-->

الفصل العاشر - كما يحلو لكِ - النسخة العامية




 الفصل العاشر


النسخة العامية


عينيها لا تفارق هذه الأرضية اللامعة وهي تطأ عليها بخطواتها الثابتة التي تبدو واثقة تحت اعين الجميع بينماعقلها لا يستطيع تقبل مدى تفكك هذه العائلة التي من المفترض أنها باتت عائلتها بشكلٍ ما، وفي وقت ما، وهذا الوقت مر اسرع من سرعة طرفة عين، ذاكرتها لا تستطيع سوى تذكر تلك الاحتفالات الرائعة التي كان يُقيمها لها والدها للإحتفال بيوم مولدها بصحبة أخيها ووالدتها، ولا يتبقى برأسها سوى اجراء المقارنات بين هذه الحياة التي امتلكتها وبين حياة "عنود" التي كلما توغلت لتفاصيلها وجدت أنها تعيش حياة غير آدمية بالمرة بالنسبة لفتاة بمثل عمرها الصغير.


جلست شاردة بعد أن عادت إلي مقعدها ولم تلحظ غياب كل من زوجها وأخيه وحاولت صد نفسها عن هذا الحُزن الذي ينبعث بوجدانها من أجل ذات العشرين ربيع، الطبيبة المُنتظرة، الفتاة الجميلة التي بالرغم من كل ما تحمله بداخلها من تعاطف لها ولكن هذا لن يجعلها تتراجع عن قرارها الذي اتخذته بالفعل وتُصمم عليه إلي الآن.


- روان.. روان..


نبهها الصوت الرجولي المُنادي لتحول عينيها حيث اتجاه صاحبه لتجده يبتسم ابتسامته الرائعة كعادته دائمًا بينما لاحقها بالمزيد متسائلًا:

- ايه فينك سرحانة في ايه؟

- مفيش، موضوع كده في الشغل


حاولت اجبار ابتسامة على شفتيها الممتلئتين وهي تحاول التظاهر بأن هذا هو ما يُشغلها في حين أن ما جعل عقلها يُسافر بعيدًا هي فكرة هذه العائلة الغريبة التي لا تدري ما الذي فعلته كي تُعاقب بها طيلة حياتها، ولكنها لن تتقبل كونها جزء منها ولن يستمر هذا الوضع للأبد، عليها الابتعاد بأي طريقة أيًا كانت.. قد تبقى صديقة لأخته وأخيه ولكن أن تبقى زوجته هذه الفكرة باتت مستحيلة الحدوث بالنسبة إليها في الوضع الراهن!


- ما تعرفيش عدي وعمر فين؟


تعجبت من سؤاله ونظرت حولها لتدرك الآن غياب كلاهما لتعقد حاجبيها ثم قلبت شفتاها كدلالة على عدم المعرفة واجابته سائلة:

- كانوا هنا وأنا رايحة لعنود واصحابها، مشوفتش راحوا فين بس اكيد شوية وهيجوا تاني


في البداية لم تكن تريد أن تُفكر بالمزيد من مجرد توقع أن وجود كلاهما سويًا لا يأتي من خلفه سوى عراك كلامي حاد مثل ما سمعته بمكتبه تارة ورآته بمنزل والديه تارة أخرى، ولكن مع مرور الوقت لم يكن بيدها حيلة لمواجهة هذا القلق الذي بدأ يعتريها فلم يكن منها سوى أنها تناولت هاتفها في النهاية مجبرة نفسها على الإطمئنان على زوجها وأخيه خوفًا من تحول هذه الليلة لليلة كارثية الأحداث وبدأت في مهاتفة "عُدي" بينما لاحظت اقتراب "يونس" وشعرت بجلوسه بجانبها على نفس المقعد الذي كان يجلس عليه زوجها منذ قليل فتابعته بنظرات مستفسرة ليقترب منها بابتسامة وحدثها بنبرة منخفضة مستفسرًا:

- هو ايه حكاية عنود؟


ضيقت ما بين حاجبيها واجابته بنبرة استفهامية:

- حكايتها ايه يعني مش فاهمة؟


توسعت ابتسامته مما اجبرها على مبادلته الابتسامة وهي تهز رأسها بمزيدٍ من التعجب فاطنب بقوله:

- يعني بما إنه عيد ميلادها وكده كنت بفكر اجيبلها هدية


رفعت حاجبيها وتوسعت اعينها بدهشة من كلماته وهي لا تزال تبتسم له وفي نفس الوقت تحاول الوصول إلي "عُدي" ولكنه لم يُجبها فاستمرت بالاتصال به ليُضيف "يونس" محاولًا تبرير اقتراحه السابق:

- يعني هتبقى لفتة كويسة واحنا كعيلتين لسه بنتعرف على بعض و..

- روح ليارا واقترح كده عليها الكلام ده وشوف هتقولك إيه


قاطعته ليضحك بغيظٍ دون أن تتوسع شفتاه ليغمغم بإحباط معقبًا:

- يارا آه..


هزت رأسها بإنكار بينما لم تتمادى معه في فكرته تلك فهي تعرف سُمعته جيدًا فيما يتعلق بالفتيات، يرى الفتاة، يتعلق بها حد الثمالة، ثم يتهرب إلي الأبد مُفسرًا بسبب وحيد لا يتغير، ألا وهو أنه بعد اقترابه من هذه الفتاة التي لتوها كانت توأم روحه اكتشف فجأة أن هذه ليست الفتاة المناسبة له، ومن بين كل ما تمر به هي لا تريد ولا تود أن تكون طرفًا في هذه الكارثة الوشيكة عندما يعلم زوجها الذي بالكاد يملك عقلًا أن ابن خالتها يود الاقتراب من أخته الصغيرة وفي النهاية تتأكد أنه سيتركها!


- طيب بصي يا روري، انتي عارفة يارا هتفهمني غلط وأنا مقصدش غير كل خير


لمحته بطرف عينيها بنظرة ذات مغزى لا تُخبره سوى بأنها لا تقتنع بكلماته فسرعان ما أضاف:

- ده أنا حتى نيتي خير وجاي اهو اقولك، متبقيش رخمة بقى، كل اللي عايزه تيجي يعني تعرفينا على بعض


ضحكت بخفوت بينما لم تتوقف عن محاولة الوصول إلي "عدي" ولا تزال تملك أملًا بأنه سيُجيب مكالمتها وعقبت بهدوء كي لا يتهادى صوتها لمسامع أحد:

- ما دام نيتك خير روح لوحدك..


زفر بيأس وملامحه يعتريها الاستياء جراء رفضها مساندته أمام تلك الفتاة التي لفتت نظره فحاول اقناعها:

- هيبقى شكلي وحش لو روحت لوحدي واحنا لسه منعرفش بعض، خليكي كويسة بقى وبلاش رخامة.. اقولك، عرفينا على بعض، مجرد خمس دقايق بس، وابقي اتأخري عليا اسبوعين في الدفع وهمشيهالك في الشركة


اطلقت زفرة مُندهشة والتفتت له بملامح يعتريها الاستغراب فسرعان ما لاحقها:

- هقوم اجيب الهدية من اي بازار هنا ونشوف عمر وعدي راحوا فين وكل اللي عايزة منك هو خمس دقايق تعرفينا على بعض واوعدك مش هرجع في كلمتي


اشار للهاتف الذي لا يفارق اذنها في انتظار رد "عدي" لتتنهد بإرهاق وفركت جبينها من إلحاحه الذي لا ينتهي وإن كانت تعرف عن ابن خالتها شيء فهو أنه رجل لحوح حد الثمالة ولا ينتهي أبدًا عن شيء حتى يصل له بكل الحيل التي يستطيع أن يختلقها فحسمت امرها ثم التفتت له قائلة بحزم:

- يونس بجد أنا ورايا حاجات كتيرة اوي ومش فاضية للكلام ده، لو عايز تتعرف عليها، ولو اني اشك اصلًا انها عندها استعداد تتعرف على حد، اتفضل لوحدك وسيبـ..


- صدقيني مش هصغرك.. خليكي حلوة بقى، وبعدين قولت هدورلك على عمر وعدي و offer تأجيل الدفع لسه زي ما هو.. ها، اتفقنا؟


قاطعها وهي يتوسلها بنظراته المُسبلة وهو يعرف أن تلك النظرات منه لن تستطيع أن ترفض أمامها طلبه فلطالما نجحت مع جميع النساء عامة والفتيات خاصةً لتزفر بإرهاق وهي ليست في المزاج المناسب لتلعب هذا الدور الذي يُريدها أن تلعبه لتعقب بالحزم والرفض القاطع ولكن بطريقة غير مباشرة لتلتفت إلي ابنة خالتها "يارا" وسرعان ما تحدثت:

- ايه رأيك يا يارا، يونس عايز تجيبوا هدية لـ عنود بمناسبة عيد ميلادها، في الأول قولت إني أنا ماليش دعوة بالموضوع ده، بس هو بيقول إنها هتبقى حاجة كويسة من وجهة نظره، ممكن تيجي معانا أنا وهو، وبرضو علشان تبقى عارفة كل حاجة من الأول.


لم تنتظر رد أي منهما ونهضت بالفعل متأهبة للذهاب، فربما على اخته أن تنهاه عما يُفكر به وهذا ما قاربت على الوصول إليه عندما رآت اختلاف ملامح "يارا" للحزم والجدية بشدة وهي تنظر إلي أخيها بتحذير فرفع يديه بإستسلام وقال وهو ينهض هو الآخر مستخدمًا واحدة من حيله للإقناع:

- بلاش البصة دي ملهاش لازمة، كانت نفعت معايا من سنين، وبعدين لو مكانتش نيتي خير تفتكري كنت هقول قدامكم؟!

❈-❈-❈

- انت اكيد اتجننت، لو كان حد منهم سمعك كان هيقول علينا ايه واحنا أول مرة نشوفهم!


ابتسامة مُستنكرة علت شفتاه وهو يرمقه باستمتاع غريب لم يفهمه "عُدي" بعد ذلك النزال الجدلي المحتدم فيما بينهما حول سبب مجيئه وحضوره وهو بداخله لا يدري إلي متى عليه التحمل هذه المواجهة بينه وبين أخيه وشعور الندم يكتسحه لموافقته أن يُساند "روان" في هذه الخطة المتهورة بأن يجعله يوافق على طلاقهما!


- ويا ترى وأنت داخل جانبها الناس مش هتسأل ليه جاية مع أخو جوزها، يا ترى هيقولوا عليك ايه؟


زفر بإرهاق وفرك جبينه بعد أن استمع لهذه النبرة الهادئة الدافعة على الإستفزاز تغادر شفتاه وكأنهما لا يتجادلا منذ أن غادرا الجميع بالأسفل حيث المطعم الخاص بالفندق الشهير وصعدا لجناحه الذي استأجره، والذي كذلك لا يدري ما السبب لمكوثه في هذا الفندق، ولا حتى يجد دافعًا منطقيًا خلف هذا العشاء وهذه الأمسية غير السعيدة فمن الذي يدعو اقارب زوجته في حين طلبها للطلاق منه، ربما عليه أن يتجنب كل هذا ويفعل ما طُلب منه ويغادر وألا يجعل نفسه عُرضة من جديد للشجار مع أخيه، فلو تعلم شيئًا على مدار كل تلك السنوات المنصرمة، يعرف جيدًا أن الكلام معه غير مُجدي بالمرة، ولقد ادركه الإستفزاز الهائل من مجرد بضع دقائق قضاها معه ولم يعد يستطيع تحمل الحديث معه أكثر من هذا!


- اسمع، أنا ولا فارق معايا العشا ولا غيره ولا إني آجي أصلًا، أنا جيت هنا علشان روان طلبت مني اتكلم معاك بخصوص طلاقكم، أيًا كان اللي حصل ولا خلاها تطلب الطلاق منك ده ميهمنيش، أنا اللي يهمني إنها كانت حد كويس معايا وساعدتني في مُشكلة كبيرة كانت ممكن توديني في داهية وأنا بردلها المساعدة.. مشاكلك مع مراتك تحلها، يا إما تطلقها وتعملها اللي هي عايزاه، يمكن لو كنت من الأول معندكش مشاكل معاها مكنتش جيت، ومكنتش خليت الناس تفكر هي ليه جاية معايا، ويمكن كنت فضلت محافظ على كرامتي ومكونتش جيت ولا شوفت وشك زي ما انت عايز.. اكيد مش عايز عمر بيه يتكرم عليا ويطردني مرة تانية!


رمقه في النهاية بمشاعر مختلطة بين التقزز واللوم الخالص فهو بعد هذه السنوات بأكملها لا يزال يثبت ويبرهن له أن كلما عامله بالحسنى لا يأتي من خلف معاملته الطيبة له سوى المزيد من الكراهية الخالصة له التي يقرأها دائمًا وأبدًا على ملامحه كما يقرأها الآن ويزداد استفزازًا لكل قيد أنملة به، ربما المُغادرة هي الحل الوحيد الذي سيُنهي هذا الشجار فلقد فعل ما عليه فعله وما آتى من أجله ولم يعد هناك ما يُقال اكثر مما قاله بالفعل!


تابعه "عمر" بفحميتيه وهو يتجه صوب الخارج ولكنه بداخله لم يقتنع بتلك التراهات التي برر بها سبب مجيئه فأوقفه حتى يؤكد لعقله المريض المزيد من تلك المؤامرات التي لا أساس لها من الصحة ليوقفه قائلًا بنبرة هاكمة:

- عايز تقنعني إن كل ده بسبب بس إنها ساعدتك في شغلك فـ بترد ليها المساعدة؟ فجأة كده تروحلها شُغلها، تيجي هنا معاها، على أساس إني كده هصدقك لو كل حاجة بتحصل تحت عيني، انت نسيت إني محامي شاطر يا عُدي ولا إيه؟ ولا فاكر إني مش فاهمك كويس؟!


تسمر بالأرض غير قادرًا على التحرك لعدة ثوانٍ من الصدمة التي انتابته مما استمع له ليمر على عقله سريعًا كل مناقشة أو بتعريف افضل - كل جدال - خاضاه معًا منذ أن تزوج ليلتفت له بملامح غاضبة بعد أن فشل تمامًا في أن يكبح جماح تلك النيران التي تندلع بداخله من ذلك الجنون الذي اوشك "عُمر" على الادلاء به كما فعل سابقًا، هو يعرف جيدًا أنه سرعان ما سيتهمه كما فعل بالماضي ولكنه قد اكتفى من تلك التراهات ليحدجه وهو يهشم فكيه غير مُكترثًا لنظراته المزيفة بالهدوء واجاب كل تلك الحقائق التي يُرمي إليها خلف اسئلته الهاكمة:

- لا مش عايز اقنعك، هو ده اللي حصل فعلًا، بس تعرف أنا هقولك حاجة، بما إنك محامي شاطر يعني..


تريث لبرهة ثم اخذ يقترب منه وهو يهسهس له ليرد له صاع الإستفزاز الذي اكتفى منه طوال هذه الليلة:

- مراتك واحدة شاطرة، ولسوء حظك إني اعرف حاجات كتيرة اوي عنها بما اننا في نفس المجال، ولعلمك كنت مصدوم إنها تتجوز واحد زيك مبيعرفش يحب حد ولا يقرب من حد وهي انسانة محترمة وجميلة وشاطرة في شغلها واي راجل في مجالنا يا إما بيحترمها يا إما بيبصلها إنها وصلت للي هو موصلهوش فبيتضايق منها وعايز يؤذيها، وبعد كل اللي انت بتقولهولي ده من ساعة ما اتجوزت لغاية دلوقتي حالًا، بتخليني اتأكد اكتر إنك متستهلش واحدة زيها، ولو فعلًا عايزاني اساعدها هساعدها، لو كنت من خمس دقايق مش عايز احط نفسي في مشاكل معاك فأنا بقيت خلاص واخدها عِند، بما إنك متخلف وغبي ومجنون ومفكر إني ممكن يكون ليا دافع تاني ورا كل اللي بعمله ده.. يمكن لما تطلقها تتجوز واحد احسن منك مليون مرة ويـ..


اوقفه عن حديثه الذي لم يرقه ودفعه للغضب الهائل الذي اخذ في الازدياد كلما ازدادت نبرة "عُدي" حِدة وارتفاع على حد سواء ليتنفس الآخر بسرعة شديدة وقارب على الشعور بطعم الدماء بفمه من شدة التحام فكيه ليلكمه هو أيضًا وسرعان ما تلاحم الاثنان في معركة بالأيدي ليصرخ به "عُدي" بمزيد من الغضب:

- انت اتجننت، انت مفكر إن فيه حاجة بيني وبين مراتك أو إني ممكن ابص ليها اكتر من انها مرات اخويا وزي اختي، انت لغاية امتى هتفضل كده؟


التهبت ملامح "عُمر" وهو يُسدد له المزيد من اللكمات بينما لم يرأف به الآخر في هذا النزال الذي بات داميًا وتلك العلامات تظهر على وجه كلاهما ولم يستمع "عُدي" لأي اجابة على سؤاله واستمع فقط للهاث كلاهما من شدة ذلك العراك ليبادره بدفعة قوية سقط على اثرها "عُمر" بمقعد خلفه ليحاول الآخر التقاط انفاسه وهو يهمس خلال ذلك اللهيب المستعر الذي يغادر رئتيه:

- دايمًا كنت كده.. وحتى لغاية دلوقتي معرفش ليه.. فاكر إني دايمًا ليا خطة وإني عايز اؤذيك


اشار له بإصبعه قاصدًا اياه بينما رمقه "عُمر" مُضيقًا عينيه بحقد ليتابع اخيه كلماته:

- كل ما حد يقرب منك تنتهي بخناقة يا تضرب اللي قدامك، دايمًا بتكرهني وبتتجنب تكلمني، طول عُمرك شايفني وِحش ومش كويس، ليه يا عُمر؟


بدأت انفاس كلاهما بالهدوء فواصل "عُدي" من جديد:

- مهما حاولت، مهما عملت، دايمًا بتكرهني، ليه؟ ايه السبب في كل ده؟ ليه أنت وبابا دايمًا بشوف الكُره في عينيكم من ناحيتي مع اني طول عمري بحاول أكون كويس مع الكل؟


ابتلع وهو يصوب اللوم المنهمر من عينيه تجاهه ليهمس بحسرة:

- ليه احنا مش كويسين؟ ليه أنا وأنت مش زي روان واخوها؟ ليه أنا وأنت مش زي اخين ولا حتى زي الاصحاب؟


بحث عن اجابة بملامحه بينما الآخر ينظر له والحقد يلتمع بعينيه ونهض متجهًا نحوه ليوقفه الآخر بصياح:

- صدقني عملت كل حاجة اننا نكون زي اي اخوات، أنت بالذات، معملتهاش مع عنود أبدًا، بس كل مرة تثبتلي إن خسارة حد يحاول علشانك، وبعد جوازك وكل الجنان اللي بتعمله ده انت فعلًا خلتني اكرهك، ويكون في علمك..


تريث لبرهة ليقول في النهاية بهمس:

- انت الوحيد اللي كنت فارق معايا في البيت كله، انا وانت فاهمين ان بابا مبيحبنيش، وماما، اكتر حد مش بيقدر ياخد حقه وطيبة زيادة عن اللزوم ويمكن هي الوحيدة اللي كويسة معايا، وعنود وفرق السن اللي بيني وبينها مخلنيش اعرف اتعامل معاها وانا فشلت معاها بعترف بده، بس انت عمرك ما عاملتني كويس وانا مش فاهم ليه، انت وصلتني اني ابقى عايز ابعد عنك ومشوفكش تاني، اوعدك عمري ما هحاول ابدًا معاك بعد كل العمر ده، الا لو كان عندك اجابة على سؤالي لكل معاملتك ليا دي.. غير كده لا هاجيلك بيت ولا حتى هرد على مراتك لو كلمتني ومن النهاردة أنا ماليش أخ اسمه عمر!

❈-❈-❈


في نفس الوقت..


مشى ثلاثتهم في اتجاه "عنود" حيث جلست مع صديقاتها الفتيات وعقل "روان" لا يغيب عنه التساؤل ووضع التخمينات بشأن زوجها وأخيه عما يفعلاه الآن خاصة وهي لا تلمحهما في أي مكان قريب وتتمنى بداخلها أن يكون "عُدي" نجح في اقناعه ولو بأي طريقة بشأن طلاقهما!


وجدت "يونس" يتلمس ساعدها بلُطف ليوقفها وهما على وشك التحدث إلي "عنود" ليهمس لها:

- عمر وعُدي طلعوا فوق في الـ suite بتاعه ورقمه S- 5 في الدور العشرين وده لأن البنوتة الـلي في الـ reception كانت متعاونة جدًا لدرجة إنها ادتني ده ..


اعطى إليها البطاقة المخصصة للولج للجناح الخاص بـ "عُمر" لتتوسع عينيها بدهشة من فعلته ليبتسم لها قائلًا:

- يعني احنا اتفقنا على حاجة من شوية، و deal is a deal (تعبير يُقال عند عقد اتفاق لوجوب الإلتزام به) وكمان أنا gentle man وكنت كريم معاها جدًا!


انهى حديثه وهو يغمز لها بإبتسامة رائعة لتجد نفسها تبتسم رغمًا عنها وهي تهز رأسها غير مُصدقة لفعلته واقتربت من "عنود" وهي تتلمس ذراعها بلُطف واقتربت لتستئذنها بالنهوض لبُرهة فوقف الأربعة على مقربة من صديقاتها لتحمحم "روان" ثم شرعت في الحديث:

- كنت حابة اعرفكم على بعض، يارا ويونس ولاد خالتي، عنود اخت عُمر جوزي..


سرعان ما ابتسمت "عنود" بلباقة وصافحت "يارا" ولمحت "يونس بطرف عينيها سريعًا كنوع من الرسمية ليس إلا ولكن لم تكن هذه النظرة منها هي المتوقعة لهذا الذي يرتدي وجه ذو ابتسامة تنجذب له الكثير من الفتيات ليُصاب بالصدمة بداخله من ردة فعلها!

- ازي حضرتك عاملة ايه؟


بادرت "عنود" بهذا السؤال إلي "يارا" التي اندهشت من منادتها اياها بهذه الرسمية الشديدة لتبتسم لها بودٍ وهي تقول:

- لا بلاش حضرتك دي خالص، أنا مش كبيرة اوي كده..


شعرت الأخرى بالإحراج لوهلة بينما كل ما تريده "روان" هي معرفة ما سبب تأخير كل من زوجها وأخيه وودت لو تنتهي هذه الدقائق بأسرع وقت ممكن لتجد ابنة خالتها تتحدث بلباقة وملامح بشوشة:

- احنا حبينا نتعرف عليكي ونقولك happy birthday..


لأول مرة بحياته يشكر الله على اندثار ذلك الحزم بأخته التي يعرف أنها ليست واحدة من معجباته بعلاقاته النسائية المُتعددة كما أنه سبق من نوعه أن تُمهد له "يارا" الطريق مع فتاة وهو يستحيل أن يترك هذه الفرصة أن تتفلت من بين يديه فسرعان ما تقدم قبل أن تتحدث "عنود" ووقف تمامًا أمامها فلقد تجنبته وهمشته على ما يبدو منذ ثوانٍ وهو سيجعلها تعي فداحة ما ارتكبته منذ لحظة واحدة:

- كل سنة وانتي طيبة..


أضاف المزيد من تلك النظرات الجذابة وابتسامة رائعة دُفعت إليها لتلفت نظرها لما يُقارب جزء من الثانية وهو يُقدم لها تلك الهدية التي توضع بصندوق مُخملي لتتعجب "عنود" بداخلها، من الذي يتعرف على شخص لتوه وبنفس الوقت يقوم بتقديم هدية له ليُصيبها الارتباك للحظة وعينيها مُثبتتان على هذا الصندوق حيث غابت ملامح التهلل واللباقة التي كانت تتضح عليها منذ لحظات ليُلاحظ هو ما تمر به فأضاف بإبتسامة مُهلكة يعرف تأثيرها الفائق:

- محبتش الصدفة الجميلة دي تعدي من غير ما اسيب ذكرى حلوة..


تبادلتا "روان" و "يارا" النظرات المُتعجبة غير المُصدقه لغزله الواضح بشدة إليها، فمن المفترض أن كلاهما يقدما لها الهدية على سبيل المجاملة العائلية وفي لمح البصر يقلب هذا التعارف ليكون هو الوحيد تحت هذا الضوء! لن تقبل "يارا" أبدًا هذه الطريقة وستوبخه فيما بعد، ولكن لابد لها من التدخل الآن:

- اكيد يا يونس، نسيت انها كانت فكرتي ولا ايه؟


ابتسمت وهي تنظر إليها بينما سيطر الوجوم على ملامحه للحظة، لتوه كان يشكر اللهعلى كونها أخت متعاونة ولكنها لا تفشل في احداث الدمار المتوالي الذي يجعلها اكثر أخت مزعجة بالحياة لتتدخل "روان" مُضيفة إليه المزيد من الإحباط وهي تدعم قول اخته بمنتهى القوة:

- وأنا لقيت إنها فكرة حلوة اوي علشان تعرفوا بعض اكتر، يارا حبتك جدًا من اول ما شافتك على فكرة


هذا لا يُطاق، من التي احببت من؟ لقد كانت فكرته، لقد خطط هو لهذا، ولن يترك كل مجهوده ليُقدم على طبق من ذهب ويذهب سُدى، شيئًا وحيدًا يعرفه عن نفسه، هو يكسب كل الفتيات لصالحه، وهذا لن يتغير الآن:

- بما اني businessman شاطر وبشتغل طول الوقت والنهاردة كان يوم طويل اوي في الشغل ايدي ابتدت توجعني، غير اني عايز اعرف رأيك في الهدية، فـ ممكن تقوليلي رأيك؟



مُضيقًا عينيه وهو يُشير إلي الصندوق الممسك به ثم يُعيد عينيه الجذابتين إليها، مُحاولًا بإلحاحه الذي لا ينتهي أن يكسب هذا الموقف لصالحه بكل الطرق الممكنة، متحكمًا بنبرته كي يبدو غزلًا وليس تأنيبًا، هل يُمكن أن فتاة مثلها لا تنجذب لصندوق مخملي يأسر قلوب الفتيات ورجل يملك ملامح واثقة وجسد رياضي طويل ممشوق، وغزل لا نهائي وابتسامة مهلكة، ومنصب جيد ينجح مع اغلب النساء والفتيات وفوق كل ذلك صلة قرابة بعيدة وحضور اخته معه؟!


اجابته كانت نعم، على ما يبدو لم تنجح أي حيلة معها، حيث أنها نظرت إلي اخته وابنة خالته ببعض الانزعاج الذي تحاول أن تخفيه خلف ابتسامة لبقة أو ربما هو الإحراج من المفاجأة لا يدري، ولكنه سيتأكد في غضون جزء من الثانية، ولقد احبطت كل هذه المحاولات بالكامل عندما لم تنظر له ولو حتى بنظرة عابرة وامتدت يدها لتناول هذا الصندوق منه وهي تكتشف ما فيه لتُصاب بصدمة شديدة من هذه الهدية المُبالغ بها، فساعة نسائية موضوع عليها هذا الشعار الشهير ليست مجرد هدية ليوم مولد فتاة لتوهما تعرفا عليها!

❈-❈-❈

- لا، لا، ده مكنش اتفاقنا، دي تقريبًا كانت ناقص تسيبني واقف قدامها ولولا كلمتين يارا مكنتش خدت الهدية اصلًا!


تحدث بإنزعاج واضح بينما زفرت "روان" من كثرة إلحاحه الشديد ليُضيف مُجددًا:

- لقيتلك عُدي وعمر وادينا في طريقنا ليهم، قبلت تأخري الدفع، وانتي تقريبًا خليتي يارا وعنود يتعرفوا على بعض، والاتفاق كان إن أنا وعنود اللي نعرف بعض.. وبما إن deal is a deal فتقريبًا لازم تصلحي الـ..

- كفاية يا يونس!


صرخت به ليتعجب من ردة فعلها غير المتوقعة التي لأول مرة طيلة معرفته بها تفعلها لينظر لها باستغراب لتتنهد وهي تقوم بالضغط على زر الطابق الذي يقع به الجناح الذاهبان له ثم التفتت إليه وهي تحاول أن تبرر صراخها:

- أنا آسفة، بس بجد أنا مزاجي مش مظبوط خالص، عندي شغل كتير وشوية مشاكل كده وفجأة موضوع عمر وعدي ده مقلقني انهم سابونا كده ومش عارفة ايه سبب انهم يسيبوا العشا وبالذات عمر اللي المفروض عازمكم ودي مش الطف حاجة ممكن تحصل قدامك أنت وراشد ويارا وتعبانة جدًا ومش بنام كويس.. غصب عني اتعصبت عليك


عقد حاجباه وهو يتفحصها بإهتمام ثم سرعان ما ما تفهم ليتسائل بعناية:

- ولا يهمك، بس طمنيني، انتي كويسة؟ أو فيه حاجة اقدر اساعد فيها؟


تنهدت وأومأت بالإنكار وحاولت أن تبتسم لتلتوي شفتيها ببعض الضيق مما جعل ملامحها باهتة:

- أنا تمام، فترة وهتعدي


هز رأسه بالموافقة ثم التمعت عينيه وتحدث بنبرة هادئة وابتسامة متوسلة:

- طيب بعد ما الفترة دي تعدي، ايه رأيك تخرجي انتي وهي وانا اجي نفس المكان صُدفة بريئة واقعد معاكم وطبعًا انتي مشغولة فهتسبينا وتقومي؟


توسعت عينيها بدهشة من إلحاحه الدائم المستحيل أن يتوقف لتضيق ما بين حاجبيها ثم حدثته بجدية:

- يونس أنا حاولت وواضح انها كده زي ما شوفت مفرقش معاها، خلاص، انسى الموضوع، اكيد فيه مليون بنت تتمناك، وبعدين مظنش ان عنود مناسبة ليك خالص!


التفتت لتوليه ظهرها حيث تنتظر وصول المصعد حيث الطابق المتواجد به زوجها واخيه وليعلم الله ما الذي يجعلهما مختفيان عن الانظار كل هذا الوقت، مجرد التخمينات وحدها تُرعبها، وقلبها وحده تصرف بُناء على ما تُفكر به وبدأت خفقاته في الارتفاع تلقائيًا!


- ليه يعني؟ علشان فرق السن، على فكرة شكلي ميبنش اني اكتر من خمسة وعشرين سنة، ولا يمكن علشان مُحجبة؟ انتي فكراني عنصري يا روري ولا إيه؟


اسئلته نبهتها من توترها وكذلك ابواب المصعد التي فُتحت لتتجه هي الأخرى للخارج فتبعها لتحدثه بإنزعاج وهي تحاول السيطرة على التوتر الذي يجتاحها:

- مش كده يا يونس، عنود حياتها مش سهلة، ودراستها واخدة كل وقتها، ومظنش بنت زيها بتدور على ارتباط، دي يا دوب لسه بتتم عشرين سنة النهاردة، عايزة تكون دكتورة شاطرة، يعني قدامها سنين على ما تاخد القرار ده.. غير إن العيلة كلها زي ما تقول كده جامدين شوية عننا.. انت وهي مختلفين خالص عن بعض، مظنش انها البنت المناسبة ليك واديك جربت بنفسك


توقفت امام الباب الخاص بالجناح مما جعله يتوقف هو الآخر وقال بمنتهى الهدوء والإعجاب الشديدان:

- كل اللي انتي بتقوليه ده يخليني عايز اعرفها اكتر، اقناعك ليا منفعش، بردو هستنى منك تحاولي محاولة اخيرة، ادينا فُرصة تانية نكون بعيد عن يارا واصحابها واخواتها، يمكن كانت مترددة علشان كده، ها، تحبيه عشا؟ غدا؟ فطار؟ ولا هنتفق ازاي؟


اغمضت عينيها بيأس تام وهو يرى ملامح الإمتعاض على وجهها فواصل إلحاحه:

- علشان خاطر ابن خالتك الوحيد، يمكن انتي ويارا تخلصوا مني وتظبط المرادي!


ابتسم لها لتفتح عينيها وهي ترمقه بتردد ليتوسلها موسعًا ابتسامته:

- ارجوكي يا روري! اخر محاولة..


انتظر أن يستمع لموافقتها لتزم شفتيها وهو واقفًا أمامها يبتسم بتريث منتظرًا وصوله لما يُريد لتهمس بإستسلام مزجته بتحذير واضح:

- أوك، هشوف هاقدر اعمل ايه، بس يونس دي اخر مرة واياك، اياك تعمل اي حاجة مجنونة، دي اخت جوزي ولو حصل أي مشاكل أنا هبقى السبب في النهاية!


تهللت ملامحه وهو يستمتع في النهاية بحصوله على ما اراده منذ بداية الليلة:

- متقلقيش، دي هتيجي تقولك يونس ده احلى حاجة حصلتلها في حياتها!


قلبت عينيها وهي لا تصدق مدى إلحاحه في هذا الأمر ليضيف بغمزة وتوسعت ابتسامته الساحرة في حين فُتح باب الجناح:

- عيب عليكي هشرفك قدامها، اديني فرصتي بس


التفتت حين فُتح الباب ليظهر "عُدي" بملامح متجهمة لتجحظ عينيها بخوف عندما رآت تلك الدماء تسيل من أنفه أو بجانب فمه هي لا تدري من أين مصدرها وقتلتها تلك النظرة التي تلوح بفحميتي "عُمر" الذي كان خلفه مباشرة لتهتف بتوتر متسائلة:

- عدي أنت مالك فيه ايه؟ أنت كويس؟ وشك عليه دم!


نظر إليها وهو يحاول أن يُعدل من هندامه عندما رآى "يونس" واقفًا بالقرب منها وتلمس وجهه عندما استمع لتساؤلها ليجد الدماء على اصابعه فقال مبررًا بأفضل الأسباب التي وجدها منطقية:

- تلاقيه الضغط مش اكتر.. كويس إني شوفتك، أنا ماشي ومروح أنا وعنود لأن جالي مشوار فجأة.. تصبحي على خير


تعجب "يونس" مما رآه ليسأله بعد عدم اقتناعه بتلك الكلمات:

- أنت متأكد إنه ضغط بس؟


تقدم "عمر" في نفس الحين لترمقه بتساؤلات ممتزجة بالإحراج والغضب على حد سواء بينما هو يتظاهر بالهدوء والتلقائية في حين أنه بداخله يغلي كبركان محموم ليجذبها بخفة تصنعها ولكن في الحقيقة يدها تكاد تتهشم من تلك القبضة المعقودة عليها:

- اه، أنا عندي الضغط من زمان ولما بيعلى احيانا بنزف، بتحصلي كتير عادي يعني


أومأ "يونس" بالتفهم بالرغم من عدم اقتناعه وأخرج منديل من جيبه ليناوله اياه فشكره الآخر بإقتضاب وهو يجفف به وجهه ليتدخل صوت "عُمر" قائلًا وهو يوزع نظراته بين كلًا من أخيه وابن خالتها:

- اتبسطت لما شوفتك النهاردة واكيد هتتكرر تاني، تصبح على خير..


قبل أن تدرك ما يفعله وجدته يُغلق الباب في وجه كلاهما وهو يجذبها للداخل فصاحت به وهي لا تستطيع استيعاب كل ما يفعله:

- انت ازاي عملت كده وقفلت الباب في وشهم! وعُدي ايه اللي حصله؟ ممكن تفهمني في ايه بالظبط؟ وحاسب ايدي وجعتني!


دفعها لتجلس رغمًا عنها خلفها على الأريكة المتواجدة بمنطقة الاستقبال بهذا الجناح الفخم بينما اكتفى بالنظر إليها دون أن يقول شيئًا لتنهض هي وهي تسأله من جديد:

- أنا مش فاهمة أنت بتعمل ايه، وليه واخد الـ suite ده؟ وازاي تسيب ضيوفك فجأة كده وتقوم؟


الكثير من الأفكار تتسارع داخل رأسه دون توقف أو هوادة وكأنه سباق حتمي عليه أن يخوضه دون أن يهتدي إلي نهاية كل فكرة تبزغ كالشمس برأسه والتي في نفس الوقت سرعان ما يجدها مملة وغير مُشجعة على أن يفعلها ويمضي بها، لا يستطيع تحديد ما حيلتها معه، هل هو "عُدي" أم "يونس" الدافع خلف طلبها للطلاق منه؟ تلك الطريقة التي كان يُحدثها بها عندما رآهما خلف الباب حُفرت بذاكرته وكل ما يُريده هو ان يُمسك بعنقها إلي أن تشعر بنفس هذا الإختناق الذي يشعر هو به كلما تفعل شيئًا لا يرضيه..


يتسائل بالكثير من الأسئلة اللانهائية التي لا تنفك تطرق بعنف على كامل ثنايا عقله بينما لا يستطيع أن يجد اجابة واحدة، لا يُصدق أي كلمة من كلمات اخيه، ولا حتى يُصدق أن كل الدافع خلف الأمر هو مجرد معرفتها أنها تُشابه "يُمنى"، وأما عن كل ما يُريد فعله بشأن هذا فهو يقارب آلاف الحلول غير المُرضية بالنسبة لها!


لقد خطط بأن يُحضرها إلي هُنا حتى لو استخدم معها الإجبار ولكن من حسن حظها آتت من تلقاء نفسها وها هي تبدو فاتنة حد اللعنة بعنقها المُثير وبروز ترقوتها الذي يتوسل كل من يراه أن يذهب ويُلثمه بهذا المظهر المُهلك الفاتن الذي لا يستطيع رجل تجنبه، لماذا تبدو رائعة الجمال إلي هذا الحد الذي يجعله يود أن يأسرها بعيدًا عن أعين الجميع؟


- عمر أنا بكلمك، أنت ازاي واقف ساكت وسايب الناس تحت، وليه فجأة عُدي هيمشي؟ ممكن تفهمني فيه ايه؟


اكتفى بالصمت في الوقت الراهن بينما هي تحاول أن تقرأ ولو كلمة واحدة بعينيه التي تتخللها تاركة بداخلها خوف ممتزج بالقلق ولكنها لم تنجح في الحصول على سبب منطقي لكل ما يحدث فاكتفت هي الأخرى بالنهوض وهي تحمحم لتحاول الفرار من كل هذا فتحدثت بنبرة مُعتدلة هادئة كي لا تثير المزيد من الجدال الذي لن يُسفر سوى عن المزيد من التوتر، فلقد جربت التحدث له آلاف المرات من قبل والنهاية طالما تصرخ بخسارتها الفادحة معه في كل النقاشات:

- طيب ممكن نأجل كلامنا، مفيش مُشكلة، أنا هنزل علشان الناس اللي تحت و..


اشارة من سبابته بترت جُملتها التي لم تُكملها سوى بزفرة تدل على ارهاقها من المتابعة في أي شأن يتعلق بهما معًا فعقدت ذراعيها وهي تتأمله لتجده يتحدث بهاتفه قائلًا بإقتضاب:

- الناس اللي تحت قولهم إني اتشغلت ومشيت، وهاتلي بقى كل حاجة تخصها وطلعها الـ suite، واعمل اللي اتفقت عليه معاك!


رفعت حاجبيها بإندهاش وهو يُلقي بأوامره واحد يليه الآخر بعد ادراكها أنها شعرت بالقلق من جُملته الأخيرة الغامضة ولكنها حاولت التمسك بهدوئها قدر ما استطاعت إلي أن ينهي مكالمته حتى لا تتحول محاولتها للنجاة من هذا الزواج إلي مسرحية درامية يُشارك كل من حولها بها بدايةً بوالدتها واخيه ونهاية بالحراس الذين يتقاضوا الأموال لملازمتها ليلًا نهارًا..


تفقد هاتفه حيث أنه كان ينتظر منذ الصباح الوصول لكل ما يستطيع إيجاده عن هذا المحامي الذي تناسى من هو "عُمر الجندي" ومن هو والده ليترافع لها في قضيتها التافهة تجاهه ليتيقن أخيرًا من هذا الإحساس الذي كان يراوضه منذ أن علم أنها بدأت بإتخاذ إجراءات قانونية، عدو قديم من قائمة اعداءه ولكنه سيُذكره مرة أخرى بمن هو وما يستطيع فعله ولكن عليه أولًا أن يُذكر زوجته بالكثير مما يبدو أنها نسته تمامًا..


وكما ينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه، عليه الآن أن ينفذ معها نفس خطواته المُتبعة عند استلامه قضية جديدة، أولًا عليه أن يستمع جيدًا لحقيقة ما حدث منها، وعليه أن يقنعها أنه يُصدقها بكل حرفٍ يغادر شفتيها، الثقة هامة للغاية بين المحامي وموكلته الماثلة امام عينيه، حتى ولو كان عليه أن يتخيل في الوضع الراهن أنها موكلة، تُريد مُساعدته، وليس عدوته الغاضبة كما يلمح بعسليتيها، وبالطبع عليه أن يخرج من عقله صورة الزوجة التي تظن أنها مخدوعة ضحية لرجل كاذب!


- ممكن تفهمني انت بتعمل ايه بالظبط؟


آتاه تساؤلها ليبتسم لها بهدوء شديد وهو يدس هاتفه بجيب بنطاله ووقف أمامها بثقة بعد اتخاذه عدة خطوات مُقتربًا منها ثم خلع سُترته ليُلقيها خلفها على الاريكة واراح نفسه قليلًا من الاختناق الجُزئي الذي يحاوط عُنقه بتلك الربطة الرسمية السوداء وحدق بها باستمتاعٍ هائلٍ حتى ظنت أنها ترى على شفتاه ابتسامة مُتلاعبة جعلتها تبتلع ارتباكًا لوهلة وهي تحاول تفسير ملامحه الغريبة..


لن يسمح لأمر أن يحدث حتى يقاطع هذه المناقشة التي ستبدأ لتوها عليه أن يكون هادئًا بمنتهى الثقة التي لا نهاية لها حتى يعلم كل الحقائق التي تُخفيها عنه حتى لو كان عليه اللجوء للقليل من بعض علم النفس العكسي الذي يتبعه بحنكة أحيانًا في استجاوب بعض الشهود حتى يصل لما يُريد من هذه الشقية التي جعلت غايتها في الحياة أن تعصاه:

- واضح إن فيه حاجات كتيرة فاتتني وأنا مسافر، قولت نتكلم شوية، اقعدي!


جالتا مُقلتيها بتوتر شديد وهي لا تستطيع تفهم ما يحاول فعله، يريد التحدث ووالدتها واقاربها بالأسفل وكذلك أخيه وأخته، هل يظن أن هذا هو الوقت المُلائم للتحدث، أم يظن أن بمجرد رغبته في الحديث ستنصاع هي لكل ما يُريد؟


زفرة متفاجئة مصحوبة بالمزيد من توترها وهي تضم ذراعيها أكثر إليها لتقول بهدوء:

- مش شايف إن احسن الأول نروح وبعدين نبقى نتكلم، على الأقل منسبش الناس اللي موجودة تحت كده، هتكون حاجة مش كويسة في حقك إنك تسيب ضيوفك وتمشي فجأة!


توسعت ابتسامته وهو يقترب منها اكثر لتنكمش للخلف مبتلعة من نظراته الثاقبة لأعينها لتجد يداه تُحيط وجنتيها التي شحبتا بمجرد لمسته ليُردف بمنتهى الاريحية:

- أنا راجل دايمًا مشغول، اكيد هيقدروا..


التفت متجهًا نحو الهاتف المُلحق بالغرفة بينما هي تتابعه بنظراتٍ مستغربة فعلته ونظراته التي لا تستطيع ترجمتها بعد ليلتفت بغتة سائلًا اياها:

- تحبي اطلبلك عشا معايا؟ أو، ممم، appetizers (مُقبلات)؟


لوهلة حدقت به كالبلهاء، لا تُصدق سؤاله وتحركت شفتيها بعفوية:

- عشا و appetizers.. احنا لسه مخلصين عشا من ساعة تقريبًا! 


ضيق عينيه نحوها متفقدًا اياها بمزيد من النظرات الثاقبة وأردف مُعقبًا بثقة قاصدًا معنى خفي آخر:

- مشبعتش، حاسس إني مكلتش بقالي شهر!


نطق كل حرف بنظرة جائعة من فحميتيه لجسدها المكنون اسفل ذلك الثوب ذو الأنسجة الرقيقة التي ربما لن تصمد لجزء من الثانية أمام يديه التي ستتلاشى في ثوانٍ من تمزيقه لها ولكن ربما هذه النظرات لها ليست بوقتها المناسب الآن:

- خلاص، هطلب ليا أنا بس.


التفت ورفع سماعة الهاتف ليتحدث به لتجد نفسها تبتلع وجلًا من هذه النظرات لتقرر أن تذهب بعيدًا نحو الباب متخلصة من طريقته الغريبة التي لا تجد ولو ذرة من المنطق بها وامتدت يدها لتفتح الباب فاعترتها المفاجأة من الرجلين الواقفين أمامها ليخبرها احدهما بإحترامٍ ورسمية دون التحديق بعينيها:

- مدام، اتفضلي..


ناولها سجانها المُعين من قبل زوجها الذي باتت تعتاد عليه الآن حقيبة يدها وتلك الحقيبة التي وضعتها بالسيارة حيث الشعر المستعار الذي كادت أن ترتديه وكذلك الصندوق الخاص بالعدسات اللاصقة لتقول ببعض التعجب:

- شكرًا!


وضعت الحقيبتان جانبًا على منضدة جانبية وتذكرت ما تحدث به بهاتفه منذ قليل بينما عادت من جديد وهي تزفر ببعض الإنزعاج لتحاول الخروج بينما وجدت الحارسان يحولان بينها وبين الطريق لتنظر لهما ببعض العجرفة وهي ترفع حاجبيها بتساؤل عن فعلتهما وقبل أن تطالبهما بإفساح الطريق لها شعرت بيده تجذبها خلفها بينما قال لكلاهما:

- تصبحوا على خير..


جذبها للوراء وهو يُغلق باب الجناح لتتحدث سائلة بغضبٍ ولكن بنبرة منخفضة كي لا يستمعا لهما:

- أنت بتعمل ايه؟ نويت تحبسني؟


دفعها دون عنف للجدار خلفها وهو يُحدق بها مفترسًا تلك الملامح التي لا يستطيع الصمود امامها دون التفكير بالكثير من الأشياء والمناظر التي يجدها بها إما عار ية وإما اسفل قدماه ليبتسم بهدوء استفزها حتى شعرت بغليان دمائها برأسها:

- لأ، هتعشى وانتي معايا وهنتكلم شوية، وهنقضي يومين هنا


اغمضت عينيها وهي تحاول استلهام بعض الهدوء وهي تزفر هواء رئتيها ثم نظرت إليه بنفاذ صبر وعسليتان لمح بهما نيران الغضب الذي لم يُحرك به ساكنًا:

- مظنش بقى فيه حاجة نتكلم فيها، بعد اذنك حاسب وسيبني انزل!


ابتسامة منه بصحبة نظرات متفحصة بدلت غضبها لخوف في لمح البصر بينما استمعت لتعقيبه المبالغ بهدوءه وثقته:

- لا يا بنوتي، اظن فيه، فيه حاجات كتيرة اوي..


ظهرت اسنانه وابتسامته تتحول لضحكة خافتة بينما عينيه لا تترك مثقال ذرة بقوامها دون افتراس وهو يهمس مهمهمًا بتلذذ:

- ممم، الخلع، يونس، عُدي، ممم وممكن نتكلم في حاجة كمان


تلاشت ابتسامته وظلمتا فحميتاه بنظراتٍ جعلت خفقات قلبها تتصارع وهو يُضيف بنبرة جعلتها تتمسك بالجدار خلفها:

- هسمعك وانتي بتحكيلي ليه نبيل مسعود بالذات هو المحامي اللي روحتيله، ومين ساعدك توصليله!!


يُتبع..