الفصل السابع والعشرون - مشاعر مهشمة
الفصل السابع والعشرون
واقف يستند بجانب جسده على حافة الباب عند عتبة غرفته وهو عاقد ذراعيه ينظر بنظرات تشع هيام وعشق للواقفة أمام المرآة تعدل من هيئتها ليستمع أثناء متابعته لها لصوتها الذى يعتريه الضيق وهى تقول موجهة حديثها إليه وهى تتفحص جسدها المنتفخ قليلا المنعكس صورته بالمرآة وتتحس بطنها التى بدأت فى التكور وبرزت بوضوح من ثيابها
-تخنت اوى مش كده ؟
توجه نحوها ويرتسم على محياه ابتسامة صافية وقام بمحاوطة جذعها من الخلف ممسدا بطنها بيديه بلمسات حانية وأخفض وجهه وقبل عنقها برقة ثم أردف بصوته الرخيم بخفوت بجانب أذنها
-هتفضلى أجمل واحدة فى عينيا يا طيف بكل حالاتك
التوى ثغرها بابتسامة مشاكسة ورفعت أحد حاجبيها وأردفت وهى تنظر لوجهه المنكس بالمرآة المتكئ فوق كتفها وهو مازال محاوطا جسدها
-انت بتجاملنى يعنى عشان بقيت تخينة كدا بسببك
عقد ما بين حاجبيه بعدما استمع لتلك الكلمات الصادرة منها بعدم فهم وكرر كلمتها بتعجب وقد ألتفت بوجهه ينظر إلى وجهها مباشرة وليس بانعكاسه
-بسببى !
التفتت إليه لتصبح مقابلة له وقالت بتأكيد وتبرم زائف وهى تنظر له بخضراوتيها المتوهجتين دائما بلمعة عشقها له
-ايوه بسببك، مش ابنك هو اللى مخلينى آكل كتير واتخن كده
ابتسم نصف ابتسامة متسلية ورفع أحد حاجبيه ثم عقب بخبث
-وهو ابنى لواحدى !، جيبته انا لواحدى يعنى !
انهى كلماته التى تحمل الوقاحة بين طياتها تزامنا مع اقترابه من شفتيها فى نية لتقبيلها لتبتعد هى سريعا كى لا ينجرفا معا فى تيار عشقهما وتستسلم للمساته التى تلعب على اوتار قلبها ونظرت إليه بضيق قائلة
-انت لسه ملبستش يا مجد يلا بقى هنتأخر
سار خطوتين متبعدا عنها فى استجابة وإذعانا لكلماتها ولكنها وجدته على حين غرة عائدا إليها ومحتوٍ شفتيها بين شفتيه فى قبلة شغوفة استمرت لعدة ثوانٍ وابتعد عنها وعلى ثغره ابتسامة متسلية وغمز لها وهو يقول بعبثية
-انا سايبك بمزاجى، بس لينا كلام بالليل لما نرجع
التفت متوجها نحو غرفة الثياب بينما هى اتسعت ابتسامتها من فعلته وكلماته العابثة وقضمت شفتيها وهى تهز رأسها بإنكار ثم عادت أمام المرآة لتتابع هندمة ملابسها وتضع آخر اللمسات بزينتها
❈-❈-❈
فى حين خبت الأضواء قليلا وأصبح وهج الشموع ظاهرا كانت عائلتها محاوطين الطاولة يغنونون لها احتفالا بعيد مولدها الحادي والعشرون وما إن انتهوا من غنائهم الممزوج بضحكاتهم انحنت "أسيف" بجذعها قليلا لتطفئ الشموع وعلى محياها ابتسامة تشع منها سرورها بتجمع عائلتها من حولها ووجود والدها بجوارها والذى أصر على الإحتفال بتلك المناسبة بقصره وتجهيز الحفل بنفسه كما كان يفعل عندما كانت طفلة صغيرة ويقوم هو ووالدتها بترتيبات الحفل معا، صفق جميع أفراد عائلتها عند انطفاء الشموع وتم إضاءة البهو المتجمعين به، احتضنها والدها ضامما جسدها إليه بحنان كانت تفتقر الشعور به أثناء ابتعادها عنه، فرق عناقهما وهو ينظر لها بنظرات أبوية حانية وقال لها بلطف وابتسامة مزينة ثغره وهو يعطى لها علبة زرقاء مخملية
-كل سنة وانتى طيبة يا روح بابا
نظرت له بسعادة تشع من خضراوتيها ومدت يدها آخذة العلبة منه وقامت بفتحها لتجد سوارا ماسيل ملحق به خاتما بنفس شكله لتردف وهى تطالع ذَينك السوار الماسى والخاتم بنظرات إعجاب قبل أن ترفع نظرها لوالدها
-وانت طيب يا بابا بس دول شكلهم غاليين اوى و..
قالت الآخير وهى قاطبة جبينها لينظر لها والدها بلوم وهدر معقبا
-مفيش حاجة تغلى عليكى يا حبييتى، ده اول عيد ميلاد ليكى بعد رجوعك وسطنا ونفسى اجيبلك الدنيا كلها
احتضنته مجددا بحب بالغ وسعادة عارمة لكلماته التى دائما ما تلمس جزءً بأعماق قلبها، بينما اقتربتا منها كل من شقيقتها و"طيف" واعطتا لها هديتيهما والتى كانتا عبارة عن بعض الحلى ذات أشكال رقيقة يليق برقتها اللامتناهية، وبينما هى ترد على تهنئتهما بعيد مولدها رأت "مجد" يتقدم نحوها بابتسامة هادئة مرتسمة فوق وجهه وما إن أصبح قبالتها حتى قدم إليها صندوق صغير ذو شكل راقٍ وهو يردف بتريث
-كل سنة وانتى طيبة يا أسيف
-وانت طيب يا مجد
قالتها بهدوء وابتسامة ناعمة تعتلى وجهها وهى تأخذ ذلك الصندوق والذى اعترى التعجب تعبيراتها حينما فتحته ورأت ما بداخله والذى لم يكن سوى مفتاح يبدو أنه لإحدى البيوت لترتفع بعينيها إليه وهدرت متعجبة
-ايه ده ؟
نظر لها بنظرات لينة استشعرت منها الدفء وأجابها بصوت عميق وابتسامته مازالت معتلية وجهه
-ده مفتاح مرسمك
ارتفع حاجبيها صدمة مما تفوه به ورددت بعدم تصديق وهى على حالتها المشدوهة
-مرسمى ؟!
أومأ لها برأسه بالإيجاب وأردف موضحا
-ايوه، عرفت من طيف انك فى كلية فنون جميلة وانك بتحبى الرسم، وان حلمك من زمان يبقى عندك مرسم، فحسيت ان دى هتبقى أفضل هدية أجيبها ليكى
رمقت المفتاح لجزء من الثانية بسعادة ثم رفعت عينيها ل"مجد" مجددا وتكلمت بوداعة مخبرة إياه
-انا فعلا كان نفسى من زمان اوى يبقى عندى مرسم وبجد مش عارفة اقولك ايه، أنا فرحت اوى بيه
استشعر تبدد ذلك التوتر الذى كان يشعر به منها دائما عندما كانت تتحدث إليه من قبل بل وتبادلها معه الحديث بإرادة تامة منها دون ضغط من ناحيته ما لم يكن يتوقعه ليشعر بفرحة لذلك واجتذب معها اطراف الحديث مطنبا
-لسه كمان لما تشوفيه، انا بقالى أكتر من أسبوعين بظبط فيه وطيف ساعدتنى فى شوية حاجات فيه، وان شاء الله هيعجبك
دنت منه وأمسكت بيده فى ود وقالت بامتنان
-شكرا يا مجد
لم يجد مانعا من ضمها لذا اقترب واحتضن جسدها وقال بحنوٍ أخوى
-مفيش اخت بتشكر اخوها يا أسيف
فرق عناقهما واقترب بوجهه مقبلا جبهتها وافسح المجال بعدها لزوجها المنتظر فى الخلف أن ينتهى الجميع حتى يختلى بها بمفردهما ويعطى لها هديته الذى يتمنى أن تُحدث فارقا عندها، أخذت خطواتها ناحيته عندما وجدته وقف فى تحفز وأردف بابتسامة متسعة مظهرة غمازتيه
-حبيت ابقى آخر واحد عشان مفيش حد ياخدك منى بعدها
ابتسمت له باتساع وظهر وميض الحماس بخضراوتيها لرؤية هديته هو بالتحديد تحرك والتقط ذلك الصندوق المغلف بطريقة رائعة الموضوع فوق الطاولة خلفهما واعطاه إليها لتقوم هى بفتحه وبداخلها تتحرق لرؤية ما بداخله، فكت اربطته ورفعت الغطاء لترى عدة أشياء به أخرجت أحدهم وهى يعتلى وجهها الغرابة بعض الشىء لعدم التعرف على هيئته وأردفت بتساؤل :
-ايه الجهاز ده ؟
احتوى كفها الآخر وأخذ يمسده بإبهامه برقة وأجابها بصوته الرخيم وهو يشع من عينيه بريق العشق مرددا
-ده يا ستى جهاز نسمع بيه نبض البيبى وهو فى بطنك وكمان لما يبدأ يتحرك نقدر نسمع حركته ونقدر كمان نسجل الصوت ونسمعه فى اى وقت
شعرت برجيف قلبها ازداد إثرا لما قاله لتعود بنظرها للصندوق لتخرج منه إطار يوجد بها ثلاث مواضع توضع بكل واحد صورة على حدة، موضع واحد من بينهم فقط يوجد به صورة "سونار" لجنين لتتسع عينيها وفرغت فاهها وتساءلت بعدم تصديق
-دى صورته !، جيبتها ازاى ؟
حاوط كتفيها بذراعه وهما ينظران نحو صورة جنينهما وغمغم بإيضاح مسترسلا وهو يشير على الموضعين الفارغين بالإطار
-طلبتها من الدكتور لما كنا هناك فى المتابعة الآخيرة وقولتلها متعرفكيش، المكانين الباقيين دول كل تلت شهور نحط صورة، ويبقى ذكرى نحتفظ بيها
نظرت له بخضراوتين تشعان بالهيام ودقات قلبها تخبرها بشعور جديد قد ولد بداخلها تجاه ذلك الجنين الذى تحمله بإحشائها ورغبة أصبحت تتحكم بوجدانها لرؤيته، وكل ذلك لم يكن ليحدث لولا مساندة زوجها لها بالعديد من الطرق ليجعل ذلك الخوف وحالة الرهاب الذى كانت متملكة منها تتبدد وتتبخر فى الهواء وتتبدل بمشاعر أمومة توغلت بكيانه أجمعه، فى خضم أفكارها صدح صوته ذو البحة الرجولية جميلة الوقع فى أذنيها قائلا بحب
-ملقتش هدية مناسبة فى الوقت اللى احنا فيه ده أكتر من دى، كل سنة وانتى طيبة يا حبيبتى
كان يوجد أيضا بالصندوق قلادة فضية تحمل أول حرف من اسمها مع صورة تعبيرية على شكل قدم رضيع ملحقة ببطاقة مكتوب بها عبارة بالإنجليزية تعنى "سوف تصبحين أمًا رائعة" وآخر شىء يحويه الصندوق كان حذاء رضيع صغير للغاية جعل قلبها ينتفض لرؤيته، لمعت عينيها بالدموع تأثرا بكل ما أحضره لها وبكل تلك الأحاسيس التى تختبرها بداخلها للوهلة الأولى والتى هو السبب الأوحد لشعورها بها أحتضنته دون مقدمات محاوطة كتفيه بقوة لتلتصق أكثر به دافنة وجهها بعنقه هامسة بتنهيدة ساخنة شعر بحرارتها بعنقه وبنشيج بكائها الذى لم تستطع التحكم به
-بحبك أوى
تعجب "عدى" من بكائها المباغت، أبعدها عنه متأملا وجهها بتفحص ووضع يده أسفل ذقنها رافعا وجهها إليه وقال بتساؤل يتخلله القلق من أن تكون هديته هى المتسبب فى بكائها
-طب بتعيطى ليه دلوقتى ؟
كففت عبراتها التى انهمرت فوق وجنتيها وقالت بصوت ضعيف وهى تهز كتفيها شاعرة بتخبط مشاعرها
-مش عارفة يمكن مش مصدقة لسه ان هيبقى معايا بيبى صغنن مننا احنا الاتنين
التوى ثغره بابتسامة عذبة لسماعه تلك الكلمات التى توحى بنجاحه فى جعلها ترتبط بذلك الجنين، احتوى وجنتيها بين يديها وهدر وهو يطالعها بنظرات متيمة مرددا
-ان شاء الله عيد ميلادك الجاى نبقى بنحتفل بيه وابننا معانا
❈-❈-❈
تسللت من بينهم وخرجت للحديقة حتى يتسنى لها مهاتفته فقد أحست باشتياق جارف لسماع نبرة صوته التى تعشق صداها على سمعها، واضعة الهاتف فوق أذنها منتظرة رده وما إن استمعت لصوته الصادر عبر الهاتف حتى أخبرته بنبرة صوت رقيقة قائلة باشتياق
-وحشتنى
استمعت لضحكته الخافتة والتى صاحبها قوله بصوته العذب
-سايبة عيد الميلاد عشان تقوليلى وحشتنى
همهمت بتأكيد وببسمة صافية أخذت طريقها نحو ثغرها هدرت بصوت ناعم مطنبة
-فى حاجة كمان
سألها باهتمتم متوجسا
-حاجة ايه ؟
تكلمت بخفوت بحب جارف متشعبا فى كيانها ومتملك لكل خلية بداخلها مجيبة إياه
-بحبك
اتاها صوت تنهيدته المطولة التى لفظها على مهلٍ ثم أخبرها بصدقٍ هامسا
-وانا كمان بحبك اوى، ووحشتنى اوى يا رفيف
تابعت بعدما شعرت بالضيق الذى يختلج صدره والذى لم يكن سوى لبعدهما واشتياقه إليها مستطردة بتساؤل
-هتكلم مجد امتى ؟
يعلم مكانة "مجد" عندها وأنها لن توافق على أن يتم أي خطوة بزواجهما دون موافقته وهو كذلك لا يريد لذلك أن يحدث فهو صديقه الوحيد ويريده بجانبه فى أمر كذاك ولكنه لا يدرى كيف يتحدث إليه وهو لا يطيق النظر بوجهه، زفرة حانقة لفظها على عجل تلاها حديثه الذى يعتريه السأم والضجر
-مش عارف يا رفيف حاسس لو روحت كلمته هيتعصب عليا تانى وهيعند أكتر، انا مش عايز نتخانق تانى وفى نفس الوقت اتخنقت ومعدتش متحمل بعدك عنى
تلفتت حولها عندما أحست بوجود أحدهم بالقرب منها لتجد "مجد" بالجوار واضعا الهاتف فوق أذنه يبدو أنه يتحدث لأحدهم لتجده أثناء ذلك يرمقها بنظرة مبهمة ثم انهى مكالمته واستدار دالفا للداخل دون أن يلتفت إليها لتستمع حينها إلى صوت "جاسم" المتعجب من عدم ردها متسائلا
-ساكتة ليه ؟
ابتلعت بتوتر فهى منذ ذلك اليوم الذى أخبرت "جاسم" فيه أن يبتعد عنها و"مجد" يعلم أنها قد أنهت علاقتها به ولا تعلم ماذا سيكون ردة فعله تجاه كونهما مازالا على تواصل ولم تنتهى علاقتهما بالأساس، لتجيبه متلعثمة بعد برهة من التفكير
-مجد.. شكله كده سمعنى وانا بكلمك
لم تجد منه رد على ما قالته لعدة ثوانٍ ولا تدرى أنه خلال تلك الثوان كان يكبت انفعاله العصبى فهو قد نفذ صبره ليس من "مجد" بالطبع فهو لديه كل الحق فى ردة فعله تجاههما ولكن صبره قد نفذ حقا من ذلك الوضع الذى لا يعرف إلى متى سيستمر بذلك الشكل لتجده تكلم بالنهاية بنبرة ارتفعت بتلقائية هادرا
-توتر الأعصاب ده وكلامنا فى السر كأننا بنعمل مصيبة معادش نافع وانا مش هستنى لما يحصل مشكلة تانى مع مجد سواء معاكى ولا معايا، انا فى اقرب وقت هكلمه وهحاول اقنعه مفيش قدامى حل تانى
❈-❈-❈
توجهت لتجلس بجانبه فوق فراشهما بينما كان هو ينهى بعض الأعمال العالقة على حاسوبه والذى كانت تبدو السعادة جلية على وجهه مع ابتسامة تظهر ببن الحين والآخر لينتبه فى خضم ما يفعله على صوتها الناعم وهى تخبره عن إيحاء
-شكلك مبسوط من حاجة حصلت النهارده
رفع عينيه لينظر لها مليا متفحصا تعبيراتها التى علم من خلالها أنها عالمة سبب بهجته ليهز رأسه بإيجاب لها وهو يبتسم برضا وأردف بتأكيد
-انا فعلا مبسوط
تحفزت فى جلستها بعدما أكد لها ما لاحظته عليه منذ تحدث إلى "أسيف" وأردفت بتوجس تعلم أجابته مسبقا ولكنها تريد التحدث معه حول الأمر فهى تحب أن يشاركها مكنوناته راغبة فى تقوية علاقتهما بتلك الطريقة وجعله يشعر بوجودها إلى جانبه فى جميع أوقاته الشقية قبل المليئة بالسرور
-عشان أسيف مش كده !
ابعد الحاسوب عن ركبتيه واعتدل فى جلسته كى يقابل وجهها وهدر فاصحا عما يثير بهجته
-ايوه عشان أسيف فرحت اوى إنها كلمتنى النهارده وممانعتش انى احضنها، حاسس اننا هنرجع زى الاول واسيف هترجع لحضنى تانى
لا تنكر سعادتها لتوطد علاقته بشقيقته ولكن تلك الغيرة التى اندلعت نيرانها بداخلها حول احتضانه لها لم تستطع مواريتها وهبت فى جلستها وتكلمت باندفاع صائحة
-ايه ده ايه ده، اسيف مين اللى ترجع لحضنك، لأ انا هكلمها اقولها متكلمكش تانى
تعجب من فعلتها المباغتة ورآها تلتفت لتلتقط هاتفها من فوق الكومود ليجثو بجسده فوق جسدها محاصرا إياه مانعها من أخذ الهاتف وقال لها من بين ضحكاتها التى لم يستطع التحكم بها متسائلا
-بتعملى ايه يا مجنونة ؟
كبتت ضحكتها وحافظت على عبوس ملامحها وهدرت بتبرم زائف
-حضنك ده فاتحه عمومى !، ده ليا انا وبس يا مجد، انا عديتها النهارده عشان كنا فى عيد ميلاد وكل سنة وانت طيب لكن ده ميتكررش تانى، عشان مولعلكش فى أسيف وفيك انت كمان
اقترب بوجهه منها مقلصا المسافة بينهما وتمتم أمام وجهها متسائلا بتسلية
-ايه ده انتى بتغيرى عليا ؟
هزت رأسها بتأكيد ثم قالت بعدما حاوطت عنقه بيديها
-اه ومحدش يلمسك غيرى
رفع حاجبه لها وهسهس بصوت خفيض متسائلا
-ده تملك ده ولا ايه ؟
ظهرت ابتسامتها دون إرادة منها على تعابيره وقالت بمشاكسة وكلمات ذات إيحاء
-سميه زى ماتمسيه
اتسعت ابتسامته على تكرارها كلماته الذى قالها من قبل وهمهم بعبثية رادفا
-اممم، ده انتى بتقلدينى بقى
ضحكة ذات صدى صوت يطرب أذنيه اندلعت منها لتتسع ابتسامته إثرا لها واقترب منها ملتهما شفتيها بنهم لتشعر هى بمدى رغبته بها والتى بادلته تلك القبلة بشبق بالغ، ابتعد وهو يلهث بتثاقل وقال بانفاس ساخنة تجول فوق وجهها بهمس عابث
-كان فى اتفاق بينا من الصبح
يعرف تماما كيف يستخدم تأثيره الطاغى عليها الذى يحفز مشاعرها للخوض معه فى لحظاتهما التى تتوق لها الوجدان، رغم دقات قلبها التى ازدادت لقربه وتنفسها الذى أصبح غير منتظم تظاهرت بعدم الفهم وهمهت بمرواغة وهى زائغة بعينيها عن ثاقبتيه وهمست بنعومة
-اتفاق ايه ده ؟
لم يخفَ عنه مراوغتها معه ليقرب رأسه منها لتزداد انفاسها بوتيرة أسرع وردد بنبرة هامسة ماكرة
-شكلك كده نسيتى وانا حابب افكرك
تسللت لشفتيها بسمة هائمة به بينما هو قد اخفاها بجوفه بقبلة مليئة بمشاعره المتأججة والمطالبة بها لتستسلم هى للمساته الخبيرة التى تعرف كيفية تملكها ودعت كيانها فى تلك اللحظة يتفاعل مع تأثيرات أشواقه العميقة برغبة تامة فى إشباع ما تحتاجه النفس التى تتوق للتنعم بلذة العشق
❈-❈-❈
توقف بسيارته أمام منزلها وبداخله يشعر بنيران مستعرة تتآكل بكل خلية بجسده لم يستطع منع نفسه عن المجئ إليها يعلم أنه لا يحتاج لأحد سواها خصيصا وهو بتلك الحالة المشحونة بالغضب الدفين المستبد منه ولن يتبدد سوى معها هى كالعادة، فهى تعرف كيف تهدئ من روعه وتبدل ذلك السخط بارتياح تام، ترجل من السيارة أخذا مساره تجاه باب بيتها، ضغط على الجرس وانتظر حتى تفتح الباب وبداخله لا يطيق ذلك الانتظار، فى خلال جزء من الدقيقة قامت بفتح الباب وظهرت أمامه بهيئتها الفاتنة التى تؤجج دائما الإثارة بداخله عند تخيلها معه أثناء تلك اللحظات الحميمية المحرمة التى يسرقها معها دون أن يأخذ فى اعتباره أى شىء سوى متعته الوقتية وراحته التى يشعر بها بعدها، انخفض نظره لأسفل ملاحظا بطنها المستدير والبارز من ثيابها بشكل ملحوظ مما آثار تعجبه قليلا لكبر حجم بطنها السريع مقارنة بنمو الجنين وحجمه الذى لم يبلغ بعد سوى ثلاثة أشهر ولكنه نفض ذلك عن فكره الآن
تفاجأت من مجيئه فهى لم تتوقع أن يأتى إليها مجددا بعد آخر مرة غادر بها وأخبرها أن تنسى أمره وانهى علاقتهما عندما تمسكت بذلك الجنين الذى ينمو بداخلها، فاقت من شرودها وتفكيرها المتفاجئ برؤيته على صوته ذى النبرة الجامدة متسائلا بثبات
-ادخل ولا امشى ؟
شعرت باحتياجه إليها فهو لن يأتى غير وهو بداخله يحتاج لقربها لذا لم تستطع منع نفسها عن مد ذراعها وقبضت على يده ساحبة إياه إلى الداخل وأغلقت الباب غير آبهة بمعاملته لها المرة الآخيرة وإهانته وكلماته القاسية التى هشمت قلبها لأشلاء وجعلتها تبكى كل ليلة من اشتياق محموم لرؤية عينيه التى لا تعشق مثل النظر إليهما فى حياتها أجمعها، ضربت بكل ذلك عرض الحائط وخضعت لرغبة قلبها المتمرد على المنطق فى قربه التى حُرمت منها طوال الشهرين الماضيين
جلس على الأريكة وهو يتنهد باختناق ظاهر لاحظته هى بسهولة، لتجده بعد هنيهة التفت برأسه نحوها ونظر بعينيها المتفحصة بكل انش به بلهفة بائنة لم تخفَ عن بصره وأخبرها بجدية متخللها الإختناق الذى يختلج صدره
-انا تعبان ومخنوق اوى وملقتش حد غيرك اروحله
شعرت بوخزة بقلبها إثرا لما قاله وصوته الذى يعتريه الضيق الذى إن لم يظهره تشعر هى به دون حتى أن يتفوه بكلمة، اقتربت منه ووضعت يدها فوق كف يده الموضوع فوق الأريكة بجانب ساقه فى دعم وتساءلت بحاجبين معقودين وظهر التأثر على قسماتها
-تعبان ومخنوق من ايه ؟
تجاهل سؤالها قصدا منه فى ذلك فهو لن يخبرها أن تلك الرسالة البغيضة التى قام "مجد" بإرسالها له منذ فترة هى من جعلت النيران تتقد بداخله ولم يستطع بكل الطرق أن يخمدها حتى بذهابه لأكثر من مرة لبعض العاهرات اللاتى معتاد على تقضية أوقات نزواته رفقتهن وعندما تستبد به رغباته الذكورية والتى يفرغها بهن بتلك الطريقة المشينة والمعتاد عليها أيضا مع القابعة بجانبه والتى لم تَكِن له بقلبها يوما سوى العشق الذى جعلها تستسلم لغرائزة الكريهة، زفر انفاسا حارقة من رئتيه وأخبرها بنظرات غامتا خلف الرغبة الممزوجة بشىء مبهم لم تفهمه وبصوت حاد بكلمات قصد التفوه بها ويعلم تأثيرها عليها
-داليا انا محتاجك اوى
دنت منه أكثر وأحتضنت منكبيه بذراعيها لاصقة جسدها به ووضعت رأسها فوق كتفه وقالت بهمس حانٍ قاصدة احتوائه راغبة فى تبديد ذلك الإختناق من داخله
-انا معاك يا حبيبى وجنبك
ازدادة حدة أنفاسه بغتة لترفع وجهها ليقابل وجهه لتلاحظ عسليتيه تحولتا للقتامة وهو ينظر إليها وتكلم بحدة من بين اسنانة الملتحمة بكلمات كأنه قاصدا بها تبليغها قبلا بما سيحدث بينهما من علاقة حميمية تتسم بالعنف دائما والتى سيزداد حدتها تلك المرة
-عايزك تتحملينى لإنى بجد تعبان أوى المرادى
ازدردت بوجل من تلك النظرات التى تندلع منها الشراسة ومن طريقته التى تشبه التنذير لتتكلم فى النهاية بملامح تتسم بالخنوع قائلة
-ميهمكش، المهم انت ترتاح
غامتا عينيه خلف غمامة من الرغبة ليدفع بجسدها على الأريكة وقام باعتلائها بهمجية غير آبها بحملها ولا بالضعف الملحوظ عليها كل ما يهمه فى تلك اللحظة هو إخراج ذلك الكبت وإخماد نيران الغضب التى تنهش به، كان يفرق العديد من التلثيمات الحادة وبعض العضات التى مؤكد ستترك إثار فيما بعد بطريقة فوضوية فوق عنقها ونحرها وهى استقبلت الأمر بتحمل بالغ ولم تشتكى قساوته ولا عنف معاشرته لها الذى لا يتحمله جسدها تحديدا فى ذلك الوقت لم يهمها كونها وعاء لتفريغ شهواته الحيوانية بها ولم يهمها مشاعرها التى دعسها لأكثر من مرة بل كل ما تأبه به هو كيفية احتوائه وتهدئة ثورة قلبها بوجوده معها وبأحضانها والتى أضحت خلال الفترة الماضية على حافة الجنون لتركه لها وإنهاءه لتلك العلاقة التى أقل ما تتصف به هو البشاعة
يُتبع . . .