-->

الفصل الثالث والأربعون - ظلام البدر - دجى الليل

 


الفصل الثالث والأربعون

نظر لها في غضب وتعالت أنفاسه في غيظ مما سمعه لينظر لها بتلك الثاقبتيننظرة امتلئت العديد من المشاعر، رآت غضبه، لومه ولكن لا تعلم على ماذا؟ شعرت وكأنها تنظر لطفل صغير مستاء، لأول مرة ترى الخوف بعينيه، ولكنها بعد كل ذلك تصنعت الجرأة والقوة ونظرت له بزرقاويتين مستفسرتان عما يريده بنظرته تلك ثم وجدته يدفن وجهه مرة اخرى بعنقها لتزفر هي في ملل ثم تحلت بالشجاعة وهي تنوي بداخلها أن تذيقه عذاب تلك الثماني أشهر!

"مسمعتنيش؟! بقولك طلقني.. واتفضل قوم وابعد عني" تحدثت بضيق ثم تآففت بعدها

"مش هطلقك، لو لسه صغيرة ومش فاهمه فاللي عملته ده معناه إنك رجعتي مراتي تاني ورديتك، ومش هابعد عنك لا دلوقتي ولا بعدين.." همس بأذنها ونبرته متألمة ثم شعرت به يحاول استنشاق شعرها

"ده أنا مشوفتش كده.. ايه؟ هتتجوزني بالعافية؟!"

"احنا أصلا متجوزين مش لسه هاتجوزك.. ولو عايزاها بالعافية معنديش مشكلة" تمتم بأذنها لتشعر هي بنبرته المُرهقة المتألمة وكل ما أرادته أن تحتضنه بذراعيها وتخبره أن كل شيء سيكون بخير ولكن ليس بتلك السرعة.. عليه أن يُعاني مثلها.

"لأ أنا مش عايزة حاجة منك خالص غير إنك تبعد عني.. لو سمحت اتفضل قوم وخليني أنا كمان أقوم" تحدثت متصنعة الضيق

"نورسين!!" صاح بتحذير ناظرا لها عاقدا حاجباه "اتكلمي كويس ولمي الدور بدل مـ.."

"بدل ما ايه؟!" صاحت لتقاطعه بإبتسامة باهتة

"هتحبسني ولا تضربني ولا تسيبني وتبعد عني تمن شهور تانيين؟! ولا يمكن هتجبلي أنت ويُسري انهيار عصبي وتخليني انسى كل حاجة من تاني؟!" ترورقت عيناها بالدموع للحظة

"متقلقش أنا جربت كل حاجة، مبقتش خايفة خلاص من اللي ممكن تعمله!! مبقتش تفرق" لاحظت تغير ملامحه للحزن الشديد واعترته الصدمة مما تفوهت هي به وتسمرت عيناه المتألمتان بزرقاويتيها الدامعتان

"ودلوقتي سيبني اقوم بعد اذنك!" أشاحت بنظرها بعيدا ثم أخبرته وهي تحاول أن تتناسى كل ما نطقت به فبالرغم من أن كل ما أخبرته به كان صحيحاً إلا نظرة الآلم تلك لا تستطيع تحملها دون أن تعانقه ولكنها عليها أن تأخذ بحقها منه على كل ما فعله بها.

نهض من عليها لتفر هي وهي لازالت تشعر بالآلم من تلك الكلمات التي كان واقعها على كلا منهما مؤلما وشديدا وتوجهت هي مهرولة لغرفتها أو ما كانت غرفتهما سويا قبل سفره لتتركه وحده يعيد تلك الكلمات بعقله مرة أخرى.

"ايوة يا شاهي.. بدر عندي" همست في هاتفها في حذر من أن يستمع إليها

"شوفتي مش قولتلك؟ عملتو ايه؟!" تسائلت شاهندة بعفوية لتحمحم نورسين التي لم ترى وجهها الذي تشرب بالحُمرة لمجرد السؤال

"يعني.. بقينا متجوزين تاني.. بس أنا لسه مش بعامله حلو!"

"ده اللي هو ايه؟!" تعجبت شاهندة ثم توسعت عيناها "لأ متقوليش!! انتي بتهزري مش كده؟! امال فين أنا هعلمه الأدب وبتاع"

"مش بمزاجي يعني وانتي عارفة اخوكي محدش يقدر يوقف قدامه"

"انتي هتقوليلي؟!! طب وهتعملي ايه دلوقتي؟"

"هاعمل ايه يعني؟ أنا بحاول اكون باردة واديله في كلام سم.. هو تفتكري ممكن يعمل حاجة في فارس؟"

"آه.. ممكن يموته!"

"شاهي متهزريش" صاحت بجدية

"أنا مش بهزر فعلا ممكن يبهدله" تنهدت شاهندة في ضيق "بصي حاولي انهم ميتقابلوش خالص.. يا إما تحكي لبدر كل حاجة عملناها.. مقدامكيش غير الحلين دول"

"ربنا يستر بقا"

"يارب"

"آه صحيح قابلت وفاء النهاردة.. ست مفترية وجبروت مش عادي.. بعد ما اديتها كلمتين قالتلي كلام زفت وقالت على بدر كلام مش كويس وأنا فجأة جبت ورا كده وما صدقت هديل دخلت ولحقتني"

"افتكري حاجة عدلة.. بس ايه؟ هاتشتري العربيات ولا لأ؟!"

"مش عارفة.. أكيد هديل هي اللي كملت معاها، ممكن تكلميها"

"طيب تمام هاكلمها.. وانتي يا نور عارفة إنك مش قد الست دي، لو حابة زياد أو هديل أو حمزة يكملوا بدالك و.."

"لأ" قاطعتها نورسين في إصرار "أنا عايزة ابهدلها على كل اللي عملته، أنا مش قادرة انسى اللي عملته يومها في بيت ماما نجوى.. إنسانة مش محترمة"

"دي عملت اللي متتخيلهوش.." تريثت لبرهة "طب حمزة بيكلمني وهابقا اكلمك تاني.. باي"

"باي"

أنهت نورسين المكالمة ثم زفرت في حيرة من تلك المرأة التي يبدو وأنها لن تنكسر بسهولة، لم ترى شخصية صعبة مثلها أبدا، حتى يُسري بالرغم من خبثه إلا إنه كان يُظهر بعض المشاعر المزيفة، بينما تلك المرأة لديها جبروت غريب لم تراه بأحد أبدا ربما بدر الدين فقط!!

"يا نهار أبيض!! حتى شبه بعض كمان في دي؟!" تعجبت متمتمة لنفسها بعد أن أدركت مدى التشابه بينهما لتتنهد في آسى ثم حاولت عدم التفكير بها وأخذت تفكر مليا فيما ستفعله مع بدر الدين الأيام القادمة!

--

"ليه كل الفلوس دي!!" صاح أشرف في عصبية بالغة

"ده الحل اللي قدامنا، ولا عايز اطلع قدامهم مش قد الشغل ولا الشراكة؟!" اجابت متسائلة بجبروتها المعهود

"يعني ايه في اسبوع واحد عايزين يخلصوا كل الفلوس دي على شوية مشتريات وأصلا المواقع لسه مشتغلتش ولسه قدامه مصاريف ياما ومرتبات بالهبل؟ أنا مش عيل صغير عشان يضحك عليه!! أنا ماليش دعوة تطلعي قدامهم قدها ولا مش قدها.. العيال دي تعرفك كويس كل كبيرة وصغيرة ناقصة، إنما ايه شغل اسحب اسحب ده" صرخ بوجهها غاضباً

"بص يا أشرف، إذا كانت مشاريعهم بتدخلهم ملايين أكتر من دي بكتير، تفتكر كنت أنا هوافق من الأول إني ادخل معاهم في شراكة؟! خليك ناصح، اللي هنصرفه دلوقتي هيجلنا أضعافه قدام"

"بيجلهم بقا ملايين مليارات مش بتاعتي.. لازم الأول نعرف هنشتري خامات بقد ايه وبعدين نبقا نشوف.. ومش معنى إنك معاكي التوكيل يبقا تبعزقي الفلوس يمين وشمال، لحسن ورحمة أمي اطربقها فوق دماغك ودماغهم!"

"جرا ايه يا اشرف ما تتكلم عدل، تتربقها فوق دماغ مين؟! أنت نسيت نفسك ولا عشان أنا نسبتي أقل من نسبتك هتكلمني بالطريقة دي؟" صاحت به بلهجة تهديد

"لو مش عاجبك خلاص.. أنا هاتصرف وأشوف غيرك يكمل المشروع معايا وكل اللي اتصرف نبقا نبيعه تاني وخد فلوسك وأنا اخد فلوسي وبلاها بقا شراكة، متنساش إن لولايا مكنتش عرفت تدخل شريك مع عيلة الخولي!"

"انتي بتهدديني يا وفاء.. جرا ايه انتي.. كنتي لاقيتي يعني اللي يديكي فلوسه غيري.. اسمعي اما اقولك، اخركوا عشرة مليون كمان في الليلة دي والخمسة الباقين هيفضلوا زي ما هما، وإلا أنا هاعرف اجيب حقي كويس اوي ازاي.. اعتبري ده اخر كلام عندي.. حاسبي من قدامي" صرخ غاضبا ثم تركها وتوجه للخارج في انفعال.

"بقا أنت يا حتة حرامي جي تزعق!! ماشي بكرة اديك استمارة ستة وابقا وريني بقا هتعمل ايه معايا" تمتمت بعقلها ثم ابتسمت بتهكم وأخذت تتخيل ما لو خرجت هي الرابح الوحيد من تلك الشراكة وفكرت برسم خطة جديدة!

--

"طب أنتي كويسة بجد؟!" صاحت هديل في لهفة متحدثة بهاتفها

"آه والله كويسة، إرهاق بس عشان الجلسات"

"ربنا يرزقك يا شاهي إن شاء الله وتعبك كله يجي بفايدة، أجيلك طيب؟!"

"نفسي يا هديل بجد، بس لما فكرت قولت هنسيب وفاء لمين، وبردو أنا محتاجة حد معايا في الفرع هنا لأن للأسف الجلسات بتاخد وقت كبير ومش هاقدر اخلي حمزة هنا معايا على طول كفاية إنه بيجيلي كل اسبوع!"

"متقلقيش طيب.. بصي زياد أنا ابتديت اثق فيه، هو هيعرف يلاعب وفاء كويس، زياد كبر ومبقاش زي زمان وأي حاجة بردو لازم نتابعها معاه!"

"كانت حبكت وفاء دي يعني دلوقتي، ده أنا ما صدقت بدر ونور رجعوا لبعض، مكنش وقتها خالص" زفرت شاهندة في ضيق

"بجد؟! رجعوا لبعض فعلا؟" صاحت في إندهاش

"اه يادوب لسه النهاردة"

"ربنا يسعدهم.. بس ايه طلاق التلت ايام ده؟!"

"القلب وما يريد بقا يا ستي"

"بصراحة أنا مكنتش طايقة نور في الأول خالص.. بس بعد ما هديت وفكرت كده وشوفتها بتتعامل مع الكل ازاي حسيتها طيبة ومحترمة"

"هي طيبة وغلبانة اوي والله، مش كفايا مستحملة بدر!!" أخبرتها لتضحكا سويا

"اه فعلاً على رأيك.. ربنا يسعدهم وميجبش بينهم حاجة وحشة تاني"

"يارب"

"خلاص أنا هاحجز على أول طيارة واجيلك وانتي يا ستي ابقي اقعدي بزينة ولا نشوف Nanny كويسة تقعد بيها لحسن دي عايزة حد لازقلها اربعة وعشرين ساعة، متعبة بشكل مش طبيعي" زفرت هديل في إرهاق

"يا ستي ربنا ما يحرمك منها، هي بس كده اكيد عشان لسه صغيرة، الأيام دي بتعدي هوا وبكرة تفتكريها وتضحكي عليها"

"يا مسهل.." تريثت لبرهة ثم أكملت "يالا بقا أنا هاروح احجز واظبط الشنط واقولك هاجي امتى"

"تمام.. باي يا حبيبتي"

"باي"

--

"يعني ايه استخبى يعني؟ هياكلني ولا ايه؟" صاح فارس متعجبا

"يا فارس مقصدش.. هو بس عصبي شوية وغيور شويتين، يعني حاول متجيش خالص اليومين دول" أخبرته نورسين في ارتباك

"ما احنا ممكن نحكيله عملنا كده ليه و.."

"لا لا لأ!!" قاطعته مسرعة "أنا هابقا افهمه كل حاجة بس شوية كده"

"أنا بصراحة مش فاهم جوزك ده.. ويالا! كده كده أنا أصلا مشغول عشان حوارات الجواز.. عموما خير وأكيد أنتي بتبالغي بس مش أكتر" لم يُصدق فارس أن ما تقوله حقيقة ولكنه كان يجاريها بالكلام

"لا مش ببالغ.. أنت متعـ.." توقفت عندما سمعت خطواته "طب سلام دلوقتي هكلمك تاني" أنهت المكالمة بسرعة بعدما سمعت خطواته تقترب من المطبخ

"كنتي بتكلمي مين يا نورسين؟!" صاح سائلا عاقدا حاجباه في ترقب

"ده كان.." توقفت لبرهة ثم وقفت متصنعة الشجاعة لتعقد ذراعيها "وأنت مالك؟!"

"بقا أنا بيتقالي الكلمة دي!! ماشي!!" رفع حاجباه في دهشة وتحدث وهو يشعر بالغيظ من تلك الطريقة التي باتت تعامله بها منذ عودته

"بس بردو أنا جوزك ومن حقي أعرف كنتي بتكلمي مين، مش هـ.."

"وأنا كنت مراتك وكان من حقي اعرف انت كنت فين!!" قاطعته بصرامة

"ومع مين، وبتعمل ايه، ويومك ماشي ازاي!! متجيش أنت دلوقتي بالذات تتكلم عن الحق لأن أنت آخر واحد ممكن يتكلم عنه" نظرت له بتلك الزرقاوتان في لوم

"وأنا هقولك أنا كنت بكلم مين، مش علشان حقك، لأ عشان أنا معنديش حاجة اخبيها" تريثت لتأخذ نفس عميق ثم تحدثت ثانية

"كنت بكلم فارس!"

لقد جنت على نفسها لأنها هي من تسببت بتلك النيران التي اندلعت فجأة بثاقبتيه وملامحه التي كانت هادئة من ثوانٍ تحولت للغضب الشديد حتى ندمت أنها عرفت فارس يوما ما وأخذت تنظر لحركة فكاه المُفزعة لتعلم أنها أغضبته بشدة!

"ايه مضايق ولا غيران؟ عموماً لو كنت بتضايق اوي وغيران عليا مكنتش سيبتني كل ده" تحلت قدر المستطاع بالشجاعة

"ويكون في علمك لو بس فكرت ولا خطر على بالك إنك تأذي فارس بأي طريقة أنا المرادي اللي هخلعك يا بدر الدين!" أخبرته ثم توجهت لتغادر ليوقفها معارضا طريقها

"لو استفزتيني تاني ولا كلمتيه أنا مش بعيد اموته قدام عينك!!" تحدث لاهثا غضبا بين أسنانه المُطبقة

"ولا تحبي اخد منك الموبيل واحرمك تكلميه تاني؟!" ظل يلهث غضباً لتبتسم له في آسى ثم مدت يدها بهاتفها

"خده.. خده وماله، أنت عملتها قبل كده ومش بعيد تعمل أسوأ من اللي عملته" أخبرته في وهن ونبرتها امتلئت لوما شديدا له لتزداد أنفاسه

"بطلي بقا بطلي!!" صرخ غاضباً

"هو يعني كنت رجعت اجري ليه وعشان مين؟ مش عشانك؟ مش عشان بتزفت بحبك وعايز ارجعلك ومش مستحمل اشوفك مع راجل تاني وحسيت إني هتشل لو مرجعتليش؟.. بطلي بقا اللي بتعمليه ده.. حاولي تفهميني مرة صح في حياتك.. انا كنت بتعالج، علشان نكون احسن أنا وانتي!"

صرخ بها مجددا حتى تأثرت تلك العروق بعنقه واحمرت تقاسيم وجهه من شدة الإنفعال وهو يعلم بقرارة نفسه أنه لن يستطيع أن يؤذيها أبدا بعد الآن بأي طريقة كانت!

"فعلاً أنا فهمتك غلط.. اللي أنت عملته فيا زمان أنا فهمته غلط عشان كده حبيتك بعدها" تحدثت بهدوء وهي تنظر له في عتاب ليشعر هو بإنهيار تام داخله من تلك الكلمات

"وعلى فكرة لو بتحبني زي ما بتقول مكنتش سبتني.. أو على الأقل كنت شاركتيني في إنك بتتعالج.. سبني اعدي لو سمحت" همست بهدوء دون أن تنظر له وأشاحت بوجهها الذي تحولت ملامحه للحزن لتنظر للأرضية بينما شعرت بمحاولاته العديدة لأن يهدأ عن طريق سماعها لأنفاسه

"نورسين ارجوكي أنـ.."

"بعد إذنك مش عايزة أتكلم معاك في حاجة" قاطعته وهي لا زالت لا تنظر له ثم ضيقت ما بين حاجبيها

"سبني اعدي" اخبرته وبدأت في شعورها بالغضب

"لا هتسمعيني" صاح بإصرار مهيب لتنظر له بتلك الزرقاوتان في غضب شديد

"لأ مش عايزة اسمعك ومش هاسمعك ومش هديك فرصة تاني لأي حاجة، أنت ايه؟ كل حاجة ما بيننا عايزها تكون بالعافية حتى إني اسمعك؟ عايزني أنا اللي استحمل وأنا اللي أسمع وأنا اللي اقبل بكل اللي تقول عليه؟!" حاولت التقاط أنفاسها التي تعالت غضباً ثم أكملت

"لمرة واحدة احترمني في حاجة، لمرة واحدة اتحمل غلطك، كفاية عليا اوي اللي استحملته زمان بسببك، وياريت حتى استحملت، لأ ده أنا كمان سامحتك على كل اللي عملته فيا، بس ياريتني استحملت وسامحت عشان خاطر حد يستاهل في الآخر.. أنت كل اللي عملته خلاني أندم إني حبيتك، خلاني أندم إني فرطت في نفسي وصدقت أنك ممكن تكون بتحبني.. بس أنا خلاص فوقت من كل اللي كنت فيه، وفوقت كويس اوي، مبقتش البنت الصغيرة الهبلة اللي حبتك وصدقتك في يوم، أنا بجد مبقتش عايزة حتى لساني يخاطب لسانك!! لآخر مرة بقولك بإحترام ابعد عني!"

أخبرته في تأثر لتدفعه بعيدا بكل ما لديها من قوة ونجحت في الفرار منه لتجد دموعها تتهاوى على وجهها فتوجهت لغرفتها حتى تستطيع الإختفاء بعيداً عن عينيه!

تركها لتذهب بعد أن شعر بتلك الآلام التي اندلعت بداخله من كلماتها التي أخبرته بها، لقد كانت محقة بكل كلمة، هو لا يستحق مثل ذلك الحب النقي الذي شعر به من قبل معها، ولكن ماذا كان عليه أن يفعل؟ يأتي بين ليلة وضحاها ليُخبرها بحقيقته التي لا يظن أنها ستتفهمها!! يُدرك جيدا أنه أخبرها أنه رجل سادي منذ ساعات ولكنها لم تُعقب حتى، أتستطيع فهم مثل تلك الأمور؟!

لقد أشتاق لها حقاً بكل ما فيها، ببرائتها وطيبة قلبها التي لم يرى مثلهما في إمرأة من قبل، اشتاق لرائحتها، لعناقها، لقبلتها الخجولة ولطفوليتها الزائدة، يعلم أنها تتصنع القوة ويعلم أنها ربما تتدلل عليه ليس إلا، ولكن كلماتها تلك تهشم قلبه، نظراتها وتلك الدموع الحبيسة بزرقاويتيها تقتله ألف مرة وكأنما سكاكين تغرس بقلبه!!

لقد سأم كل هذا ويريد أن يهرول حتى يأخذها بين أحضانه في عناق لا نهاية له، يريد أن يعترف لها بكل شيء، يريد أن يُخبرها بكل ما دفعه لفعل ذلك ولكنه لا يستطيع التحدث بسهولة، هو بالكاد أستطاع أن يتحدث مع ذلك الطبيب النفسي، فقط مجرد إقدامه على الأمر أخذ منه شهرا ليفعلها، هو حتى لا يثق كيف سيُكمل علاجه، لم يستطع من قبل التحدث عما يؤلمه بسهولة أبدا، لم يفعلها سوى مع ليلى التي ذهبت وتركته بين يوم وليلة، أستفعل نورسين هذا أيضا؟

لا، ربما هي تعاتبه وتفعل ذلك فقط لأنه ابتعد عنها فجأة دون أن يُعطيها سبب واضح، أو ربما لأنه لم يحدثها بتلك الأشهر المنصرمة، لقد رآها أسفله، لقد شعر بقبلتها واستجابتها له، لقد أحس خفقات قلبها المتوترة عندما أقترب منها، تغيرت قليلا وازدادت قوة وشجاعة ولكنها لا تزال طفلته التي أحبها، لا يزال يرى البراءة بتلك الزقاوتان، ولكنها أيضا قد ذهبت ووافقت على أن تكون مع رجل آخر سواه!! لو فقط استطاع أن يقتله بيديه تلك دون أن يغضبها سيفعل!!

سحق أسنانه في عنف وهو لا يدري كيف عليه التصرف وإلي متى سيظل يُحارب هذا الصراع بداخله، يريد التحدث ولا يستطيع، يريد الصراخ ولكن شيء ما يمنعه بداخله، إلي متى سيظل يُحارب في تلك الحروب التي دائماً ما ينهزم بها!!

صعد وهو مصمم على أن يُجبرها رغما عنها بأن تعود مثل السابق، لن يتقبل كل ما تفعله تلك الصغيرة، لن يدع لها الفرصة لتتحكم به، سيخبرها للمرة الأخيرة أنه كان لابد من الابتعاد حتى لا يؤذيها، إذا تقبلت فحسنا وإن لم تتقبل فسيرغمها على ذلك، لم يعد يرى حلا آخر ولتفعل ما تشاء ولكنه لن يتحمل أن يكونمعها بتلك الطريقة أبدا..

مشى بخطوات سريعة في الرواق ليصل للغرفة التي مكثت بها ثم توقف للحظة ليدلف احدى الغرف وهو يتذكر فرحتها وابتسامتها وهذا العناق الذي جمعهما عندما آتى لها بهذا المنزل وأخبرها أن هذه الغرفة ستكون مرسما لها.

أشعل الضوء ولم يُصدق ما وقعت عليه عيناه عندما رآى الغرفة تعج بصوره، لا يُصدق أنها رسمت كل تلك الصور من اجله هو فقط، وكأنها مكثت طوال تلك الأشهر عاكفة على أن تنقل تلك الملامح التي يكرهها بتلك الأوراق أمامها مستخدمة فقط القلم الرصاص ليتنهد في حزن وقد تبدد غضبه في ثوان، ألهذا الحد هي تعشقه؟!

أطفأ الأضواء ثم توجه للخارج وهو لا يدري ماذا تريد هي، أتحبه أم لا؟ إذا كانت تُحبه حقاً لماذا إذن وافقت على خطبتها من رجل آخر بين يوم وليلة، وإن كانت لا تحبه فما الذي رآه هذا منذ دقائق؟

توجه لينم على تلك الأريكة بالأسفل فهو حتى لا يزال خائف من مواجهتها، خائف كذلك من أن يُسبب لها المزيد من الآلم، أخذ يفكر بكل ما مر عليهما وحاول إيجاد طريقة جديدة حتى يستطيع أن يعوضها عن كل ما فعله بها ولكن دون أن يدري سقط في النوم!

--

استيقظت هي وتفقدت غرفتها لتدرك أنه لم يأتي لهنا فرائحته تحفظها عن ظهر قلب! توجهت لحمام غرفتها ثم استحمت لتلاحظ تلك العلامات التي تركها على جسدها لتشعر بالغضب تجاهه أكثر بعد ذلك الحديث معه الليلة الماضية وطريقته الهمجية اللاذعة فهو يبدو وكأنه لن يتغير أبدا فتوجهت في انفعال وهي تقسم بداخلها على أن توقفه عن ما يفعله وقررت بداخلها أنها ستعمل على تغييره مهما كان!!

تعالت أنفاسها الغاضبة وكادت أن توقظه ولكنها توقفت لتنظر لملامحه التي يبدو عليها الإرهاق الشديد، لماذا لم تلاحظ أمس أنه فقد الكثير من الوزن هكذا؟ أكان حقاً مستاءا لأنه ابتعد عنها؟!

تنهدت في حيرة وأخذت تتذكر كل ما أخبرها به يوم أمس، تشعر أنه صادق ولكن مهما كان ذلك الذي يعانيه كان لابد له من إخبارها، أياً كان ما يواجهه كانت ستقف بجانبه كيفما أراد!!

ما فعله بحقها لن تغفره له بسهولة، سترد له الصاع صاعين وستدعه يعلم جيدا ألا يعبث معها مرة ثانية، ستأججه غضبا، ستستفزه، ستقتله ألف مرة مثلما فعل معها وابتعد عنها تلك الأشهر، وسترى حينها ما إذا توقف عن تصرفاته تلك أم سيثور فقط ليعود ذلك الرجل مرة ثانية!!

رفعت احدى حاجبيها في تصميم على ما خططت له سترى ما الذي سيفعله حينها وكيف ستكون ردة فعله!!


..يُتبع