-->

الفصل الثلاثون - ظلمات حصونه

 

 الفصل الثلاثون


يقف الجميع فى الردهة داخل المشفى بعد أن تم نقل "هناء" و"ديانة" إليها ، بعد أن سقط "هناء" من فوق سطح فيلا "جواد" وأستقر ظهرها على إحدى درجات السلم أمام الباب ، ويليها بالحظات قليله فقدان "ديانة" للوعى فالأمور الذى مرت بها اليوم ، لم تكن هينة عليها وخصوصا وأنها لم يمر على ولادتها المبكرة سوا بضعة أيام ، كانت "لبنى" تجلس بجانب "هاشم" وهى تشعر بالخوف والقلق الشديد على أبنتها بالأضافة إلى القليل من تلحزن على ما حدث ل "هناء" ، بينما "هاشم" كان يجلس بجانبها ويحاول تطمئنها والتهدئة من روعها على عكس ما بداخل من تشتت بين شعوره بالخوف الممذوج بالندم والإنكسار ، يشعر تجاه "لبنى" بشيء لم يجربه من قبل وكأنه لأول مرة يتعامل معها ، وكأنهم لم يمر على معرفتهم ببعضهم أكثر من خمسة وعشرون عاما ، منهم عشرون عاما كانا فيهم لبعضهم أقرب من الرجل وأمرأته بأثتثناء العلاقة الحميمة ، عدا ذلك هى لم تكن تتعامل مع أحدا سوا ، وهو لم يكن يشعر بالراحة والسلام مع أحدا غيرها ، بغص النظر عن ذلك الأنتقام الذى كان يصنع فعله



بينما كانت "زينة" تقف على مقربة من "مالك" وعينيها لا تتوق عن ذرف الدموع مُتذكرة ما أخبرتها به "ماجدة"



•• 



_ وأنا موافق يا زينة لو كان ده هيريحك 



صاح هاتف "زينة" مُعلان عن وجود إتصالا من أحدهم لتنظر فى هاتفها لتجده من قصر والدتها لتجيب على الأتصال مُستمعة لمن يتحدث ، لتجده صوت العاملة "حُسنة" رادفة بلهفة : 



_ ألحقى يا ست زينة 



نهضت "زينة" من مكانها بفزع ورعب وقد تمالكها شعور الخوف رادفة بلهفة : 



_ فى أيه يا دادا ؟!



صاحت العاملة قاصة على "زينة" كل الحديث الذى دار بين كلا من "هناء" و"ماجدة" على الهاتف وطريقتها المريبة التى تحدثت بها وخروجها السريع من الفيلا دون حتى أن تبدل ملابسها



كانت "زينة" تشعر بالشتات والإرتباك ، لا تعلم أتفرح بخبر تعافى "ماجدة" وأستهادها لقدرتها على الكلام !! ، أم تفزع وترتعب من طريقتها مع "ماجدة" وأخبارها بأنه قد حان موعد النهاية !! ماذا تعنى بقولها هذا ، صاحت "زينة" رادفة بلهفة وإندفاع :



_ طيب يا دادا أنا هتصرف وأعرف أيه اللى بيحصل



أغلقت "زينة" المكالمة وقد سيطر على ملامحها شعور الرعب والفزع من أن تقوم "هناء" بفعل شيء ب "ديانة" أو تقوم بإذائها ، لأحظ "مالك" تلك الملامح المُفزعة على وجه "زينة" ليعقب سريعا مستفسرا عما بها :



_ فى أيه يا زينة!! ، مالك وشك أتخطف كده ليه؟!



كاد "زينة" أن تجيبه ولايزال شعور الصدمة والفزع مُسيطران عليها ، ليقاطعها صوت هاتفها مُعلنا عن وجود إتصال من "سما" أبنة عمتها ، سريعا ما أجبتها "زينة" رادفة بلهفة : 



_ أيه يا سما !! 



تشنجت حواسها عندما أستمعت إلى صوتها التى تستمع إليه لأول مرة بحياتها والذى لم تكن لتتعرف عليه إلا عندما أفصحت صاحبته عن نفسها وأجابتها رادفة برعب :



_ أنا ماجدة يا زينة



وكأنها هى من شُلت بلسانها ولم تعد تستطيع أن تتفوه بأية حرف ، فكلماتها قد حُصرت بين بين سعادتها بسماع صوت عمتها لأول مرة ، وبين رعبها وفزعها مما ستخبرها به عمتها من أحاديث ستفتح بداخلها جروح قد ظنت إنها داوتها السنين ، ليباغتها صوت "ماجدة" رادفة بفزع :



_ أسمعين كويس يا زينة ، لبنى برئية من دم تهانى ، لبنى معملتش حاجه يا زينة وديانة بتدفع تمن حاجه هى وأمها برئين منها



لايزال الصمت حليفها بينما قد زادت صدمتها وشعورها بكثير من الأخبار السيئة الذى ستتلقها فى هذا اليوم ، ولكن "ماجدة" قد فاجئتها بما قد تمنت أن لا تستمع إليه على الأطلاق رادفة بإندفاع :



_ هناء هى اللى قتلت تهانى وحاولت تقتلنى ، دلوقتى رايحة تقتل ديانة ، ألحقيها يا زينة بسرعة



هبت "زينة" واقفة بسرعة من مكانها وألتقطت هاتفها ومفاتيح سيارتها وهرولت فى الخروج من المقهى ، لينهض "مالك" هو الأخر بنفس اللحظة فهو كان يُتابع ملامح وجهها التى كانت تزداد فزعا ، سريعا ما ترك "مالك" النقود على الطاولة وأسرع فى الخروج خلف "زينة" التى كانت لاتزال تتحدث فى هاتفها رادفا بلهفة :



_ فى أيه يا زينة؟!



نظرت له "زينة" بصدمة وعدم إتزان وقد تأكدت إنها لم تستطيع أن تقود السيارة فهى بالكاد تسطبع أن تقف وتتحرك على قدمها ، لتزجره سريعا وهى تتجه نحو سيارته رادفة بلهفة ورعب :



_ أطلع على فيلا جواد بسرعة



سريعا ما صعد "مالك" و"زينة" داخل السيارة وأنطلق "مالك" وهو يشعر بأن هناك شيء سئ يحدث مع "ديانة"، ولكنه كان مراعيا أن "زينة" لا تزال فى بداية حملها ، بينما "زينة" كانت لا تزال بمكالمتها مع "ماجدة" لتكسر "زينة" شعورها بالصدمة وتصيح بماجدة رادفة بأستفسار :



_ أيه اللى حصل فى اليوم ده يالظبط يا عمته ؟!



•••

كانت "زينة" تتذكر ما قصته عليها "ماجدة" وعن ذلك الشجار الذى دار بينهم فى هذا اليوم ، وعن دفع "هناء" لشيقتها من أعلى الدرج وعدم إكتفائها بهذا ، بل وأيضا ألقت بها هى نفسها لتلحق ب "تهانى" عند أسفل السلم وعن إلقائها بكامل الذنب على "لبنى" التى سريعا ما صُدمت هى الأخرى بخبر موت "شرف" وعدم قدرتها على التحدث مرة أخرى ، تتذكر هذا الحديث وتتهاوى دموعها دون توقف أو تحكم منها فى هذا الضعف والإنكسار ، بينما "مالك" كان يشعر بأن هذه الدموع هى دماء تُنزف من قلبه هو وليست مجرد قطرات ماء تتساقط من مقلتيها ، كان "مالك" يشعر بصراع كبير يحدث بداخله بين أن يقترب منها ويضمها إلى صدره ويهون عليها فظاعة ما تشعر به من ألم ، وبين أن يلتذم مكانه مُراعة لوجود "هاشم" و"جواد" ويكتفى ببعض النظرات المُتعاطفة التى يرمقها بها؟!



بينما "جواد" كان يقف على مقربة من باب غرفة "ديانة" يموت خوفا ورعبا من أن يُصيبها شيء وينتظر خروح أى أحد ليطمئنه على صحتها ، كان يتحرق شوقا لرؤيتها والتحدث معها ولأول مرة دون شعور بضرورة الأنتقام ورؤية دماء والدتة متعلقتة بها ، ولكنه أيضا يخشى تلك المواجهة وذلك اللقاء ، لا يعلم كيف سيعتذر لها!! أو من أين ستاتى له الشجاعة بطلب السماع والغفران عما فعله بها؟! ، هل ستسامحه!! هل ستطلع بوجهه مرة أخرى!! ، هل ستشفق عليه عنما يخبرها عن تلك الأمور تلذى ظل يُعانى منها طيلة سنوات كثيرة؟! مما كان سيُكلفه الأمر ، عليه أن يجعلها تسامحة وتظل معه ، فهو لا شيء دون وجودها بجانبه



حول "جواد"نظره نحو "لبنى" التى كان يبدو عليها الكثير من الرعب والفزع من أن يحدث لأبنتها شيء وهو يشعر بتشتت وتوهان كبير ، كيف لهذه السيدة أن تكون على قيد الحياة!! ، أين كانت طوال هذه السنوات ولماذا لم تظهر وتبرئ نفسها!! ، هل كان والده يعلم إنها لاتزال على قيد الحياة!! ، لماذا لم يقتلها إذا؟! ، كانت الكثير من الأسئلة تضرب برأس "جواد" إلى أن أفاقته تلك اليد التى وضعت على كتفه لتنتشله من كثرة أفكاره ، رفع "جواد" ليعلم من صاحب تلك اليد ليجده صديقه "إياد" الذى جاء فور ما أن أخبرهوبما حدث ، صاح "إياد" مُحاولا مواساة صديقه رادفا بمساندة :



_ أجمد يا جواد ، ديانة عاملة أيه دلوقتى؟!



أجابة "جواد" بفيروزتان يلتمعتان من كثرة الدموع الحبيسة بداخلهم رادفا بضعف وإنكسار :



_ مش عارف لسه الدكتور معاها جوه



ربط "إياد" على كتفه مُحاولا تهدئته وتطمئنه رادفا بهدوء :



_ إن شاء الله هتكون كويسه ، متقلقش



فى تلك اللحظة خرج الطبيب من غرفة "هناء" ليُسرع إليه كلا من "هاشم" و "لبنى" بينما "جواد" و "زينة" كانا يتابعان من أماكنهم وخصيصا "جواد" الذى كان يستمع بأهتمام لما سيقوله الطبيب ، لتصيح "لبنى" موجهة حديثها نحو الطبيب رادفة بأستفسار :



_ خير يا دكتور!! ، حالتها عامله ايه؟!



أجابهم الطبيب بملامح تصرخ بالأسئ والشفقة على حالتها رادفا بأسف :



_ بصراحة مخبيش عليكوا الحاله صعبة جدا وخطر ، الوقعة اللى هى وقعتها كان شديدة جدا وفى مكان صعب خصوصا على حد فى سنها ، الوقوع على الضهر من مكان عالى جدا زى المكان اللى وقعت منه ده سببلها تاثير قوى على العمود الفقرى مما ترتب عليه قطع فى الحبل الشوكى ، وللاسف قطع الحبل الشوكى لسه لحد دلوقتى ملوش علاج



أقترل "جواد" بإندفاع نحو الطبيب وهو لا يعلم لماذ شعر بكل هذا الكم من الخوف والإتباك رادفا بحدة ولهفة :



_ يعنى أيه الكلام ده؟!



ذم الطبيب شفتيه مُحاولا توصيل صعوبة حالتها لهم ولكن بطريقة لا تثير فزعهم وتنهر قلوبهم رادفا برفق وأعتذار :



_ للاسف المريضة مش هتقدر تتحرك تانى أبدا ، ولان حالتها صعبة وعندها كسور شديد جدا فى منطفة الحوض والساقين مش هتقدر حتى انها تقعد على كرسى متحرك ومن الأفضل أن تلازم الفراش باقى عمرها ، بعد أذنكوا



أستأذن الطبيب ورحل من أمامهم ، ليشعر "جواد" بغصة شديدة فى حلقه وقد شعر تنميلا شديدا فى أطرافه تأثرا بما أستمع إليه منذ لحظات ، أحقا قد شُلت "هناء"! ، أيعقل ان يكون قد عجز مصدر ضعفه وخوفه فى هذه الحياة؟! ، أحقا قد فقدت قوتها ، تلك المرأة التى كانت سجانا له سنوات كثيرة ، أيعقل أن يكون قد تحرر الأن من بطشها وظلمها له.؟! ، بينما "لبنى" سريعا ما قد تهاوت دموعها حزنا على ما أستمعت إليه من الطبيب لتُتمتم بتأثر شديد رادفة :



_ لا حول ولا قوة إلا بالله ، ربنا يسامحها ويخفف عنها



تعجب "هاشم" مما تفوهت به "لبنى" ومن حزنها على حالة "هناء" ليعقب رادفا بأستفسار:



_ أنتى بتدعلها رغم كل اللى عملته فيكى يا لبنى؟!



أجابته "لبنى" بحزن وأسئ على ما فعلته "هناء" بنفسها قبل ما تفعله بالجميع لتعقب مفسرة سبب تعاطفها معاها رادفة :



_ هناء كانت مريضة يا هاشم وللاسف اول ما ظلمت ، ظلمت نفسها و...



قاطع حديثها وقوف "جواد" أمامها هى و "هاشم" بعد أن فقد قدرته على تحمل تلك الأسئلة التى تدور برأسه ولا ترأف به رادفا بحدة وأستفسار مُشيرا نحو "لبنى" موجها حديثه نحو والده :



_ مين دى؟!



فهم "هاشم" ما بقصده "جواد" بسؤاله ليجيبه موضحا له الأمر رادفا بهدوء :



_ دى لبنى



زجره "جواد" بسؤاله بنبرة حادة وقاسى لا يعلم ، أهى من حزنه على مقتل والدته!! ، أم  خشية من أن يتاكد من حقيقة أن "لبنى" بريئة من دم والدته؟! ، صاح به "جواد" بنرة عتاب رادفا بحدة :



_ اللى قتلت أمى!!



صاحت "لبنى" متدخلة فى الحديث بعد أن أستمعت ما قاله "جواد" لتعقب نهاية عن هذا الحديث رادفة بتصحيح :



_ لا يا جواد ، انا مقتلتش تهانى ، أنا عمرى ما كان بينى وبين تهانى عداوة ، أنا هحكيلك كل اللى حصل يوم الحادثة



قصت "لبنى" كل ما حدث فى هذا اليوم على "جواد" بداية بشجارها هى و "هناء" بجانب الدرج نهاية بمكالمتها لها وتحذيرها بما سوف يفعله "هاشم" بها هى وطفلتها



••

_ هاشم جيلك دلوقتى يا لبنى ، جى يقتلك أنتى وبنتك زى ما قتلتى مراته واللى فى بطنها ، بس لسه قدامك فرصى ، أهربى يا لبنى ، أهربى أنتى وبنتك ومتوريناش وشك تانى ، ومتحوليش تفهمى هاشم حاجه لان بعد موت تهانى هاشم لا هيفهم ولا هيسمع



شعرت "لبنى" بالذعر والفزع مما أخبرتها به "هناء" من تهدبدها بان "هاشم" سيقوم بقتلها هى وابنتها وسريعا ما نهضت من مكانها وأسرعت فى الامساك بإحدى الأوراق والأقلام وقامت بكتابة رساله نصية ودموعها تتصارع فى النزول من مُقلاتيها



أنتهت "لبنى" من كتابة تلك الرسالة وسريعا ما أحضرت حقيبة كبيرة ووضعت بداخلها أبنتهت وشهادة ميلادها وتلك الرساله ، خرجت "لبنى" من القصر مُسرعة إلى إحدى محطات القطار بمحافظة الاسكندرية



صعدت "لبنى" إلى القطار بمجرد أن وصل المحطة ولحسن حظها إن الساعة كانت متاخرة ولذلك لم يكون القطار مُزدحما ، وضعت "لبنى" طفلتها على إحدى المقاعد وهى تشعر وكأنها تقوم بقطع جزا من روحها وقامت بتقبيل طفلتها مُعتذرة من إياها على ما تفعله به ولكن ليس أمامها حلا أخر



أستمعت "لبنى" إلى صوت بعض الركاب يهرولون كى يركبا القطار خوفا من ان يتحرك ولا يلحقوا به ، فاسرعت "لبنى" فى الأحتباء بالعربة الاخرى وظلت تتابع الأمر من بعيد



يُهرولون متجهون الى هذا القطار الذى اوشك على مُغادرة تلك المحطة ، صعدوا الى ذلك القطار المُتجه من الاسكندرية الى القاهرة



صاح "محمود" موجها حديثه نحو زوجته رادفا بلهفة :



_ تعالى يا منال كرسى جمبه شباك كويس اهو و.....



قطع حديثة هذا الصندوق المتواجد اسفل المقعد ليقم بفتحه ليشعر بالصدمة والغرابه فى انٍا واحد ، لاحظت زوجته قطع حديثه ونظرتة تلك



نظرت "منال" مُتفحصه ذلك الصندوق لتجدها طفلة رضيعة لم تتم الخمسة اشهر ولكن سبحان الخالق الذى ابدع فى خلق تلك الرضيعه ذو البشرة الحليبيه والاعين الزرقاء الصافيه والرموش الكثيفه والشفاه الورديه والشعر الحريرى الذى يكاد يصل الى جبهتها ، صاحت "منال" قائله :



_ اللهم صلى على جمال النبى ايه دى يا محمود !! دى نونه صغيرة ، فين اهلها وازاى يسبوها كده و...



قاطع حديثها وجود ذلك الظرف الموضوع بجانب تلك الرضيعه لتردف باهتمام :



_ ايه ده يا محمود؟!



قام "محمود" بفتح ذلك الظرف ليجد به عدة اوراق بها شهادة ميلاد باسم تلك الرضيعه وورقه اخر تشبه رسالة التقطتها "منال" من يده واخذت تقرأها وكان مضمون تلك الرساله :



_ انا عارفة ان مكنش ينفع اعمل كده بس والله العظيم غصب عنى لازم اعمل كده عشان بنتى تعيش انا كنت متجوزة رجل محترم جدا وخلفت منه البنت دى واتوفى من يومين وانا اكتشفت انى عندى سرطان وفى المرحله الاخيرة واهل جوزى كانوا مقاطعينه عشان اتجوزنى ولما عرفوا انه مات خافوا انى اطلب ورث بنتى وعرفت انهم عايزين يقتلوها بعد ما اموت ، ابوس ايدكوا اللى يلاقى بنتى يحميها ويبعد بيها عن اهلها حتى لو هتودوها لناس مبتخلفش يربوها ابوس ايدكوا احموا بنتى وابعدوها عن اسكندرية كلها



بكت "منال" بتاثر من تلك الرساله ثم انحنت والتقطت تلك الفتاة ضاممة اياها الى صدرها رادفه :



_ يا حبيبتى يا بنتى اتولدتى يتيمه الاب والام والاهل 



نظرت الى "محمود" بترجى قائله :



_ بالله عليك يا محمود ناخدها معانا ونربيها مع مالك دى شبه الملايكه والنبى يا محمود قلبى مش مطوعنى اسبها



نظر لها "محمود" بقلة حيله ثم نظر الى ذلك الملاك الصغير رادفا :



_ الله المستعان ربنا يرزقنا برزقها هى واخوها



ابتسمت "منال" بساعدة ثم احتضنت تلك الفتاة الجميلة قائلا :



_ اوعدك يا بنتى طول منا عايشه مفيش حد هيقرب منك ابدا



أغمضت "لبنى" عينيها بألم بعد ان أطمأنت على ابنتها وانها قد وقعت بين يدى تلك الاسرة الرحيمة التى سترعاها دائما وان دعواتها قد استجيبت



لتهبط "لبنى" سريعا من القطار ومن ثم تحرك القطار مُتجها إلى وجهته لتودع ابنتها للمرة الاخيرة وظلت تنظر إلى ظهر القطار ودموعها تنهمر من عينيها إلى ان أختفى نهائيا



قطعت "لبنى" تذكرة لإحدى المُحافظات الاخرى حتى تستطيع خداع "هاشم" لكى لا يعلم ان ابنتها أتجهت إلى القاهرة وظلت تجلس فى القطار منتظرة ان يتحرك



لم ترى تلك اليد إلا عندما جذبت شعرها حتى كاد ان يتمزق من شدة جذبته لها ليصبح وجهها مُقابلا لوجهه واستطاعت ان ترى تلك الدموع المُتحجرة فى عيناه ليصيح بها فى غضب :



_ فاكرة نفسك هتهربى منى يا لبنى!! ، تهانى واللى فى بطنها ماتوا وماجدة بقيت عايشه زى الميته ، انا بقى هخليكى تتمنى الموت كل ثانيه وانا بقطع فى لحمك انتى وبنتك و....



توقف من تلقاء نفسه عندما لاحظ عدم وجود تلك الرضيعة معها لينهش أسنانه بغضب وأخذ يشد على جذبته لشعراها رادفا بغضب :



_ البت فين؟؟



•••


تولى "هاشم" الحديث من بعد ان صمت "لبنى" مُحاولة عدم الأفصاح عما فعله "هاشم" بها ولكنه أراد أن يعترف بذنبه أمام الجميع ، ظننا منه أنه قد يقلل هذا من فداحة ما فعله فى حق "لبنى" ليكمل بعد ما قصته موجها حديثه نحو الجميع رادفا :



_ بعدها أخدت لبنى وأشتريت فيلا صغيرة جدا على البحر وبعيده شوية عن الناس وحبستها فيها ، وبعدها رجعت لهناء وقولتلها إن لبنى أنتحرت بعد ما هربت بنتها ، ومن وقتها كل ما افتكر الحادثه او أفتقد تهانى أو شرف أو ماجدة ، كنت بروح للبنى مرة أتكلم معاها بضعف ومرة بقسوة وإهانة وضرب ، لحد ما جيه عليا وقت حسيت إنى مش هقدر أموتها أو أسلها تمشى ، عشان كده فضلت حابسها طول العشرين سنة



شعرت "زينة" بالشفقة على تلك المرأة التى حُرمت طفلتها وسُلبت منها أنسانيتها وظلت حبيسة طوال العشرون عاما تدفع قمن جريمة لم ترتكبها ، بينما "هاشم" شعر بالخذى والندم على كل ما فعله بها من ضرب وإهانة وتعذيب ومحاولة إعتداء ، كل هذه السنوات كان ينتقم من الشخص البرئ ويُعذذ ويحترم الشخص المجرم والذى كان السبب فى الفراق بينه وبين كل من كانوا عزيزين على قلبه



بينما "جواد" كان يستمع إلى حديث "لبنى" وهو يشعر وكأن هناك نيران تنهش فى صدره ، أكان طوال تلك السنوات يعيش تحت سقف واحد مع المرأة التى قتلت والدته؟! ، أكان كل تلك السنوات يُعنف ويُعذب ويُذل تحت رحمة تلك المرأة العاهرة!! ، أكانت تزرع الحقد والكراهية بداخله تجاه زوجة عمه وأبنته كى تعمى عينيه عنها وعن جريمتها وعن إنها هى السبب فى موت والدته؟! ، كيف أستطاعت أن تدفع شقيقتها إلى الموت!! وولم تتكتفى بهذا بل دفعت أبنة عمها أيضا ، كيف أستطاعت أن تخدع الجميع طوال تلك السنوات؟؟



قطع تفكيره خروج الطبيب من غرفة "ديانة" لُيسرع إليه الجميع لكى يطمئنوا على حالة "ديانة" ، أندفع "جواد" نحو الطبيب بسرعة مُستفسرا عن صحة "ديانة" رادفا بلهفة :



_ ديانة عاملة أيه!!



أجابه الطبيب بملامح هادئة غير مُقتضبة مُحاولا أن يطمئنه رادفا :



_ متقلقش يا جواد بيه ، المدام بخير الحمدلله ، هى بس من الواضح إنها أتعرضت لضغط نفسى شديد شوية عشان كده مستحملتش وأغمى عليها ، بس هى دلوقتى فاقت وكويسة جدا



صاحت "لبنى" بلهفة بعد أن شعرت بقليل من الراحة موجهة حديثها نحو الطبيب رادفة بأستفسار :



_ يعنى نقدر ندخل نطمن عليها يا دكتور؟!



أومأ لها الطبيب بالموافقة غير مُمانعا طلبها رادفا بتاكيد :



_ اه طبعا اتفضلوا



أنصرف الطبيب وسريعا ما دلف غرفة "ديانة" كلا من "جواد" و"زينة" و"لبنى" و"هاشم" للاطمئنان عليها ، كاد "إياد" أن يلحقهم ليمنعه "مالك" الذى أمسك بذراعه رادفا بأستأذان وحرج :



_ أنا عايز أتكلم معاك شويه



رمقة "إياد" ببعض النظرات المُعاتبه وفكر بأن لا يستجيب له ، فهو ايضا غاضبا جدا منه ومن فعلته ولكنه سريعا ما فكر فى "زينة" ومصيرها ، ليستسلم لقبول طلبه لمعرفة على ماذا ينوى فى موضوعهما :



_ حاضر



نزل "إياد" بصحبة "مالك" إلى المقهى أسفل المشفى للأستماع إلى ما يريد "مالك" التحدث معه فيه؟!



❈-❈-❈

دلف الجميع غرفة "ديانة" وبمجرد أن دخلوا ، أسرعت "زينة" فى الركض نحو "ديانة" للأطمئنان عليها شاعرة بالذنب تجاه كل ما حدث لها ، ظننا منها إنها لو كانت ظلت معاها لما حدث شيء من هذا كله ، ولم تكن "هناء" لتقدر على إذائها ، بينما كان "جواد" يقترب من فراشها ببطئا شديد وكانه لا يملك القدرة والشجاعة على مواجهتها ولا يعلم حتى ماذا يقول لها!! أو بماذا يبدأ وهل ستعطيه الفرصة أصلا لكى يبرر لها شيء؟! ، صاحت "زينة" وهى مُحتضنة "ديانة" رادفة بلهفة وأعتذار :



_ حمدلله على سلامتك يا ديانة ، أنا أسفة ، يارتنى ما كنت سيبتك ومشيت



هونت "ديانة" عنها كى لا تلقى بكامل الذنب على نفسها رادفة بهدوء وإمتنان :



_ الحمدلله إنك خرجتى يا زينة ، الله أعلم لو كانت هناء جيت ولاقبتك كانت عملت فيكى أيه!! وانتى أصلا ح...



صمتت "ديانة" من تلقائها نفسه عندما شعرت إنها كادت أن تُخرب الدنيا وتفصح عن ذلك الأمر أمام الجميع ، أبتلعت "ديانة" برعب من أن يكون "هاشم" قد لاحظ ما قالته لتحول نظرها نحوه بحذرا كى لا تلفت نظره ، أثناء ما كانت "ديانة" تنظر نحو "هاشم" وقعت عينيها على تلك المرأة التى تقف بجانبه وتنظر نحوها وهى تبكى ، شعرت "ديانة" برجفة قلبها داخل ضلوعها بمجرد أن رأت تلك المرأة التى أول مرة تراها فى حياتها كانت اليوم ، تذكرت "ديانة" تلك الكلمات التى صاحت بها تلك المرأة أمام "هناء" ، "أبعدى عن بنتى يا هناء" وكأن صدها لتلك الجملة لاتزال تضرب بمسامح "ديانة" وقد تذكرت أن "هناء" قد نادت تلك المرأة بأسم "لبنى" ، هل يُعقل أن تكون تلك المراة التى تقف أمامها هى نفسها والدتها التى تعلم إنها قد ماتت من أكثر من عشرون عاما؟!



ظلت "ديانة" تنظر نحو "لبنى" وأمتلئت عين كلاهما بالدموع ، الصمت هو سيد المكان ولا يزال "جواد" ينظر نحو "ديانة" ولا يجرأ على التفوه بكلمة واحدة أو حتى على أن يقترب منها ، لاحظ "هاشم" ذلك الصمت المؤلم الذى ساد المكان بلأضافة إلى دموع كلا من "لبنى" و"ديانة" ، ليتقدم "هاشم" بجانب "لبنى" ورفع يده وربط على كتيفها ليكسر ذلك الصنت الأليم رادفا بتعاطف وشفقة :



_ روحى لبنتك يا لبنى



بمجرد أن وقعت تلك الكلمات على مسامع "ديانة" أنفجرت فى البكاء وكأنها طفلة صغيرة تبكى وتعوى مُنادية على والدتها ، ما إن سمعت "لبنى" صوت بكاء وشقات "ديانة" حتى أسرعت فى التوجه إليها وضمها إلى صدرها وأنفجرت هى الأخر فى البكاء بداخل صدر أبنتها ، رفعت "ديانة" زرقاوتيها نحو "لبنى" وصاحت بنحيب كى تتاكد أن كل كا يحدث حولها حقيقى رادفة بأستفسار :



_ أنتى ماما؟!



شدت "لبنى" على ضمتها لأبنتها داخل صدرها وقد شعر كلاهما برجفة جسد الأخرى رادفة بنحيب وبكاء شاعرة بالذنب تجاه أبنتها وكل ما حدث لها :



_ أه يا قلب ماما ، أنا ماما يا ديانة ، أنا ماما اللى أتحرمتى منها غصب عنك وعنها ، انا أسفه ، أسفة



سقطت كلا منها داخل بئرة حزنها وضعفها وكأنهم لا يلاحظوا هولاء الذين يقفون حولهم ، صاحت "ديانة" بمزيد من البكاء وهى تتشبث بعناق والدتها مُحاولة تطمئنها وجعلها لا تلقى بالذنب على نفسها رادفة بلهفة ودفاع :



_ متتاسفيش يا ماما ، أنا عرفت الحقيقة كلها وعرفت إن ملكيش ذنب فى حاجه ، هناء أعترفتلى باللى حصل يوم الحادثة وعرفتى إن طنط تهانى اصلا ممتتش بسبب الحادثة



أنتبه الجميع لما قالته "ديانة" ووقعوا جميعا بصدمة كبيرة ، وأول من شعر بتلك الصدمة هو "جواد" وكاد أن يستفسر عن الأمر ، ليقاطعه صوت والده الذى باضر بسؤالها رادفا بصدمة :



_ مامتتش بسبب الحادثة أزاى يعنى ، أومال ماتت ليه



أبتلعت "ديانة" بمرراة وصعوبة تأثرا بفداحة ما ستقصه عليهم رادفة بحزن وأستياء :



_ هقولكوا



❈-❈-❈

ذم "إياد" شفتيه بملل ونظرة أحتقار موجها حديثه نحو "مالك" الذى يجلس أمامه ويبدو عليه الكثير من ملامح الحزن والندم ، صاح "إياد" رادفا بأستخفاف :



_ أيه يا مالك!! عايزينى فى أيه؟!



لاحظ "مالك" تلك النظرة المُحتقرة الموجهة إليه من قبل "إياد" بالأضافة إلى نبرة الأستخفاف الواضحة فى كلامه ، ولكنه لا يستطيع أن يُعقب عليه فهذا أهون طريقه يُعامله بها بعد عملته الشنعاء ، ليندفع "مالك" موجها حديثه نحو "إياد" رادفا بإصرار :



_ أنا عايز أتجوز زينة يا إياد



رمقه "إياد" بنظرة ناريه مليئة بالغضب والإنزعاج رادفا بنبرة مُعاتبة :



_ قصدك عايز تصلح غلطتك



أخفض "مالك" رأسه ووضع وجهه بالأرض شاعرا بالإحراج والندم على فعلته الرخيصة ولم يستطيع أن يتفوه بكلمة أخرى أمام ما قاله "إياد" ، لاحظ "إياد" ذلك الأحراج والندم الوضح على "مالك" ليصر على تلقينه درسا على ما فعله مُكملا حديثه رادفا بحدة :



_ وتفتكر جواد هيوافق بحاجة زى دى!! ، جواد كان عندهم واحدة بتشتغل فى الفيلا، بنتها جيت أستنجدت بيه يلحقها ويساعدها عشان وثقت فى واحد ندل زيك كده وضيعها وحملت منه ورجع قالها مليش فيه ، عارف جواد عمل فيه ايه؟!



رمقه "مالك" بنظرات تعبر عن فضوله لمعرفة ما فعله "جواد" ليعلم ماذا تكون ردة فعله فى هذا النوع من الموقف ويخمن عليها ماذا ستكون ردة فعله معه ، لاحظ "إياد" ذلك الفضول الذى يندلع من أعين "مالك" ليقرر أن يضغط عليه ويتلاعب بأعصابه حتى لا يشعر أنه يقوم بعمل معروفا فى صديقه وليس تصحيحا لخطأه ، ليكمل "إياد" حديثه رادفا بنبرة حادة وقاسية :



_ بعت عربية مخصوص جابت الواد من قفاه من وسط شارعهم وأخده فى شقه فى مكان مفهوش صريخ أبن يومين وجاب دكتور وأمره أنه يجرده من رجولته ويقطع صلته بكلمة رجاله أساسا 



جحظ "مالك" أعينه بصدمة ورعب مما أخبره به "إياد" وأخذ يبتلع ريقه بصعوبة وفزع من قسوة عقاب "جواد" فى تلك الأمور ، بينما "إياد" كان يُصارع تلك الضحكات التى كانت تصرخ بداخله وتريد أن تصدح بجميع أركان المكان ، نسبة لملامح الخوف والفزع الذى سيطرت على وجه "مالك" خوفا مما سيفعله به "جواد" ، ليسيطر "إياد" على نفسه وسريعا ما تحكم بنفسه كى يقوم بتعنيف "مالك" وتسويته على نار هادئة مُكملا حديثه رادفا بمزيد من الشدة والجمود :



_ شوفت جواد عمل أيه مع الواد اللى لعب على البت اللى هى متهموش اصلا ولا تفرق معاه؟! ، ما بالك بقى باللى أغتصب أخته هيعمل معاه أيه؟!



أبتلع "مالك" بصعوبة فقد جف حلقه من كثرة التوتر والأرتباك ، ليحاول ترطيب شفتيه ونظر نحو "إياد" بملامح قلق رادفا بأستفسار :



_ وفعلا عمل كده فى الواد؟!



ضحك "إياد" بسخرية على عكس ما بداخه من قهقهة تريد الخروج ولكنه لايزال يسيطر على نفسه ، أجابه "إياد" بملامح ساخرة مُحاوله إخافته رادفا بتهكم : 



_ أقسملك انه الدكتور كان بدا ومسك المشرط وخلاص هيعملها ، راحت البت قلبها حن وأعدت تبوس رجل جواد عشان يسامحه ويسيبه يمشى ، جواد لما لقاها متشحتفه كده وقف الدكتور وبعت جاب الماذون وجوزهاله ، كان هيطلقها منه لولا الواد اعد يعيط ويقول لجواد انه بيحبها وحكاله على ظروفه ، جواد سالها عايزه تكمل معاه ولا لا والبت قالت بتحبه ، طبعا جواد سابهم لأنها متفرقش معاه ولا تخصه ، لكن أخته هتبقى حاجه تانيه وكمان الواد كانت ظروفة صعبه وده خلاه جواد يلتمثه العذر ، إنما أنت بقى عذرك أيه!!



صاح "مالك" بندم مُحاولا أن يشرح ل "إياد" أنه لم يكن ليفعل هذا الشيء ب "زينة" لو كان بوعيه وأنه حقا يريد أن تزوج "زينة" لأنه يحبها وليس لتصحيح خطأه ، ليردف "مالك" مندفعا بالحديث نحو "إياد" رادفا بحزن وصدق يندلع من عينيه المترقرقة بالدموع :



_ يا إياد أفهمنى ، أنا بحب زينة بجد ومش عايز أتجوزها عشان أصلح غلطتى بالعكس ، أنا غلطتى دى كانت فى حقى قبل ما تكون فى حق زينة ، عارف إنى كسرتها ووجعتها بس أقسملك إنى مكنتش فى وعى وإنى مكنتش حاسس بنفسى ، عارف إن ده مش مبرر بس أنا لما شوفتها عندك فى السرير غصب عنى أفتكرت حاجات فضلت أعانى سنين طويلة عشان أنساها ، الموقف كان صعب على أى راجل مكانى وأنت عارف كده كويس



شعر "إياد" بالشفقة تجاه "مالك" خاصة بعد أن تهاوت تلك الدموع من عينيه عند ذكره لذلك الشيء الذى ظل يُعانى منه لسنوات ، أدرك "إياد" أن ما يُعنبه "مالك" أنه قد تعرض للخيانة" من قبل ليشعر بالحزن عليه ، ولكنه لا يريد أن يتهاون معه كى لا يظن أن ما فعله ب "زينة" كان بسيطا أو هين ، ليرد "إياد" على ما قاله "مالك" ولكنه قلل من نبرة هجومه وحدة ليردف بهدوء :



_ أنا عارف كده بس جواد ميعرفش كده ، أنت نفسك لو مكانه مش هتعرف كده ولا هتفكر بعقلك وقتها



هز "مالك" رأسه بالموافقة على ما قاله "إياد" ، نعم هو لو مكان "جواد" وهناك من أغتصب شقيقته لكان قتله بأبشع الطرق، ولكنه لن يستسلم ، سيتحمل أى شيء كى لا يخسر "زينة" ، ليردف "مالك" بإصرار وتاكيد :



_ أنا مستعد أعمل أى حاجه عشان يجوزهالى ومفيش مخلوق فى الدنيا هيعرف حاجة ، الموضوع ده هيفضل بينا أحنا بس وده عشان خاطر زينة



تنهد "إياد" براحة بعد أن وصل لما كان يريد الوصول إليه وهو أن يترجاه "مالك" كى يتزوج "زينة" ، كان "إياد" يُسجل بهاتفه كل هذا الحوار الذى دار بينه وبين "مالك" لكى يُسمعه ل "جواد" ويجعله يصدق أن "مالك" هو من يترجئ أن يتزوج من "زينة" وليس العكس ، وذلك لكى يُحافظ على كبرياء وكرامة صديقه الذى يعلم أن هذه الأشياء تعنى له الكثير ، ليوافقه "إياد" رادفا بهدوء :



_ أوعدك إنى هحاول مع جواد وإن شاء الله يوافق



أبتسم له "مالك" بسعادة وقد شعر براحة كبيرة رادفا بمحبة وإمتنان :



_ تبقى خدمتنى خدمة عمرى ما أنسهالك أبدا يا إياد



نهض "إياد" من مقعده رادفا بأقتراح :



_ طب يلا نطلع نطمن على ديانة



أومأ له "مالك" بالموفقة وهو ينهض هو الأخر رادفا بحماس :



_ يلا



❈-❈-❈

قصت "ديانة" على الجميع ما أخبرتها به "هناء" وعن تلك الطريقة التى قتلت بها شقيقتها ، صُعق الجميع مما قالته "ديانة" لتكمل هى حديثها وتزيد من صدمتها رادفة بحزن وألم :



_ وبعد ما قتلت طنط تهانى بالطريقة دى كانت رايحة تقتل عمتو ماجدة كمان كده ، بس الدكتور دخل فى الوقت المناسب وعرفت منه إن كده كده عمتو هتعيش زى الميته بالظبط ومش هتخف ، عشان كده سابتها و...



قاطعتها "زينة" التى صاحت بإنهيار وأخذت دموعها تتسارع فى الهبوط وهى تصرخ بألم وحسرة على تلك الطريقة التى قتلت بها والدتها رادفة برجاء :



_ كفاية يا ديانة ، أرجوكى كفاية



ظلت "زينة" تبكى وترتجف بسبب كثرة شهقاتها ، بتلك اللحظة دلف "مالك" و "إياد" إلى الغرفة ورئوا ذلك الأنهيار ، كاد "مالك" أن يندفع نحو "زينة" ويضمها إلى صدره كى يُهدأ من روعها مُتناسيا جميع من حوله ، ولكن أوقفه "إياد" الذى لاحظ ما كاد "مالك" أن يفعله ، تمتم "إياد" موجها حديثة نحو "مالك" رادفا بتحذير :



_ أمسك نفسك عشان متلبخش الدنيا وتودينا فى داهية



سريعا ما ضمت "لبنى" "زينة" داخل صدرها مُحاولة تهدئتها والتخفيف عنها ، ربطت "لبنى" على ظهر "زينة" التى كانت داخل صدرها رادفة بشفقة وحزن :



_ أهدى يا حبيبتى



أجهشت "زينة" فى البكاء وهى ترتجف داخل صدر "لبنى" رادفة بصوعبة بسبب كثرة شهقاتها :



_ خالتوا هى...هى اللى عملت كده فى ماما يا طنط



شدت "لبنى" على أحتضان "زينة" شاعرة بتلك الرجفة القوية التى أمتلكت جسدها رادفة بتأثر وبكاء :



_ الله يسامحها على كل اللى عملته



خرجت "زينة" من عناق "لبنى" وأندفعت نحو والدها وشقيقها ونظرت نحو والدها بضعف وإنكسار وهى لاتزال تبكى بحرقة وألم رادفة بأستفسار :



_ خالتو هناء اللى قتلت ماما يا بابا؟!



حولت نظرها نحو "جواد" وقد تجعدت ملامح وجهها من كثرة البقاء وتشبثت فى عنق شقيقها وكأنها تتعلق به أو تُحاول أن تكتسب قوتها منه رادفة ببكاء ونحيب :



_ هناء هى اللى قتلت ماما يا جواد



كان "جواد" يقف كالتمثال لا يُصدر أى صوت أو ردة فعل حتى أنه لم ينظر نحو شقيقته ، كان عينيه ناظرة نحو الفراغ وكانه لم يعد يستطيع أن يستمع أو يتحدث، شُلت أفكاره وأرتخت أعصابه شعر بأن ركبتيه ترتجفان من هو صدمته ، نعم تلك الصدمة كان كبيرة جدا عليه ، هو كان يظن أن "هناء" تسببت فى موت والدته بسبب دفعها لها من على السلم وإنها لم تقصد قتل شقيقتها ، لم يكن يتوقع أن تكون "هناء" هى من تقصدت أن تقتل والدته وكيف قتلتلتها؟! قتلتلتها بطريقة وحشية خالية من الرحمة والشفقة ، قتلت شقيقتها وزرعت تلك الإبرة داخل عنقها بكل دم بارد وإنعدام للأنسانية ، كانت قاتلة والدة تعيش معه تحت سقف واحد ، تأكل معه على مأئدة واحدة ، تتحكم به وتزرع داخل نفسه الضعف والرعب ، ربط بداخله شخص مريض هزيل ، لا يملك ذرة ثقة فى نفسيه ، ربط بداخله وحشا يخشاه الجميع ويتجنب أن يتعامل معه ، جعلته يكره ويُعذب الفتاة الوحيدة التى خفق لها قلبه ، جعلت منه حُطام إنسان



بينما "زينة" كانت تصيح وهى لاتزال مُتشبسة فى عنق قميص "جواد" وقد أصبحت الأرض غير ثابتة تحت أقدمها وهى تصرخ عليه بهسترية رادفة بأستفسار وألم :



_ ليه قتلتها يا جواد! ، أنت أكتر واحد عارف الست دى ، ليه قتلت ماما يا جواد ليه!!



ظلت "زينة" تصرخ بتلك الكلمات وقيضتها على عنق "جواد" أرتخت كثيرا مثل ما أرتخت أعصابها ، ما هى إلا لحظات قليلة حتى فقدت "زينة" قدرتها على الوقوف وخارت قوها وسقطت مُغشيا عليها بين يدى "مالك" الذى لاحظ إرتخاء أعصابها وإنها أوشكت على السقوط ليُسرع فى إلتقاطها وحلها بين يديه بقلق وفزع على ما أصابها



على الرغم من إنها فقدت الوعى وهى بين يدى "جواد" إلا إنه لم يتحرق من مكانه حتى أنه لم ترمش له عين قط ، من ينظر إليه يظن إنه مُنوما أو مخدرا لا يصدر أى ردة فعل فقط ينظر فى الفراغ ، بينما أندفع "هاشم" نحو أبنته بفزع ورعب رادفا بلهفة :



_ زينة!!



شعر "إياد" بالقلق على "زينة" ولكن فزعه الأكبر كان على "جواد" الذى لا يبدو أنه بخير أبدا ، فذلك الصمت وعدم التأثر بما يحدث قد يجعله يشعر أن "جواد" سيتعرض لسكته قلبية أو دماغية فى أية لحظة ، ولكن عليهم الأطمئنان على "زينة" أيضا ويجب أن يُرافق "مالك" كى لا يقوم بأى حركة إنفعالية تفضحح عن أمرهم ، صاح "إياد" موجها حديثه نحو "مالك" رادفا بلهفة :



_ خدها على الدكتور بسرعة يا مالك



حملها "مالك" بين يديه وسريعا ما خرج بها من الغرفة وألحق به "إياد" وورأه "هاشم" وهو يوجه حديثه نحو "جواد" الذى لم يتحرك من مكانه قيد أُنملة شاعرا بالخوف والرعب على أن يخسر أبنأه معا رادفا بحدة :



_ خليك أنت هنا يا جواد



لم يُجيبه "جواد" وظل صامتا كما هو وكأنه بعالم أخر غير العالم ، لتسرع "لبنى" موجهة حديثها نحو "هاشم" رادفة بتنبيه :



_ أستنى يا هاشم أنا جايه معاك



نظرت "لبنى" نحو أبنتها وربطت على وجنتها بحب وحنان مُطمئنة إياها رادفة بهدوء :



_ رجعالك تانى يا حبيبتى



هزت لها "ديانة" رأسها بالموافقة وسريعا ما خرجت "لبنى" و"هاشم" من الغرفة تاركين "ديانة" و"جواد" بمفردهم ، كان "جواد" يقف أمام سرير "ديانة" وعينيه نظر فى الفراغ ، بينما كانت هى جالسه وتنظر نحوه ، كان الصمت هو سيد المكان وكلاهما على حالته ولا يتفوه بحرف ، كانت نظرات "ديانة" تحمل الكثير من الألم والإنكسار شاعرة بالغضب والنفور من هذا الجواد الذى فتك بها دون رحمة ودون أية حق



قررت "ديانة" أن تكسر هذا الصمت اللعين وتنفجر أمامه بأكثر شيء تمنت أن وطلبه منه منذ عدة شهور ولكنها كانت تخشى ردة فعله وأن يأذيها هى والجنين ، أما الأن وبعد أن علمت الحقيقة كاملة لم تعد تخشى أى شيء ، لتصيح "ديانة" بملامح جامدة وقاسية خالية من أى مشاعر سوا البغض والكراهية موجهة حديثها نحو "جواد" رادفة بحدة وحزم :



_ طلقنى



لم يكن لينظر لها أو لأى أحد ولكن عندما وقعت تلك الكلمة على مسامعه لم يعلم ما الذى حدث له ، وكأنه كان مُحنطا أو مُلقى عليه تعويذة سحرية جاعله إياه لا يتحرق وتلك الكلمة البغيضة هى من فكت تلك التعويذة لينظر لها بملامح مُحطمة ومنكسرة ، وكأنه يتمنى أن تشعر تجاه بالشفقة وتسحب تلك الكلمة التى تفوهت بها لتو، ولكنها فأجته بعد تأثرها وإصرارها على طلبها وهى تُطالعه بحدة رادفة بحزم وإصرار :



_ طلقنى يا جواد



أغمض "جواد" عينيه بأستسلام من فكرة أن تُسامحه أو تشفق عليه وقد شعر بغصة شديدة فى حلقة ، ليتنفس "جواد" بصعوبة وهو يُطالعها بنظرة مُنكسرة رادفا بهدوء وإنصياع:



_ حاضر



قالها "جواد" وسريعا ما خرج من الغرفة تاركا المشفى بأكملها ودموعه تتهاوى دون توقف مُعلنة عن إقتراب إنهيار ذلك الحصن المُظلم الذى كان يخشاه الجميع ويهابه ، قد أصبح مُحطما ولا تخشاه مجرد بعوضة



يتبع ...