-->

الفصل السابع والثلاثون - ظلام البدر - دجى الليل

 

الفصل السابع والثلاثون


تردد بداخله لبُرهة وارتبكت أنفاسه للحظة وهو يُقبل على أول جلدة ولكنه أزاح هذا الفكر بعيداً محاولاً أن يتخلص من ذلك الخوف الذي بداخله وشعوره بالذنب ونفضهما عن عقله لينهال على جسدها بأولى جلداته ولكنه لم يشعر بنفسه حينها..

لو فقط رآى نظرة الخوف والرعب بعينيه، لو يلاحظ تلك الإرتجافة بيده التي تجرأت على أذيتها؛ لو يلمح جبينه المتعرق فزعاً مما يفعله، لو يستمع للهاثه وجلاً، لو نظر لملامحه التي شابهت ملامح طفل مرتعب من عقاب والده له، من عذاب هؤلاء الرجال الذين يصاحبون والدته، من تلك القسوة المريرة بعيني والدته التي تُبدد بها براءة ذلك الطفل الصغير الخائف الذي ليس له ذنب بتلك الصراعات والمشاحنات بين والديه، لو يرى ذلك الطفل الذي قد مات منذ سنوات عدة ودفنه بداخله لم يكن ليفعلها أبداً.

صرخت هي في خوف وآلم من تلك الجلدة التي تهاوت عليها ولكن ما سببها؟ ما الذي فعلته حتى يفعل بها ذلك؟ لا تدري بعد ولا تفهم ما الذي دفعه للقيام بضربها؟ هي متأكدة أنها لم تخطأ، متأكدة أنها لم تغضبه، لماذا إذن عاد ليعاملها بتلك القسوة التي ظنت أنها انتهت للأبد؟ أكانت مُخطئة بحقه؟ أحقاً تركت نفسها لتقع بالحب مع رجل لا يحبها؟ أحنث بوعده لها؟ أتخلى عن وعوده وعاد ليصبح فظا غليظا مثل تلك الأيام التي آلمها بها؟

ولكن هذا خطئها.. لقد قررت بداخلها ودمعتها تنساب على خدها في صمت.. هذا ذنبها، لقد تتبعت مجرد سراب طوال نهارٍ اشتد لهيبه لأشهر وعندما توقفت أخيراً لتلمس وتصل تلك المياة التي ظنت أنها ستروي عطشها وجدته مجرد بقعة من ظلامٍ فارغٍ خاليًا من كل ما تمنت أن تجده عنده..

"اتكلمي يا نورسين وجاوبيني.. حاسة بإيه؟!" 

همس بين أسنانه المتلاحمة وهو يرتجف لا يدري خوفا أم غضبا بينما شعر بتلك الحُرقة بثاقبتيه التي انهال عليها قطرات تعرق جبينه ولكنه لم يكترث وامتلئ وجلا من ردة فعلها

"مش عارفة" 

همست مُجيبة وهي تحاول أن تداري بكائها وتكتمه، هي لا تدري أتشعر بالآلم فقط أم بالخوف أم بخيبة أملها به، أم بالندم لأنها قد أحبت هذا الرجل بل هي زوجته!!

"اتوجعتي؟!" صاح بنفاذ صبر محاولاً أن يلتقط أنفاسه

"ايوة.. ايوة اتوجعت.. أنا مش عارفـ.. أنت بتعمل فيا كده ليه؟ أنا معملتش حاجة غلط تاني.. احنا كنا اتفقنا، أنت عايز ليه تفكرني باللـ.."

"هشش"

قاطع تلك الكلمات التي هشمته وهي تنطقها بتلك الطريقة التي جعلته يُدرك كم هو ظالما بحقها وفداحة ما فعله وألقى بذلك الحزام بيده على الأرضية ثم هرول نحوها وهو يشعر بالندم الشديد، لم يستطع أن يُكمل، يدري أنها ليس لها ذنب بكل ذلك، ليس لها ذنب بأن تقع بالحب مع شخص مثله، لم يكن لها يداً بكل تلك الظُلمة بداخله، نورها البريء الساطع ليس مسئولا عن إنارة تلك العتمة الحالكة التي حولت البدر لظلامٍ دامس.

حل ذلك الوثاق من على عينيها لينظر لها في ارتباك وما إن رآى تلك الأعين الدامعة اهتز بداخله وشعر بزلزالٍ مرعب لم يستطع الصمود خلاله لينهار أمام حبات اللؤلؤ التي تتناثر على وجهها بلا إنقطاع!

أقترب منها وهو يحرر يداها من تلك الأصفاد الجلدية ليشعر بشهقاتها التي تعافر حتى تكتمها ومن قبل لم يسمع بكائها بتلك الطريقة التي تبكي بها الآن.


لقد امتلئت إنكساراً، قلة حيلة، وهنا، ضعفا شديدا، وهيبة أمل ورجاء، ولكن ما كان يرتعد منه هو ذلك الشعور الذي سيطر على ملامحها بأنها تشعر بالخيانة والغدر، نحيبها الخافت يصرخ بأنها قد أُذيت من أكثر من كانت تطمئن معه وتشعر معه بالأمان، تلك الصدمة البادية على وجهها وخيبة الظن التي كست عيناها لم تكن مثل المرات السابقة!! هو يُدرك الآن أنه لن يستطيع تعويضها أبدا عن كل ذلك..

"ليه؟؟ ليه بتعمل فيا كده؟! أنت رجعت زي الأول ليه؟"

همست لينهار هو من داخله من تلك النبرة المهتزة التي عكست كم تحطمت هي بداخلها عندما فعل بها ذلك ليقف هو كالمشلول تماماً ولا يدري من أين له أن يتحدث لها ويبدأ معها بالكلام!!

"أنا.. أنا بس كنت محتاج أعمل كده عشـ.." تلعثم ثم ابتلع في خوف وهو يزجر نفسه، أحقاً فكر أنه كاد أن يُبرر لها فعلته؟

"أنا آسف!" أخبرها هامسا ولأول مرة يفعلها مع إمرأة يعذبها، بين قسوته تخللت عبارة اعتذاره لها ثم جذبها لتستقر رآسها على صدره لتجهش بالبكاء ولأول مرة لم تبادله العناق ليشعر بتلك الفجوة التي عكست جرحها الشديد بما فعله بها وهو لا يدري كيف سيعمل على أن يداوي ذلك الجرح حتى يلتئم!!

"أنا بحبك اوي، حبيتك بجد، ليه عملت فيا كده؟!" صرخت بين بكائها المرير وتلك النبرة عبرت عن مدى آلامها، ليست الجسدية بل خيبة ظنها الشديدة به..

"مش هاعمل كده تاني.. اهدي"

ربت على ظهرها وهو لا يدري كيف له أن يتصرف ثم حملها بين ذراعاه وهو لا يزال يشعر بإرتجافاتها على صدره ولاحظ أن تشبثها الذي اعتاده لم يكن مثل السابق ليلعن نفسه ويلعن كيف هو ليُعرضها لكل ذلك!

--

توجه لغرفتهما ليريح جسدها على السرير ثم اسدل الغطاء على جسدها ليراها تتضم ركبتيها لصدرها في وضع الجنين كمن تريد العودة لأحشاء أمها، الإنكسار التي بدت عليه كان يفوق احتماله، لم تنظر له نهائيا ليشعر بالمزيد من الغضب تجاه نفسه ثم دلف بجانبها أسفل الغطاء ليحتضنها لصدره وهي حتى لم تمنعه ولم تستطع منع بكاءها كذلك!!

أيظن أنه ببضع لمسات واعتذار سيعوضها؟ ألا يدري أنه ذكرها مجدداً بكل شيء؟ بمّ كان يُفكر عندما أقدم على ما فعله؟ لماذا يُحملها ذنب ليس بذنبها؟ هو يعرف أنها ليست ليلى، يُدرك أن ليلى أحبت كل ذلك من أجله، أصبحت خاضعة له وأجبرت نفسها على تحمل هذا فقط من أجل أنها تُحبه بشدة، يدري أيضاً أن نورسين تُحبه هي الأخرى ولكن بدايته وعلاقته بليلى مختلفة كثيراً عما هو به مع تلك البريئة..

ليلى كانت ناضجة للغاية، تُحبه بجنون، لم يُعاملها مثلما عامل نورسين، لم يخطأ بحقها أبدا، أما تلك الفتاة التي تحملت قسوته وعنفه ما ذنبها أن يُخرج عليها ذلك الكبت الذي تزايد بداخله؟

قربها لصدره أكثر وكأنه هو من يحتمي بشعاع نورها المُضيء من تلك الظلمة بداخله التي تُعذبه عذابا لا نهائيا طوال حياته ثم أوصد عيناه لتعم الظُلمة الحالكة مجدداً بعقله وهو يتذكر أشد وأعنف تلك المرات التي تعرض بها للعذاب من كلا والديه..

"طلقها، حرام عليك أُمي وأخواتي ذنبهم ايه إنها تيجي كل شوية البيت وتعملنا مشاكل" صاح بدر الدين بحُرقة بعد أن غادرت وفاء لتوها وهي كالعادة قد خاضت بمجادلة كلامية عن حصولها على الطلاق.

"أنت فاكر بقا عشان رجليك شالتك هتيجي تقولي أعمل ايه ومعملش ايه؟! بس تمام أنا هحللك المشكلة دي ومش هاتشتكي منها تاني أبدا" تسائل صابر بتهكم ليبتسم ابتسامة ساخرة ثم توجه للخارج وهو يدلف سيارته ليتبعه بدر الدين في غضب شديد ثم دلف بجانبه

"أرجوك كفاية المعاناة اللي أمي واخواتي عايشين فيها بسببها، طلق الإنسانة دي بدل المشاكل اللي كل شوية بتيجي تعملها هنا"

"تمام!! أنا هاعمل حاجة كويسة اوي عشان أخلصك وأخلصها" ابتسم بإقتضاب ثم توقف ليهاتف وفاء من احدى الهواتف بالسنترالات العامة

"هاعدي عليكي كمان ربع ساعة تنزليلي.. مش عايزة تطلقي بردو؟"

انطلقوا ليكملا الطريق بعد أن أنهى مكالمته بهدوء وبدر الدين لا يُصدق حقاً ما سمعه للتو بأذنيه؟ أسيطلقها؟ بمنتهى السهولة هكذا؟ بعد سنوات من الجدال والصراع أكان كل ما عليه فعله أن يتحدث معه بذلك؟

أخذ يُفكر وهو بجانب والده، مرت تلك الدقائق بسرعة ولكن بنفس الوقت سأل نفسه لماذا أستجاب له هذه المرة؟ أهذا لأنه أصبح بالواحدة والعشرون من عمره؟ لربما يُدرك أباه الآن أنه أصبح رجلاً ويستطيع أن يعتمد عليه؟ حقاً لا يدري ما الذي يحدث له حتى يوافق بهذه السهولة!

دلفت وفاء السيارة بالمقعد الخلفي بمنتهى الزهو والخيلاء وهي تضيق عيناها وتحاول النظر لصابر خلال المرآة الأمامية وابتسمت تلك الإبتسامة الجانبية ثم صدع صوتها

"وأنت ايه اللي غيرك فجأة كده.. الحنية دي كلها منين؟!"

"ابنك يا هانم خلاص بقا راجل وعايز يخلصك من الهم اللي أنتي فيه، رجليه شالته خلاص.." تحدث صابر بسخرية لتعقد هي حاجباها ثم أطلقت ضحكة خافتة متهكمة

"لا بجد.. من امتى أنت بتربي رجالة يا صابر يا ابو البنات؟!" تعالت ضحكتها بنبرة مستفزة "ولا عشان حتة العيل اللي خلفته على آخر الزمن فاكر نفسك عندك راجل.. أنت طول عمرك شورة نسوان ولا نسيت"

"بقا أنا شورة نسوان!! أنا هوريكي بقا شورة النسوان"

لم يُصدق بدر الدين أنهما يتجادلا مجدداً، لا يدري لماذا يفعلا به ذلك؟ إلي متى سيظل يستمع لتلك الجدالات؟ وإلي أين يتجه والده؟ هذا ليس طريق مأذوون ولا محكمة، إلي أين هو ذاهب على كل حال؟

صف السيارة أمام مبنى غريب، لم يأت هنا يوماً بعمره، يبدو وأنه من تلك المباني التي تخص الدولة بدا كسجن ما أو يخص احدى المراكز الأمنية ولكن بنفس الوقت يبدو قديماً وكأنه فارغ من الجميع، ما الذي يدفع أباه أن يأتي هنا؟

ترجل جميعهم من السيارة ليلاحظ إنتشاء غريب يظهر على ملامح وجه والده بينما زفرت وفاء في تآفف ثم صدحت بصوتها

"ده طلاق ولا زيارة مسجون.. ما تخلصني بقا!!"

"هخلصك يا وفاء أنتي وابنك حالاً" ابتسم بتهكم ثم وقف على البوابة ليتحدث مع احدى الحرس هامساً وبالكاد استطاع بدر الدين تمييز الحديث

"محمد بيه.. كنت مكلمه على الموضوع... آه.. صابر الخولي.. تمام" هذا كان كل ما استطاع بدر الدين سماعه من كلمات والده الهامسة بينما وفاء وقفت على مضض تضرب الأرض بذلك الحذاء ذو الكعب المبالغ به وذلك المظهر الذي لا يليق إلا بعاهرة!!

أومأ لهم ليتبعاه ثم دلفا خلفه ليمرا من البوابة الرئيسية وسمح لهم الحرس بالمرور بعد إجراء التفتيش المعتاد ولكن لم يستطع بدر الدين معرفة ما هذا المبنى!! لم يجد لافتة واحدة، هناك أسلاك شائكة حاوطت تلك الأسوار الشاهقة، العديد من البوابات الموصدة، منظر ذلك المبنى الداخلي الذي لم يتعدى طابقان ولكنه يبدو غريباً وكبير المساحة أيضاً..

دلفوا جميعا من احدى البوابات الأمامية التي بدت وكأنها البوابة الرئيسية لينظر لهم الجميع يتفحصونهم بغرابة بينما لاحظ أن والده يدرك إلي أين يذهب جيدا، فمن الواضح أنه أتى هنا من قبل..

دلف احد الأبواب التي لم يوضع بجانبها لافتات ليصافحه احدى الرجال الذي جلس خلف مكتب يبدو فخماً وتلك الغرفة بدت مُرتبة وكأنها تُستخدم كل يوم عكس ذلك المبنى الغريب!!

"صابر ازيك.." ابتسم بإقتضاب له ليومأ صابر أومأة من الواضح أن ذلك الرجل فهمها ليُنادي على الفور "حامد.." دلف رجل يبدو وأنه مساعد أو حارس لذلك الرجل الأول الذي صافح والده

"نعم يا باشا"

"وصل المدام وابنها وهنحصلك"

"تحت أمرك يا باشا" وقف الرجل ذاك المُسمى بحامد أمام كلاً من بدر الدين ووفاء الذي ظهرت ملامح الإنتظار عليه ولكن لم يشعر بدر الدين بالراحة لذلك الرجل وتوجس بنفسه لا يدري لماذا ولكن تبعه في صمت وهو يحاول ألا ينظر لوفاء قدر ما استطاع!

"وأنت بقا يا نُغة تعرف أبوك مودينا فين؟!" صاحت وفاء بتهكم ليسحق هو أسنانه غضباً وأومأ لها بالإنكار "صحيح حتة عيل مش عارف حاجة.. يالا ادينا هنشوف!"

سارا بأحدى الأروقة التي بدت وكأنها بلا نهاية ليهبطا درجا طويلاً ليسيرا برواق آخر ولكنه كان أقصر من ذي قبل ثم دلفا بغرفة لم تحتوي سوى على منضدة وكرسيان مقابلان لبعضهما البعض حولها ومصباح متواضع بالسقف بالكاد أنار الغرفة فجلسا وهناك بابا مُغلق بأحدى الأركان للغرفة وبدأ هو بالشعور بالغرابة عندما تركهما ذلك المدعو حامد وصفق الباب خلفه ليسمع صوت المفتاح به..

لم يستمع سوى طرقات حذاء وفاء التي لم يكره أكثر من صوتها التي امتزجت بأنفاسه الغاضبة ولم يواكب عقله الصراخ به بآمران اولهما أن هناك شيئاً ليس على ما يُرام، وثانيهما تلك الذكريات المريرة عندما كان يبكي لوالدته أن يذهب معها وألا تتركه بمفرده ولكنها كالعادة لم تكن تكترث له!!

زفر في آلم وحيرة بآن واحد، لم يكن عليه تصديق والده، لابد وأن هناك شيئا ما كي يقوم بإحضاره إياهما لذلك المكان الغريب!

بعد عدة دقائق دلف صابر وهو يبتسم بطريقة جعلته يزدرد بينما أقتربت وفاء منه على الفور في نفاذ صبر وهي متحفزة لأحدى الجدالات التي يبدو وأنها لن تنتهي على خير

"ايه.. جايبنا هنا عشان تحكي مع واحد صاحبك!! ما تخلصني بقا من العيشة المقرفة ووشوشكم اللي كرهتها دي بقا" صاحت له بجبروت

"ماشي يا وفاء.. أنا هخلصك حاضر وهخليكي أنتي بنفسك تتمني ماتشوفيش وش حد فينا!!"

اخبرها وهو يتوجه لذلك الباب الذي انزوى بأحدى الأركان لتتبعه هي في تحفز بينما صدح صوت والده ولا يدري بدر الدين لماذا شعر بالوجل والغرابة

"بدر الدين!" صاح والده ليبتلع وتوجه هو ناهضا نحوه ليقف خلفه وهو يفتح الباب الذي لم يستطع بدر الدين تبين الغرفة التي تقبع خلفه من شدة الظلام بها..

دلف والده ليتبعاه كلاً منهما ولم يتبينا إلي أين هما ذاهبان من شدة الظلام لتصدح وفاء في تآفف

"ما تخلصني بقا.. فين المأذوون ولا ايه المكان المُقرف ده؟.."

"هخلصك حالاً" اجابها بسخرية ليوصد الباب باحدى المفاتيح ثم أنار الغرفة لتتسع عينا بدر الدين في وجل مما رآه..

تلك المُجسمات المعدنية التي تدلت منها الأصفاد هو يعلمها جيداً عندما عذبه من قبل على احداها، ولكن ما ذلك الجهاز الغريب الذي وضع باحدى الأركان وامتدت منه العديد من التوصيلات والأسلاك الغريبة التي بنهايتها ما يُشابه المساكات الغريبة!!

"أنا جاي هنا عشان اوريكي الفاشل اللي فكرتي إنك هتقدري تزقيه عليا وتخليه يطلقك ويساعدك في وساختك زي ما انتي عايزة.. وعشان اكسره قدامك وأعلمه ازاي ميبقاش وسخ ولا استغلالي زيك أبداً!"

تحدث بنبرته القاسية التي يعلمها بدر الدين جيدا لينظرا له وهو يُخرج احدى الأسلحة النارية ليهدد كلا منهما مشيراً لهما

"أنت أقلع قميصك وانت عارف هتقف فين كويس.. وأنتي بقا اتفرجي كويس عليه واعرفي إنك هتفضلي مذلولاي العمر كله، واللي هينطق فيكم بحرف ممكن اموته هنا عادي ومحدش هيعرفله طريق جرة!"

ابتسم بشر بينما ازدرد بدر الدين بخوف من تلك النظرة بعينا والده! فلقد حفظها عن ظهر قلب في كل مرة عذبه بها

"أنا مزقتش حد وماليش دعوة.. سيبني أمشي.. أنا مطلبتش حاجة منـ.."

ولم تُكمل ليصفعها صابر بشدة حتى سقطت أرضا بينما توجه لبد الدين وهو يشير له بأن يوضع يداه بأحدى الأصفاد بنفسه ووجه ذلك السلاح عليه بعد أن لقم الزناد!!

--

لم يدر متى تهاوت دموعه وهو يحاول أن يكتم نحيبه بصعوبة وهو يتذكر كيف صعقه والده يومها، لقد عذبه ببطأ، لقد أهانه أمام والدته التي لم تكترث له ولم يلمح ولو نظرة شفقة واحدة بعينيها التي شابهت خاصته..

إلي الآن لا يزال يشعر بآلم ذلك اليوم، يرتجف بداخله ويحاول ألا يظهر عيله ذلك كلما تذكر تلك الصعقات الكهربائية المتوالية، صوت والدته وهي تخبر والده أنها لا تكترث وكل ما تريده هو المغادرة وسواء هو تدخل أو لا ستحصل على طلاقها منه رغما عن أنف الجميع، صدى صراخه بتلك الغرفة لا يزال يستمع إلي صداه، عندما غادر ذلك المكان الذي عرف بعدها أنه كان يُستخدم لتعذيب الخارجين عن الدولة أمنيا، يتذكر كم كانت حالته متدهورة وبالكاد أستطاع أن يأخذ خطوات حتى السيارة وبدا مدمراً..

لا زال يتذكر صرخات نجوى وشاهندة عندما شاهداه مترنحا غير قادرا على الوقوف، يتذكر كيف تحدثا لوالده يومها، يتذكر أيضاً أن كل ما أجاب به أن بدر الدين مجرد مستغل مثلها ويريد أن يعاونها حتى يأخذا منه الأموال ليس إلا..

كانت تلك المرة هي الأبشع على الإطلاق ومن آخر المرات التي عذبه بها، شعر بالإهانة الشديدة لأنها كانت تراه بعينيها ولم تكترث له على الإطلاق، رآى أنه مهما فعل ومهما تقدم في حياته ومهما بلغ من العمر سيرى والده أنه يشابهها تماما، لم يدرِ إلي متى كان سيراه بمثل تلك الطريقة؟

الآن هو يدري جيدا ما الذي حدث له عندما شاهد كل من يُسري وكريم يتعرضان لتلك الصعقات.. يدرك ما الذي ماذا حدث له عندما رآى وفاء.. لا زال يشعر بإنكساره الشديد منذ ذلك اليوم بتلك الغرفة، ولازالت وفاء تنظر له كطفل ولن تراه كرجل أبداً..

"أأنت.. أنت بتعيط ليه؟!"

همست نورسين ووجهها يبدو حزينا من أجله عندما رآته يبكي وكذلك من خذلانه لها ليندهش أنها بين حُزنها على نفسها تشعر بالحزن من أجله هكذا لتلامس هي وجهه بأناملها في رفق، ليفتح هو تلك الثاقبتان ولأول مرة ترى مثل ذلك الحُزن بعينيه وذلك الإنكسار الشديد بهما.. فكما خذلها هو قد خذلته الحياة بقسوتها وعلقمها مرارا وتكرارا دون هوادة..

"سامحيني.."

همس بين بكاءه المرير على رجولته التي دُمرت على يد كلا من أبويه وفي لمح البصر اعتلاها ليُقبلها في رفق ولكنه لم يرد أن يبتعد عنها، يشعر بأنه يحتاج لكل ذلك الضياء والنور الذي يشع منها، لا يريد الابتعاد عنها، يشعر بالندم لما فعله ولكن لا يستطيع أن يتعايش بكل ذلك الكبت والغضب بداخله! وترك مرضه بإيلام غيره والإستمتاع بالأذى الجسدي لمن أمامه يتحكم به؛ وبها!!

اعتلاها وبدأت يداه في العبث على جميع أنحناءاتها الأنثوية أسفله ولكن لمساته كانت عنيفة، ضارية كالوحش المفترس الأهوج، أصابعه تتغلغل داخل تلك الإنحناءات وعلم جيدا أنها ستترك علامات ستكرهها هي لاحقا.. ليس فقط الآلم الجسدي ما يبتغيه ولكن الآلم النفسي.. مثل ما عانى هو يريد أن تُعاني هي مثله..

لم يستطع أن يتوقف عن افتراس تلك الشفتين بهذه الطريقة المتوحشة، لم يستطع أن يكون ليناً بتلثيم عنقها، زادت حدة لمساته وقسوته وطريقته في مداعبتها لتتزايد صرخاتها أسفله ليُصبح هو كالأعمى وزادته تلك الصرخات رغبة مريضة.. بينما زادتها هي رعبا وخوفا منه ومن طريقته الهمجية..

قبض على نهديـ* ها في عنف شديد حتى ظنت هي أنه سيخلعهما من كثرة اجتذابه لهما في قسوة لتصيح هي أسفله وهي لا تدري كيف توقفه وكادت أن تتحدث ولكنه قد غاب بين ملتقى سا قيها وأخذ يداعبها بمنتهى العنف والهمجية الشرسة التي لن تستطيع تلك البريئة أن تواجهها لتغيب هي في حالة  من الآلم لم تعرفها من قبل.. كان خبيثا معها هذه المرة، يريدها أن تغيب في حالة من النشوة كي تتقبل لاحقا ما سيوقعه بها من انتقام من كل ما واجه مع والدته ويسري وكريم كي تظن أنها مجرد ممارسة لا غير!

لعقها وهي تصرخ أسفله وجسدها يتلوى لا يدري في آلم أو في المطالبة بالمزيد مما يفعله وهي تظن أنه زوجها الذي مارست معه الحب من قبل ليُسلب عقله وهو يشعر بمدى سيطرته وهيمنته عليها فباعد بين ساقيها بحدة ليقبض على كل ساق بخشونة وقوة لا نهائية ودفن وجهه أكثر ليتعالى صراخها بصخبٍ وهمهمت هي بكلمات لم يستطع هو تبين ماهيتها!

أعتلاها ليُقبلها بشغف مرضي ولكن بقسوة حتى شعر بصرختها المتآلمة بين بفمه ليبتلعها ثم جذب رأسها للخلف لتصيح هي أسفله في آلم حتى فرق قبلتهما..

"أنت بـ.."

"سامحيني.. أنتي مالكيش ذنب" قاطع همسها ليهمس هو 

"استحمليني أرجوكي.. أنا عارف إنك مالكيش دعوة بكل ده بس أنا مش قادر.. أنا محتاجك.. مش محتاج غيرك يا نورسين.. أنا مبقتش شايف غيرك في حياتي"

همس ثم انهمرت الدموع من عينيه وهي لا تدري لماذا كل ذلك الحزن بعينيه ونبرة الآلم تلك تُغلف صوته وبنفس الوقت لا يتوقف عن ممارسة الحب معها بتلك الطريقة..

شعرت به يُخرج أصابعه وهي تائهة في حالة من النشوة والتعجب والآلم من ذلك العنف الغريب وتصرفاته السريعة التي كانت تتوالى في لمح البصر وقسوته التي يُعاملها به وفي نفس الوقت اخترقها بعنف بالغ حتى شهقت من ذلك الآلم الذي شعرت به يهتك أحشائها!

"أنتي مش عارفة أنا لو معملتش كده.. مش هاقدر أ.." 

تلعثم ولم يستطع إكمال ما ود أن يقوله ليدفع بها بسرعة شديدة ليشعر هو برجولته تلامس أعماقها لتشهق هي في آلم وتصرخ مما يفعله بها

"براحة، أرجوك أنت بتـ.."

"مش هاعرف.. مش هاقدر.. أنا آسف" 

تحدث بلهاث بين شهقاته وهو يدفع بها بجنون ولم تتوقف هي عن الصراخ لتبكي هي الأخرى وهو لا يدري كيف يوقفها عن بكاءها الذي يُمزق فؤاده لأشلاء ليدفن وجهه بعنقها وقبض على كلتا ساقيها بمنتهى القوة واستمر فيما يفعله دون توقف..

ظلت دموعه تتهاوى وهو يعاشـ ـرها بتلك الطريقة المُهينة بينما هي لا تستطيع أن تفعل شيئا، لا تدري ماذا به ولا تدري لماذا يفعل بها ما يفعله، هي تتذكر كل تلك المرات السابقة لم تكن بهذا العنف!

أوصدت عيناها وهي تبكي بتهاون وفي نفس الوقت شعرت بالحزن لأجله ولم تتبين لماذا يبكي بتلك الحرقة ورغما عن الآلم الذي تشعر به حاوطته بذراعيها لتهمس بأذنه

"متعيطش طيب.. أنا هاستحملك بس متعيطش. بالراحة أرجوك وكل حاجة هتكون كويسة" 

همست بنحيب وهي تشعر بقلبها يتألم من أجله وجسدها يتألم من قسوته المُفرطة ليجهش هو بالبكاء

"أنا مستاهلكيش.. مستاهلش حد بالطيبة دي.. أنا عارف إني غلطان بس.. بس مش عارف ابطل اللي أنا فيه"

همس بصعوبة بين بكاءه ليرغم جسدها على الإلتفات أسفله حتى أصبح ظهرها يقابل صدره وانسلت منها ليجبرها على الإتكاء على يديها وركبتيها وأمسك بها لتتغلغل أصابع يده بخصرها بعنف شديد صرخت هي على أثره وأخترقها بقسوة لتصرخ هي حتى شعر بتألم حلقها..

أمسك بشعرها وظل يدفع دون رحمة، لم تستطع هي إلا الصراخ من عنفه الهائل، لا تشعر بالمتعة اليوم مثل ما عهدت كلما أقترب منها، آلمها كان أكبر مما يفوق تصورها، تعرف أنها تُحبه، تعرف أنها حزينة من أجله، ولكن ما يفعله معها قد فاق كل الحدود، لم تظن أبداً أن هناك ممارسة بتلك الوحشية والشراسة الشديدة..

أقترب من أذنها وهو لا يزال متشبثًا بخصرها وزاد من حدة جذبه لشعرها الحريري حتى كاد أن يقتلعه ليجبر رأسها على الإنصياع للوراء بفعل جذبته لها وأصبحت أذنها أمام شفتاه

"حقك عليا.. أنا آسف.. مش هاعملها تاني.. بس المرادي أنا تعبان أوي، حاسس بحمل الدنيا كله عليا.. أنا لما بحس بكده ببقا عايز أعمل اللي بعمله ده.. استحمليني يا نورسين أرجوكي"

همس بين دفعاته التي أجبرت زرقاويتيها على الزوغ في تشتت شديد وشعرت بنفسها ترتجف بشدة وهو لا يزال مستمرًا ولم تستطع التحمل أكثر لترتخي يديها وسقطت على السرير ولكنه لن يتقبل هذا!

جذبها من خصرها محيطا اياه بذراعه ليجلسها مجددا راكعة ولكن جعل مفاتنها مقابلان لظهر الأريكة ودفع بها دون تهاون دفعات سريعة وبدأ هو الآخر في إطلاق تآوهات امتزجت بتآوهاتها الذي لم يدرك هو أهي من النشوة الشديدة أم من الآلم البشع الذي يُسببه لها..

دون أي إكتراث أو رحمه ترك لوحش ساديته زمام الأمور لتسيطر على كلاهما كي تُزيد من ظلام روحه، وتبدد ذلك النور الذي لطالما اتصفت هي به..

"أنا.. أنا.. خلاص.." 

أقترب من أذنها وهو يهمس بلهاث شديد ولكن لا هو يريد أن يرى تلك الزرقاوتان وهي تهمس بأسمه..

نهض عنها ثم جذبها لتنهض هي الأخرى وأرغم جسدها على الدوران لينظر لوجهها الذي كسته الحُمرة الشديدة والإرهاق الواضح عليه من كثرة آلام ما فعله بها ببشاعة ثم حملها وأجبرها على محاوطة خصره ورفع ذراعيها مجبرا اياها على معانقة عنقه لترتخي يدها  في إنهاك ليسحق هو أسنانه على ما فعله بها ولكنه لا يستطيع التوقف بعد أن انتصبت رجولته هكذا ولابد له من الشعور بالخلاص..

دفع جسدها واياه لأحدى الحوائط لتتآوه هي آلما من ذلك الإرتطام العنيف الموجع ونظرت له بأعين شارفت على فقد وعيهما ليحاوط هو وجهها ونظر لها في آسى لتتهاوى دموعه ولكنه دفع بها مجددا بعنف..

"كفاية.. أرجوك" 

صرخت في إنهاك ولكن نبرتها لم تكن مثل قبل فهي لم تعد تتحمل أيا مما يحدث

"صرخي يا نورسين.. قوليلي إنك بتحبيني.. قوليلي إنك مش هاتبعدي عني.. أنا خايف تبعدي عني أوي" 

همس بمزيج من الخوف والرغبة بإيلامها ودفع بها بكل ما أوتي من قوة

"مش هابعد، أنا بحبك.. بس كفاية كده.. أرجوك.. مبقتش قادرة" 

همست في إرهاق وانهال جفنيها على عينيها في حالة شابهت الإغماء

"أنا كمان بحبك اوي، بحبك يا نوري.. بحبك ومقدرش أعيش من غيرك، أنا ظلمتك، أنا آسف.. آسف على كل حاجة عملتها معاكي وعلى كل مرة زعلتك فيها.. أنا مستحقش حبك ولا أستحقك.. أنا.. "

أخبرها هامسا وأوصد عيناه ليقترب من شفتيها مقبلًا اياها لتشعر هي بدموعه بين قبلتهما لتبكي هي الأخرى من أجله حتى اختلطت دموعهما ثم شعرت بإرتجافة جسده لتحاول التمسك بعنقه تقربه لها أكثر كي لا تسقط مستعينة بآخر ما يملك جسدها من قوة تحمل بينما دفع لمرة أخيرة ولكنها كانت أقوى مما سبقها لترتجف هي الأخرى ثم خارت قواها تماما ولم تشعر بعدها بأي شيء لتقع في حالة إغماء..


يُتبع  ..