-->

الفصل السادس - ظلمات حصونه الجزء الثاني (الانتقال من الظلمة الى النور)

 


الفصل السادس


من منا لم يشعر يوما أن هناك أخطاء من الماضى تلاحقه وكأنها لا تريده أن يتناسها أبدا!!، تريد أن تظل مرسخة فى عقله وتضغط عليه بشتئ الطُرق، إما أن تقتله ندما وخذيا من نفسه!! أو تجعله يعود لها من جديد لتصبح أكبر وأقوى إلى أن تقضى عليه نهائيا، ولكن هل ستكون أنت أقوى من تلك الأخطاء وتتصدى لها!!، أم ستستسلم وتجعلها هى من تقضى عليك؟!..


رفع "إياد" نظره إلى مصدر الصوت الذى هو متأكد بالفعل أنه مألوف له للغاية، ولكنه مُشوش وغير قادر على تميزه، أو بالأحرى يتهرب من ذلك التخيُل الذى ضرب فى رأسه، ولكن بمجرد أن وقعت عينيه عليها حتى تأكدت شكوكه، ليهمس بصدمة وهو ينهض من مكانه متمتما:


_ ميار!!


أندفعت تلك الفتاة مُلقية بشفتيها على وجنة "إياد" مقبلة إياه بلهفة وشغف معقبة بحماس:


_ وحشتينى أوى يا إياد


وكأنه صُلِب بماكنه تأثرا بتلك القبلة التى ذكرته بأشياء كثير كان يظن أنه قد نساها منذ سنوات طويلة، ولكن لم تكن تلك الذكريات أهم لديه من "ملك" الذى سريعا ما نظر لها خوفا من أن تلاحظ شيئا مما يدور فى رأسه وكأنها ستقرأ أفكاره!!، ليحول نظراته إلى تلك الفتاة مرة أخرى معقبا بقليل من التوتر:


_ وأنتى كمان يا ميار


صاحت مرة أخرى مُصرة على فتح حديث طويل معه، نعم وكيف لها أن لا تفعل هذا وهى من فترة قليلة فقط أخبرها أحد أصدقائهم أن "إياد" أصبح شريكا فى مجمع شركات "الدمنهورى" وهى بالطبع لن تضيع تلك الفرصة مرة أخرى، ولن تجعله يفلت من بين يديها:


_ أيه يا أبنى طول الغيبه دى ومحدش بيسمع عنك حاجه!!


حاول "إياد" بقدر المستطاع أن يغلق هذا الحديث من قبل حتى أن يبدأ حتى لا تنزعج "ملك" الذى من المؤكد سوف تقتله بسبب قبلة العاهرة تلك، ليعقب "إياد" بإختصار:


_ معلش مشاغل بقى


لاحظ "ميار" ما يحاول "إياد" فعله ولكنها لن تسمح له بذلك، لن ينتهى هذا الحديث إلا عندما تريد هى بعد أن تصل إلى ما تريده، لتضيف بدلال وهى تقترب منه أكثر:


_ أه، سمعت إنك بقيت شريك جواد الدمنهورى، هو عامل أيه صحيح!!، لسه مقفل زى ما كان ولا فك شويه


تنهد "إياد" بملل نجح فى إخفائه حتى لا يبدو وقحا معها ويثير شك "ملك" نحوهما، ليضيف بإفتضاب:


_ أنتى عارفه بقى جواد شخص عملى وملوش فى الرفهيات والمرقعه


أمتعضطت ملامح وجه "ميار" متذكرة تلك المرة التى حاولت فيها التقرب من "جواد" أو على الأقل التواجد فى الدائرة المحيظة لها، ولكنه قد صدها بطريقة فظة ومهينة جدا لها وكأنها قذارة يخشى أن تنجسه، لتزفر "ميار" بحقن محاول إخراج تلك الذكريات من رأسها مصطنعة إبتسامة مرحة قائلة:


_ أه منا عارفه أنت هتقولى، الحمدلله إنك متأثرتش بيه وبقيت زيه


قالتها وهى تغمز بعينيها بطريقة وقحة وقد لاحظت "ملك" ما تحاول تلك الفتاة الوصول إليه، ليحمحم "إياد" بحرج وهو يشير نحو "ملك" بيديه موجها حديثه نحو "ميار" رادفا بتوضيح:


_ أحب أعرفك يا ميار، الأنسة ملك، خطيبتي


نطق بكلمته الأخيرة بكثير من الحب والفخر بما هو عليه الأن ولأن "ملك" هى كنزه الثمين الذى كافئه به القدر بعد أن كان على وشك السقوط فى ظُلمة ماضيه الحالكة، بينما "ميار" قد أتسعت عينيها بصدمة مما أستمعت إليه لتو


الكثير من نظرات الحقد والغل أندلعت من عينى "ميار" تجاه "ملك" وقد شعرت وكان فرصتها فى الوصول إلى صندوق سعادتها مع "إياد" بعد شراكته مع عائلة الدمنهورى ستتبخر فى الهواء بسبب وجود تلك الفتاة التى لم تكن تتوقع أبدا أن يكون مرتبط بها، هى ظنت إنها فقط إحدى الفتايات التى يتسلى معهم ذلك الشاب المنحرف على قدر تذكرها بمن هو "إياد المنزلاوى"


لتنظر "ميار" إلى "ملك" بنظرة تحمل الكثير من التوعد وعلى وججها إبتسامة صفراء غير صافية بالمرة، عازمة بداخلها أن لا تستسلم، نعم الطريق أصبح مُعرقلا أمامها ولكنه ليس مستحيلا أن تسلكه، فى النهاية أموال "إياد" تستحق المغامرة، لتضيف "ميار" موجه حديثها نحو "ملك" دون أن تصافحها حتى معقبة ببرود:


_ أه أهلا


لاحظت "ملك" تلك الطريقة الغير مرحبة التى تكلمت بها تلك الفتاة الوقحة التى من الواضح عليها إنزعاجها مما قاله "إياد" عن علاقته بها، لتكتفى "ملك" بإبتسامة باردة غير مرحبة بها وإمائة بسيطة من رأسها، حتى إنها لم تجيب عليها، لتحول "ميار" نظرتها نحو "إياد" مرة أخرى معقبة بطريقة لعوبة ومراوغة:


_ الواحد مكنش ممكن يصدق إنك فى يوم من الأيام تخطب يا دودى


نطقت بأخر كلمة وهى تدفع "إياد" بكتفها بطريقة وقحة جدا أثارت غضب "ملك" ولكنها ظلت محافظة على هدوئها حتى لا تشعر تلك الفتاة إنها نجحت فيما تريد، بينما "إياد" أدرك ما تحاول "ميار" فعله وشعر أنه بورطة كبيرة الأن، ليجيبها بطريقة إستفزازية متعمدا إغاظتها: 


_ والله ولا أنا كنت متخيل إنى ممكن ألاقى الإنسانه اللى تستاهل تبقى مرات إياد المنزلاوى، بس الحمد لله لقيتها ومكنش عندى أستعداد أضيعها منى أبدا، خصوصا كمان لأنها مش زى أى واحده تانيه عرفتها فى حياتى..


شعرت "ملك" بالإنتصار الشديد بعد ما قاله "إياد" عنها وقد لاحظت أنه تقصد فى إحراج تلك الفتاة، ولهذا قررت أن تصمت وتستمتع برؤية وجه تلك الفتاة وهو يحترق من شدة الغيظ والإنزعاج، بينما "ميار" قد شعرت بالحرج الشديد مما قاله "إياد" متقصدها هى بحديثه هذا، لتقرر فى داخلها أن تأخذ حقها وتدفعه ثمن تلك الأهانة غاليا، ولكن ليس هذا لا الوقت ولا المكان المناسب لهذا الشي، لتقرر "ميار" الأنسحاب الان مضيفة بنبرة متوعدة:


_ أتمنى بجد إنها متضعش منك، أكيد هشوفك تانى، بأي


رحلت "ميار" من أمامهم وهى تقسم بداخلها أن تأخذ ما هو حقا لها بالنسبة لها، فهى من كانت تمتلك "إياد" أولا ولهذا هى أحق شخصا به، بينما نظر لها "إياد" وهى تبتعد عنهم مضيفا بحزم:


_ معتقدش يا ميار


جلس "إياد" مرة أخرى فى مكانه ونظر نحو "ملك" ليجد ملامحها هادئة جدا وهى تتفحص قائمة المطعم وكأن شيئا لم يكن، ليخشى من هذا الهدوء الغير متوقع وظن إنها غاضبة جدا منه، ليحاول توضيح الأمر لها معقبا:


_ ملك..، ميار دى تبقى أ...


قاطعته "ملك" بنفس الملامح الهادئة الثابته ناهية إياه عما يحاول قوله قائلة:


_ مش عايزه أعرف


ظن "إياد" إنها غاضبة منه للغاية ولهذا لا تريد أن تستمع إلى مبرراته، ولكنه كان مصمما أن يصلح ذلك الأمر مضيفا:


_ ملك أرجوكى متزعليش، مش دى أصلا اللى ...


قاطعته "ملك" مرة أخرى، ولكن تلك المرة كان على وجهها إبتسامة هادئة مطمئنة إياها رادفة بتوضيح:


_ إياد..، مش دى أصلا اللى أزعل منك عشانها، أنا من أول ما شوفتها وأنا خدت بالى إنها مش كويسه، وخدت بالى كمان إنك كنت تعرفها من زمان، وأتوترت جدا لما شوفتها وخوفت إنى أتضايق من وجودها وأفهم غلط، ولكنى لاحظت كمان إنها متغاظه وكانت بتحاول تغظنى أنا وده أكدلى إنها مش فى حياتك ولا فى دماغك أصلا، وكفاية أوى الرد اللى أنت رديته عليها بخصوص علاقتنا وخطوبتنا، ده كفايه عندى وبالدنيا كلها...


أبتسم "إياد" لها بكثير من الحب والعشق وسريعا ما ألتقط يدها مقبلا إياها وهو ينظر فى عينيها بصدق مضيفا:


_ أنا بحبك أوى يا ملك، ومحظوظ جدا بيكى


شعرت "ملك" بكثير من الخجل بسبب عملة "إياد" تلك ونظراته التى تُفقدها صوابها، وسريعا ما ألتقطت قائمة المطعم مرة أخرى رادفة بتهرب:


_ طب مش هنأكل بقى ولا أيه


ضحك "إياد" بمرح على خجلها وطفولتها تلك، ليجيبها وهو يغمز بعينيه قائلا:


_ هنأكل


وسريعا ما ألتقط هو الأخر القائمة ليحدد كلا منهم ما يريده، وليقضون اليوم معا وكأنوشيء لم يكن بعد أن ظن "إياد" أن الأمر قد أنتهى، ولكنه لم يكن يعلم أن هذه فقط البداية لما هو أتً



❈ - ❈ - ❈




أتسعت عينى "لبنى" بصدمة مما أخبرها به "هاشم" عما حدث اليوم فى الشركة، ولكنها حمدت ربها إنه تدخل فى الوقت المناسب قبل أن تتطور الأمور إلى الأسوء قائلا:


_ يا خبر يا هاشم، طب الحمدلله إنك أنقظت الموقف قبل ما جواد يتهور


أجابها "هاشم" متذكرا منظر "جواد" وهو ممسك ب "أدهم" من رقبته من الخلف وكم كان غاضبا فى هذا الوقت رادفا بضحك:


_ ده كان على وشك أنه يولع فى أدهم


عقبت "لبنى" مستفسرة عما يحاول "هاشم" الوصول له من كل هذا، على الرغم من أنه علم بحقيقة الأمر قائلة:


_ طب مدام أنت عرفت اللى فيها، ليه قبلت بالصفقة دى


تنهد "هاشم" محاولا إنتعاش رئتيه قبل أن يبدا فى توضيح الأمر لها رادفا بهدوء:


_ عشان أخدت بالى من النار اللى ولعت بينهم هما اللى الأننين بسبب ظهور أدهم، وخديها منى كلمة ثقة، ديانة بتحب جواد


ضيقت "لبنى" ما بين حاجبيها من النبرة الواثقة فى حديث "هاشم" هى بالفعل تشعر هى الأخرى بذلك ولكن لما كل هذه الثقة، لتعقب رادفة بإستفسار:


_ وأنت أيه اللى خلاك متأكد كده!!


أبتسم لها "هاشم" بمزيد من الثقة مضيفا بإصرار:


_ مفيش واحده بتبقى عايزه تشوف الراجل اللى قدمها مولع من الغيره عليها كده إلا إذا كان شاغل قلبها وعقلها، واللى ديانة كانت بتعمله النهارده أثبتلى إنها كانت بتغيظ جواد


أقتنعت "لبنى" بتحليل "هاشم" وأصبحت هى الأخرى متاكدة من هذا الأمر، لتضيف رادفة بإستفسار:


_ طب وتفتكر ده هيجيب نتيجه ويصلح علاقتهم


زفر "هاشم" بشك من ردود فعل "جواد" الغير متوقعة، خشية من أن يغعل شيء متهور، ليجيبها رادفا بتمنى:


_ والله ده لو الحمار المتهور بتاعنا عرف يتحكم فى غضبه وميخربش الدنيا على دماغه ويقتل أدهم


ضحكت "لبنى" بصخب على ما قاله "هاشم" عن "جواد" رادفة بتحذير:


_ أنت بس خليك ديما قريب منهم وعينك على جواد لحسن يتهور ويعمل مصيبه


تنهد "هاشم" ببعض من القلق شاعرا بعدم الراحة تجاه ذلك الشاب الذى يُدعى "أدهم" رادفا بشك:


_ أنا مش قلقنى غير الواد اللى أسمه أدهم ده، هو أه جبان بس خبيث وحاسس إنه فعلا بيرسم على ديانة


حاولت "لبنى" تطمئنه وإخراج هذا القلق من داخله رادفة بهدوء:


_ متقلقش ديانة عمرها ما هتفكر فيه، على الأقل وهى لسه على ذمة جواد


قطع حديثهم صوت جرس الباب مُعلنا عن وصول كلا من "جواد" و"ديانة"، ليضيف "هاشم" محذرا إياها:


_ طب غيرى الموضوع بقى لحس جوم


أومأت له "لبنى" بالموافقة على حديثه، بينما دلفت "ديانة" عليهم وهى تحمل رضيها بين يديها وعلى وجهها الكثير من السعادة والسرور، وسريعا ما دلف جواد خلفها، لتنهض "لبنى" مسرعة نحو "ديانة" وجنينها ملقية نظرات الحب والحنان على هذا الحفيد رادفة بترحيب:


_ يا عمرى أنت، حمدلله على السلامه يا روح قلب نانا


أجابتها "ديانة" بإبتسامة سعادة تملا وجهها رادفة بحب:


_ الله يسلمك يا ماما


تدخل "هاشم" بالحديث مستفسرا عن حديث الطبيب معهم موجها سواله نجو "جواد" قائلا:


_ الدكتور قالكوا أيه؟!


أجابه "جواد" بهدوء لكى لا يشعرهم بالقلق على الطفل مبسطا لهم الأمر رادفا بتوضيح:


_ مفيش قالنا على شوية حاجات كده من المحتمل إنها تحصل ل نور بسبب الولادة المبكرة، وكمان نصحنا شوية نصايح كده، المفروض إننا نمشى عليها بإنتظام..


قال جملته الأخيرة تلك وهو ينظر نحو "ديانة" وكأنه يذكرها بهذا الحديث الذى تفوه به الطبيب بما يخص كلاهما، لتلاحظ "ديانة" ما يحاول "جواد" فعله لتنهض بسرعة متهربة من تلك النظرات موجهة حديثها نحو عمها رادفة بإستأذان:


_ طب يا عمى أنا هأخد نور أنيمه فوق شويه


وافقها "هاشم" على حديثها رادفا بحنان:


_ ماشى يا حبيبتى وأنا هقولهم يحضروا الغداء لحد ما تنزلى


أومات له "ديانة" بالموافقة وسريعا ما شرعت فى الصعود إلى أعلى، لتوقفها "لبنى" منبهة إياها رادفة بهدوء:


_ خدينى معاكى يا حبيبتى



❈ - ❈ - ❈



فتحت عينيها بصعوبة كبيرة محاولة التعود على الضوء الساطع عبر زجاج الغرفة، وما هى إلا ثوان حتى أستطاعت أن تفتح عينيها بشكل طبيعى، لتجد "مالك" يقف بجانبها ويخلع من يدها خرطوم المحلول الطبيى وينتشله من فوق الحامل بعد أن أنتهى


لاحظ "مالك" أنها قد أستعادت وعيها ليعقب بهدوء وهى ينتهى من ذلك المحلول ملقيا إياه فى سلة القمامه:


_ حمدلله على السلامه


كانت "زينة" خلال هذا تحاول تذكر ما حدث ولكنها فشلت تماما، كل ما تتذكره هو مشاجرتهم عند باب الجناح وهى على وشك الخروج، ولكنها لا تتذكر شيء بعدها، لتصيح رادفة بإستفسار:


_ هو أيه اللى حصل!!


أجابها "مالك" موضحا لها ما حدثا مراعيا عدم إشعارها بالقلق رادفا بهدوء:


_ مفيش حاجه تقلق، ضغطك وطى شويه والدكتور علقلك محلول وكتبلك على شوية أدويه مهمه ليكى وللجنين


أعادة "زينة" جملته بقليل من الأستنكار قائلة:


_ أدوية؟!


أضاف "مالك" وهو يُخرج تلك الإبرة الطبية من حقيبة الأدوية ولحقها بذلك الأسطوان الزجاجى وهو يكسرها ساحبا ما بداخلها قائلا:


_ متقلقيش دى حاجات بسيطه، أنا نزل جبتهم من الصيدليه لأن الدكتور منع الحركه عليكى لمدة الشهر ده


لم تكن تهتم لما يقوله، كل ما كان يلفت نظرها ويشتت أهتمامها هو ما يفعله، لم تلك الأبرة التى يقوم بتعبئتها، هل هى من ضمن دوائها!!، لحظة واحدة، من الذى سوف يعطيها لها؟!، صاحت "زينة" وملامح القلق أعتلت وجهها وهى تهتف بإستفسار:


_ أنت بتعمل أيه!!


أجابها "مالك" وهو لايزال يقوم بتعبئتها رادفا بتوضيح:


_ دى إبره الدكتور كتبهالك وقال لازم تأخديها كل تلات أيام


ضيقت "زينة" ما بين حاجبيها تتمنى أن لا يكون ما يدور بىأسها ليس حقيقى مضيفة بإستنكار:


_ ومين اللى هيدهالى!!


رفع "مالك" كتفه بهدوء ولا مبلاه هاتفا:


_ أنا..


رمقته "زينة" بنظرات إنزعاج شديده مما قاله ومن هذا الهدوء الذى يتعامل به منذ أن أستعادت وعبها، لتصيح فيه بحدة:


_ وليه مخلتوش يبعت ممرضة من المستشفى


رفع "مالك" حاجبيه الأثنان مصطنعا التلقائية رادفا بهدوء:


_ مجاش فى بالى


رفعت "زينة" إحدى حاجبيها بغضب وكادت أن تصيح به، ليقاطعها هو فور إنتهائه من تعبئة الأبرة وإخراج الهواء منها متعمدا أستفزازها قائلا:


_ وبعدين أحنا كبار تقريبا على موضوع الخوف من الإبره ده


بالفعل هى تموت رعبا من شكل الإبرة الطبية، ما بالك إذا بإحساسها وهى تُغرز فى جسدها، يا إلهى كم هو شعور سيء للغاية، ولكنها أثرت على عدم إظهار ضعفها أمامه، لترمقة "زينة" بإشمئزاز رادفة بإحتقار:


_ أنا مشكلتى مش مع الإبره، أنا مشكلتى معاك أنت


تنهد "مالك" بحزن شديد على تلك المعاملة الفظة التى تعامله بها رغم كل محاولته فى جعلها تتعامل معه بأسلوب أقل غلاظة من هذا ولكن لا فائدة، إذا قد طفح الكيل إذا أستمر معاها بتلك الشخصية الضعيفة والنادمة طوال الوقت، سوف تتمادى فى عنادها وستظل تعامله بتلك الطريقة الغليظة، إذا عليه أن يتعامل معاها بطريقة أخرى، نعم يتعامل معها على أنه زوجها وهذا أقل حق له، لنرئ إلى متى ستظل تلك الرأس عنيدة وهذا اللسان سليط، ليهتف وهو يقترب منها موضحا بحدة:


_ وأنا مش جى ألعب معاكى، أنا هديكى الإبره فى لحظه واحده وهسيبلك الأوضة وأخرج خالص، وبعدين ده مش عشانى أو عشانك، بلاش عناد ده عشان الروح اللى فى بطنك


أستسلمت "زينة" بعد أن أقتنعت بما يقوله، وهذا بالفعل ليس من أجل أحدا فيهم بل من أجل طفلهما التى بالأساس هو السبب الرئيسى لهذا الزواج، وأيضا لأنها سوف تتخلص منه بعد هذه الإبرة وسوف يخرج ويتركها، حسنا إذا لتتحمل على نفسها تلك المرة فقط


تنهدت "زينة" بإستسلام وأخذت ترفع فى أكمام قميصها كاشفة عن ذراعيها، وهذا لأنها ظنت أن تلك الإبرة تُأخذ بالواريد، بينما "مالك" كان على وشك أن ينفجر من الضحك متخبلا منظرها عندما يخبرها الأن إنها ليس إبرة وريد بل هى إبرة عضل، بالطبع إن لم يكن جامد معاها ستقتله، ليتحكم "مالك" فى إنفعلاته وهو ينظر لها ببرود متمتما بسخرية:


_ لا يا حبيبتى دى مش بتتأخد هنا


توسعت عينى "زينة" بصدمة كبيرة مما قاله وكم تمنت أن تصفعه الأن ولكن ملامحه الباردة جعلتها تتراجع، وأكتفت برفع إحدى حاجبيها بتحدى رادفة بحدة:


_ أنت بتحلم


رمقها "مالك" بملامح جامدة وقاسية معبرة عن مدى جديته الأن رادفا بحزم:


_ على فكرة أنا مش بطلب منك، أنا بأمرك


صاحت به "زينة" بكثير من العصبيه وقد طفح كيلها من كلمته تلك منفجرة فى وجهه كالبركان مثل كل مرة رافضة علاقته بها ومذكرة إياها إنهم زوجان على ورق فقط، ولكنها لم تُحرز جيدا هذا المره بعد أن قالت: 


_ تأمرنى بصفتك مين!!


أدرك "مالك" إنها سوف تلجاء لسلاحها المعتاد مثل كل مرة مهاجمة إياها بما فعله معها ومذكرة إياه بإنها لا تعترف بزواجهم وإنها فقط متزوجهة منه بسبب هذا الطفل، حسنا إذا وهو سيفعل ما سيفعله الأن من أجل الطفل..


أقترب منها "مالك" جدا بطريقة جريئة ووقحة للغاية، لدرجة أن شيفاهما كادت أن تتلامس من شدة الأقتراب، وأصبح كلا منها يستنشق رحيق أنفاس الأخر، لتبتلع "زينة" بإرتباك وأزدادت ضربات قلبها من شدة الخوف والإرتباك من قربه الشديد، وما زاد الأمر سوء هو ما تفوه به بهمس وحدة:


_ بصفتى جوزك.. قدام ربنا.. وقدام الناس، وكمان بصفتى أبوه الطفل ده، وعشان كده تسمعى الكلام بمزاجك!!، ولا تسمعيه بمزاجى أنا؟!


رفرفت "زينة" بأهدابها عدة مرات غير مستوعبة لما قاله الأن، هل كان يأمرها أم يهددها!!، ماذا يقصد بكلمة بمزاجه هو!!، ماذا سيفعل هذا الحقير؟!، ظلت "زينة" صامته وتنظر له بذهول وكأنها بعالم أخر غير العالم، ليقرر "مالك" إخراجها من ذلك الذهول وهو يبتعد عنها قليلا بعد أن قرر ما سيفعله قائلا بحزم:


_ أنا قولت كده بردو


وفى لحظة واحدة كانت "زينة" مستلقية على جانبها اليسار وغير قادرة على الألتفاف مرة أخرى، وهذا بسبب يده اليسرة التى ثبتت جسدها جيدا ممسكة بيها اليمنى خلف ظهرها، بينما يدها اليسرى كان أسف منها وبسبب ضغطة يده على جسدها لم تستطيع إخراجها، لتصبح بين يديه كالطفلة العاجزة عن الحركة تماما..


كادت "زينة" أن تصرخ به أن يتركها ويبتعد عنها ولكنها أستبدلت تلك الصرخة بشهقة فزع وصدمة خرجت منها بعد أن شعرت بيده اليُمنى وهى تخفض عنها بنطالها وسروالها الداخلى دفعة واحدة كاشفا عن مؤخرتها


بينما "مالك" شعر برجفة بسيطة ضربت فى ثائر جسده، وكان هذه هى المرة الأولى الذى يلمس فيها جسدها، أو أول مرة يرى فيها مؤخرتها!!، لحظة واحدة هى بالفعل أول مرة بالنسبة له، تلك المرة التى كان ساكرا فيها لا تُحسب لأنه لم يكن فى وعيه حينها، هو بالكاد يتذكر ما حدث فى هذا اليوم، ولكنه لم يتذكر أى شيء عن إحساسه حينها، أستعاد "مالك" ثبانه مرة أخرى محاولا الإنتهاء من هذا الأمر قبل أن تسوء الأوضاع بينهم أكثر من هذا، ليضيف بحدة وحزم:


_ أثبتى


أنتفض جسد "زينة" بأكمله أثر سماعها لصوته الحاد والرجولى وكأنها لأول مرة تستمع إلى صوته، أو تشعر بلمسة يده على جسدها، لا هذه ليست أول مرة يكشف عن جسدها ولكن هذه المرة هى الأسوء، تلك المرة كان ثملا وغير واعيا لما يفعله، بينما الأن هو واعا جيدا لما يفعله وهذا سوف يشعرها بالكثير من الخجل ولن تستطيع أن ترفع عينها بعينه مرة أخرى


ضربت صاعقة بجسدها عندما أقتربت يده لتحديد مكان غرز الإبرة، لتتشنج عضلات جسدها بأكملها ومن ضمنها عضلات مؤخرتها، بالأضافة إلى الحركة الهسترية التى أخذت تتحرك بها محاولة الأفلات من يده وهذا يمكن أن يسبب لها مشكلة عند وضع الإبرة وستؤلمها للغاية


لاحظ "مالك" تشنج عضلاتها وشعورها بالقلق والتوتر، وأدرك أيضا أنه مهما تحدث معها لن ترخى أعصابها ومن الممكن أن تزداد عناد وتثير غضبه، ليحدد هو ما يجب عليه أن يفعله، وصفعة قاسية إنهالت على مؤخرة "زينة" وخاصة فى المكان الذى يعزم على ضرب الإبرة به، وهذا لكى يفك تشنيجة جسدها ومنها أيضا أن يُخدر ذلك العضل حتى لا يُشد مرة أخرى، بينما صفعها وهو يقولك بحدة وحزم:


_ بقولك أثبتى، ومتشنجيش جسمك عشان متتعوريش


وكانه صفعها بصاعقة كهربائية، شُل جسدها بالكامل أثر تلك الصفعة وكأنها قُيدة بسلاسل حديديه، لم تكن قادرة على شيء سوا لعنه والتوعد له بينها وبين نفسها، وزاد غضبها بشدة وأخذت تقسم على أن لا تنتظر موعد ولادتها وتنفصل عنه بمجرد عودتهم إلى البلاد مرة أخرى


كانت غاضبة للغاية لدرجة إنها لم تشعر بالإبرة من الأساس ولم تلاحظ أيضا أنه أنتهى من إعطائه لها ولا لأنه ترك يدها بالفعل سوا عندما قطع هو شرودها بصوته المغازل وهو ينظر لها بمكر قائلا:


_ هى حلوه مفيش كلام، بس أنا خلصت تقدرى تتعدلى


شعرت "زينة" بالخجل الشديد وأحمر وجهها أكثر بسبب العصبية والخجل، وسريعا ما أعتدلت فى جلستها ساحبة الغطاء عليها وأخذت ترتدى ملابسها، ليوقفها صوت "مالك" رادفا بتنبيه:


_ مفيش داعى إنك تلبسى دلوقتى، علاجك لسه مخلصش


قال جملته تلك وهو يعطى لها باقى الأدوية التى أحضرها لها، لتنظر "زينة" داخل الحقيبة متفحصة الأدوية، لتحمر وجنتيها وتتوسع زرقاوايها بمجرد عن وقع نظرها على تلك الأقماع الطبية المهبلية، لتغلق الحقيبة مرة أخرى بتوتر شديد


بينما لاحظ "مالك" ذلك الخجل والتوتر ليعزم على أن يُزيدهم ويشاكسها قليلا، ليعقب بكثير من المكر وهو ينظر لها بوقاحة قائلا:


_ أظن دى ممكن تأخديها لوحدك!!، ولا محتاجه أى مساعدة؟!


ألقته "زينة" بالوسائد التى كانت بجانبها معبرة عن مدى خجلها وغضبها فى أنً واحد صارحة فيه بحدة:


_ أطلع برا يا حيوان


خرج "مالك" من الغرفة سريعا وأغلق الباب خلفة، وأنفجر من الضحك على تلك الفتاة مستمتعا بما حدث وبسبب إستسلامها له مطمئنا نفسه أن هناك أملا فى تلك العلاقة، بينما فى الغرفة كانت "زينة" تلعن ذلك الطبيب وذلك الدواء المُولم والمُحرج فى نفس الوقت وكأن جميع الأدوية قد أنتهت من العالم ليكتب لها أكثر شيء تكره وتخاف منه الإبر والأقماع الطبية، زفرت "زينة" بضيق وأخرجت تلك النشرة لتعرف كيف ستأخذ ذلك الشيء وهل هو ضرورى أم لا؟!...



❈ - ❈ - ❈




كانت "ديانة" تجلس فى غرفتها بصحبة والدتها وهى تحمل طفلها بين زراعيها وتُحاول أن تجعله يتذوق ثديها لأول مرة، ولكنها لم تكن تعلم أن الأمر سيكون بهذه الصعوبة تلك، وهذا لأن الطفل لم يعتاد على صدرها من البداية وهذا بسبب تواجده داخل الحضانة


 كان الرضيع يصرخ من شدة الجوع وهى لا تعلم كيف تتصرف، ظلت ترقب قطرات الدموع وهى تتساقط من عينيه، لتتبعها دموعها هى الأخرى، فقدت "ديانة" قدرتها على التحمل، لتصبح متنجدة بوالدتها لكى تسعادها والدموع تتساقد من عينيها من شدة اليأس:


_ يا ماما أنا مش عارفه أعمل أيه، نور مش راضى يرضع، شكله كده مش متقبل صدرى


حاولت "لبنى" تهدئتها والتقليل من توترها وضغطها النفسى رادفة بهدوء:


_ يا حبيبتى براحه وبالعقل وبلاش تشدى أعصابك كده عشان الولد، براحه خالص بس وسمى الله وحاولى تقربى صدرك براحه فى بوقه، بس مش بالعافيه خليه يلمس شفايفه وهو هيبدأ يسحب منه


أومأت لها "ديانة" بالموافقى مستسلمة لحديث والدتها، ولكنها كانت تشعر بكثير من الأحباط واليأس من أن يتقبل "نور" صدرها، ولكنه فاجئها عندما أستشعر ثديها بشفاتيه وبدأ فى إمتصاص غذائه منها وتوقف عن البكاء والصراخ، لتصيح "ديانة" موجهة حديثها نحو والدتها رادفة بسعادة ولهفة:


_ بيرضع يا ماما، نور بيرضع


تنهدت "لبنى" براحة وإطمئنان على الطفل رادفة بإمتنان:


_ الحمدلله يا حبيبتى، مش قولتلك، هو بس كان بيتعرف على ريحتك وبعدها تقبل صدرك عادى


زفرت "ديانة" براحة كبيرة مضيفة بحمد وهى تضم الطفل إلى صدرها أكثر قائلة:


_ الحمدلله كنت خايفه أوى أنه يرفض صدرى ونضطر للبن الصناعى وأنا عارفه أنه مفيش فيه أى فايدة


ربطت والدتها على كتفيها مطمئنة إياها ومحاولة تشجيعها رادفة بحب :


_ لا لبن صناعى ولا حاجه، أهو متعلق فيكى أهو وشكله مش هيسيبك غير لما ينعس


قبلت "ديانة" رأس صغيرها بكثير نن الحب والعاطفة رادفة بصدق:


_ براحته خالص، أنا ممكن أعمل أى حاجه فى الدنيا عشانه


أبتسمت لها "لبنى" بسعادة كبيرة لرؤيتها لأبنها وحفيدها بعد كل تلك السنوات المريرة، لتضيف رادفة بتمنى:


_ ربنا يحفظهولك يا حبيبتى ويباركلك فيه


هتفت "ديانة" مُأمنة على دعوة والدتها:


_ يارب يا ماما


لم تنتبه أى منهم إلى وجود "جواد" الذى كان يراقب كل ما يحدث من خلف باب الغرفة الذى كان من حسن حظه مفتوح قليلا، كان "جواد" يتنقل بنظراته بين طفله وهو يتناول أول وجبة له من والدته بعد الولادة، وبين "ديانة" وسعادتها بالطفلهما، كم شعر بالسعادة والفرح عندما ضمته "ديانة" إلى صدرها بقوة، كم تمنى أيضا لو كان بجانبه الأن ليتذوق هو الأخر حنانها وعاطفتها، كم كان يشتهى أن يضمها إلى صدره ويجعلها تنسى كل ما حدث بينهم ويبدأن معا صفحة جديدة، ولكنه يعلم أن الأمر لم يكن بتلك السهولة، ولكنه سوف يفعل أى شيء ليكسبها ويكسب حبها


قطع شروده تلك اليد التى أمتدت على كتفه ساحبى إياه بعيد عن الباب، ليلتفد "جواد" ليجده والده وينظر له بقليل من نظرات العتاب رادفا بإستهزاء:


_ أنت مش المفروض كبرت على حركات المراهقة دى ولا أيه


زفر "جواد" براحة بعد أن تأكد أنه والده وليس أحدا أخر هو من رائه فى هذا الوضع، لكان مُسخة الأن، ليجيبه "جواد" بإستياء:


_ أيه يا بابا خضطنى!!، وبعدين مراهقة أيه دى مراتى؟!


عزم "هاشم" على أستفزاز "جواد" قليلا ومعرفة ما ينوى عليه، ليعقف رادفا بمراوغة:


_ لا يا راجل!!، مش أنتوا متفقين على الطلاق؟!، تبقى الوقفه دى مش من حقك


صاح "جواد" بكثير من العصبية والغضب مجيبا بنهى:


_ أنا متفقتش على طلاقات، أنا وأخدها على قد عقلها لحد أما أشوف أخرها أيه ولو فضلت راكبه راسها هرجع أوريها الوش التانى


قلب "هاشم" عينيه بملل وأستسلام من إنفعلات أبنه رادفا بعتاب:


_ هو أنا مخلف تور يا ناس!!


صاح "جواد" معارضا إيها وقد وصل بالفعل لقمة غضبه عندما تذكر ذلك الملعون "أدهم" رادفا بحدة:


_ أومال عايزنى أطلقها وأسبها للواد الملزق الطرى اللى أسمه أدهم ده؟!


حاول "هاشم" تهدئة أبنه بعد أن شعر بالخطر فى عينيه وأنه حقا لم يتهاون مع ذلك الشاب رادفا بإستفسار:


_ أنت فاهم إن بطريقتك دى كده هتكسبها؟!


أجابه "جواد" محاولا التحكم فى غضبه أمام والده رادفا بحدة:


_ والله أنا لحد دلوقتى معاها كويس أوى، بس لو شفت الواد ده تانى معاها والله العظيم هخليه يتحسر على نفسه طول العمر


أنهى "جواد" جملته وسريعا ما أنصرف من أمام والده، ليتابعه "هاشم" وهو يبتعد رادفا بإستسلام:


_ أنت مفيش فايده فيك


يتبع ...