الفصل الثالث عشر - كما يحلو لكِ - النسخة العامية
الفصل الثالث عشر
النسخة العامية
اوقفها انعكاس صورة الهرجلة الشديدة بالغرفة، ليس هناك موطأ لقدم خاليًا من ملابسه المُلقاة أرضًا، ستراته الرسمية، ربطات عنقه، حتى ملابسه الداخلية، كل شيء منثور وكأنما حدث كارثة كونية هنا اخرجت كل شيء من مكانه، أين الرجل الذي كان يُنظم متعلقاته بشكل هيستيري؟ لم تكن يومًا امرأة مُنظمة بشدة مثله ولكن هذا لا يُحتمل!!
ما لعنة ما يحدث له؟ هل يظن أنها بتصرفاته هذه ستقتنع بالتراجع عن الإنفصال؟ أم هذا رد منه على أنه يتغير هو الآخر وسيجعل حياتها جحيم؟ ما الذي يُريده ويقصده من كل هذا؟!
فاقت من صدمتها على ازدياد ألم رأسها بشدة وكأن ما رآته جعل الوجع يشتد عليها فسرعان ما فرت لتبحث عن بعض المياه حيث صالة الاستقبال لتجد صحون كثيرة فارغة وآخر مُغطى لتزدرد بدهشة، هل تناول كل هذا الطعام بمفرده؟!
ابتلعت المياه بصحبة قرصين من هذا المُسكن لعله يُساعد ولو قليلًا ولوهلة اغمضت عينيها وهي تضع الكوب جانبًا ودعمت جسدها المُرهق بالاستناد على الحائط وهي تسأل نفسها، ما هذا الذي تعيش به؟ ما جُرمها؟ هي هي امرأة ضعيفة لهذه الدرجة بعد كل ما تملكه؟ هل فعلت ذنب ما والقدر يُعاقبها عليه؟
لن يستمر هذا الوضع طويلًا، لن تستطيع التحمل أو ستفقد عقلها لا محالة، ربما عليها انهاء الأمر حقًا هذه المرة ولترى إلي أين اوصلتها هذه المشاعر التافهة، هل ستُضيع نفسها من أجل عشقها لرجل؟ متى كان هذا تفكيرها؟
نعم كانت تريد أن تعشق زوجها، ونعم كانت تريد أن تكون سعيدة معه، ولكن العشق وحده لا يكفي مع رجل مثله، يحنث الوعود ويُخفي الكثير، بالكاد منعت نفسها عن الخوض في الكثير من خفاياه كي لا تُصدم اكثر به، ولكن معرفة المزيد عنه في هذه المرحلة لن يُفيد، ربما عليها التركيز على الفرار والخروج من هذه الحياة اللعينة معه بأي سبيل أيًا كان!
فتحت عينيها بغضب وألم رأسها لا يزال غير محتملًا وتوجهت لتتناول بعض الطعام ليس لشهية منها به، ولكن هي تعلم أن الأمر يُساعد بعد ما تناولته ليلة أمس وهي تحاول عقد شعرها للخلف ولكن وجدت ملمسه غريب، لماذا به هذه التمويجات وجافًا على غير العادة، هي تتذكر أنه لم يمس المياة ليلة امس!!
جلست وبمجرد جلوسها شعرت بالألم غير الهين، عدة لحظات استمر الوجع، ما الذي يحدث؟! بالطبع هذا الحقير لم يسمح لنفسه أن يتوقف عن استغلالها!! ولكن ما يواسيها هي أنها لا تتذكر شيء بعد وستحاول بشتى الطرق ألا تفعل، لا تريد الانسياق حول ما حدث ليلة أمس، فهي بالفعل لديها الكثير من الذكريات..
امسكت بشطيرة صنعتها ثم نهضت وهي عارية غير مكترثة بحالها وتناولت ما بيديها بأسرع طريقة ممكنة وهي تتوجه إلي الحمام وفي طريقها لاحظت ملابسها المُعلقة بالجانب الآخر من الدولاب لتشعر باحتراق عقلها من تصرفاته الاستفزازية، لقد اعد لكل هذا، أن يقوم بسجنها هُنا، ولكنها لن تنتظر الكثير، ستصرخ وستغضب وستُعلن حتى الحرب عليه لو استلزم الأمر وليفعل ما يفعله، هي تريد الخلاص، وستحصل عليه وتبًا له وللزواج ولمحاولاته هذا الكاذب الخبيث المُخادع!!
واجهت بعض الصعوبة عندما لمست المياه الباردة جسدها ولكن سرعان ما بدأت في التحمل واعتياد درجة برودتها لتغلق عينيها لوهلة وتركت المياه تنساب على رأسها دون تحرك منها لعل هذه البرودة تساعد ورغمًا عنها بفعل جزء بغيض بعيد من عقلها وجدت نفسها تحاول التذكر..
لقد كانت عازمة على الذهاب وتركه، هي تتذكر هذه اللحظة بكل ما فيها:
- انا مش هقعد معاك تاني لحظة واحدة.. انت هتسيبني اخرج حالًا، واياك تمنعني وإلا الاوتيل كله بكل اللي فيه هيعرف إنك انسان بشع!
لقد قالت هذه الكلمات بكل ما فيها، ثم نهضت لتغادر، هل منعها؟ بالطبع قد فعل، هذا اللعين المتغطرس الذي من الطبع استغل ثمالتها بمنتهى الخبث ولابد أنه مارس الجنس معها، تقسم أنها لو تراه الآن ستقتله!!
رفعت يدها لتدلك رأسها وتبعتها بفتح عينيها بعفوية لتلاحظ علامات على ذراعها ككدمة، ذلك اللون الازرق المختلط بدرجات شتى من الارجواني فهرعت إلي المرآة لتجد الكثير من العلامات المماثلة على نهديها وعُنقها وهناك القليل بالقرب من مناطقها الحميمة!!
- يا حيوان يا زبالة!!
تبعت كلماتها بصرخة محتقنة مُشبعة بالغضب وعادت لتُكمل استحمامها بسرعة شديدة راكلة زجاجة من الزجاجات بعيدًا ليتضرر اصبع قدمها لتشعر وكأنها تغلي من كل ما بداخلها وخرجت سريعًا لترتدي رداء الاستحمام ومنشفة صغيرة احتوت بها شعرها ثم توجهت سريعًا للهاتف واتصلت بصالة الاستقبال لتجيبها موظفة الفندق بالانجليزية فاخبرتها برسمية شديدة:
- اريد خدمة الغُرف سريعًا وضروريًا ارجوكِ، خمس زجاجات مياه، ولو كنتم توفرون ماكينات صنع القهوة اريد واحدة وعُلبة كاملة من اقراص القهوة، فضية اللون رجاءًا..
اجابتها الفتاة بود ورسمية مماثلة:
- نعم نوفر ماكينات صغيرة الحجم، سأرسلها إليكِ سيدتي، هل هناك شيء آخر استطيع فعله؟
همهمت لوهلة وهي تتفقد رداءها ثم عقبت قائلة:
- نعم، هل يُمكنكِ ارسال مجموعة كاملة لمناشف الاستحمام؟
ردت الفتاة برسمية قائلة:
- بالطبع سيدتي، سأرسل كل شيء إليكِ في الحال
اخبرتها قبل أن تُنهي المكالمة:
- شكرًا لكِ
انهت المكالمة واتجهت نحو خزانة الملابس لترتدي شيئًا قبل صعود خدمة الغرف والقت برداء الاستحمام ارضًا بغلٍ وهي تقرر بداخلها أن بمجرد رؤيته هذه المهزلة لابد أن تنتهي في الحال!!
اتجهت بعدها لتجلس منتظرة كل ما طلبته وهي تشابك اصابعها كمن يحاول منع نفسه عن ارتكاب جريمة وشدت بتلك المنضدة الموضوعة بصالة الاستقبال لتنتعش بعض الذكريات برأسها:
- مظنش عمري هاشرب في حياتي حاجة احلى منك!!
انتعش المزيد برأسها حيث كان يسكب ما تبقى في هذه القنينة، وهو يتذوق قيد كل أنملة بجسدها تلمست هذا السائل، لقد كانت متجاوبة معه، كيف سمحت لنفسها أن تبدو هكذا؟ اللعنة لقد توسلته أن يفعلها!! لم تتوسله فحسب، بل اخذت تُقبل يده وشارفت على البكاء وردة فعله بأكملها كانت الضحك والسخرية منها!! يا له من وغد لعين!
صراخها بالمزيد من التوسلات وهو لا يكف عن اثارتها بشتى الطرق، هل هذه المياه التي وقفت تحتها هي السبب في تذكرها ما حدث؟ لا لابد من أن شعرها الجاف وتلك التموجات به كانت بسبب أنهما اغتسلا اثناء الليلة الماضية، هي تتذكر هذه الاحداث لأنها قاربت على الاستيقاظ من ثمالتها .. الآن الأمر يبدو منطقيًا، هي تتذكر أنه بنفس طريقته الحقيرة يُغرقها بالشبق الشديد ثم بعدها يبتعد عنها لتتوسله للمزيد! لعين حقير وستقتله لو رآته!!
انتشلها صوت جلبة قابعة خلف باب الجناح فانتبهت من تذكرها للكثير من التفاصيل التي انتهت تمامًا عندما ارغمها على تناول المزيد من الخمر ثم استمعت لطرقات على الباب وخلفها صوت احدى الرجال يخبر بأن خدمة الغرف قد وصلت فنهضت سريعًا وفتحت الباب لتجد شبه شجار يقع بين موظفي الفندق وبين هذان الحارسان الذي قال احدهما:
- قُلتلك ممنوع!
اجابه رجل من الرجلين اللذان قامت بطلبهما حتى يرمما انقاض هذه الغرفة:
- وحضرتك المدام طلبتنا بنفسها وده هيؤذينا في شغلنا..
شابهت جُملتها المُقتضبة الصراخ التام كمن يستيغيث:
- كفاية كلام!
التفت اربعتهم على صوتها بينما نظرت لهذا الحارس بغضب شديد وكانت نظراتها إليه كفيلة بجعله يشعر بالقلق بداخله بالرغم من ثباته الظاهري وسرعان ما حاولت التحكم في نفسها واخبرته:
- اتفضل معايا جوا شوف منظر الـ suite عامل ازاي، أنا مبقولكش اني هخرج غصب عنك، بس ده مش معناه اني اقعد في مكان بالمنظر ده!
تفقدها الرجل لبرهة وهي تشير له بيدها أن يتفقد المنظر بالداخل ليبتلع ببعض الاحراج ثم قال بنبرة رسمية معتذرًا:
- آسف يا مدام بس Mr عمر قال ممنوع إن حـ..
- أنا اللي هنا وأنا اقول مين يدخل ومين ميدخلش، لما يبقى Mr عمر بتاعك يجي ابقى اسمع كلامه، ولا تحب اقنعه انكم انتو اللي طلعتولي الـ room service وسيبتوهم يدخلوا الـ suite.. وساعتها هتبقى المُشكلة من عندكم وبتكسروا كلامه!
قاطعته بنظرات متحدية وتنحت للجانب كي تسمح للرجلان بالدخول وتفقدت هذا الرجل لبُرهة ليزم شفتيه والوجوم يُسيطر على ملامحه لتضيف هامسة:
- كنت متأكدة انك مش هتكسر كلامي!
انتصار ولو لحظي يكاد لا يُذكر على رجل ليس له ذنب في تنفيذ فرمان السلطان اللعين المتغطرس الوقح الحقير ولكنه يُعد كنوع من انواع المُسكنات بدلًا من أن تقوم بارتكاب جريمة ما!
اخذت تُملي بتعليماتها على الرجلين كي يسرعا وهي تصنع القهوة ووقفت تنتظر حتى تنتهي ماكينة صنع القهوة من تفريغ كل الكمية بالفنجان المخصص لتقع من جديد عينيها على هذه المنضدة فانهمر المزيد من تفاصيل معركة ليلة أمس على رأسها:
- تعالي معايا..
نطق بها وهو يعتدل بوقفته، نظراته تفترس كل ما وقعت عينيه عليه منها، تتسائل الآن وهي تتذكر كيف تحملت هذا؟! كيف استجابت لرغبته الضارية الصارخة بعينيه؟ والإجابة لطالما كانت راسخة بداخل عقلها، انجذابهما اللعين ومقدرته على تحويل كل مشاعرها لمشاعر رغبة وشبق متخلية في طريقها عن كل ذرة للتعقل والمنطقية!
توجها حيث كابينة الاستحمام، وقتها كانت حقًا بدأت في الاستفاقة من هذه الثمالة البشعة، ولكن لمساته وكل لثمة منه لم تهون الأمر عليها، كانت وقتها الغُلبة الأكبر لجسد امرأة، معتادة على العلاقة الحميمة بشكل منتظم، ثملة، غاب عن زوجها لوقت ليس بالقليل والآن وقعت بالكامل تحت براثن خبثه وتمكنه من اشعال نيران فطرتها الانسانية، يا له من حقير!!
- متستعجليش، لما ننضف الأول الويسكي ده كله يا قُطة.. اهدي واتحكمي في نفسك شوية!
اصابعه لم تترك قيد أنملة منها دون المساس بها، وكالغبية انساقت له، تأخذ طريقته منحنى تصاعدي بالعنف، وكالبلهاء لا تُسلط تركيزها سوى على ارادة المزيد حتى الخلاص، تتشبث به وتضمه إليها ومن جديد ها هي صفعة من صفعاته التي ظنت أنها انتهت منها للأبد بمجرد تلمسها لظهره في لحظة عفوية بين زوجة وزوجها:
- فكراني هافضل معاكي زي زمان، ده بُعدك..
ذبذبات زفرته الضاحكة بصحبة المياه تنعكس على اذنها بعد صفعته القوية وارغام جسدها على الاستدارة امامه مُسيطرًا على حركتها، تذرف الدموع من هذه المفاجئة المباغتة بين توعكها اثرًا للخمر وبين رغبتها التي غرقت بها، رفض قاطع منها لكل ما يحدث، وكأنه سيستجيب لما تنطق به!
- لا يا عمر، أنا مش هاسمحلك تعمل كده فيا تاني، ابعد عني!
قالتها بنحيب، ولكن يده المتسلطة تمنعها من التحرك وهو يقبض على مؤخرة رأسها حيث اجبر جانب وجهها على الالتصاق بالجدار، شعور مُزري بقلة الحيلة من قبضته المؤلمة، ويده الأخرى لا ترأف ولو لحظة حتى يتثنى لها التفكير بوضوح ونسيان ما يستطيع فعله، لا يزال وغدًا خبيث بكل ما يتعلق بالعلاقة الحميمة معه، حتى رغبتها الفطرية يستطيع اجبارها على الانغماس بها وهي تشعر بهذه الاهانة؟! اللعنة عليه!!
- تسمحيلي.. انتي نسيتي نفسك ولا أنا اللي دلعتك زيادة عن اللزوم!
وقتها اجبر شفتاه على توجيه التهديد المختلط بمحاولات اثارتها الدؤوبة وتحدث وهو يُصمم على أن تتذوق الامران دُفعة واحدة:
- غلطتي أنا هصلحها، وهاخد بالي اوي المرادي إنك تعمليلي آلف حساب قبل ما ترفضيني يا بنوتي، القضية، دلعك، فكرك إنك تعملي أي حاجة انتي عايزاها من غير ما ترجعيلي، كل ده هيتصلح، كله هيرجع زي ما أنا ما كنت عايز من الأول، أنا غلطت معاكي، بس الغلط يتصلح وهتتعلمي تحترمي جوزك كويس اوي، بمزاجك أو غصب عنك كله هيمشي زي ما أنا اقول وهخليكي تفكري آلف مرة قبل ما عقلك يسولك إنك تنطقي بحرف مش عاجبني!!
في البداية كانت تستمع لكلماته وتستطيع تفسيرها وكلما استمعت لكلمة منه تشعر بالاختناق وشدة الإهانة، وبعدها كلما ازاد من كلماته كان يقولها بنبرة غير واضحة، وكأنه يتكلم بسرعة شديدة لا تعرف ما الدافع ورائها، كطالب يُنهي آخر ما تبقى من اجابته بورقة اختباره قبل انتهاء الوقت.. لأول مرة تستمع له يتحدث بهذه الطريقة!
لم تكترث وحاولت الدفاع عن نفسها، حاولت التملص ودفع جسدها مرارًا، ولكنه كان ادهى بما يتعلق بهذه الأمور، كل لحظة حميمة معه تخسر أمام نفسها وتنهزم بين يديه وكأنها فتاة تجتمع لأول مرة في حياتها برجل، أم كان تأثير الخمر؟! لا تستطيع حقًا الاجابة عن هذا التساؤل بداخلها!
غضبها يتصاعد، وأنفاسها تلهث متثاقلة بالكراهية كلما تذكرت المزيد، الآن تُدرك أن تأثير الخمر قد كاد أن ينتهي ويذهب، ربما بفعل المياه الباردة التي تساقطت على اجسادهما المتقدة بالرغبة، ولكنه حتى لم يسمح لها بالاستيقاظ..
التفتت له بصعوبة بالغة، واجهته بخليط من الغضب والاختناق، تشعر بأن أسرها معه يشتد كربًا، وها هو يبرهن لها بيده التي تحاول هي انتشالها بكل ما اوتيت من قوة وتُنحيها بعيدًا بكلتا يديها أنه لن يتراجع عن فعلته:
- قطتي، متحاوليش، مش هتقدري تمنعيني..
قوله كان مُظلم كما كان ظلام مُقلتيه وهو يتفقدها بإشتهاءٍ وحشي استتر خلف خصلاته الداكنة الساقطة على جبينه بفعل المياه، وقبلة نهمة منه، اطالها إلي أن التهم أنفاسها بالكامل، كانت من جديد سبيل ثُعباني سيطر على كفاحها اللحظي في التخلص منه، ومرة أخرى غرقت بالظلام وجفنيها يتساقطا رغمًا عنها، وللمرة التي فقدت تتابع عددها جعلها تهوى بالرغبة الجامحة!
قبلات، تحركات يده الخبيرة التي باتت تعلم إلي أين تتجه وهي تحفظ كيف تنتشي بسهولة، وتأثيره المُهلك عليها جعلها ضائعة تمامًا أمامه وانهزمت في الدفاع عن نفسها حيث سقطت كل ما امتلكت من اسلحة للإنتصار بهذه الحرب الشرسة!
لم يلبثا الكثير إلي أن اتبع معها اكثر ما تبغضه، اشعال فتيل قنبلة توشك على تفجير كل رغبتها وقبل ملليمتر واحدًا يُفصل هذا الفتيل الواصل لتمنع هذا الخلاص الوشيك الذي لا تتمنى اكثر منه في هذه اللحظة، وابتسامة تشفي وهناء تلتوي بها شفتاه لتجعلها ترد الصراخ باكية بعد قتله وفصل رأسه عن جسده!
- اللي يشوفك دلوقتي ميشوفش الست الجامدة اللي مش طايقة جوزها وعايزة تطلق!
حدجته بنيران غاضبة تغلي بعسليتيها وهو يبتعد عنها للخلف قليلًا وحدثته بلهاث:
- أنا غلطانة واستاهل فعلًا كل اللي يجرالي اني ادي لواحد زيك الامان في اي حاجة، حتى لو في احساس فطري أي ست ممكن تحس بيه.. ابعد عني واياك تيجي ورايا ولا تحاول تقرب مني تاني!!
تحاملت على هذا الصداع الشديد وحاولت أن تدفعه وبهذه اللحظة قد بدأت في الاستيقاظ من ثمالتها لتستمع له يضحك هازئًا والسعادة تتجلى على تقاسيم وجهه ولكنه استطاع منعها وهو يلوك تهكمه مُرسلًا إليها بكلماته شعور كراهية لا يُضاهى:
- ايه ده ايه ده، قطتي فاقت بسرعة ولا ايه..
ازداد لهاثها الغاضب وهي تدفعه بهرجلة بالرغم من ذك الألم اللعين برأسها:
- ابعد عني!
ابتسامة كشفت عن اسنانه التي لم ترهل سوى أنياب ذئب ضاري مذقه الجوع الذي يؤهله للفتك بدماء قبيلة بأكملها ليقترب منها مخبرًا اياها بأسنان مُلتحمة:
- نجوم السما اقربلِك!
جذبها عاقدًا خصلاتها حول قبضته، حاولت أن تكافح الألم، من جديد يستخدم العنف مُستغلًا اخر ما تبقى من تأثير ثمالتها، إلي أين يُريد أن يصل بها؟ هل يُريدها أن تفقد عقلها من شدة عذابه واهانته لها؟ هل يظن أن افعاله هذه ستجعلها تعود عما قررته؟ هذا الغبي يدفعها لكراهيته، ليس كراهيته وحسب بل هو يُريد أن يجعلها تثمل مجددًا، بعد أن قيد يديها مرغمًا اياها على الاتكاء أرضًا كالحيوانات، مستغلًا كل ما يعرفه عن كيفية اثارة النساء ومذاق الخمر يحرق فمها وكادت أن تلفظ أنفاسها كلما تجرعت جرعة تسللت قطراتها إلي مجرى تنفسها!!
هذه الهيئة هو آخر ما تذكرته قبل جولة ثمالة جديدة لا تعلم إلي أي حد توصل بطرق اذلالها واغتصابها الصريح وارغامها على تحمله والتجاوب معه، لم يستغلها فحسب بطرقه الخبيثة التي تعهدها عنه، بل كان اكثر الرجال دناءة قد يُخيل إليها أن هناك مثله قد خُلق بالحياة، رؤيتها وهي تعاني بين ابتلاع الخمر ومحاولة موازنة جسدها كي لا تسقط جعلها تحترق غضبًا وهي ترى كيف اوشك على خسف حقيقة انها مجرد انسانة، ليست زوجة ولا حبيبة بل طريقته وكلماته تدفعها لإدراك أنه يُجردها من أقل حقوقها بالحياة، وهي أن تكون إنسان!!
تقسم أنها مُستعدة لقتله في هذه اللحظة، هو وكل من يقتنع بمدى وفاءه وعشقه لها حتى ولو كانت والدتها ذات النية الحسنة، عشق ماذا الذي يُجرد رجل من عقله ويجعله يُعاملها بهذه الطريقة الحقيرة؟! لو فقط ترى ما الذي وصل إليه حال ابنتها ستبكي بدلًا من الدموع دماء من شدة حُزنها عليها!!
تبًا له، وتبًا لهذا اليوم الذي ذهبت له بقدميها، وتبًا لهذا الفنجان بما يحتويه من قهوة تمنتها من دقائق مضت، ليذوق اذن مصير مماثل لما سيذوقه هذا الوغد عندما تراه، ربما دفعة من يديها لتُسقطه أرضًا حتى يتهشم بغضب سيكون أقل وأهون مما ستفعله به!!
❈-❈-❈
عصرًا نفس اليوم..
جلس يتحمل هذا الملل الشديد الذي يواجهه بإجتماعه مع ادارة المالية الخاصة بشركتها، الكثير من التفاصيل التي لا يريد حتى محاولة تذكُرها، ولكنه علم أن المُشكلة الرئيسية تكمن في ازمة صغيرة بتدفق الدفعات من العملاء وكانعكاس لهذه الازمة هناك تأخير في الدفع إلي موردين الشركة!!
ولكنه سيُصلح كل هذا حتمًا بعد ورقة بسيطة، توقيع تحت تأثير ثمالتها، والآن هو الموكل بإدارة كل ما يخصها، لتجلس الآن زوجته الحبيبة هانئة البال وهي تبرأ من اثر ثمالتها الشديدة ليلة أمس، وألم جسدها بعد هذه الليلة الجامحة التي لا يريد سوى تكرار كل ما حدث بها ولكن هذه المرة وهي مستيقظة بالكامل، لعلها تُصبح زوجة مُطيعة في النهاية وتهتم بشئون زوجها وهو يعمل على تهشيم تلك الفكرة برأسها التي تنص على كونها المرأة الناجحة المُستقلة القادرة على تحريك الكون بإشارة من اصبعها، لتُريه كيف ستتعامل مع محامي جيد مثله!
- باسم!
التفت ونادى مُساعده الشخصي الذي جلس بركن بعيد بغرفة الاجتماعات وهو ينهض بنفس الوقت:
- مظنش قدامي وقت اكتر من كده، هنكمل قريب، لو حد عنده أي مواضيع تانية بلغوا بيها باسم وهرد عليكم في اقرب فرصة!
افسح له المجال كي يتولى ما تبقى من هذا الاجتماع ثم مد يده إليه ليُعطه عدة أوراق لا أحد يعلم من بها سواهما ونظر نحو "عُلا" التي اكثت ملامحها بالاستغراب والوجوم منذ رؤيته غير المتوقعة صباح اليوم ثم حدثها بتسلط شديد أمام الجميع:
- علا، تعالي عايزك..
توجه بخطوات سريعة نحو مكتبها الذي دخله بخطواتٍ واثقة ثم جلس بكرسي مكتبها ووضع الأوراق التي تناولها من "باسم" أمامه وبفحميتيه المتفحصتين تتبعها وهو يشير إليها بالجلوس إلي أن فعلت فسرعان ما بدأ بإملاء اوامره:
- دلوقتي مشكلة الفلوس دي كلها هتتحل، اولًا العملا يتعملهم خصم عشرة في المية في حالة سداد عاجل الاسبوع ده، ولو الاسبوع الجاي سبعة في المية.. ولو ملتزموش بالفترة المتاحة ليهم زي في العقود اللي مضوها معانا فيه غرامة تأخير عشرة في المية زي ما مكتوب في العقد!
تعجبت "علا" من تلك التفاصيل الكثيرة التي تحاول أن توكبها حيث أنه ليس اختصاصها وقالت بعفوية:
- بس مدام روان مش بتتعامل مع العملا بـ..
- اولًا مخلصتش كلامي ومتقاطعنيش تاني!
قاطعها متحدثًا بنظرة زاجرة إليها فابتلعت بغضاضة وهي تشعر بالاحراج الشديد مما وجهه إليها من كلمات، ونظرت بجهازها اللوحي متحاشية النظر إليه وهي الآن تشعر بقمة الندم لتزمرها يومًا ما ولو بداخلها على ارهاق العمل، فلقد كانت محظوظة للغاية بتعاملها مع "روان" ووالدها الراحل، أمّا هذا الرجل الذي يجلس امامها برسميته وافتقاره لأي نوع من أنواع ردة الفعل أو حتى المشاعر فهو لا يُطاق!!
- ثانيًا مدام روان الفترة الجاية مش هتبقى فاضية خالص وده اللي كنت عايز اكلمك فيه النهاردة!
نبهها صوته لترفع عينيها بنظرة مُتعجبة وبالرغم من أنها ودت قول الكثير ولكنها فضلت الصمت إلي أن ينتهي من حديثه:
- انتي طول الست شهور الجاية هتكوني مسئولة عن الادارة كلها تقريبًا، وبالنسبة لأي عميل هيدفع بالخصم فده شيك اعتقد هيغطي كل الخصومات اللي هتطبقوها للعميل اللي هيدفع بسرعة..
فتح ملف الأوراق ثم ناولها الورقة التي تفيد بذلك لتجد المبلغ المكتوب به يفوق هذه الخصومات بشكل كبير نوعًا ما وكادت أن تسأله لو انتهى من كلماته فوجدته يُتابع:
- وده هتقومي حالًا تروحي البنك تصرفيه لأنه مكتوب بإسمك وبعدها شوفي بقى حساب الشركة مع مدير الحسابات والشيكات تتسجل النهاردة للموردين كلهم، معاكم لغاية اخر الاسبوع علشان تخلصوا الموضوع ده.. وبالذات موضوع شحنة الـ laptops، تاخدوا منهم الشيكات القديمة والجديدة تتكتب بتاريخ بكرة وتخلصي الموضوع ده!
ناولها الورقة الثانية لتندهش من المبلغ الذي زاد بكثير عن السابق فلاحظ اندهاشها الجلي ليُنهي حيرتها سريعًا:
- الباقي هيتساب تحت حساب الموردين في اي وقت تحتاجوا فيه لأي مصاريف!!
تفقدته مُتعجبة من كثرة هذه القرارات الغريبة التي لم تتخذها "روان" يومًا ما وكل ما تستطيع فعله هو التزام الصمت وهي تحكم عليه بداخل رأسها، إما هو قليل الخبرة بكل ما يفعله وإمّا هناك هدف خفي خلف كل هذا:
- بالنسبة بقى ليكي، اعتبري نفسك شغالة شغل زيادة شوية، اجتماعات، مقابلات، قرارات.. وانتي اللي هتكوني مسئولة قدامي عن الكل اللي هيحصل طول الفترة الجاية!
نظرت له بصدمة شديدة وكاد أن يتفلت لسانها بالرفض القاطع لكلماته ولكنه لم يُعطها الفرصة وواصل بلهجته الشنيعة التي لم تعد تتحملها:
- هتمضي على الأوراق دي بإنك المسئولة قدامي عن كل حاجة الفترة الجاية وبما فيها العهدة اللي في الشيكات!
تحول وجهها للشحوب بعد رؤية تلك الملايين التي اندهشت من عدد اصفارها ولا تستطيع تحمل فكرة أنها ستكون مسئولة عن مبلغ كهذا في عهدتها وستُسأل عليه فيما بعد ورآته يزيح بأطراف أنامله ذلك الملف نحوها وتابع:
- اعتبريها task (مهمة) زيادة في شغلك وهيجيلك برضو salary increase (زيادة في المرتب) عليها.. اكيد اولادك وبيتك وجوزك هيستفيدوا جدًا بحاجة زي دي، والزيادة هتبقى خمس اضعاف مُرتبك، وهتكون فُرصة كويسة ليكي قدام في الـ CV بتاعك إنك قدرتي تتولي منصب زي ده واداءك ساعتها هيحدد حاجات كتير!
نهض وهو يُعدل سُترته ويجمع اشياءه من فوق مكتبها الخاص بها ولم يُعطها فرصة للتحدث وأكمل كلماته وكأنها ليس لها رأي بأي مما يحدث:
- روان بتثق فيكي جدًا وعارف انك بقالك معاها هي ووالدها كتير.. مفيش حد ثقة في الشركة اكتر منك بالنسبالها.. معاكي طبعًا لغاية بُكرة امضي على اللي في الملف واقريه براحتك وابعتيه لباسم على عنوان شركتي، ولو مش هتمضي مفيش مُشكلة ابعتي برضو الملف لباسم..
رمقها بنظرة تحتوي على التهديد الصريح وهو يُضيف:
- بس معاها استقالتك!
اتجه للخارج تاركًا اياها فهو ليس لديه الوقت أو المزاج حتى في مواجهة صدمة مجرد عاملة لدى زوجته الحبيبة التي اضاعت الكثير من وقته اليوم وقبل أن يُغادر مكتبها استوقفه باب غريب بمكتبها فعاود ادراجه ثم اتجه نحو الباب ليفتحه فهو ليس باب المكتب ولا يؤدي إلي غرفة الاجتماعات ولا الحمام ولا حتى مكتب مساعدتها الشخصية!
وقف أمامه ثم فتحه ليجده يقود إلي مكتب آخر فدخله وتفقده مليًا فوجده شبه فارغ وحتى مكتبه لا يحمل اي تعريف بمن يشغله فاتجه نحو الباب الآخر به ليشعر بـ "علا" تتابعه وفتحه ليجد المسمى الموضوع فوق الباب مُسمى مبهم لا يحمل سوى تعريف "الغرفة أ" مما جعله يلتفت ويسألها:
- ده مكتب مين؟
ابتلعت لوهلة وهي تتذكر طلب "روان" أن تضم هذه الغرفة إلي مكتبها وأحيانًا كانت تغادر منها دون تتبع هؤلاء الحراس منذ وقت زواجها فارتبكت ولاحظ ارتباكها وهي تجيبه بحروف مبعثرة في البداية:
- ده، ده، مكتب، مكتب لـ.. مكتب مخلينه للأي مقابلة مع مدام روان، يعني لما بيبقى فيه مقابلات جديدة تخص الادارات العُليا مدام روان بتحب تعملها هنا بدل مكتبها!
احتبست أنفاسها بينما لم يُطمئنه ترددها واهتزاز اجابتها ليرتاب بالأمر قليلًا فخرج من ذلك المكتب وهو يتفقد كاميرات المُراقبة الموضوعة بهذا الرواق وتعجب أن هذا المكتب لا يوجد بجانبه أي مكاتب أخرى ولا أي غُرف تدل على وجود من يعبر هنا وشعر بها لا تزال تتبعه فالتفت بابتسامة وسألها:
- فين مكتب مدير الأمن؟
ضيقت ما بين حاجبيها وهي تتعجب من تساؤله المُريب فاجابته بمصداقية:
- الدور الأرضي، بس حضرتك لو فيه حاجة ممكن اساعد فيها هيـ..
- روحي كملي شُغلك!
قاطعها ثم تركها واقعة في حيرة امتزجت بالصدمة ولكنها هرولت لتلحق بخطواته السريعة وهي تناديه:
- بعد اذن حضرتك يا Mr عمر، أنا مدام روان مبلغتنيش بأي حاجة من التغيرات دي وأنا مش هاقدر اخد خطوة غير لما حتى اكلمها و..
توقف والتفت مقاطعًا اياها بنظرة غاضبة جعلتها تلزم الصمت من هذه الملامح التي لوهلة شعرت بالشفقة على كل من يتعاملوا معه وسألها:
- انتي بتشككي في قراراتي؟
ابتلعت وهي تهز رأسها بالنفي واجابت برسمية:
- اكيد طبعًا لأ، بس على الأقل لازم مدام ر..
هذه الفتاة ليست ثرثارة فقط بل هي مجادلة كذلك:
- لما هو لأ مظنش فيه حاجة نتكلم فيها، بلاش تدخلي معايا في نقاش واقبلي العرض أو ارفضيه حاجة ترجعلك، ده قرارك مش قرارها، واظن فيه ناس كتيرة اوي ممكن تقبل ادارة مجموعة كاملة بمنتهى السهولة!
اتجه بخطوات سريعة نحو المصعد وهو يقوم بإرسال رسالة صوتية للمسئول عن فريق حراستها:
- عايز اعرف بالظبط الحراس اللي معينهم لمدام روان وكانوا بيجوا معاها الشركة كانوا بيقفوا قدام أي باب بالظبط!!
في حالة هوسه الخفيف التي بالطبع لا يعرف عنها أي شيء ولا يُلاحظها لا هو نفسه ولا زوجته نفسها التي تظن أن هذه ردة فعله على طلبها للطلاق واللجوء إلي محامي يُعتبر عدو له، لا يستطيع سوى الارتياب والشك بكل ما يتعلق بمن حوله، وأول ما آتى في عقله عند رؤية هذه الغرفة هو فرارها من الأمن المُعين من قِبله لملاحقتها أينما كانت..
توجه بعد أن سأل عن مكتب مُدير الأمن ثم طرق الباب وفتحه دون أن يستمع اذن صاحب هذا المكتب فحدق به الرجل ببعض ملامح الاستغراب وقبل أن يسأله من هو عرف نفسه:
- عمر الجندي
نهض الرجل وقدم يده إليه ليصافحه بعد أن تفقد هيئته التي تدل على أنه رجل ذو نفوذ ما واقسم أنه قد استع لهذا الاسم جيدًا ولكنه لا يتذكر من هو صاحبه ثم سأله:
- اتفضل، اقدر اساعد حضرتك ازاي؟
رمقه لوهلة ونظر إلي يده التي لا زالت في انتظار مصافحته وفي النهاية قدم يده له على مضض واجابه:
- عايز اشوف سجل كل الكاميرات اللي في دور مدام روان!!
تعجب الرجل وعينيه تخبره بمنتهى السخرية هل أنت ساذج أم ما الذي يظن أنني سأسمح لك بالأمر وقبل أن يتفوه مدير الأمن بحرفٍ واصل هو بنفاذ صبر:
- علشان اقصر عليك الطريق، أنا جوز مدام روان.. وده توكيل منها ليا بإدراة المجموعة كلها وأنا اللي مسئول قدامك عن كل حاجة، يا ريت اشوف التسجيلات دي كلها من أول نوفمبر اللي فات!
اخرج تلك الورقة المطوية بجيب سُترته حتى يُقصر الطريق على نفسه فلو كان ما يُفكر به صحيحًا لن تجد ملجأ مما سيفعله بها لو اكتشف أنها كانت تخدعه طوال الفترة الماضية!
يُتبع . .