-->

الفصل السابع عشر- أشواك وحرير

 




الفصل السابع عشر


طرقات عالية نوعًا ما أيقظتها من ثباتها العميق بعد ليلة مؤرقه قضتها تفكر بعمق في كيفية إيقاف تلك الزيجة التي ستحل عليها بمزيدٍ من الخراب!...اختطفت غطاء لرأسها ولفته علي شعرها بعشوائية تاركة الحرية والتمرد لأغلب خصلاتها، فتحت الباب بعنف، وقد احتلت ملامح وجهها الضيق والإنزعاج، بالإضافة إلى نظرات الكراهية التي اجتاحت ملامحها فلم تستطع كبحها بعدما رأت هوية الطارق، والذي لم يكن سوي "يحي" خطيب ابنتها ؛فسألته بفظاظة :


_نعم يا إبن سهير؟!.. إيه اللي جابك علي الصبح؟


تدلي فكه من مظهرها الفوضوي بالإضافة لهيئتها الفاضحة الماثلة أمامه، فقد كانت ترتدي الطرحة بعشوائية علي مأزر منزلي طويل بعض الشيء يظهر قدميها من أسفل ناهيك عن أكمامه الواسعة التي أظهرت طول ذراعها المستندة علي الباب لتسد الطريق أمامه، نكس رأسه لأسفل شاعرًا بالحرج ثم سألها بأدب متجاهلًا وقاحتها في استقباله :


_ماما هنا يا طنط؟


مصمصت شفتيها بتهكم من كلمته الأخيرة وشهقت بتصنع مكرره كلمته بسخرية :


_طنط؟!..لا ياروح طنط ماما في البنك بتستف فلوس.


كور إحدي كفيه بغضب حتى يتمالك أعصابه، فتلك السيدة تستفزه للكمها وبشدة!...نفرت عروق جبهته فطالعته بسخرية وابتسامة مستفزه تزين ثغرها، استأذن للرحيل والعودة في وقت لاحق لحين عودة والدته، فقطع ذهابه سؤالها الغير متوقع :


_شقتك هتبقي جاهزة امتي؟


التفت إليها مجعدًا حاجبيه بإندهاش من سؤالها ثم أجابها بنبرة لازالت تحمل آثار التعجب من تدخلها الآن في هذا الأمر :


_ما أنا متفق مع خالـ...


_أنا مليش دعوه بخالك أنا اللي بكلمك دلوقتي.


تمتم ببعض الكلمات الساخطة بنبرة خفيضة سمعتها؛ فوضعت إحدى ذراعيها في خصرها وطالعته بإستهزاء، ثم هتفت بنبرة إستفزازيه :


_هو أنت فاكرني هسيب بنتي تخلل زي أختك؟!


إلي هذا الحد واكتفي تمامًا...ضغط فوق شفتيه بأسنانه محاولًا كبح جماح غضبه والذي بالتأكيد سيندم عليه لاحقًا، ثم همس لها بغضبٍ ساخر : 


_أختي في النهاية هتاخد اللي قلبها اختاره ويستحقها، وكمان بتشتغل وليها كيانها وهتعيش هانم، الدور والباقي على البنات اللي أهلهم بيطلعوهم من التعليم يجوزوهم بحجة هيستروهم!


أشعل حديثه فتيل رأسها واستشاطت غضبًا فكأن الحقير تعمد تذكيرها في كل كلمة نطقها بحجمها الضئيل مقارنة بشقيقته التي قاربوا علي صنع تمثال لها تمجيدًا لأعمالها الفريدة!...رأي تأثير كلماته جليًا علي وجهها فأبتسم بداخله بإنتشاء لأنه استطاع إشعال فتيل غضبها، وقرر الرحيل من أمامها حتي تتأكل بداخلها من الحقد والغيظ؛ زيّن ثغره بإبتسامه بلهاء ثم أخبرها ببرود :


_بعد إذنك يا طنط لازم امشي أصلي سايب الكافية لوحده.


اختفي من أمامها سريعًا فلم تدري بنفسها سوي وهي تركل سلة المهملات بقدمها بغضب في اتجاه اثره :


_يا ابن الكلب وحياة أمك ما هنولك أنت ولا أختك اللي في بالكم أبدًا!


❈-❈-❈


_هتبعته ليا امتي؟


استفسرت "ميرا" بإهتمام بعدما دونت رقم حسابه البنكي علي هاتفها المحمول...حرك القلم بين أصابعه بعبث ثم أجابها بهدوء :


_أول ما تحولي الفلوس هبعت لك على الواتساب.


_صباح الخير!


قالتها "روان" بإبتسامة مصطنعه بعدما دلفت للمكتب...تسارعت نبضات قلبيهما من الخوف والقلق، فبادلها علي مضض...أشار إليها "أسامة" للجلوس :


_تعالي يا باشمهندسه روان، باشمهندسه ميرا كانت بتسأل عن حاجه مش فهماها!


تابعت "روان" حركة عينيه ففهمت علي الفور بأنه يكذب، ولكنها اومأت بتفهم؛ وضعت إحدى كفيها أسفل ذقنها علي المكتب وسألته بإستنكار :


_غريبه إن الباشمهندسة تيجي تسألك أنت وأنا اللي بدرس المادة!


قالتها بإبتسامة خبيثه، ثم وزعت أنظارها بينهما فبدت لها "ميرا" منكمشة صامته في كرسيها وكأنها تركت الأمر للآخر بينما هو حاول لملمة شتات نفسه، ثم مشط شعره بأصابع يديه وأجابها بهدوء وثقه :


_متنسيش إن أنا برضه اللي بدي السكاشن.


أكدت علي حديثه، وأردفت :


_كنت عاوزه اكلمك عن شوية حاجات في الامتحان هغيرها لان فيه أنباء إن الامتحان هيتسرب!


راقبت انفعالتهما الجسدية فتأكد لها صدق المكالمة الهاتفية مما جعلها تبتسم بخبث...فلم تكف "ميرا" علي الضغط على يديها، وتحريك قدمها بحركات رتيبة بينما عينيها تحاشت النظر إلي غريمتها مباشرة، أما عنه فقد ارتدي نظارته الطبية، وسألها بإهتمام معتدلًا في كرسيه :


_هيتسرب إزاي؟!.. ومين اللي هيسربه؟


حركت كتفيها لأعلي ولأسفل بعدم معرفه مصطنعه، ثم توقفت في مكانها بسرعه وأردفت علي عجاله :


_مش عارفه، هبقي أبلغك بعدين!..آه باشمهندسه، لما تخلصي عوزاكي في المكتب!


أومأت "ميرا" برأسها في قلق، بعد ثوانِ اختفت "روان" من أمامهما فأردف "أسامة" بتنهيده وهدوء ينافي تمامًا لعاصفة الخوف التي أجتاحته من الداخل خوفًا من إنكشاف أمره :


_عرفت!


شعرت أن قلبها هوي بين قدميها من كلمته المقتضبة فقد أكد لها شعورها؛ أتسعت عينيها وسألته بصدمة مكرره سؤاله :


_عرفت؟!


_مش محتاجه تسألي، هي مش سهله زي ما في دماغك!... عمومًا متقلقيش أكيد عرفت عني أنا بس، بس اللي مستغرب له إنها تيجي وتحذرني ليه مبلغتش وحاولت تثبتها، وكانت غيرت الإمتحان وخلاص؟!...بس أنا عاوز أعرف هي عرفت منين؟..أنتي قولتي لحد؟


اعتري "ميرا" الخوف والقلق أكثر من حديثه، وردت بنفي علي سؤاله الأخير مستنكره حدثها الذي آثار شكوكها حول صديقتها!... ثم سألته بإهتمام وترقب :


_طب وهي عوزاني ليه؟!


حرك كتفيه لأعلي ولأسفل بعدم معرفه وتحدث بجمود :


_معرفش، تقدري تروحي لها وتسأليها!


بعد مرور دقائق في مكتب روان


_طب مش تطلبي الإمتحان مني أنا؟!...ده حتي أنا اللي حطاه وأنا أولي بالفلوس من الغريب برضه!


قالتها "روان" بسخرية لاذعه؛ فشعرت "ميرا" بأنها كطائر المبلول وكل ما مر أمام عينيها في تلك اللحظة، فصلها، رسوبها، إدمانها، وحدتها، وحياتها البائسة التي يبدو وأنها قاربت على إنهائها!


_مكنتش عاوزة أسقط!


قالتها بهمس يائس تحت أنظار الأخري المترقبة لها ثم وبختها بإستنكار وغضب :


_اللي عاوز ينجح بيحضر ويركز ويذاكر، مش يروح يعمل علاقة مع المعيد في الحرام علشان ينجح!


كانت جملتها الأخيرة تحمل الكثير من القرف تجاه الأخري، فأتسعت عيني "ميرا" بدهشة وشهقت بقوة مردده جملتها بصدمة واستنكار :


_علاقة مع المعيد؟!


لم تأبه "روان" لصدمتها ومعالم وجهها البائسة فقد ظنتها تحت تأثير صدمة إنكشافها وإفتضاح أمرها لا أكثر؛ فتسألت بنبرة هادئة تحمل الكثير من التهديد :


_أنتي عارفه أنا ممكن أعمل إيه؟


قررت التخلي عن سلبيتها تلك المرة فحتي وإن فُصلت ورسبت لا تُفصح أيضًا بالباطل فنظرت لعيني الأخري وأردفت بيأس :


_محصلش!


_أومال إيه اللي حصل؟!


_أنا مش عارفه أنتي جبتي الكلام ده منين، بس والله كان هيسرب لي الإمتحان بعشرين ألف مش بحاجه تانيه...حتي شوفي!


أتبعت جملتها الأخيرة بفتح هاتفها المحمول أمام أنظار "روان" حتي تُريها رقم حسابه البنكي الذي دونته منذ قليل في غرفة مكتبه، اومأت لها بتفهم وفي داخلها تملك منها الإندهاش فمَنْ ستصدق المكالمة الهاتفية أم حديث الماثلة أمامها وحديث خالها اللذان يظهر عليهما الصدق جليًا كضوء الشمس في وضح النهار؟...فكرت قليلًا في المكالمة فرجحت بأنها لإحدي صديقات "ميرا" المزعومين والتي تريد لها الضرر لذلك أخبرتها هي ولم تخبر خالها!... بالإضافة لتغيير صوتها عبر أحد التطبيقات المخصصة...أخبرها عقلها "بأنها مدرسة المادة فقط وعليها تطبيق القانون ولا مجال هنا لعواطفها أو للمجاملات الشخصية! " بينما ضميرها ذكّرها بحديث خالها محمود " مفيش حد عارف ظروف الناس يا روان"...أُصيبت "ميرا" بالقلق والتوجس من صمت الأخري فسألتها بنبرة تحمل شعوريها :


_هتعملي إيه؟


حركت كتفيها بعدم معرفه وأردفت بتنهيده :


_هتصدقيني لو قولتلك مش عارفه!...مفيش دليل أخري أغير الإمتحان وأسقطك بس كده هتتعاقبي لوحدك، خالك كان مكلمني أشوف لك حل في المادة.


لا تعلم "روان" لمَ كذبت عليها في جملتها الأخيرة، وقررت مساعدتها؟!..ربما لأنها استشعرت صدق حديثها بالإضافة لحالتها في الفترة الأخيرة والمغايرة تمامًا لم عهدتها عليه في أول الترم عنوة علي حديث خالها وهيئتها المثيرة للتعجب!...ارتفع حاجبي "ميرا" بدهشة وسألتها بأعين متسعه :


_هو خالي عرف؟!


منذ ساعة في مكتب مصطفي


ترددت كثيرًا في قرارها الذي اتخذته بإخباره بما علمت منذ قليل، طرقت باب المكتب بهدوء ودلفت مباشرة مُلقيه بتحية الصباح في عجالة :


_صباح الخير يا دكتور.


رد تحية الصباح برسمية، ثم أشار إليها بالجلوس، وضعت حاجياتها علي الطاولة أمامها، و أخرجت هاتفها ثم هتفت بدون تردد :


_المكالمة دي وصلتني من عشر دقايق أنا قولت إن حضرتك لازم تسمعها قبل ما اتصرف في أي حاجه!


أصابه حديثها بالدهشة، ولكنه هز رأسه بتفهم بدون أن يعقب ففتحت هاتفها ليستمع إلي مكالمتها الغامضة، والتي أتضح بأنه بلاغ يفيد بتورط ابنة شقيقته مع أحد المعيدين في تسريب امتحان مادة التصميم المعماري التي تدرسها "روان" لحين عودة دكتور المادة من السفر...بدي "مصطفي" وكأنه لم يستوعب ذلك الحديث فهل وصل مستوي التدني والإنحطاط بإبنة شقيقته لتسريب الإمتحان مقابل علاقة عابره مع أحد المعيدين!...شعر بالصدمة والحرج فصمت تمامًا حتي يستوعب، بينما "روان" نكست رأسها لأسفل شاعرة بالإحراج تجاه نفسها وتجاهه؛ ثم همست بتساؤل :


_هعمل إيه؟...اللي المفروض يتعمل؟


_دي بنت أختي يا روان!


قالها بيأس شاعرًا بالخجل من تعرضه لمثل هذا الموقف أمام طالبته فسألته بجديه :


_والحل؟!


طرق أصابعه بخفه علي المكتب، ونكس رأسه محركًا بؤبؤ عينيه في عدة اتجاهات ففهمت هي بأنه يستعد للتبرير وتسوية الأمر، شبك كفيه ببعضهما وابتدئ حديثه كما توقعت :


_روان أنا مش ببرر لها بس ميرا كان عندها ظروف صعبه جدًا الفترة بخصوص والدتها وجدها حاليًا تعبان وبره مصر، ومن غير دخول في تفاصيل بس هي بتعاني...


قاطعته بملل استشعره هو فلقد انزعجت من تبريره الذي أنكره في أول حديثه :


_أنا أعمل إيه؟


_البنت اللي كلمتك قالت إنها هتروح لـ أسامه مكتبه الساعة حداشر ادخلي عليهم المكتب اتكلمي مع ميرا إنك عرفتي و بلاش تقوليلها إني عرفت لأنها هتزعل، وحذري أسامه بإنك عرفتي من غير ما توضحي بكلام صريح، وأنا هتصرف معاها!


اومأت برأسها بصمت، وأخذت حقيبتها عازمة النية علي تنفيذ الأمر...ناداها أثناء طريقها ليؤكد حديثه مرة أخرى :


_بلاش ميرا تعرف!


فاقت "روان" من دوامة تذكرها ولم تعقب علي سؤالها يكفيها كذب!...ثم استطردت حديثها :


_شوفي أنتي عاوزه إيه في المادة وتقدري تاخدي رقمي تسأليني كل يوم نص ساعة بالليل لكن كورسات للأسف انا معنديش وقت ليها، والامتحان عمومًا بيكون في مستوي الطالب المتوسط...لمعت عيني "ميرا" بفرحه ثم شكرتها ممتنه فهي إلي الآن لا تصدق موقفها معها وخاصة بعد تلك المشاحنات التي دارت بينهما في أول الترم...خرجت "ميرا" من المكتب عازمة النية علي تنفيذ اتفاقها المهم أن تستفيق من دوامة غيبوبتها التي أستسلمت لها بمحض إرادتها منذ البداية!



❈-❈-❈



في إحدي الفنادق المطلة علي النيل


وقع ثلاثتهم عقود الشراكة فيما بينهم وسط جو متشاحن من جانب "مالك" و "مجد" فلم يكف الأول عن توزيع نظراته المترقبة بين خطيبته وصديقها المزعوم بينما الأخير كان يرمقه بنظرات التعجب من أفعاله ونظراته الغريبة وفي أحيان أخرى كان يتحاشي النظر إليه فهو لم يجد مبررًا لنظراته السامة!...قطع ذلك التشاحن قول شريكهما الثالث :


_مبروك علينا يا جماعة، إن شاء الله هتبقي أكبر قرية في الشرق الأوسط.


تبادل معه الآخرين نظرات التهنئة، وبعد دقائق من الإحتفال الصغير فيما بينهم، أخبرهم "مازن" بأمر خطبته داعيًا إياهم إلى الحفل في مساء يوم غد مما جعلهم يهنئوه بمجاملة مؤكدين حضورهم للحفل، كما شاكسه بعضهم ببعض المزاح الرجولي..استأذن "مالك" للإنصراف معللًا بموعده الهام مع خطيبته مشددًا علي كلمته الأخيرة بأنها ملكً له وتخصه؛ راميًا بأنظاره في إتجاه "مجد" متجهم الوجه والذي فهم الآن سبب تلك النظرات!...شعرت "روان" بالدهشة فلم يكن بينهما أي موعد مُتفق عليه بعد توقيع العقود، ولكنها جارته؛ فأخذت حقيبتها ولحقت به للخارج بعدما ودعت "مجد" واستأذنت منه للإنصراف فأستشاط "مالك" غضبًا منها بينما "مازن" نكس رأسه لأسفل شاعرًا بالحرج من تلك المشاحنات!


وقفا أمام سيارة "مالك" فسألته "روان" بدهشة :


_إحنا رايحين فين؟


لم يجيبها وإنما رسم إبتسامة صغيره زينت ملامحه و رد عليها بسؤال آخر :


_هو أنتي بتشتغلي سكرتيرة مجد الدويري؟


أصابتها الدهشة والتعجب من سؤاله فضيقت عينيها،  ورمشت عدة مرات فأجابته محركه رأسها بنفي :


_لا...بس بتسأل ليه؟!


توسعت ابتسامته أكثر حينما رأي غريمه قادمًا من الداخل وحاصرها بين ذراعيه وبين السيارة فأبتسمت هي لإبتسامته وظنت بأنه يحول بينها وبين المارة؛ بينما "مجد" غلت الدماء في عروقه من تصرفها المنافي لأخلاقها تمامًا "فكيف سمحت له بإحتضانها هكذا؟!...بل والأغرب ابتسامتها له! " امتطي سيارته بصمت حتي لا يشعرهما بوجوده، وضغط البنزين بقوة جعل إطارات السيارة تصدر صرير مرعب...نظرت "روان" في أثر السيارة المتبوعة بالغبار والأدخنة بدهشة؛ فوقف "مالك" حائل بينها وبين أنظارها مما جعلها ترفع أنظارها إليه فأجاب سؤالها بلامبالاة مصطنعه :


_عادي...أصل دايمًا بياخدك معاه في تخليص الصفقات وأنتي اللي كنتي قايمة بشغله وهو مسافر.


اومأت له بتفهم ثم أخبرته بنفس لامبالاته :


_لا زي ما قولتلك إحنا أصحاب يعني وهو بيثق فيا واليومين دول بساعده لأن الشغل كتر عليه أوي.


رمقها مطولًا، ثم فتح لها باب السيارة بصمت، وامتطي مقعد السائق بجوارها وسألها بإهتمام حقيقي :


_أنتي ليه مقولتليش من بدري إنه هيشاركنا في القرية؟!


شعرت بالدهشة من أسئلته الكثيرة واعتراها الضيق فشعرت وكأنها تجلس في إحدى مجالس التأديب الخاصة بالموظفين؛ التفتت بكامل جسدها إليه وأجابته متنهده بنفاذ صبر حاولت إخفائه تحت قناع إبتسامتها :


_ليه حاسه إني في تحقيق؟!... عمومًا أنا مكنتش أعرف إن أنت داخل المشروع أساسًا وحتي لو عارفه مينفعش أطلع أسرار الشغل بره تحت أي سبب!


كور قبضته بغضب من ردودها العنيفة تجاهه والذي ينوي بكل تأكيد في تجريدها من كل تلك الصفات بعد الزواج، ولكن عليه الصبر والتريث حتي يحصل على مراده أولًا :


_أنا بدردش معاكي لأنك أغلب الوقت ساكته وأنا اللي بتكلم، ومش عارف ليه دايمًا بتفهميني غلط؟!


نفت برأسها، واستنكرت حديثه، ثم أردفت بصراحة :


_مش بفهمك غلط بس أنت أسئلتك غريبه أوي، وأنا مش بحب التحقيق بالشكل ده!..ممكن تسأل بوضوح وهرد عليك لكن حاجه تخص شغلي مش هطلعها بره مهما يكون!


ارتدي نظارته الشمسية، وأدار محرك سيارته، ثم اقترب برأسه منها وأردف بهيام :


_أوامرك يا روان هانم!


ابتسمت إليه، ثم وجهت أنظارها للأمام فسألها بإهتمام حقيقي :


_فكرتي في موضوع جوازنا؟


طالعته بصمت حتي تستجمع ما أرادت قوله له بشأن مخاوفها من تلك الزيجة بالإضافة لخوفها من التسرع في خطوة الزواج المبكر :


_مالك...أنا مقلقه مامتك ورونا...حاسه إنهم عندهم تحفظات على جوازنا أو معترضين عليا أصلًا!


توسعت عينيه من حديثها، ونفي حديثها بإصرار بالرغم من أنه متأكد من صدق حديثها كتأكده من إسمه، ثم أردف بلطف :


_يمكن علشان متعاملتيش معاهم أو هم لدلوقتي مش متعودين عليكِ، وأنا متأكد إنهم لما يعرفوكِ هيحبوكِ زي ما بحبك!


نفت برأسها مسرعه، وأردفت بإصرار أكبر :


_لا والله أنا متأكدة، هم أصلا متعاملوش معايا علشان يبقي حكمهم علي أسلوبي، هم بصراحه شايفين إني مش قد المقام وبصراحة أكتر عندهم حق!


استنكر حديثها، وأردف بإعتراض صادق حقيقي نابع من داخله :


_لا يا روان أنتي مش قليلة، بكره تبقي دكتورة وليكِ مكانتك وقبل كل ده كفاية عليا أدبك وأخلاقك، يكفيكِ إني اقدر استأمنك علي بيتي وأولادي مليش دعوه بمركزك ومكانتك!


طمأنها حديثه بعض الشئ، ولكنها أكملت الحديث حول مخاوفها فأسترسلت حديثها معترضه :


_بس يا مالك مش أنت اللي هتعيش معايا لوحدك!


_لو عاوزه تعيشي في بيت لوحدك هعمل كده المهم راحتك!


لم تجد مخرجًا من حصاره لها فأردفت بأخر أمل تتعلق به :


_أنا مش عاوزه فرح يعني كده هنكتب الكتاب وحفلة علي الضيق في بيت أهلي، وابقي في بيتك عالطول، وأنا بصراحة مش جاهزة إني ابقي في علاقة من النوع ده.


أشتعلت وجنتيها بحرج من جملتها الأخيرة، ثم تنحنحت منظفة حلقها واستطردت حديثها حتي تخرج من تلك الدائرة :


_أنت فاهمني؟!...أنا لسه متعودتش عليك، ومعرفش إيه اللي مستنيني!


قهقهقه عاليًا بسبب تشتتها وإحراجها الواضحان فهي نادرًا ما تعتريها تلك الحالة؛ فأردف من بين ضحكاته التي ملأت أرجاء السيارة :


_قلقانة من إيه بس هو أنا هتعضك؟!.. وبعدين يا ستي لو علي اللي في دماغك فمش هطلب منك حاجه غير لما تكوني جاهزة، وبكامل إرادتك، وأنتي شوفتي اهو الحاجة اللي بنختلف فيها بنتكلم ونتراضي بهدوء... إيه هيخوفك غير كده؟!


_طب سيب لي فرصة كمان أفكر وأقول لأهلي.


قالتها بنبرة يائسة كالغريق الذي يتعلق بقشه، فحرك كفيه أمامها بمعني "كما يحلو لكِ"...تشبست بحقيبتها وكأنها كشاحنها الذي يمدها بالطاقة والقوة، وفي داخلها لا تنكر بعض الشعور بالرضا الذي اعتراها بسبب حديثها معه وتفهمه لأسبابها ولكنها أيضًا لا تنكر شعورها بالقلق والريبة من إتمام الزواج بمثل تلك السرعة بل والأغرب والأكثر قلقًا ورعبًا أنه الشعور السائد!!



❈-❈-❈



اتكأت "ميرا" علي كرسيها تطالع إحدي ڤديوهات الشرح لمادة ما...رن هاتفها المحمول فضغطت زر الإجابة، أتاها صوت الطرف الآخر مرحبًا؛ فردت التحية بالمثل :


_ Hi أنتي عاملة إيه؟


أجابتها "أسماء" بنبرة ودودة ثم سألتها بإهتمام :


_إيه مش هتيجي نروح لـ ميرنا؟!


ضيقت عينيها بإستغراب، ثم سألتها بدهشة :


_ليه مالها؟!


_مالها إيه يا بنتي؟!...مش خطوبتها هي ومازن بكره؟


بدت "ميرا" وكأنها لم تستمع لحديثها فلم يتلاقا جفناها ولو لمره؛ كما تدلي فكها لأسفل شاعرة بثقل في لسانها!...وكأن عقلها توقف عن العمل، فلم تستمع لثرثرة الأخري عبر سماعة الهاتف...سألتها بنبرة بطيئة غير مستوعبة لما سمعته منذ ثوانِ :


_خطوبة مين؟!


ضربت "أسماء" كفيها بعدم تصديق من حالة رفيقتها ثم أردفت بهدوء يشوبه الدهشة والتعجب :


_مازن إبن عمك يا بنتي خطوبته بكره هو وميرنا!


لم تدري "ميرا" بنفسها سوي وهي تغلق حديثها معها متعلله بإنشغالها بأحد الأعمال الطارئة، جلست على سريرها بإنهاك وكل ما يسيطر عليها شعور الخيانة والخزلان لا تصدق بما أخبرتها به "أسماء" منذ قليل تشعر وكأنها تسير في أحد كوابيسها الليلية المرعبة، ولكن لمَ تشعر وكأنه حقيقة!...لا تصدق أن "مازن" خانها!.."نعم خانها فلمَ لم يخبرها بشأن خطبته ألهذا الحد كرهها؟!..إذن ماذا عن صديقتها لمَ لم تخبرها؟! ألهذه الدرجة أصبحت منبوذة بين أصدقائها وأقاربها وغير مرحب بها بين الجميع؟! "...اختطفت سترتها الشتوية من الخزانة، ونزلت علي السلم مسرعه كالمجنونة حتي تتأكد من صحة المكالمة...كانت علي وشك السقوط فأصطدمت بـ "مازن" ابن عمها فأسندها بذراعيه؛ ونظر لعينيها مباشرة مستغربًا حالتها...نظرت إليه بتيه لاتصدق حقًا ما سمعته منذ قليل عنه "فهو لن يتحاشها أبدًا بمثل تلك الطريقة الزهيدة! "...قطع تواصلهما البصري جملته المكترسة :


_خلي بالك.


أعتدلت في وقفتها، وعدلت من وضعية ثيابها، أرادت سؤاله ولكنها ترددت في سؤاله لا تعلم كيف ستسأله فكرامتها تأن عليها ولكن عليها أن ترضي كبرياؤها...لاحظ إمارات التردد ظاهرة علي وجهها وحركاتها كفلق الصبح فعلم بأنها تنوي قول شئٌ ما له لكنها لا تعلم كيف...اقترب منها كثيرًا وابتسم لها بمودة، ثم أردف بإبتسامة مصطنعة بددت قدرته حتي أخرجها :


_عقبالك يا حـ..ميرا بكره خطوبتي أنا وميرنا صاحبتك، وربنا يفرحنا بيكي عن قريب!


شعرت وكأن الأرض أصبحت عجينة رخوة تحت قدميها، لا تقدر على حملها "أيخبرها لآن بكل برود كالغريب بخطبته لصديقتها وهو ابن عمها ويسكن معها في بيت واحد؟! "...طالعته بصمت ثم نطقت بصعوبة شديدة ولكنها كانت نبرة صادقة للغاية حقيقية للغاية كحقيقة الموت :


_مبروك يا مازن، ربنا يفرحك ويعوضك بيها بكل خير!


أختفت من أمامه بسرعة شهاب خاطف مر في ليلة شتوية سماءها ملبدة بالغيوم...طالع أثرها بصدمة وحسرة فهي حتي لم تتأثر بالخبر ولم تبدي أي رد فعل سوي التجاهل!...مما جعله يتمني محو شعور الندم الذي اعتراه بخطبته من صديقتها بالتحديد!



❈-❈-❈



صعدت إلى غرفتها مسرعه بعدما استأذنت من والد الأخرى...فتحت باب الغرفة بدون أن تطرق أو تستأذن للدخول...رأتها ترتدي ذلك الفستان الأبيض الذي ابتاعته معها متعلله بأنه لمناسبة شخصية تخص العائلة، ابتسمت "ميرا" بمرارة فهي إلي الآن لا تصدق حقًا ما تراه "هل فعلًا كانت مخدوعه بها لتلك الدرجة؟!"...ابتسمت "ميرنا" بتشفي حينما طالعت هيئتها ففهمت بأنها علمت الحقيقة، بادلتها "ميرا" الإبتسام وأخبرتها بسخرية لاذعة :


_georgous!


مش كنتي تقوليلي..ده إحنا حتي أصحاب!


جلست "ميرنا" علي سريرها ووضعت احدي قدميها علي الأخري ثم أردفت بأسف مصطنع :


_مازن اللي طلب مني مقولكيش!


لجمت الصدمة لسانها، ولكنها قررت ألا تجعلها تتشفي بها أكثر من ذلك فردت بصرامة :


_كذابه!


ضحكت الأخرى بسخرية، وأردفت بتهكم :


_واثقه فيه ليه؟!..مش ده اللي جرحتيه قدام الناس في البار وقولتي إنه ابن عمك وبيساعدك بس؟...ليه مش مستوعبه إنه هيرد بنفس الطريقة؟!


استشعرت منطقية حديثها مما جعل ثقتها به تهتز، راقبت "ميرنا" انفعالتها وهمت بسكب المزيد من البنزين علي النار ففجأتها "ميرا" بنبرتها المرتعشة :


_مازن ابن عمي وفيه ما بينا دم، عمره ما هيجرحني حتي لو كان حصل بينا سوء تفاهم!


هبت "ميرنا" من مكانها ودارت حول صديقتها، ثم سألتها بإستنكار ودهشة مصطنعه : 


_أنتي ليه مش قادره تصدقي إن مازن خلاص بيكرهك؟!


_كذابه!


صرخت بها "ميرا" في وجهها بهستيريا، ثم سألتها بإستنكار :


_ومش أنتي برضه اللي سلمتيني أنا وصاحبك لروان؟!


_كنت مستنياكي تعرفي!..بس مكنتش متخيله إنك هتعرفي بالسرعة دي، صحيح روان مش بتضيع وقت!


طالعتها "ميرا" بصدمة لا تصدق حقًا ما استمعت إليه الآن فيبدو أن صديقتها تهذي أو ربما هي مَنْ تهذي!...مر أمام عينيها شريط الأحداث الماضية وما ألم بها "هل حقًا ما زالت تذكرها بصديقتها؟!...يالها حقًا من غبية بلهاء!!...أكملت الأخرى حديثها بسلاسة وثقه :


خلاص يا ميرا أنا عملت اللي أنا عوزاه خدت منك حبيبك وخليتك أدمنتي، وآخر حاجه ضيعت مستقبلك مكنتش طمعانه في أكثر من إني اشوفك كده... دلوقتي!...كل حاجه كان متخطط لـ...


لم تدري "ميرا" بنفسها سوي وهي تقبض علي عنق الأخري...غرزت أظافرها في رقبتها عازمة النية علي قتلها، وقد تلاعب المخدر بعقلها، سعلت "ميرنا" بقوة وشحبت بشرتها بسبب نقص الأكسجين الواصل لرئتيها بينما "ميرا" أقسمت لنفسها أنها لن تتركها سوي جثة هامدة مُكفنه في ثوب خطبتها الأبيض!


يُتبع