-->

الفصل الأربعون - ظلام البدر - دجى الليل

  

الفصل الأربعون

"سهيلة.. بجد مش مصدقة الدنيا صغيرة" صاحت شاهندة وهى تعانقها 

"فعلاً بجد الدنيا صغيرة.. عاملة ايه انتي وحمزة ومامتك وهديل؟.."

"تمام الحمد لله.. ازيك يا سيف عامل ايه؟" صافحت شاهندة أخوها "عامل ايه يا علي؟" وكذلك زوجها ليصافحها الاثنان بإبتسامة "ما شاء الله مين القمامير دول" اقتربت شاهندة وهي تقبل رأسي طفلتان

"لارا ولورين، بناتي" اجابتها

"ربنا ما يحرمك منهم يارب ويباركلك فيهم"

"ايه يا بنتي بتعملي ايه في امريكا؟"

"اخويا بيأسس فرع للشركة هنا وكنا محتاجينه في شوية حاجات فجيت انا وحمزة وهديل.. دول قاعدين هناك اهو.. ما تيجو نتغدا سوا لحسن انتي وحشاني اوي"

نظرت سهيلة لكلاً من اخيها وزوجها اللذان لم يمانعا وتوجه الجميع لتلك المائدة التي يجلس عليها حمزة وهديل ليتصافح الجميع وجلس حمزة وعلي يتبادلان أطراف الحديث لأنهما كانا على سابق معرفة منذ سنوات الجامعة وكذلك شاهندة وسهيلة بينما شعر كلا من هديل وسيف الدين بالغرابة!

"ياااه.. بجد كنتي وحشاني اوي يا شاهي، سبحان الله أشوفك هنا واحنا بقالنا سنين متقابلناش.. احكيلي عاملة ايه؟!"

"أبداً.. كله زي ما هو بالنسبالي أنا وحمزة، بس بقا بابا مات بعد ما اتجوزنا بشوية وكمان بدر بعد ما اتجوز مراته ماتت.. يعني شوية لعبكة كده بس ماشية الحمد لله"

"طب وولادك؟!" تسائلت سهيلة بعفوية لتبتسم شاهندة في آسى

"ربنا مأرادش.. الحمد لله"

"أنا آسفة يا شاهي مقصدش" هزت سهيلة رأسها في إحراج "بس ايه السبب؟ يعني آسفة لو بسأل بس.."

"من غير آسف" قاطعتها ثم أكملت "المشكلة مني.. يعني أنا حاولت كتير وروحت لكذا دكتور وسافرت حتى ألمانيا وملقتش حل" تنهدت في حزن

"استني بس.. أنتي الكلام ده عملتيه من كام سنة؟"

"يعني قبل ما بابا يتوفى.. من حوالي 10 سنين"

"حاولتي بعدها تاني طيب؟" أومأت لها شاهندة بالإنكار "طيب بصي.. أنا كان عندي مشكلة كبيرة والحمد لله ربنا رزقني بلارا ولورين، هو الموضوع صناعي بس مفيهاش حاجة لما تحاولي تاني.. وأنتي لسه سنك يسمح يا شاهي"

"بلاش احسن.. أنا مش عايزة أتعلق بأمل تاني في الموضوع ده وحمزة بردو مش عايزة اعشمه بحاجة ويطلع الموضوع مالوش لازمة في الآخر لأني حاولت كتير قبل كده وفي الآخر مبيحصلش حمل.. الحمد لله على كده" تحدثت لها في حزن

"طب بصي أنا هاحكيلك اللي حصل معايا والموضوع كله محتاج عشر شهور مش أكتر.."

ظلتا يتحدثا وشاهندة تستمع ولكن جزء بداخلها قد أبى تماماً الفكرة لأنها لم تعد تريد أن تُعلق حمزة مجددا بأمل زائف ولكن سهيلة لم تدعها دون أن تخبرها بكل ما عليها فعله..

"بس بقا يا زينة يا حبيبتي تعبتيني، واكلة ومغيرة وواخدة دواكي، عايزة ايه تاني بس؟!.." صاحت هديل في إرهاق وهي لا تدري كيف تستطيع إسكاتها

"ممكن؟!" تدخل سيف الذي مد كلتا يداه لها لتهز رأسها في عدم تصديق ثم أعطت زينة له

" يالا Good Luck" تمتمت له ثم نظرت لزينة بين يداه لتجده يخلع عنها حذائها وأخذ يُلاعبها حتى سكتت تماما بين يداه لتتعجب هديل ثم قطبت جبينها

"دي اللمسة السحرية مش كده؟!" تحدثت متعجبة ليضحك سيف الدين مقهقها لتشرد لثوانٍ بتلك الضحكة الرجولية

"لا أبدا.. لسه معدي بالخبرة مع لارا ولورين مش أكتر.." أجابها ونبرته لازالت تحمل أثر ضحكته

"ما أنا عندي اربعة غيرها.. بس مش عارفة بتدلع دي ولا ايه، اخواتها مكانوش زيها كده خالص"

"ما شاء الله، ربنا يباركلك فيهم"

"شكرا.. وأنت معندكش أولاد ولا لسه متجوزتش؟" سألته بعفوية ولم تكترث أنها تدخل في أموره الشخصية هكذا دون سابق معرفة ليحمحم هو وتريث لثوانٍ قبل أن يُجيب

"للأسف أنا مش.." حمحم مجدداً ليُكمل بعد زفرة "أنا مبخلفش.. وطلقت مراتي عشان مظلمهاش معايا وهي كانت عايزة أولاد" أندهشت هديل ثم شعرت بالإحراج منه

"أنا آسفة يعني لو اتكلمت بالطريقة دي أنا مكـ.."

"لا ولا يهمك.." قاطعها بإبتسامة مقتضبة

"لا دي اللمسة السحرية بجد بقا!!" صاحت هديل التي رأت زينة قد غفت بين ذراعاه لتومأ له ليخفض سيف الدين نظره لتلك الصغيرة

"ده أنت أعجوبة والله.. كنت فين من زمان.. دي مجننانا كلنا، أنت تيجي معانا مصر بقا" ابتسم هو وهو ينظر لزينة ثم أعاد نظره لهديل التي لا يدري من أين آتت هكذا لتُخرجه من ذلك الحال الذي كان يمر به منذ أشهر!

"لا مصر ايه.. أنا خلاص حياتي بقت هنا، شغلي وكمان سهيلة وعلي والبنات" أخبرها بإبتسامة

"أنت بتشتغل ايه؟!"

"مهندس مواقع"

"مهندسين everywhere (في كل مكان)" تمتمت وهو لم يستمع بوضوح لما قالته

"بتقولي حاجة؟!" تعجب لتمتمتها التي لم يستطيع سماعها

"لا مفيش" اجابته وهي تهُز رأسها في إنكار بينما عقد هو حاجباه بغرابة ولا زال محافظا على ابتسامته التي تحولت للإستغراب من شرودها المفاجئ ليقاطع صمتهما رنين هاتفها

"نعم!! يعني ايه Meeting (اجتماع) من غير ما اتبلغ!!.. اتفضلي الغيه! لأ مش هيحصل وأول وآخر مرة حاجة زي دي تتم من غير ما تبلغيني!.. واحنا من امتى بنحضر لحاجة من غير ما نبقا متأكدين؟.. أنا الـ GM .. كريم بقا هيجي بكرة ولا بعده ولا كمان مية سنة مش موضوعك، ولعلمك كريم آجل سفره ومش جاي غير كمان تلت شهور.. ولا كمان شهر ولا سبعة.. اتفضلي الغي الإجتماع لغاية ما اجيلك"

أنهت المكالمة في انفعال ولاحظ سيف الدين تلاحق انفاسها في غضب

"ايه خير؟! شكلك اضايقتي" حاول الإستفسار لتنفجر هديل بالكلام

"الـ Personal Assistant (المساعدة الشخصية) مش فاهماها، حتة غبية، رايحة تأكد على الناس اجتماع وفاكرة إن كريم راجع الشهر الجاي وهو أصلا مش هيـ.." توقفت من تلقاء نفسها في غضب ثم وصدت عيناها لتتنفس بعمق

"اهدي بس.. مين كريم؟!" حاول أن يُهدئها ويستفسر أكثر

"جوزي.." اجابت بتلقائية لتزفر في ارتباك ثم فتحت عيناها "مممـ.. أقصد طليقي" أومأ هو لها في تفهم بينما هي نظرت في غير اتجاه عيناه "يعني.. هو.. هو.. Head of operations (رئيس قسم العمليات) ومسئول عن المواقع في الشركة و.." تنهدت مجدداً وهي لا تدري ماذا عليها أن تُخبره "هو مسافر و.. ومش عارفين هيرجع امتى ويعني.." تنهدت مجدداً ليلاحظ سيف الدين ذلك الإرتباك الذي امتزج بالحزن قد تحكم في ملامحها

"ممكن متتكلميش في الموضوع لو حابة.." أخبرها بإبتسامة بعد أن شعر بتلك المعاناة التي تصارعها ولكنه أدرك أن هناك أمرا ما يتعلق بزوجها ولم يرد إحراجها أكثر من ذلك

"الموضوع بسيط يعني" توسعت ابتسامته لتتلاقى أعينهما بعد أن نظرت هديل له وأومأت له في موافقة ثم تنهدت بإبتسامة مقتضبة وأكملت تحدثها معه وهي لا تُصدق تلك السلاسة التي تجاذبا بها أطراف الحوار..

--

"بس لأ يا حمزة أنا حاسة إن الموضوع مالوش لازمة، وبعدين أنا مش عايزة نتعلق بأمل تاني على الفاضي" تحدثت شاهندة في ارتباك ليمسك حمزة يداها في رفق ونظر بعينتاها بإبتسامة

"بصي يا شاهي.. أنا حافظك وعارف مين اللي قدامي كويس.. أول ما حكتيلي اللي قالتلك عليه سهيلة عينك كانت بتلمع وكأنك لقيتي كنز.. وبعدين حسيتي إنك ممكن تظلميني مش كده؟!"

حدق بتلك النظرة التي دائما تجعلها تشعر بأن ليس هناك إنسان على وجه الأرض يستطيع فهمها سواه فأومأت له بالموافقة على سؤاله!

"حبيبتي.. أنا راضي بكل اللي يجيبه ربنا.. وأنا واثق في حبنا وواثق إنك عمرك ما هتظلميني أبدا" ابتسم لها لتومأ هي بالرفض

"لأ.. أنا كده هظلمك، هنفضل نفكر ونروح ونيجي ونعمل زي كل اللي عملناه زمان وفي الآخر هـ.."

"استني بس.." قاطعها ثم جفف تلك الدمعة التي تهاوت على وجنها

"أولا لو عيطتي بسبب الموضوع ده ساعتها هتبقي بتظلميني فعلا وهتحسيسيني إني عاجز عن إني اكون فاهم الإنسانة اللي مبحبش في الدنيا حد زيها" تريث لبرهة ثم أكمل

"ثانيا، أنا مش هتعلق بأمل، أنا هتعلق بيكي أنتي وبثقتي فيكي، هتعلق بحبيبتي اللي أخترتها زمان وباختارها دلوقتي وهختارها مليون مرة لغاية ما أموت" تهاوت دموعها في صمت وهي لا تُصدق أنه ينطق بتلك الكلمات التي جعلتها تشعر وكأنها تحلق بالسماء

"شاهندة أنا بحبك، ومش محتاج أقولك أنا بحبك من امتى وقد ايه عشان بجد مالوش لازمة بعد السنين دي كلها نفكر بعض بالكلام ده.. بس أنا بحبك زي ما أنتي، بأطفال أو من غير، أنا اخترتك وقابلك بكل ما فيكي زي ما أنتي قبلتيني وحبتيني زمان بكل اللي فيا، أنا المرادي عايزك تحاولي وأنتي واثقة إن ده مش هيغير ما بينا حاجة، ربنا رزقنا بعد اللي هتعمليه نقول الحمد لله، وإن محصلش نصيب لا قدر الله نقول بردو الحمد لله وكفاية إنك جنبي ومعايا.. أنا بس كل اللي هيفرق معايا هي فرحتك اللي لاحظتها وأنتي جاية تقوليلي على الموضوع وكأنك خلاص لقيتي حل، أنا عايز أشوفك سعيدة وفرحانة وأي حاجة ممكن تسعدك أنا مستعد أعملها عشان خاطرك" أقترب منها ليقبل جبينها بينما ازداد بكاءها

"حمزة أنا مش عارفة أقولك ايه، أنت حتى بعد السنين دي كلها.. يعني.."

"بس يا حبيبتي متعيطيش عشان خاطري" حاول أن يُهدئها بعد أن عانقها ليشعر بشهقاتها على صدره "اهدي بس عشان خاطري.. ولا اتضايقتي من كلامي؟"

"لأ.. لأ متضايقتش.. بس.. بس حسيت إن كلامك ده كتير عليا و.." تحدثت بين بكاءها وهي تحاول أن تتوقف عن البكاء

"أنا اللي قولته ده ميجيش نقطة في بحر يا شاهي، ولا أنتي مش عارفة أنا بحبك قد ايه؟" نظرت له بعد أن تراجعت للوراء قليلاً

"والله يا حمزة أنا محظوظة بيك.. مش عارفة لو مكنتش جنبي كنت عملت ايه"

"أنا اللي محظوظ إن حبيبتي ومراتي أطيب وأحسن واحدة في الدنيا" حاوط وجنها بكفه ليجفف المتبقي من دموعها ثم ابتسم لها في حنان "اتفقنا؟ هنبدأ سوا من امتى بقا؟!"

"مش عارفة" اجابته بتوتر شديد "مش عايزة أضيع وقت ونفسي ابتدي في اقرب فرصة بس الدكتور اللي تابعت معاه سهيلة هنا وفي نفس الوقت لازم نخلص من وفاء و.."

"استني بس.. مش نور اشتغلت معاكي كويس؟" قاطعها سائلاً لتومأ له بالموافقة "خلاص يا ستي تاهت ولاقيناها، أنتي تتابعي نور من هنا بالتليفونات وأنا هاروح واجيلك كل اسبوع و.."

"لا يا حمزة كتير عليك وهتتعب و.." قاطعته ليقاطعها

"مفيش حاجة تكتر على روح قلبي.. ومفيهاش تعب، أنا لسه معجزتش ولا عشان أكبر منك بكام شهر بقا؟!"

"لأ أكيد مقصدش يا حبيبي بس.. أنا مش عايزة اتعبك"

"لأ مفيهاش تعب، وأهو بالمرة تخليكي جنب بدر شوية، أنا حاسس إنه مش مظبوط خالص!" أخبرها لتتنهد هي في حُزن

"صعبان عليا اوي هو ونور.. أنا بجد مبقتش عارفة أعمل ايه، وملقتش قدامي غير حل واحد.."

"حل ايه؟!" عقد حاجباه ناظراً لها في استفسار

"تعالى احكيلك بس اياك تجيبله سيرة ولا يحس بحاجة"

--

ألقت على نفسها نظرة أخيرة بالمرآة وهي تزفر في ارتباك مما ستفعله اليوم، لقد ظلت اسبوعان تُعد لهذا اليوم منذ أن أخبرتها شاهندة بأنها لن تستطيع الحضور وعليها أن تحل محلها وأنها لا تستطيع أن تثق بأي شخص في هذا سواها. ستواجهها، ستواجه تلك التي أفسدت ذلك الرجل الذي أحبه قلبها، تشعر بالخوف لأنها لم تواجهها من قبل وخاصةً بعد أن رأت كيف هي ولكن شعورها بالغضب كان أكبر من خوفها، أرادت أن تدمرها تماماً مثلما فعلت مع بدر الدين بل حتى لن تتوانى لحظة عن قتلها إذا سُمح لها بذلك..

"ادخل.." صاحت بعد أن سمعت طرقات على باب غرفتها بمنزل عائلة بدر الدين فهي لم تعود بعد لمنزلها الذي ابتاعه لها منذ أن سافرت شاهندة.

"ايه الحلاوة دي؟ لا كده كتير علينا!" تكلم زياد لترتبك، فهي التي لم تتحدث معه ولو مرة منذ أكثر من عام

"شكرا" همست ثم اشاحت بنظرها بعيداً عنه

"نور، أنا اخدت قرار مش صح وفعلا مكنتش عارف أنا عايز ايه، مش عايزك تفضلي مضايقة مني وياريت نرجع أصحاب زي الأول" حمحم وهو لا يدري هل كلماته كانت منطقية أم لا

"ماشي يا زياد خلاص حصل خير" اخبرته بإقتضاب ليحك هو مؤخرة رأسه في ارتباك

"لا يا نور أنا غلطت متزعليش مني، واللي عملته بعد ما عرفت إنك انتي وبدر اتجوزتوا مكنش ينفع بردو.."

"خلاص يا زياد والله أنا مش مضايقة منك"

"لا مضايقة عشان بتقوليلي يا زياد.. دايماً زمان كنتي بتقوليلي يا زيزو" ابتسم لها لتبتسم هي له

"خلاص يا زيزو مش زعلانة!"

"اووف!! أخيرا.. أنا كنت بصراحة عايز أكلمك من بدري بس كنت متردد شوية"

"لا لما تحب تقولي حاجة متترددش تاني"

"طيب بمناسبة إن أنا مترددش، أنتي كويسة؟! يعني بعد اللي حصـ.."

"زياد أرجوك بلاش نتكلم في الموضوع ده دلوقتي" قاطعته بإرتباك وهي تتمسك بداخلها ألا تبكي

"مش يالا نروح نشوف هانعمل ايه مع الحرباية" غير زياد الموضوع بعد أن رأى ملامحها المتأثرة بحزن

"أنا خايفة اوي وبالذات عشان شاهندة مش معايا"

"متخافيش يا نور.. أنا وحمزة وهديل كلنا معاكي ومتقلقيش كل حاجة هتمشي على خير"

"يارب.." ابتلعت في ارتباك ثم تنهدت "أنا بس مش عارفة هكون هادية ازاي مع واحدة زي دي بعد كل اللي عملاه في بدر؟!" تسائلت بمنتهى التلقائية لتتجهم ملامح زياد وعقد حاجباه في جدية

"ما هو علشان ناخد حقه منها لازم منبينش قدامها اي حاجة خالص لغاية ما ننفذ معاها اللي احنا عايزينه، متقلقيش، كلنا هنا بنحبه وكلنا ياما شوفنا منها كتير، وما صدقنا بدر سمحلنا اننا ننتقم منها ونخسرها كل حاجة"

"ربنا يُستر" تمتمت ثم أمسكت بحقيبة يداها لتتوجه للخارج حتى تذهب بصحبة كلاً من زياد وحمزة للشركة.

--

"بس العقود دي بتحملنا احنا الخساير كلها؛ نبقا شركا ازاي؟" صاحت وفاء بإنفعال وكاد حمزة أن يتحدث بينما تدخل زياد

"مدام وفاء اسمحيلي.. احنا بقالنا أكتر من خمستاشر سنة مخسرناش ولا مشروع وسمعتنا معروفة كويس اوي.. وبالنسبة للـ mobilization (معاينة وإمداد المواقع بالخدمات اللازمة) نقدر نبتدي فيه في اي وقت وساعتها تقدري تتأكدي ان استحالة المشروع ده بالذات يخسر. فأكيد لو فيه حاجة unexpected (غير متوقعة) مش هتكون من الخولي Holding (القابضة) أبدا!

حضرتك ممكن تفكري براحتك وتستشيري المحامي بتاعك على مهلك ونأجل العقود ونوقف كل حاجة ونبدأ بعد ست شهور على حسب خطة الـ mobilization الجاي عشان احنا بنعمله على حسب الـ policy الخاصة بالشركة بتسمحلنا بيها مرة كل تلت شهور وممكن ميكنش الموقع ده في الـ Plan (الخطة) الجاية.." ابتسم لها برسمية واندهش كلا من حمزة وهديل اللذان لم يعرفا منذ متى وقد أصبح زياد يتحدث بتلك الطريقة

"ست شهور.. لأ هامضي" صاحت وفاء ثم تناولت احدى الأقلام لتوقع في غضب، فطمعها لم يترك لها ولو فُرصة بأن تُفكر بالتريث أو التفكير، فهي تعلم كيف أصبحت شركاتهم من كبرى الشركات.

"والختم.." صاح زياد لتنظر له وفاء بغضب

"مش لما يبقا يمضي بدر الأول؟" تسائلت في تهكم

"للأسف هو في أمريكا عشان فرع الشركة الجديد وبما إن نسبتنا أكبر هنمضي في الآخر، لازم كل حاجة تتبعتله تكون جاهزة" ابتسم مجدداً برسمية بينما لم يُصدق الجميع أنه من يُضيق الخناق عليها بل وأصبح يتحدث بطريقة مختلفة تماماً عما عهده الجميع ليتركهم في دهشة.

"وهنشوف الموقع امتى؟!"

"حضرتك ممكن تحددي مع مدام هديل.."

"لما نشوف" تمتمت بضيق وتركت محاميها يقوم بختم العقود التي كانت أولى الخطوات بطريق خسارتها!

لم تكن تعي وفاء أنها يتم التلاعب بها، لقد ظنت فقط أن بدر الدين لا زال يشعر بالخوف منها بعد كل ذلك العمر ولهذا قد سمح لها بمشاركتهم ولكنها لم تعلم أن تلك السنوات التي أصبح وأمسى وهو يُعاقب على إستغلالها قد جعلته صلداً للغاية إلي حد لم يُمكنها تخيله أبدا!

--

"يااه لو كنتي عملتي كده من بدري، بس بردو أنا كنت عارف إنك هتقدري تدخليني شريك معاهم" صاح صوت ذكوري بينما أحتضن تلك استندت على ظهره العاري وكذلك كانت هي عارية مثله

"معلش.. بس بردو اديني بشارك ناس تُقلها في السوق بيزيد يوم بعد يوم، لكل وقت ادان، وبعدين كل شوية العيال اللي أنت شايفهم دول دلاديل لبدر، وبدر بقا استحالة يرفض المرادي اللي أنا عايزاه" صاحت وفاء وعيناها السودواتان ينهال منهما الكراهية الخالصة

"هو جه النهاردة صحيح؟"

"لا مجاش.. وبعدين أنت فكرك يقدر يقف قدامي ولا يبص في عيني حتى"

"ليه يعني؟!" تسائل متعجباً

"ده حتة عيل لا راح ولا جه، أنا شوفته وهو بيتبهدل قدامي كتير وكنت ببهدله ومكنش بيتهز فيا شعره، ده حتى وهو المفروض مخلص جامعة أبوه كان بيكهربه ومكنش بيقوله لأ ولا بيدافع عن نفسه.. هو عارف كويس إنه مش راجل وميقدرش يرفع عينه في عيني، ده ياما اتكسر قدامي.. لغاية عندي وميقدرش يفتح بقه، عارف تمامه معايا كويس أوي يا إما ممكن اطلعله تاريخه الأسود كله واخلي اللي ما يشتري يتفرج وافضحه صح قدام كل اللي شاغلين معاه، ده بس لو عليت صوتي وعملتله بلبلة كل الناس هتتكلم عنه"

"لولا إني واثق فيكي مكنتش صدقتك.. أصل يعني مفيش واحدة بتكره ابنها أوي كده"

"أكرهه!! ده أنا أطيق العمى ولا أطيقه.. بدر ده جه بوظلي كل خططي مع صابر زمان، كنت واخداها جوازه عشان اعيش وأقب على وش الدنيا، إنما ده جه بوظلي كل حاجة، أطفال ومسئولية وقرف وحمل وولادة ورعاية، مكنش في دماغي خالص الكلام ده، حتى لما كنت ببقا مع راجل كان بيبوظلي مزاجي"

"لا إذا كان على مزاجك أظبطهولك تاني.." ضحك بخبث لتلتفت هي له

"ده أنا شكلي هاخد حباية تاني ولا ايه؟ جرا ايه مالك يا اشرف النهاردة؟" حدثته بعهر ودلال مصطنع

"النهاردة بقا هاظبطلك مزاجك زي ما أنتي ظبطيلي الشراكة مع عيلة الخولي" همس بوقاحة وهو ينظر لجسدها العاري الذي لا يلائم جسد إمرآة بالسابعة والخمسون وهو يناولها احدى الأقراص التي تؤجج شهوتها!

--

"خلاص يا بدر متقلقش كل حاجة بقت تمام، من بكرة هديل هتاخدها الموقع، ومضت على العقود ووافقت على كل البنود أنا حسيت إنها شاكة فينا في الأول ومترددة تمضي بس لولا زياد مكنتش مضت" تحدث حمزة بهاتفه ولم يكن يعرف أن شاهندة تستمع المكالمة مع بدر الدين وحقاً لم يُصدقا ما سمعاه للتو لينظرا لبعضهما البعض في دهشة متمتمان في همس وفي آن واحد

"زياد!!"

"تمام يا حمزة، ومين اللي هيخليها تشتري الخامات والعمالة مكان شاهندة؟!" سأله بدر الدين فقط ليطمئن، فهو ظن أن احد أفراد إدارة المشتريات سيأخذ مكانها فود أن يعرف من سيكون!

"نور" اجابه حمزة ليُصدم بدر الدين بينما شعر بالخوف الشديد من مواجهة كلا منها ووفاء فهو إلي الآن لا يأمن مكرها وخاصة أنه ليس من البعيد أن تؤذيه فيها هي فابتلع وهو يشعر بالرعب من مجرد الفكرة، يكفي كل ما عرضه لها من ظلم وأذى إلي الآن!

"لا لا لأ.. مش هينفع نور تعمل كده!! شوفلي حد تاني" تحدث بدر الدين في غضب ولكنه لم يعرف أن الجميع كانوا يستمعون إليه أيضاً على الطرف الآخر ليُصدم مما سمعه بعدها..

"متخافش يا Mr بدر.. أنا عارفة أنا هاعمل ايه معاها كويس" صاحت نورسين بينما توقفت أنفاسه هو وتجمدت الدماء بعروقه بعد أن استمع لذلك الصوت الذي اشتاق له وشعر وكأنما قدماه لا تستطيعا حمله، أما الجميع فأندهشوا من منادتها له بتلك الرسمية وهو زوجها

"وآه على فكرة، ياريت تبعتلي ورقتي وتطلقني!"


 ..يُتبع