الفصل الواحد والعشرون - أشواك وحرير
الفصل الواحد والعشرون
أمسكت بهاتفها المحمول، ثم ضغطت علي بعض الأزرار وانتظرت ثوانِ حتى أتاها رد الطرف الآخر بلهفه :
_والله عال لسه قايمه تفتكري إن ليكِ أم؟!
زفرت "رنا" بضيق، وأردفت بتأفف :
_ما أنا بكلمك اهو يا ماما!
نفضت حديث ابنتها جانبًا، وسألتها بإهتمام :
_ها قوليلي إيه الأخبار عندك؟!...اللي إسمها روان دي مفيش أي خبر عن ليلتها الطين؟!
نفت "رنا" وأخبرت والدتها بأنها لا تعلم عنها أي شئ، ولكن والدها وعمتها فقط من ذهبوا إليها؛ فلم يكن الرد من "ريهام" سوى السباب :
_غبيه ومبتفهميش!...أنتِ إيه لازمتك؟! المفروض كنتِ تروحي معاهم.
انزعجت الأخيرة من سباب والدتها لها؛ فسألتها بإستنكار :
_وسماء مين يقعد معاها؟
أجابتها "ريهام" بلامبالاة، وقسوة كأن الأمومة لم تمس قلبها أبدًا :
_بكره هتبقى زي القردة متقلقيش!
صمتت "رنا" بضع ثوانِ، ثم سألتها بتردد :
_ماما...هو أنتِ هتعتذري لها؟
استشاطت رأسها من حديث ابنتها الذي لا يصدقه عقل! وصاحت في وجهها بعدم تصديق :
_أنتِ عاوزه تفرسيني يا بت أنتِ؟!..اعتذر لمين؟ للصايعة بتاعة مصر؟! طب ورحمة أمي إما رجعت متطلقة بسبب ******* مبقاش أنا ريهام!
استمعت لصوت الصمت عبر الطرف الآخر، فهدأت قليلًا من انفعالتها، ومن ثمَ ابتدأت حديثها بثقة عمياء :
_قصروا أبوكِ أنا عارفة إنه شويه وهييجي ياخدني مش هيسيبني هنا زي المرة اللي فاتت، وأنتِ برضه اتلحلحي!...كلميه إني مغلطتش فيها، وإني بس كنت خايفه على سمعتنا!
تممت "رنا" علي حديثها، وهمت بتوديعها إستعدادًا لإغلاق الخط؛ فسارعت "ريهام" بسؤالها الساخر :
_المحروس بتاعك عامل إيه؟
_كويس بس كان زعلان علشان أخته.
لوت شفتيها بإمتعاض، وأردفت بسخرية :
_أخته آه!..لا عيلة مترابطة بصحيح!...اسمعي يا بت الواد ده مش من مقامك، أبوه شمام وهو قهوجي تعليمه متوسط عمره ما هيبقى من مقامك مهما كبر شغله.
صمتت ثوانِ حتى ترى رد فعل ابنتها التي قابلتها بالصمت والإستماع فقط...فهمت إنها استطاعت التأثير عليها كما أرادت، فأكملت حديثها :
_ فكري هتروحي تقولي لأصحابك إيه جوزي دبلوم وفاتح كاڤتريا يوم شغاله وتلاته لأ؟!
كانت "رنا" تنزعج في كل مرة تتناول جرعات والدتها التي تلقيها في جوفها بشأن خطيبها، لم تعلم أبدًا ما سبب تلك الكراهية التي تضمرها أمها لأبناء خالها... ولكنها لا تستطيع النفي هذه المرة بأن حديثها تردد صداه في داخلها فزعزعها من الداخل خاصة ما قالته بشأن وظيفته وهيئته أمام صديقاتها اللاتي سيتزوجن من أصحاب المهن المرموقة!...نادتها "ريهام" أكثر من مره تظنها أغلقت الخط؛ فبادرت إليها منهية لذلك الحديث؛ حتى لا تتشتت أكثر من ذلك، فهي تعلم تمام المعرفة بأن والدتها علي صواب تمامًا بشأن "يحي" ولكنها كانت تُكّذب شعور النفور بداخلها زاعمةً الحب...حسمت أمرها بالتفاوض معه لاحقًا في أمر وظيفته حتى تكلل هذه الخطبة بالزواج والتخلص من جحيم والدتها!...بينما "ريهام" أغلقت الخط، ولم تلبث ثوانِ حتى تعالى رنينه بالضجيج...نظرت إلى الشاشة فوجدته رقم غريب عرفت صاحبه سريعًا؛ فلم تكن أول مره يهاتفها...أغلقت الهاتف بأكمله، واتجهت إلى الثلاجة لإعداد عشاء خفيف.
❈-❈-❈
بداخل إحدى المولات التجارية
كانت "رونا" تلتف يمينًا ويسارًا فبدت وكأنها تبحث عن أحدٍ ما؛ مما جعل "روان" تسألها بتشكك :
_أنتِ بتدوري على حد؟
ألتفتت إليها، وطالعتها بصمت ثم أجابتها بتأكيد :
_آه...واحده صاحبتي كلمتني وقالت هنتقابل هنا.
بالرغم من ضيق "روان" لعدم علمها مسبقًا بأمر صديقتها؛ فهي تخشى الإختلاط!...ولكنها اومأت لها بتفهم... دقائق وحضرت "ميرنا" تعالى شعور التعجب والإندهاش لدى الأولى عندما لمحتها تقترب منها؛ فكانت تظن أنهما تربطهما علاقة سطحية فقط، وليست الصداقة...حيتهما "ميرنا" بتحية المساء، فلم تبادلها "رونا" بل أخبرتها ممتعضة :
_كل ده تأخير؟!
ابتسمت "ميرنا" وأجابتها مبررة :
_غصب عني جيت في اوبر، عربيتي في الصيانة.
كانت "روان" تتابع الحديث بصمتٍ شديد إلى أن تولت "رونا" دفة الحديث معرفة إياهما ببعضهما البعض فأتضح لها بأنهما تعرفتا سابقًا....تابعن جولة التسوق بداخل المول التجاري، حتى تأففت "ميرنا" معللة بألم قدمها؛ مما جعلهن يتجهن إلى إحدى الكافيهات لتناول المشروبات الساخنة، كانت "رونا" أول من ابتدأت الحديث :
_هي فين ميرا؟...من بعد عيد ميلادها ومشوفتهاش غير دقايق بسيطة في خطوبتك وكمان كتب الكتاب وكانت متغيره!
تشكلت "ميرنا" في ثوب الصديق الوفي، وأخبرتها بإبتسامة لعوبه :
_قصة حب جديده بقى!...بتحب صاحب الشركة اللي بتتدرب عنده!
كانت "روان" تحتسي شايها؛ فلم تستوعب حديثهما "عن أي صاحب شركة يتحدثن؟! "... وضعت كوبها برفق على الطاولة أمامها، ثم وجهت أنظارها لـ "ميرنا" :
_هي بتتدرب فين؟
بالفعل كانت تعلم بأن "ميرا" تتدرب في شركة صديقها، ولكنها شعرت بالدهشة والتعجب "هل يمكن أن تكون ميرا هي نفس الفتاة التي أخبرها عنها من قبل بأنه يحبها؟! "...تشككت في أمرهما خاصة بعد رقصه معها في حفل الخطبة بالإضافة لإصرارها علي العودة معه للقاهرة!...بررت لنفسها بأنها تسآئلت فضول لا أكثر :
_بتتدرب في شركة صاحبها شريك مازن.
تأكدت شكوكها فأمسكت بكوبها مره أخرى، وتمتمت بدعاء؛ متمنيه لهما صلاح الحال...سألتها "رونا" مضيقه عينيها بتشكك :
_أنتِ تعرفي صاحب الشركة ده؟
أجابتها الأخيرة "بنعم" وأخبرتهما بأنها وهو تربطهما علاقة صداقة قوية؛ لذلك سألت....كانت إجابتها عفويه تمامًا، ولم تعلم بما تحيك لها تلك الجالسة أمامها :
_بس كويس إنها قدرت تـ move on المرة دي بدري!
قالتها "رونا" بإبتسامة خبيثة زينت ثغرها، ولكنها خيبت أملها حين لم تلتفت "روان" لجملتها، فلم تكن أبدًا من هواة تتبع أخبار الأخرين....تفهمت "ميرنا" ما تنوي إليه صديقتها، كما وجدتها فرصة لا بأس بها أن تجاريها؛ فلا مانع أن تتسلى بتخبط "روان" و" ميرا" قليلًا! لذا قررت العزف أوتار مشاعر الجاثية بجانبها فأردفت بخبث متصنعة المرح :
_أصلها كانت بتحب مالك أوي ومتعلقه بيه، تصوري دخلت اكتئاب سنين بسبب جوازه من حبيبه!
شعرت "روان" بإضطراب ما في قولونها العصبي عقب حديث تلك الحية الأخير!...لا تعلم إن كان حديثها حقيقي أم لا، ولكنها ردت عليها بقلب أنثى نهشته الغيرة :
_المهم هي لقت اللي تحبه ويحبها، ومالك كمان اتجوز اللي بيحبها وبتحبه!
أكدا على حديثها دون أن يخفى عليهما نظرة الغيرة التى لمعت في عينيها؛ مما جعل "ميرنا" تغمز للأخرى بسعادة خفيه لكون كلا منهما وصلت إلى ما تريد من تلك الجلسة!
في طريق العودة
كانت "ميرنا" تجلس في الكنبة الخلفية للسيارة، فنظرت إلى "رونا" في المرآة، وسألتها بإهتمام :
_رونا...أنا نسيت أسألك جبتي الحاجة بتاعتي؟
اومأت لها الأخيرة بتأكيد، ثم أخبرت "روان" بلطف زائف :
_ممكن يا روان تفتحي التابلوه، وتخرجي منه البوكس لميرنا؟
_أكيد طبعًا.
أخرجت "روان" علبة هدايا صغيره نسبيًا مزينه بورود وردية وزهور بيضاء ناولتها لـ "ميرنا"....نظرت "رونا" للأخيرة عبر مرآة السيارة :
_الكمية صغيرة!
قالتها ولم تعقب بشئ، فهزت لها رأسها بتفهم، ونزلت من السيارة متجهة إلى منزلها تفكر فيما ستفعله في اليوم التالي!
❈-❈-❈
منذ محادثتها مع ابنتها، ولم يتوقف هاتفها عن الرنين المزعج بنفس ذلك الرقم الغريب...نفخت أوداجها بغيظ، وردت مباشرة بنفاذ صبر :
_عاوز إيه؟
نبرتها كانت حادة مرتفعة، وبالرغم من ذلك لم يعطي لها أي إهتمام، وأردف بهدوء كمن يقرأ جريدة الصباح :
_عرفت إن جوزك طردك من بيته، وأنا لسه عند كلامي وشاريكِ.
توسعت عينيها بذهول، ثم سألته بدهشة :
_عرفت منين؟
_مفيش حاجه في البلد دي بتستخبى عليا ما بالك بقى لو الحاجة دي تخصني؟
سألها بخيلاء، ونرجسية اتضحت جليه في صوته بالإضافة لتعمده إلصاقها بياء الملكية ونسبتها إليه...صمتت قليلًا، ثم أجلت صوتها :
_أنا مبقتش أخصك يا هيثم، وراعي إني ست متجو...
قاطعها بنفاذ صبر وإصرار قائلًا :
_قولتلك بقيت أحسن منه...بقى معايا فلوس أكتر منه!
صمت قليلًا يرى ردة فعلها، واستطرد بسؤالٍ قاسي :
_مش ده برضه السبب اللي أهلك جوزوكِ ليه علشانه؟!
أغلقت الهاتف في وجهه بدون أي مقدمات، لكنها لم تستطيع أن تنكر صدق كلامه!...اتجهت لغرفة نومها حتى تنام؛ فنبهها الهاتف بإستقبال رسالة عبر تطبيق المراسلة واتساب "مش هتكون آخر مرة نتكلم لأني مش هسيبك تضيعي من إيدي تاني! "...استقبلت الرسالة بإبتسامة بلهاء ظهرت عليها أشعرتها بألم أنفها؛ فلعنت بداخلها "روان" وارتمت على سريرها، مستلقيه على ظهرها وشردت في آخر لقاء دار بينهما حينما أعلمته بأنها ستتزوج من "محمود" لأن أهلها قد علموا بعلاقتهما معًا، وحينما أخبرها بأنه سيتقدم لخطبتها صفعته بحقيقة كونه فقير إلى جانب الآخر؛ فبالطبع لن يوافق أهلها...لا تعلم لمَ عاد بالتحديد في ذلك الوقت، ولكن كل ما علمته أن عودته قد أحيت شعورًا ما بداخلها لم تختبره منذ سنوات طويلة!
❈-❈-❈
دلفت إلى غرفة نومها، فوجدته مستلقيًا علي الفراش يطالع حاسوبه المحمول...استقبلها بإبتسامة هادئة :
_حمدالله على السلامة.
بادلته الإبتسام هي الأخرى :
_الله يسلمك.
ترك حاسوبه واتجه إليها فألتقت به أمام الأريكة :
_اتبسطتي؟
ابتسمت، وأردفت بقلة حيلة :
_هتصدقني لو قولتلك مش عارفه!...دي أول مرة أخرج مع بنات، أو علشان أكون صريحه دي أول مرة مخرجش لوحدي!
تطلع إليها شاعرًا بالغرابة بعض الشئ، وسألها بإبتسامة متردده :
_إزاي؟!...احكيلي.
جلست بجانبه على الأريكة، وأخبرته بهدوء :
_مش عارفه حكايتي فيها حاجه مهمه تتقال ولا لأ!
_مش مهم...المهم أسمعك.
كان يطالعها بنظرات متمعنه؛ فأعترضت عليه كطفلة متذمره :
_مش هعرف احكي، وأنت بتبصلي.
_بسيطه!
قالها ببساطه وسحبها بغتة؛ فسقطت رأسها على صدره...شهقت متفاجأة من فعلته، وأعتدلت في جلستها، ثم ضمت شعرها أسفل أذنها بإحراج تعالت له ضحكاته، وأردف متصنعًا البراءة :
_مش قولتي مش هتعرفي تحكي وأنا ببص عليكِ!
ضربته في ساعده بغيظ، وهمت بالإبتعاد متصنعة الغضب، فأمسك بمرفقها رافعًا إحدى حاجبيه، وأسترسل بتحدي :
_مش قولتي هتحكي؟!...مش سايبك النهاردة! لا وبصي الإفترى بقى قدامك حل من الأتنين يا تنامي على رجلي وتحكي!
لم تدعه يكمل الحل الآخر، فتوهجت وجنتيها بحمرة خجل محببة، واستنكرت بعنف :
_لا طبعًا!
لم يلتفت إليها وأكمل اقتراحاته :
_أو تنامي على صدري بس إحتمال أبوسك ما بين كلامك يعني، وأنتِ ونصيبك بقى البوسة هتبقى فين!
استقامت واقفه وضحكت بشدة على تعبيرات وجهه، ولم تخجل تلك المرة، ثم شمخت بأنفها بكبرياء زائف :
_طبعًا مش هوافق.
سألها بحذر، وهو لازال على جلسته :
_ولا على الأول، ولا التاني؟!
_ولا التالت حتى!
استقام واقفًا في مواجهتها، ثم وضع أحد كفيه أسفل ركبتيها والآخر أسفل ظهرها وحملها بخفه...تفاجئت من حركته المباغتة؛ فركلت بقدميها في الهواء حتى ينزلها، ولكنه لم يبدي أي تأثر بل اتجه ناحية باب الغرفة؛ مما جعلها تشهق برعب :
_رايح فين...استنى مامتك بره والعاملات.
أجابها ببرود :
_هننزل البيسين مع بعض يا روحي، هنكون رايحين فين يعني!
_لا خلاص والله أنا موافقة أنام...بس بلاش قدام الناس.
قالت جملتها الأخيرة، وكانت على وشك البكاء فرق قلبه لها؛ متفهمًا خجلها الواضح...انزلها بجانب الأريكة، واتجه للجلوس في نفس وضعيته السابقة، ثم أشار لها بالأقتراب؛ فأقتربت بتردد...تمددت بطول الكنبة واضعة رأسها على فخذه؛ مما جعله يشاكسها متلذذًا بإثارة حنقها :
_يتمنعن وهن الرغبات!
أخفت ابتسامتها "فهو فعلًا لم يخطئ!..كانت تريد تجربة تلك النومة وبشدة منذ أن كانت تشاهدها في المسلسلات أثناء دراستها الثانوية، الآن تحققت نصف الأمنية!...وستفرح بشدة إن تحقق النصف الآخر! " لم تكد تنهي الأمنية حتى خللا أصابعه شعرها بحركات دائرية جعلت السعادة تتراقص بداخلها؛ واكسبتها وضعية أكثر راحة واسترخاءًا، فأخبرته بحماس :
_أنا مش بعرف احكي، اسألني وأنا أجاوب.
همهم بالموافقة، واستمرت جلستهما لبعض الوقت سردت عليه "روان" الكثير عن حياتها بمفردها في القاهرة بالإضافة لأسباب استقلالها من البداية ومعاملة زوجة خالها لها...وبداية صداقتها بمجد الذي ألح بشدة لمعرفتها، كما أخبرته أن علاقتها بوالدها بها بعض الفتور...أصدقته بالكثير والكثير ولكنها لم تخبره بالحقيقة كاملة؛ فخشيت أن تظهر أمامه مثيره للشفقه طردها والدها لتتجرع مرارة اليُتم في حياته...لم ولن تخبره بشأن معيشتها معه معاناتها هي وأخوتها، الأمر لديها لم يكن مجرد ثقة؛ بل خشيت أن تجرح كبرياؤها أمامه!...سحبها من يديها حتى تبدل ثيابها، وتخلد إلي النوم، فجذبت هي ذراعه :
_فيه حاجه كمان كنت قولتلك إني هقولك عليها!
ضيق عينيه، وسألها بإهتمام :
_أيوه هي إيه؟
هدأت ضربات قلبها بشكل ملحوظ، لا تعلم كيف تخبره بما رمتها به زوجة خالها، ولكنها تنفست بعمق وأجابت مباشرةً :
_ريهام لما ختنت بنتها...أنا اعترضت وزعقت معاها قالتلي إنها بتحافظ على بنتها علشان متبقاش زيي لأني...لأنها شايفة إني عايشة هنا لوحدي في الحرام لأني متختنتش، وعلشان أثبت إني كويسة قالتلي...قالت...آآ..الدخلة تبقى بلدي!
واجهت صعوبة شديدة من وجهة نظرها حتى استطاعت أن تتلفظ بسرها، ونظرت له في انتظار ردة فعله...بقى ساكنًا على نفس وضعيته، ولم يرف له جفن حتى سألها بجمود شطر قلبها لنصفين :
_وأنتِ تمام؟
في البداية لم تستوعب معنى سؤاله؛ فحدقت فيه بعدم فهم، بضع ثوانِ وأمتلئت عينيها بالدموع حينما فهمت مغزى سؤاله فأجابته مندفعه بالحلف :
_آه والله العظيم!...أنا لما طلبت مهلة علشان بس أنا...أنا خوفت! أنا مش بتعود على الناس بسرعة، أنا لسه مش متعوده عليك.
لم تدري بماذا بررت أو لمَ بررت من الأساس...أنهت حديثها، وذهبت من أمامه مسرعه إلى الشرفة؛ تطلع لرفقائها كعادتها حين تختنق...أما هو بقى ثابتًا في مكانه يطالع أثرها بمشاعر مترددة بين الندم واللامبالاة! "لقد رأى الصدق واضحًا في عينيها كفلق الصبح!..ولكنه لم يخطأ حين سألها لقد أراد التأكد فقط!!..هذا حقه فلمَ أخذت الأمر على كرامتها!"...اتجه ناحية الشرفة التي تقف بها، كانت توليه ظهرها وترفع رأسها للسماء العائمة تطلع لأعلى بصمت حاك سكون الليل...أدار وجهها إليه فكانت ملامحها جامدة لا يظهر عليها أي مشاعر، فأردف بهدوء وكأن شيئًا لم يحدث :
_ادخلي نامي الجو برد.
تحاشت بأنظارها عنه شاعرة بخجل لم تعرف مصدره " هل هو من نفسها أم من سؤاله؟ كل ما عرفته أنها لا تعي بشعورها الآن" :
_أنا قاعدة شوية، أدخل أنت.
_حقي إني اسألك.
_أيوه حقك، وأنا مقولتش حاجة وقولتلك علشان مبقاش خبيت حاجه.
تمنى لها ليلة سعيدة، ودلف للداخل حتى يستعد للنوم فبقيت هي على نفس وقفتها، وشعورًا داخليًا يلح عليها بالعزف على الكمان كما كانت تفعل أيام خلوتها ولكن لحظها العسر تذكرت أنه في بيتها لم تحضره معها...جلست على أحد الكراسي مستنده برأسها علي السور الحديدي، وظلت على هذه الحالة حتى غفت في مكانها.
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي
فتحت "سعاد" الباب لتتفاجئ بذلك الزائر السمج والذي لم يكن سوى "ميرنا"...كانت الأولى لا تستسيغ تلك الفتاة حتى قبل الخطبة، وبالرغم كونها صديقة "ميرا" إلا أن الأخيرة لم تكن بنفس سوء الخلق حتى وإن لم تخلو من غطرستها سوى في الآوانة الأخيرة!...وضعت "سعاد" يدها على الباب في مواجهة الأخرى حتى تمنعها من الدخول، وابتسمت في وجهها بسماجة :
_خير!
طالعتها "ميرنا" بقرف، وسألتها بعلو :
_مازن هنا أو ميرا؟
بقت "سعاد" بنفس ضحكتها السمجة في مواجهتها :
_ما هو بيتهم أومال هيكونوا فين؟
_أوف!
نفخت أوداجها بضيق، ثم دفعت ذراعها بقوة ودلفت للداخل :
_حضري الفطار، واطلعي صحيهم "ميرا" عندها امتحان.
_الفطار جوه في أوضة السفرة بس لأتنين بس!
قالتها "سعاد" بوقاحة حتى تثير حنق الأخرى، فلم تلتفت إليها واتجهت نحو الغرفة المنشودة....وجدت بعض أطباق الطعام مرصوصة على الطاولة وأمام مقعد غريمتها كوبًا من العصير فعلمت أنه يخصها...نظرت إلى بهو الصالة فوجدته فارغًا... أسرعت بإخراج كيسًا صغير يحوي بودرة بيضاء، وقامت بسكبها في الكوب بسرعة، ثم اتجهت للوقوف في آخر الغرفة بجانب الشباك الكبير المطل على الحديقة الخلفية...دخل "مازن" إلي الغرفة، وابتسم لها بمجاملة :
_صباح الخير.
أقتربت منه بخطى واسعة وقامت بإحتضانه
_صباح النور، قولت اجي أفطر معاكم وكمان أشوف ميرا النهارده آخر يوم امتحان ليها.
أومأ لها برأسه، وهم بالسؤال عن سبب تأخير ابنة عمه فوجدها تدخل الغرفة، لوت "ميرا" شفتيها بإمتعاض حينما رأتها وتمتمت بصوتٍ خفيض استمع له "مازن" :
_صباح زي الزفت!
جعد "مازن" حاجبيه بعدم فهم، لا يعلم ما سبب تغير ابنة عمه مع صديقتها وخاصة بعد خطبته؛ صور له قلبه بأنها تغار! فعاد عقله يصدمه بحقيقة أنها لا تحبه!...تناولوا فطورهم في أجواء صامته تخللتها بعض الألعيب من "ميرنا" حاولت من خلالها التقرب لـ "مازن" الذي ظهر الحنق على وجهه :
_مازن!...عاوزه اتكلم معاك دقيقتين قبل ما اخرج!
أجلت "ميرا" صوتها بهذا الطلب موجها حديثها لإبن عمها؛ فهم أنها ترغب في الحديث إليه بمفردهما...أومأ لها بتفهم :
_تمام، أنا أصلًا خلصت آكل.
استقاما في مكانهما إستعدادًا للمغادرة إلى غرفة المكتب، فأمسك "مازن" بكوب العصير الذي كان يوضع أمام ابنة عمه ولم تمسه بسبب تعجلها وتجرعه على دفعة واحدة تحت أنظار "ميرنا" المصعوقة!
_بعد إذنك يا ميرنا هرجع لك تاني علشان نمشي كملي أكلك!
خرجا من الغرفة، بينما هي بقيت تحدق في آثره مصدومة من تلك الحماقة التى ارتكبها :
_يخربيت طفاستك، هعمل إيه دلوقتي!
أخرجت هاتفها المحمول بسرعه تبحث عن رقم معين تستشيره في تلك الأمور، فلم يجيب...تناولت نفسًا عميقًا ثم لفظته للخارج حتى تُهدأ من روعها فلا ينكشف أمرها، وقامت بإرسال رسالة نصية حتي يجيبها ذلك الشخص عندما يستيقظ، دون أن تشعر بذلك الكيس الذي أسقطته من الحقيبة حينما كانت تبحث عن الهاتف!
على الجانب الآخر، وقف "مازن" في مواجهتها مباشرة كان يطالعها بإعجاب انبثق من عينيه؛ فقد عادت لأناقتها المعتادة، وتخلت عن هيئتها الفوضوية التي كانت عليها الفترة الأخيرة...كانت ملامحها حزينة منطفية، ولكنها جميلة فبالرغم من ذبولها إلا أنه لم يؤثر على جمالها!... أخيرًا تخلى عن صمته وسألها بإهتمام حقيقي :
_خير يا ميرا؟!..كنتي عاوزه تكلميني في إيه؟
_أنا هخلص امتحانات النهارده زي ما أنت عارف.
طالعها بإهتمام وترقب حتى تكمل حديثها :
_أنا هسافر مع شركة مجد، رايحين شغل وهو كمان جاي معانا!
رفعت أنظارها إليه حتى ترى ردة فعله، فكانت ملامحه جامده :
_أنا مش موافق!
أغتاظت من تلك الثقة في نبرته وذلك الرد القاطع، فهاجمته بحديثها :
_والله أنت توافق أو ترفض ده شئ مش يخصني أنا بعرفك بس!
اصطك فكيه بعنف، وسألها بفحيح مستنكر من بين أسنانه :
_يعني إيه ميخصكيش؟!...أنتِ ناسية إني ابن عمك، وإنك مسؤولة مني؟!
لم ترفع صوتها تلك المرة، وإنما حدثته ببرود حتى تثير حنقه الذي اكتشفت إنه أصبح ملاذها في الفترة الأخيرة :
_تقريبًا أنت اللي نسيت إن خالي عايش وإني مسؤولة منه، أنت بقى روح مشي كلامك على خطيبتك!
ألقتها في وجهه، وهمت بالمغادرة؛ فأمسك ساعدها بقوة أدارت جسمها إليه :
_لو مشيتي هتزعلي!
ابتسمت له بإستخفاف، وفرت من أمامه بسرعه وشعوران متغايران يسيطران عليها منهما شعور الفرحة لأنها استطاعت مضايقته!...أما عنه فقد أكله شعور الغيرة من تلك العلاقة التى توطدت بين حبيبته ورب عملها؛ يخشى من تعلقها به كما تعلقت بصديقه مسبقًا!
❈-❈-❈
استيقظت من النوم بعد ليلة مؤرقه قضتها في التفكير والنظر إلى السماء، نظرت حولها بإستغراب، ولكنها سرعان ما تذكرت صوت الرعد الممزوج بصوت المطر أيقظاها من ثباتها فأتجهت للداخل حتى تستكمل نومها...وجدته يحضر حقيبته فعلمت أنه يستعد للحاق بعمله :
_صباح الخير.
ألقت إليه بتحيه الصباح فرد عليها بإقتضاب، وتابع ترتيب أوراقه؛ فأردفت من جديد برجاء :
_ممكن تستنى معايا ربع ساعة هصلي وألبس وتوصلني!
انتهى من إعداد حقيبته، فأتجه إليها وسألها بإهتمام :
_رايحه فين؟
حركت كتفيها لأعلي ولأسفل، وأخبرته بإقتضاب :
_نازله شغلي.
_بلاش تنزلي النهاردة!
_ليه؟!
سألته بإستغراب مضيقه عينيها من رفضه لعملها، فأمسك كتفيها بيديه :
_مش أنتِ واخده إجازة؟!..خلاص هتروحي على الفاضي!
هبت واقفه على ركبتيها حتى تصل لمستوى طوله، وأردفت مبررة :
_لا مش في الفاضي ولا حاجة النهارده آخر يوم إمتحانات، همر على اللجان عادى وكمان عاوزة اعدي على الشركة، هشوف لو "مجد" محتاج مساعده!
اندلعت براكين الغيرة في قلبه حينما ذكرت إسم غريمه؛ فتجهمت ملامحه تلقائيًا ثم رد بنبرة حادة بالرغم من محاولته لإخراجها عادية :
_أنتِ لسه عروسة جديده ميصحش تنزلي الشغل من تاني يوم!..وكمان مجد ده مش صغير، ومش محتاجك تساعديه!
لم تستسيغ نبرته، ولكنها قررت أن تفترض حسن نيته؛ فهمت بالتبرير ولكنه قاطعها قائلًا بنبرة صارمة :
_مش النهاردة قولت يا روان، باي أنا لازم أنزل!
قبلها بخفه علي وجنتها مودعًا لها، وانصرف من أمامها حتى لا تثرثر كثيرًا؛ فهو يعلم كم إنها عنيدة لا تتخلى عما برأسها! وعندما وصل لباب الغرفة، ألتفت إليها ثم أخبرها برجاء :
_روان...اقعدي مع الولاد هم حابين يتعرفوا عليكِ!
طالعت أثره بدهشة غير مقتنعة بسبب رفضه من الأساس، ولكنها قررت الإصغاء إليه...كما أنها تحرجت من جملته الأخيرة فهزت رأسها إليه بطاعة...خرجت من السرير، واتجهت إلى الحمام حتى تغتسل وتصلي فرضها....بعد مرور نصف ساعة تآكلها الفضول للعبث في أغراض الجناح، بقيت تطلع للتحف ثم فتحت دولابه حتى ترى متعلقاته وثيابه ففوجئت بإطارٍ لامع يظهر طرفه أسفل الثياب....إلتقطته بفضول غريزي في الأنثى حتى تتفحصه، ولم يكن سوى صورة لزوجها يحتضن فتاة جميلة ذات بشرة حنطيه تقبّل خده بحميمية!
يُتبع