الفصل الثاني والثلاثون - ظلمات حصونه
الفصل الثاني والثلاثون
وصل "جواد" إلى قصر عائلة الدمنهورى وسريعا ما أخرج مفتاحه وقام بدفع الباب بكثيرا من الغضب والفوضى لدرجة أنه أرتطم بالحائط خلفه وتحط زجاجه بالكامل ، خرجت "حسنة" وباقى العاملين فى المنزل على أثر صوت الزجاج المنكسر ، فزع الجميع عندما وقعت أعينهم على ملامح "جواد" الصارخة بالغضب والأشتعال وهو يدلف القصر بملامحه تزرع الخوف فى قلب كل من يراه بهذه الهيئة المرعبة
كان الجميع يخشى أن يتفوه بأية حرف أمام ذلك البركان الثائر خوفا من أن يأذى أحدهم ، ولكن هى لم تستطيع ان تظل صامته فهى بهذا البيت منذ أن كان "جواد" فى سن المراهقة وتعتبره مثل أبنها وأكثر ، تدخلت "حسنة" مُحاولة إستوقاف "جواد" ومعرفة ما به رادفة بقلق :
_ فى أيه يا أبنى مالك؟!
تجاهلها "جواد" وأكمل طريقه راكضا نحو الدرج صاعد إلى غرفته دون حتى النظر لها ، طالعت "حُسنة" باقى العاملين فى القصر ويبدوا عليها ملامح القلق والتوتر من هيئة "جواد" الغير مُطمئنة أبدا
بينما فى الأعلى دلف "جواد" غرفته وأوصد الباب خلفه جيدا وما إن صاح صوت المفتاح مُعلنا عن إغلاقه للباب حتى أنفجر "جواد" فى البكاء وكأنه سمح لنفسه أخيرا بلأنهيار وإخراج مل ما يحمله بداخله من ألم وحسرة ، ظل "جواد" ينظر فى كل أركان الغرفة متذكر كل شيء حدث لها بها ، هنا تمت مُعاقبته بكثير من الأيام لا يخرج من تلك الغرفة ولا يرى أحدا ، هنا تم ضربه وتعنيفه بل تعذيبه وإهانته ، هنا نُعت بأبشع الألفاظ وأفظع أنواع السُباب ، هنا تجرد من طفولته ، هنا كان يأكل واحده بينما الجميع يجلسون حول المائدة معا ، هنا بكى وبكى إلى أن حفرت دموعه أرضية تلك الغرفة ، هنا تمنى لو كان هو من مات وليس ولدته لكى لا يرغم على العيش مع إمرأة مثل "هناء" ، هنا تحول من مجرد طفل برئ فى العاشرة من عمره ، إلى وحشا قاسى يخشاه الناس بينما هو أضعف كأن على وجه الأرض
نظر "جواد" إلى إنعكاس صورته بالمرأه ليرى نفسه ضعيفا وهزيل ومنكسر ، دموعه لا تتوقف عن الأنسدال فوق وجنتيه نعم هو يتذكر ذلك المنظر ، وكيف له أن ينساه!! ذلك المنظر كان يرأه كل يوم فى نفس تلك الغرفة وأمام نفس المرأة بعد كل مرة كان يُعاقب فيها على شيء لن يرتكبه ، كان يرى ذلك المنظر كل مرة كان يتمنى شيء ويريد الحصول عليه ويتم رفضه ، كان يراه كل مرة كان يحرم فيها من شيء يحبه كنوع من أنواع العقاب ، كل مرة كان يُضرب أمام أحدهم ويشعر بالشماته فى أعين من حوله ، كل مرة كان يُهان أمام الجميع لدرجة أن الجميع أصبح يُهينه
تذكر تلك المرأة التى كان بالنسبة له وحشا وليس بشرا ، تلك المرأة التى كان يخشاها حتى عندما أصبح رجلا فى العقد الرابع من عمره وكانها ستُعاقبه كما كانت تفعل به وهو طفلا صغير ، كان تستطيع التحكم به وكأنه دميتها الصغيرة ، لم يكن يتوقع بيوما من الأيام أن تلك المرأة هى نفسها المرأة التى قتلت أمه وحرمته منها وظلت تعذبة وتقسى عليه لينتقم من شخصا أخر
لم ترأف به مُخيلته وهو يتذكر نفسه وهو يبكى بسبب ضربها وإهانتها له أمام أعين الجميع إلا وأمسك بإحدى زجاجات العطر الموجوده أمامه وألقى موجها نظره نحو تلك المرأه لايزال يرى فيها ذلك الطفل وهو يبكى ليصيح بغضب وحسرة مُحاولا إخراج ذلك الألم الذى يمزق صدره رادفا بصراخ :
_ ليه عملت فيها كده!! ليييه!!
قال جملته تلك وهو يُلقى بزجاجة العطر على تلك المرأة لتسقط على الأرض مُحطمة إلى أشلاء صغيرة ويختفى ذلك الطفل من أمامه ، ولكن ذلك الأصطدام لم يكن كافيا بالنبسه له ، ظل يبكى ويحطم كل ما وقعت عينيه عليه وهو يصرخ بألم وحسرة :
_ كنت فاكر نفسك بنتقم من بنت الست اللى قتلت أمك أتاريك بتنتقم من الشخص الغلط وفى الأخر طلعت الست اللى أنت أعد معاها فى بيت واحد وبتتحكم فيك هى اللى قتلت أمك
كان يصرخ وهو يقوم بحمل تلك التسريحة ويقلبها رأسا على عقب مُحاولا إخراج كل طاقة الغضب التى سيطرت عليه مُكملا حديثه موجه نحو نفسه رادفا بلوم وعتاب :
_ كنت طول عمرك بتخاف وبتعمل حساب لست اللى يتمتك وعملت فيك كل ده لييييه!! سمعت كلامها ليه؟!
تذكر "ديانة" وكل ما فعله بها ، تذكر إنكسارها وضعفها أمامه وهو يقيدها ويجلدها وهى تبكى وتصيح صارخة بألم وحسرة ، تذكر إهانته لها وسبها بأفظع الشتائم والألفاظ النابيه ، تذكر تلك الطريقة المؤلمة والمُهينة التى سلبها بها شرفها وأستباح جسدها دون موافقتها
_ غبى
صرخ بتلك الكلمة لأعنا نفسه ألف مرة على كل مرة أغتصبها بها وسمح لنفسه بهتك رحمها بغرض الأنتقام ورؤيتها ضعيفة ومنكسرة أمامه ، لعن نفسه على كل مرة جامعها لكى يُفرغ بها شهوته وكانها عاهرة من العاهرات التى لا تليق إلا به ، صاح بندم وبكاء موجها حديثه نحو نفسه رادفا بأستهزاء وصراخ :
_ فاكرها هتسامحك وتأخدك فى حضنها بعد كل اللى عملته فيها!! فاكرها هتصدق إنك حبيتها وتسمح لنفسها تكون معاك مرة تانية؟! أنت خسرتها خلاص ، خسرتها بسبب غبائك ووساختك
كان يصرخ ويلتف فى جميع أركان الغرفة يكسر كل ما بها كالمجنون إلى أن وقعت عينه على صورته هو و"هناء" ، ليُسرع فى إلتقاطها وتوجيه حديثه نحوها رادفا بغضب وكرهية :
_ ليه عملتى فيا كده!! ليه عملتى كده؟! عملتلك أيه لكل ده!! أنا بكرهك يا هناء ، سامعه!! بكرهك ، معدتش خايف منك ، معدتش جواد اللى بيترعب منك يا هنااء
قالها وهو يُلقى بصورتها أرضا ويضغط عليها بحذائه ، ظل يبكى بحرقة وإنكسار مُتذكر وجه "ديانة" وبرأتها نادما على كل ما فعله بها ، تذكر وجهها منذ قليل فى المشفى عندما طلبت منه الطلاق ليتأكد من كونها لن تسامحه ، ليصرخ بإنكسار وبكاء رادفا بندم وإعتذار :
_ سامحينى يا ديانة ، يا ديانة أنا اسف ، يا دياااانة
كان صوت صراخ "جواد" وبكائه يصدح فى البيت بأكمله بالأضافة إلى صوت ذلك الزجاج والأشياء التى تُحطم ، تهاوت دموع "حُسنة" تأثرا بما سمعته من صراخ "جواد" وبكائة لتشعر بالشفقة على هذا الرجل الذى تدمرت حياته بسبب إمرأة قاسية لا تعرف شيئا عن الرحمة ، صعدت "حسنة" السلم مُتجه نحو غرفة "جواد" وحاولت أن تفتح الباب ولكنه وجدته مُغلقا من الدخل ، لتصيح بخوف وقلق موجهة حديثها نحو "جواد" رادفة بترجى :
_ أفتح يا جواد ، أفتح يا أبنى الله يباركلك
ظل "جواد" يُكسر فى أثاث الغرفة بأكمله لدرجة إنها ظنت أنه قد يكون حطم الجدران أيضا ، ليصيح "جواد" زاجرا إياها فى ألم وحسرة رادفا بصراخ :
_ سبونى لوحدى بقاا ، أبعدوا عنى ، هناء دمرتنى ، هناء سرقت منى أمى وطفولتى وشبابى وحتى اللى حبيتها خلتنى أعذبها وأخليها تكرهنى ، أبعدوا عنى بقااا
أنتفض جسد "حسنة" على أثر صوت ذلك الأرتطام الكبير الذى صدح فى المنزله بأكمله وكأنه أحد أسقف الغرف قد تهاوى على الأرض ، وما زاد فزعها هو إنقطاع صوت "جواد" وتوقف بكائه ، لتركض "حسنة" هابطة إلى الأسفل موجهة حديثها نحو العاملين بالقصر رادفة بفزع :
_ حد يطلع يكسر الباب نشوف أيه الصوت ده!!
أجابها أحد العاملين نهيا إياها عما تقوله رادفا بخوف :
_ نكسر ايه يا ست حسنة الله يباركلك !! جواد بيه مولع خالص وممكن من كتر عصبيته دى يموت حد فينا لو عملنا كده وأحنا عندنا عيال
نظرت لهم بقلة حيله ، نعم هو عنده حق هى لا تضمن ردة فعل "جواد" إذا حدث شيئا كهذا ، ولكن قلبها يرتجف من القلق على "جواد" لتصيح بنفاذ صبر رادفة بحزم :
_ أنا لازم أتصرف ، أنا هكلم هاشم بيه
❈ - ❈ - ❈
أتسعت أعيُن "ملك" بصدمة بعد أن قص عليها "إياد" بعض ما حدث فى فيلة "جواد" وأن والدة "ديانة" على قيد الحياة ، لتصيح "ملك" بعدم تصديق رادفة بأستفسار :
_ أيه اللى أنت بتقوله ده يا إياد!! ، كل ده حصل أمتى وأزاى!! معقوله مامت ديانة طلعت عايشه؟!
أجابها "إياد" وهو يفرق مقدمة رأسه شاعرا بالأرهاق البدنى والذهنى مما مر عليهم فى هذا اليوم الطويل الذى يبدو أنه لم ينتهى بعد ، ولكنه عليه أن يطمئنها كى لا تشعر هى ووالدتها بالقلق على "ديانة" ليردف بهدوء :
_ أيوه يا ملك وأحنا دلوقتى فى المستشفى ومش عارف لسه أيه اللى هيحصل!! ، أنا بس قولت اكلمك أطمنك على ديانة عشان كمان متروحش الفيلا بتاعت جواد دلوقتى
أغمضت "ملك" عينيها بأسئ وحزن على "ديانة" وكل ما تمر به من مشاكل ومصائب دون أن يكون لها ذنب بأى شيء ، لتصيح بلهفة عندما خطر ببالها أن تذهب لتكون معاها فى تلك الأوقات الصعبة رادفة بأستفسار :
_ طب أنت فى مستشفى أيه وأنا أجيلك؟!
نهاها "إياد" عما تُفكر به خشية من ردة فعل الجميع وأيضا كى لا يشعر أحدهم بالحرج أمامها ، ليردف موضحا لها وجهة نظره قائلا :
_ لا يا ملك من الأحسن إنك متجيش لا أنتى ولا طنط ، الجو هنا متوتر جدا والكل أعصابه مشدوده وفى أسرار كتير عماله تظهر ، بلاش تيجوا عشان ميبقاش فى إحراج أو توتر لديانة ومامتها
تفهمت "ملك" ما يُحاول "إياد" أن يوصله لها موافقة إياه عما قاله رادفة بتأكيد :
_ معاك حق لازم ندى فرصه لديانة تقرب من مامتها وأكيد الموضوع صعب على الكل ، طب طمنى مالك عندك؟!
أجابها "إياد" مُطمئنا إياها مُسرا لها سبب وجود "مالك" مع مراعة حديثه وعندم الأفصاح عن ذلك السر رادفا بحذر :
_ أيوه متقلقيش ، مالك مع زينة أصلها تعبت شويه بعد كل اللى سمعته والدكتور أداها مُهدى
شعرت "ملك" بالأستياء والحزن على تلك العائلة التى تبدو وكأنها أصابتها لعنة ما دمرتهم جميعا ، لتضيف بتعاطف وأسئ :
_ طبعا الموضوع صعب عليها جدا ربنا يصبرها يارب
_ طب يا حبيبتى أنا هروح أشوف ديانة وجواد كمان وصلوا لأيه!!
وافقته "ملك" على ما قاله رادفة بتأكيد :
_ خلاص ماشى وأبقى طمنى هاا
أومأ لها "إياد" بالموافقة على طلبها رادفة بإنصياع :
_ حاضر يا حبيبتى سلام
❈ - ❈ - ❈
دلف كلا من "هاشم" و"لبنى" إلى غرفة "ديانة" ليجدونها بمفردها داخل الغرفة ليتعجب كلاهما ، لتصيح "لبنى" موجهة حديثها نحو "ديانة" رادفة بأستفسار :
_ أومال فين جواد؟؟
أجابتها "ديانة" مُحاولة إصطناع القوة والثبات رادفة بملامح خالية من أى تعابير رادفة بهدوء :
_ مشى
ضيقت "لبنى" ما بين حاجبيها بأستنكار مُتعجبة مما قالته أبنتها ، نظرت نحو "هاشم" بقلق لتحول بصرها نحو أبنتها مرة أخرى شاعرة بأن هناك أمرا ما رادفة بأستفسار :
_ مشى ليه!! أيه اللى حصل؟!
أجابتها "ديانة" وهى لاتزال مُحافظة على ملامحها الهادئة والخالية من أى تعابير أو تأثر بما تقوله رادفة بثبات :
_ طلبت الطلاق وهو قالى حاضر ومشى
كانت تقول جملتها تلك وفى هذه اللحظة كان "إياد" يدلف الغرفة ، لتقع تلك الجملة على مسامعه كالصعقة الكهربائيه ليغمض عينيه بتوتر شاعرا بالقلق من ردة فعل "جواد" ، بينما نظر كلا من "هاشم" ولبنى" إلى بعضهما دون إضافة أية كلمة كى لا تظن "ديانة" أنهم يأثرون عليها فى شيء
كان الصمت هو سيد المكان ، لا يستطيع أحد التفوه بكلمة أو بالأحرى لا يعلم أحدا منهم ماذا يقول!! ، ليكسر "هاشم" ذلك الصمت لأفتا إنتباه الجميع وهو يتجه نحو "ديانة" ويجلس بجانبها مُعقبا بكسرة وندم والدموع تملئ عينيه :
_ أنا أسف يا بنتى ، أسف يا بنت الغالى ، حقك على راسى ، أنا السبب ، أنا اللى عملت كل ده ، أنا اللى سبت جواد لهناء تزرع جواه الكره والقسوة والجبروت ، أنا اللى كنت غبى وسبت نار الأنتقام تعمينى عن الحقيقة ، أنا اللى ظلمتك وظلمت لبنى وظلمت جواد وظلمت زينة وظلمت الكل ، سامحينى يا بنتى أبوس أيدك
ترقرت الدموع فى أعيُن "ديانة" وسريعا ما لم تتحكم فى إنهيارها لتنفجر فى البكاء أمام الجميع ، موجهة حديثها نحو "هاشم" رادفة بضعف وبكاء :
_ طول عمرى كنت بتمنى ألاقى أهلى الحققين وأحس إنى ليا عيلة وأهل بجد مش ناس بتربينى وبتعطف عليا أكمنى مليش أهل ، أول يوم شوفتك فيه كنت متلخبطه ، مش عارفة أكرهك ولا أجرى أرمى نفسى فى حضنك وأشم فيم ريحة بابا اللى عمرى ما شوفته
جزبها "هاشم" سريعا إلى صدره مُعنقا إياها تاركا العنان لدموعه أن تتهاوى دون توقف أو تحكم منه مُعلنا عن إنهياره وندمه أمام الجميع ، ربط "هاشم" على ظهر "ديانة" شاعرا براحة والأمان وكأنه هو من كان يحتتج إلى ذلك العناق وليس هى ، لينفجر هو الأخر فى البكاء رادفا بنحيبا وندم :
_ سامحينى يا ديانة ، سامحينى يا بنتى عشان ربنا يسامحنى وعشان لما أقابل أبوكى يكون هو كمان مسامحنى ، سامحينى يا بنت شرف اللى كان عندى أغلى من نور عينى
تشبثت "ديانة" ب"هاشم" جيدا وكأنها طفلة صغيرة لا تريد أن تخرج من صدر والدها ولا تريده أن يبتعد عنها ، صاحت "ديانة" بصدق موجهة حديثها نحو "هاشم" بعد أن شعرت بمرراة ندمه ورجفة جسده رادفة ببكاء :
_ سامحتك يا عمى ، بعد كل اللى سمعته من هناء سامحتك ، كفاية إنك رجعتلى ماما تانى
ربط "هاشم" على ظهرها وخرج من عناقها مُقبلا مقدمة رأسها بحب وعاطفة أبويه ، حول "هاشم" نظره نحو "لبنى" التى كانت دموعها تتهاوى بصمت متأثرة بما يدور بين "هاشم" وأبنتها شاعرة بالراحة بعد أن تحقق ما كانت تدعى به منذ سنوات طوال ، ليصيح "هاشم" موجها حديثه نحو "لبنى" مُضيفا بضعف وإنكسار رادفا بندم :
_ سامحينى يا لبنى ، أنا غلطت فى حقك كتير أوى ، أنتى أكتر واحده فى الدنيا ليها حق عندى ، أنتى أكتر واحده ظلمتها وجيت عليها ، أنا أسف
كان يعتذر بإنهيار لم تراه به منذ موت "شرف" وظل مطأطا رأسه إلى الأسفل مُعبرا عن ندمه وحسرته ، لتربط "لبنى" على كتف "هاشم" بتسامح مُحاولة التخفيف عنه رادفة بصدق ومسامحة :
_ لا يا هاشم أنا أكتر واحده فى الدنيا كنت حاسه بيك ومقدره كل اللى بتحس بيه ، أنا مسمحاك من زمان أوى ، من قبل ما تعمل أى حاجه وأنا مسمحاك ، كل اللى كان نفسى فيه إنى اقدر أتكلم تانى وأحكيلك اللى حصل وأعرفك إنى بريئة من دم تهانى بس الحمدلله كل شيء جيه بأوانه
كاد "هاشم" أن يتحدث ليقاطعه صوت هاتفه مُعلنا عن إتصالا من منزله ليشعر بالقلق وسريعا ما قام برد على ذلك الأتصال ليأتيه صوت "حسنة" رادفة بلهفة وزعر :
_ أيوه يا هاشم بيه ألحقنا
شعر "هاشم" بالفزع من نبرة "حسنة" المليئة بالهلع وأول من خطر بباله هو "جواد" ، ليصيح مستفسرا عن الأمر رادفا بلهفة :
_ أيه يا حُسنه فى أيه؟!
أجابته "حسنة" بنبرة يملأها الخوف والفزع رادفا بلهفة :
_ ألحقنا يا هاشم بيه ، جواد جيه من شويه وطلع أوضته القديمة وأعد يصرخ ويعيط بصوت عالى ويكسر حاجات كتير أوى ومنها أزاز ومحدش من الخدم عارف يطلعلوا كلهم خايفين من صوته
أنتفض قلب "هاشم" من الفزع خوفا من أن يحدث شيئا لأبنه وتكون هذه أكبر كسرة تعرض لها بحياته ، ليصيح موجها حديثه نحوها رادفا بلهفة :
_ خلوا بالكوا منوا يا حُسنة لحد ما أجى ، أنا جى حالا
شعرت "لبنى" بالقلق من تعابير وجه "هاشم" التى تصرخ بالفزع والزعر ، لتردف بلهفة مُستفسرة عن الأمر :
_ فى أيه يا هاشم؟!
أجابها "هاشم" وهو يشعر بالخوف والأرتباك ويلتف حول نفسه بهلع ورعب ويحرك رأسه بتشتت رادفا بتلعثم :
_ جواد... جواد يا لبنى
أرتعبت "ديانة" من نبرة الهلع والزعر فى حديث عمها وسريعا ما شعرت بإنقباض فى قلبها وزيادة فى ضرباته، لا تعلم لماذا تشعر بذلك الخوف وتشعر وكأنها على وشك البكاء!! ، لماذا تشعر بالقلق والرعب على ذلك للشخص؟! ، أنتشلها "إياد" من ذلك التشتت موجها حديثه نحو "هاشم" رادفا بلهفة :
_ ماله جواد؟!
أجابة "هاشم" وهو يُحاول تمالك أعصابه رادفا بفزع وزعر :
_ جواد عندى فى الفيلا ومنهار وعمال يصرخ ويعيط بصوت عالى ، حسنة بتقولى إن فى صوت أزاز وحاجات بتتكسر ومحدش عارف يوقفه
شعر "إياد" بالخوف الشديد على صديقه ليركض نحو الباب عازما على الخروج من المشفى بأكملها ذاهبا إلى صديقه ، ليوقفه صوت "هاشم" رادفا بلهفة :
_ أستنى خدنى معاك يا إياد
أستعد كلا من "هاشم" و"إياد" لمغادرة المشفى للأطمئنان على "جواد" وبمجرد أن خرجا من الغرفة وأقفلت "لبنى" حتى أنفجرت "ديانة" فى البكاء والنحيب مُعلنة عن إنهيارها وضعفها أمام والدتها ، شعرت "لبنى" بالحزن والشفقة على أبنتها وسريعا ما ركضت نحوها وضمتها إلى صدرها مُحاولة تهدأتها رادفة بتأثر وبكاء :
_ مدام خايفه عليه كده ليه طلبتى الطلاق؟!
أجابتها "ديانة" مُتحدثة بصعوبة لكثرة شهقاتها رادفة ببكاء ونحيب :
_ عشان معدش ينفع نكون مع بعض بعد كل اللى عمله فيا ، أنتى متعرفيش هو عمل فيا أيه!! أنا بكرهه بس مش عارفه ليه خفت عليه كده فجاه!! مش عارفه أزاى أخاف على البنئ أدم اللى أذانى وأغتصبنى وجىحنى!!أنا تعبانه أوى ومش عارفه أعمل ايه يا ماما؟!
تهاوت دموع "لبنى" تأثرا بما تفوهت به أبنتها وأخذت تربط على ظهر مُحاولة تهدئتها رادفة بتمنى :
_ أهدى يا حبيبتى ، أهدى وإن شاء الله خير
❈ - ❈ - ❈
وصل كلا من "هاشم" و"إياد" إلى القصر ليتعجبا من منظر الباب وذلك الزجاج المُنكسر والمبعثر فى كل مكان ، دلف كلاهما نحو الداخل ليجدوا جميع العالملين بالقصر يقفون بإنتظارهم والصمت هو سيد المكان ، لدرجه أنهم ظنوا أن "جواد" قد رحل من المنزل ، ولكن "هاشم" كان يريد أن يتأكد من ذلك الأمر
صاح "هاشم" موجها نظراته وحديثه على "حُسنة" رادفا بلهفة وأستفسار :
_ جواد فين يا حسنة؟!
صاحت "حسنة" موجهة حديثها نحو "هاشم" وهى تشعر بكثير من الخوف والقلق على "جواد" رادفة بلهفة :
_ ألحقنا يا هاشم بيه ، جواد جيه من برا وكان شكله متعصب أوى لدرجة أنه كسر باب الفيلا ، سألته وهو داخل مالك مردش عليا وطلع على أوضة على طول ، مفيش دقايق وسمعنا حاجات بتتكسر وهو عمال يصرخ ويزعق ويقول كلام كتير أوى ويعيط ، خبط عليه مرداش يفتحلى وصرخ عليا وسمعت صوت عالى جدا كأن السقف وقع على الأرض والصوت أتقطع من بعدها ، روحت أتصلت بحضرتك على طول ، ومن وقتها مفيش صوت طالع من الأوضه ومعدناش سمعنا حاجه!!
شعر كلا من "هاشم" و"إياد" بالفزع على "جواد" وسريعا ما ركض "إياد" نحو الدرج صاعد إلى غرفة "جواد" وهو يشعر بالرعب من أن يكون حدث ل"جواد" شيئا ، بينما لحقة "هاشم" شاعرا بنفضة غريبة سرت فى جسده لأول مرة يشعر بها بسبب "جواد" وهذا ألهمه بأن هناك شيئا كبير قد حدث
وصل "إياد" أمام باب غرفة "جواد" وهو فى حاله هلع من بشاعة السناريوهات التى ضربت برأسه ، لف "إياد" مقبض الباب مُحاولا فتحه ولكنه وجده موصودا من الداخل ، طرق على الباب مُحاولا التوصل مع "جواد" رادفا بصياح :
_ جواد أفتح يا جواد ، أنا إياد يا جواد بقولك أفتح
قال جملته تلك وهو يلكم الباب بإنفعال وهو يصر على أسنانه ، حاول "هاشم" هو الأخر جعل "جواد" يرد عليهم حتى رادفا برعب وفزع :
_ يا جواد رد علينا طيب يا أبنى بلاش السكوت ده
لكم "إياد" الباب بغضب مُمذوج بالرعب والفزع من هذا الصمت الغريب رادفا بتأكيد على حديثه وأنه ليس مجرد تهديد :
_ جواد أنت لو مفتحتش الباب أنا هكسره!!
خاب أملهم ولم يأتيهم أى صوت أو حتى مجرد حركة بسيطه تدل على أنه يوجد كائن حى بالداخل ، شعر كلا من "هاشم" و"إياد" بالشلل لأنهم يعلما بما أن "جواد" بالداخل لن يصمت كل هذا وإذا كان حقا لا يريد أن يزعجه احدا لكان صاح بهم موبخا إياهم دون الأكتراث لأحد ، لكن هذا الصمت أثبت لهم أن هناك كارثة كبيرة خلف هذا الباب ، كسر ذلك الصمت صوت "هاشم" الصارخ على "إياد" مُنتشلا إياه من صدمة رادفا بأمر :
_ أكسر الباب يا إياد
بالفعل أستعد "إياد" لتنفيذ أمر "هاشم" وهو يشعر برجفة كبيرة فى قلبه خوفا من فتح هذا الباب ، لا يعرف ماذا ستكون تلك الكارثة التى سيرها بعد ثوانٍ هل سيكون صديقه بخير!! أم سيكون يلفظ أنفاسه الأخيرة ، دفع "إياد" الباب وهو يتمنى أن يكون كل ما يدور برأسه غير صحيحا وتكون تخمينات كاذبة ، ولكنه بمجرد أن صفع الباب تأكد أن كل مخاوفة وافكاره لم تكن تخمينات كاذبة
فتح "إياد" عينيه على مصرعها من هول ذلك المنظر التى وقع بصره عليه ، ليُصعق "إياد" ويسمر مكانه غير قادرا على الحركة بالإضافة إلى قلبه الذى أنتفض بين ضلوعه من ذلك المنظر الذى وجد صديقه عليه ، بينما "هاشم" لم يكن يتصور فى أحد الأيام أن يرى أبنه بهذا المنظر الذى جعل قلبه يتمزق بين ضلوعه ، أمتلئت عين "هاشم" بالدموع وهو يسرع نحو نجله المُلقى أمامه بهذا المنظر المؤلم لا حول له ولا قوة صارخا بفزع وهول :
_ جواااد ، أبنى
يُتبع ...