصار وترك هاتفه وأراح جسده في الأريكة مستنداً بذراعيه يميناً ويساراً مباعداً بين قدماه وظل يتابع شقاءها بمنتهى التلذذ والإستمتاع!

 

قام بعد عشرة دقائق أخرى متوجهاً نحوها لتشعر هي بإقترابه وتعالت أنفاسها المرتبكة في رعب من مجرد اقترابه منها وبدأ في الهمس بجانب أذنها

 

"قولتلك بقا كنا فين؟!! كنا في لندن!!" سكت للحظة ثم أكمل 

 

"موبايلك فين؟! ردي المرادي على قد السؤال!!" سألها وسمح لها بالحديث

 

"نسيته في البيت!" همست ليهز رأسه في تفهم

 

"هاكلم شاهندة دلوقتي وهديهالك تكلميها، اياكي تحسسيها بحاجة، فاهمة؟!" 

همس مجدداً وهي ترتعد من أنفاسه الساخنة التي تلفح عنقها 

 

"ما تردي يا روح أمك!" صاح بصوته الرخيم ليرتجفا كتفاها في خوف هائل

 

"فاهمة" رددت مُجيبة

 

"شاهي عاملة ايه يا حبيبتي؟!"

 

"ده ايه الجمال والحلاوة والمزاج الرايق ده كله؟!" 

 

ردت شاهندة متعجبة عندما أجابت مكالمته التي فعل بها مكبر الصوت لتستمع نورسين لكل ما يدور بالمكالمة

 

"شوفتي بقا، أخباركم ايه؟!"

 

"كله تمام، كريم بقا أحسن شوية، وهديل كمان، انتو راجعين امتى؟!"

 

"بكرة على بليل كده يمكن نوصل على اتناشر ولا واحدة.. خدي كلمي" 

 

أومأ لها وهي لازالت ممسكة بأنفها تلك القطعة المعدنية وأعصابها بأكملها تصرخ آلماً ولم تعد قادرة على التحمل ولكنها أجبرت نفسها خوفاً من ضربه اياها الذي لم تستطع تحمله ولن تستطيع أن تواجهه مرة أخرى

 

"شاهي.." 

 

همست وشارفت على البكاء ولكنها ابتلعت تلك الغصة المُرة بحلقها وحاولت التحكم في مشاعرها وبأي صوت قد يصدر من بين شفتيها قدر الإمكان!

 

"حبيبة شاهي.. صوتك بعيد ليه.. وحشتيني اوي! كده يا جبانة موبايلك مقفول ومش عارفة أوصلك من يوم ما سافرتي؟!" 

صاحت شاهندة في لهفة

 

"أنا.. نسيته.. أنا آسفة" 

تلعثمت وهي تجيبها لينظر لها بدر الدين نظرة محذرة مرعبة بالكاد رآتها فهي لو تحركت ستسقط القطعة المعدنية لتشعر بالذعر

 

"حبيبتي متتآسفيش أهم حاجة إنك بخير!! أنتي كويسة يا نور؟ ناقصك حاجة عايزاها؟ بدر بيعاملك كويس؟!"

 

"كله تمام.. متقلقيش"

 

 اجابت في وهن ومنعت نفسها أن تبكي وهي تنظر له في قهر من مجرد سؤال شاهندة الذي جرحها أكثر حتى مما فعله بها وبنفس الوقت لا تزال تحافظ على عدم تحرك تلك القطعة المعدنية لتلاحظ شاهندة نبرتها الغريبة ولكنها لم تود أن تفاتحها في الأمر الآن وهي بداخلها تدعوا أن يكون هذا من الإشتياق لها ليس إلا

 

"بكرة بقا أول ما تيجي صحيني حتى لو كنت نايمة.. اتفقنا؟"

 

"حاضر يا شاهي.."

 

"يالا تصبحي على خير يا حبيبتي.."

 

"وانتي من أهلـ.." أنهى بدر الدين المكالمة ليقهقه ساخراً بينما تهاوت دموع نورسين في وهن وتعالى نحيبها

 

"بت أنا بعاملك ازاي؟ ردي عليا" 


صاح ساخراً وبنبرة امتلئت جنوناً وتشفي من تعذيبها

 

"كويس.."

 

"كنتي مبسوطة بسفرية لندن مش كده؟!" سألها ليعلو صوت بكائها

 

"ايوة مبسوطة"

 

"ورحمة ابويا لو شوفتك جنب كريم هخلي عيشتك سودة ومش بعيد أموتك!! سامعاني يا بت؟"

 

"سامعة"

 

"يالا خليكي واقفة زي الكلبة كده واياكي تتحركي سنتي واحد وإلا هاموتك من الضرب!!" 

 

صاح بصوته الهادر ثم تركها وتوجه خلفها وهي لا تدري إلي أين هو ذاهب وتاركها وهل سيعلم إن تحركت أم لا!!

 

شعرت بالرعب الكامل وقررت أن تظل واقفة كما هي خوفاً من أن يعلم بتحركها، تشعر وكأنها أقتربت من التهاوي والسقوط بأي ثانية الآن، أما عنقها فهي لا تشعر بها، لقد تخدرت تماماً عن الإحساس.. ولكنها ستُكمل فلربما هو وراءها وهي لا تعلم، وربما دخل الغرفة ثانيةً دون أن تدري وربما هو بالشرفة ولكن الذي تتأكد منه أنه سيؤلمها إذا عصت ما آمرها به!

--

توجه لجناحه بعد أن علم أنه يُعذبها الآن نفسيا وبداخله ثقة أنها لن تتحرك وارتدى ثياباً نظيفة بعد أن استحم ثم توجه مرة بالغرفة التي يحتجزها بها ليصور لعقلها أنه لا يزال يراقبها، وكذلك سيفاجئها ما إن تحركت حقا سيريها أشد العذاب، ودلف بهرجلة ليصنع ضجيجا خلفها بخطواته ولكن ما أدهشه هو عدم تحركها وامتثالها ما آمر به ليمتلئ بالثقة أنه بات يُرعب أوصرها الآن فتركها وتوجه للأسفل ليحضر بعض الطعام لهما سوياً فهو لا يريدها أن تموت ولا تفقد وعيها، عذابها معه لم ينتهي بعد، هو مستمتع بكل ما يحدث للغاية خاصة وأنه يرى بها نفس استغلال تلك العاهرة التي ولدته!!

 

ابتاع الطعام وبعض الملابس النظيفة لها وبعض العلاج لوجهها وعيناها اللتان تحولتا للحمرة الشديدة، فهو لا يريد أحد أن يعلم ما حدث لها، ليس قبل أن يشعر بأنه آخذ كفايته من عذابها وعقابها على ما فعلت!!

 

شعرت بحركة خلفها مرة أخرى لتبتلع في وجل وهي لا تعرف ما الذي خطط له ولا يفعله وتسللت رائحة الطعام الشهية لأنفها بينما توجه بالقرب منها لتحس به ثم فجأة شعرت بشيء ما يمر على كتفها من الخلف حركه هو في تلقائية وهي لا تدري ما ذلك الشيء ليهمس هو

 

"تؤ تؤ تؤ.. متتحركيش لا تتعوري"

 

امرها هامسا بسخرية وكأنه يشفق عليها مدعيا الإكتراث ما أن أذاها لتقرع طبول قلبها في ذعر شديد، مم ستُجرح؟ ماذا سيفعل بها؟ لماذا ينتقل هذا الشيء لظهرها؟ بم يفعلها؟ لماذا يريد أن يجبرها على التحرك؟

 

تعالت أنفاسها في رعب تام مما يفعله وهي تحاول ألا تُسقط العملة، ترتعد موتاً لوجوده خلفها وهي بتلك الهيئة، لا يسترها سوى تلك المنشفة وهي تجاهد ألا تتحرك وقلبها كاد أن يخرج من صدرها..

 

"لا عجبتيني يا بت" 


ضحك بصخب ولهجته المتهكمة قتلت أعصابها

 

"كفاية كده عليكي.. انزلي زي الكلبة يالا وتعالي ورايا" 

 

آمرها وهو يتمشى متباهياً ليجلس على الأريكة وشرع في تناول الطعام بنظام شديد ثم بدأ في التحدث

 

"هتنزلي الشغل عادي، ومفيش كلمة هتخرج من بوقك على اللي حصل، طبعاً مش محتاج أقولك هاعمل ايه فيكي!!" 

 

توقف عن تناول الطعام ثم لامس أسفل ذقنها ليتطلع وجهها الذي بدا متورماً لتتلاقى عيناها الزرقاوتان المحاطتان بالحُمرة لكثرة بكائها والتي عكست حطام إنسان وانعدمت الروح بهما قهرا وذلا

 

"كمادات بقا وقطرة وكريم عشان منظرك المقرف ده"

 

 اهانها بتلك الكلمات لتبتلع غصة حلقها في قلة حيلة 

 

"هتلاقي الحاجة مرمية عندك برا.." صاح لها ثم نظر لها بطرف عينه وألقى لها بعض الطعام بجانب قدمه تماماً

 

"اطفحي" تهاوت دموعها في صمت وتوقفت لبرهة في سخط وهي تشعر بالإهانة المؤذية فهي بشر في النهاية، أيُمكن أن يُعاملها هكذا مثل الحيوانات؟

 

"ها.. نرجع للضرب؟!"

 

 تسائل بلهجة محذرة ليتعالى نحيبها وخفضت رأسها لتفعل ما يآمرها به ونحيبها يتعالى ليجد نفسه يضحك عالياً!!

 

 "لما تحبي ارجع للضرب ابقي قولي" همس بتهكم ثم اكمل طعامه وكذلك هي!

 

انتهى من تناول الطعام ثم نظر لها ملياً وهي تجد صعوبة في التقاط الطعام بشفتاها ليبتسم في تشفي 

 

"لأ.. ده بيتلحس.. عارفة الكلاب بتاكل ازاي؟!" تعالى نحيبها وتجمعت الدموع بعينيها وهي لا تستطيع الرؤية 

 

"اطفحي يا كلبة" آمرها ففعلت في تقزز حتى أنهت الطعام بأكمله الذي اختلط بدموعها المتساقطة..

 

"هتنضفي الجناح وتظبطي كل حاجة فيه واياكي الاقي غلطة.. وهتلاقي عندك لبس برا، ده لبسك لبكرة، والدوا تاخديه ولو حسيت انك بتستعبطي انسي انك ترجعي بكرة.."

 

نظر لها رافعاً رأسه بينما أخفض نظرته بطرف عينه إليها وهو ينظر لها بعنجهية وتعالي وغطرسة لتتلاقي أعينهما وهو يرى الذل الخالص بعينيها وهو يُلقي عليها أوامره بتلك الطريقة اللاذعة ثم شعر بالتقزز من الشعور الذي اعتراه لتوه، شعر وكأنه يريد النظر لذلك الوجه وألا يغمض له جفناً أبداً فأشاح بنظره مُسرعاً ليزجر ذلك الشعور بداخله ويتخلص منه وعقد حاجباه غضباً ثم نظر بساعته وهو يحاول بأعجوبة طرد تلك الشفقة التي مست قلبه من ملامحها وعاد ليُذكر نفسه أنها من بدأت بالخطأ ولم يكن ليؤذيها أبدا لولا ما فعلته..

 

"قدامك لبكرة، الساعة خمسة العصر بالدقيقة اجي أشوف الكلام اللي قولت عليه متنفذ بالحرف والاقيكي جاهزة.. الجناح مقفول بالمفتاح والتليفونات أنا فصلتها.. اياكي أحس بس بحاجة عملتيها احسن أموتك" رمى بكلماته ثم توجه للخارج مسرعاً وغادرها.




يُتبع..