-->

الفصل الحادي عشر- أنين وابتهاج




الفصل الحادي عشر 



دموعها كالخـ.نجر الذي يمزق قلبه ويؤلـ.مه، 

لكن ماذا لو أنه هو بذاته سبب دموعها؟! 


❈-❈-❈


وضع يده داخل جيب سترته، وأردف بحدة وجدية، وهو يتحاشي النظر على آلاء بالتحديد، لم يريد ان يرى تأثير ما سيقوله عليها، يتمنى أن يكون لديه القدرة على التخفي والهروب من أمامها بعدما يقول حديثه 


:- كنت مع نهى انهاردة وحددت خطوبتي أنا وهي بعد أسبوعين.


القى جملته التي كانت كالصدمة وحلت فوق الجميع، بينما هي ظلت تطالعه بجمود، وعدم تصديق تنظر داخل عينيه بحزن، لكنه أسرع يخفض بصره ارضا يتهرب منها ومن نظراتها التي تجعله يتمنى أن ينهى كل ما يخطط إليه، يشعر بالضعف والألم في حياته باكملها كان لا يتمنى ان يرى دموعها، لكنها الان هو مَن يجعلها تبكي، قبض فوق يده بقوة حتى ابيضت مفاصله من فرط الغصب الذي يعصف به. 


سقط عليها الخبر كالصاعقة، وقفت لثوانٍ في حالة من الدهشة، وتمتمت تعيد ما استمعت اليه للتو بذهول وعدم تصديق 


:- خـ..خطوبتك أنتَ ونهى بعد أسبوعين..  


ظلت تردد جملته بعدم تصديق، تمنت لوهلة ان تستطع تكذب أذنيها،  لكن هيهات فليس كل تتمناه يتحقق، هناك أشياء نتمناها حتى تظل أمنيات في عقولنا، لم تستطع أن تفكر في شئ أخر، تشعر وكأن قد انتهت الحياة بالنسبة لها، هي دائمًا تعتبره حياتها بأكملها، تخبره كل ما يخصها جميع تفاصيل حياتها، تعتمد عليه في كل شئ، هو حصنها وأمانها ولكن كيف يتغير كل ذلك فجأة؟!


لماذا هو لديه إصرار كبير على أن يجعلها تندم بسبب حبها له؟! يصر ان يشوه صورته بداخلها، وينهى جميع الفرص التي تعطيها له، يثبت دائما عدم صحة حديث قلبها... قلبها الذي لازال يشفع إليه كل اخطاءه على الرغم من كل حدث، لكن الآن قلبها يصرخ بداخلها، يخبرها أنه لا يريد ذلك الحب الذي يؤلمه ويرهق جميع خلاياه. 


اصبح يصدمها بصدماته الدائمة التي لم تتوقعها في كوابيسها،  لم تتخيل طوال عمرها أنها سيحدث لها كل ذلك في حياتها ومنه هو، لو أحد جاء وأخبرهة أن كل ذلك سيحدث معها وسيفعله عمر، بالطبع كانت ستكذبه على الفور، لكنها الآن أصبحت تعيش كل ذلك في واقعها. 


اصبحت تشعر بآنين قوي ينبعث من قلبها المجـ.روح، وضعت يدها فوق رأسها بوهن، وضعف شديد لكنه لم يكن كالضعف الذي يشعر به قلبها بعد كل صدمة تتلقاها منه  لم تشعر بذاتها بعد ذلك وكأن الحياة قد انتهت وتوقفت عند تلك اللحظة، لم تشعر سوى بتلك الغيمة السوداء التي ظهرت أمام عينيها، كان ذلك هو آخر ما تراه أمامها. 


فقد وقعت أرضًا مغشية عليها، بعدما شعرت أن قدميها لم تعد تتحملها،  عقلها كات يحاول ويتمنى الهروب من تلك الحياة القاسية المؤلمة التي أصبح يعيشها قلبها المجروح.


شعر بالهلع يصيب قلبه الذي توقف عن النبض تماما ما أن رآها تهوى أرضا بتلك الطريقة المباغتة، شعر أن روحه تنسحب من جسده، وقد انهارت جميع قوته أمام رؤيته لها وهي بتلك الهيئة الهزيلة الملقاة أرضا، أسرع يقترب منها مسرعًا، وقام بحملها فوب زراعيه، ثم سار متوجه بها نحو غرفتها،  وهو يردف بنبرة حادة لـتامر،  نبرة تخفي بين طياتها القلق والتوتر والخوف الذي يشعر بهم 


:- تامر اطلب الدكتور بسرعة، وقوله يجي حالا. 


وضعها فوق الفراش بحنو كأنها شئ رقيق يخشي عليه من أن يصيبه أي خدش صغير، لكنه عن أي خدش يتحدث فهي قد انكسرت، وانكسر قلبها المتلئ بعدة جروح أثر افعاله التي لم تستطع أن تجد لها اي مببر حتى الآن،  لم تستطع ان تفسر سبب افعاله كل شئ آتى عليها مما جعلها تنكسر بالفعل، وتنطفئ روحها، قلبها قد تفتفت إلى عدة أشلاء من الصعب إعادته كما كان.


بينما عُمر جلس بجانبها فوق الفراش، ومسك يدها برفق وهو يخشي من أن يكون قد اصابها شئ، لو حدث لها شي سيدمرهم جميعا، ييدمر كل مَن جعله يخطط لشئ مثل ذلك. 


دلفت فريدة الغرفة، وظلت تتطلع نحو آلاء بأعين تملأها الشفقة،  ترى وجهها الشاحب و بشدة كشحوت الأموات، أسرعت تحضر العطر وأردفت قائلة لـعمر بقلق وتوتر 


:- اوعى يا عمر، هحاول معاها يمكن تفوق، عقبال ما الدكتور يجي. 


أسرع زجاجة العطر من يدها، وبدأ محاولاته لإيفاقها حتى استجابت بالفعل وأخيرا، ظل يتنهد عدة مرات، لم ينجح في إخفاء قلقه عليها تلك المرة، شعر ان الدماء عادت تسير في جسده مأ أن رأى عينيها نرة أخرى. 


شعرت بالذعر ما أن فتحت عينيها، فهي كانت تتمنى ألا تستيقظ مرة أخرى، تريد أن تلجأ للهروب من واقعها، جذبت يدها مسرعة الذي كان يمسكها، هو آخر شخص تتمنى رؤيته في ذلك الوقت بالتحديد، اردفت تتحدث بخفوت وصوت واهن بشدة


:- اوعي ايدك دي، وابعد عني. 


في تلك اللحظة تحدثت سناء التي كانت تقف تتابع كل شئ بصمت، تشعر بالقلق لاجل آلاء التي تعتبرها كأبنتها، لكنها لم تستطع أن تصمت أكثر من ذلك، لم تستطع أن ترى ابنة اخيها وهي تنهار اكثر من ذلك، اردفت توجه حديثها لـعمر بنبرة صارمة غير قابلة للنقاش 


:- عمر اطلع برة الاوضة، شوف كنت رايح فين،  وهتعمل إيه، روح كمل طريقك اتفضل يلا. 


أنهت حديثها وهي تشير له بسبابتها نحو باب الغرفة بصرامة؛ حتى تجعله يخرج من الغرفة لعل آلاء تهدأ قليلًا. 


طالعها بضيق شديد، ففكرة إبتعاده عنها في تلك اللحظة اسوأ فكرة على الاطلاق؛ لذلك غمغم يرد على والدته بجدية 


:- اصبري يا ماما، هخرج بس لما الدكتور يجي ويمشي، أكيد مش هخرج دلوقتي. 


كادت أن ترد عليه، لكن قطع حديثهما فتح الباب الذي ولج منه تامر بصحبة الطبيب، أسرع يتوجه مباشرة نحو آلاء وبدأ يفحصها. 


تحدثت سناء مرة أخرى في تلك الأثناء، وأردفت قائلة لـعمر بحزم، وجدية تامة 


:- يلا يا عمر خلاص، تامر معانا اتفضل أنتَ. 


لن يجد امامه سوى أن يخرج من الغرفة، يشعر انه سيترك روحه ليس الغرفة فقط، لم يكن هين عليه أن يتركها وهي في تلك الحالة، كانت نظراته لوالدته يملأها الضيق، يريد أن يجلس معها، ويظل بجانبها في الغرفة، فهو ضعيف بشدة عندما يتعلق الأمر بها، نعم يعترف بضعفه أمامها، وأمام حبها المسيطر على كل ذرة بداخله، عندما يتعلق الامر معها يشعر ان كل شئ يستطع أن يفعله قد انتهي، وقف على أعتاب الغرفة يطالعها باستسلام شديد، ثم خرج وهو يتنهد بغضب وضيق شديد، يريد أن يخرج الجميع من الغرفة، ويبقى هو فقط مَن يكون بجانبها.. 


❈-❈-❈



في نفس الوقت 

كانت نهي تتحدث مع نغم في الهاتف،  تود ان تعلم رد فعل آلاء بعد سماعها الخبر، وهل علمت أم لا؟ اردفت نغم تجيبها على سؤالها بسخرية وتهكم 


:- ايوة عرفت كانت قاعدة معانا لما عمر قال، طبعا سمو الاميرة اول ما سمعت لقينا وشها قلب الوان، وراحت واقعة على الارض مغمى عليها، تمثيل في تمثيل بقا أنتِ عارفاها ممثلة جامدة. 


:- طب وعُمر عمل إيه لما لقاها وقعت؟ 


طرحت سؤالها وهي تشعر بالضيق، والتسلية معًا بعدما علمت ما حدث لـ آلاء، وتأثير ذلك الخبر عليها، كانت تود لو أنها تكن هناك في ذلك الوقت وترى كل ما يحدث. 


كانت نغم تبتسم بفرح مما يحدث لـ آلاء في حياتها التي انقلبت رأسا على عقب، ثم ردت تجيب نهى على سؤالها بلا مبالاه 


:- هيعمل إيه يعني يا نهى عمل الطبيعي، جري عليها و شالها طلعها الاوضة وكله معاها مستني الدكتور يخلص كشف عليها، وأنا أصلا واثقة إن كل دة تمثـ... 


قطعت جملتها مسرعة فور أن رأت عمر يقف أمامها يطالعها بأعين مشتعلة بنيرانٍ غاضبة، مما جعلها تنتفض بخوف و كتصمت لا تعلم بماذا تتحدث؟! لكن قبل أن تبرر له الأمر، كان هو الأسرع وجذب الهاتف من بين يديها، ثم أردف يصيح في نهي بنبرة غاضبة مشتعلة


:- قسما بالله يا نهي لو ما لميتي نفسك وبطلتي الشغل دة لهتشوفي مني وش عمرك ما شوفتيه، ولا عمره هيعجبك. 


أنهى حديثه وأغلق الهاتف دون أن ينتظر أي رد منها، التفت نحو شقيقته التي كانت تطالعه بخوف بادي على ملامح وجهها،  وغمغم يُحدِّثها بصرامة وجدية اخافتها


:- الحركة الزبـ.الة دي لو اتكررت تاني مش عاوز اعرفك هيحصل إيه، مينفعش تحكي حاجة حصلت في البيت لأي حد مهما كات مين،  وحاجة كمان تعرفيها آلاء مش بتمثل، اتفضلي على اوضتك يلا. 


كانت تنتظره ينهى جملته، حتى تذهب من امامه، بالفعل أسرعت تسير بخطوات مسرعة، تختفي من أمامه، وهي تمتم بينها وبين ذاتها بضيق


:-اوف الحمد لله إني مشيت من قدامه، الله اعلم كان هيعمل إيه فيا، الله يـ.خربيتك يا آلاء مش جايبالي غير التهزيق، وقال إيه مش بتمثل، هي اصلا حياتها كلها تمثيل بتطلع في الآخر انها الملاك البرئ اللي ليها جناحات وبتطير و مش بتعمل حاجة خالص. 


جلس بجذعه فوق الأريكة في بهو الفيلا، وهو يشعر بالقلق لأجلها، يشعر أن الثانية تمر عليه كالدهر الذي يعجز عن انتظاره، يخشى أن يكون قد اصابها شئ، يتمنى ان يخبرها بكل ما يفعله لأجلها؛ حتى لا يراها حزينة ذابلة كما يراها في ذلك الوقت.


هب واقفا و هو يشعر بالعجز، نعم يعجز عن انتظار كل تلك الفترة، كيف يجلس بعيد عنها، وهي ليست بخير، هو مستعد يضحي بروحه لأجلها، توجه نحو الدرج؛ كي يصعد ويطمئن عليها مهما تقول والدته سيظل معها، لكنه رأي تامر والطبيب الذي كان قد انتهى من فحص آلاء. 


بعد أن ذهب الطبيب، أسرع يتوجه مباشرة نحو تامر، وأردف يسأله بلهفة بادية في صوته و خوف يملأ قلبه 


:- إيه يا تامر، الدكتور قال إيه، طمني عليها، هي كويسة صح؟ 


رفع كتفيه إلى أعلى، قبل أن يجيبه بتهكم يملاه السخرية، فهو لم يقف مع شقيفه في ذلك الموضوع ولم يفهم هل هو بالفعل خائف عليها أم لا؟! 


:- أثر الصدمة يا عمر مش أكتر، ما هو صعب عليها برضو تشوفك هتخطب مرة واحدة كدة. 


واصل حديثه بهدوء بعدما رأى حالة شقيقه القلقة بالفعل 


:-طالما بتحبها بجد ليه تصعبها على نفسك وعليها كدة، اسمع كلامي لمرة واحدة، أنا طول عمرى بسمع كلامك. 


تركه عمر وصعد متوجهًا نحو غرفته، وهو لا يعلم ماذا يفعل؟ كيف يقول لهم ويخبرهم كل شئ يخفيه بداخله؟!


يشعر ببركان من النيران داخل عقله سينفجر في أي وهلة، الجميع يحمله أمر حزنهاؤ وهم لا يعلمون ما به، وماذا يشعر هو بداخله؟!


مرر يده بين خصلات شعره عدة مرات؛ كي يهدأ من ذاته لكنه فشل، يعلم أنه لن يهدأ سوى برؤيتها أمام عينيه، رؤيتها تجعل قلبه ينبض من جديد. 


❈-❈-❈


في المساء


في الغرفة الخاصة بـ آلاء تحديدًا،  كانت تجلس سناء بجانبها حتى نامت بعدما قد تناولت الدواء الذي قد وصفه لها الطبيب، ثم خرجت من الغرفة بهدوء؛ حتى لا تزعجها، كانت تشعر بالحزن، و الآسى لأجلها، حتى هي الاخرى لم تجد تفسير لما يفعله ابنها.


كان عمر ينتظر خروج والدته؛ حتى يذهب ويطمئن قلبه عليها،  أسرع يتوجه نحو غرفتها وفتحها بهدوء وحذر شديد خاصة بعدما علم من فريدة  عندما رآها انها نائمة. 


جلس بجانبها فوق الفراش وظل يمسد فوق شعرها بحنو شديد،  يتأمل ملامحها الهادئة عينيها المغلقة، شعرها المتناثر حولها، شفتيها الورديتان، يتمنى أن يذهب في رحلة جميلة معها ولم يخرج من رحلته للأبد، لم يشعر كم مر وقت عليه وهو بجانبها، فعندما يكن بحانبها لم يعلم شئ آخر سواها هي، ينسى ذاته و كل شئ بداخله معها،  يشعر انها الجانب الايجابي الذي يعطي لحياته معنى،ويدفعه دوما لخطواته في الحياة، بسمتها وبراءتها هما اللتان يجعلهما يكمل حياته، وكل شئ حوله، يحارب العالم بأكمله من أجلها، مستعد أن يحارب لأجلها هي فقط، هي النبض الذي ينبض في قلبه... قلبه ينبض لها.


ظل شارد بها وبتفاصيلها المحفورة في قلبه وعقله، لم يشعر بأي شئ سوى بصوتها الواهن الذي يبدو به الضعف والتعب 


:- طالما بتحبني، ومهتم بيا أوي كدة، بتعمل فيا كدة ليه؟ 


رد عليها بذهول وعدم تصديق، وهو يشير بسبابته نحو ذاته بدهشة 


:- أنا، وأنا بعمل فيكي إيه؟ 


اجابته بدهشة واستنكار ساخر على الرغم من الحزن البادي في نبرتها ولم تنجح في اخفاءه 


:- هو لو أنتَ بعد كل دة، شايف إنك معملتش فيا حاجة، يبقي دي مصيبة فعلا، أمال لو عملت هتعمل إيه


واصلت حديثها بتساؤل، وقد امتلأ صوتها بالعتاب والحزن


:- ليه بتعاقبني؟ 


تتشبت بفرصة وتبحث عنها؛ حتى تسامحه على فعلته لها، وتعلم لماذا يفعل ذلك، تريد أن تبرر لقلبها أفعاله المتناقضة فأحيانًا يعاملها، وكأنها ملكة يجعل قلبها يرفرف عاليًا بين حروف كلماته وأفعاله الحانية معها، وأحيانا يجعل قلبها يتفتفت بحزن اثر افعاله وكلماته القاسية لها، لا تعلم ماذا تفعل وكيف تتصرف في ذلك المأزق الذي سقطت فيه. 


رد يجيبها بهدوء ومرح وحنو؛ حتى لا يجعلها تحزن وتدهور صحتها مرة أخرى، وبالأحر يريد أيضا أن يتهرب من اجابة سؤالها


:-طب واعاقبك ليه و انا في ايدي اشيل كم حرف من الكلمة دي وأحبك، وأنا اصلا مش بحبك لا بعشقك وأنتِ عارفة كدة، أنا عمري ما أعاقبك، احبك آه، لكن اعاقبك لأ عمري ما أعملها. 


ضمت كلتا شفتيها معا إلى الداخل؛ حتى تجاهد بكل طاقتها لتمنع شفتيها من الانفراج باسمة بسعادة، فأقل كلمة يقولها تداوي جروح قلبها بأكملها، لكنها قررت ألا تضعف أمامه كعادتها، بل ستصمد وتختار كرامتها فوق كل شئ، لن تجعل قلبها يضعف أمامه كما اعتاد؛ لذلك تحدثت بجمود وصرامة 


:- عمر لو سمحت اطلع برة زي ما عمتو طلبت منك. 


رد عليها بمرح وهو يداعب وجنتيها بلطف شديد 


:- بقا أنا بهيبتي وشكلي دة اتطرد من واحدة زيك عيب يا بيبي، احترمي برستيجي، مينفعش قلبي يطردني برضو، دة أنا لازم أبقى جنبك على طول.


اردفت ترد عليه بتهكم ساخرًا وهي تطالعه بعينيها المتيم بعشقهما


:- بيبي مش لايقة عليك على فكرة يا أبو برستيج، بعدين إيه من واحدة زيي، لو كانت نهي كان هيبقي عادي مثلا؟ 

قالت جملتها الأخيرة بغيرة تنهش في قلبها. 


مسك يهها بين كفيه وضغط عليها بحنو، ورد يجيبها بنبرة عاشقة


:- مفيش مقارنة بينك وبين نهى أصلا،  وتبقي غبية لو حطيتي نفسك في أي مقارنة معاها، أنتِ مفيش مقارنة بينك وبين أي حد اصلا،  آلاء أنتٌ نسخة واحدة بالنسبالي، واستحالة يكون في منك، إلا لو جيبنا بنوتة قمر زيك، هعلمها بنفسي تبقي شبهك في كل حاجة. 


رفعت شفتيها إلى أعلى بعدم تصديق، وتمتمت بسخرية وتهكم 


:- دة في الحلم حضرتك، روح يلا كمل حاجات خطوبتك، وسيبني في حالي بقا لو سمحت، يلا اطلع برة يا عمر. 


تمتمت جملتها الاخيرة بصوت متحشرج، وهي تشعر أنها على وشك الإنفجار باكية في دوامة مريرة من البكاء. 


نهض من جانبها؛ حتى لا يضغط عليها أكثر من ذلك، بينما هي ظلت جالسة كما كانت، لم تستطع النوم بعد ذلك، تشعر ان التفكير سيجعل عقلها ينفجر، أرهق جميع خلايا عقلها، لم تصدق أبدًا ما حدث معها، وما يحدث في حياتها. 


❈-❈-❈



في وقت لاحق 


كانت آلاء تجلس مع فريدة يتحدثان معًا في عدة مواضيع خاصة بكلٍ منهما، دلفت نغم الغرفة وقطعت حديثهما عندما وقفت تحدق الاء بغيظ شديد، نظراتها تحمل كره وغضب يظهران بوضوح، لم تفهم آلاء سبب كرهها لها، تجهل عن نفسيره حتى الآن، فهي منذُ فترة طويلة وعلاقتها معها متوترة بذلك الشكل من قبل وفاة والديها. 


اردفت نغم تقطع الصمت الذي حل في جميع أرجاء الغرفة، تحدثت بنبرة ماكرة خبيثة تشبه نظراتها المصوبة نحو آلاء 


:- كنت مع نهى انهاردة بنشترى الفستان بتاع الخطوبة، بجد اشترت حتة فستان تحفة اوي، زوقها طلع روعة روعة فعلا، عمر فعلا اختار صح، هروح اوضتي ارتاح شوية لو احتاجتوا حاجة قولولي. 


أنهت جملتها وسارت بالفعل نحو غرفتها وهي تبتسم بانتصار وسرور، بينما آلاء ظلت تتطلع أمامها بغضب وصدمة،  تشعر أن حديث نغم قد فتح العديد من جروحها وجعلها تنزف بغزارة. 


تحدثت فريدة بهدوء، وهي تشعر بالحرج من حديث نغم الذي تعلم كم هو جرحها 


:- م.. معلش يا بنتي سيبك من نغم يعني أنتِ عارفاها، المهم كنا بنقول إيه؟! 


كانت تحاول ألا تجعلها تحزن من حديث نغم، لكن بالطبع لم تنجح، فحديث نغم كالنار التي وّضعت بحانب البنرين، ليحدث لعدها حريق قوي بداخلها، كيف لا تحزن بعد كل ذلك؟! 


تنهدت الاء بغضب وضيق، ثم تناولت هاتفها سريعًا وقامت بالاتصال على الرقم الخاص بنهى، وهي بداخلها غضب شديد مقررة ان تجعله ينفجر بها، حدث كل ذلك تحت انظار فريدة التي كانت تجلس لم تفهم شي من كل ما يحدث، سرعان ما ردت نهي عليها، قبل أن تتحدث أردفت آلاء بمكر وضيق


:- إيه يا نهى، مبروك يا قلبي عرفت ان خلاص الخطوبة قربت،  بقا كدة متقوليش ليا عشان انزل اشترى الفستان معاكي، مش احنا اصحاب و أكتر من الاخوات برضو يا حبيبتي،  ولا الكم موقف اللي بينا دول مزعلينك يا بيبي 


اجابتها نهي بتوتر، وهي غير مصدقة حديثها، كانت تبتلع ريقها الجاف بقلق من تصرفها الغير متوقع 


:- ل.. لأ يا حبيبتي مش كدة خالص، بس قولت يعني هتكوني أنتِ اللي زعلانة وكدة، أنتِ عارفة يع.. 


قطعت الاء حديثها، هي تبتسم ابتسامة جانبية بضيق، وتمتمت ترد عليها بخبث 


:- ليه يا حبيبتي هزعل ليه،  هو أنتِ مثلا خطافة رجالة وسرقتي حد مني،  لا طبعا أنتِ غير كدة، دة حتى خطافين الرجالة بيخطفوا من ناس ميعرفوهاش، لكن أنتِ مختلفة يا بيبي، دة أنا صاخبتك يعني عديتيهم بمراحل،  بس عادي يا حبيبتي أنتِ عارفاني طيبة وبسامح الناس الندلة ال...،مش أول مرة ولا أنتِ إيه رايك،  هستنى ردك عليا في حفلة الخطوبة اللي مش هتكمل باي بقر يا بيبي. 


أنهت حديثها وأغلقت الهاتف دون أن تنتظر ردها عليها، بينما نهي قد شحب وجهها بعد استماعها لاهانتها الواضحة من آلاء، فرت الدماء هاربة منها، كانت لم تعلم كيف ترد عليها بعد حديثها المبتغت لها، تشعر بالغضب الشديد، تشعر أن آلاء قد انتصرت عليها وذلك الذي يزعجبها؛ لذلك أسرعت وقامت بالاتصال على عمر الذي لم يرد عليها مسرعا، لكنها بدأت تقص عليه كل ما حدث من آلاء وهي تشعر بالغيظ، اختتمت حديثها بضيق وغضب


:- اتفضل اديني سكت أهو، ومتكلمتش معاها خالص، وأحترمتها عشان هي من عيلتك، زي ما بتقولي كل مرة، هاتلي حقي منها بقى. 


عاد بظهره نحو المقعد الذي يجلس فوقه ليكون اكثر استرخاء، وابتسم بسعادة على رد فعل آلاء الذي لم ينكر اعجابه به، وبحديثها معها، ثم رد على نهى ببرود ولا مبالاه 


:- هي قالت إيه يا نهى مضايقك أوي كدة، أنتِ ليه واخدة الكلام على نفسك اوي كدة، أنا شايف إنها مغلطتش فيكي أصلا، أنتِ اللي حاسة إن الكلام عليكي، لكن هي متصلة تباركلك مش أكتر. 


بالطبع سينصرها على الجميع كعادته معها، لم يريد ا يجعلها مخطئة أمام أحد، لكنه بالفعل أعجب بحديثها معها وقوتها التي لازالت تتعامل بها. 


تافأفت عدة مرات بضيق أثر سلبيته معها، واغلقت الهاتف معه، وهي تتوعد لـ آلاء بغضب شديد. 



أردفت فريدة قائلة لـ آلاء بهدوء وهي لازالت لم تفهم فعلتها 


:- خلاص يا أختي ارتاحتي، بعدين أنتِ هتروحي الخطوبة ولا لأ أصلا؟ 


اومأت برأسها الى الأمام بتأكيد، وردت تجيبها بضيق،  وصوت متحشرج 


:- أيوة هروح طبعا، تعالي نطلب الفساتين أونلاين مع بعض، خسارة فيها إننا نتعب وننزل نشوف ونشتري ، شوفي أنتِ قسم المحجبات بتاعك، وأنا هختار الفستان المناسب اللي يليق بالمناسبة القمر دي. 


اومأت لها فريدة وبدأت تختار معها الفستان، وهي تشعر بالذهول؛ بسبب رد فعل آلاء الغير المتوقع لها.


هي تفاجأت عندما علمت أن آلاء ستذهب الخطوبة فهذا اخر ما سيتوقعه الجميع، لينما آلاء كانت تختار الفستان، وهي تشعر بداخلها بالعديد من المشاعر المختلطة معًا، كانت لا تتمنى أن  يأتي ذلك اليوم ابدًا. 

_فمهما ادعت القوة اللا مبالاه، ستظل تلك الندبة الموجودة داخل قلبها تحثها على الانفحار باكية_

تمنعها من كبت مشاعرها أكثر من ذلك، يكفي كتمان لهُنا،  تخبرها ان قلبها قد امتلأ بالحزن فيجب عليها أن تجدد طاقته، آنين قوي تشعر به بداخلها كاد ان ينهي روحها وحياتها تمامًا..

 


 ❈-❈-❈


بعد مرور يومين 


دلفت فريدة غرفتها بهدوء كعادتها، وجلست تنتظر وصول تامر الذي قد تاخر اليوم في عمله على غير المتوقع، فهو في الفترة الاخيرة كان يعود في وقت مبكر لأجلها.


  بعد مرور بعض الوقت قد وصل تامر وابتسم في وججها ما أن رآها، ظل حدق بها بنظراته التي جهلت تفسيرها، لأول مرة يتطلع إلى ملامحها الهادئة ويلاحظها، دائما لم يلتفتف لها، ويراها عادية من دون مميزات،  كانت تبتسم هي الأخرى في وجهه تبادله ابتسامته الهادئة، وتهضت من مكانها اقتربت نحوه،

 وهي تسأله بهدوء


:- إيه يا تامر اتأخرت ليه انهاردة كدة؟ 


رفع كتفه الى أعلى بلا مبالاه، ورد عليها بهدوء 


:- لا مفيش، كنت بخلص كم حاجة مهمة في الشغل قولت هلاقاكي نمتي.

 

اقترب نحوها بخطواته، وضمها داخل حضنه بمشاعر جديدة عليهما، واسترد حديثه بنبرة حانية 


:- مش عاوزك تحافي يا فريدة، مفيش حاجة تخوف يا حبيبتي، دة حتى الأطفال بيناموا عادي، وبعدين هفضل معاكي لغاية ما تتغلبي على خوفك دة. 


أسرعت تسأله في دهشة،وهدم تصديق، وهي تشعر بالصدمة من حديثه الغير المعتاد، وطريقته التي تغيرت كثيرا معها 


:- بجد، هتفضل؟ 


نظر بعيونه داخل عيناها، وقد تاه بداخلهما كأنهما كالعالم الذي يغوص فيه، مقررا أن يستكشفه وشكشف كل ما به، تأمل كل شئ بها يشعر انه يراها لأول مرة،  قبل أن يحمحم عدة مرات؛ ليجبر عقله ان يفوق من شروده بها الذي ولج إليه فجأة، ورد عليها بثقة وهدوء 


:- أيوة طبعا بجد هفضل. 


سرعان ما تحزلت نبرته الهادئة إلى أخرى متوترة وكأن لم يكن هو مَن يتحدث منذ ثانية واحدة 


:- بـ... بس يعني بقولك هو في صفقة برة ولازم حد فينا يا أنا يا عمر اللي نسافرلها، ويعني أنتِ عارفة عـُ... 


قطعت حديثه بنبرة واهنة و قد امتلأت عيناها المشرقة بالحزن والخذلان وقامت بالإبتعاد عن حضنه ثم وقفت قبالته 


:- وطبعا من غير تفكير أنتَ هتسافر أو هتهرب كالعادة يعنييا تامر، على العموم براحتك خالص يعني هي اول مرة مثلا، أنا كدة كدة اتعودت. 


قبض فوق يده بقوة بعدما رأى نظراتها،  ونبرة صوتها المحزنة التي آلمت قلبه وبشدة لا يعرف لماذا...لماذا قد حزن عندما استمع إلي نبرة صوتها تلك،  وهي تخبره أنها قد اعتادت على حياتها بدونه وبدون وجوده معها،  اعتادت أن تتعامل مع مخاوفها دون احتياجها له. 


هو أصبح باانسبة لها شي ثانوى ليس أساسي، واخيرا قد استطاع صوته أن يخرج من داخله؛ ليثحدث، وبدأ يشرح لها الأمر 

 

:- لا مش كدة يا فريدة أنتِ فاهمة غلط المرة دي،  مش بهرب وههرب ليه أصلا، أنا قولت لعمر بجد يسافر هو، قالي مش هينفع عشان حوار خطوبته دة والفترة دي من المستحيل أنه يسافر لانه مش فاضي ومعرفش ليه، بعدين أنا كدة كدة مش هغيب. 


لم تستطع أن تصمت اكثر من ذلك، وتظل تكتم في قلبها كل شئ تشعر به؛ لذا قررت أن تنفجر به وتخبره بكل ما تشعر به، كل شي بداخلها حتى و إن كانت نهاية علاقتهما اليوم.


 فعن أي علاقة تتحدث،  تلك العلاقة الجافة التي قد تسببت في انطفاءها، تصمت دائما و لن تخبر احد بما يحدث لها،  تحزن لاجل آلاء دائما وهي ما يحدث لها قد اسوا بكثير، فهي ترى حب عمر لها الذي لم يحب ان يظهره لها لكنه موجود في النهاية، بينما تامر لم يشعرها بشئ، يعاملها كشئ ليس له وجود.


 تعبت كثيرا من كل شئ، قد فاض بها الأمر وكإن تلك هي القشة التي قسمت البعير،  لن تصمت وتترك الامور تسير ككل مرة سابقة وتحزن في صمت، بل ستتحدث تلك المرة ولم يهمها النتيجة مهما كانت،  فما حدث لها كان يكفي، هو قد جرحها كثير و دائما تبحث له عن اسباب لتبرر موقفه لقلبها حتى نفذت الاسباب وكذبها قلبها في النهاية؛ لذلك ستنفجر به مهما كانت النتيجة.. 



يُتبع