-->

الفصل الثلاثون - مشاعر مهشمة

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثلاثون



 الفصل الثلاثون



بعدما جاء رفقة والدها بيتهم لكي يناما قدرا قليلا حتي ينقضي ظلام الليل ليتسنى لهما الذهاب من بداية اليوم للمشفى متضرعين لله أن تستفيق ولا تدخل بغيبوبة كما أخبرهم الطبيب باحتمالية حدوث ذلك، دلف غرفتها عندما صعد وبداخله يشعر بنصل حاد قد غرز بقلبه لا يصدق أنها بطرفة عين تعرضت لحادث أدى لإجراء عملية مثل تلك لها، لا يسعفه عقله على تصديق أنهما كان البارحة يتسامران معا بالهاتف بمحادثاتهما التي يتخللها الضحك وبعض العبث منه لكي يستمع لتوبيخها له ونبرتها الحانقة ذات الصدى البالغ الروعة على سمعه، واليوم هي طريحة الفراش بداخل حجرة بمشفى فاقدة الوعي عما يحدث من حولها 


ماذا فعلت هي لكي تتعرض لحادث مثل ذلك!، ماذا اكترفت لكي تستحق أن يُجرى لها عملية مثل تلك وهي بذلك العمر!، أي ذنب ارتكبته هي لكي تضحى الآن بين الحياة والموت معرضة للدخول بغيبوبة غير محدد وقت إفاقتها منها!، تساقطت دموعه وهو يتساءل بداخله تلك التساؤلات، يعلم كل العلم أنه قدر محتوم النفاذ وليس لأحد يد به ولكنه يشعر أنه السبب بذلك الحادث، فلولا قيادتها وهي باكية مما رأته عليه لمَا كانت تعرضت لتلك الحادثة بالتأكيد، ولكنه لم يخُنها، كيف فكرت في أمرا كذلك ؟، نعم هي رأت فتاة متكأة على صدره ولكنها إذا كانت ركزت مليا بهيئته حينها لكانت لاحظت أنه كان يدفعها عنه، لو كانت انتظرت قليلا حتى يوضح لها 


دنا من مكتبها ولمس بأنامله كتبها المنثورة بإهمال فوقه وتذكر حينما كانت تهاتفه بفترة امتحاناتها بأوقات متأخرة من الليل وتيقظه بمنتصف نومه وتتساءل عما استوقفها أثناء مذاكرتها، يتساءل بداخله هي سيتسنى له أن يحظى بأوقات مثل تلك معها مجددا أم انتهى كل شىء عند ذلك الحد، لم يستطع تحمل أن يطرأ بفكره الأمر حتى ليدنو من فراشها بهوانٍ بالع وجلس عليه وهو ينتحب بقوة، تخيُل أنها من المحتمل أن تبتعد عنه ولو حتى بغيبوبة هشم بداخله لفتات، لن يستطع تحمل رؤيتها فاقدة للوعي ساكنة غير قادرة على الحراك، لن يتحمل ألا يستمع لصوتها وضحكاتها، ألا يرى عينيها وابتسامتها، لن يتحمل أن تتركه بمفرده، حياته أجمع لا يوجد لها معنى دونها ولا يريد ليوم واحد أن يحياه بلاها 


رفع نظره بتلقائية ليقع عينيه على باب غرفته، ليتذكر ذلك اليوم الذي دلف به غرفتها واخرجت من بين شفتيها اذعانها بحبها له، تذكر حينما كان يتبادلان القبل واللمسات المحرمة شاعرا بوخزة بقلبه وندم بالغ اعتراه وهو يخشى أن يكون حادثتها ذنب تلك اللحظات المحرمة بينهما، ولكن لو كان الأمر كذلك فهو المذنب الأكبر فيما كان يحدث بينهما لمَ لم يأخذ هو العقاب !، لمَ لم يتعرض هو لذلك الحادث وتكن هي بخير، عاد بجسده للخلف وتوسد الفراش ودموعه مازالت تتهاوى من عينيه وما إن وضع رأسه فوق وسادتها حتى تسلل عطرها لأنفه ليوصد عينيه وهو يستنشقه مطولا مردد بهمس من بين شفتيه وهو ينتحب بقوة :


- يا رب احميهالي، لو ده عقابك انا راضي بيه بس أرجوك متعاقبنيش بحرماني منها، أرجوك متوجعش قلبي عليها انا مش هقدر اتحمل اعيش من غيرها 


ظل يردد تلك الكلمات بصوت خفيض يتخلله نشيج بكائه ونهنهاته التي جعلته كطفل صغير يبكي على ترك والدته له بمفرده بمنتصف الطريق غير قادرا على متابعة السير شاعرا بالخوف والضياع دونها، إلى أن غفا وهو محتضن وسادتها وعبرة آخيرة انهمرت من إحدى عينيه ساقطة فوقها، ليأخذه سلطان النوم علّ كل ذلك يكن حلما بل كابوسا ويستفيق منه على صوتها الناعم الذي لا يريد ألا يقع صوت غيره على سمعه الباقي من حياته 


❈-❈-❈ 



خرج الطبيب من غرفة العناية المركزة حيث تم نقل "رفيف"، ليهرولوا نحوه جميها عندما فُتح باب الغرفة ولمحوه خارجا لتعلق بصرهم جميعا على الغرفة،  وتساءل "مجد" على الفور بقلق بالغ : 


- أختي يا دكتور حالتها بقت عاملة ايه ؟ 


انزل الطبيب القناع الطبي عن انفه ورد عليه بهدوء وبابتسامة صغيرة لبث الطمأنينة لقلبهم لرؤية القلق والخوف العارم المعتري نظراتهم : 


- الحمد لله لحد دلوقتي الحالة مستقرة جدا ومؤشرات القلب تمام 


اندفع "جاسم" متسائلا بصوت غلفه التلهف بدى مبحوحا للغاية : 


- طب وهتفوق امتي ؟ 


انتبه الطبيب لتساؤله ووجه نظره نحوه ليجد وجهه شاحب وعينيه حمراوتين بدرجة كبيرة ليضع يده فوق كتفه رابتا عليه وقال بهدوء جاد محاول طمأنته : 


- هي بالفعل فاقت بعد العملية بس بسبب التخدير ومسكنات الألم اللي متوصللها بتنام تاني، وهي هتفضل كده كام يوم لحد ما الألم يروح واللي بيستمر في العادة حوالي خمس أيام بعد الجراحة 


تنفسوا الصعداء جميها لعدم دخولها بغيبوبة كما أخبرهم الطبيب باحتمالية حدوث الأمر إذا لم تستفِق، ليقترب "هشام" من الطبيب بقلب لم يطمئن بعد على فلذة كبده واطنب هو الآخر متسائلا بصوته الذي اظهر وهنه وحالته المتدنية الحزينة من رقدة ابنته بالمشفى : 


- وهنقدر بعد الخمس أيام ناخدها البيت ؟ 


أومأ برأسه بالنفي ودار بنظراته بين وجوههم وخاطبهم بتمهل محاولا شرح طبيعة حالتها وضرورة بقائها بالشفى لفترة ستُحدد مع الوقت : 


- لأ طبعا هي هتفضل متواجدة فترة في المستشفي لإن هي بتحتاج مراقبة مننا كل خمستاشر دقيقة، في تضميد على الجرح بيستمر خمس ايام، بنعمل ملاحظات عصبية منتظمة عشان نتحقق من تقدم المريضة وده هياخد فترة أكبر، ده غير إن لسه في إشاعات هتتعمل عشان نتطمن من خلالها من عدم وجود أي ورم مكان الجراحة وفحص للعين والأطراف، لإن المضاعفات ممكن توصل لتخدر في الأطراف والمريض مبيقدرش يحركهم بالإضافة لمشاكل النطق والبصر، وعشان كده لازم تفضل تحت ملاحظاتنا أكبر فترة نقدر من خلالها إننا نعالج أي مضاعفات هتظهر على المريضة ونتطمن على عمل وظائف الأعضاء الحيوية عندها 


خفق قلب "مجد" بخوف لم يتبدد حتى بعد ما أخبرهم به الطبيب ليتسائل بتعبيراتٍ واجلة قلما اظهرها لأحد فهو كان زي تعبيرات جامدة مواريا خلفها مشاعره المتأثرة بما يحدث من حوله ولكن منذ زواجه ب"طيف" وقد تبدل الأمر واعتاد أن يتحدث بما يجيش صدره معها مما جعله يعتاد مؤخرا على إظهار مشاعره وعدم مواراتها بعدما أضحى يقتنع أن ذلك ليس بضعف ولن يقلل من صورته أو يظهر حاجته لأحد بل هي مشاعر فطرية بداخلنا وليس من الصائب إهلاك أرواحنا بكتمها رغبة في موارتها عن الأنظار : 


- يعني نتطمن يا دكتور ولا لسه في خطورة على حياتها ؟ 


حافظ الطبيب على ابتسامته وهو يتكلم متابعا استرساله في إيضاحه عن حالتها مجيبا إياه : 


- اتطمنوا، ربنا بيحب المريضة اننا اكتشفنا النزيف وهو لسه في اوله عشان كده نسبة التعافي المحتملة من مضاعفات العملية كبيرة جدا، بس مدة التعافي ده بيعتمد على عزيمة المريضة ووقوفكوا معاها لإن المريض في الوقت ده بيحتاج دعم من اللي حواليه خصوصا ان الحالة النفسية بتضرر في فترة التعافي اللي بتستغرق من أربع لتمن أسابيع 


تساءلت "أسيف" بصوت مهزوز يتخلله بعض النهنهات الضعيفة لعدم تحكمها بدموعها في موقف عصيب كذلك : 


- طب نقدر نشوفها يا دكتور ؟ 


تحولت أنظار الطبيب نحوها، وبلهجته العملية عقب على تساؤلها وهو يتفاعل بيديه مع الحديث : 


- ممنوع حاليا، لما تتنفل غرفة عادية هنسمح بالزيارة وفي اوقات معينة وشخص واحد بس اللي هيدخلها في فترة الزيارة المسموح بيها 


بقلب يدق في جزع رجاه "جاسم" بإلحاح بالغ وبؤبؤاه يتحركان بربكة من رفضه الذي اعتلى وجهه : 


- أرجوك يا دكتور، دقيقة واحدة بس هشوفها وهخرج على طول، أرجوك دقيقة بس والله 


زم شفتيه لعدة ثوانٍ دون رد على مطلبه يرمقه بشفقة على حالته والتي استشف منها أنه لربما يكون خطيبها أو ما شابه، ليستسلم بالنهاية أمام نظراته المتوسلة وتكلم بطريقة مشددة وكأنما ينذره : 


- دقيقة واحدة بس 


أومأ بتلهف وقد اتسعت عينيه بتخوف ممزوج بالاشتياق من رؤيته لها، بينما التفت الطبيب برأسه لممرضته وهو متحفز للمغادرة آمرا إياها بهدوء : 


- عقميه قبل مايدخل 


أومأت له بانصباع ثم وجهت حديثها ل"جاسم" الذي كان واقف على أحر من الجمر متلهفا للدلوف لها مخبرة إياه بطريقة متريثة تحمل الرسمية : 


- اتفضل معايا 


تبعها في صمت شاعرا بارتجافة قد دبت بأوصاله، ورجيف قلبه ازداد من تخيُل هيئتها وهي موصلة بالأجهزة الطبية مغيبة عن كل ما يحدث، حتى لن تشعر بوجوده قربها ولن ترى تلك الدموع التي تكومت بكثافة بحدقتيه


تابعهما "مجد" الواقف شاعرا برغبة عارمة اجتاحته باحتضان صديقه وتهدئته فهو قد رأى لأكثر من مرة ما يؤكد حبه الطاهر لشقيقته وإن كان تخلله بعض الأفعال الهوجاء والطائشة منهما ولكنه ما يظهر له الآن عليه يغفر له عنده ما بدر منه من قبل 


فاق من سرحانه على يد "طيف" التي وضعت على كتفه ليلتفت برأسه لها أثناء تساؤلها له باهتمام وهي تمسد جانب ذراعه : 


- انت كويس يا حبيبي


انفرجت شفتيه قليلا بابتسامة صغيرة باهتة وأخبرها بعد تنهيدة بكلمات موجزة : 


- آه كويس 


تحركت انظاره عنها تجاه رجلين قادمين نحوهما، وما إن توقفا أمامه حتى هتف أحدهم بنبرة صوت رسمية قائلا : 


- الرائد أحمد صفوان 


علم "مجد" ببديهية سبب حضوره ليتكلم مباشرة دون تساؤل منه عما آتيين لأجله : 


- أختي لسه مفاقتش 


أومأ له بتفهم وعلق على ما قاله بهدوء جاد موضحا له سبب مجيئه إليه هو وليست شقيقته : 


- عرفت من الدكتور، أنا جايلكوا انتوا عشان ابلكوا ان العربية اللي خبطتها كانت من غير نمر والكاميرات اللي كانت متواجدة في المكان ده بينت ان العربية كانت بتطاردها يعني بديهيا الحادثة مدبرة واللي في العربية كانوا ملثمين فمقدرناش نتعرف عليهم، فكنت عايز أسألكم انتوا إذا كان في حد ليكوا عداوة معاه وشاكين انه ممكن يبقى ورا الحادثة


أوصد "مجد" عينيه لعدة ثوانٍ محاولا تهدئة تلك الثورة بداخله من معرفته بإن حادث شقيقته كان مدبرا وهذا يؤكد له صحة شكوك "طيف" حول ذلك شبيه الشياطين، ولكنه حاول موارة إعصار غضبه عن ذلك الماثل أمامه منتظر جوابه، ليخرج زفرة مرهقة من رئتيه صاحبها حديثه بتعقيب لكلماته الآخيرة بكلمات منطقية قاصدا بها أن يظهر عدم شكه بأحد بعينه متسببا فيما حدث لشقيقته : 


- أنا رجل أعمال وطبيعي ليا منافسين في شغلي وكتير كارهيني بس متوصلش للعداء مع حد ومحاولة قتل 


رفعت "طيف" نظرها له متفاجئة مما قاله فهو يجمعه ب"عاصم" ذلك عداوة بالغة منذ العديد من السنوات وقد ساورهما الشكوك أمس حول احتمالية أن يكون هو مَن وراء الحادثة التي تأكدا لتوهما من شكوكهما حياله كونها مدبرة 


شعر الضابط بحنكة المحققين أنه يواري شيئا ما خاصة من نظرات زوجته له ليسأله متوجسا ضاغطا على كلماته علّه يتراجع عن إجابته : 


- يعني مش شاكك في حد معين يكون هو اللي دبر الحادثة دي لأخت سعتك 


أحس "مجد" بالملل من تكراره لتساؤله الذي لن يجد إجابة أخرى عنده غير تلك التي أردف بها موجزا بملامح اعتراها الملل : 


- لأ 


رأى أن بقائة لن يجدي نفعا ولن يغير مما قاله الآخر ليستأنف حديثه الرسمي وهو متحفز للمغادرة : 


- تمام، لما آنسة رفيف تقوم بالسلامة هنحقق معاها وإن شاء نتوصل للي عمل كده في اقرب وقت، وانتوا كمان لو في أي مستجدات عندكوا هتفيدنا بلغونا بيها 


هز رأسه بحركة بسيطة وعقب باقتضاب وملامحه مبهمة لا تنم على استحابته لأيٍ مما قاله ولا لمجرد تفكير في الأمر حتى : 


- تمام 


لم يخفَ عن الضابط إخفائه لأمر ما ولكنه قرر أن يبقي تلك الملاحظة على جنبٍ الآن وردد بعملية قبل أن يوليه ظهره : 


- عن إذنكوا 


اندفع نحوه ذلك الذي كان مغادرا لتوه غرفة العناية المركزة التي تمكث بها "رفبف" والذي تعقدت ملامحه بدرجة كبيرة عندما استمع لرد "مجد" على الشرطي وردد باستهجان عندما أصبح قبالته : 


- مقولتلوش ليه على عاصم ؟ 


وجه نظره إليه وعقد يديه أمام صدره وأردف بنبرة جامدة ساد بها الاستخفاف : 


- ايه دليلك ! 


قابل استفساره بملامح مستنكرة وعقب بنزق متسائلا :


- انت شاكك ان حد غيره اللي عمل كده ؟ 


لم يفهم المعنى الضمني مما تشدق به "مجد" فهو أراد أن يخبره أنه ليس معه دليلا قاطع أو ملموسا لأجله يوجه اتهام صريح ل"عاصم"، قلب "مجد" عينبه بنفاذ صبر فهو ليس ببالٍ رائق كي يتحدث مع أحد ويوضع له أيضا ما القصد مما يقوله، ولكنه حث نفسه على الرد على كلماته شفقة بحالته المتدنية التي أصبح عليها في خلال يومين فحسب وحدثه بنبرة فاترة بإيضاح : 


- ايه الدليل الي معانا يثبت قدام الحكومة ان هو اللي عمل كده ؟


توصل لقصده مما أردف به ولكنه لم يهتم للأمر واحتدمت ملامحه بغتة وهو يدمدم من بين أسنانه متوعدا ل"عاصم" بدموع متحجرة بعينيه : 


- أنا بقى مش محتاج دليل ومش هسيبه، قصاد نومتها دي هخليه يدفع التمن غالي أوي، رفيف بس تفوق وأنا وشرفي لهخليه يبقى مكانها 


اختلس نظرة لوالده الجالس بالرواق -يتبادل بعض الأحاديث مع "أسيف" و"عدي"- عندما شعر بارتفاع صوت "جاسم"، ليستطرد بنبرة خافتة بكلمات تنهي الحديث في ذلك الموضوع بشكل مؤقت : 


- اهدي دلوقتي عشان بابا مياخدش باله، نبقى نتكلم في الموضوع ده بعد مانتطمن على رفيف 


❈-❈-❈



جالس بجانبها فوق الأريكة بغرفة المعيشة يربت على ظهرها متمتا بنبرة حانية يتخللها الخوف من أن تسوء حالتها لاستمرارها في البكاء منذ علمت البارحة بحادث "رفيف" : 


- يا حبيبتي كفاية عياط بقى هتتعبي كده 


كانت مستمرة على البكاء بشكل جعله يخشى عليها من تعرضها لأي حالة إعياء وتتعرض هي أو جنينه لضرر، ولكنها لم تستطع التحكم بنفسها وإيقاف إنهيارها على شقيقتها الصغرى التي لا تتخيل إلى الآن انها تعرضت لحادث شنيع مثل ذلك وتم إجراء جراحة برأسها وهي تعلم خطورة هذه النوعية من العمليات الجراحية 


كان يتحرك جسدها بتناوب مع نهنهات بكائها لترد عليه بنحيب من بين شهقاتها : 


- خايفة وقلبي واجعني عليها يا عدي، وكنت عايزه اشوفها واتطمن عليها والدكتور مرضاش 


مد يده تجاه وجهها وكفكف عبراتها المنهمرة فوق وجنتيها وعقب بهدوء موضحا : 


- الدكتور ماسمحش غير لجاسم وانتي كنتي شايفة حالته كانت ازاي اول ماعرف باللي حصلها، لما يسمحوا بالزيارة هتدخليلها أول واحدة وهتطمني عليها بنفسك، اهدي بقى ارجوكي عينيكي احمرت ووشك اصفر من كتر العياط انتي بقالك يومين بتعيطي يا أسيف 


أغلقت والدتهما كتاب القرآن بعدما أنهت تلاوة وردها اليومي، ووجهت ناظريها تجاه تلك التي لم تكف عن البكاء حتى الهبت وجنتيها وانتفخت عينيها، لتقول بنبرة أمومية مكترثة : 


- اهدي يا بنتي وادعيلها عياطك مش هيعمل حاجة، وبعدين انتي كده بتئذي اللي في بطنك لأنه بيتأثر بحالتك النفسية وعياطك ده زمانه مأثر عليه 


لم ترِد.لجنينها أن يتأذى بسببها لذا هزت رأسها بخفة بإيماءة توحي بالموافقة وهي تحاول ضبط نفسها وتهدئة بكائها لترفع يديها مكفكفة عبراتها وهي تقول بامتثال لكلماتها بنبرة ضعيفة : 


- حاضر يا ماما 


نظر لها مشدوها من توقفها عن البكاء الذي بقى طوال اليومين الماضيين يحاول أن يهدئ من حدته قليلا، ليردف بضيق مخلف على وجهه تعبيرات مضحكة : 


- يعني هي حاضر يا ماما وبطلتي عياط على طول، وانا بقالي يومين بتحايل عليكي ومفيش نتيجة، قولي بقى انك مش طايقاني 


أدارت وجهها له ورمقته بغيظ تعجب هو له بينما وجدها اندفعت بوجهه على حين غرة بما يوغر صدرها منذ الصباح هاتفة : 


- آه مش طايقك على فكرة، عشان بصيتلك لما الدكتور قال مفيش دخول ليها كنت مستنياك تقوله لأ أسيف هتدخل 


فغر عينيه مما تقوله ما الذي كان يجب عليه فعله حينها، هل تعتقد أنه مالك المشفى أم ماذا ؟، ليعلق بتهكم بعد برهة من الصمت المدهوش مرددا : 


- أفتح عليه مطوة يعني ولا اهدده اني هستناه تحت واقطع على طريقه !، الدكتور قال مينفعش كنت عايزاني اعمل ايه ؟ 


حدجته بحنق وأضافت بنبرة ناقمة على ذلك الطبيب وعلى عدم مساعدته هو الآخر لها للولوج لرؤية شقيقتها محتجة : 


- ماهو دخل جاسم 


رد عليها بهدوء عقلاني ليمتص ثورتها تلك التي على وشك الإندلاع وهو محتوٍ إحدى يديها بين يديه : 


- صِعب عليه، الراجل مبهدل نفسه وفضل يتحايل عليه وكان ناقص يوطي يبوس رجله 


اردفت بتجهم وهي تجذب يدها من بين يديه : 


- كنت اتحايل عليه انت كمان 


ارتفع حاجبه لأعلى متسائلا بغرابة مما تتفوه به : 


- وانا هتحايل عليه ليه يا أسيف انتي اللي عايزه تدخلي مش انا 


انهمرت العبرات من حدقتيها مجددا وهي ترمقة بنظرات تندلع منها الخيبة ورددت بصوت باكٍ : 


- مانا لو كنت فارقة معاك وفارق معاك عياطي بجد كنت قولت للدكتور يدخلني زي مادخل جاسم لكن انت فضلت تتفرج عليا وانا بعيط ومتكلمتش ولا عملت حاجة 


شعر بذلك الإضطراب بداخلها ووجلها من العمليات الجراحية والتي أُجري لشقيقتها واحدة من أصعب أنواع الجراحات، بالإضافة إلى حالتها النفسية المتأثرة بحملها لذا لم يأخذ كلماتها وانفعالاتها على محل الجد وجعل به طابع مائل للمزاح 


ليشير على نفسه بسبابته وهو يردد بدهشة وصوته ممزوج بين الجدية والغيظ معقبا : 


- انا فضلت اتفرج عليكي ومعملتش حاجة، هو انا مش كنت حاضنك وبطبكب عليكي، ده انا بقالي يومين كل اللي بعمله اني بطبطب عليكي، انتي بتنكري تعبي معاكي 


ضيقت عينيها عليه وهي تنظر له وهتفت بتوجس وكأنها تلتقط لها زلات لسانه : 


- والله يعني انا تعباك ؟ 


رفع حاجبيه وتشدق بنبرة هادئة وهو يتحفز للنهوض : 


- آه دي وصلة نكد وانا مفياش دماغ ليها خالص الحقيقة، تصبحي على خير يا حبيبتي 


وجد بعض العبرات بدأت في التكوم بعينيها وهو يدنو منها لتقبيل جبهتها ولكن انحرفت قبلته لوجنته ثم هسهس بأذنها بعبثية هامسا : 


- تعالي معايا جوا وانا اصالحك لو عايزه 


نحت وجهها للجانب وقالت بنبرة فاترة وخلجات عابسة : 


- لو سمحت يا عدي متكلمنيش وأنا هنام مع ماما النهارده 


لم يرِد إحزانها وتركها هكذا ورفع يده ماسحا بظهر كفه فوق وجنتها وهو يقول بنبرة خفيضة دافئة ووجهاهما بينهما مسافة صغيرة : 


- خلاص بقى ميبقاش قلبك اسود، هكلملك الدكتور بكرا وهزعق فيه جامد وهقوله يدخلك لرفيف 


شعرت بأنه يستخف بها لتطنب بنبرة اعترتها الحزن وسقطت عبرة على وجنتها : 


- انت بتاخدني على قد عقلي 


لو يعلم من أين لها بتقلبهاتها المزاجية تلك التي تجمع مؤخرا بين العصبية، الفتور، والبكاء، ولكن ما باليد حيلة ولن يتركها حتى يراضيها، ليتكلم من جديد بنبرة صادقة وكلمات جادة : 


- بتكلم جد والله، هخليه يدخلك بكرا 


رمقته بنظرة متفحصة وتساءلت بتوجس : 


- بجد ؟، يعني مش بتسكتني وخلاص 


انفرجت شفتيه بابتسامة عريضة تغرزة نواجذه وغمازتيه المحببتين لها، وهمس لها بلطافة : 


- دي كلمة راجل على فكرة 


انشق ثغرها دون إرادة منها بابتسامة صغيرة، ليردف سريعا بنبرة متسلية وهو يغمز لها : 


- بما إنك ضحكتي يبقي تيجي تنامي معايا بقى 


اختطفت نظرة تجاه والدتهما التي تتابعهما بصمت وعلى محياها ابتسامة محبة، لتغمغم بصوت خفيض وهي ناظرة لأسفل بخجل من احتمالية سماع والدتها لما مقبلة على قوله : 


- عدي انا تعبانة ومش قادرة 


فهم ببديهية ما ترمي إليه بحديثها وعقب بطريقة مازحة مغتاظة بعض الشيء : 


- يا ستي مانتي تعبانة من اول الحمل ومبعملش حاجة ولا بتكلم، قومي هننام ميبقاش تفكيرك قليل الأدب كده 


قضمت شفتها السفلى بحرج بالغ من ارتفاع نبرة صوته والتي استمعت بعدها لضحكة خافتة انطلقت من فيه والدتهما رغما عنها، ليستقيم "عدي" ناهضا عن الأريكة وموقفها هي الأخرى وهو يتابع بجدية زائفة : 


- انا عارف ان الحمل ده جاي عليا بخسارة، قولتلك نستنى شوية العمر لسه قدامنا انتي اللي صممتي واتخانقتي معايا وده ابننا انت بتقول ايه 


رفعت حاجبها له لعدم قولها أي مما قاله ومن الواضح أنه يهزأ بها، ليضحك هو على تعبيراتها وقال لوالدته وهو يشرع لترك الغرفة والتوجه نحو غرفتهمتا : 


- تصبحي على خير يا ماما 


رمقته بنظرة حانية وردت عليه بنبرة هادئة بابتسامة صغيرة : 


- وانتوا من اهل الخير يا حبايبي 


❈-❈-❈



وهو جالس ببهو منزله واضعا ساق فوق الأخرى تساءل بعنجهية مميتة ونظرات كبر تندلع من عينيه لذلك الماثل أمامه يرمقه بنظرات احترامٍ : 


- حاسبت البت ؟ 


كان يقصد بتساؤله تلك الفتاة التي ذهبت إلى "جاسم" وتظاهرت بالإعياء عند ولوج "رفيف" المكتب، حيث تولى أحد رجاله أمرها وأملى عليها ما ستفعله والتي كانت واضعة حينها سماعة بأذنها أخبرها بها ذلك الرجل أن تتظاهر بالدوار وأنها على وشك فقدان الوعي عندما أصبحت "رفيف" أمام الشركة والتي ببديهية منها احتسبت الوقت التقريبي التي ستقطعه "رفيف" من المرأب حتى مكتبه لتنهض وتلقي نفسها بداخل أحضانه حتى تلج "رفيف" على تلك الهيئة المذرية وتظن أنه يخونها معها وبذلك المكان الذي لطالما كانا يتقابلان به 


أجابه سريعا الرجل بتأكيد وبحذر فهو لا يريد أن يخطئ بشيء في كلماته لكي لا يتسبب في توبيخه له مجددا مثل ما حدث اليوم الماضي : 


- ايوه يا باشا 


زم شفتيه لثانيتين ثم تساءل بتوجس وإيماءت وجهه تجعله يبدو وكأنه يصطاد له الأخطاء : 


- فهمتها أنها متجيبش سيرة ؟


هز رأيه بتأكيد وأضاف بنبرة واثقة وهي يقرب يده من رقبته قائلا : 


- من الناحية دي متقلقش يا باشا اضمنها برقبتي 


حدجه بازدراء وعلق بسخرية : 


- اما نشوف 


❈-❈-❈



بعد مرور عدة أيام .. 


بعدما أوقف الطبيب تلك المسكنات والمواد المخدرة التي كانت جاعلة إياها تنام لساعات متواصلة غير شاعرة بأي شيء من حولها وتستفيق فقط لعدة دقائق قليلة وسريعا ما تغفو مجددا، نقلها لغرفة عادية فقد تحسنت حالتها بدرجة كبيرة عن الأيام الماضية، سمح وقتها بدخول عائلتها لها ولكن ليسوا جميعا وعلى فترات متباعدة لكي لا يرهقوها في حديث وهي ليست مؤهلة بعد للتحدث بشكل متواصل 


لقد انهار والدها باكيا بقوة عندما رآها مستيقظة وتنظر له وعلى محياها ابتسامتها الجميلة التي كان يفتقدها الأيام الماضية، والذي كان يشعر بتمزق بقلبه نتيجة التخوف الذي كان متملكا منه من فقدها نهائيا، وبالطبع بقى لوقت ليس بكثير معها وأخذ البقبة بالتناوب إليها جالسين رفقتها فترات وجيزة 


بقى "جاسم" منتظرا حتى ينتهوا جميعهم من رؤيتها والإطمئنان عليها، وقرر أن يبقى بالآخير لكي يكن أمامه وقت كافٍ لكي يشرح لها ما حدث ويوضح لها أن ما فهمته كان سوء تفكيرا منها وهو يستحيل أن يفعل بها ذلك أو يفعل بنفسه فهو لن يلوث يديه بالمساس بأخرى غيرها، وحتى يتسنى له أيضا البقاء معها أكبرة فترة ممكنة دون أن يتعجله أحد في الخروج لكي يدلف لها


جالس على كرسي بجانب فراشها محتوٍ يدها بين يديه ناظرا بعسليتيها اللتين اشتاق لهما للغاية ولتلك الملامح المحفورة بقلبه 


رطب شفتيه ثم بدأ في التحدث بنبرة صوت مليئة  بالخوف البالغ من احتمالية عدم تصديقها له موضحا لها ما حدث ذلك اليوم : 


- والله يا رفيف ماخنتك، أنا معرفهاش اصلا، كانت جاية عشان شغل فجأة عملت نفسها بيغمى عليها ماكنتش اعرف انها بتمثل ولما انتي دخلتي كانت هي اللي رامية نفسها عليا وكنت ببعدها عني، والله ده اللي حصل يا رفيف 


استشعرت الصدق بنبرته وهيئته التي تذكرها عندما ذهبت له بيته بعد افتراقهما تجعلها غير قادرة على تكذيبه بالإضافة إلى أنها شعرت أنه لربما تلك الفتاة وحادثتها الأمرين مدبرين من نفس الشخص 


انشق ثغرها بابتسامة صغيرة وأردف بصوت ضعيف من تألم حلقها والذي أخبرها الطبيب أنه من مضاعفات العملية الجراحية ومع الوقت سيزول : 


- مصدقاك 


انفرجت شفتيه بابتسامة مهزوزة تحمل بعض آثار البكاء الذي لم يستطع التحكم به وانهمرت دموعه وهو يقول بصوت منتحب بمصداقية : 


- انا كان هيجرالي حاجة اليومين اللي فاتوا، كنت خايف تضيعي مني 


حدقته بنظرات حب بالغ لن ينقص بداخلها له مع مرور الوقت وكادت تتحدث لتطمئنه ولكن قاطع ذلك ولوج الطبيب الذي ما إن دلف ورأى هيئتها المتعافية نسبيا عن الأيام الفائتة حتى قال بنبرة مهللة : 


- نقول حمد الله على السلامة، النهارده احسن من الأيام اللي فاتت بكتير 


ابتسمت له بخفة بينما تساءل وهو يلقي نظرة تجاه دفتر الملحظات المختص لحالتها والذي يدون به أي أمر هام حولها : 


- حركة ايديكي عاملة ايه النهارده ؟ 


استنشقت هواءً مطولا وزفرته على مهلٍ وهي تجاوبه بصوت خفيض مظهرا تألمها الذي لم يندثر بعد : 


- بحركها عن امبارح بس تقيلة شوية 


أومأ بتفهم وهو مستمر بقراءة ما كُتب عنها من طاقم الأطباء الذي يتابع حالتها واطنب مستفسرا : 


- طب ولسانك التقل اللي فيه واضح انه راح 


أومأت له برأسها بحركة بسيطة بتأكيد وهو يغلق الدفتر ووضعه محله مستمرا في تساؤلاته قائلا : 


- طيب الرؤية لسه فيه تشويش ولا تمام شوية ؟ 


تكلمت بتوضيح عما تشعر به هامسة بصعوبة : 


- عيني بتزغلل شوية وبحس ان في سحابة قدامي بتفضل وقت قليل وبتروح 


لاحظ الطبيب صعوبة نطقها ليعلم أن مفعول المسكنات قد زال، ألتقط قنينة صغيرة من فوق الطاولة وقام بسحب ما بها بالإبرة الطبيعة ثم وضع محتوي إبرة الحقن بالمحلول الموصل بيدها، ليقول أثناء ذلك بنبرة صوت هادئة وبكلمات جادة : 


- لا متقلقيش مع الوقت هيروح كل ده، ربنا بيحبك مفيش أي حاجة خطيرة في حالتك، شوية مضاعفات بسيطة ناتجة عن الجراحة ومع الوقت هتتعالج وهيختفي أثرها، المهم بس تمشي على التعليمات اللي هكتبهالك حتى بعد خروجك من المستشفي وهتتابعي معايا طبعا بشكل دوري لحد مانتأكد من التعافي بشكل تام، وبرضه هيبقى فيه احترازات عشان وضعك هيبقى حساس تجاه اي انفعال أو مشكلة عاطفية 


ضغط على نطقه لكلماته الآخير وهو يرمق "جاسم" بنظرة جانبية، ليفهم "جاسم من خلالها قصده وأردف بتلهف بصدق نافيا ما يرمي له بحديثه وهو يفرق أنظاره بينه وبين "رفيف" : 


- متقلقش يا دكتور مش هيبقى فيه اي انفعالات ولا مشاكل عاطفية 


❈-❈-❈



عندما لم تجده بغرفة مكتبه خمنت وقوفه بالحديقة، فهو عادة ما يخرج بها قليلا عندما يشعر بالملل من متابعة العمل بمكتبه، بالطبع وجدته واقفا أمامها موليها ظهره دنت منه بخطوات ليست بسريعة ووضعت يدها على كتفه من الخلف وهي تتساءل باهتمام : 


- مجد، واقف لواحدك ليه يا حبيبي ؟، انا فكراك في المكتب بتشتغل 


تنهد بقليل من الإرهاق ثم أجابها بهدوء جاد بتعبيرات مشدودة قليلا : 


- انا كنت في المكتب فعلا، بس حسيت اني مش عارف اركز في حاجة ودماغي واقفة خالص 


استشفت من حديثه احتمالية وجود بعض القلق مازال بداخله على شقيقته لتستطرد مستفسرة : 


- لسه قلقان على رفيف ؟


أومأ لها بتأكيد وهو ضامما شفتيه بحزن، بينما ضمت هي ما بين حاجبيها وهي تعقب بكلمات مطمئنة محاولة نفض أي تفكير سلبي عن رأسه : 


- مش الدكنور طمننا، والحمد لله فاقت وكلمتنا وهتبقى كويسة ان شاء الله 


هز رأسه بخفة وهو يقول بتنهيدة ونظراته مسلطة في الفراغ أمامه : 


- ان شاء الله 


استشعرت وجود خطب آخر به لتتساءل باكتراث وهي تتفحص تعبيراته : 


- في حاجة تانية شاغلاك ؟ 


لم يجد بدا من عدم مشاطرتها ما يجول برأسه، ليتكلم بتخبط بما يشغل فكره بعدما عاد بنظره لها : 


- بفكر في ليه عاصم هيعوز يقتل رفيف، مفيش سبب يخليه يعملها، وعاصم مش قاتل، يعني لو كمال كنت صدقت، لكن عاصم ممكن يخسرني في شغلي يئذي بخبطة جرح صغير بالنسباله كده خد حقه وفش غليله، بس متوصلش لمحاول قتل، وهو لو عايز يقتل حد كان قتلني، او لو عايز يقتل رفيف ما كان عملها من بعد موت امه لو هنقول انها كانت منعاه عن اي حاجة غلط وكان مشغول بتعبها، ايه اللي يخليه يستني ست شهور يعني 


شعرت بالحيرة من الأمر فهو يشغلها هي الأخرى بحد كبير ولم تجد له إجابة أيضا، لتقول بعد برهة بتلقائية بما جاء بفكرها : 


- مش عارفة، بس جايز الموضوع مكانش واصل بالنسباله لقتل وكان بيرتب لخبطة او جرح صغير زي ماقولت بس الموضوع كبر خصوصا إن حوادث العربيات ماحدش بيقدر يتحكم فيها، بس السؤال هنا مش ليه فكر يقتل او ايه اللي خلاه يستني، السؤال اللي المفروض نركز عليه هنا ليه رفيف ؟ 


ظل لبعض الوقت يفكر في تلك النقطة ويحاول تذكر ما الذي فعله نتيجة له يرتكب "عاصم" مثل تلك الفعلة، ليطرأ بفكره شيئا ما سريعا ما استطرد به باحتمالية : 


- يمكن عشان عشان بعتله رسالة استهزأت بيه فيها من فترة وعاصم من النوع اللي بيحب ياخد حقه وبأذيته لرفيف هيبقى كده اخد حقه مني 


مطت شفتيها وهي مازلت متعجبة فلو كان الأمر كذلك لمَ هي أيضا، لتشاركه التفكير والتحليل بالأمر فيما بينهما قائلة : 


- لو كان كده برضه ليه يحاول يقتل رفيف وهي اصلا بعيدة عن كل حاجة، ولو عايز يئذيك طب ليه مش فيا زي ما كان مهددك 


شعر بوخزة بقلبه على ذكرها ذلك فهو لا يتخيل أن يصيبها هي أو جنينه أية مكروها، ليقوم بجذبها بتريث وضمها لصدره، ولكنه فكر فيما قالته ورأى أنها محقة، وفي خضم أفكاره تذكر أمر "جاسم" ويوم ذهب إليه وتشاجر معه بشأن الصور، ليتكلم بعد برهة من التفكير المضني بنبرة هادئة يتخللها الثقة وكأنه هكذا حل الأجحية : 


- عشان جاسم، جاسم وقت الصور وصللي من ناس في شركة عاصم انه راح واتخانق معاه وهدده، اعتقد ان كده وصلنا لسبب منطقي شوية لنقطة ليه رفيف 


اتفقت معه في ذلك ورأت أنه منطقي قليلا ذلك السبب، حل الصمت بينهما بعدما انتهي مما قاله لترفع "طيف" رأسها له بعد برهة لتراه ناظرا أمامه بملامح مبهمة بها بعض الحدية، خشيت أن يأخذه تفكيره لفعل أهوج لتتساءل بتوجس خيفة من تسرعه الدائم وعصبيته التي تعميه : 


- انت بتفكر في حاجة ؟ 


حدق بها لبضع ثوانٍ دون رد ثم قال مغيرا مجرى الحديث فهو إلى الآن لا يدري ماذا يفعل بذلك الشيطان فهو ينبغي أن يُحاسب على ما ألحقه بشقيقته ويجب عليه أن يوقفه عند حده لكي لا يلحق الأذى بفرد آخر من أفراد عائلته، فإن كان تفكيره المرضي قد أوصله لمحاولة قتل فهو هكذا أصبح شديد الخطورة عليهم : 


- يلا ننام


يُتبع . . .