-->

الفصل الثاني والثلاثون - ظلام البدر - دجى الليل

الفصل الثاني والثلاثون


اتسعت عيناه ما إن دلف مكتبه ووجد تلك السكين بجانبها وزجاجة الفودكا بيديها وتبدو ثملة فحاول الإقتراب منها بحذر ولكنها لاحظته لتصيح بصوتٍ عالٍ "ملك الكون جيه... هييه.. هـ" نظر لها في إندهاش وهي تعاني من ذلك الفُوَاق حتى أدرك بسرعة أنه من أثر كثرة ما شربته.

"لا لا يا Mr. ملك الكون مش هسيبك تقرب مني تاني.. هئه!!" تحدثت له وهي تحذره وتمتد يدها لتلمس السكين فتوقف مكانه وهو لا يدري ما الذي تفعله ليرها تشرب من الزجاجة مرة أخرى وهو يشعر بالغضب تجاه كل ما تفعله "احح!!! طعمها وحش اوي، أنت بتستحملها ازاي" صاحت بنبرة ثملة ليتقدم منها على حذر

"نورسين!! سيبي اللي في ايـ.."

"لا لا لأ!! أنا مش هاسيبك تقرب مني تاني، أنت .. أنت استحالة تيجي جنبي بعد كل اللي عملته فيا ده!!" قاطعته ثم تحولت نبرتها للحزن ليتوقف بعد أن رآها حزينة وتحدثه بتلك الطريقة ولا زالت يدها ممسكة بتلك السكين

"طيب أنتي مضايقة من ايه احكيلي؟" تحامل على ذلك الغضب بداخله وهو يزفر في خوف من أن تفعل شيئاً بتلك السكين وشعر بالرعب ما إن كانت تتحدث هكذا بسبب أن ذاكرتها عادت إليها واختار أن يتحدث لها بهدوء وقرر أنه سيقترب منها بحذر حتى يستطيع الحصول على السكين وكذلك زجاجة الفودكا تلك.. وبعدها سيعرف ما إن تذكرت شيئا!

"أنا مضايقة؟!" صدحت ضحكتها التي يعشقها لتهز ارجاء مكتبه لينظر لها هو في تعجب فهي لا زالت تلك البريئة الصغيرة ولكن طريقتها تلك بدأت في أن تثير حفيظته

"أنا مش مضايقة خااالص! أن مبسوووطة جداااً" تحدثت بثمالة واضحة ليسحق هو أسنانه في غضب "أنا مبسوووطة عشان Mr. ملك الكون جيه.. والإمتحانات خلصت و هئ.." آتاها الفواق مجددا ولكنها أكملت "وأنت بتجبلي حاجات حلوة وبتفسحني وبتوديني لشاهي وبطلت تضربني وتخوفني.." تناولت الزجاجة مجدداً لتشرب منها ليزفر هو في رعب على ما سمعه منها، أتتذكر أنه قام بضربها الآن؟!

"وحشة اوي يا Mr. بدر.. أنا شوفتك بتشرب منها كتير وكنت عايزة أعرف طعمها" همست بصوتها الثمل ثم نهضت بصعوبة وهي مُمسكة بالسكين وكادت أن تسقط ليهرول هو نحوها ولكنها أشارت له بالسكين في تحذير

"لأ.. اوعى تقرب مني.. أنا تعبت خلاص.. وأنا.. أنا افتكرت كل اللي عملته فيا.. إياك تقرب مني تاني وإلا هموتك"

"نور تعالي وهاتي السكينة دي وهنقعد نتكلم في كل حاجة"

"آه.. أنت عايزني أقرب منك تاني عشان.. هئ.. عشان تعمل معايا قلة أدب، أنا منستش على فكرة.. حاجة إيه اللي هنتكلم فيها؟" أخبرته في ثمالة "وأنا عارفة دلوقتي هتقلع عشان أنا افضل ابص لعضلاتك الكبيرة دي واخاف منك.. بس أنا مش هخاف تاني وهاعرف منك كل حاجة.. كل اللي حصل هتحكهولي.. ازاي فضلت تعذب فيا وتضربني وتعمل فيا كل ده وتوديني عند يُسري وبعدين اتحولت معايا وبقيت كويس.. أنا افتكرت كل حاجة وعرفت الأوضة اللي أنت مخبيها ورا دولابك"

"عايزة تعرفي ايه يا نورسن؟" سألها بعد أن ابتلع في رعب وذعر هائل مما استمع إليه، هل يمكن أنها تذكرت حقا كل شيء بعد أن وجدت تلك الغرفة؟ هو يتعجب من كل كلماتها التي غادرت المنطق في تواليها وتتابعها الغريب ولكنه يعلم أنها في غير وعيها ليمتن أنها لا تراه الآن ولن تتذكر أيا من هذا وحاول أن يتمالك نفسه وهو لا يدري كيف سيتصرف معها الآن

"أنت ليه ضربتني كتير وبعدين بقيت بتحبني وبتعملي حاجات حلوة؟ ليه حبستني وبعدين بقيت بتسبني أعمل كل حاجة براحتي؟ ليه من الأول ظلمتني وفكرت إن فيه بيني وبين كريم حاجة وأنا فضلت اقولك الحقيقة ومسمعتنيش؟" عقد حاجباه وهو ينظر لها في انكسار وآلم عندما عرف ما تقصده جيداً

"انت بتعملي كل حاجة حلوة عشان في الآخر تبعد عني ونتطلق زي ما قولت مش كده؟ ولا علشان أنا نسيت اللي حصل بقيت بتعاملني إني صغيرة ومش فاهمة حاجة؟ أنت عايز تشوفني بعيط وخلاص مش كده، عايز تأذيني دايما!" تهاوت دموعها ولكنها أقتربت منه آخذه خطوات مترنحة

"انت.. انت عايز تعمل معايا حاجات قليلة الأدب مش كده؟ .. زي كريم ويسري.. وعايز تضربني تاني وأكيد هتضربني علشان أنا افتكرت كل حاجة.. بس أنا بحب اعمل قلة أدب معاك.. بس بخاف منك.. بس برضو بحبك" ازداد بكاءها وهي تقترب منه

"بس لأ.. أنا لازم اموتك واضربك زي ما عملت فيا.. أنا فضلت أقولك الحقيقة وانت كنت مفتري.. وأنا فكرت كتير اني اروح لشاهي واقولها تخليني معاها هي وماما نجوى.. بس حسيت انك هتوحشني اوي.. بس أنا زهقت بقا ومش عارفة هئ.. اعمل ايه"

"مانا لو روحت عند شاهي أنت مش هتذاكرلي.. ومش هتقربلي غير لما تنام جنبي.. وأنا بتكسف منك.. بس بردو بحب أكون جنبك.. وبحب اقعد معاك لوحدنا.. وبستناك كل يوم ترجع من الشغل.. أنا مش عارفة بيحصلي ايه وكوكي مش بترد عليا ومش بتقولي اعمل ايه.. هي ليه ماتت وسابتني؟ وأنت ليه عذبتني كتير وأنا والله ما عملت حاجة.. أنا بكره كريم والله بكرهه اوي" ارتفعت شهقاتها ليشعر هو بتشتتها ذلك ولم يُصدق أنها حقاً تحبه بتلك الطريقة

"أنا خايفة منك.. لا ترجع معايا زي الأول.. بس أنت بقيت كويس.. وأنا خايفة تبعد عني وتسيبني ونتطلق زي ما قولتلي.. بس أنت عذبتني وأنا بكرهك" صرخت وهي تبكي ليتوجه مقترباً منها بغتة وأخذ السكين منها ليلقيها بعيداً ولم يشعر بنفسه متى جذبها واحتضنها لصدره بينما يشعر هو بالرعب مما سيحدث معها عندما تذهب آثار ثمالتها

"متعيطيش.. متخافيش مفيش حاجة هتحصل تاني.. أنا كنت فاهم كل حاجة غلط.. أنا آسف" همس إليها بندم حقيقي

"لأ أنت كدااب!!" دفعته بكل ما أوتيت من قوة ليبتعد عنها لينظر لها بدهشة "أنا عشان سكرانة بتضحك عليا.. لكن لو أنت سكران بتقول كل حاجة أنت حاسس بيها" هرولت مبتعدة بخطوات مترنحة حتى تجذب الزجاجة وأعطتها لها

"اشرب منه زيي عشان تبقا سكران وتقولي كل حاجة بصراحة" ظلت تمد له الزجاجة ليومأ لها بالإنكار "شوفت إنك بتكدب ومش عايز تكون سكران عشان تقولي كل حاجة بصراحة.. أنا بكرهك يا Mr. بدر.. أنا بكرهك وهضربك" أقتربت منه لتلكمه بصدره وتناست تلك الزجاجة التي بيدها تماماً ليُمسك هو بها بحركة سريعة قبل أن تسقط أرضاً ونظر لنورسين بدهشة وهي تلكمه بكفيها الصغيرتان بصدره وهو لا يدري ما الذي يحدث لتلك الفتاة ومتى ستنتهي عما تفعله!

"أنا بكرهك، أنت بتخوفني.. أنا عايزة ابعد عنك ومش عارفة" ظلت تبكي وتلكمه إلي أن خارت قواها بينما هو خفض نظره وهو ينظر لها ثم احتضنها لصدره وهوى أرضاً ليجلس وهي تبكي بصدره ولا يدري كيف يتصرف معها

"متخافيش.. قوليلي بس عايزة اعملك ايه وانا اعمله.."

"اشرب البتاع اللي طعمه وحش ده الأول وأنا اقولك" رفعت نظرها بزرقاويتيها الدامعتان وهي تنظر له لتجده يتنهد ويهز رأسه في غير تصديق

"حاضر" أخبرها ثم تناول الزجاجة ليتناول منها جرعة صغيرة ثم نظر لها "قوليلي بقا عايزة ايه؟"

"لأ انت اخدت شوية صغيرة.. اشرب تاني كتير"

"نورسين أنـ.."

"لأ أنت بتقولي يا نوري زي ما ماما كانت بتقولي.." قاطعته في انفعال "اشرب زيي كتير" دفعت الزجاجة حتى لامست شفتاه ورفعتها ليتناول الكثير من الشراب رغما عنه ثم اخفضها بعد أن شعر بأنه تناول كمية كبيرة

"كفاية كده" نهاها عما تفعله لأنه يعي أن لابد أن يكون واعياً لكل ما ستفعله ولن يُخاطر بتركها بتلك الحالة "قوليلي عايزة ايه؟"

"أنت ليه بطلت تخوفني وتضربني؟ علشان صعبت عليك بعد اللي عمله يُسري فيا ولا علشان نسيت كل حاجة؟" سألته بمنتهى البساطة لينظر هو لتلك الزرقاوتان ثم زفر بعمق وتمنى بداخله أنها لن تتذكر كل ذلك عندما تستفيق

"عشان أنا عرفت إنك مكنش ليكي ذنب في حاجة.. وعشان انتي حلوة ومبتعمليش حاجة غلط وبتسمعي كلامي"

"ما أنا قولتلك كتير إني معملتش حاجة.. بس أنت بتكرهني ومش بتحبني زي ما بحبك" نظرت له ببراءة وهي مستندة بكفيها الصغيرتان على صدره

"أنتي بتحبيني يا نوري؟" لا يدري لماذا يسألها ذلك الآن ولكنه أراد لها أن تكرر ما قالته منذ قليل وتخبره بأنها تُحبه

"ايوة بحبك اوي.. بس بخاف منك.. مش عارفة أسامحك على اللي أنت عملته فيا.. أنت كنت وحش معايا اوي.. ظلمتني ليه كل ده؟ ازاي عملت كل ده فيا؟" اومأت له بالموافقة ثم بالإنكار وعادت لتبكي ثم احتضنته ليتعجب من كل ما تفعله تلك الصغيرة

"طب بتحبيني ليه؟" سألها وهو يربت على كتفها

"عشان أنت بتدافع عني وضربت يُسري وجيت لما كريم جالي الفيلا وأنا لوحدي، أنا خوفت أقولك عشان متضربنيش لو عرفت إن شوفته، بس بحبك عشان بتفسحني وبتجبلي حاجات كتير وبتقولي معيطش.. بس أنا افتكرت لما دخلت الأوضة البنت اللي كنت بتضربها، وافتكرت ضربك ليا، افتكرت كل حاجة.. أنا بكرهك .. أنا عايزة أنام يا Mr. بدر" اراحت رأسها على صدره في إرهاق وشعر بتوقف بكائها لتعانقه هي بذراعيها دون وعي لما تفعله ليحاول هو النهوض بصعوبة وحملها ليتوجه لغرفتها

"أنت بتحبني بردو ولا بتكرهني وهتضربني تاني؟" سألته بعد أن تمسكت بعنقه واضعة ذراعيها حولها وهي تنظر له بتلك الزرقاوتين ببراءة وكيف لأحد ألا يُحب تلك الملاك التي بين يداه! أومأ لها بإبتسامة منكسرة لتدفن وجهها بعنقه ثم همست

"ريحة الـ perfume بتاعتك أنا بحبها اوي.. شعرك حلو اوي.. وبحبك لما بتحضني وتشيلني.. بس لما افتكرت اللي عملته معايا بحس إني بكرهك" شعر فجأة بإنتظام أنفاسها وهو يُنزلها على السرير ليقف واضعاً يداه بخصره وظل يتفقدها بعينيه ويبتسم نحوها بمرارة وإنكسار وهو لا يدري ما الذي عليه فعله معها بعد كل ما أخبرته به..

"ممم.. Mr. بدر.." تململت بالسرير وهي تهمهم ليقترب هو منها جالساً بجانبها وهو يزيح خصلاتها الحريرية بعيداً عن وجهها

"نعم يا نوري.."

"احضني تاني ومتسبنيش وبطل تضربني ارجوك.. أنت بقيت كويس بعد ما كنت وحش.. أنا مش عايزة اكرهك ومبحبش اكره حد زي ما كوكي قالتلي مكرهش حد" همست هي بصوت نعس ليبتسم هو

"حاضر" اجابها ثم توجه ليخلع ملابسه ثم تمدد جانبها وحاوط خصرها بذراعه بعد أن قربها منه وأوصد عيناه في خوف وكأنه هو من يحتمي بها من نفسه ومن بشاعة ما فعله بها وهو لا يدري كيف سيواجهها بالصباح..

--

لا يصدق أنه لا زال يحدق بها منذ أن أستيقظ، تارة يبتسم، وتارة يشعر بالندم والإنكسار والرعب ما إن استيقظت وواجهته بمعرفتها للحقيقة ولكن بعد كل ما حدث ليلة أمس لم يعد يريد إلا أن يتملك تلك البريئة روحا وعقلا وقلبا، يريدها أن تعشقه ولكنه مذعور مما قد تفعله عندما تستيقظ.. ولكن من أين له بهذا العشق وهو يعرف جيدا شناعة أفعاله معها بالسابق؟!..

كان يعلم منذ الخفقة الأولى عندما رآها أن تلك الفتاة ستحتوذ عليه بكل جوارحه، عرف أنه لن يستطيع مماطلة قلبه، عرف أنه سيقع لها وها قد فعل!! لم يعد يستطيع الإبتعاد، ينظر لها وهو قد حاول بكل ما أوتي من قوة أن يُنسيها كل ما مر، يُدرك أن بعد كل ما سمعه منها لن يدعها تُفلت من تحت يده حتى تُصبح إمرأته وله هو وحده.. ليس ببضعة نقاط حبر على ورقة وليس أمام الجميع ولكن هنا بين ذراعيه ستُصبح إمرأته..

لم يكن يعلم من قبل أنها تود أن تكون بالقرب منه، لم يكن يدري أنها تُحبه هي الأخرى بعد اعترافتها التي تواترت من شفتاها ليلة أمس، لماذا لم تتناول تلك اللعنة منذ الكثير من الوقت حتى تريحه من ذلك الصراع بداخله؟ ولكن كيف سيصل لأن يصبح كلاهما بخير بعد تلك البشاعة التي قام بها معها؟ كيف ستتقبل كل ذلك منه؟

ألا تدري ما تستطيع فعله تلك الصغيرة؟ ألا تعرف كم هو صعباً أن يُحاول ألا يقترب منها؟ ألا تعي ماهية ما تفعل به؟ كم هي مثيرة، بريئة، طفلة تملك جسد إمرأة.. تؤجج كل مشاعره بعنف كلما نظر إليها، مشاعر العشق، الندم، الخوف، بل هي تزلزل كيانه بأمورا لم يختبرها سوى معها وحدها!!

لم يظن أن تلك الصغيرة سوف تجعل بداخله نورا لم يعهده من قبل يوما ما ولم يستطع غيرها فعل ذلك.. لقد حاولت ليلى ومن قبلها نجوى وشاهندة ولكنها بطيبتها تلك تستطيع إنارة تلك الظلمة الحالكة بداخله.. هو لأول مرة يريد أن يُذعن أمام أحد بفداحة أفعاله، يشعر بندم هائل لا يظن أنه سيتخلص منه طوال حياته!!

يتذكر أنه مع ليلى لطالما أحتاج تلك الممارسات السادية، في البداية كان يأتي بالنساء فقط ليعذب أجسادهن، وبعد أن علم بميولها الخاضعة كان يتمتع معها بتلك الممارسات.. أما تلك الطفلة التي أمامه فوجودها فقط بالقرب منه يُبدد كل ذلك الظلام بداخله وتجعله لا يُريد إلا البقاء بجانبها هي فقط.. كيف له أن يشرح كل ما حدث؟ كيف سيواجهها؟ كيف حتى سيتعامل معها؟

ولكنه قد سأم.. قد أرهقه الإنتظار.. لن ينتظر أكثر فهو يريد المزيد من ذلك النور الذي تبعثه بداخله لينتهي من تلك القتامة والظلام الحالك الذي يفتك به، يريد أن يعانقها كل ليلة حتى ينهل من تلك البراءة علها تنقل له بعضاً مما حُرم منه منذ نعومة أظافره؛ أراد أن يفقد نفسه ويشعر بالضياع على صدرها وهي تداعب شعره في حنان وتخبره أنه شخص أفضل، يريدها أن تخبره بأنها لن تتركه أبداً مهما حدث..

ولكنه عليه أولا أن يُصحح كل ما حدث بينهما، عليه أن يعترف بمدى فداحة أفعاله القذرة، عليه أن يُبرر لها كل شيء ويواجهها بمنتهى الصراحة بما فعله.. عليه أن يدعها تختار.. أن ينظر لها كإنسان له حق الإختيار والوقوع بالعشق.. هذا ما يجب عليه فعله.. بعد كل ما مر بينهما فهذا من أقل حقوقها عليه!! حتى ولو لم تقم بإختيار الإستمرار معه.. ولكنه يريدها.. يرتعد من ابتعادها عنه.. كيف سيفعل كل ذلك؟!

مرر أنامله بحنان على خصلاتها الحريرية ثم على وجنتاها ليلاحظ بدأ استفاقتها ليبتسم بإقتضاب بين مشاعره التي تقتله ندما عندما فتحت تلك الزرقاوتان ولكنها كانت تبدو مُنزعجة..

بالطبع آثار الخمر لن تكون هينة عليها فاقترب هو منها وأحاط خصرها بذراعه ليُجلسها لتنظر له هي في تعجب وشعرت بآلم شديد يهشم رأسها..

"راسي بتوجعني اوي" همست ليطلق هو ضحكة متهكمة بخفوت

"ما هو مفيش حد عاقل يعمل اللي أنتي عملتيه امبارح" مد يده لها بأقراص دواء وأومأ لها لتتناولهم منه "عشان الصداع" ثم ناولها كوباً من المياة فشربت منها لتبتلع تلك الأقراص ثم مسحت شفتاها الكرزيتان من بقايا المياة بظهر يديها ليتفرقا محدثان اهتزازاً عفوياً ليشعر هو بالرغبة تندلع به!!

"هو ايه اللي حصل امبارح.. أنا مش فاكرة حاجة" تحدثت وهي مُضيقة ما بين حاجبيها ولم تستطع تحمل الآلم أكثر لتجد نفسها تبكي من شدة الآلم

"شربتي تقريباً ازازة فودكا بحالها"

"يعني ايه فودكا أنا مش فاهمه حاجة وراسي بتوجعني اوي" صاحت بين بكائها ليقترب هو منها وهو يعانقها ويربت على كتفها وحاول تهدئتها

"المسكن اللي أخدتيه شوية وهيعمل مفعول، قومي ادخلى الحمام وأوقفي تحت المياة السخنة شوية هتلاقي نفسك احسن وأنا هاعملك قهوة.."

"بس أنا مبحبش القهوة.." همست بين بكائها ليتنهد هو

"اسبريسو طيب؟"

"لأ مر اوي.. أنا عايزة كابتشينو.."

بعدها برفق عن عناقهما ثم أومأ لها وذهب ليعد لها ما أرادت وبداخله يتفاقم الخوف من ردة فعلها فهي إلي الآن لم تواجهه بشيء فأتخذ هو من الهروب بعيدا عن وجهها ملجئا له أمّا هي فحاولت تذكر ما حدث ولكنها لم تستطيع تذكر سوى أنها دلفت حجرة المكتب وأقتربت من تلك المنضدة الجانبية التي رُص عليها زجاجات وتناولت زجاجة مثل التي رآتها تهشمت من قبل وتذوقتها لتجد أن طعمها لاذع للغاية وبعدها لم تتذكر أي شيء..

توجهت للحمام لتفعل ما أخبرها به ودلفت أسفل المياة الساخنة ولم تلاحظ حتى أنها لم تخلع ثيابها وحاولت أن تدلك رأسها ولكن لا يريد للآلم التوقف..

لا.. لحظة واحدة.. هي تتذكر، تتذكر الآن كل شيء.. عندما أخذت تتجول بالمنزل يوم أمس وسقطت بأرض تلك الغرفة الغريبة المختفية بداخل دولاب ملابسه.. لقد تذكرت قسوته معها، عذابه لها، ذلك الفندق وهذه الغرفة المشؤومة وتركها يومها بصحبة يُسري وبعدها نست كل شيء..

أهو كان يبتسم لها الآن؟ ويعاملها وكأنها لا تعلم شيء عن ظلمه لها؟ كيف له أن يكون بمثل هذه الطريقة معها وهو من ظلمها وكان السبب بكل ما حدث لها؟

فوجئت به يدلف الحمام لتشعر بالإرتباك ولكنها تذكرت أنها ترتدي ملابسها لتتلاقى أعينهما لتنظر له بغضب وإنزعاج كمن تريد أن تقتله بينما ابتلع هو وهو يتجه نحوها مد يده على الصنبور وفجأة تراجعت هي لتبتعد عنه في تقزز ولكن شعرت بالمياة الباردة بدلاً من الساخنة تتهاوى على رأسها

"هههئ بتتعمل ايه.. أنا.." شهقت وآخذ جسدها في الإرتجاف وحاولت الإبتعاد عنه بالمغطس وهو لا يزال ينظر لها في صمت ثم مد يده للصنبور مجدداً لتشعر بسخونة المياة لتنظر له في تعجب بأنه يتعامل معها بتلك الطريقة وظلت نظراتها المصدومة تتابعه حتى لاحظت أن نظرته لها مليئة بالإستغراب

"ابعد عني.. أنا افتكرت كل اللي أنت عملته فيا.. ابعد لو سمحت" استمع إليها وهو يرمقها متحكما ومسيطرا على ملامحه ولم يتوقف عما يفعله

"إيه مسمعتنيش! بقولك ابعد!!" صاحت به بينما لم يأتيها رد منه "هتفضل ساكت.. لا.. يعني أنت اللي زعلان مثلا ومش هاتكلمني وأنا اللي المفروض أكون مضايقة منك؟" حدثته بإنزعاج وحاولت أن تبتعد قدر المستطاع عنه بداخل المغطس الذي تتواجد هي به

"سمعتك، وبكلمك أهو عادي" أخبرها ثم حول المياة لتُصبح ساخنة مرة أخري ولكنه لم يعد ينظر لها وعندما شعر قليلاً أنها أصبحت بخير أوصد المياة وجذب يدها في رفق لتغادر مغطس الإستحمام ودون أي مقدمات بدأ في خلع تلك الملابس التي ابتلت على جسدها لتشعر هي بالخجل والإرتباك والغضب تجاهه لتنظر له في إندهاش وهي ترمقه في كراهية وابتعدت عنه أخذة خطوة للخلف وكادت أن تتحدث ولكنه سبقها

"نورسين.. لازم تتعودي متتكسفيش مني.. وبما إنك افتكرتي كل اللي حصل فأنتي عارفة إني شوفت جسمك قبل كده وأنا جوزك خلاص!!"

لا يدري أظهر على نبرته نفاذ صبره أم خوفه ورعبه مما يشعر به أم ماذا فهمت هي ولكنه بالكاد يتحمل تلك الدقائق التي تفرقه عن كل تلك التخيلات التي جلس يفكر بها منذ الصباح بطريقة لا يدري من أين له بها، كيف وهو خائف من مواجهتها ولكنه بنفس الوقت يود الحصول عليها هكذا؟!

ابتعدت هي عنه وهي تحاول أن تجعل عقلها يواكب ما يحدث منذ ليلة أمس لتنظر له في لوم وغضب شديد ولكنها لا تزال تقاسيم وجهها الممتلئة بالبراءة تمزق قلبه بداخله حتى أصبح لا يدري ما الذي عليه فعله..

"أنت ازاي بتتعامل عادي بعد كل ده؟ بعد ما خبيت عليا كل اللي حصل؟ استغليت إني نسيت لا وبتتعامل كويس وبنخرج وبنتفسح والدنيا حلوة ولا كأنك بهدلتني!!" صرخت به ليذهب هو مقتربا منها من جديد وهو لا يحاول النظر لخوفها ولا ملاحظته وإلا سينهار أمامها في ثوان!

ألقى ملابسها المبتلة أرضا بعد أن طأطأ برأسه للأسفل ثم وقف خلفها وأجبر جسدها بيديه على عدم التحرك بالرغم من حاولاتها في الابتعاد عنه

"متتحركيش.. مظنش إننا هنتكلم في كل حاجة وانتي لبسك مبلول وهتاخدي برد وراسك مصدعة بعد كل الشرب بتاع امبارح ده.. غيري وهنقعد نتكلم" حدثها بنبرة امتلئت ندم وإنكسارا ولكنها صرخت بالمنطق لتشعر بتيبس جسدها أمامه ليتبادلا النظرات سويا لوهلة

زفر وهي يرى رفضها الشديد له فقرر ألا يبالغ معها ثم أحضر احدى المناشف وتركها بالقرب منها كي تلف بها جسدها ثم وقف أمامها ليرى وجهها يعتريه الخجل ونظرها مسلط على الأرضية وهي في حالة من الإنزعاج والغضب وهي تقف أمامه بملابسها المبتلة وأنفاسها المرتبكة قد تعالت مما قد يفعله فحاول ألا يخيفها أكثر!!

"لو.. لو سمحت اخرج وسيبني" همست متلعثمة ورفعت رأسها لتجده ينظر إليها بطريقة غريبة لم تجده عليها يوما ما

"مينفعش تفضلي بالهدوم المبلولة دي هيجيلك برد.. غيري بسرعة وتعالي" أخبرها لترمقه في تردد بينما تركها هو وغادر..

❈-❈-❈


تفقدت حولها المكان فلم تجد سوى تلك المنشفة فخلعت كامل ملابسها ثم تبعته لتجده منتظرا اياها بجانب الباب فقدم يده لها في تشجيع لترمقه بتقزز وخوف ليزفر هو في ضيق ثم أشار نحو الأريكة الموجودة بالغرفة برأسه..

أتجهت لتجلس على الأريكة لتجد شطيرة وضعت بصحن على المنضدة وكوباً يحتوي على القهوة باللبن ثم وجدته يجلس بجانبها وجذب خصرها قليلاً لتواجهه بظهرها فشهقت هي وكادت أن تصرخ به ولكنه بادر

"كلي الساندويتش واشربي الكابتشينو قبل ما يبرد ومتقلقيش هنتكلم في كل حاجة" ابتلعت وهي تنظر له في حين أنها ابتعدت عنه قليلا على تلك الأريكة فبالطبع كيف ستتقبله الآن بعد معرفة كل شيء..

شعرت بالتوتر وخصوصا عندما تستمع لصوته الرخيم يهمس بتلك الطريقة وملامحه التي لا تُصدق تحولها فهو كان قاسيا معها كثيرا والآن يأتي ليفعل معها كل ذلك!!.. لا تُصدق أبدا!

"كلي علشان الصداع" حدثها بهدوء ولكن نبرته آتت آمرة فشرعت في تناول فطورها الذي كان بسيطاً على مضض لتشعر به فجأة يجفف شعرها بأحدى المناشف لتتعجب فهي لم تختبر هذا معه من قبل وبالرغم من أنها تحاول السيطرة على كل ما ينفجر برأسها من رفض له إلا أن خفقات قلبها دوت داخلها بعنف وأنفاسها تعالت..

"ابعد عني أرجوك" همست وأنتهت من تناول فطورها ليلاحظ بدر الدين أنها أوشكت على النهوض فجذبها مسرعاً من خصرها ليتوسد الأريكة بظهره واحتوى جسدها بين ساقاه لتجد ظهرها يلامس صدره وشعرت بالمزيد من الإرتباك..

"لو.. سمحت.. Mr. بدر، أنا.. سيبني.. أنا مش قابلة أي حاجة من اللي عملتها فيا.." تلعثمت وهي لا تدري كيف تُفلت ذراعاه القويتان حول جسدها وظل نهديها يرتفعا وينخفضا في صخب جراء تلك الأنفاس المتلاحقة توتراً من كل ما يفعله بها ومن اقترابه ومن خوفها منه بعد أن تذكرت ما فعله وشعرت بالرعب من إن تعرض لها بقسوته من جديد..

"نورسين" دفع جسدها بعيدا بعد أن حاول التمسك بسيطرته على أعصابه وجلس في مقابلتها ولتبدأ تلك المواجهة إذن التي يحاول الهروب منه منذ الكثير

"انتي عرفتيني من امتى؟"

"من.. من ساعة يوم التدريب" اجابته وهي تشعر بالإرتياب من نظراته وملامحه ليزفر هو في خوف ولكنه تابع "كنا في بداية شهر ستة اللي فات مش كده؟" سألها لتومأ له بإقتضاب

"من الأول كنت بعاملك بطريقة مش كويسة وفاكر إنك عرفتي اهلي علشان أسباب تانية، صح؟" تحدث لتومأ له من جديد بملامح اعتراها القلق والتقزز وعدم تقبلها له "فاكرة لما اشتغلنا مع بعض في المكتب ووقعتي؟" أومأت له ليتركها علها تتذكر مشاعرهما سويا

"أنا كنت بتشد ليكي بس برضو كنت مقتنع إن وراكي حاجة، وشوفت قبلها كريم كان جنب اوضتك، وبعدين المكالمة يوم ما كنتي معايا في المكتب.. فاكرة يا نورسين؟" غابت هي في شرود وهي بالفعل تذكرت كل ذلك ليرمقها بثاقبتاه ثم تابع

"بعد ما بقيتي تشتغلي معايا فضلت بحاول محتكش بيكي غير في الشغل وبراقبك.. كنا عدينا اول اسبوع في شهر سبعة.. فاكرة؟" أومأت له بإقتضاب "كنت ساعتها بتعامل معاكي بنفس طريقتي الشديدة.. بس كان عمري مديت ايدي عليكي ولا ضربتك؟" سألها لتومأ له بإنكار

"ليلة ولادة هديل.. فاكرة أنا سمعت ايه؟" أومأت بإقتضاب ثم زفرت في حُرقة

"بس أنا حاولت افهمك كتير اللي كان بيحصل.. انت مرضتش تسمعني.." نظرت له بلوم

"نورسين، أنا اللي بيجي ناحية اهلي وبحس من ناحيته بإستغلال مبشوفهوش غير في صورة الست اللي ولدتني.. وأنا مبكرهش في حياتي اكتر منها" ابتلع بصعوبة شديدة وهو ينظر إليها وحاول التغلب على الآلم الذي شعر به ولكنه لم يستطع أن يخبرها

"أنا قعدت عشر ايام بعذب فيكي.. من يوم الأوتيل لغاية ما وديتك ليُسري، أنا فاكر كل حاجة بس.. بس مقدرتش أسيبك يومها عنده.. مش عارف رجعت ليه.. علشان عرفت حقيقته من شاهندة ولا علشان كنت عايز ارجعلك انتي.." ابتلع تلك الغصة بحلقه واشتدت ملامح في ندم ليهمس بإنكسار بعدها سائلا

"من ساعة اليوم ده.. أنا عمري عملت معاكي حاجة زي زمان؟!" نظر لها بتوسل شديد واغرورقت عيناه بغيمة من الدموع لترمقه هي لثوانٍ في لوم ودمعت عينيها هي الأخرى ولكن لم يبك أيا منهما "مش علشان انتي نسيتي.. أنا والله كنت ناوي اني من يومها معاملكيش كده تاني.. مقدرتش يا نورسين!"

ارتبكت وجذبت تلك المنشفة عليها أكثر، بين تلك الملامح البادية على وجهه التي لأول مرة تراه بها وبين ما لا تستطيع تقبله من كل ما فعله معها ثم عادت لتتذكر طريقته معها بعد ذلك لتقع في حالة من الحيرة بين مشاعر مختلطة بالكراهية والشعور بالظلم وكذلك تلك الأيام الأخيرة التي عاشتها معه كانت جيدة بأكملها فلم تعرف كيف لها أن تتصرف في التخبط الشديد الذي يحدث لها!!

"أنا عارف إني كنت مفتري وقاسي وظلمتك.. بس من ساعة ما صحيتي ناسية كل حاجة، لغاية النهاردة.. احنا بقالنا اكتر من ست شهور متجوزين.. من اليوم ده يا نورسين كنت بعاملك وحش؟" انسابت احدى دموعه وهو يتوسلها لتبتلع هي ولم تستطع الإجابة ولكنه ظل منتظرا حديثها لتحمحم بغصة في حلقها ثم أومأت له بالإنكار

"بتعاملني كويس بس.. بس أنا مش قادرة انسى اللي حصل.." همست في آسى ليومأ هو لها بالموافقة

"حقك.." ابتلع بمرارة وجفف تلك الدمعة التي سقطت بغتة أمامها "أنا لسه عند اتفاقي.. لو عايزة نتطلق ماشي، ولو عايزة نبتدي بداية جديدة أنا هاكون مبسوط معاكي اوي.. زي ما كنا مبسوطين الأيام اللي فاتت.. فكري براحتك وقرري.. وخدي كل الوقت اللي نفسك فيه أنا مش هاجبرك على حاجة" همس إليها ثم نهض ليغادرها ورغما عنه لم يستطع منع دموعه التي تواترت بلا توقف..

يُتبع ..