-->

الفصل الخامس - ظلمات حصونه الجزء الثاني (الانتقال من الظلمة الى النور)





الفصل الخامس 



 للحظات ظن "أدهم" أنه واقع بمشكلة كبيرة جدا من الصعب عليه الخروج منها، خاصة بعد نظرات "جواد" المشتعلة والقاتلة بالنسبة له، بينما "ديانة" لم تعيره أية إهتمام وكانه لا يقف أمامهم مباشرة من الأساس، مدت "ديانة" يدها فى مقابلة "أدهم" لكى تصافحه وتودعه:


_ نورتى جدا يا أدهم


شعر "أدهم" ببعض من الراحة وهذا بسبب رد فعل "ديانة" الذى أعطاه الكثير من الجرأة ليمد يده هو الأخر لمصافحتها، وقبل أن تتلامس أيديهم كان "جواد" قد قبض على رقبة "أدهم" من الخلف بطريقة مهينة جدا له وكانه أمسك بلصا ما يحاول سرقة مقتنياته الخالصة معقبا:


_ أنت بتعمل أيه هنا!


شعر "أدهم" بكثير من الحرج من تلك الطريقة التى يجذبه "جواد" بها رادفا بإندهاش وتلعثم:


_ فى أيه يا جواد بيه!!


أشتدت قبضة "جواد" حول رقبته من الخلف وقد أزدادت قتامة زرقاوتيه مضيفا بحدة وغضب:


_ رد عليا بتعمل أيه هنا!!، مش أبوك مشى من بدرى!!، أنت بقى لسه هنا بتعمل أيه؟!


صرخت به "ديانة" مدخلة بالحديث معقبة بكثير من الأنزعاج والغضب:


_ وأنت مالك أنت، ونزل أيدك دى من عليه


قالت جملتها الأخيرة وهى تحاول أن تدفع يده بعيد عن "أدهم"، ولكن فاجأها "جواد" بإلتقاطه ليدها رادفا بحدة:


_ وأنا مالى يعنى أيه يا مدام!!، أنا جوزك ومن حقى أحدد تقعدى مع مين ومتقعديش مع مين!!، وخصوصا الشخص ده


أحابته "ديانة" بغضب كبير وتناست تماما وجود "أدهم" وأخذت تصيح به رادفة بإنفعال شديد:


_ جوز مين اللى بتتكلم عليه، أنا وأنت عارفين كويس أوى اللى فيها، بلاش تنسى نفسك كده يا جواد


أزدادت قبضة "جواد" حول رقبة "أدهم" من الخلف وذلك بسبب غضب "جواد" الكبير مما تفوهت به "ديانة"، ليتأوه "أدهم" بألم يحاول أن يخفيه رادفا بحرج:


_ جواد بيه لو سمحت نزل أيدك كده عيب أوى، أنا حتى فى شركتك


خرج "هاشم" من مكتبة بسبب تلك الضوضاء العالية التى تحدث خارج مكتبة، لتقع عينه على "جواد" وهو يمسك ب"أدهم" بتلك الطريقة المهينة ويبدو أنه بتشاجر مع "ديانة"، ليعقب "هاشم" رادفا بإنفعال:


_ أيه ده!!، أيه اللى بيحصل هنا بالظبط؟!


نظر إلى "جواد" ولاحظ ذلك الغضب الكبير فى زرقاوتيه، بينما لاحظ أيضا علامات الألم على وجه "أدهم"، ليصيح "هاشم" موجها حديثه إلى أبنه رادفا بحدة:


_ أيه اللى بتعمله ده يا جواد، نزل أيدك


أجابه "جواد" بمزيد من نظرات الغضب الموجه نحو "أدهم" رادفا بحدة وإصرار:


_ لا مش هنزلها قبل ما أعرف ده لسه هنا بيعمل أيه!!، وأيه اللى كان مقعدوا فى مكتب مراتى


أندفعت يد "هاشم" فاصله بين يد "جواد" ورقبة "أدهم" رادفا بحدة وحزم:


_ قولتلك نزل أيدك يا جواد وأحترم أنه فى شركتنا


أشاح "هاشم" بنظره عن "جواد" ليلاحظ أن الموظفين يقفون لكى يتابعوا ما يحدث بينهم، ليرمقهم "هاشم" بغضب رادفا بحدة:


_ وأنتوا كمان أتفضلوا كل واحد على شغله يلا


حول "هاشم" نظره إلى "أدهم" معتذرا منه ومحزرا إياه فى نفس الوقت ولكن بطريقة غير مباشرة قائلا:


_ أنا بعتذرلك يا أدهم بالنيابه عن أبنى بس معلش أعذرنا، أصل جواد بيغير على مراته جدا


أدرك "أدهم" ما يحاول "هاشم" أن يُصله له من تحذير، ولكنه لم يأخذ كلامه على محمل الجد، ليعقب رادفا بهدوء محاولا الأنسحاب:


_ ولا يهمك يا هاشم بيه، حصل خير، بعد أذنكوا


أنتظرت "ديانة" إلى أن تتأكد من أبتعاد "أدهم" تماما وكادت أن تثور بوجه "جواد"، ولكن قاطعها تدخل "هاشم" موجها حديثه إليهم هما الأثنين قائلا:


_ وأنت وهى تطلعوا على المستشفى حالا لأن الدكتور أتصل وقال عايزكم أنتم الاتنين ضرورى عشان نور أ..


لم تنتظر "ديانة" أن يكمل حديثه وكأنها نسيت ما كان يحدث لتو معقبة بلهفة:


_ ماله نور يا عمى!!، جراله حاجه


نفى "هاشم" ما قالته "ديانة" مطمئنا إياها رادفا بتوضيح:


_ لا يا حبيبتى أطمنى مفيش حاجه، ده كمان شكلوا هيرجع معاكوا البيت النهارده، بس الدكتور قال عايز يشوفكوا أنتوا الاتنين


نظرت "ديانة" إلى "جواد" بشيء من الغضب مما كان يفعله منذ قليل، ولكنها تحاملت على نفسها من أجل طفلها وأن أجل أن تعلم ما هو الشيء الهام الذى يريد الطبيب التحدث فيه مع كلاهما، وبالفعل أنطلقا معا إلى المشفى..



❈ - ❈ - ❈



••


_ أيه بقى يا ماجدة، مش بتفكرى تروحى تزورى هناء فى المستشفى؟!


تنهدت "ماجدة" ببعض من الالم محاولة التخلص من تلك الغصة التى تكونت فى حلقها بسبب سؤال "لينى" فهذا أخر سؤال كانت تتمنى أن يسأله أحد لها فى هذه الفترة، ولكنها أستجمعت قوتها وسمحت لنفسها فى التحدث فى هذا الأمر، لتجيب على سؤالها رادفة بنهى:


_ لا يا لبنى


أعتلت وجه "لبنى" ملامح الأسئ والتعجب فى أنٍ واحد فهى تعلم كم كانت "ماجدة" متعلقة ب"هناء" قبل وقوع هذا الحادث، وما تعرفة عن "ماجدة" إنها متسامحة ومتعاطفة مع حالة "هناء" وشعرت بالحزن الشديد لما حدث لها، فلماذا إذا لا تريد رؤيتها، لتضيف مستفسرة:


_ ليه كده يا ماجدة!!


زفرت "ماجدة" بضيق وأعتلت وججها ملامح الحزن لتجيبها شاعرة بالأنزعاج الشديد قائلة:


_ بصراحه مش عايزه أشوفها


أبتلعت "لبنى" بمرراة تأثرا بما حدث لها ول"ماجدة" ول"هاشم" ولجميع أفراد العائلة بسبب "هناء" ولكنها أيضا لا تريد أن تظل "ماجدة" محاصرة فى هذه الحالة، بين أن تكره "هناء" أو تسامحها، هى تريدها أن تسامحها لأنها مؤمنة أن الكراهية لا تفيد فى شيء، هى فقط تجعل قلبى المرأء يزذاد قتامة وإنتقام ولهذا هى سامحة "هناء" على كل ما فعلته، لتٌكمل رادفة بأسى:


_ ليكى حق إنك تقولى كده بعد كل اللى عملته، بس متسبيش الكره يعمى قلبك زيها يا ماجدة، هى بردو أخدت جزائها و...


قاطعتها "ماجدة" والدموع متحجرة فى عينيها وغصة كبيرة تكون فى حلقها مصاحبة لوخذ أخذ يضرب فى قلبها رادفة ببحة بكاء:


_ هتصدقينى لو قولتلك إنى مش بكره هناء يا لبنى


ضيقت "لبنى" ما بين حاجبيها بإستنكار، هى بالفعل تعلم أن "ماجدة" صاحبة قلب مُسامح ولا يكره أحد، ولكن لماذا لا تريد رؤيتها الأن!!، لاحظت "ماجدة" ملامح الأستنكار تلك، لتبتسم بإنكسار وحزن وقد تهاوت تلك الدمعة من عينيها مصاحبة ورائها موجة من البكاء المرير مضيفة بنحيب:


_ متستغربيش، أنا حسه بالشفقة على هناء أكتر مننا كلنا، هناء أول حد ظلمته فى حياتها كان نفسها، سابت شيطانها وهوسها يسقوها ويدمروا حياتها وحياتنا، وفى الاخر نايمه على السرير فى المستشفى لا حول لها ولا قوة، حتى إنها مش لاقيه حد يدعلها بالشفاء بسبب اللى عملته فى الكل، هتصدقينى لو قولتلك إنها صعبانه عليا أوى وإنى مش عايزه أروح أشوفها عشان هتوجع عشانها، يمكن لانى كنت بحبها اوى!!، أو يمكن لأنى مجربه الإحساس ده!!، مش عارفه بس اللى أنا عارفه هو إنى بتهرب من إنى أشوف هناء مرة تانية يا لبنى


•••


تنهدت "لبنى" بحزن شديد متذكرة حديثها مع "ماجدة" قبل أن تسافر بعدة أيام وإصرارها الشديد فى عدم زيارة "هناء"، لعقب "لبنى" موجهة حديثها نحو نفسها رادفة بأسئ:


_ ياه يا هناء مين فى العيله دى متسببتلوش فى جرح كبير خلتيه يستخسر فيكى حتى الدعاء بالشفه، ربنا يسامحك على كل اللى عملتيه


دلف "هاشم" إلى الغرفة الجالسة بها "لبنى" بعد أن عاد من الشركة ليجدها شاردة الذهن ولم تنتبه عليه وهو أتة، ليقرر "هاشم" لفت إنتباهها وهو يجلس فى مقابلتها صائحا بقليل من الغزل:


_ اللى واخد عقلك يتهنى بيه يا ست الكل!!


أنتبهت "لبنى" إلى وجود "هاشم" لتشعر بالخجل مما قاله، ولكنها عزمت على إخفائه بإبتسامة حرج محاولة تغير مجرى الحديث قائلة:


_ أومال الولاد فين؟!


أدرك "هاشم" إنها تريد تغير مجرى الحديث، ليتنهد بهدوء قائلا:


_ فى المستشفى


أتسعت عينى "لبنى" بصدمة وفزع خوقا من أن يكون حدث لأحد بهم شيئا، لتعقب رادفة بلهة:


_ ليه فيه أيه!!، أيه اللى حصل؟!


أجابها "هاشم" بقليل من المرح لكى يهدئ من روعتها ولكى يطمئنها رادفا بهدوء:


_ هو كان هيحصل حاجات كتير أوى بس الحمدلله جت سليمه، هما دلوقتى راحوا يجيبوا نور من المستشفى، خلاص الدكتور كتبله على خروج


زفرت "لبنى" براحة بسبب إطمئنانها بأن لم يحدث شيء لأى من أولادها، وأيضا شعرت بسعادة لخروج "نور" من المشفى رادفة بسعادة:


_ يااه أخيرا الحمدلله، قولى صحيح حاجات أيه اللى كانت هتحصل النهارده!!، هما أتخانقوا ولا أيه؟!


ضحك "هاشم" من قلبه على تذكرة لمنظر "جواد" وهو ممسك ب"أدهم" من رقبته وكأنه يمسك بلص أو مجرد رادفا بمحرح:


_ لااا ده حوار كبير أوى، تعالى أحكهولك عقبال ما الدادى تخلص الأكل ويكون جواد وديانة جوم



❈ - ❈ - ❈



خرجت "زينة" من غرفتها وهى مرتدية ملابسها ومستعدة للخروج من الفندق بأكمله، لينظر لها "مالك" بإستنكار لما أستنتجه من منظرها هذا، هل ستخرح حقا بمفردها ودون أن تخبره حتى!!، ليعقب "مالك" رادفا بإستفسار:


_ أنتى رايحه فين كده!!


رمقته "زينة" بنظرة أستخفاف وأستهزاء من سؤاله، وأخذت تُكمل فى طريقها نحو باب الجناح وكأنها لا تستمع له من الأساس، ليستشيط "مالك" من فعلته تلك ونهض مسرعا متجها نحوها وألتقط ذراعها بقليل من الحدة رادفا بإنفعال:


_ بكلمك أنا!!


دفعت "زينة" ذراعية بقوة بعيدا عنها شاعرة بكثير من الأنزعاج بسبب معامله معها بتلك الطريقة، من يظن نفسه ليفعل هذا، لتصيح به رادفة بحدة:


_ نزل أيدك دى، أنت مخك ضرب ولا أيه؟!


صاح بها "مالك" بغضب مماثل لها، بل وأكثر حتى من غضبها هى، هل هى الأن تقلل منه وتنفذ كلامها الذى تفوهت به فى الصباح، كلا لن يتركها تفعل هذا الشيء، ليضيف "مالك" بإنزعاج شديد:


_ هو أيه اللى نزل أيدك بسألك تردى عليا، أنا مش كلب بيهوهو هنا


رمقته "زينة" بنظرة إستحقار متفحصة إياة من شعر رأسه إلى أصابع قدميه، وكم كانت نظرتها كافيه فى إسكاته لمدى الحياة ولكانها قررت أن تضيف عليها بعض الكلمات التى بالطبع ستترك أثرا كبير داخل قلبه مثل ما فعل بها تماما، لتضيف بنبرة مشمئزة ومحتقرة:


_ صدقنى الكلب أوفى بكتير، على الأقل مش بيعض صاحبه


أغمض "مالك" عينيه لكثير من الحرج والندم على ما فعله، هى لا تترك ولو فرصة واحدة لكى تذكره بما فعله معاها، ولكن لحظه هل يمكنه أن ينسى هذا الشيء، فهو قد ذبح نفسه فى هذا اليوم قبل أن يذبحها بفعلته الحقيرة تلك، لما لا تسامحه وتعطيه فرصة أخري لما!!، أضاف "مالك" مقررا سؤاله مرة أخرى رادفا بهدوء:


_ رايحه فين يا زينة


قابلته "زينة" بنظرات جافة تحاول أن تخفى بها تلك الامامة التى تكونت فوق عينيها وشعورها بعدم الأتزان ودوران الأرض من تحت قدميها، لتتحامل على نفسها رادفة بحدة:


_ ملكش فيه وأتفضل أبعد عن طريقى


لم تكمل "زينة" خطوتين فقط حتى شعرت بزيادة الدوار وإنعدام إتزانها وثقل قدميها على الأرض وحركتها المتعركلة، ليلاحظ "مالك" عدم إتزانها ذاك وإمها على وشك السقوط على رأسها ملتقية بزاوية الباب مباشرة، لتمتد يد "مالك" جاذبة إياها رادفا بلهفة:


_ حسبى يا زينة


سقطت "زينة" بين يديه فى اللحظه الأخيرة، فهى بالفعل قد أظلمت عينيها ولم تعد قادرة على المقاومة، لتستسلم لهذه الظلمة وتقع مغشية عليها بين ذراعيه، ليحملها "مالك" ويذهب بها إلى غرفتها مباشرة..



❈ - ❈ - ❈



وصل كلا من "جواد" و"ديانة" إلى المشفى معا وأخذ يتجهان نحو غرفة "الطبيب" المسؤل عن حالة طفليهما، ليصيح "الطبيب" مرحبا بهم وهو يمد يده لمصافحتهم رادفا بإحترام:


_ أهلا أهلا يا جواد بيه، أهلا يا مدام ديانة.


بادله "جواد" المصافحة بإحترام مبادل معقبا بهدوء:


_ أهلا بيك يا دكتور، والدى قالنا إن حضرتك كنت عايزنا إحنا الأتنين فى حاجه بخصوص نور


أومأ له "الطبيب" بالموافقة على حديثه مضيفا بتوضيح:


_ فعلا يا جواد بيه، فى الحقيقة نور الحمدلله بقى بصحة جيدة ويقدر يروح معاكوا البيت زى أى طفل طبيعى مع أهله، بس فيه شوية حاجات كده لازم تعرفوها


أعتلت ملامح القلق وجه "ديانة" وأخذ قلبها يخفق بسرعة من شدة التوتر، لتعقب بإستفسار رادفة بلهفة:


_ حاجات أيه يا دكتور؟!


تنهد "الطبيب" بهدوء قبل أن يبدأ فى روى عليهم حالة طفليهما محاولا عدم إشعارهما بالقلق الشديد عليه، وأيضا إخبارهم الحاله بوضوح شديد، معقبا بملامح هادئة:


_ طبعا حضرتكوا عارفين إن نور مولود فى بداية الشهر السابع تقريبا يعنى فى الأسبوع ٢٦ مثلا، وده بسبب إنفصال المشيمة المبكر اللى حصل لحضرتك يا مدام ديانة، وده سبب فى عدم إكتمال نمو نور بشكل طبيعى وأعتمدنا على الحضانه والحمد لله إنها عدت على خير، ولكن فيه شوية حاجات كده لازم نبقى عارفينها وناخد بالنا منها كويس أوى


تدخل "جواد" بعد أن بدأ القلق فى التسرب إلى قلبه هو الأخر رادفا بإستفسار:


_ حاجات زى أيه يا دكتور؟!


أجابه "الطبيب" موضحا حديثه ولكن لاتزال ملامحه هادئة لكى لا يثير فزعهم أو يشعرهم بالقلق الشديد على الطفل:


_ يعنى مثلا زى مشاكل فى التنفس والقلب أو مثلا فى الأسنان أو فى الرؤية والسمع أو فى النمو والحركه، أو حتى فى الهضم، أو مثلا ممكن نواجه مشاكل سلوكيه أو نفسيه، ولكن أطمنوا أكيد مش هيعانى من كل دول أحنا بنفترض أنه ممكن يعانى من مشكله أو مشكلتين من دول ودى مش حاجه خطيرة إن شاء الله أنا بس عايز منكوا حاجه مهمه


ظل الأثنان صامتان لا يعرفان ماذا يقولان، كل ما عليهم الان هو الإنصات لما يريد أن يقوله "الطبيب"، ليكمل هو مضيفا بتوضيح:


_ زى ما قولنا نور ممكن يواجه صعوبه فى السلوك أو فى الضبط النفسى وعشان كده لازم يتوفرله البيئة المناسبة لحالته، يعنى يحس بالحب من كل اللى حوليه تربيته تكون سويه لأبعد حد، يحس بالأحتواء والدفئ وخصوصا منكم أنتوا الأتنين، أنا عارف إنكم دايما مشغولين، بس الطفل ده أهم حاجه فى حياتكوا ولازم تهتموا بيه مع بعض، ويحس بحبكم أنتوا الأتنين لبعض وليه هو كمان..


نظر "جواد" إلى "ديانة" وكأنه يتمنى لو يرق قلبها ويغفر له وتكون حالة طفليهما هذه سببا فى إصلاح العلاقة بينهم ويعيشون معا حياة سوية مثل أى أسرة، بينما "ديانة" بمجرد أن ألتقط أعينها بخصاتى "جواد" شعرت بالإرتباك الشديد وكأنه يلقى بالكرة الأن فى ملعبها ويحملها مسؤلية حالة طفليهما ويرغمها فى الرجوع له مرة أخرى، لتحول نظراتها إلى "الطبيب" مرة أخرى هاربة من نظرات "جواد" ومن أفكارها وذكرياتها التى لا ترأف لها معقبة:


_ أكيد يا دكتور إن شاء الله


أومأ لهم "الطبيب" بالموافقة بعد أن أخبرهم بكل ما كان يريد التحدث فيه معهم وهو يثق تمام الثقة إنهم سوف يفعلون كل ما أخبرهم به، ليضيف بحماس وهو ينهض:


_ تمام جدا، دلوقتى تقدروا تتفضلوا معايا وتيجوا تستلموا البطل نور من الحضانة


نهض كلا من "ديانة" و"جواد" وأتبعان "الطبيب" إلى مكان طفليهما، وبمجرد أن دخلوا سمح "الطبيب" ل"ديانة" أن تحمل طفلها بين يديها، ولكن "ديانة" بمجرد أن حملته حتى لاحظت صغر حجمه وقلة وزنه لتعقب مستفسرة:


_ هو ليه حجمه صغير أوى كده يا دكتور؟!


أجابها "الطبيب" مطمئنا إياها وموضحا لها الأمر قائلا:


_ متقلقيش يا مدام ده طبيعى بالنسبة للأطفال المولودين ولاده مبكرة وده مش هيأثر على طوله أو وزنه فيما بعد، يعنى مفيش مشكلة إن شاء الله


أمتدت يد "جواد" مصافحا "الطبيب" قبل أن يرحلان رادفا بإمتنان:


_ شكرا جدا يا دكتور


بادلة "الطبيب" المصافحة رادفا بهدوء:


_ العفو يا جواد بيه ده شغلى ربنا يباركلكم فيه يارب


أضافت "ديانة" بفرحة كبيرة وهى تنظر إلى جنينها رادفة بتمنى:


_ يارب


نظر لها "جواد" بسعادة كبيرة لرؤية تلك البسمة على وجهها وهى تنظر إلى طفليهما وتحمله بين يديها لأول مرة، هل يصدق أحد أن تلك هى نفسها "ديانة" التى لم تكن متقبلة هذا الطفل لأنه هو والده، هل يصدق أحد أن "جواد الدمنهورى" ذو الطفولة المحطمة أصبح له طفل الأن وعليه أن يجعله يحيا طفولة سوية وطبيعية، ليس من الخطأ أن يتغير المرء ويتغير تفكيره، ولكن يجب أن يكون هذا التغير إلى الأفضل وليس الأسوء، ولذلك ربما لايزال هناك فرصة لأن تحيا تلك العلاقة، وربما لا؟!!



❈ - ❈ - ❈



_ أيه يا حبيبتى أنتى فين؟!


قالها "إياد" وهو جالس فى سيارته أمام جامعة "ملك" ينتظر خروجها من محاضرتها، لتجيبه "ملك" التى لا تعلم بوجوده خارج الجامعة رادفة بهدوء:


_ أنا لسه طالعه من المحاضره أهو يا حبيبى


أبتسم "إياد" بسعادة لأنه لم يضطر للأنتظار لكثير من الوقت، وأيضا لأنها سوف يراها وأخيرا بعد كل تلك الفترة، فهو كان منشغلا جدا عنها الفترة الماضية، ولهذا هو قد جاء اليوم لكى يُعوضها ويُعوض نفسه، ليضيف بحب وإشتياق:


_ طيب يا حبيبتى أنا برا الجامعه أهو، أدخلك ولا تطلعيلى أنتى!!


أتسعت عينى "ملك" من الصدمة والسعادة فى أنٍ واحد، فهى أيضا تشتاق إليه جدا، لتصيح بلهفة وحماس كبير:


_ أيه ده أنت برا بجد!!، طب أنا طلعالك أهو حالا


ضحك "إياد" على حماسها هذا رادفا بموافقة:


_ طيب أنا واقف مستنيكى أهو


سريعا ما قامت "ملك" بتوديع أصدقائها ورقضت مسرعة إلى خارج الجامعة، لتستقل سيارة "إياد" رادفة بسعادة ولهفة:


_ ده أيه المفاجأة الجامدة أوى دى!!


أبتسم لها "إياد" بحب وسعادة لرؤية فرحتها وإبتسامتها تلك رادفا بتوضيح:


_ حسيت إنى مقصر معاكى أوى فقولت أعملك مفاجاة وأجى أخدك نتغدى برا


أعتلت الفرحة وجه "ملك" وكأنها طفلة صغيرة أخبرها والدها إنه سيأخذها لتنزه الأن، لتعقب بمشاكسة:


_ يااه كمان هنتغدى برا، دا أيه الدلع ده كله


غمز لها "إياد" بمرح ومشاكسة مماثلة لها مضيفا بمعزلة:


_ عدى الجمايل بقى يا جميل


أبتسمت "ملك" بقليل من الخجل على معازلته لها وغمزة عينه تلك التى أصابتها داخل قلبها، ولكنها حاولت أن لا تظهر تأثرها هذا رادفة بمرح:


_ حاضر يا حبيبى من عنيا هعدها، أستنى بقى أكلم بابا أخد منه الأذن


أومأ لها "إياد" بالموافقة وهو يبدأ فى التحرك بالسيارة، ودقائق حتى أغلقت "ملك" المكالمة وأخبرته بموافقة والدها ليبدأ فى التوجه نحو المطعم الذى سبق وأن حجز لهم موعد به..



❈ - ❈ - ❈


أنتهى "الطبيب" من فحص "زينة" وتعليق ذلك المحلول الطبى لها وأبتعد عنها قليلا، لتمتد يد "مالك" ليضع الغطاء عليها مرة أخرى، بينما هى لاتزال فاقدة للوعى، ليعقب "مالك" بكثير من القلق رادفا بإستفسار:


_ ماذا حدث لها يا حضرة الطبيب؟!


أجابه "الطبيب" مطمئنا إياه بعد أن لاحظ قلقه الشديد رادفا بهدوء:


_ لا تقلق يا سيد مالك، السيدة زينة فقط تعرضت لأنخفاض فى ضغط الدم وهذا الامر كثير ما يحدث لنساء أثناء فترة الحمل وخصوصا أول ثلاثة أشهر به، وأيضا لا تنسى أن السيدة قد أنتقلت من دولة إلى دولة أخرى فى تلك الفترة التى ليس من المرحب الحركة الكثيرة بها، ولهذا أنا قمت بتركيب هذا المحلول الطبى ليها لكى يساعدها قليلا.


رمقها "مالك" بندم شديد، فهو من أوصلها إلى كل هذا، تبا له ولغبائه وتسرعه فى الحكم عليها وعلى نفسه بتلك المعاناة التى لا يعلم متى ستنتى، ليوجه نظره نحو "الطبيب" مرة أخرى رادفا بمزيد من القلق:


_ هل سيشكل هذا خطرا عليها أو على الجنين؟!


هز "الطبيب" برأسه ناهيا عن حديث "مالك" محاولا توضيح الأمر له كى يهدأ قلقه قائلا:


_ كلا يا سيدى، هذا لا يشكل أى خطرا على أحدا منهم، ولكن أريد أن أعلم هى بأى شهر من الحمل الأن؟!


تنهد "مالك" بندم كبير، لولا أنهم الأن بدولة أروبية لا تهتم بأمر الحمل قبل الزوج، لكان الأن فى موقف محرج للغاية وسبب لها هى الأخرى الحرج الشديد، ليجيبه "مالك" بملامح إستياء:


_ تقريبا هى بنهاية الشهر الثانى


أومأ له "الطبيب" وبدأ فى كتابة النشرة الطبية التى يوصى بها لكى تتحسن حالة "زينة" موضيفا بتوضيح:


_ حسنا يا سيد مالك، هذه الأبر الطبية يجب أن تستمر عليها السيدة كل ثلاثة أيام لمدة شهر بالضبط، ولكن لا ينصح بالحركة لها هذه الفترة، ولذلك إذا كنت تريدنى أن أرسل لها إحدى الممرضات من المشفى لكى تعطيها الأبرة أنا بالخدمة 


هز "مالك" رأسه بالنهى على إقتراح "الطبيب" فى إرسال ممرضة لهم رادفا بهدوء:


_ كلا شكرا لك، أنا سأتولى الأمر


أومأ له "الطبيب" بالموافقة على ما قاله مكملا كتابة النشرة الطبية مضيفا بمزيد من التوضيح:


_ حسنا كما تشاء، وأيضا هذه الأقماع الطبية المهبلية يجب أن تسير عليها بإنتظام كل يوم، ولا تقلق هى سوف تستعيد وعيها بعد قليل


أغلق "الطبيب" حقيبة مستعدا لرحيل بعد أن أعطى النشرة الطبية ل"مالك" رادفا بإستأذان:


_ أنا سوف أستأذن الأن، وإذا أحتاجت إلى أى شيء أتصل بى فى الحال


أومأ له "مالك" بالموافقة رادفا بإمتنان:


_ شكرا لك يا حضرة الطبيب


خرج "مالك" بصحبة "الطبيب" لكى يوصله إلى الخارج وأيضا لكى يذهب إلى أقرب صيدلية لكى يحضر لها هذا الدواء، الذى يبدو من الصعب عليها تقبله وخصيصا تلك الأبر الطبية بعد أن تعلم أنه هو من سوف يعطيها لها



❈ - ❈ - ❈



وصل كلا من "إياد" و"ملك" إلى المطعم الذى بالفعل سبق وأن أخبرهم بقدومه وحجز الطاولة الخاصة بهم، ليرحب به النادل بكثير من الأحترام والتقدير ومد يده ليصافحه رادفا بهدوء:


_ نورت المطعم يا إياد بيه، أيه الغيبه الطويله دى


بأدله "إياد" المصافحة وهذا لأنه يعرفه جيدا وأيضا لأن "إياد" ليس من هؤلاء الأشخاص المتكبرين الذين يتعاملون مع البعض وكأنهم يعملون لديهم، ليجيبه "إياد" بإمتنان:


_ شكرا يا سامح، مشاغل بقى أنت عارف


أومأ له "سامح" بالموافقة رادفا بتقدير كبير:


_ كان الله فى العون والله، أتفضل يا بيه


توجه "إياد" بصحبة "زينة" إلى تلك الطاولة المخصصة لهم، وسحب لها الكرسى بطريقة لابقة لكى تجلس عليه ثم جلس فى مقابلتها هو الأخر، ليعقب النادل رادفا بأدب:


_ أنا هشوف الطربيظه اللى هناك دى عايزه أيه لحد ما تقرر حضرتك تحبوا تأكلوا أيه


أومأ له "إياد" بالموافقة وبالفعل أبتعد الشاب ليسمح لهم بأختيار ما يريدونه على راحتهم، لتتجول "ملك" فى المكان بأكملة بعينيها ثم نظرت إلى "إياد" ملاحظة أنه معروفا هنا ويبدو أنه يأتى إلى هنا كثيرا جدا، تعقب بشك:


_ أمم شكلك معروف أوى هنا!!.


أبتسم "إياد" مستشعر غيرتها وشكها فى نبرة صوتها، وبالفعل أدرك ما يدور فى رأسها، ليعزم على أن يزيد تلك الغيرة لكى يتسلى قليلا برؤيتها هكذا غير مدركا بما ينتظرة بعد قليل، ليضيف بتأكيد:


_ فعلا أنا بأجى المطعم ده من وانا لسه فى ثانوية عامه


رفعت "ملك" حاجبها بمزيد من الغيرة معقبة بإحتقان:


_ يااه ده من كتير أوى!!


مط "إياد" شفتيه متعمدا إغاظتها رادفا بمراوغة:


_ بس بقالى فترة مشغول ومش بأجى


زفرت "ملك" بإنزعاج شديد لما يفعله "إياد" الذى بالفعل نجح فى إغاظتها، لتعقب بإستفسار رادفة بحدة:


_ أممم وياترى كنت بتيجى لوحدك بقى ولا مع حد!!


وقبل أن يحاول "إياد" أن يجيبها، لينقلب السحر على الساحر، وتحول ذلك الحوار المرح إلى شيئا أخر لم يكن فى حُسبانه، بعد أن وضعت تلك اليد اللطيفة على كتفه مصاحبا إياها ذلك الصوت الأنثوى المألوف له جدا قائلة:


_ إياد!!


يتبع