-->

الفصل الخامس والأربعون - ظلام البدر - دجى الليل

 


الفصل الخامس والأربعون

 

"عمري ما هانسى أول يوم شوفتها فيه.. بنت سيادة السفير.. ضحكتها وعينيها اللي بتضحك مش قادر انساهم، كل حاجة كانت سهلة معاها، كنت أول مرة في حياتي كلها اضحك بالطريقة دي، دخلت قلبي في ثواني، عينيها اللي بتضحك بقت إدماني، مكنتش قادر مشوفهاش قدامي كل يوم، مكنتش عارف ايه بيحصلي معاها، عارف إن مش ذنبها تحب واحد زيي بس هي حسستني إني اهم حد في الدنيا دي كلها، حتى لما اعترفتلها إني سادي وبعمل اللي بعمله مبعدتش عني، فضلت جنبي وكنت فعلا هابعد عنها لكن هي قبلتني بكل عيوبي وعقدي.. كانت أول مرة في حياتي احس بالحب، أشوف الخوف في عين حد عشاني، عمري ما هانسى أبدا إنها فضلت تقرا عن السادية وجابت كتب من برا لأ ودي راحت كمان لدكتور وشوية بشوية حسيت إنها متقبلة الموضوع وفضلت تسألني أسئلة كتيرة جدا مفهمتش هي كانت بتعمل كل ده ليه غير بعد ما اتجوزنا" ابتسم بوهن وهو يتذكر كل ما مر عليه معها ثم أردف

"ليلى بقت كل حياتي، مكنتش قادر أبعد عنها، بقت حبيبتي وصاحبتي اللي بحكيلها على كل حاجة، بقيت عامل زي العريان قدامها، مفيش حاجة بخبيها عليها، كنت محتاجها متبعدش عني لحظة.. اتجوزتها، كان عندي اربعة وعشرين سنة، كانت أصغر مني بسنة واحدة بس.. من يوم ما عرفتها وأنا بطلت أنام مع الستات، كنت بس بعذبهم وبضربهم لما وفاء تظهر في حياتي أو لما أبويا يفكرني قد ايه أنا شبهها، وبعد الجواز ليلى فاجئتني بأنها عايزة تجرب معايا نفس اللي بعمله في الستات.." ابتلع بصعوبة لتنظر له نورسين في تعجب ليكمل

"أنا رفضت في الأول بس، بس هي صممت.. واكتشفت إنها بتحب ده، أو هي حبت ده علشاني.. أنا متأكد إنها من الأول مكانتش كده بس عملت كل ده علشاني.. بين يوم وليلة بعد سنين لقيت حبيبة وزوجة وصاحبة وكمان خاضعة!! كنت حاسس إني لقيت كنز.. تحضني الصبح وتوقف جنبي وبليل كانت بتتبسط بالضرب والعنف والقسوة!! حسيت إن حياتي كملت وإني مش عايز حاجة من الدنيا غير إنها تفضل جنبي، مبقتش بلمس ولا ببص لست غيرها وكمان حتى ساديتي كانت بتطلع عليها هي وبس، فاكرة الأوضة اللي دخلتهالك وربطتك فيها؟ دي احنا عملناها سوا عشان نكون فيها مع بعض!!" التوت شفاهه في حسرة وآلم ثم تابع متنهدا في مرارة

"بعد ما اتجوزت بشهرين تلاتة أبويا ابتدى يتعب، دخل المستشفى ومخرجش منها، ووقفت هي جنبي لغاية ما مات بعد سنة بالظبط من جوازي.." تنهد في آلم ونورسين متأثرة بكل ما تسمعه منه لتشعر للحظة بأنها لن تستطيع أبدا أن تعوضه عن حبه لليلى ولن تستطيع أن تكون مثلها ولا حتى بنسبة قريبة

"لما مات وقفت جنبي.. وفاء كانت عايزة كل ورثها، أنا مقبلتش إنها تشاركنا، كانت أصعب مرة في حياتي أقف قدامها، بيعنا اللي نقدر عليه وسحبنا كل سيولتنا عشان نديها حقها، والشركة ساعتها كان بيحصل فيها اختلاس وسرقة ومكناش فايقين للي بيحصل بس ليلي وأمي وشاهندة وحمزة كلهم ساعدوني، كانت من أصعب الأيام اللي مرت علينا بس خلاني أشوف ليلى بطريقة تانية، فكرتني بأمي نجوى لما وقفت جنب أبويا زمان.. وأنا كنت عصبي جدا في الأيام دي وفاكر كويس إني كنت كل ما كنت بشوف وفاء كنت برجع ليلي واضربها بطريقة غريبة، كانت من أصعب الأيام اللي عدت علينا، كنت بخاف أأذيها أو اعملها عاهة أو.. أو.." تريث لبرهة وهو لا يستطيع التحدث لتتفلت الدموع من عينيه

"أنا كنت بفتري عليها الأيام دي زي ما أكون حيوان وهي عمرها ما اشتكت مني.. أنا فاكر في يوم بعد ما خلصت كل حاجة مع وفاء أمي نجوى لقيتها بتديني ظرف فيه زي جواب.. أبويا كان موصي إني اخده بعد ما ورثنا كله يتقسم.. لما قريته انهارت.. أنا لسه فاكر كل كلمة فيه لغاية دلوقتي..

❈-❈-❈

أنا عارف إني قسيت عليك بس كان لازم أعمل كده عشان أطلع منك راجل، كنت خايف منك وخايف على اخواتك ونجوى منك، كنت ممكن بسهولة تفتري عليهم وأنت شبهها في كل حاجة، أنت حتة منها يا بدر الدين، حتى ضحكتك وكلامك وشكلك زيها في كل حاجة، كل ما عيني تشوفك بتفكرني بيها وبخيبتي وفشلي.. كان لازم أعلمك وأشوفك شاطر، أطلعك راجل مش فاشل، أكرهك في الإستغلال وفي الماديات وأخليك طول حياتك محتاج للحب والحنان واحتياجك للأهل والحنية واحرمك منهم عشان لما أموت وابعد عنك تدور عليهم متدورش على الفلوس زيها.. مكنتش عايزك تفشل زيي وتجري ورا حب واحدة ست في اول حياتك مالوش لازمة يهدك وينسيك كل حاجة تانية، مكنتش عايزك تتخدع زيي وتكون فاشل، كان لازم تكون الراجل اللي أنا مقدرتش أكونه..

أنا خسرت كل اللي حيلتي بسبب حبي للست اللي ولدتك، خسرت أهلي كلهم وفلوسي بسبب واحدة جشعة واستغلالية، خسرت حتى فرحتي بابني الراجل الكبير.. أوعى تكون فاكر إني مكنتش بموت من جوايا على كل مرة بضربك فيها أو بعذبك.. ولا قسوتي عليك في إنك تكون احسن واحد في دراستك وكمان في الشغل ولا إني احرمك من كل حاجة حلوة كان نفسك فيها وأنت صغير دي كانت بتبقا سهلة عليا.. لأ أنا كنت بتعب أكتر منك، أنا كان قلبي بيتقطع عليك يا ابني، كنت بعيط كل لما امد ايدي عليك.. بس مكنتش قادر اسيبك تطلع زيها ولا زيي! لا كنت عايز اشوفك استغلالي ولا كنت عايز اشوفك فاشل..

أنا كنت بخاف منك أوي، كنت بخاف لا تكبر وتبهدل اخواتك ونجوى، اخواتك البنات كان نفسي أشوفهم فرحانين وعايشين حياة طبيعية وكنت خايف تطلع مفتري ولا مش محترم ولا تاكل حقهم عشان كده كنت لازم أكسرك واخليك تحتاجهم بدل ما تجور على حقهم ولا تظلمهم!

كنت خايف من اللي شوفته في بيت وفاء يكبر عندك وتتحول تبقا شبهها وتبقى بالوساخة دي، كنت مرعوب لا رجليك تشيلك وتبقى نسخة منها واصحى في يوم الاقيك سارق اخواتك ولا معتدي على نجوى ولا البنات.. كان لازم اقسى عليك واخليك تتمنى بس انك تحضنهم ولا تاكل معاهم ولا تلعب معاهم.. كان لازم أكرهك في وفاء وإنك تطلع في يوم زيها..

أنا متأكد دلوقتي وأنا ميت إنك أنت اللي بتحمي اخواتك البنات ونجوى وزياد، لو مكنتش قسيت عليك ومنعتك عنهم وعن حبهم كان زمانك كل همك الفلوس والورث وكنت هتنسى اخواتك ونجوى..

حافظ عليهم، خليك سندهم وضهرهم في الدنيا بعدي، شاهندة وجوزها خد بالك منهم بس بردو اوعا تخلي حمزة يزعلها ولا يكسرها عشان مبتخلفش.. يا يطلقها يا يفضل معاها لكن متقبلش إنه يتجوز عليها، وهديل اوعا تجوزها لأي راجل غير لما تتأكد إنه ابن اصول وبيحبها اوي واوعى يأذيها أو يطلع معاها مش كويس، اخواتك البنات وصيتك.. اوعى في يوم حد يجي على كرامتهم ولا يضحك عليهم ولا يأذيهم.. وزياد طلعه راجل ومتدلعهوش بس متقساش عليه اوي، هو لسه صغير، حاول على قد ما تقدر متحرموش من حاجة بس في نفس الوقت طلعه راجل واعتبره ابنك قبل ما تعتبره أخوك، ابعد عنه اي حاجة وحشة واوعى تخلي ست تضحك عليه او تستغله.. واوعى تنسى نجوى يا بدر الدين، الست دي بتحبك أكتر مني وأكتر من اي حد في الدنيا وبتعتبرك ابنها البكري.. أنا واثق إنك مبتحبش حد في الدنيا قدها حافظ عليها يا ابني واوعا في يوم تسيب حد يأذيها او يجي على كرامتها وعمري ما هرتاح في تربتي لو ده حصل.. ابعد عنهم وفاء واجمد وكون راجل قدامها واوعا تسيبها تأذيهم بطمعها واستغلالها..

وحاول تسامحني، أنا بحبك أكتر منهم كلهم، أنت ابني الراجل اللي هآمنه وأنا ميت على كل حاجة، أنت من النهاردة هتشيل المسئولية، هتبقا راجل وهتبقا حنين وهتحبهم وتدافع عنهم.. ليلى مراتك بنت أصول وهتشيلك بس اوعى تبديها على أخواتك ونجوى..

أنا عمري ما هرتاح غير لما تسامحني، ابقا تعالى زورني يا بدر الدين، في يوم لو خلفت ابقا هات مراتك وولادك وتعالوا زوروني واترحموا عليا، أنا كان نفسي أكون ناجح في كل حاجة بس طلعت للأسف أب فاشل، طلعت كل خوفي من الفشل فيك، بس يارب كل تعبي وعذابي واللي عملته فيك تبقا نتيجته زي ما كان نفسي طول حياتي..

الجواب ده أنا موصي نجوى تديهولك بعد ما كل واحد ياخد حقه وبالذات بعد ما تبعد وفاء عنهم ووصيتها متديهوش ليك غير لما تطمن إن اخواتك وصلهم حقهم بما يُرضي الله..

نجوى معاها ورق فيلا بإسمك وشاليه بإسمك وحساب في البنك ليك أنت بس ووديعتين كل واحدة بعشرة مليون لو في يوم خلفت اديهم لأحفادي يمكن يفتكروني بيهم.. أنا آسف يا ابني انك مشوفتش حبي وخوفي عليك وعارف إني مهما ميزتك عن اخواتك في الورث مش هاقدر اكفيك ربع اللي عملته فيك.. سامحني يا ابني لو قدرت ولو مقدرتش فده حقك.. أنا بحبك يا بدر، بحبك أكتر من اي حد في الدنيا وأنا آسف يا حبيبي إنك مشوفتش حبي وحنيتي ليك.."

❈-❈-❈

انهى بدر الدين حديثه ليجهش بالبكاء وشهق بهيستيرية متألما ونورسين أمامه تبكي على بكاءه هي الأخرى، لا تعرف كيف عليها أن توقفه عن حزنه ولا عن بكاءه ونهضت لتحرره ولكنه أوقفها بين شهقاته المتوالية

"أوعي تفكيني.. أنا شخصية جبانة، عمري ما هاتكلم غير كده.. خليكي تعرفي كل حاجة عني" حاول التقاط أنفاسه بين نحيبه لتبتلع هي دموعها ونظرت له في شفقة ليتابع هو حديثه

"أنا بعد اليوم ده كنت وحش اوي معاها وهي بردو قبلتني بكل ما فيا، كنت زي ما أكون بنتقم من كل حبه وحنيته اللي مشوفتهمش بس فيها هي.. أنا كنت حاسس إنه ظلمني وفي نفس الوقت مظلمنيش، كنت حاسس إنه عمل مني راجل بس قسوته عليا عملتلي عقدة، مكنتش عارف احبه ولا اكرهه.. أنا جريت على ليلى وفضلت أسبوع بحاله بضربها وأنام معاها زي الحيوانات، بهدلتها، جالها حتى نزيف من كتر ما نمت معاها بوحشية وراحت المستشفى.. والمصيبة إن عمرها ما رفضتني ولا اشتكت وكانت بتهون عليا.. وأنا من يومها بقيت مجنون بيها وحبيتها أكتر، بقيت مبستحملش لحظة إنها تبعد عني، غيرتني في كل حاجة وخلتني أشوف الدنيا بعينها، كنت بموت لو بعدت عنها ساعة واحدة بس وبجري عليها كل يوم عشان بس أكون في حضنها، عمر ما كان بيني وبينها مشاكل، ما عدا حاجة واحدة بس.. حاجة مفيش غيرها.."

ازداد بكاءه في هيستيرية وشعرت نورسين بأنها لم تعد تتحمل ولهثت بين بكائها وهي تراه بذلك المنظر

"أنا مكنتش عايز اخلف وما زلت، مش هاقدر أكون أب، معرفش يعني ايه حنية وحب وتربية وخايف لا ولادي يكرهوني، معرفش يعني ايه العب مع طفل او اخده في حضني وكنت حتى لما هديل خلفت بتغاظ منها هي وكريم عشان بيعرفوا يتعاملوا مع الأطفال وأنا لأ.. حتى كنت بضايق لما أشوف شاهندة وحمزة وأمي بيعرفوا يلعبوا معاهم ويضحكوهم وينيموهم وأنا لأ.. ليلى كانت معرضاني إني مش عايز أولاد وفضلت تقولي إني هاكون أب كويس بس أنا عمري ما وافقت.. كانت هي دي مشكلتنا الوحيدة لغاية ما اكتشفت إنها حامل وطلب منها تنزله وياريتني ما قولتها.."

هنا تحول نحيبه لعويل وشهقاته لا تتوقف وكأنما كل ما كان يقصه كان أسهل ما مر عليه وأدركت أن القادم من حديثه سيكون أصعب ما مر عليه بحياته

"راحـت لأختها فرنسـا" تحدث بصعوبة وهي بالكاد تتبين الكلمات وتفهمها منه "وافقت إنها تنزله بس.. بس.. قالت هتريح أعصابها بعد.. بعد.. ما اتخانقنا.. وأنا.." حاول التحدث ولكن بكاءه منعه عن الإسترسال وكأنما شل لسانه وأصبح جسده يرتجف

"ماتت في الطيارة وقعت بيها.. أنا.. يومها.." اقشعر جسدها من ملامحه التي هشمت قلبها وأخذت تبكي لأجله وشعرت بعجزها الشديد أمام انهياره بتلك الطريقة

"أنا مت بدالها.. أنا بموت لو بعدت عن اللي بحبه و.. و.. ومقدرتش اصدق و.." ازداد عويله واهتز جسده بعنف وشهقاته توالت في هيستيرية لتقرر هي أن تعانقه حتى توقفه

"لأ.. متقربيـش.. مني .. أنا.. أنا جبان.." همس بضعف لتنحب هي في آلم وبالكاد استطاع التحكم بأنفاسه ليُكمل

"ماتت.. سابتني وماتت.. يا ريتني ما وافقت على سفرها.. ليه بعدت عني وهي عارفة كويس.. عارفة إنها صاحبتي وحبيبتي والوحيدة اللي بتقويني وبتخليني استحمل كل حاجة في الدنيا.. ليه سابتني يا نوري؟ هو أنا للدرجادي مستاهلش إني اتحب؟ أنا وحش اوي كده؟ ورحمة أبويا كنت بحبها.. كنت بحبها اوي.. ليه مرجعتليش؟ ليه سابتني؟"

نظر لها كالطفل الصغير التائه وسط زحام صراعات مريرة لا يستطيع التصدي لها وحده وحاول التحكم في بكاءه وشهقاته ليُكمل

"تلت شهور يا نورسين.. تلت شهور مبعملش حاجة غير باصص في صورتها وبكلمها وبشتكيلها.. فكرت أموت نفسي عشان ابقا معاها بس هسيب اهلي لمين؟ المسئولية التقيلة اللي عليا اللي وصاني عليها ابويا اسيبها لمين؟ هو أنا ليه لازم أفضل عايش متحمل مسئوليات؟ ليه دايماً بيوجعوني من وأنا صغير؟ هو أنا فعلاً استحق أعيش مظلوم بالطريقة دي؟ طب من ساعة ما سمعتي اللي حصلي قوليلي أنا أذيت مين؟ أجبرت مين يستحملني؟ أنا حتى الستات اللي مارست ساديتي عليهم كانوا بيبقوا عارفين أنا بعمل معاهم كده وبديهم فلوس وكلهم بيحبوا ده.. قوليلي أنا ذنبي ايه؟!"

شُل لسانها وهي تتمزق بداخلها عندما سمعته ولم تستتطع الكلام وأخذت تنظر لملامحه التي عذبتها أكثر حتى من عذابه لها لتبكي في صمت لا يتخلله سوى أنفاسهما المتسارعة للصمود بذلك الحزن المهلك..

"عارفة.. بعد التلت شهور دول بطلت ابات مع أهلي وكنت برجع في الفيلا اللي جابهالي ابويا عشان كانت عايشة معايا فيها وكل مكان جوا الفيلا بيفكرني بيها.. عارفة كمان وفاء جاتلي بعد ما ليلى ماتت بأربع شهور وشمتت فيا.. أنا بكرهها اوي يا نورسين.. بكرهها وبخاف منها.. زي ما تكون نسخة كبيرة مني عارفة اللي بيدور في عقلي وجوايا وبتاخد كل اللي بحس بيه وتذلني بيه..

❈-❈-❈

ايه.. الواطية اللي ربتك مش عارفة تطبطب عليك؟ ولا ابوك معلمكش ازاي تبقا راجل وتستحمل.. عارف انا فرحانة اوي فيك، اديك دلوقتي زي زمان بالظبط، خايف ومرعوب ومستخبي من كل الناس.. زي زمان بالظبط..

النسوان اللي حواليك سابوك خلاص واللي كنت فاكرها بتقويك سابتك ومشيت ومفرقتش معاها، عارف ليه؟ عشان عمرك ما هتكون راجل واستحالة حد يعتمد عليك.. لو كنت كبرت معايا كان زمانك جامد ومفيش حاجة بتأثر فيك.. لو كنت طلقتني وعرفت تجيبلي حقي كنت هتبقا حاجة تانية. إنما أنت هتعيش وتموت جبان، هتفضل زي ما أنت يا بدر..

عايز اللي يضربك ويخوفك عشان تلاقي نفسك، لازم تتعذب ويتداس عليك بالجزم عشان تعرف تعيش.. بس تعرف أنا هافضل فرحانة فيك وأنا شايفاك كده بتتبهدل زي ما أنا اتبهدلت بسببك زمان..

أنت السبب في كل اللي حاصلي وحقي اهو جالي تالت ومتلت، مكنتش عايزاك وكان يوم اسود يوم ما شوفت وشك وسمعت صوتك وأنت بتعيط.. آخرتني مع أبوك وكنت ممكن ابقا حاجة تانية وفي حتة تانية بس أنت السبب..

احسن.. أنا شفيت غليلي بمنظرك ده.. خليك بقا عيل كده وخايف ومرعوب وافضل استخبا كل ساعة والتانية، عرفت إن تربية نجوى منفعتكش؟ عرفت إن أبوك اللي ذلك وكان بيبهدلك منفعكش؟

هتعيش عيل خايف وهتموت بردو عيل خايف واستحالة تبقا راجل.. افتكر ضحكتي وفرحتي فيك يا بدر الدين عشان كل ما تيجي تحاول تكون راجل تخاف تاني..

❈-❈-❈

هي ليه يا نورسين بتكرهني اوي كده؟ ليه بتحب تشوفني مقهور ومتعذب؟ ليه مبتحبنيش؟ هو أنا فعلاً كده شبهها؟ طب.. طب.. هو أنا لو كنت وافقت ليلى وسيبتها تخلف كنت هابقا بردو زيها؟ كنت هاكره ابني او بنتي؟ ولا كنت هابقا قاسي زي ابويا واعذبهم عشان يطلعوا كويسين؟ ولا يمكن ليلى كانت هتساعدني إني أكون أب كويس؟ بس لأ أنا استحالة أخلف.. أنا خلاص مبقتش أنفع أحب أو اتحب.. عشان كده بعدت عنك.. حاولت اتعالج.. عملت أكتر حاجة بخاف منها في الدنيا، أنا بموت من جوايا لو اللي بحبه سابني وبعد عني.. بس أنا كنت مرعوب لأذيكي.. عارفة يا نورسين اليوم اللي اخدتك فيه من بيت أمي نجوى؟ فاكرة أنا عملت فيكي ايه يومها؟ بس أنا كان عندي سبب.. أنا مكنتش عايز أأذيكي.. أنا هاحكيلك كل اللي حصل يومها" حاول التنفس بصعوبة وتوقف عن البكاء وأكمل

"أنا اليوم ده عذبت يُسري وكريم.. يُسري عشان أذى مراتي اللي بحبها، وكريم عشان أذاني برضو في الست اللي بحبها وحاول يعتدي عليها وكمان أختي.." انهمرت دموعه ثانيةً ونورسين أمامه تتعذب بملامحه وتبكي هي الأخرى

"تعرفي إني فعلا مكنتش راجل، كنت ضعيف وجبان، مقدرتش اوجهك.. تعرفي إني يومها جالي مكالمة من الحراس وعرفت إنه بيحاول يعتدي عليكي ومن كتر ما أنا جبان وخايف مروحتش شيلته من عليكي وموته بإيدي وعملت زي العيال ودخلت البيت وفضلت انده عليكي عشان يمشي ويسيبك لا أشوفه!! كلام وفاء صح.. أنا عمري ما كنت راجل ولا هاعرف اكون راجل أبدا!!"

بكى في خشية من ردة فعلها ولكنه لا يريد أن يخبأ عنها المزيد، تآلم عندما نطق بتلك الكلمات وتحول بكاءه لعويل وارتج جسده من كثرة البكاء ولم يستطع أن ينظر لها وأكمل قص آلامه وحياته السوداء التي ظن أنها لن يتخللها شعاع نور أبدا

"أنا بهدلتهم، كهربتهم، سجنت واحد والتاني لسه مرمي بيعذبوا فيه.. رجعت يومها بضحك وفرحان بس افتكرت لما عذبتهم عذاب أبويا ليا.. أنا.. كان لازم أطلع اللي جوايا على واحدة استغلالية عشان احس إني بعاقبها على إنها شبه القذرة اللي عملت فيا كده، وكمان مش بس عقابها على إنها بتاخد فلوس لأ!! أنا من ساعة ما ليلى سابتني ومشيت بقيت بفتري على الستات والبنات اللي قدامي.. أضرب فيهم لغاية ما يقدروش يستحملوا ويتحايلوا عليا اسيبهم يمشوا، عارفة ليه، عشان اضربهم اكتر وانتقم فيهم من خسارتي لليلى.." انهمرت دموعه دون توقف وبدأت هي في عدم التحمل

"خلاص يا بدر كفاية أنا مش عايزة اسـ.." تحدثت بسرعة وهي تحاول أن توقفه ولكنه قاطعها

"لأ لازم تسمعي للآخر" حاول إيقاف بكاءه ثم اردف

"وأنا مروح وفاء جاتلي.. جاتلي تاني وفكرتني إني جبان.. جاتلي بإستغلاليتها وطمعها وقالتلي إنها عايزة تشاركني في اللي كبرته وبنيته أنا واخواتي وأمي وبمساعدة ليلى ووقفتها جنبي.. فكرتني وأنا صغير إني كنت بخاف منها ومن مدحت اللي بتنام معاه، فكرتني إني كل ما أحس إني بقيت بني آدم وافتكر إن حياتي هتبقا كويسة وإني بقيت راجل شايل مسئولية وبيحمي اللي بيحبهم هرجع تاني وأكون جبان وعيل صغير.. بس مش ده السبب وبس..

غلطت ساعتها في نجوى أمي قدامي وبقيت زي الأعمى ومسكتها رميتها برا الفيلا عشان مكنتش قادر استحمل.. وجريت عشان كان فيه واحدة مستنياني أطلع عليها كل انتقامي وعصبيتي وكبتي بس تعرفي يا نورسين إني بردو كنت جبان ومقدرتش؟! تعرفي إني أول ما جيت أضربها شوفتك قدامي، بس فكرت إن يمكن ده عشان من ساعة ما بقينا كويسين مجيتش ناحية واحدة ست.. حاولت تاني أضربها بس حسيت إن ايدي اتشلت، على قد ما كنت حاسس إن فيه نار جوايا وعايزها تطلع بأي طريقة وأموت حد قدامي على قد ما كنت مشلول!!" تنهد في حرقة جرحت حلقه وأكمل

"شوفتك بضحتك وبرائتك.. شوفت السعادة اللي عمري ما عيشتها مع حد قبلك.. بس تعرفي؟!" ابتسم في وهن ثم نظر لها ليتلاقى سواد عينا ذلك المتآلم في عمق أبحر سحيقة من الظلمات الحالكة بزرقة سماءها الصافية التي تُمطر أنهارا من حُزن وأبحرها التي تعصف تلك الآلئ المنهمرة على وجنتيها

"أنا مش عارف حتى ابتدي معاكي منين ولا منين.." تنهد وابتسم لها بمرارة "أنا هحكيلك يا نورسين على اللي جرالي من يوم ما عيني وقعت عليكي.. هاحكيلك حبك عمل فيا ايه.. هقولك انتي ازاي حبك نورلي حياتي كلها وخلاني احس إني فوق السحاب بس جبني وخوفي عليكي من نفسب ورعبي لأذيكي نزلوني سابع ارض.. عارفة أنا حبيتك من امتى؟!"

نظرت له بعينيها الباكيتين وأومأت له بالإنكار وصمتت تماما لتسمعه لأول مرة وهو يتحدث عنها بتلك الطريقة وتلك الملامح التي اذابت قلبها آلما وحزنا.


..يُتبع