-->

الفصل العشرون - كما يحلو لكِ - النسخة العامية

 


الفصل العشرون


النسخة العامية

 

شعر بالاستغراب من كثرة تحديق كلاهما لبعضهما البعض ولا يدري لماذا نظرات هذا الرجل الغريب تبدو مخيفة، لقد أعجبه أخيه للغاية، رجل لطيف على عكسه، أمّا عن أخته فهي تشغل باله بشدة منذ رؤيتها لبعض الدقائق، ولكنه لا يدري كيف ولم تزوجت ابنة خالته من هذا السخيف!

 

ليس هذا من شأنه على كل حال، فلقد آتى ليصنع أولى الفرص معها، ولابد أن تصنع له "روان" هذا الجميل وإلا سيتصرف من تلقاء نفسه، وعلى ما يتذكره من علاقاته المتعددة؛ بالإضافة إلى جنونه الملحوظ الذي يعهده عن نفسه مع الفتيات، سيُسبب إلى ابنة خالته مُشكلات، وهذا سيؤدي إلى انزعاج "يارا" بشدة، وسيكون وضع العائلات عصيب للغاية، وهو في غنى عن كل صداع الرأس هذا!

 

-       عمر، حمد الله على سلامتكم، ازيك عامل ايه؟

 

مجرد صوته نبهه من تخيلات تخللها بأكملها طرق عِدة لقتلها، إلى المزيد من التخيلات التي بأكملها تنص على قتله بل والتمثيل بجثته بعد قتله لا محالة!

 

أطال النظر إليه، بل حدق به بنظرات باردة كبرودة الموت، تعابير وجهه غير مقروءة بالمرة، لتتذكر هي جيدًا وجه هذا المحامي الشاب الذي قابلته منذ شهور ولكن علاوة على هدوءه المريب الذي يشتهر به، هناك غضب مُخيف بمقلتيه سيلتهم من أمامه حتمًا، ولقد لاحظت هي ذلك وقررت التدخل بسرعة قبل أن تسوء الأوضاع، وخصوصًا بعد مكالمة أمس وشجارهما على ما ترتديه منذ قليل.

 

-       الله يسلمك يا يونس، ممكن بس تستناني برا وأنا هجيلك على طول عشان نكمل كلامنا

 

شعر بأنها تقوم بطرده تمامًا ولكن بأكثر طريقة لائقة استطاعت أن تجدها، كما أنه ليس بغبي، على ما يبدو هناك أمر ما بينهما يستدعي هذه النظرات غير المفهومة بالنسبة إليه، ففكر سريعًا بتلك النظرات من زوجها فلم يجد تفسير لعدم ترحيبه به سوى الظن أنه انزعج من لمسته لها كأي رجل شرقي، ربما هو من هؤلاء الرجال ذوي الغيرة العمياء، ولكنه لم يتصرف سوى بعفوية هائلة فأضاف ببعض المزاح:

-       دلوقتي اطلع استناكي برا ومن شوية كنتي شرقانة وهتروحي في شربة مياه حرفيًا، ماشي يا روري، بس يا ريت بسرعة عشان ورايا حاجات.

 

وبالرغم من انزعاجه وكذلك تفسيره للأمر من وجهة نظره لذلك برر الموقف بأي طريقة ممكنة ولم يتخل عن اللباقة ولا يزال يحاول الحفاظ على علاقة مع رجل يرغب كثيرًا بأن يحدث بينه وبين أخته ارتباطًا من أي نوع كان فأضاف بابتسامة رسمية موجهًا كلامه له وهو يتجاهل النظر إلى "روان":

-       خلينا بقا نظبط يوم كده كلنا ونتغدا سوا أو نسهر سوا، زي ما تحب، كلمني ونظبطها في أي وقت..

 

لوهلة كان اقتراحه محل تساؤل في رأس "عمر"، هل هذا سيكون بعد قتله؟ أم بعد التمثيل بجثته؟!

 

تركهما وغادر لتنظر له بغضب وفي نفس الوقت بارتباك شديد وهي تحاول أن تبرر لعقله المريض الذي لا تستبعد أنه قد صدق بالفعل خيانتها له فاندفعت الحروف من بين شفتيها ترتطم ببعضها البعض في توالي انغمس بتوترها:

-       عمر، يونس جه فجأة وأنا اصلًا كنت طالعة الأوضة وبعدين شرقت وهو حاول يساعدني واصلًا جاي عشان يكلمني في موضوع بيزنس جديد كده، بجد مكنش قصدي اقعد قدام حد بلبسي ده!

 

رمقته مليًا وأنفاسها لا تزال حبيسة داخل رئتيها، تنتظر منه ولو لمحة من التقبل أو أي ردة فعل منه قد تطمئنها قليلًا وتُذهب بخوفها، فأضافت معتذرة بالرغم من عدم اقتناها بأنها أخطأت بشيء:

-       أنا آسفة!!

 

قد يكسب هذا بعض من تعاطفه، أليس كذلك؟ هذا ما يُريده، أنا من يخطأ يعتذر له، وقد تكون فرصة كذلك لتطبيقه العقاب عليها كما أراد منذ الوهلة الأولى، حسنًا، فرصة رائعة للدخول لغرفة الجحيم خاصته، ولن تدعها تُفلت سوى بخروجها منتصرة مغادرة إياها بالأوراق التي تظن أنها تحمل حُريتها منه للأبد، عليها أن تستغلها جيدًا.

 

من تلقاء نفسها تركت تلك الأنفاس لتتسرب منها بهدوء، بالرغم من هدوءه المريب وثبات ملامح وجهه، وتظن كذلك أن عقله سرعان ما اتهمها مرارًا وتكرارًا بالكثير من الأمور التي باتت بالنسبة له حقيقة ملموسة، مع أن الحقيقة بعيدة كل البُعد عن كل تلك التخيلات في رأسه، فلا هي ولا "يونس" نفسه يقصدان أي مما يتخيله!

 

-       عمر أنت هتفضل ساكت كده ومش هترد عليا؟

 

سألته، ولكنه لم يجبها، ولن يفعل، هناك قاعدة هامة، أهم ما في القضايا برُمتها، القاعدة الأولى والأساسية، أول جُملة يُخبر بها موكله عندما يقع في أمر ما ويتوجب عليه الذهاب لمخفر الشرطة ويبدأ أن يُدلي بأقواله، ينصحه دائمًا وأبدًا بعدم التكلم أو الخوض في أي تفاصيل سوى بحضور محاميه كي لا يقوم بقول شيء بدوره قد يوقعه في حكم قاسي قد لا يستطيع الإفلات منه طوال فترة القضية ويحكم عليه بسبب كلمة أو جملة واحدة بعقوبة قد تصل إلى الإعدام شنقًا!

 

ولسذاجتها لم تصمت، ولذكائه صمت هو، لم يقم حتى بدور السائل، هو يثق تمام الثقة بأن غبائها سيجعل حكم الإعدام قليل في حقها عما قريب!

 

زفرت بنفاذ صبر وهي لا تصدق أنه يتصنع البرود الشديد الآن فعقدت ذراعيها وتفقدته بثقة شديدة لتخبره بتحفز:

-       انا اعتذرتلك، وفهمتك الموقف، وأي حاجة تانية في دماغك بتفكر فيها فهي غلط!

 

مجددًا لم تقرأ على ملامحه أي علامة، مشاعر، أو حتى رسالة، وعلى ما يبدو لو ظلت أمامه طوال عُمرها إلى أن تلفظ آخر ما تبقى بها من أنفاس لن تحصل على كلمة واحدة منه بخصوص هذا الأمر، على كل حال عليها التصرف في هذا الأحمق الذي ينتظرها بالخارج وعليها أن تصرفه سريعًا متمنية أن حيلة التحدث بشأن العمل قد اقتنع بها ولو بنسبة ضئيلة، ستصرخ فرحًا لو وصلت إلى واحد في المائة!

 

ارتفع احدى حاجبيها بتحدي شديد ثم اخبرته بثقة:

-       حاسب عشان اروح اغير هدومي.

 

لم يُحرك ساكنًا فلم تضع هي وقت يُذكر واتجهت صوب الغرفة مباشرة متحاشية النظر إليه بينما هو أمعن النظر بكل الأدلة المحيطة بصحبة ما استمع له بمنتهى الوضوح دون ملاحظة أيًا منهما وقتها.

 

هناك كوب للعصير تُرك جانبًا، بعض من قطراته علت قميصها القصير المثير لنظر أي رجل خُلق في الحياة، وجهها كان مختنقًا، يد هذا الشاذ كانت تستقر بمنتهى الأريحية على ظهرها، سيمثل بها أولًا على كل حال، شعرها كان مرفوعًا للأعلى عكس كونه منسدل منذ قليل وهي معه ومع والدتها، ليس هناك أي أثر لهاتفها، ليس هناك أي تفاصيل تدل على مقاومتها له، سرعان ما التفت حوله، هناك كاميرا للمراقبة بمدخل المطبخ، وأخرى عند مخرجه الخلفي، ومكان ما وقف كلاهما تحديدًا قد يتضح بالتاريخ المُسجل مسبقًا.. سيتفقد كل التفاصيل حتمًا دون أن يغفل عن هفوة صغيرة، لقد باتت خيانة زوجته قضيته الوحيدة هذه الأيام، ويا ويلتها لو أن ما شعر به منذ الوهلة الأولى تجاه هذا المخـ.نث كان حقيقي!

--

اتجه إلى مكان قريب منه حتى يتضح له رؤية كلاهما دون أن يتضح هو لهما، انتظر كيف ستتزين له، ما الذي سترتديه، وكيف ستتعامل معه، ولا يغفل أن كل نظرة منها ستكون مدروسة وكل كلمة ستكون مُنتقاة بمنتهى الدقة والعناية حتى لا تدفعه لتصديق عينيه والإيمان بظنونه.

 

رآها تدخل، تسير بنفس الثقة الغريبة التي لم تتغير قط بها، شعرها يُداعب كتفها الأيمن بثوب أبيض فضفاض لا يُظهر منها سوى القليل من ساقيها، وحذاء منزلي شفاف تمامًا، لا ترتدي أي حُلي، ولا أي مساحيق تجميل، ولماذا تحتاج إليها وهي تبدو كالعروس بليلة زفافها.

 

خطواتها، تحركاتها، كل ما بها يبدو عفويًا ولا يُثير أي من شكوكه، نفس تلك الهيئة اللعينة أوقعته مرارًا، دائمًا أبدًا كان ولا يزال يُفتن بها، تخطف الأعين بطريقة تحبس الأنفاس، لقد كان مُحقًا عندما أخبرها أنها تُشبه الملائكة!

 

ولكن هناك حقيقة واحدة تعرفها البشرية بأكملها منذ فجر التاريخ، بل وما سبقها من الكائنات، لقد كان إبليس يومًا ما واحدًا من الملائكة، أو على الأقل كان يُخالطهم، وبجملة واحدة منه، بمنتهى الثقة والتحدي، عصى، وتحول من ملاك إلى شيطان، أو ليصيغها بشكل أدق وأشمل في نفس الوقت استنادًا على الكثير من الأدلة التي تنفي كونه ملاك من الأساس، لقد نُفي إبليس من الجنة وكل ما ينتظره هو العذاب المُقيم الأبدي، مثل ما ينتظر عاصيته الفاتنة ذات البهاء الملائكي!!

 

جلست أمامه، بأنوثتها المعهودة غير المبتذلة والتي لا يرتاب أحد بكونها فطرية عكست ساقًا فوق الأخرى، يا لها من قديرة باستخدام أسلحتها الفتاكة، ويا لها من زوجة بريئة بما تبدو عليه، ولكنه تعلم أن قمة الخطأ تكمن في الوثوق بامرأة، ولقد غرق في الخطأ حتى أصبح هو والقاع قطعة واحدة بمنتهى الغباء.

 

-       خلاص اخيرًا فضيتيلي، ناوية نعمل اللي اتفقنا عليه امتى؟

 

اتفاق، متى حدث؟ وأين كان هو؟ المحامي المخضرم ابن المحامي القدير اللذان بالكاد يخسران أمام خصم بالمحكمة، لقد كان مغفلًا على ما يبدو، كما تحاول أن تجعل منهن مغفل الآن وهو يشاهدها تبتسم له بمنتهى الرسمية الشديدة، ولكن لن تنطلي الخُدعة عليه.

 

كاد هذا الغبي أن يقول شيئًا ولكنها سرعان ما لحقته بنبرة تتخبط بين العفوية والتحذير:

-       متقلقش، هكلملك الناس وهنتفق على كل حاجة، هو أنا بس قلقانة عشان بيزنس جديد عليك خالص.

بما أن حيلتها لم يُصدق منها حرف واحد بعد تلك الملامح التي رآها متوردة في غاية التوتر منذ قليل وهو يلمسها بمنتهى الاريحية، فإذن لابد أن الحقيقة ستضح على وجهه الكريه، فسرعان ما حرق وجهه ذلك الفحم المتأجج بعينيه ليجد علامات الاستغراب مرتسمة على ملامحه كالأبله تمامًا، هنا تكمن الحقيقة بأم عينيها، هناك أمرًا تدعيه هي وتكذب به لدرجة أن هذا الوغد لم يفهم ما ترمي إليه!

 

سافرت مقلتيه بسرعة الضوء لوجهها، ابتلعت، أجلت حلقها، ثم اشفقت على عقله الغافل لشهور في غباء العشق والوله بمزيد من الأدلة الدامغة التي تُبين توترها، والكثير من الكلمات التي تؤكد له أن هناك ما يحدث بينهما بالفعل ولا يعرف هو عنه شيء:

-       قولتلك أنا هخلصلك الموضوع، بس اكيد بكرة في المكتب لما تجيلي التفاصيل بعد ما نناقشها مع الإدارة هتكون أوضح بكتير، استنى بس ارجع من اجازتي وكله هيبقى تمام، البيت مش مكان الشغل يا يونس، وأنا اللي فكراك كنت هتجيب يارا والولاد معاك وتيجو تزوروني وكده بما إني رجعت من السفر، فعلًا عمرك ما بيفرق معاك غير مصلحتك، المهم تاخدها بأي طريقة!

 

لقد كُشف بتنصته عليهما، تلقى الرسالة منها بوضوح، وخصوصًا وهي تُشدد على نطقها بأن البيت ليس بمكان للعمل، البيت الذي يقطن به زوجها المُغفل بالطبع، كما تلقاها هذا الحقير، أخيرًا فعل، وآخرًا سيفعل هو به الكثير، وبعدها سيحتفل بالتمثيل بجثته المغادرة للحياة بالتأكيد!

 

جابت عسليتيها الصافيتين المكان وهي تبحث عنه، لا تدري أين يقف تحديدًا ولكنه رأى الرعب بهما، فابتسم لتوترها الهائل الذي سيفتك بها عما قريب، كما رفع هذا المخـ.نث حاجبيه ثم اخفضهما في ادراك ما ترمي إليه، وما أكد له المزيد من ظنونه بشأن ما يدور بينهما هو تلك الحسرة المرتسمة على وجهه وزفرة الإحباط التي اطلقها وهو يقول بانزعاج:

-       ماشي، هستنى لبكرة، بس لما نشوف الموضوع هيمشي ولا لأ!

--

عصرًا نفس اليوم..

صمت تام، تعابير وجه وملامح غير مقروءة، وقرار عقل فاسد تتريث لسماعه وكأنه حكم حياتها، تستحثه مسلوبة الأنفس وكأنما انعدم الهواء حولها ولن تحصل عليه مجددًا سوى بأي ردة فعل منه أيًا كانت.

 

بالرغم من حالتها الرثة بمجرد لقاء عابر مع ابنة خالتها لعدة دقائق لم تكمل نصف ساعة، إلا أنها تعلمت قواعد هذه اللعبة ببراعة وصلت لدرجة الاحتراف، لو رأى أو لمح خوفها وترددها وترقبها ستُثبت التهمة عليها، وهذه سيُرضي غروره. وهذا الأمر ليس غايتها.

 

لو تصنعت الصلابة والبأس، سيُغضبه الأمر حتمًا، وسيزداد العقاب بأس مماثل لبأسها، وستصل إلى معدنه الحقيقي وستُكشف لأعماقه حتى النخاع، وما هو عليه ليس سوى مرض ومحرك انتقامي تجاه النساء في العموم وتجاه الخائنات في الخصوص، ولتشابه ملامحها مع حبيبته السابقة يبدو أن لها اليد العليا في احراز ما تريده، ولن تتوقف حتى تصبح هذه الغرفة بكل ما تحتويه لها هي في المقام الأول لتستغله لمصلحتها على أكمل وجه.

 

أغلقت عينيها، لم تعد تكترث بما يفكر به في هذه اللحظة تحديدًا، وصرخت منتحبة على ما وصلت له، لقد أصبحت عا هرة مخضرمة مستغلة فقط لتتخلص من جنون مرضي يرفض بشتى الطرق أن يُعالج..

 

كاد صراخها الداخلي أن يتعالى ليصل إلى مسامعه وهو جالس يدخن سجائره في توالي وهي تتذكر واحدة من ذكرياته المرعبة التي تركها لها كسبب قاطع للفرار بنهاية نوبة هوسه الأخيرة التي نبهتها لفداحة ما تتعامل معه، وللأسف كانت ظنونه خاطئة، والأمر ذكرها بما يمر عليهما الآن!

 

-       عمر، أنت بتعمل ايه؟

 

 حاولت تفقد مصدر ذلك الصوت الغريب الذي أفسد نومها وانتشلها منه ثم رمقت الساعة لتجدها الثالثة والنصف صباحًا ومن جديد توجهت نحوه بتلقائية لتتبين أنه لا يرتدي سوى سرواله الداخلي واقفًا أمام حاسوب لأول مرة تراه منذ تزوجها به، فوق طاولة من المعدن المختلط بالزجاج بمنتصف غرفة الملابس المُلحقة بغرفة نومه، بجواره زجاجة من الخمر على ما يبدو يحتسي منها مباشرة، وبيده احدى سجائره ويده الأخرى ممسكة بقابس الحاسوب واسلاكه تصدر شررًا بفعل الكهرباء الموصولة بطرفه الآخر.

 

سرعان ما توجهت نحوه وارتفع الادرينالين فورًا بدمائها وتركها شعور النعاس وتخلى عنها تشويش الرؤية وهتفت به:

-       فيه ايه؟ ايه اللي بيحصل؟

 

رفع رأسه نحوها وهو ينظر لها بملامح رجل يحمل خطة وكأنه سيُنهي بها حرب دامت لقرنين من الزمان!

 

-       عارفة، أنا هاعمل المقلب ده في لابتوب عُدي وساعتها هيتكهرب لما يمسكه كده.

 

صرخت به فورًا وهي تتجه نحوه لتمنعه عن لمس الشرر المتطاير:

-       لا استنى هتتكهرب متلمسوش خالص

 

توجهت سريعا لمصدر الكهرباء وسرعان ما انتزعتها من القابس وأنفاسها احتبست بداخلها وهي لا تصدق ما تراه يفعله لتجده يتوجه نحوها مبتسمًا بمكر وسألها باستهزاء:

-       ايه؟ خايفة على عُدي؟ مش هياخد باله إن السلك مقطوع وملمس!

 

اقترب منها وألقى سيجارته المشتعلة أرضًا على ملابسه التي خلعها منذ قليل ثم احتسى من الزجاجة لتتوسع عينيها تجاه سيجارته الملقاة فهي ستسبب احتراقًا بالغرفة التي اكتست ارضيتها بالخشب بأكملها.

 

-       للدرجة دي بتخافي عليه وفكراني مش واخد بالي، بس لأ يا قطة، لا هو منحصل حصل خلاص

 

اتسعت عينيها مشدوهة بما تستمع له يُغادر شفتاه ولكنها اتجهت سريعًا لتحاول احتواء هذا الحريق قبل أن يلتهم كلاهما أحياء، الأمر بات متعلق بأولى درجات الأمان الإنساني، ولا تصدق أنه يبالغ في أمر كهذا.

 

هرعت لتجلس أرضًا على ركبتيها وحاولت بسرعة أن تخمد تلك الأدخنة القليلة التي بدأت تتصاعد من قميصه وهي تدك القماش بعضه ببعض وتطفأ مصدر الاشتعال الطفيف لتستمع له خلفها يضحك بسخرية وهو يتحدث بمنتهى الأريحية ونبرة ثقة لا مثيل لها:

-       لسه طبعًا هتدافعي عن الحيوان ده عشان بتحبيه، المحاضرة قربت أوي، يا ترى ايه سبب إنك كنتِ سهرانة معاه طول الليل المرادي؟ شغل؟ ولا كان بيشتكيلك إن أخوه فاشل وبيضايقه هو واصحابه؟

 

هنا قارب عقلها على الانفجار ونهضت لتصرخ به:

-       فوق من الزفت اللي أنت فيه ده بقا، عُدي ايه اللي كنت سهرانة معاه، أنا بقالي شهر مبخرجش من البيت ومحدش بيجيلنا، كفاياك شُرب الزفت ده وفوق عشان أنا خلاص تعبت ومبقتش قادرة استحمل!

 

اتجهت بعصبية لتغادره وامسكت بالسلك بطريقها للخارج كي لا يفتعل به كارثة جديدة لتجده يجذب ذرعها بقوة وقبل أن تتحرك وجدته يصفعها وصرخ بها:

-       كالعادة أنا الغلط عشان بشرب، انما واحدة خاينة زيك هي اللي صح، فكراني مش عارف اللي بينك وبينه، أنا فاهمك كويس أوي وعارف كل اللي بيحصل من ورا ضهري

 

لم تستطع منع تلك الدموع المتحجرة فوق عينيها ورغمًا عنها آتى صوتها واهنًا من وصفها هذه المرة بالخائنة وهو يصفعها مثل ما فعل أمس بل بلطمة اقسى هذه المرة وهي تواجه منه تلك النظرات التي تتهمها بالكثير أسوأ من أي كلمات قد ينطقها بلسانه:

-       أنا مفيش بيني وبين عدي حاجة، وكل دي تخيلات في دماغك، حرام عليك فوق من اللي أنت فيه ده!

 

ابتسم لها ابتسامة جانبية مستهزأ بكل ما تحاول أن تبرره له ودفعها أمامه حتى واجهت الحائط ووجدته يُمسك بالسلك من بين يديها وكرجل مارس الكثير من طقوس السا دية مع العديد من النساء لم يكن صعبًا عليه أن يقيد يديها خلف ظهرها في غضون عدة ثواني وعدة ثواني أخرى كانت كفيلة لتمزيق ملابسها وهو يهمس بغل من بين أسنانه الملتحمة:

-        عاجبك فيه ايه، كل اللي بعمله معاكي مش عاجب، لو كنت عاملتك زي الكلبة من الأول كان زمانك اتربيتي، بس أنا هربيكي من أول وجديد..

 

حاولت أن تمنع تلك الدموع التي قاربت على مغادرة عينيها، حريق، جنون، اغتصـا ب، بليلة واحدة، بالإضافة إلى عبث بمصدر كهربائي، يا لها من عدة أسباب كانت لتكتب في تقرير وفاتها، أو؛ وفاتهما سويًا!

 

ماذا لو كانت استغرقت في النوم هذه الليلة؟ ماذا لو وجدته يومها بوسط نيران لا يستطيع التخلص منها؟ هل كانت لتنجو هي نفسها في الوقت المناسب من حريق؟ وكيف سيكون رجل مثله زوج ووالد مسئول عن طفل صغير وهو من يحتاج لمن يرافقه ليطمئن أنه لا يفعل شيئًا كارثيًا؟

 

وها هو اليوم يرتاب بشأن وجود علاقة شائنة تجمعها بابن خالتها الذي كانت تعرفه منذ أنو كانت طفلة وتقسم أنها لو أرادته لكانت تزوجته منذ عشرة سنوات!

 

مرضه سيستمر، وستستمر ظنونه، تتذكر حديث "مريم" عن تلك الأعراض الخاصة باضطرابه خصيصًا بذلك اليوم، هناك بعض الأوقات سيُخيل له أن الجميع اعداءه، وأنهم يدبرون المكائد له، حتى هي لم تسلم من نعته لها بالخائنة، ولكن لعنتها معه أنه يُريدها دائمًا وأبدًا.. وستتخلص هي منه بكل الطرق الممكنة.

 

شعرت بالقشعريرة بأكمل جسدها فنهضت لتنظر له نظرة ثلجية لم تظهر بها دموعها قط، وحدثته بملامح متقززة ونبرة ثقة طاغية:

-       فكر زي ما أنت عايز، أنا عمري ما عملت حاجة غلط، وعمري ما كنت خاينة.

 

ابتسم بداخله دون أن تنعكس مشاعر على وجهه، لم ينطق هو بحرف واحد وها هي تنعت نفسها بالخائنة، وكأن نفيها الصفة في نفس الجملة الواحدة ستشفع لها بتصديقه إياها!

--

 مساءًا نفس اليوم..

 

لقد رأى كل ما التقطته كاميرا المراقبة، نسختها من القصة تماثل باحترافية ما حدث، لم يقف معها سوى لدقيقة واحدة، لم يرى سوى اقدامهما فقط، ويده عندما وضعت الكوب بعيدًا لا يستطيع الحصول على ملامحهما، لم يرى بقية ما حدث، لابد من أن يصحح وضع هذه الكاميرا، يبدو أنه هناك أكثر من السرقة ليقلق بشأنه.. كزوجة خائنة!!

 

دقيقة واحدة كفيلة لتبادل قبلة محمومة بفعل الغياب، كفيلة لتحول لون وجهها، كفيلة ليخبرها أنه اشتاق إليها حد اللعنة، كفيلة لاعترافها له باشتياقها إليه، وكفيلة بجعل رجل يظن أنه حصل على أنقى نساء الأرض، أكبر ساذج ومغفل بالحياة، كل شيء قد يحدث بدقيقة واحدة فقط!

 

أشعل سيجارة جديدة ببقايا السابقة، ثم نفث دخانه أمامه في سماء الليل التي عابت نجومها، سحب ماذا التي تتواجد بصيف حار؟ أم عينيه عمت بالفعل؟!

 

لقد أصبح ضريرًا، كما لم يرى خيانتها لم يعد يرى السماء الداكنة بنجومها اللامعة، ولا قمرها الساطع، ربما غابت زينة السماء لتترك له تفسير وحيد كي تنبهه إليه، حياته باتت سوداء تمامًا كالسماء أمام عينيه!!

 

-       حاسة إنك احسن دلوقتي؟

-       انتي عارفة إني قاعد متجنن كل ده ومستنيكي ترجعي من سفرك بقالي قد ايه واتشقلبت لهدى ازاي هي وطنط علشان يعرفوني أول ما توصلي؟

-       يونس بجد مش وقته

هذه كانت كلماتهما سويًا، عشيقان، مغرمان، مزق كلاهما لوعة الغياب والشوق الجارف، عقله يأبى سوى تصديق هذا!!

 

أين عقله الآن عندما يحتاج له؟ لماذا غاب صوته عندما رأت عينيه ما رآه؟ ولماذا أصبح أخرس بعد ما استمع بأذنيه إلى ما استمع له؟

 

-       ما تنطق، دور الأخرس ده مش لايق عليك خالص، فينك يا صوت الحكمة يا حنين؟!!

 

العقاقير التي تحسن من حالته نوعًا ما سكنت هلوساته قليلًا، وبالطبع لا يعي هو ذلك بعد، ولن يعي الأمر عما قريب سوى بالوقت الضائع!

 

-       عمر، أنت بتقول حاجة؟

 

كان هذا تساؤل من أخيها الذي التفت نحوه عندما انتبه على صوته ولم يلحظ أنه كان جالسًا على طاولة أخرى بحديقة المنزل بالقرب منه وحدق به كثيرًا قبل أن يجيبه قائلًا:

-       كنت بسأل فينك النهاردة، يونس كان عندنا الصبح، وسأل عليك

 

رفع يده باعتراض ثم حدثه بتلقائية:

-       كنت في امتحان، وقولتله كذا مرة يستناني بس هو كده رخم، مش عايز يتغلب باين عليه

 

قلب شفتيه وكرر بنبرة متسائلة:

-       يتغلب؟!

 

أومأ له بالموافقة وقال بنبرة اعتزاز بالنفس:

-       مبيعرفش يصمد ماتش قدامي وعليه تار قديم

 

ابتسم بسخرية له وسأله:

-       ماتش، انتو أصحاب بقا على كده؟

 

رفع كتفيه ثم اخفضهما وتناول المزيد من أطراف الحديث معه:

-       طبعًا، يونس عسلية خالص، بس بيني وبينك يعني ومتقولش لمامي وروان، هما شايفينه شقي حبتين ومبيحبونيش أطول معاه كتير، بس مفيش ولد غيره في العيلة اعرفه

 

كرر مجددًا بنفس النبرة المتسائلة:

-       عسلية!! ويا ترى مش بيحبو تطول معاه ليه؟

 

غمز له بمزاح وهو يبتسم ببعض الخجل وقال:

-       عشان حوارات البنات، بس عليه مزز ايه، مبيبطلش!!

 

ضحك بسخرية بعد أن أدرك أنه على ما يبدو انعدام كل ذرة رجولة بهذا المنزل، لا أخيها ولا ابن خالتها وهكذا يظن أن والدها هو الآخر لم يكن جميعهم سوى مخنثين، ربما فقط هذا المخنث يتميز عنهم بكونه طويل القامة ولوح من السكر أصفر اللون الفاسد اللصوق كما وصفه أخيها، ومن الواضح أن هذا هو نوعها المفضل!

 

-       ماشي، هسيبك أنا بقا تكمل مذاكرة.. تصبح على خير.

--

جال الطريق بسيارته، قاد بسرعة معتدلة، لا يدري ما الذي يفعله منذ رؤية واستماع ما استمع له، يعرف أمر واحد فقط لذلك يحافظ على المداومة عليه حتى الآن، ألا وهو التجاهل، ولقد آتى بثمارٍ طيبة المذاق لم يتذوق مثلها يومًا ما سوى معها هي وحدها.

 

عندما جُرح بالخيانة بالسابق بكى كالطفل الرضيع، أمّا هذه المرة فلا يدري ولا يعرف ما الذي يحدث له، هل هذه هي الصدمة؟ الغضب؟ أم عدم تصديقه للأمر وتصديقها هي؟ هل يثق بها ثقة عمياء؟

 

زفر مُبتسمًا بسخرية، وأخذ يقود على غير هدى ليلمح أنه بواحد من الشوارع الحيوية للغاية ولكن على ما يبدو أن قُبيل منتصف الليل يبدأ الازدحام بالتشتت وتبدأ الحياة الليلة تأخذ مجراها.

 

لمح امرأة ترتدي ملابس فاضحة نوعًا ما، تضع الكثير من مساحيق التجميل، عا هرة رخيصة، تنظر لكل سيارة بها رجل أو حتى رجلان، فتوقف على مسافة بعيدة منها وأخذ ينظر لها، تمعن كل ما بها، حدق بكل تفاصيل قوامها، تملك جسدًا رشيق نوعًا ما، هناك بعض المناطق المغرية بها، أي رجل لن يُمانع قضاء ليلة معها، وبتلك الإشارات منها تبدو مخضرمة وستقرأ من سيلقي لها ورقة واحدة من أعلى فئة نقدية بمنتهى السهولة وستستطيع امتاعه، وبالرغم من كل ما لديها لم تنجح في اثارته، ولو لجزء من الثانية،  عشقها جعله يعتزل النساء سواها، يا له من غبي!

 

انطلق عائدًا لمنزله، لا يقتنع سوى بوجود ما تُخفيه زوجته هي ولوح السكر الأصفر اللصوق كما وصفه أخيها، ما الجمال في هذا التشبيه، مثل تلك الألواح من الحلوى تترك اثرًا في اليد مزعج للغاية، أو ربما لأنه لم يكن يومًا مولعًا بالحلويات، مذاقها يُزعجه ويجعله يُريد التقيؤ!

 

تريث أمام البوابة الخارجية لبرهة حتى بعد أن فُتحت، عقله مُلبد بالكثير من الظنون، هذا لابد أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، لقد قام بخداع "يمنى" لمدة سنوات، ما الذي عليه فعله الآن مع زوجته التي وثق بها ثقة لم يثقها في امرأة طوال حياته، يُعذبها بغرفة مغلقة لسنوات ثم يقتلها، ربما هذا هو الحل الوحيد.

 

أخذتاه قدماه ليجد نفسه أمام فراشهما وسلط انظاره عليها وهي تغط بنومٍ عميق، لا يلمح سوى وجهها، شعرها البني الطويل مسترسل بجانبها على الوسادة، عنقها، ذراعيها، ونصف ساق بينما غابت ساقها الأخرى أسفل الأغطية.. تبدو فاتنة ومثيرة أسفل عينيه أكثر من تلك المخضرمة، ولولا غياب عقله بتهيئة الجحيم التي سيصنعها خصيصًا من أجلها لكان أخذها أسفله الآن!

 

جلس بالقرب منها يُتابعها بعينيه، يتأكد في هذه اللحظة أنه لم يعشق امرأة مثل ما عشقها، ولن يعشق بعدها ولو تلاقت السماوات والأرض، تلك الفاتنة اللعينة التي تذيب قلبه بنظرة واحدة من عسليتيها، بتلك الثقة الظاهرية والهشاشة الداخلية التي بها، من بعيد يراها أي رجل امرأة ناضجة مهلكة الأنوثة، أما من قريب فلا يدري هل هي طفلة أم صديقة أم حبيبة وزوجة، ما الذي تفعله به؟ وإلي أين سيصل معها بعد ما اثارت تلك الظنون بداخله؟!

 

اطنب بجلوسه إلى ساعات الصباح الأولى حتى رأى شمس الصيف تسطع بالسماء، فنهض وهو يلملم بصدمته التي لا يدرك أنها صدمة بعد ثم بدل ملابسه وتوجه للعمل مباشرة، كنوع من أنواع الفرار.

 

وبعد كل تلك السنوات لا يعرف نفسه بعد، فالضغط النفسي الشديد عليه دائمًا ما يُبدل حاله، اقترابه من خسارتها ومغادرة حياته عندما طالبته بالطلاق، تحفيز صدماته اثناء سفره، عودته وما نساه بالفعل بعدها، كلمات والده، ارتيابه واعراض امراضه التي لا ترأف به، عدم وجود وجه وحيد لتربية رجل بشكل سليم بداخله، كل هذا يُفسد بعقله بشدة ويدفع به للهاوية، وعدم اقتناعه بوجود ضرر به وايمانه بأنه بخير يُزيد من بشاعة ما يحدث له، وهو لا يدري!

 

سرعان ما وجد نفسه يتواجد قبل الموظفين بأكملهم، ولا يكترث حقًا بالعمل، اكتفى بترك رسالة إلي "باسم" بعدم ازعاجه، ورمق ما لا يقل عن عشرة ملفات للتوقيع موضوعة فوق مكتبه بتنظيم شديد، زفراته تتابعت بملل شديد تجاه مواجهة العمل، وبمجرد مسه زر حاسوبه ولمحه ذلك الرقم المكون من ثلاثة ارقام أخر كان بمثابة رعب شديد له..

 

فعل مثله مثل أي طفل يتهرب من دروسه المتراكمة، توجه إلى الأريكة المُلحقة بغرفة مكتبه بعد أن أغلق الباب من الداخل، ثم جلس يحدق في الفراغ وهو يحاول أن يُفكر فيما عليه فعله بشأن زوجته.

--

على النقيض تمامًا، كونها امرأة مسئولة، تعلم جيدًا ما عليها فعله، اتجهت لعملها بنشاط بالرغم من كل ما يدور بداخلها من زوابع لا نهائية وتخمينات وافتراضات بشأن زواجها المشؤوم، وتركت لوهلة الحياة الشخصية جانبًا واهتمت بمنتهى العناية بما ينتظرها من اعمال متراكمة.

 

تنهدت وهي تُلقي بعينيها على بريدها الالكتروني ورتبت سريعًا برأسها التصرف في كل تلك الرسائل غير المقروءة أن ترى ما بهم بُناء على ترتيبها لأولوية هذه الملفات التي قسمتهم هكذا منذ سنوات، فهذه ليست مرتها الأولى في التصرف في العديد من الأعمال المتراكمة.

 

ولكن قبل كل هذا عليها أن تُنهي اجتماع واحد بصحبة "علا" وهذا سيمهد لها الكثير من التوقعات قبل أن تجد نفسها في احداث غريبة لم ترها ولم تحضر نشأتها.

 

لم تتركها منتظرة كثيرًا وآتت بملامح غريبة وابتسامة اغرب لم ترها على وجهها قط منذ أن كانت مساعدة والدها منذ سنوات وحالة من التوتر غير معهودة عنها فسألتها بنبرة عفوية:

-       اقعدي يا علا، مالك حساكي متغيرة اوي كده ليه؟

 

لمحتها تبتلع وهي تنظر لها بحيرة شديدة وحاولت انتقاء كلماتها مليًا لترتشف "روان" بعضًا من قهوتها ثم انتظرت بنفاذ صبر ودت اخفاءه قليلًا بينما اجابتها بقليل من التردد:

-       بصراحة حصلت حاجات كتيرة اوي الفترة اللي فاتت دي، وأنا حاولت اوصلك اكتر من مرة بس معرفتش

 

أومأت لها بالتفهم وعقبت بنبرة هادئة:

-       أنا فاهمة، اكيد حاجات كتيرة حصلت، واحدة واحدة كده وقوليلي بالترتيب ايه اللي حصل، حاسة إن فيه حاجات غريبة انا معرفش عنها أي حاجة بس أيًا كان اللي حصل مش ذنبك يعني ومتأكدة إنك اتصرفتي بأحسن طريقة ممكنة واحنا مش اول مرة نشتغل سوا، فقوليلي ايه اللي حصل ومتقلقيش من حاجة.

 

 تنهدت مساعدتها وازداد توترها ثم أخرجت ورقة وضعتها امامها وقالت:

-       كل حاجة ابتدت يوم ما Mr. عمر جه ووراني التوكيل ده!

 

قصت عليها كل ما حدث، تفاصيل تلك الدفعة الهائلة من المال التي قام بتحويلها لحساب الشركة، تلك القرارات التي قام بها، ووضعها المخجل من أن تقوم بقبول توليها هي نفسها كل الصلاحيات وأن تحل محل "روان"، وحصوله على معلومات من إدارة الأمن بالشركة، ولم تترك امرًا دون أن تخبرها به ووضعت القرار بيدها كالعادة، ولم تمر المحادثة دون صدمة شديدة حولت وجهها لعدة دقائق كوجه فارق الحياة تمامًا!

 

لقد كانت تعرف بالفعل أنه يمر بنوبة هوس، ولكن أن يصل الأمر لتوكيل كامل بالإدارة وعليه توقيعًا منها لا تدري ولا تعرف متى وكيف حصل عليه وأين كانت هي، هذا كان بعيد كل البُعد عن مُخيلتها!

 

نظرت بالتاريخ وتيقنت من أن الأمر تم اثناء تواجدهما بغرفة الفندق بعد العشاء الذي كان أولى قراراته العجيبة، لابد من أن الأمر تم اثناء ثمالتها، يا له من وغد أن يستغلها بهذه الطريقة!!

 

قد تستهين بحقها هي نفسها معه، قد تتحامل على كرامتها تحت مسمى الحب، ربما تتحمل الكثير من أجل الفرار بأنسب طريقة مُناسبة من وجهة نظرها، فهذا شأنها وهي من ستتكبد ثمن افساده حياتها، لقد كانت غبية في القبول برجل كهذا ليُصبح زوجها وعشقته وهي من ستتحمل العناء، ولكن أن يصل الأمر للعمل، يستحيل أن تقبل بهذا أبدًا!

 

اخذت وهلة تُفكر بها بينما نكست "علا" وجهها أرضًا بعد عدة اعتذارات منها بأن كان عليها أن تقبل بعرضه عليها سابقًا، شردت في الفراغ لعدة دقائق متتابعة في صمت ثم همست قائلة:

-       هو ده بس اللي حصل؟

 

هزت رأسها بنعم لتبتسم لها قائلة:

-       طيب حلو اوي، خللي كل حاجة زي ما هي، ما أنا عارفة أصلًا.. خضتيني جدًا، وشك كان متغير وكأن فيه مصيبة حصلت!

 

رمقتها "علا" باستغراب هائل وسألتها بتعجب:

-       ازاي هنخلي كل حاجة زي ما هي و..

 

-       فيه ايه يا علا، مانا عارفة كل ده، افتكرتك كنتي بتتكلمي عن حاجة تانية حصلت وانا معرفهاش.. بس تمام، كله ماشي يعني زي ما أنا كنت عايزة بالظبط، الفكرة اني كنت مشغولة بحاجة تانية وعمر هو اللي خلص كل حاجة.. ولا نسيتي ان جوزي في يوم من الأيام هو اللي خلصنا من موضوع تزوير الورق اللي عمله عمي؟!

 

اقترب حاجبيها بعدم فهم لكل ما استمعت له بعد أن قاطعتها بابتسامة عفوية وقبل أن تخبرها بالمزيد استمعت لاهتزاز هاتفها فنظرت لتراه "يونس" لتزفر بضيق ونهضت وهي تخبرها:

-       تعالي نروح نجيب حاجة ناكلها.. حاسة اني جعانة شوية.. وبالمرة اخد لفة في الشركة بقالي كتير مشوفتش الناس.

 

هذا هو الحل الوحيد، بعد معرفتها من "علا" أنه تفقد كاميرات المراقبة من القسم الأمني لم يعد لديها سوى الثقة العمياء بأنه يُراقب كل ما تفعله، ولا تستبعد أنه قد يتنصت عليها الآن، السؤال الأهم من أي شيء الذي يطرق على عقلها دون توقف، هل يتذكر أي من هذا أم نساه تمامًا؟

 

تبعتها مساعدتها الشخصية بعد أن تقدمت هي وتعجبت للغاية من ردة فعلها، لم تتوقع أنها هي كل من خلف ذلك وفجأة رأتها تدخل إلى الحمام الملحق بهذا الدور وهمست لها:

-       تعالي..

التفتت لها لترى ملامحها اختلفت تمامًا عكس ما كانت منذ قليل ثم هتفت بها هامسة:

-       اعملي اللي بقولك عليه، هتكملي في موضوع الإدارة ده زي ما انتي، واعتبري إني كنت أنا اللي واخدة القرار اللي طبعا اتفاجئت بيه ومعرفش عنه أي حاجة، ولو حصل في أي وقت مواجهة بينك وبينه المفروض إني عارفة كل حاجة وأنا اللي بعت التوكيل معاه!

 

ازداد قلقها للغاية وسألتها بتردد والحروف التي نطقت بها تقطعت بعدم فهم:

-       بس ازاي اكمل وانتي موجودة، يعني، مظنش هينفع، احنا الاتنين هنحضر الاجتماعات ولا مين فينا ياخد القرارات ولا هنعمل ايه بالظبط؟

 

زفرت بنفاذ صبر وقالت بلهجة مُسرعة:

-       اسمعي كلامي وخلاص يا علا ارجوكي وكل حاجة هتتظبط ده لو عرفت اجي الشغل الفترة الجاية، واهم حاجة دلوقتي، عايزاكي تشوفيلي مع مدير الأمن هو اخد منه ايه بالظبط، وعرف منه ايه، وتروحي تجيبي الأكل زي ما قولتلك ولا كأن فيه أي حاجة!

 

أومأت لها بالموافقة وتوجهت للخارج فأوقفتها قبل أن تنسى:

-       هاتي موبايلك اعمل منه مكالمة معلش.

 

ناولتها هاتفها فسرعان ما طبعت رقم "يونس" وتركتها "علا" وغادرت وبمجرد رده زجرته بشدة:

-       أنت مجنون يا يونس ولا اتهبلت، للدرجة دي طفل صغير وبتحطني في وسط الهبل بتاعك ده!

 

تعجب لمن يحدثه ثم تسائل:

-       ثانية بس مين معايا؟

 

اجابته هاتفة به:

-       أنا روان يا زفت!

 

تعجب ثانية ثم سألها:

-       وانتِ بتكلميني من رقم غريب ليه ومردتيش عليا؟

 

اجابته بلهجة متعجلة:

-       بص، أنا جوزي وأخته غيرنا خالص، بيغير غيرة مش منطقية، وانا مش ناقصة مشاكل، لو سمحت اتصرف في الموضوع بتاعك ده بعيد عني عشان ميحصليش مشاكل!

 

همهم متفهمًا ثم همس:

-       عشان كده امبارح كان شكله غريب..

 

تريث لبرهة ثم تابع دون أن يغفل عن الوصول لهدفه:

-       معلش يا روري مقصدتش اعملك حوارات، عمومًا بقا قوليلي، هنعمل ايه في الموضوع اللي قولتلك عليه؟

 

توسعت عينيها في اندهاش من كثرة الحاحه التي لا تنتهي ثم اجابته بالرفض القاطع:

-       لا لا مفيش هنعمل، فيه هتعمل، هتتصرف، أنا ماليش دعوة بالكلام ده خالص!

 

تنهد وسرعان ما استرسل في كلماته التي اعدها مسبقًا بعد تفكير دام لحوالي شهرين:

-       يعني أنا ممكن بمنتهى السهولة اروحلها كُليتها وتلاقيني قدامها، بس الفكرة لو حصل أي رفض منها ممكن توقع العيلتين في بعض وشكلي هيكون وحش اوي قدام أهلها وده هيخلي فيه مشاكل بين العائلات مش لذيذة، وبعدين صدقيني حاولت بكل الطرق اجيب الأكونت بتاعها من أي فيسبوك أو تويتر او انستجرام كل حاجة عليها privacy ومش عارف ابعتلها أي حاجة وحتى أصحابها مش عارف الاقي منهم حد.. قولتلك إني مش قدامي أي حد غيرك..

 

تنهدت وهي غير مقتنعة بتصميمه وشدة الحاحه على هذا الأمر ثم حدثته بيأس:

-       بصراحة يا يونس مظنش إن بنت زيها تنفعك، فرق السن، وهي مركزة أوي في دراستها ولسه قدامها كتير وهي مش بتفكر زي البنات اللي عايزين يرتبطوا وأظن واحدة زيها مأجلة خطوة زي دي لبعد الدراسة، كمان مش مناسبة ليك، بص هي عاملة كده زيي زمان شوية لما كنت رافضة أي ارتباط في سن صغير!

 

تمنت لو اقنعته تلك الكلمات حتى تنتهي من الحاحه ولكنه سرعان ما عقب وكأنه حضر كلماته مُسبقًا:

-       أنا بقى يخصني أنا وهي نرتبط امتى ولا منرتبطش، وبعدين عجباني وهعرف اقنعها، انتي وانتي صغيرة مكونتيش عجباني عشان كده محاولتش اصلًا اقنعك بحاجة، خليكي في حالك وظبطي خروجة بس واحدة لينا احنا الاتنين وكأننا اتقابلنا صُدفة وسيبي الباقي عليا ومتشغليش دماغك بيا خالص.. ومتجبيش سيرة لحد من اخواتها وأنا بس اول ما اتطمن مش هصغرك، وبعدين البنت دي بالذات مش هينفع معاها أي لعب لأن الموضوع داخل فيه قرايب.. أنا فاهم ده كويس اوي!

 

تريثت لبرهة وهي تُفكر بالأمر ثم قالت بعد تنهيدة طويلة:

-       ماشي، بس هي مرة واحدة مفيش غيرها، بعد كده أنا ماليش دعوة خالص بالموضوع ده، ولو حصل أي مشكلة بسبب هبلك ده يا يونس أنت لواحدك وأنا الموضوع ميخصنيش.. اتفقنا؟

 

سرعان ما آتاها رده الواثق الذي لم يخل من إلحاحه المعهود:

-       اتفقنا يا ست البنات، ها بقا، امتى؟!

 

ردت وهي تُفكر فيما عليها فعله ثم أخبرته قائلة:

-       اديني عشر دقايق وهبقى اكلمك تاني من الرقم ده لأن موبايلي فصل..

 

أنهت المكالمة وهي لا تصدق أنها باتت ترتاب بشأن تنصته على مكالمتها وشعرت بأن عدم الأمان الذي باتت تعيش به أكثر مما تتحمله، لوهلة لا تتمنى أكثر من مجرد يوم طبيعي دون شكوك وظنون وتفكير يؤلم الرأس، يا ليتها لم تلتق به ويا ليتها كانت ذكية لتستطيع معرفة ما هو عليه منذ أن رأته!

 

لم يعد هناك وقتًا لتضيعه، فليستمر العمل كما شاء، ولتستمر هي في كونها زوجة جيدة كما يُريد إلى أن تصل لتلك الأوراق وتحصل عليها ووقتها إما أن تتخلص منه بحصولها على طلاق فوري، وإما ستقوم بفضح تلك الصورة التي يُحافظ عليها لسنوات..

 

تلك المُسماة بـ "يُمنى" يستحيل أن تخبرها عن هذا الأمر دون وجود دليل ما يُدينه بخصوص أي لعنة ارتكبها بالسابق، كما يستحيل أن تكون هي غبية وتُعطيها هذه الأوراق، ولو كانت كاذبة ستعمل بمنتهى الجدية على أن تتملك أي دليل يُدينه حتى تتخلص منه للأبد!

 

--

بعد حوالي ساعة..

أزعجه صوت اشعار من هاتفه ليجد نفسه قد سقط في النوم دون أن يشعر فتنبه ثم اتكأ ليجلس وتفقد الرسالة ليجدها من الحراس الذين عينهم لها ليجد أنها التقت بأخته وكلتاهما جالستان بمكان ما ليس ببعيد عن مقر شركتها.

 

مسح وجهه ليزيل عنه اثار النُعاس ثم خلل شعره ولم يجد بداخله حل بعد لما رآه بينهما، ظنونه بأكملها تدينها بالخيانة، ولكن كلما ظن بها أمرًا يجدها في النهاية بريئة من كل ما نسبته إليها ظنونه، اللعنة على العشق وعليها!

 

-       بلاش، بلاش يا عمر وهتطلع في الآخر ظالمها

 

ابتسم بسخرية ثم تكلم بنبرة خافتة مستهزئة:

-       اخيرًا اتكلمت، هو أنا لما رجعت من السفر نسيتك هناك ولا ايه!

 

كثيرًا ما سأل نفسه ما هذا الصوت الذي بات يُصادقه منذ خيانة "يُمنى" له، ولكنه لا يزال مقتنعًا أنه يُفكر بصوتٍ مرتفع ليس إلا!!

-       ازاي أكون ظالمها وانا شايف ايده عليها، لازم استنى لغاية ما اشوفهم في سرير واحد وساعتها ابقا مش ظالم مش كده؟

 

لم يُجبه الصوت ليجد نفسه غارقًا في صمتٍ لا نهائي وصورتهما أمامه لا تفارقه فحدق بأرضية غرفة مكتبه وتسائل:

-       سكت ليه؟ مش عايز تعترف انها خاينة عشان ميبقاش شكلك وحش قدامي في الآخر مش كده؟

 

آتى صوته يُحدثه بعد فترة:

-       بقولك ايه، مش أنت لسه محامي شاطر، أو يعتبر إنك كنت محامي شاطر بما إنك اخر قضية اترافعت فيها كانت قضيتها!

 

-       حاسس بنبرة تريقة!

 

 

 

استمع لصوت ضحكته الساخرة من نفسه ثم تواترت الكلمات على عقله:

-       قدامك حل واحد، يا تجيب دليل إنها خاينة، يا تجيب دليل إنها مش خاينة، الموضوع في منتهى السهولة.. وبعدين يا متخلف، لو فيه بينها وبينه حاجة هيبقى في البيت وقدامك.. مش شايف إنها اذكى من كده شوية؟

 

حك مؤخرة رأسه وهو يُحدق في نفس البقعة دون أن تذهب عيناه لمكان آخر وفكر في تلك الكلمات ثم قال بتنهيدة:

-       ولو طلعت خاينة؟

 

-       ابقا اعمل اللي انت عايزه!

 

 

-       بس دي مش يمنى عشان اضحك عليها سنتين واسيبها..

 

 

-       عارف، وعشان هي مش يمنى أنا متأكد انها مش خاينة!

 

 

-       أنت ليه دايمًا بتدافع عنها مع إنك المفروض تبقي في صفي أنا مش في صفها هي؟

 

 

 

غادر هذا السؤال شفتيه بصوت مسموع غاضبًا من تلك الأفكار المتلاحقة برأسه واتجه للحمام المُلحق بغرفة مكتبه ليغسل وجهه بينما اجابه الصوت:

-       عشان أنت بتحبها، وأنا عايزك تكون مبسوط، أظن احنا الاتنين عانينا بما فيه الكفاية، وإن ابن خالتها يجي ويلمسها في بيتك الموضوع بالنسبالي مش مقبول، بس ما يمكن الموضوع عندهم عادي!

 

عدل من مظهره وعقد شعره للخلف من جديد وهو يسخر بشدة:

-       برضو بتدافع عنها، اخرس واخرج من دماغي!

 

حدق بوجهه بالمرآة ليستمع لصوته هو نفسه بنبرة جادة للغاية:

-       هو أنا وأنت ايه؟ احنا الاتنين واحد يا عمر، أنت اللي بتدافع وأنت اللي شايف انها مش خاينة، بس خايف تعترف بده تطلع خاينة في الآخر وتطلع أنت مغفل وساذج ومفيش حد بيحبك، وأنت الإحساس ده بيموتك!

 

ترقب قليلًا وهو يُفكر بتلك الكلمات مليًا ثم أخذ قراره ناطقًا بعزم:

-       تمام، الدليل هو اللي هيبين مين فينا اللي معاه حق..

--

جلست تبتسم لها وهي تحاول أن تتغلب على نوبات الفزع الداخلية كلما فكرت فيما فعله وفيما عليها هي فعله، ولكنها لابد أن تغلق أولًا باب هذا اللحوح الذي لا يتوقف عن تصميمه على كل ما يُريده.

 

 لوهلة تفقدتها وشردت قليلًا دون اكتراث لما تقوله بالرغم من أنها تبدو مصممة وتتحدث باستمتاع شديد في قص تلك القصة الطفولية المليئة ببعض السلوك الذي يتسم به المراهقات، تبدو سعيدة للغاية بمجرد لقاء ونُزهة في مقهى لا يبعد كثيرًا عن جامعتها، لا تدري هل هي تشعر بالغيرة لأنها لم يكن لديها الوقت لفعل المثل، أم تشعر بالسعادة لأن فتاة مثلها تُسعدها مثل هذه الأشياء البسيطة.

 

-       احكيلي بقا، كنتي مبسوطة في السفر اليومين اللي فاتو؟

 

ذلك الالتماع بعينيها ونبرتها الحماسية وهي تسألها هذا السؤال عن حياتها مع أخيها تمنت لو أنها تستطيع قول تلك الكلمات التالية دون كذب أو ادعاء ولكن عليها أن تُكمل في هذه المسرحية حتى النهاية:

-       اه اتبسطنا جدًا وغيرنا جو وكنا مبسوطين، بالذات لما قفلنا كل حاجة كده وريحنا شوية من الشغل..

 

هذا كان مجرد عُذر ساذج لعدم اجابتها وتأخر ردها في الأيام الماضية عليها ولكنها عليها أن تقلب الأدوار سريعًا تمهيدًا لقدون ابن خالتها الذي لابد من أن يتخذ مكانًا الآن في أي لحظة قادمة:

-       بكرة تجربي لما تتجوزي حد بتحبيه ومتفاهمين هتحسي إن جوازكم أحسن قرار اخدتيه في الدنيا..

 

على الاستغراب ملامح "عنود" وكأنها لا تصدق ما تقوله فأردفت بمصداقية شديدة:

-       بس هديكي نصيحة لو هتعتبريني اختك الكبيرة، بلاش تتجوزي حد بسرعة زي ما عملت أنا وعمر، فيه حاجات كتيرة مكناش متفاهمين فيها وجت بعد فترة كبيرة من الجواز والأحسن إنك تعرفيها من أيام الخطوبة!

 

تحولت ملامحها للاستنكار التام وزفرت بتردد وكسى وجهها التقزز وعدم الاقتناع:

-       بصي أنا معرفش عمر ولا عدي كويس، طبعًا عدي بالنسبالي مفهوم عن عمر، بس أنا بصراحة مش عارفة ولا فاهمة انتيب تحبيه ازاي، إذا كنت أنا أخته ومعرفهوش.. يعني لما بلاقيكي بتتكلمي كده عن عمر الكلام ده مبيدخلش دماغي ولو لخمس دقايق، آه ممكن اصدق إن عدي أخويا دنجوان ويتحب ومقطع السمكة وديلها وممكن يحب واحدة عادي، انما عمر وانك مبسوطة مع شخصية غريبة كده، استحالة اصدق ده!

 

ضحكت بسخرية وسألتها بعفوية:

-       انتي ليه بتقولي كده؟ ده اخوكي يا بنتي..

 

تنهدت بعمق وعينيها توسعت وترددت في اجابتها قليلًا بينما اخبرتها في النهاية:

-       أنا فعلًا معرفوش، دايمًا جد ومكشر، وشبه بابا وانتي عارفة إني مبطيقش بابا، وبعدين طول عمره واخد مننا جنب وعايش لواحده وعشان طبعًا بابا مدلعه محدش بيقدر يعترض على حاجة هو بيعملها!

 

هزت كتفيها وحدثتها بتلقائية شديدة وهي تنحي تمامًا ما تعرفه عنه جانبًا بمنتهى الحيادية:

-       مش يمكن لو كان حد فيكم قرب منه سواء عُدي أو حتى انتي أو طنط كان رأيكم اختلف فيه!

 

ابتسمت بسخرية ثم عقبت قائلة باستخفاف:

-       صدقيني ده نسخة من بابا في كل حاجة، وبعدين اديكي اتجوزتيه وحبتيه وعرفتيه أكتر مني أنا وعدي وماما، تقدري تقوليلي ايه الحلو في شخصية زي شخصيته؟ لو فكرتي شوية مش هتلاقي فيه حاجة كويسة! أي حد شبه بابا عمره ما هيبقى كويس.. بس لو انتي مبسوطة خلاص، كل واحده أكيد بتعرف تتعامل مع جوزها!

 

حدقت بها وعقلها لا يتوقف عن التفكير بكلماتها وتمنت لو أنها تستطيع التعامل معه حقًا ولكن في الحقيقة هي لا تدري كيف تفعلها، ربما تحتاج لمعجزة إلهية حتى تستطيع التوصل لطريقة مثلى للتعامل معه.

 

لوهلة فكرت من ناحية أخرى تمامًا، كانت تريد أن تجيب عن هذا التساؤل، لعله يُلهمها بعض الصبر على كل ما تواجهه معه، وربما هي سبيل لإعادة تفكيرها بشأنه فحدثتها قائلة:

-       على فكرة فيه حاجات كويسة كتير ستات كتير بتدور عليها!

 

تقارب حاجبيها وملامحها يزداد عليها الاستهزاء برأيها تجاهه فسألتها:

-       ماشي أنا معاكي للآخر، بس زي ايه مثلًا؟

 

شردت قليلًا وهي تُفكر به وملئت رئتيها بالهواء ثم زفرته بالكامل ولم تر تلك الابتسامة على شفتيها واجابتها:

-       عنده طريقة غريبة اوي بيسمعك بيها غير كل الرجالة، يعني مش اللي بيهز راسه وخلاص ولا قاعد وبيسمعك كتحصيل حاصل، لأ هو بيركز في كل حرف بتقوليه وبيهتم بيه ولو بجد مزاجه رايق عنده استعداد يناقشك في كل حاجة حتى لو مش مقتنع بيها، رومانسي اوي وبيحب الشعر والتاريخ ومثقف جدًا من الناحية دي وبيحب القراية وساعات بلاقيه بيصدمني بحاجات معرفش عنها حاجة.. ليه كلام كده بتبقي واقفة قدامه ولسانك مش قادر يلاقي كلام يرد بيه عليه.

 

حاولت السيطرة على ابتسامتها الخجولة ونظرت إليها نظرة ذات مغزى ثم قالت:

-       ولما تكبري وتتجوزي في يوم وترتبطي بشخص كويس، العلاقة مهمة اوي بين الست والراجل، وهو شاطر جدًا في ده!

 

لوهلة سيطر التساؤل على وجه "عنود" وكادت أن تسأل فنظرت لها ببعض الجرأة ليختلط وجهها بالحمرة الشديدة بعد أن فهمت ما تقصده ثم غمغمت بإحراج:

-       يا ريتني ما سألت!

 

ضيقت عينيها وهي ترمقها مليًا ثم حدثتها بمزاح:

-       مش عملالي كبيرة وبتقوليلي بصي مشاكل المتجوزين اللي على الفيسبوك، معندكيش فكرة اخوكي ممكن يدي دروس في الحتة دي!

 

ضحكت كلتاهما بمصداقية لتنتشلها سريعًا من هذه الجزئية وشتت عقلها بالمزيد من تلك الأسباب التي تقنعها هي نفسها بعشقه وأكملت ببعض الجدية:

-       عمر بيعرف يضغط على نفسه، وبيعرف ينجح حسب امكانياته حتى لو مش بيحب الحاجة اللي بيعملها، ولما بيحط حاجة في دماغه بيعرف يوصلها.. وكشخص عمومًا هو حد بسيط، خيالي شوية بس مش انسان متطلب وعايز حاجات كتيرة، بمجرد ما المشكلة معاه بتبقى مش موجودة بحس اني مش محتاجة أي حاجة في الدنيا غير انه يفضل جانبي..

 

تلاشت ملامحها التي كانت غارقة في السعادة للحظات متتالية وهزت كتفيها وتابعت:

-       أو يمكن أنا بحبه عشان هو أول واخر راجل قرب مني فحبيته بمميزاته وعيوبه.. ممكن تكون نظرة سطحية شوية بس بحبه، والحب حاجة مبتقدريش تتحكمي فيها، يمكن عاجبني شكله ومركزه وسُمعته أول ما شفته بس كل ما بقرب منه بحس إني صعب ابعد، حتى لو كان كل اللي باخده منه مجرد ونس وبصة واحدة ليا.. هو بينجح اوي في انه يحسسني إن أنا الست الوحيدة اللي عينه بتشوفها، وده بالنسبالي كفاية..

 

همهمت متنهدة واقتربت من الطاولة واسندت ذقنها على يديها:

-       يا سلام، وايه كمان؟!

 

انتبهت على تلك المحاكاة السخيفة منها بينما لحقتها متسائلة بنبرة جادة:

-       ده عمر أخويا ده اللي ضارب بوز وبنشوفه مرتين في السنة؟ جرا ايه يا روان ما تقولي حاجة اصدقها!

 

ابتسمت لها وأخبرتها بمصداقية:

-       جربي تصاحبيه وتكسبيه هتلاقي إن كلامي عنه صح.. بس ده مش معناه إنه انسان خالي من العيوب مثلًا..

 

قلبت "عنود" شفتيها بعدم اقتناع بينما أومأت لها بثقة شديدة وهي تتمنى لو اقترب أحد منه ليُساعده على تلك العقبات في حياته دون وجود اتصال جسدي فيما بينهما فأخبرتها بمصداقية:

-       جربي مش هتخسري حاجة..

 

-       ده ايه الصدفة الحلوة دي؟

 

 

ادعت بالطبع انها تفاجأت برؤيته بينما انتبهت "عنود" على هذا الصوت فنظرت له كلتاهما فحدثته "روان" بسخافة وهو يمد يده إليها فصافحته قائلة:

-       حلوة ايه، انت لسه كنت عندنا امبارح في البيت، اقعد اقعد، مينفعش نشوفلنا حد بدالك ونبدلك بدبدوب..

 

اعتصر يدها وهو يرمقها بجدية وقال مغمغمًا:

-       دبدوب! ماشي يا روان!

 

حاولت التخلص من يده التي لم يبالغ من شدتها على كل حال وهمست له:

-       حاسب كده، واه، أحسن ده أنت زهقتني زن.

 

رمقها بغلٍ دفين وهو يتوعدها ثم التفت نحو "عنود" وقدم يده ليُصافحها وحدثها بابتسامة ساحرة ولكنه أخفى تلهفه عليها ببراعة شديدة:

-       ازيك عاملة ايه يا.. كان اسمك ايه؟

 

اتسعت عيني "روان" بعدم تصديق، أحقًا يسألها هذا السؤال وهو ينتظر منذ شهران ليلتقي بها؟! هل فقد عقله؟ أم كل الرجال حولها أصبحوا مجانين دون سابق انذار؟

 

رمقته بلمحة سريعة ثم تحدثت بملامح اختلفت تمامًا عن تلك المرحة التي كانت تعلو وجهها منذ قليل:

-       عنود..

 

ثم اضافت بلهجة حاسمة لا تحتمل المزاح:

-       مبسلمش!

 

نظر بتعجب نحو ابنة خالته لتقلب لها شفتيها واكتفت بإعطائه نظرة ذات مغزى بأنه وحده تمامًا في هذا الأمر ولكنها قالت بعفوية حاولت تصنعها:

-       نصيبي اتكعبل فيك بدل ما اشوفك في الشركة، اتفضل اعزمك على اللي ملحقتش اعزمك عليه..

 

جلس بمنتهى الأريحية وتجاهل "عنود" تمامًا فعلى ما يبدو المرة الأولى لم يملك تملقه وهديته لها سلطانًا عليها، ربما هي من الفتيات التي يقتلها التجاهل، وربما لن ينفع هذا ولن يشفع ذاك ويظن أنه هو من سيقتله التجاهل لو لم ينظر لها ليحفظ تلك الملامح التي شغلته ببراعة شديدة لمدة طويلة لم تكن هينة عليه!

 

-       ماشي مقبولة منك.. بس هشرب لواحدي ولا ايه؟

 

نظر لها محدقًا بها بجدية يزجرها فحمحمت "روان" ثم قالت:

-       لا أنا مش قادرة، لسه شاربة وشربت في المكتب قبل ما اجي..

 

التفت لها ثم سألها مقترحًا:

-       شكلك من اللي بيحبو الـ iced coffee في الحر ده! تشربي ايه؟

 

لم تعطه اهتمامًا يُذكر وحدقت بهاتفها ثم اجابته بلباقة:

-       لا شكرًا لسه شاربة!

 

نظر إلى "روان" مرة أخرى بتعجب لتقلب شفتيها كدليل على عدم المعرفة وسرعان ما تهربت منهما وهي تدعي الانشغال الزائف:

-       معلش يا جماعة ثواني بس فيه مكالمة مهمة نسيت اعملها، ادوني ربع ساعة بالكتير وهرجعلكم، ميتينج سريع هاعمله من العربية واجيلكم تاني!

 

رفعت "عنود" عينيها نحوها وهي تنظر لها باستغاثة ثم اخبرتها بتوتر:

-       طيب لو وراكي شغل خلاص ممكن نكمل خروجتنا يوم تاني.

 

رفضت بشدة ونهضت وهي تمسك بهاتفها لتقول:

-       لا لا احنا قولنا هنتغدا النهاردة سوا، استني بس هخلص الميتنج بسرعة وارجعلكم!

 

سرعان ما غادرت بينما تابعتها "عنود" بعينيها فهي لم يسبق لها أن تجلس بمفردها بصحبة رجل قط، خصوصًا هذا السخيف الذي تتذكره من ليلة يوم مولدها وهديته هو وأخته المبالغ فيها!

 

تنهدت وهي تُسلط نظرها بشاشة هاتفها ولم تنظر له ولو للحظة وكأنها لا ترى كيف يحاول التعرف على ملامحها الفاتنة بوضوح كي يحفظها عن ظهر قلب ليتذكرها لاحقًا وهو لا يُفكر سوى بها!

 

أجلى حلقه ثم حاول أن يمازحها وسألها بمرح:

-       يرضيكي كده قلة الذوق دي؟ حد يسيب ابن خالته كده ويمشي وهي لسه مكملتش معايا خمس دقايق؟

 

لمحته بجانب عينيها وحاولت السيطرة على هذا التوتر بداخلها وكل ما تتخيله هو معرفة والدها أنها تجالس رجل غريب لا تعرفه ثم تحدثت بصرامة واضحة في نبرتها:

-       انت بتكلمني أنا؟

 

نظر حوله بنظرة تفقدية ثم اجابها وهو ينظر مباشرة لعينيها دون أن يسمح لأهدابه بالتلاقي ثم اجابها متسائلًا بابتسامة:

-       شايفة حد معايا غيرك؟!

 

نظرت هي الأخرى حوله وسيطر عليها الخوف من مجرد ردة فعل والدها كما أنها لأول مرة تختبر الأمر بأن تبقى بمفردها مع رجل غريب عنها فابتلعت وأنفاسها تتعالى وهمهمت وهي تبحث عن الكلمات المناسبة وتنظر بالطاولة أمامها ثم امسكت بحقيبتها لتنهض بغتة وأدت لاهتزاز محتويات الطاولة وأخبرته بتردد وهي تجمع اشياءها:

-       أنا، أنا.. أنا هروح الحمام!

 

غادرت تهرول كمن يلحقها قطار مُسرع ولم تُعطه حتى الفرصة للتصرف بنُبل كالوقوف عند مغادرتها مثلًا أو مساعدتها بإبعاد الكرسي التي تجلس عليه للخلف ليتعجب مما يحدث وسرعان ما امسك بهاتفه واتصل بـ "روان" وسرعان ما اجابته:

-       ايه ده فيه ايه، انتو لحقتو؟

 

اجابها بنفاذ صبر ونبرة عصبية واضحة:

-       ايه العيلة دي، هم كلهم مجانين، امبارح اخوها والنهاردة هي، دي مقالتليش كلمة واحدة وسابتني وقالت رايحة الحمام، المفروض حتى كنتي كملتي عشر دقايق معانا، أنتي هبلة يا روان عشان اول ما اجي تسيبيني وتمشي كده!

 

اتسعت عيني "روان" وهي تهتف به لتقول:

-       حمام ايه، انا اللي دخلت الحمام!

 

ارتبكت لو أصبحت كاذبة بأعين "عنود" وفكرت لو أنها غادرت الحمام ستلاقيها في طريقها فنظرت حولها ولم تجد حل سوى أنها دخلت واحدًا من الحمامات وأغلقت الباب عليها وهمست له:

-       بس لو شافتني هتقول إني كدبت.. أو يمكن متشوفنيش.. مش عارفة.. وبعدين ما انت قولتلي ابقى أقوم واسيبكم، اعملك ايه يعني، مكونتش بخرج اقابل ولاد لواحدي وانا صُغيرة

 

زفر بضيق ثم تحدث منزعجًا:

-       ولاد!! تصدقي إني ابتديت أزهق من الحوار ده كله واقفل منه، اقفلي لغاية ما نشوف ايه اللي هيحصل، اديني متزفت مستني!

 

زفرت وهي لا تدري لماذا تشعر وكأنها طفلة صغيرة تقوم بخيانة صديقتها وتوريطها في أمر، يا ليتها اخبرتها بالحقيقة، ربما كانت تقبلت الاقتراح بأنه مجرد شاب يريد التعرف عليها، لماذا تُفكر هي الأخرى بهذه الطفولية الشديدة؟! ولماذا تشعر بكل هذا التوتر؟!!

 

استندت بيد في منتصف خصرها وهي تفكر وبدأت الدقائق تمر واحدة تلو الأخرى فأرسلت إلى "يونس" رسالة تخبره بها بأن يُرسل لها بمجرد عودتها واخذت تنتظر أي رد منه بينما لم يقم بالرد ولكنه قرأ الرسالة بالفعل.. وما زادها ارتباكًا هو مهاتفة "عنود" لها أكثر من مرة!

 

وجدت طرقات على الباب فتوسعت عينيها ولم تُفكر سوى في "عنود" نفسها وبالطبع لم تُرد أن تُصبح كاذبة بأعينها فهمهمت كرد على الطارقة فآتاها صوت لم تتعرف عليه:

-       حضرتك خلصتي، محتاجين بس ننضف الحمامات!

 

لم تدرِ بما تُجبها وشعرت بالإحراج الشديد لو كانت "عنود" هي الأخرى بالحمام ستتعرف على صوتها لو اجابت فزفرت وهي تحاول عدم الارتباك ليأتيها الصوت من جديد:

-       يا فندم حضرتك كويسة؟ محتاجين نعمل الصيانة بعد اذنك وحضرتك الوحيدة اللي في الحمام وبقالك كتير جوا، فيه مُشكلة ولا حاجة؟!

 

فتحت الباب وهي تنظر لتلك العاملة بعصبية شديدة ولم تفعلها سوى بعد معرفتها أنها الوحيدة بالحمام ثم حدثتها بانزعاج واضح وعجرفة لا نهائية:

-       ايه المشكلة يعني، ما تعملو اللي تعملوه ما عدا الحمام ده، ايه قلة الذوق دي، هتحاسبونا على الحمام كمان!

 

ارتبكت المرأة من نظرات "روان" الواثقة ولو كانت تعلم أنها منذ عدة ثواني كانت قاربت الهلاك من شدة الخوف لعرفت أنها لا تستطيع إيذاء ذبابة فتوترت العاملة وحدثتها معتذرة:

-       والله أبدًا حضرتك أنا قلقت بس مش اكتر ووالله هيجازوني لو ملقوش الحمام متنضف ولازم اسلمه للمراقب وهو زي الفل!

 

تنهدت وهو تومأ لها ثم فتحت حقيبتها واعطتها بعض الورقات المالية وحدثتها بهدوء لتقول:

-       حصل خير.. معلش اتعصب تعليكي!

 

اتجهت لتتصنع أنها تقوم بغسل يدها ثم تفقدت وجهها بالمرآة لتقرر أن تتجه عائدة لنفس الطاولة التي تركتهما عليها منذ قليل وليحدث ما يحدث!

 

خرجت بخطواتٍ مسرعة مصوبة تركيزها على العودة لتجد "يونس" يُحدثها فلم تُجبه، على كل حال هي في طريقها له بالفعل..

 

أكملت الطريق ليوقفها من لم تتوقع رؤيته أبدًا وفي نفس الوقت استمعت لصوت "عنود" يُناديها ولكنها ابتلعت بارتباك لتهمس بغير تصديق:

-       عمر!!

 

تفحصها مليًا ليجد وجهها مرتبكًا بشدة وكأنها تخفي أمر ما بينما وجدت "عنود" تُحدثها من خلفها ولم تنتبه لوجود أخيها الذي تعلقت عينيه بعين زوجته التي لا يُفكر سوى بخيانتها:

-       ايه انتي وقفتي كده ليه؟ وبعدين انتي اتأخرتي و.. ايه ده انتي بتبصي كده ليه؟

 

التفتت نحو ما تعلقت به عين زوجة أخيها لتجده هو نفسه، ولم تتخيل سوى شيء وحيد، لقد رآها، جالسة بصحبة رجل غريب، وسيخبر والدها، ووالدها لن يسمح لها بالخروج خارج المنزل سوى للقبر، لا، لن تصل حتى للقبر، سيدفنها بباحة المنزل الخلفية وسيكتفي بهذا!

 

-       عمر!!

 

هتفت هي الأخرى بصدمة وازداد ارتباكها لتبتلع وارتعشت شفتيها بينما لم يتوقف هاتف "روان" عن الرنين وتعجب من نظرات أخته هي الأخرى وقبل أن يتحدث لواحدة منهما وجد من يُناديه:

-       ايه ده عمر، ايه الصدف الحلوة دي..

 

يُتبع..