-->

الفصل التاسع والثلاثون - ظلام البدر - دجى الليل

  

الفصل التاسع والثلاثون

"عرفتي بقا هتعملي ايه؟" سألتها شاهندة لتومأ نورسين ثم تنهدت وشردت بالفراغ وظلت تُفكر بكل ما أخبرتها به شاهندة "ده ايه السكوت ده كله؟" تعجبت شاهندة

"أبدا .. بفكر"

"بتفكري في ايه قوليلي"

"ليه نجيب حد من برا وأحنا قدامنا فارس؟" توسعت زرقاوتاها بلمعة

"ممممـ.. مش انتي قولتي انه بيحب بنت و.."

"ايوة بس ده هيكون كمان في صالح أن اهله ينسوا الموضوع ولو سمعوا اننا مخطوبين يمكن يهدوا" قاطعتها "ده عمي كان عايزني اطلق واتجوز فارس كمان" أخبرتها في حُزن وقلبت شفتاها لتصدح شاهندة ضاحكة

"ده بدر كان أكلهم بسنانه! قال تتجوزي قال!"

"ما احنا هنفهمه كده"

"ايوة وبكرة تشوفي بيغير عليكي ازاي.. انتي يا بنتي نسيتي لما شافك يومها بالمايوة.. ده كان هيفرقع جنبي وطلع جري عليكي.. أنا خدت بالي بس عملت نفسي عبيطة" غمزت لها بإبتسامة

"بس خدي بالك، انتي عارفة طبع بدر، تستحملي اللي هيجرالك بس انتي اللي قولتي انك عايزاه وده الحل الوحيد قدامي" أخبرتها بجدية لتتنهد نورسين

"عارفة يا شاهي.. أكتر حاجة وجعاني ايه؟ مش عصبيته ولا قراراته ولا حتى ظلمه ليا، مش موقف ولا اتنين، لأ أنا استحملته مرة واتنين وعشرة، لكن انه بعد كل ده يسيبني ويبعد، مش قادرة اسامحه عليها ابدا، كمان أنا عمري ما ضغطت عليه ولا طلبت منه يتغير، كنت فاكرة لما أكون هادية كان هيبتدي يقولي كل حاجة بس اللي عمله ده حاسة إن دي أكبر غلطة غلطها في حقي"

"نور.. أنا عارفة موضوع كريم" همست بعد أن تنهدت لتتسع عينا نورسين في صدمة لتومأ لها شاهندة بالموافقة "بدر حكالي كل حاجة، وقالي على كل اللي حصل، أنا عارفة إنه ظلمك كتير أوي"

"ظلمني!!" ابتسمت بتهكم وحزن "ده وراني العذاب ألوان، وأنا عشان طيبة وهبلة نسيت وسامحت" تريثت لبرهة ثم تعجبت "هو فين كريم صحيح وعمل فيه ايه؟!"

"معرفش.. محدش يعرف.. حتى هديل بتقول لولادها إنه سافر في شغل" تنهدت ثم أكملت "هو ايه اللي حصل بالظبط يا نور ما بينكم بسبب الموضوع ده؟"

"مش هاقدر احكيلك.. كان أولى احكيلك وقتها.. بس دلوقتي خلاص مبقاش ليها لازمة"

"سفرية لندن دي كانت فشنك مش كده؟" أومأت لها نورسين بالموافقة ثم تهاوت احدى دموعها عندما تذكرت كل ما حدث لها على يده وكيف كان يعاملها، هي لا تبكي مما حدث بل تبكي لأنها سامحته بالنهاية

"أنتي بتحبيه أوي كده يا نور؟!" سألتها لتومأ لها مجددا وتناثرت حبات اللؤلؤ على وجههيا من تلك الأبحر بين جفنيها

"بحبه!! بدر ده بالنسبالي كل حاجة في حياتي.." ابتسمت في وهن وشردت وهي تتذكر كل ما جمعها به "الوحيد اللي كنت بحس إني متلخبطة قدامه، اول حب في حياتي، عرفني يعني ايه حب بين راجل وست، حنيته عليا وغيرته وخوفه اللي كنت بشوفه في عينيه، أنا ادمنته، كل حاجة فيه بحبها، من اول بصاته المخيفة دي وريحته وشعره وضحتكه وصوته.. مش عارفة أقولك ايه، أنا عمري ما حبيت يا شاهي.. وعمري ما اتعاملت مع راجل غيره"

"ده أنتي ناقص تقويلي عنده حسنة في قفاه" صاحت شاهندة مازحة كي توقفها عن البُكاء بينما نظرت لها نورسين بزرقاويتين متسعتان وقد نجحت شاهندة فيما أرادت أن تفعله

"لأ عنده حسنة في مكان تاني" أخبرتها هي الأخرى مازحة

"لا لغاية هنا وفعلاً مش عايزة أعرف" توسعت عيناها في تعجب لتضحك نورسين "أيوة كده أضحكي يا نور.. كل حاجة هتكون كويسة إن شاء الله" ابتسمت لها "وعلى فكرة بقا لو دخلنا نوجا في لعبتنا هتفرق جامد.. احنا لازم نحكيلها على كل حاجة"

"نقولها.. بس أنا خايفة تكون في صفه ومتوافقش دي بتحبه اوي يا شاهي"

"طبعاً بتحبه.. بدر ده في حتة تانية بالنسبالها عشان كده هي أكتر واحدة هتساعدنا، هي بتحبك كمان ونفسها أكيد تشوفكوا مبسوطين"

"هي ليه بتحب بدر اوي كده؟!"

"بدر يا نور مامته كانت ست مش كويسة، وكان مش فارق معاها أبدا، كان بيصعب على ماما أوي، وكان متعلق بيها جدا، بالذات أنها كانت بتدافع عنه من اللي بابا بيعمله فيه، أنا ساعات لما بفتكر بعيط أصلا.. معرفش بدر أساسا قدر يكون كده ازاي، يمكن عشان أنا وماما كنا دايماً جنبه"

"هو ايه اللي حصله بالظبط؟"

"لا دي بقا بتاعته يبقا يحكيلك هو.. بس خليكي واثقة في كلامي.." لم ترد أن تخبرها عن تلك الأشياء لتومأ لها نورسين بتفهم "فين بقا الأكل اللي أنا معشمة نفسي بيه؟.."

"حالا اهو.. تعالي ساعديني بس"

"أوك"

--

"ماشي أنا معاكو.. بس أنا فعلاً خايفة من رد فعله" أخبرتهما نجوى

"آه ما أنا قولت كده بردو.." تحدثت شاهندة

"متخافوش.. مش هيحصل يعني أسوأ من اللي حصل" شردت نور متنهدة ليجدن زينب تأتي وملامحها ليست تبدو بخير فتعجبن جميعا

"خير يا زينب فيه ايه؟!" تسائلت نجوى في تعجب

"وفاء يا هانم مستنياكي في الصالون!" اجابتها في توتر فزينب تعلم من هي جيداً لتصيحا كلاً من نجوى وشاهندة في آن واحد

"وفاء!!" اعترت الدهشة أعينهما بينما تعجبت نورسين التي لا تعلم من هي "عايزة ايه دي بس" تمتمت نجوى

"ربنا يُستر يا ماما" اختلفت ملامح شاهندة وارتبكت لتهمس نورسين سائلة وهن يتوجهن جميعاً لغرفة الإستقبال ويغادرن الحديقة

"مين وفاء دي؟"

"دي مامة بدر" زمت شاهندة شفتيها مجيبة اياها بينما رفعت نورسين حاجبيها في تعجب ولكنها أرادت أن ترى تلك المرأة التي لطالما أخبرها الجميع أنها كانت استغلالية، لتُدرك أيضاً بداخلها أنها هي وتلك الفتاة في القبو الغريب ذلك قد آخذتا بسببها حتى يفعل بدر الدين كل ما فعله معهما..

دلفن غرفة الإستقبال وتلك الزرقاوتان لا تُصدق كم شابه بدر الدين تلك المرأة، نفس الشعر الفحمي ونفس الأعين وحتى تلك النظرة الثاقبة، يبدو حقاً كقطعة منها، ولكنها تعجبت لما ترتديه، فهي تبدو في عمر بدر لا تُصدق أنها حقاً والدته!!

"خير يا وفاء.. جاية ليه؟" تحدثت نجوى بملامح جامدة

"ما هو لو كنتي ربيتي راجل بصحيح مكنتش جيتلك" اتسعت أعين كلا من شاهندة ونورسين لما سمعتاه ولم تُصدق الأخيرة تلك الطريقة التي تتحدث بها والدته عنه وبنفس الوقت تتعجب كثيراً، فحتى طريقتها تبدو كبد الدين تماماً

"افتكري يا وفاء إنك في بيتي.. اتكلمي بإحترام عني وعن ابني"

"احترام آه.. وماله.." ابتسمت بتهكم ونورسين تكاد تجن من تلك الإبتسامة التي رآتها على وجهه من قبل كثيراً "أصلكوا أنتوا اللي محترمين اوي.. رميتولي شوية فكة وطلعتوني منها وبعدين كبرتوا كل حاجة من ورايا. أنا ليا حق في كل ده، أنا جاية عشان حقي.. وإذا كنتوا فاكرين إن اللي ادتهوني بعد ما صابر مات كان حاجة فخدوه تاني بس ابقا شريكة معاكو!"

"امشي اطلعي برا يا ست أنتي" هنا تدخلت هديل التي آتت لتوها

"جرا ايه يا نجوى.. مش عاملالي فيها كبيرة واحترام ومش احترام.. ما تلمي بنتك"

"هديل!!" صاحت نجوى بتحذير بينما لم تكترث هديل

"أنتي فاكرة إنك ممكن تاخدي تعبنا وشقانا بعد العمر ده كله.. امشي اطلعي برا.. أنا لولا بس الفضايح كنت خليت الأمن يجرجرك من شعرك ويرميـ.."

"هديل!!" هنا صاحت نجوى لتقاطعها وتنهيها عما تفعله "أنتي يا وفاء اخدتي حقك من زمان، اتفضلي من غير مطرود"

"حق!! حق ايه؟! شوية الفكة دول بتسموهم حق، ما هو صحيح طول عمرك حرامية، سرقتي صابر وبعدها بدر وفي الآخر فلوسه" تحدثت وفاء لتهينها لتغضب جميعهن من تلك الإهانة التي وجهت لنجوى بينما ابتسمت نجوى بإقتضاب

"حرامية؟! وسرقتهم؟! منك أنتي؟!" تسائلت في تهكم "لآخر مرة بقولك اتفضلي من غير مطرود"

"بقولك ايه يا ست أنتي.. كلمة واحدة كمان وهكلملك الشرطة.. امشي من هنا" صاحت هديل بإنفعال

"شرطة؟! جرا ايه يا عيلة يا صغيرة أنتي، هو كلكوا عياركوا فالت.. نجوى معرفتش تربيكوا ولا ايه؟"

"زينب!!" هنا تدخل حمزة الذي سمع صوتهم المرتفع "اندهيلي حد من الأمن يجي ياخد الست دي" دلف حمزة بغرفة الإستقبال ليواجه وفاء "كلمة واحدة كمان في حق مراتي وأمي وحد هنا في البيت ده وأنا هابهدلك.. امشي اطلعي برا ومش عايزين نشوف وشك تاني"

"وأنت بقا ايه؟ طالع في دور السنيد، بدر سايبك وراه كلب حراسة؟"

"ما تحترمي نفسك يا ست أنتي" صاحت شاهندة وهي لا تتقبل تلك الإهانة على زوجها

"أنا لولا وجود اللي حواليا كنت عرفتك مقامك كويس.. اياكي تهوبي ناحية البيت ده تاني وإلا أنا مش هاسيبك"

"يالا يا شوية حرامية يا نسوان في قلب بعض، فاكرين هتاخدوا وتاكلوا حقي واسكتلكوا" صاحت بصوت عالٍ بينما أقترب منها احدى الحراس الذي أمسك بذراعها

"بس لأ أنا مش هاسيبكوا، وأنتي يا نجوى ياللي مربتيش راجل وبتتحامي في شوية نسوان هاعرف آخد حقي منك تالت ومتلت.. مش هاسيبلك زمان ابني وجوزي ودلوقتي كمان الفلوس والشركات.. أنا هاعرف كويس اخد حقي ازاي أنـ.." صرخت بينما دفعها للخارج حتى أختفى صوتها.

تهاوت نجوى على أحدى المقاعد في حزن من كل ما سمعته وكذلك تهاوت احدى دمعاتها ليهرول الجميع نحوها عدا هديل التي شعرت بالغضب الشديد وعلمت ما عليها فعله جيداً!!

--

خلل بدر الدين شعره الفحمي وهو يهز رأسه في إنكار ثم أكمل كلماته باللغة الإنجليزية للأخصائي النفسي الجالس أمامه وهو لم يعد يدري أحقا كان قراره صحيحا بأن يحاول أن يُجرب العلاج أم لا؟

"لا أدري.. كان ذلك الحل الوحيد أمامي بأن ابتعد عنها" تحدث باللغة الإنجليزية ثم لوى شفتاه في حزن "لربما كنت خائف من أن تراني بشكل أسوأ من هذا"

"أنت لا تثق بنفسك إذن، لا تثق بأنك لن تستطع أن تتحكم في كل ما بداخلك أمامها؟!" أومأ له بدر الدين

"لا أريد أن أظلمها أكثر من ذلك.. كما أنني خائف من أن تراني بهذا الشكل مجددا، كما أنني لا أستطيع أن أصارحها بأكثر من ذلك، لا أظن أنها ستتقبل أبدا شخص مثلي.. لذا تراجعت، لا أدري هل أنا أبحث عن علاج لكل ذلك من أجلها هي أم من أجل نفسي!"

"سيد بدر.. أظـ.."

"عفوا.. علي الإجابة على هاتفي.. اعتذر ولكن يبدو أن هناك أمراً لا يحتمل الإنتظار" أخبر بدر الدين من أمامه ثم نهض ليجيب على هاتفه

"ايه يا هديل خير.. أنا كنت في اجتماع" تحدث بحنق

"وفاء جت.. هزئتنا كلنا بما فيه الكفاية.. أنت لازم تشوف حل يا بدر في الموضوع ده"

"عايزة ايه؟ وقالت ايه؟ احكيلي كل اللي حصل بالحرف.."

--

"خير يا نوجا.. زينب قالتلي إنك عايزاني" جلس زياد بجانبها وهو ممسكا بأحدى أكواب القهوة

"زياد.. أنت ابني زي ما اخواتك ولادي، بس اللي أنت فيه ده مبقاش عاجبني" تحدثت نجوى بإنفعال

"فيه ايه بس يا ماما؟" توسعت عيناه ثم ترك الكوب على المنضدة أمامهما

"فيه إنك خلاص كبرت.. اتدلعت بما فيه الكفاية.. سفر وخروجات وفسح وشُرب" تريثت لبرهة لترى ارتباكه الواضح

"فاكرني نايمة على وداني مش كده؟ لأ أنا لعلمك عارفة كل حاجة بتحصل وكويس اوي" تنهد زياد وهو لا يدري لماذا تُخبره نجوى بتلك الكلمات

"أنا استنيت اخواتك يسافروا هما وحمزة ونور تروح شغلها عشان محدش يسمعنا في اللي بنقوله.. أنت بقا ناوي على ايه؟"

"ناوي على ايه في ايه؟"

"ناوي تكمل بقا في دور الإستعباط ده لغاية امتى؟"

"استعباط ايه بس يا ماما"

"أنا أقولك.. شغل المراهق اللي أنت عايشه ده مش هينفع تكمل فيه كتير، وأنا لغاية دلوقتي مش عايزة اخد منك موقف وسيبتك لغاية ما تخلص براحتك عشان متتحججش بالجامعة، أنا ممكن اخد عربيتك والفلوس ومصروفك والموبايل وابقا قابيلني بقا ووريني هتقدر تعيش ازاي"

"هو ايه بس اللي حصل لكل ده؟" تعجب زياد وهو يشعر بالغضب تجاه كل ما أخبرته به والدته

"اللي حصل إنك بقيت راجل.. هتفضل مكمل في شغل الأطفال ده لغاية امتى؟ أنت عارف بدر الدين وهو في سنك كـ.."

"آه قولي بقا بدر!!" قاطعها مبتسماً بتهكم "كل حاجة بدر بدر لما زهقت!"

"اياك بس تقول عليه كلمة.. ياريت تبقى زيه في يوم من الأيام! نفسي أشوفك ناجح زيه"

"هابقا احسن منه كمان!" صاح بحرقة وانفعال

"زياد.. أنتو الاتنين ولادي ونفسي اشوفكوا في احسن حال.. أنا عارفة أنت بتحب بدر قد ايه، بس أنت اللي لما حد بيكلمك عن مصلحتك بتضايق، بس أنا مش هاسيبك"

"بحبه ولا بكرهه.. مش هاتفرق خلاص من ساعة ما اتجـ.."

"مش هاتضحك عليا وتفهمني إن نور فرقت معاك..، من يوم ما كانت تعبانة أنا شوفتك وأنت مش بتسأل فيها على عكس بدر، لما حتى بقت كويسة ولا كانت بتفرق معاك في حاجة لكن بدر مكنش بيشيل عينه من عليها.. أنا عارفة ولادي، أنت بصيت لنور بصة البنت الطيبة الحنينة المحترمة الأمورة اللي تتجوزها وتآمنها على بيتك ومن وراها تروح تعمل اللي أنت عايزه، لكن بدر حبها!"

"ملهاش علاقة، أنا قولت هاتجوزها قبله" انكر زياد وهو يعي جيداً أن ما تتحدث به نجوى صحيحاً

"يا ابني أكبر بقا، هو الجواز باللي يلحق؟!" صاحت نجوى متهكمة "اعقل بقا يا زياد! أنا الفترة الجاية دي هديك فرصة، عايزة أشوفك انسان مسئول وكبير"

"طبعاً وزي بدر مش كده؟" نظر لوالدته بغضب

"ماله بدر؟ ماله يا زياد؟ مش ده أخوك اللي بتبصله دايماً على أساس إنه أب ليك؟ أنت عارف بدر ده كان بيتعمل فيه ايه؟ وبالرغم من كل ده وقف على رجله.. تعالى بقا أنا احكيلك حاجة واحدة بس من اللي أتعرض ليه وأنت ابقا أحكم بنفسك.." تنهدت نجوى ثم آخذت تتذكر منذ أن حدث من سنوات عدة

"في يوم وفاء جاتلنا وبردو كانت عايزة تطلق من صابر الله يرحمه وعايزة تاخد فلوسها اللي في الشركة ومؤخرها، وفي الآخر كالعادة مشيت بخناقة.. ساعتها بدر كان عنده واحد وعشرين سنة، يعني أصغر منك مفيش بسنتين" تنهدت بحُرقة ثم أكملت

"بدر دخل يكلمه، كان عايزه يطلقها عشان نخلص من مجيتها كل ساعة والتانية ومكنش حابب يشوفني مضايقة ولا عايز المشاكل تكبر أكتر من كده في البيت، فجأة لقيت صابر مشي هو وأخوك بالعربية.. فين بقا آخر الليل سمعنا صوت عربيته جريت أنا وشاهندة نشوف ايه اللي حصل لقينا صابر داخل عادي جداً ولا كأن فيه حاجة ولقينا بدر داخل وراه واتنين من الأمن مسندينه وشكله تعبان جداً ومش قادر يقف على حيله، طلع اوضته بالعافية واترمى على السرير وعلى قد ما كان بيخاف من صابر بس فعلاً يومها كان متدمر لدرجة انه مقدرش يغير هدومه.."

تريثت نجوى وهي تحاول أن تجفف دموعها وتلك الذكريات الشنيعة لا زالت تتذكرها وكأنها البارحة لتقص تلك اللحظة التي لا تبارح ذاكرتها

"تعرف أنا يومها مسبتش صابر، كنت خلاص جبت آخري، قولتله لو عملت كده فيه تاني أنا هاسيبك ونتطلق وكل واحد يروح لحاله"

"أنت ايه؟ مفيش في قلبك رحمة؟ تقدر تقولي؟ أنت بتعمل فيه كل ده ليه؟ ليه مش بتعاملو زي شاهي وهديل وزياد هو مش ابنك زيه زيهم؟" صرخت نجوى بإنفعال شديد وهي تبكي من كل ما حدث

"فكراني ايه؟ مبحسش.. أنا في الآخر أب" صاح صابر بغضب ثم جلس على السرير بإنكسار "بس.. أنا كل ما بشوفه قدامي بفتكرها، شبهها اوي ومفيهوش اي حاجة مني، ضحكتها وشعرها وعنيها وكل حاجة فيه نسخة منها، خايف يطلع زيها في يوم، هايبقى استغلالي، خايف ياكل حق اخواته، خايف عليكي، خايف منه ومش لاقي حل غير اللي بعمله معاه"

"أنت بطريقتك دي هتحوله لوحش، هتحوله لآلة تدمرنا كلنا، بدر ده أنا اللي ربيته وأنا متأكدة إنه مش زي ما أنت ما بتقول، اشمعنى أنت حنين مع كل ولادك إلا هو؟!" تريثت ولكن لم يُجيبها لتتنفس هي بعمق وجففت دموعها "خلاص يا صابر أنت حر، بس لو بدر الدين عملتله حاجة تاني اعتبر انه آخر يوم بيني وبينك، ومش هسيبلك بدر و.."

"ماما الحقي بدر جسمه بيتنفض بطريقة مش طبيعية وسخن أوي" دلفت شاهندة الغرفة وهي تُصيح في رعب لتنظر نجوى بلوم وعتاب شديدان لصابر

"تعالي يا شاهي.. رقم الدكتور كان هنا جنب التليفون.."

أخذا يتحدثا للطبيب حتى يستطيعا أن يعلما ما الذي يحدث لبدر الدين بينما نهض صابر في غضب شديد وترك الغرفة وتوجه للخارج لتبتلع نجوى خوفا من أن يذهب إليه ويفعل معه شيئاً آخر.

"شاهي كلمي الدكتور وتابعيه وأنا هاعمله كمدات.." تحدثت نجوى لإبنتها لتومأ لها بلموافقة بينما توجهت نجوى لتعرف ما الذي يفعله صابر.

".. عارف إني قاسي عليك، عارف إني وريتك كتير، بس أنت شبهها، حتة منها، بتفكرني بيها كل ما بشوفك، بتفكرني اني اضحك عليا، بتفكرني قد ايه حبيتها ووثقت فيها وهي خانتني مع أقرب الناس ليا، بتفكرني بكل مرة قالتلي انها نامت مع واحد ولا بقت تكرهني، أنا يا ابني خايف منك وخايف عليك، نفسي أكسر جواك كل حاجة ممكن تكون واخدها منها، خايف تكون استغلالي زيها، أنت عارف وأنت صغير كنت حتى بتعيط زيها، بنفس طريقتها؟! أنا بس لو اقدر أقولك كل ده وأنت صاحي كنت فهمتني.. بس أنا مش قادر أعمل كده، أنا لازم أكون قاسي عليك عشان يوم ما تعيش بعدي تبقا قوي وجامد وميهزكش حاجة، سامحني يا ابني.. سامحني بس أنت لازم تكون السند والضهر من ورايا لنجوى وأخواتك، أنا عارف هي بتحبك قد ايه وعمري ما منعتها من اي حاجة كويسة تعملهالك وعمري ما منعت اخواتك انهم يحبوك، بس أنا استحالة ابطل اشوفها فيك، أنا اتقهرت منها كتير، كسرتني ونزلتني من نظر نفسي كراجل، اللي شوفته منها مكنش قليل.. سامحني على قسوتي يا ابني.. بس طول عمرك هتفضل الحاجة اللي رابطاني بيها ومش هاقدر اسامحها ولا هابطل اشوفها فيك" كتمت نجوى نحيبها وهي لا تدري ما الذي تفعله عندما وجدت صابر يبكي بجانب بدر الدين هكذا..

"متخيل يا زياد واحد مشافش حنية أم ولا رحمة أب؟ متخيل كمان إن بدر طول عمره فاضل شايل لصابر إنه جابه يعيش هنا وسطنا؟ حاول يكون إنسان أحسن وكان شاطر دايماً وشالنا بعد ما صابر ما مات.. أنت يا حبيبي ظروفك احسن وكلنا بنحبك، عايزة أشوفك أحسن يا زياد، وبدر أخوك الكبير يا حبيبي.. لازم تحبه زي ما هو ما بيحبك وبيخاف عليك وعلينا كلنا.. متخيبش ظني فيك يا حبيبي" بكت نجوى لتجد زياد يبكي هو الآخر ثم نهض ليُعانقها وهو يحاول أن يوقف نفسه عن البُكاء

"أوعدك يا ماما إني هاتغير حاضر.."

--

"أنتي يا شاهي تخليها تشتري خامات كتير وتقنعيها أن لازم الكميات تكون كبيرة عشان المشروع الجديد.. وأنتي يا هديل أنا فهمتك هتوديها فين كويس.. ويا حمزة متنساش موضوع المحامي عليك والميزانية عايزك تخربهالها.. وهنشوف بقا ساعتها هتبقا تعمل ايه!!"

صاح بدر الدين في حُرقة وهو يمر على عقله كل ما مر عليه مع وفاء وخاصة ما أخبرت به نجوى الذي عرفه من هديل ولكنه قد صمم تلك المرة من داخله أن يُدمرها تماما حتى تبتعد عن حياتهم جميعا..

"تمام يا بدر متقلقش" أخبرته هديل ليومأ لها ثم شرد بالفراغ "طب.. أنا هنزل لحسن جعانة أوي.. حد هايجي معايا؟!" سألت هديل ولكن لم يجيبها أحد لتومأ شاهندة لحمزة في أن يتبعها حتى تنفرد ببدر الدين

"آه يا هديل أنا كمان جعان خديني معاكي.."

"ماشي.. معلش بس ممكن تجيب شنطة زينة معاك"

"حاضر" توجها للخارج وهديل تحمل زينة التي لم تستطع تركها لأنها ذات سنة واحدة من العمر ولا تستطيع تركها بعد وتركا شاهندة بصحبة بدر الدين لتفيقه من شروده

"مالك ساكت ليه؟"

"لا مفيش أنا تمام" اجابها بإقتضاب "يالا أنا هاقوم اروح.. مش فاهم ليه مجتوش تقعدوا معايا في البيت" زفر في ضيق لتبتسم شاهندة

"عادي حبينا نسيبك براحتك وقولنا نخلينا في الأوتيل هنا"

"طيب يالا سـ.."

"هاتفضل سايبها كده؟!" قاطعته قبل أن يذهب

"لو سمحتي أنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده"

"لغاية امتى يا بدر؟ تقدر تفهمني؟"

"معرفش بقا.. بس خليكي واثقة أن ده الأحسن ليها، ده كان الحل الوحيد قدامي" صاح بحنق لتنهض شاهندة ووقفت أمامه لتنظر بعينيه

"مين قالك إن ده الأحسن ليها؟ تعرف ايه عنها دلوقتي ولا هي كويسة ولا لأ؟ مين قالك إن ده الحل الوحيد؟ ليه تعمل فيها كده وتسيبها وهي بتحبك؟ ليه تبهدلها معاك كده من غير حتى ما تديها سبب إنـ.."

"عشان أنا انسان معقد، إنسان بيستلذ بعذاب اللي قدامه، ليه هي تستحمل كل ده" صرخ مقاطعا اياها وهو يلهث بعنف فهو قد شعر بالإنكسار مجددا وانفجرت بداخله الآلام عندما شعر من حديث أخته أنها ليست بخير ثم ارتجفت أطرافه غضباً

"شاهندة سيبيني دلوقتي وامشي"

"لأ مش هامـ.."

"سيبيني بقولك!!" صرخ بها في غضب ونبرة لم تحتمل النقاش ولكنها ابتسمت بداخلها لرؤية تلك النظرة بعينيه وتأكدت من أنه لا زال يُحبها ثم تظاهرت بالتأثر وتوجهت للخارج حتى تلحق بهديل وحمزة.

خرجت من المصعد لتتوجه لمطعم الفندق الذي يقيمون به وبعد أن أشارت لها هديل توجهت نحوهما بينما ناداها صوت أنثوي تعرف صاحبته جيداً

"شاهي.. وحشتيني.." التفتت شاهندة بأعين متسعة وهي غير مُصدقة لمن وقعت عليها عينها!


 ..يُتبع