الفصل العشرون - أشواك وحرير
الفصل العشرون
انطفأت الأنوار، وعم الظلام مخيمًا على الأرجاء، كما انصرف الحضور تتقاذف في رؤوسهم الكثير والكثير من الأسئلة في حدثٍ غير مسبوق من قبل....هربت العروس بصحبة زوجها، تاركةً معركة ملتهبة خلفها دون أن تأبه بما سيحدث...بقى البيتُ فارغًا إلا من ساكنيه فقط....صر "محمود" أسنانه بغيظ، ووجه حديثه بنفاذ صبر لزوجته ذات الأنف الدامي :
_لأخر مرة هسألك يا ريهام...إيه اللي حصل بينكم؟
وضعت يديها متأوهه أعلى أنفها ذو الضمادة البيضاء، وأردفت بمسكنة :
_ما تروح تسألها هي!...بنتك وأختك كانوا واقفين ،وسمعوا وشافوا إنها هي اللي اتهجمت عليا!
كانت وقحة للحد الذي جعلها تتحدث بكل هذه الثقة على مرئ ومسمع الجميع، فلو سمعها شخصُ غريب بالتأكيد سيأخذ صف تلك الحرباء الوديعة التي قسى عليها الزمان!...لم يأبه "محمود" لنبرتها؛ فهو يعلم بأخلاق ابنة شقيقته تمامًا، والتي لم تكن يومًا بكل هذا العنف وسوء الخلق الذي يدفعها للتطاول على من يكبرها بالعمر.
_أنا داخل وسامعك بتقوليلها الدخلة....دخلة إيه بقى؟!
هذه المرة أردفت بالحقيقة دون أن تحمل أي ذرة خجل أو شعورًا بالذنب تجاه ما اقترفته :
_قولتلها الدخلة تبقى بلدي...حقنا نطمن عليها بعد.....
همت "سهير" بالتعدي عليها لفظيًا؛ فأوقفها شقيقها الذي تلون وجهه باللون الأحمر، وبرزت عروق جبهته من شدة الغضب، ولكنه أردف ببرود يسبق العاصفة :
_تلمي هدومك، وعلى بيت أهلك.
أجلت صوتها في وجهه مستنكرة طردها وإهانتها بسبب الساقطة "روان"... أردفت بنبرة سوقية حادة وكأن ذلك الكسر في أنفها مجرد زينة وجه!
_بقى أنت بتطردني عشان قولت كلمة حق تمس سمعتك لتربية الشوار.....
قاطعها بنبرة شديدة الصرامة :
_كلمة كمان وهطلقك!
اتجهت إليه "رنا" وربتت علي كتفه بتوسل :
_عشان خاطري يا بابا بلاش تمشيها.
طالعها بنظرة جافة، وأخبرها بجمود :
_لما عشان خاطرك...كنتي فين وهي بتهين بنت عمتك بجملة زي دي قدام الناس، ويا عالم قالتلها إيه تاني!... دي حتى معملتش حساب ليا قدام الناس، ولا احترمت نفسها ولا بيتها، وبعد كل ده بتكابر في الغلط!
ألقى بحديثه، وهم بالرحيل بصحبة ابن شقيقته، أوقفته ابنته و"سهير" مره ثانية؛ فأخبرهما بنبرة صارمة :
_أنا كلامي خلص، واللي مش عاجبها تروح معاها!
❈-❈-❈
٠استمرت رحلة العودة ما يقرب ثلاث ساعات بقى كلًا منهما صامتًا، فكانت "روان" مستغرقة في التفكير "هل أخطأت حينما أخفت عنه ما دار بينها وبين زوجة خالها؟!...أم إنها فعلت الصواب؟...فهي إلي الآن لا تدري بردة فعله حين يعلم ما دار بينهما، لا تدري كيف سيستقبل الخبر؟! بالإضافة كيف ستتعامل مع والدته وشقيقته؟!"...غاصت في دوامة تفكير عميق، وكأنها انفصلت عن العالم تمامًا!...أما عن "مالك" فبقى يطالع الطريق أمامه، و ذهنه منشغل بـ "كيف سيتصرف معاها الفترة المقبلة بحالتها تلك التي صممت علي وضع حواجز بينهما! "...وصلت السيارة إلي ڤيلا الأخير؛ فأستقبلهما عمّال المنزل بالزغاريد ، والإبتسامات العارمة تملأ وجوههم مقدمين لهما التهاني فرحين بزواج رب عملهم...ابتسم "مالك" بحبور، وشكر الجميع، بينما "روان" ابتسمت بمجاملة، وأمست توزع الكثير والكثير من الجمل الممتنة.
وقفت كلًا من"هالة" و"رونا" ومعهما الطفلين الصغار اللذان تهللا وجهيهما؛ سعادةً برؤية العروس الجديدة!...كانت "هالة" أول مَنْ تكلمت، فأردفت بمباركة ركيكة واعتلى وجهها بسمة رسمية :
_مبروك يا حبيبي.
ثم وجهت أنظارها نحو زوجة ابنها :
_مبروك يا روان...بتمنى تكوني قد مسؤولية إنك دخلتي البيت ده!
قالت جملتها الأخيرة بغموض لم تتفهمه "روان" ولكنها ابتسمت لها هي الأخرى، وردت عليها المباركة، بينما اكتفت "رونا" ببضع الكلمات المقتضبة....لمحت "روان" طفلين صغيرين لم يتجاوزا الثامنة من عمرهما، تعرفت على أحدهما بسهولة؛ فأنحنت في اتجاهه حتى اقترب وجهها من وجهه، و مدت يدها مصافحةً إياه ببسمة واسعة :
_إزيك عامل إيه؟
مد الصغير يده بخجل، وأردف بهدوء مواريًا عينيه في الجهة الأخرى :
_I am fine.
أعادت خصلة تمردت من شعرها خلف أذنها، وقررت مشاكسته قليلًا مستشعره حرجه الواضح :
_لا أنا تعليم حكومي، كلمني عربي علشان افهمك!
أومأ لها برأسه، وأردف بالعربية :
_كويس...وأنتِ؟
اومأت له برأسها هي الأخرى، ولازالت ابتسامتها تزين وجهها :
_الحمد لله....فاكرني صح؟
أجابها مبتسمًا :
_Miss أنتِ فكراني؟ روان
_شطور..بس خليها روان من غير مس، وأيوة طبعًا فكراك يا كريم.
هز رأسه بالموافقة، فأتجهت برأسها نحو أخيه بنفس الإبتسامة متغافلة تمامًا عن زوجي الأعين اللذان يرمقانها بإمتعاض، والزوج الثالث يطالعها بسعادة غامرة بسبب تأقلمها السريع مع طفله :
_اسمك إيه؟
تهللت أسارير الصبي حينما رأها، فقد كان يعتقد بأنها إمرأة سمينة مكتظة باللحم ترتدي نظارة ذات عدسات كبيرة وغليظة، تُمشط شعرها بهيئة غريبة
_زين
_اسمك جميل أوي يا زين.
_وأنتِ برضه جميلة أوي، زي ميرا!
إزدادت إبتسامتها حرجًا حينما قارن جمالها بجمال "ميرا"...ضحك له والده وغمز له بخفه، فبادله الصغير الغمزة، وتكلم بتشويق موجهًا حديثه لـ "روان" التي هبطت بجسدها كليًا لأسفل حتى تصل لمستوى طوله :
_أقولك كنت فاكر شكلك إيه؟
اومأت له بموافقة، فأقترب بفمه من أذنها مما جعلها تشعر قليلًا بالتعجب وأخبرها بما كان يدور في خلده تجاهها....لم تستطع تمالك نفسها وانفجرت ضاحكة بصوتٍ عال؛ تراقص قلب "مالك" له، فأردف "كريم" موجهة حديثه لأخيه مؤكدًا حديثه السابق :
_قولتلك إنها حلوة!
تكلمت من بين ضحكها، وردت بمشاكسة موزعه أنظارها بينهما :
_ما شاء الله ده أنتو طلعتوا مش سهلين خالص!...لينا قاعدة مع بعض يا أستاذ أنت وهو أعرف أنتو بتجيبوا الكلام ده منين!
قالت جملتها الأخيرة، ونظرت لـ "مالك" بإبتسامة ذات مغزى فبادلها إياها، ووضع ذراعه حول خصرها ساحبًا إياها لأعلى بعدما استأذنا أهله.
في الأعلي
دلف "مالك" حجرته الجديدة، بعدما غّير أثاثها بأثاثٍ جديد تتبعه قرينته التي كانت ترتجف بشكل غير ملحوظ؛ فلأول مره تبقى بمفردها مع رجلٍ غريب! هيهات هيهات لقد أضحى ذلك الغريب زوجها "تلك الكلمة التي ظنت يومًا أنها لم تتفوه بها مطلقًا، فقد كانت ترتعب من الفكرة بأكملها...في البداية كانت تشعر بأنها طفلة صغيرة لم يحن لها الزواج بعد، بالرغم أن كل زملائها أصبحوا متزوجين ولديهم أطفال، وحينما كبرت وشعرت بأنها أصبحت مستعدة للزواج، كان كل مَنْ آتوها يشعرونها بالدونية تجاه الزواج بأكمله!" ...فاقت من شرودها حينما سمعت اصطكاك بابي خزانة الملابس معًا...أخذ "مالك" هدوم منزلية نظيفة، واتجه إلى دورة المياه بدون أي كلمة؛ مما جعلها تشعر بالتعجب، ولكنها نفضت ذلك الشعور جانبًا، وبقيت تطالع ألوان وديكورات الغرفة بإنبهارٍ تام لائم مهنتها تمامًا....بعد بضع دقائق خرج "مالك" بعدما اغتسل، ووقف في مواجهتها مباشرة مخبرًا إياها بإقتضاب :
_ادخلي غيري هدومك وتعالي علشان تنامي.
لم يتفوه بأي شيئًا آخر، فأزداد التعجب بداخلها، وشعور الإهانة يجتاحها "فلِمْ هذة المعاملة؟!...بما أخطأت ليعاملها هكذا؟!"...انحسر شعورها بالذنب لعدم إخباره، وازداد لديها شعور الثقة بأنها كانت على صواب تام حينما تكتمت على سرها!...استوطن الجانب الأيسر من الفراش، بينما هي بدلت ثيابها واتجهت لتحتل الجانب الأيمن بجانبه، وشعور الخجل يسيطر عليها بأنها على وشك النوم بجانب رجل!!...دمعت عينيها بقوة بعدما تذكرت يومها، وما مر عليها به من أحداث "فلم تشعر بشعور غيرها من العرائس في يوم الزفاف بأي شيء...حضر والدها العقد كرجلٍ غريب، وشهد عليه فقط حتى يمنع القيل والقال...تمنت أن يُسلمها لزوجها كغيرها من الفتيات...تمنت أن ترتدي الفستان الأبيض، ولكنها خجلت أن تطلبه لربما لا يتلائم معها!...تمنت أن تكلل ليلتها بالهدوء، ولكن ذلك لم يحدث، فلقد رمتها زوجة خالها بالباطل، والصقت بها التهم العارية تمامًا من الصحة!...لقد أهانتها أمام معشر نساء أقاربهم!.. والآن زُيلت الليلة بخصام العريس والعروس يالها حقًا من مزحة غريبة!...انتحبت بصمت كاتمة آنينها بداخل الوسادة "لا تعلم هل هي من أخطأت أم هم من أخطأوا في حقها؟!"...شعرت بالصداع والإرهاق يداهمها بالإضافة لألم عيناها فأغلقتهما وغطت في ثبات غير عميق غير مطمأنة لكونها في مكانٍ غريب!
❈-❈-❈
توسلت إليه برجاء وهمسٍ خافت بالكاد ألتقطته أذناه :
_آخر حاجة...أنا عارفة إني تعبتك بس طلعني فوق يا مازن، مفيش حد في البيت، فمش هقدر اطلع!
"هل سمع اسم مازن؟!"..يالها حقًا من مستهترة عديمة المسؤولية، كيف آمنت على نفسها بصحبة رجل غريب بل والأدهى وهي سكرانه!!...تمتم ببعض الكلمات المنزعجة التى عبرت عن ضيقه الشديد، وقام بإمساكها من أحد ذراعيها حتي يوصلها لغرفتها!...فتح باب غرفتها ودفعها للداخل ببعض الخشونة، وهم بالذهاب لكنها تعلقت في رقبته بقوة مما جعله يبتلع لعابه بتوتر خوفًا من القادم....نظرت لعينيه بقوة، وتركت التحكم لشفتيها التي عرفت الطريق لشفتيه بدون أي عناء!!
صُعق "مجد" للوهلة الأولى، وتسمر في محله جاحظ العينين، بينما الأخرى كانت تطبع قبله مطوله على شفتيه!...دفعها بكل قوته فسقطت للخلف وتأوهت بألم جراء الوقعة...هم بالخروج من الغرفة فتبعته مسرعه قائلة بلهفه :
_استنى يا مازن!
إلى هذا الحد، ولم يحتمل تشبثها به، ومحاولة اقترابها منه مرة أخرى، فصفعها على إحدي وجنتيها؛ مما جعلها تسقط مره أخرى، ولكن تلك المرة لم تتحرك من مكانها بل بدت مصدومة!...أمسكها من ذراعها ،واتجه بها نحو دورة المياة ببعض الخشونة...وضع رأسها أسفل صنبور المياة الباردة تحت مقاومتها، ولكنه كان كالتمثال المتحجر لم يتحرك حركة واحدة!...وكل ما كان يردده هو :
_فوقي لنفسك بقى!
شهقت بقوة جراء برودة المياة، ثوانِ وعادت لوعيها؛ فنظرت لعينيه بخجلٍ في المرآة، وأغرورقت خضراوتيها بالدموع، فنفضها بعيدًا، واتجه للخروج من الغرفة، ومن ثَمْ بيت اللعنات هذا!...قررت هذه المرة أيضًا أن تتخلى عن سلبيتها وتشرح له الوضع حتى لا يظنها فتاة ليل!...نادته بأعلى طبقات صوتها فلم يعيرها أي إهتمام مما اضطرها؛ لتخبره بتلك الجملة التي جعلته يتسمر مكانه :
_أنا مدمنة هيروين!
وقعت الجملة عليه كالصاعقة التي ضربت إحدى المنازل الخشبية في ليلة شتوية عاصفة فدمرتها!...ألتفت إليها بملامح جامدة لم تعلم وقتها "هل كانت من الصدمة فقط؟...أم كانت إحتقار؟ أو شفقة؟ " المهم فقط أنها لم تدري، فسألها بسخرية جعلتها تحتقر نفسها :
_وبتقوليلي علشان أجيب لك الجرعة ولا إيه؟!
ابتلعت إهانتها، وأردفت بخجل :
_عوزاك تساعدني!...قولي اعمل إيه؟
تكلم هذه المرة بجدية، وأردف :
_أنا مقدرش أساعدك، كل اللي أقدر أقولك عليه إنك لازم تدخلي مصحة.
_أيوه بس الناس هيعرفوا!
رد عليها مسرعًا بدون تفكير :
_يعرفوا ولا تتسطلي كل يوم من الخمرة والمخدرات، وتترمي علي أي راجل وأنتِ فكراه واحد تاني!
كانت مرارة العلقم أهون لديها إبتلاعها، على أن تبتلع إهانته الثانية لها...تعلم أنه محق ولديه كل الحق ليظن بها السوء، ولكن كان هذا فوق طاقتها؛ مما جعلها تدعوه للإنصراف :
_ خلاص merci تقدر تمشي أنا مش عاوزه حاجه!
أما هو انزعج من نفسه بشدة، فلم يكن أبدًا بتلك الفظاظة مع أحد، وخاصة إن طلب مساعدته...لم يعلم لمَ قسى عليها بتلك الطريقة، ولكنه برر لنفسه بأنه تخيلها كإحدى شقيقاته في هذا الموقف، فقسى عليها تلقائيًا، وما زاد من حنقه تجاهها أنها لا تبالي بوجود رجلٌا غريب معها في بيتٍ واحد!...تجاهل حديثها الآخير، وامسك هو دفة الحديث :
_احكيلي بدأتي تاخديه من امتى، وإزاي وصلتيله؟!
كانت ملامحها متجهمه بشكلٍ يائس، وانتظرت خروجه من المنزل، ولكنه فاجئها بقوله الأخير...كادت كرامتها أن تمنعها، ولكنها كانت كالغريق الذي تعلق بقشة أملًا في النجاة من الغرق في أمواج المحيط وسط عاصفة ضخمة؛ مما جعلها تقص عليه كل ما حدث بإستثناء حكاية والدتها، كما قصت عليه أنها حاولت إيقافه بمفردها، ولكنها لم تستطع!....ظهرت عليه علامات الدهشة، والتعجب "فكيف لأحدٍ أن يكون بذلك الحقد، والخيانة؟!" واستنكر غباء وسذاجة الماثلة أمامه حتى تسلم رقبتها على طبقٍ من ذهبٍ لشخصٍ ما حتى ولو كانت صديقتها!...كان يجلس أمامها على السلم الداخلي للمنزل، ويضع يديه محيطًا رأسه ليجمع تفكيره المُشتت، وأخيرًا أجابها بقلة حيلة :
_كل اللي أقدر أعمله إني ادخلك مصحة لعلاج الإدمان، وهنقول قدام الناس إنك مسافرة لشغل معايا ومع مجموعة هختارهم!
أجلت صوتها بتردد، بعدما أعادت خصلة شاردة خلف أذنها :
_أيوة...بس كده هيعـ...
قاطعها بنفاذ صبر :
_أنا مسافر فعلًا الفترة الجاية، محتاج أخد راحة!
هب واقفًا في مكانه، فقد طفح به الكيل من الجلوس كل ذلك الوقت معها في نفس البيت!...نزل درجات السلم مسرعًا، وأخبرها أثناء تحركه :
_أنا لازم امشي حرام أقعد هنا، وكمان ميصحش...كلميني الصبح نتفق، وهنّفذ بعد امتحاناتك!
امتطى سيارته فارًا من ذاك البيت الملعون غافلًا عن زوج الأعين الذي بقى يحدق فيه بإندهاش من مكوثه كل ذلك الوقت مع ابنة عمه.
❈-❈-❈
في صباح يومٍ جديد
استيقظت "روان" من نومتها المتقطعة بعدما قضيت أغلب ليلتها في البكاء والإنتحاب...تأملت الغرفة حولها بتمعن حتى تتأقلم عليها عينيها، لاحظت خروجه من دورة المياة، فأشاحت وجهها للجهه الأخرى بعدما تذكرت بكائها طوال الليل؛ وبالتالي تورم عينيها كالضفدع!...أعادت شعرها بكفيها للخلف، وأجلت صوتها بتحية الصباح :
_صباح الخير.
أجابها دون أن يلتفت إليها :
_صباح النور.
لم تكن يومًا بتلك اللامبالاة حتى تستسلم و تترك الأمور معه بهذا الوضع؛ فسألته بإستنكار :
_هتفضل تعاملني كده كتير؟!
اتجه للمرآة، وشرع في تمشيط شعره، ثم أجاب سؤالها بنبرة بدت لها بارده لامباليه :
_بعاملك إزاي يعني؟
تخلت عن خجلها من رؤيته لها بعينين منتفخه، واتجهت للوقوف أمامه مباشرة؛ ثم سألته مستنكره :
_والله!...يعني متعرفش بتعاملني إزاي؟!
طالع هيئتها بشكلها الفوضوي؛ فزينت ملامحه إبتسامة صغيره فكم راق له مظهرها الصباحي البسيط بالإضافة لقصر قامتها مقارنة به، والذي ظهر جليًا أمام عينيه لعدم إرتدائها أحذية الكعب العالي...محى ابتسامته في ثوانِ، و سألها بهدوء :
_مش شايفه إنك غلطانة؟!
لم يرف لها جفن، وبقيت ثوانِ حتى تستوعب سؤاله، فلم تتفهم إلى ما يرمي؛ مما جعلها ترد عليه بسؤالٍ هي الأخرى :
_غلطانة إزاي؟!...مش فاهمه!
تفهم خبرتها المعدومة بأمور الزواج؛ فأمسك كتفيها بذراعيه، وأسترسل حديثه بهدوء ناظرًا لعينيها :
_روان...أنتي لسه متعرفيش حاجه عن حياة المتجوزين!
تطلعت في عينيه بإستفهام؛ مما جعله يكمل حديثه بنفس هدوؤه السابق :
_أي اتنين متجوزين مش بيكون في بينهم أسرار...أسرارك هي أسراري، وأنتي بتخبي عليا أي حاجة، ومفيش بينا أي ثقه!
رمشت أهدابها شاعرة بالتعجب من حديثه، فسألته بإستنكار :
_مين قالك إني مش واثقه فيك؟!...أنا لو مش واثقه فيك.....
قاطعها ليوضح وجهة نظره :
_شوفي أنتِ خبيتي إيه عني امبارح علشان مش واثقه فيا!...ده أنتِ حتى مش واثقه إني ألمسك!
نكست رأسها لأسفل بإحراج، وقررت الدفاع عن نفسها :
_أنا واثقه فيك، بس لسه مش مستعده...حاسه إن كل حاجه جت بسرعه.
_وخناقة بالليل؟
رفعت أنظارها إليه مره أخرى، ثم أخبرته بجدية :
_أنا مهنديش حاجة أقولها في الموضوع ده يا مالك على الأقل دلوقتي.
أومأ لها برأسه ورضخ لحديثها قائلًا :
_اللي يريحك يا روان.
❈-❈-❈
علي طاولة الإفطار....جلست "روان" بجانب "مالك" استعدادًا لتناول الطعام...نادتها "رونا" الجالسة في مقابلتها :
_روان please ممكن تيجي معايا نشتري شوية حاجات!
كانت طريقتها لطيفة جدًا؛ جعلت الأخيرة تطالعها بعدم تصديق، ثم وجهت أنظارها لزوجها، فأوما لها برأسه....ألتفتت إليها وأخبرتها بموافقتها :
_ok شوفي امتى وهاجي معاكي
شكرتها "رونا" بنفس لهجتها اللطيفة، والتي لم تعهدها منها "روان" من قبل؛ مما أشعرها بأنها صدمت رأسها بقوة وهذا هو سبب هذيانها!...قاطعتهما دخول الخادمة التي أخبرتهم بزيارة أهالي العروس... فكان لوقع الخبر آثران متغايران على كلا من "روان" وأهل "مالك" حيث تهللت أسارير الأولى، بينما الآخرين ظهر القرف جليًا علي وجوههم من دخول الرعاع قصرهم الملكي!...أما عن "مالك" فلم يبدي أي ردة فعل مهمة بشأن الخبر...استقبلوا ضيوفهم في صالة الإستقبال، فسلموا عليهم وتنحوا تاركين لهم المكان بأكمله، بينما "مالك" سحب خالها وشقيقها للحديث في الخارج حتى يترك للأم وابنتها حرية الدردشة!...اقتربت منها والدتها وسألتها بفضول كحال غيرها من الأمهات :
_ها إيه الإخبار؟
نظرت لها "روان" بجهل، وردت عليها بسؤالٍ آخر يحمل الكثير من الغباء :
_أخبار إيه؟
لكزتها "سهير" في ذراعها، وأخبرتها بإبتسامة خجله :
_يا بت الأخبار!...كان كويس معاكِ؟
أشاحت الأخيرة بوجهها للناحية الأخرى، وتوردت وجنتيها بخجل ثم اومأت لها برأسها....تنحنحت "سهير" حرجًا، وابتدأت حديثها بعتاب لإبنتها :
_اسمعِ يا روان...أنا عارفه إنه مش وقته بس اللي حصل امبارح ده مكنش يصح خالك طرد مراته امبارح بسبب اللي عملته معاك!
لم تتغير ملامحها، وبقت ثابته حتى تستطرد والدتها الحديث، فأخبرتها الأخيرة على مضض :
_كلمي خالك خليه يرجعها علشان خاطره وخاطر ولادها!
تدلى فكها لأسفل مما استمعت إليه من حديث فيبدو أن والدتها تهذي هي الأخرى؛ فسألتها بإستنكار :
_عوزاني اخليه يرجعها؟!...ده أنا لو طولت أقتلها مش هتأخر!...قال اخليه يرجعها قال! وطبعًا الهانم جابت الغلط عليا بعد ما مشيت، وكأنها ملاك من السما.
همت "سهير" بالتبرير حتى تُلين رأس ابنتها اليابس :
_يا بنتي إحنا اتعودنا خلاص علي طريقتها، و لو هي مش كويسه خلينا إحنا كويسين، وعلشان خاطر بناتها!
لم تأبه "روان" لأي من مبررات والدتها؛ فردت عليها بجملة صارمة مقتضبة :
_خليها تغور في داهية...أخيرًا البيت نِضف!
في تلك الأثناء دلف الثلاث رجال مجددًا؛ فتوقفت الأم وابنتها عن التسامر؛ ليزداد اليقين بداخل "مالك" أنها تُخّبئ شُيئًا ما!....تجاذبوا أطراف الحديث فيما بينهما كما ألح عليهم الأخير بعدم الإنصراف والمبيت في غرف المنزل الفارغة، فأكتفوا فقط بالجلوس معهم لتناول وجبة الغداء.
❈-❈-❈
في المساء
ارتدت ثيابها، ووقفت تطالع هيئتها في المرآة قبل أن تستعد للخروج مع شقيقته، كانت تفكر في حديثه "هل عليها حقًا أن تخبره بكل ما لديها؟!..أم تصمت وتحتفظ ببعض الأسرار الخاصة؟!"...رأته يقترب منها من الخلف؛ فبقت ثابته مكانها لا تتحرك....ثوانِ وشعرت بأنفاسه الدافئة تلهب بشرة عنقها من الخلف؛ مما جعلها تغمض عينيها كرد فعل طبيعي، وارتعشت في وقفتها فشعر هو بإرتجافها...همس بجانب أذنها ببطء متعمد حتى يثيرها :
_متخافيش!
خرج صوتها مرتعشًا :
_أنا خارجة مع رونا...مش هينفع!
لم يلتفت لنبرتها، ودفعها في اتجاه الحائط محاصرًا إياها حتى يستكمل ما بدأ!...ترددت قليلًا فيما ستفعله، ولكنها حسمت أمرها بالخوض فيه لربما يشتت تركيزه عنها، فلقد أخبرته سابقًا بأنها ليست مستعده :
_أنا عاوزة أقولك حاجة مهمة!
جملتها لم تبعده عنها، وإنما استمر تلثيم عنقها وخلف أذنها، وأخبرها بتحشرج :
_قولي.
همت بالحديث، ولكن طرقات ثابته الإيقاع على الباب أنقذتها من براثنه!
يُتبع...
