-->

الفصل التاسع - ظلمات حصونه الجزء الثاني (الانتقال من الظلمة الى النور)



الفصل التاسع

 

 

رمقتها "ملك" بكثير من الأحتقار غير مُصدقة إياها عازمة على إنها هذا الحديث رادفة بحدة:

 

_ أنتى كدابه

 

منعتها "ميار" من الحركة بعد أن أمسكت بذراعها بقوة راغمة إياها على التوقف وإستماع كل ما تريد أن تقوله رادفة بحدة وإصرار:

 

_ أنا مش بكذب عليكى يا ملك وأسألى إياد نفسه، أنا وهو كنا مُدمنين بودره وكانت بينا علاقة جنسيه وحملت منه، ومش بس كده ده فيه كمان حاجه أظن إنك لازم تعرفيها...

 

ضيقت "ملك" ما بين حاجبيها بإستنكار محاولة إدراك ما تقصده تلك الفتاة، ولكن تلك الصدمات جعلت عقلها عاجزا تماما عن التفكير، لتعقب رادفة بإستفسار:

 

_ حاجة أيه!!

 

أجابته "ميار" بأعين ميتة مُصطنعة التألم والحزن معقبة بكثير من الثقة وكأنها حقا صادقة فيما تقوله رادفة بحدة:

 

_ إياد وقتها هو اللى أجبرنى إنى أنزل الجنين ده..

 

أتسعت عينى "ملك" بصدمة وقد شعرت بغصة كبيرة تكونت فى حقلها مما استمعت إليه، عن أى شخصا تتحدث تلك الفتاة!!، هل حقا تتحدث عن "إياد"!!، كلا هى بالطبع تكذب عليها، كيف يمكن ل "إياد" أن يكون شخصا حقير إلى هذه الدرجة!!، كيف يسمح لنفسه بقتل روح بريئة ليس لها أية ذنب فى عملتهم الرخيصة تلك!!، كيف ستراه بعد الأن!!، هل ستسمح لنفسها من الأساس أن يكون لها معرفة بشخص كهذا؟!

 

دفعت "ملك" جسد "ميار" بقوة بعيدا عنها فاتحة المجال لنفسها بالهروب بعيدا عنها وعن تلك الحقيقة المرة التى أكتشفتها عن ماضى الشخص الذى أحبته، لتضيف "ملك" وهى تستعد لرحيل بعيدا عنها رادفة بغضب وحدة:

 

_ أنتى شخصية حقيرة

 

سريعا ما أبتعدت "ملك" حتى إنها لم تسمح لها بأن تجيب عليها، لترحل وهى قدميها بالكاد تساعدها على المشي وعدم السقوط أمام الجامعة بأكملها، لتتابعها "ميار" إلى أن أبتعدت جدا عنها وتمتمت بينها وبين نفسها رادفة بحقد وتوعد:

 

_ ولسه يا ملك، دى مجرد البداية

 

•••

 

أتسعت عينى "إياد" بصدمة هما أستمع إليه الأن من "ملك"، عن أى إجهاض تتحدث!!، من الذى قال لها هذا الكلام الغير صحيح!!، ومن يكون غير تلك العاهرة اللعينه!!، وماذا كان بنتظر من فتاة كهذه غير الكذب وتشويه صورته أمام من يُحبها

 

أغمض "إياد" عينيه بغضب كبير من رؤية تلك الدموع فى أعين "ملك" بعد أن أستسلمت لهذا الإنهيار وسمحت له بالخروك أمامه، ليتمالك "إياد" أعصابه ويقترب منها مستفسرا عما يدور برأسه قائلا:

 

_ ميار هى اللى قالتلك الكلام ده مش كده!!

 

أومأت له "ملك" وهى تتلاشى النظر فى عينيه كى لا تضعف وتتراجع عن قرارها فى الأبتعاد عنه بعد أن تتأكد من هذا الحديث الذى أخبرتها به "ميار"، لتجيبه "ملك" وهى تتطالعه بنظرة قاسية مُصطنعة القوة والتماسك:

 

_ أيوه، جاتلى الجامعة النهاردة الصبح وحكتلى على كل حاجه كانت بينكوا، من أول إدمان البوده لجد إجهاض البيبى

 

أغمض "إياد" عينيه بغضب كبير من تلك النظرة التى ترمقه "ملك" بها ملتمثا لها العذر، بالطبع هذا يسبب تلك الصورة التى وصلتها لها تلك الحقيرة عنه، ولكنه لن يترك ذلك الأمر يستمر لوقت طويل

 

فتح "إياد" عينيه بهدوء حاول جاهدا إظهاره أمامها رادفا بنبرة صادقة ومحبة قائلا:

 

_ أنا عارف إن أى حد فى الدنيا لو كان مكانك كان هيصدق كلامها، بس أنتى أخر شخص فى الدنيا كنت أتوقع أنه يصدق إنى ممكن أعمل كده وتأخدى عنى الصورة الوحشه دى!!

 

نظرت له "ملك" بإنكسار شديد ودموعها لا تتوقف عن التساقط من عينيها محاولة تصديقه وتكذيب تلك الفتاة، ولكنه هو الذى حرمها من تلك الفرصة مُأكدا على حديث تلك الفتاة مُضيفا بنيرة نادمة:

 

_ أنا مش هكدب وأقولك إن ميار كلمها كله كدب، ولا هقولك إنى كنت الملاك البرئ بالعكس، الكلام اللى قالتهولك ميار ده حصل، بس نصه حقيقى ونصه التانى كدب

 

لم تستطيع "ملك" تصديق ما قاله "إياد" لتو، هل هو الأن يعترف لها أنه حقا فعل ما قالته تلك الفتاة!!، هل حقا كان له طفل وقد أمرها بقتله!!، هل حقا كان شخصا حقيرا إلى تلك الدرجه؟!، أسئلة كثيرة ضربت برأسها مرة واحدة مسببة لها الكثير من الألام والإختناق، لينتشلها "إياد" من ذلك التفكير الذى لا يرأف بها وهو يخرج حافظة نقوده ويترك بعض الأموال على الطاوله رادفا بحدة وحزم:

 

_ قومى معايا

 

رمقته "ملك" بكثير من نظرات الخوف والشك فى وقت واحد، هل يظنها ستثق به بعد الأن وتسمح له بالأقتراب منها أو التواجد معها فى أى مكان؟!، هل يراها حمقاء أم غبية لتظل معه أكثر من هذا بعد كل ما سمعته!!، ستهرب منه، نعم ستبتعد عنه إلى الأبد فهى الأن تخاف منه للغاية وكأنها مع شخص لم ترأه من قبل..

 

أدرك "إياد" ما يدور بعقل "ملك" وهذا بسبب تلك النظرات الخائفة التى ترمقه بها، ليشعر بغصة شديدة تكونت فى حلقه بسبب خوفها منه وإنتهاء ثقتها به، ليقترب منها "إياد" بملامح حزينة ومنكسرة مُصاحبا إياها لمعة تلك الدموع التى تجمعت فى زرقاوتيه رادفا بصدق:

 

_ والله العظيم هجاوبك على كل الأسئلة اللى بتدور فى راسك وهحكيلك على كل حاجه من الأول خالص، بس الحاجه اللى عايزك متأكده منها إنى فعلا بحبك وإنى أنا هو إياد اللى أنتى عرفتيه وحبتيه، بس كل واحد فينا عنده نقطه سوده فى حياته بيحاول يخفيها عن الشخص اللى بيحبه عشان ميكرهوش ويخاف منه زى ما أنتى خايفه منى دلوقتى، والنهارده أنا هقولك على الماضى ده وأتمنى إنك متكرهنيش، بس أرجوكى بلاش نتكلم هنا وقومى معايا ومتخفيش منى، أنا عمرى ما هقدر أأذيكى

 

لا تعرف لما أرتجف قلبها عندما رأت تلك اللمعة فى عينيه!!، لا تعلم لما ذلك الألم الذى ينهش قلبها ولا يرأف بها من مجرد سماع كلماته وإستشعار ألمه فى هذا الحديث!!، لم تجد من نفسها ردة فعل سوا إنها أومأت له بالموافقة وسريعا ما نهضت معه خارجة من ذلك المقهى

 

لا تعلم إلى أين أو ما هو مصيرها بعد خروجها من هذا المكان، ولكن كل ما تعرفه هو إنها لاتزال تثق به إلى الأن وتريد معرفة هذا الماضى الأسود الذى يجعله يشعر بالإلم وبخشى أن يتسبب فى كرهها له بعد معرفتها به

 

- -

كان "جواد" يجلس بغرفته أمام الحاسوب الخاص به يتابع بعض الاعمال الخاصة بعمله، ليأتيه أتصالا من أحد الأرقام الذى هو يعرفها جيدا، نعم هذا هو الحارس الذى سبق وعينه ل"ديانة"، تُرى ماذا يريد منه الان!!، ليُجيب عليه "جواد" معقبا بهدوء:

 

_ فيه أيه يا فارس!!

 

هتف "فارس" معتذرا على إتصاله الأن ولكنه لا يعلم لو كان انتظر لصباح الغد ماذا ستكون ردة فعل سيده، ليعقب بهدوء وأحترام:

 

_ جواد بيه أنا أسف إنى بكلمك حضرتك دلوقتى، بس فيه حاجه كده حصلت النهارده كنت عايز أبلغ حضرتك بيها..

 

ضيق "جواد" ما بين حاجبيه بإستفسار رادفا بإهتمام:

 

_ حاجه أيه!!

 

قص عليه "فارس" ما حدث اليوم بالشركة وعن مقابلة "ديانة" ل "أدهم" عندما جاء إلى الشركة وذلك الحديث الذى دار بينهم جميعا، شعر "جواد" بكثير من الغضب وسريعا ما أغلق المكالمة فى وجه "فارس" وألقى بالهاتف على فرشه وخرج من غرفته كالمجنون بمنتهى الجنون والغضب

 

أقتحم "جواد" غرفة "ديانة" بهمجية كبيرة غير عابئا يأن تكون والدتها معها بالداخل أو تكون هى منشغلة فى شيئا ما، ولكن من حسن حظه إنها كانت فى الغرفة بمفردها حتى أن طفليهما ليس معها، ليدلف الغرفة بسرعة البرق وصفع الباب خلفه مرة بحدة مصدرا صوتا عالى جدا وملامح الغضب تُسيطر على ثائر وجهه

 

بينما "ديانة" فى البداية شعرت بكثير من من الفزع والزعر بسبب صفعه للباب بقوة وملامحه المخيفة التى تدب الرعب فى قلب كل من يراها، ولكن ما جعالها تتمالك اعصابها وتسيطر على هذا الخوف هو تذكرها بأنها هى وهو بمفردهما بالغرفة والباب مقفول عليهم، لتصيح به "ديانة" مصطنعة القوة رادفة بحدة وغضب:

 

_ أنت أزاى تدخل عليا الأوضة بالطريقه دى!!، أنت أتجننت؟!، أتفضل أخرج برا

 

أقترب منها "جواد" إلى أن أصبح لا يفصل بينهم سوا خطوتين صغيرتين، ليطالعها بعينين مشتعلين من شدة الغضب رادفا بحدة:

 

_ أنتى أيه اللى وقفك النهارده مع اللى أسمه أدهم ده!!، وأيه اللى جابوا الشركه من أصله؟!

 

شعرت "ديانة" بالغضب الشديد هى الأخرى، وهذا بسبب طريقته فى التحدث، وكأنه يريد أن يتحكم بها بالرغم من تحذيرها له أكثر من مرة أن لا يتنسى إنهما الان مجرد أبناء عم ليس أكثر، لتنسى "ديانة" تلك المسافة الصغيرة بينهم وأنهم فى غرفة واحده بمفردهما وصاحت به زاجرة إياه رادفة بحدة:

 

_ وأنت مالك أقف معاه ولا لا!!، هو أنت هتنسى نفسك تانى ولا أيه؟!

 

جذبها "جواد" من ذراعيها بقوة جاذبا إياها إلى صدرة بعنف شديد، وكأنه يريد أن يشكرها إنها ملكا له وأضاف بنبرة جادة وحادة غير قابلة لنقاش قائلا:

 

_ لا أنتى اللى بتنسى إن إنتى لسه مراتى وعلى زمتى!!

 

شعرت "ديانة" بالعجز الشديد بين يديه وهذا بسبب طول قامته وقوة البدنية مقارنة بها، لتزداد غضبا وأغتاظت من كلمته، لتزجره ناهية إياه عما يفكر فيه رادفة بحدة وإنفعال:

 

_ على الورق وبس يا جواد، متنساش

 

زفر "جواد" بإنزعاج شديد، يبدو إنها عادت لذلك العناد مرة أخرى بل وتتحداه أيضا!!، حسنا إذا زوجتى الجميلة لنرى إلى أى مدى ستصمدين، أقترب منها "جواد" أكثر إلى أن أصبحا يستنشقان أنفاس بعضهما مضيفا بهمس وهو يضيق ما بين حاجبيه مُصطنعا الإستنكار مما تقوله:

 

_ ورق وبس!!، الظاهر كده إن أنتى اللى نسيتى!!، أومال نور ده جيه أزاى؟!، على العموم لو تحبى تفتكرى أفكرك!!

 

قال جملته الاخيرة تلك بوقاحة شديدة وهو يغمز بعينيه بكثير من الجرأة، لتشعر "ديانة" بمزيجا من الغضب والخجل فى أنٍ واحد، فما قاله على الرغم من أنه صادما بالنسبة لها!!، إلا إنها شعرت برعشة بسيطة صرت فى كامل جسدها، ولكنها لم تجد من نفسها أية ردة فعل سوا إنها رفعت يدها وسقطت بها على وجهه صافعة إياه دون إدراك كامل منها بعواقب ما فعلته..

 

ألتفت وجه "جواد" إلى الناحية الأخرى، على الرغم من أن تلك الصفعة لم تكن قوية لهذا الحد، إلا أنه أشاح بوجهه إلى الجانب الأخر مُتلاشيا النظر لها الأن لكى لا يقتلها على ما فعلت، ولكى لا ترى أيضا أشتعال ذلك الغصب المميت فى عينيه لكى لا يذكرها بنظرات الماضى ويعود إلى نقطة البداية من جديد

 

بينما "ديانة" قد صُعقت من ردة فعلها، هى لم تكن تقصد أن تفعل هذا، تلك كانت حركة عفوية منها ردا على ما تفوه به من وقاحة، أطال الصمت وهو يُشيح بنظره إلى الجانب الأخر وهى يزداد خوفها وقلقها من ردة فعله، فى ماذا يُفكر يا تُرى!!، لماذا لم يقوم إلى الأن بأى ردة فعل!!، كاد قلبها أن يتوقف من شدة القلق والخوف من ردة فعله؟!

 

حول "جواد" نظره إليها مرة أخرى وسريعا أمسكها من شعرها جاذبا رأسها تجاهه وألتقط شفتيها فى قبلة جامحة وقاسية، على الرغم أن هذا كان بمثابة عقابا لها على صفعه إلا أنه أمتن كثيرا لتلك الصفعة التى صفعتها له، وهذا لأنها كانت السبب فى تذوقها لتلك الشفاه التى كان يحترق شوقا لتذوقهما مرة أخرى

 

بينما "ديانة" كانت تفتح عينيها على مسرعها مصدومة من تلك القبلة التى لم تكن تتوقعها مُطلقا، فهى كان أكبر توقعتها هو أن يصفعها مثلما صفعته، لم تتصور أبدا أن تكون تلك ردة فعلته، أطال "جواد" القُبلة إلى أن شعرت "ديانة" بالأختناق الشديد ولم تستطيع التنفس بسبب قسوته وعنفه وأخذت تضربه على صدره لكى يبتعد عنها

 

فصل "جواد" القبلة بعد أن لاحظ أحتياج كلا منهما إلى الهواء، وأن "ديانة" تختنق بين يديه ليبتعد عنها لكى تستطيع التنفس، لتشهق "ديانة" مستنشقة الهواء بصعوبة كبيرة محاولة تنظيم أنفاسها مرة أخرى، وعلى الجانب الأخرى "جواد" أيضا صدره يعلو ويهبط بصعوبة محاولا تنظيم أنفاسه هو الأخر، ليعقب وهو ينظر لها بتحدى وهو يعض على شفتيه السفلية بقليل من الغضب والإنزعاج رادفا بوقاحة وتحذير وهو ينهج:

 

_ جربى ترفعى أيدك أو صوتك عليا مره تانيه يا ديانة، مين عالم يمكن وقتها نخاوى نور؟!

 

تركها فى صدمتها وخرج من الغرفة باكملها تاركا إياها تلهث من تصارع أنفاسها وصعوبة تنظيما، بينما هى كانت تطالعه بتخبط شديد مما حدث، بالفعل تلك ليس أول مرة أن يقبلها فيها!!، ولكن تلك أول مرة تشعر فيها إنها حقا ملكا له!!، لا تعلم لماذا شعرت بهذا الأحساس!!، ولماذا هى متخبطة الأن، هل من المفترض أن تغضب منه أم تشعر بالسعادة بسبب هذا الشعور الذى تجربه ولأول مرة؟!، ماذا يحدث لها!!، هل وقعت له؟!

 

- -

ملحوظه:

جزء من المشهد ده إياد بيحكى لملك عن العلاقه بينه وبين ميار واللى حصل بينهم فى الليله اللى جتله فيها ولكنه هو اللى بيحكى هنا وبإختصار، اللى شايف إن الجزئية دى مش مهمه بالنسبة ليه يعديها ويكمل باقى المشهد عادى ومش لازم يعلق ويقولى ملهاش لازمه لأنى أنا عارفه انا حطاها ليه، وشكرا

 

وصل "إياد" إلى منزله بصحبة "ملك" التى لا تعلم إلى الأن كيف وفاقته وتقبلت أن تأتيه مع إلى هنا بمفردهم، خاصة بعد كل تلك الأشياء التى عرفتها عنه، دلف "إياد" إلى داخل الشقة وتابعته "ملك" ليغلق هو الباب وأتجها إلى أقرب أريكة قابلتهما للجلوس عليها

 

نظر "إياد" إلى "ملك" التى كانت تنظر فى الأرض بكثير من التوتر الواضح عليها، والذى لاحظه هو وشهر بالحزن الشديد بسبب أن ثقتها به أصبحت مهتزة لدرجة إنها الأن تشعر بالقلق الامن من وجوده مع فى مكان واحد بمفردها، ليقرر "إياد" كسر هذا الصمت وبدأ فى الحديث معقبا بحزن واضح فى نبرة صوته قائلا:

 

_ أنا عارف إنك مش مطمنة لوجودك معايا هنا لوحدنا، بس ده المكان الوحيد اللى أقدر أتكلم معاكى فيه بصراحه وأكون على راحتى

 

نظرت له  "ملك" مُطولة دون التفوه بأية حرف، وهذا على العكس تماما مما يدور بداخل عقلها من أسئلة تود الاستفسار عنها ولكن لسانها لايساعدها على هذا، ليعزم "إياد" على بدأ تلك المواجهة مُسترجعا ذلك الماضى المؤلم جدا بالنسبة مضيفا بهدوء:

 

_ من تسع سنين كنت أنا وعيلتى بنتغدى برا أحتفالا بنتيجة الثانويه العامة بتاعت إيان أخويا، وقتها أنا كان عندى عشرين سنه وإيان كان عنده تمنتاشر، حتى مكنش لسه كملهم، كنا عمالين نهزر ونضحك وفجاه كل ده أختفى، بابا كان بيتكلم معانا وفرحان بينا ومكنش واخد باله من الطريق وفجاة فقد السيطرة على العربيه واتقلب بينا، ومحستش بحاجه غير بعدها بشهر بعد ما فوقت من الغيبوبه..

 

••

 

_ إيان!!

 

تلك كانت اول كلمه ينطق بها "إياد" بعد أستعادة وعية، الذى تنبئ به الأطباء وقاموا بإخبار "جواد" و"هاشم" لكى يكونوا معه فى تلك اللحظات العصيبة، ليقترب منه كلاهما بسرعة للأطمئنان عليه، ليعقب "هاشم" رادفا بتعاطف:

 

_ حمدلله على سلامتك يا إياد

 

نظر لهم "إياد" بقليل من الأستنكار مُحاولا أسترجاع مع حدث، ثم تجول بعينيه فى المكان بأكمله محاولا التعرف عليه رادفا بإستفسار:

 

_ أنا فين!!، وفين بابا وماما وإيان؟!

 

نظر كلا من "هاشم" و"جواد" إلى بعضهما بحزن وتعاطف، ليقرر "جواد" عدم إخبار "إياد" بما حدث إلى أن يستعد وعيه، ليصيح "جواد" مصطنعا القوة محاولا مطمئنة صديقه رادفا بهدوء:

 

_ كويسين يا إياد، متقلقش

 

رمقه "إياد" بعدم تصديق لما يقوله، وهذا لأنه تذكر بالفعل ذلك الحادث الذى حدث لهم، ليعقب بكثير من القلق قائلا:

 

_ أنت بتكدب عليا يا جواد، أنا عارف إنهم حصلهم حاجه، قولى أيه اللى حصل؟!

 

أقترب "هاشم" من "إياد" ووضع يده على كتفه محاولا مواسته عازماةعلى إخباره بالحقيقة، فهو سيعرفها سوا الأن أو لاحقا والكذب عليه لن ينفعه بل سيضره أكثر، لينهد "هاشم" بأسئ مضيفها بحزن شديد:

 

_ إياد، أنت راجل كبير وناضج وفاهم يعنى أيه قدر ربنا، عظم الله أجرك يا أبنى وربنا يصبرك على فراقهم

 

وقعت تلك الكلمة على "إياد" كالصاعقة وكأن أحدهم قد سلبه أنفاسه لتو، هل أنقطع الهواء عن الغرفة أم أنه هو من لا يستطيع التنفس!!، هل ما سمعه الأن حقيقى!!، هل حقا خسر عائلته للأبد!!، ولكن لحظة، ماذا عن أخاه؟!، رمقهم "إياد" بملامح هالعة مضيفا بإستفسار:

 

_ طب إيان!!، إيان فين يا جواد؟!

 

وضع "جواد" وجه فى الأرض لا يجد ما يخبره به أو يواسيه به، ليدرك "إياد" معنى ردة فعل صديقه، ليغمض عينيه ويفتحها بكثير من الصدمة وعدم التصديق مضيفا بإستنكار:

 

_ أيه!!، مات هو كمان؟!

 

تدخل "هاشم" بتأثر شديد مستشعرا بما يمر به "إياد" وهذا لأن سبق وأن جرب ذلك الشعور، ليربط على كتفه مرة أخرى رادفا بحزن وإنكسار على أبن صديقه قائلا:

 

_ ولا نقول إلا ما يرضى الله يا أبنى، إنا لله وإنا إليه راجعون

 

صاح "إياد" بمزيد من الصدمة وأثيرها الذى لا يرأف ودموعه تتساقد دون إدراك منه معقبا بألم:

 

_ يعنى أيه!!، ماتوا كلهم!!، ماتوا وسابوبى لوحدى؟!، طب أشمعنا أنا اللى يسبونى لوحدى!!، مخدونيش معاهم ليه؟!، ده ظُلم

 

حاول "هاشم" إيقافه عن قول تلك الأشياء كى لا تجعله صدمته يتفوه بما يغضب المولى عزوجل معقبا بتحذير:

 

_ حرام الكلام ده يا أبنى، ده مقدر ومكتوب، وبعدين دى إرادة ربنا عزوجل

 

صاح "إياد" مُعترضا على هذا الحديث بكثير من الألم والحزن الذى ينهش فى قلبه رادفا بحدة وإنفعال شديد:

 

_ طب وأشمعنا أنا اللى ربنا يسينى لوحدى!!، مخدنيش معاهم ليه!!، أيه!!، لدرجه دى بيكرهنى وعايز يعذبنى؟!

 

نهاه "هاشم" عما يقوله نافيا ما يفكر فيه معقبا بتوضيح:

 

_ ربنا مبيكرهش حد يا إياد، ربنا بيحبك وعشان كده أبتلاك يا أبنى

 

حاول "إياد" النهوض من مكانه رادفا بعزم وإصرار:

 

_ أنا عايز أشوفهم

 

ابتلع "جواد" بصعوبة محاولا إخباره بما حدث ولكن الامر بالفعل صعب للغاية، كم هذا الأختبار الذى يمر به صديقه صعب للغاية، ولكن لابد من أن يخبره بحقيقة الأمر ليضيف باسئ:

 

_ إياد أنت بقالك شهر فى غيبوبه وللأسف مكنش ينفع يقعدوا كل ده ميدفنوش

 

هز "إياد" راسه بالنفى شاعرا بالضيق والعجز عندما تخيل أن عائلته الأن بأكملها أسفل التراب ولا يستطيع رؤيتهم مرة أخرى، حتى أن رويتهم للمرة الأخيرة وتوديعهم لم يحصل عليها، ليصرخ فى وجهم بإنهيار وألم:

 

_ يعنى كمان مش هقدر أشوفهم لأخر مره!!، ليه كده!!، حتى دى كمان أتحرمت منها؟!، لا، أنا لازم أروحلهم، لازم

 

قال "إياد" جملته تلك وهو يقوم بسرعة بخلع المحاليل والأجهزه الطبية الموصله به بهمجية وعشؤئية كبير مما تتسبب له ببعض الجروح، ليتدخل كلا "جواد" ووالده محاولان السيطرة على "إياد" معقبا بلهفة:

 

_ أهدى يا إياد عشان خاطرى

 

صرخ به "إياد" شاعرا بكثير من الألم والإنكسار معقبا بغضب وإنفعال شديد قائلا:

 

_ سيبنى يا جواد، سيبنى أنا مش عايز أعيش من غيرهم، سيبنى أروحلهم

 

ظل "إياد" يصرخ بتلك الجملة وهو يتحرك بعشوئية، ليلاحظ "جواد" تلك الدماء التى تخرج من يده مكان هؤلاء المحاليل، ليقيضه "جواد" بإحكام شديد موجها حديثه نحو والده رادفا بلهفة وحزم:

 

_ بابا هات الدكتور بسرعه

 

وبالفعل خرج "هاشم" لمنادية الطبيب، بينما "إياد" ظل يصرخ ويبكى مضيفا بضعف ورجاء:

 

_ سيبنى يا جواد، لو بتحبنى بجد سيبنى أرتاح، أرجوك

 

ألتمعت عينى "جواد" بالدموع متأثر بما يمر به صديقه متذكرا تلك اللحظة التى رأى والدته وهى متوفاه على فراش المشفى رادفا بتأثر كبير:

 

_ عشان بحبك مش هسيبك يا إياد، عمرى ما هسيبك

 

دخل الطبيب بسرعة بصحبة "هاشم" وبعض من الممرضين محاولين السيطرة على "إياد" ولكن دون فائدة، لا يزال يصرخ بكثير من الألم ويتحرك بهسترية رادفا بصراخ:

 

_ سيبونى، يارب متعملش فيا كده، ياااارب

 

ظل يصرخ بكا ما فيه من قوة إلى أن شعر بتلك الابرة الطبية تُغرز فى ذراعيه ومن بعدها شعر بتخدر جسده شيء فشيء إلى أن فقد وعيه تماما..

 

•••

 

أنسابت الدموع من أعين "ملك" متاثرة بما قصه عليها "إياد" متخيلة ذلك الألم والحسرة التى مر بها فى ذلك الوقت، بالإضافة لصدمتها بمعرفة أنه كان لديه شقيق وتوفى فى تلك الحادثه مع والديه، كم هذا يؤلم حقا!!..

 

بينما "إياد" أكمل حديثه ودموعه هو الاخر تتساقط من عينيه رغما عنه شاعرا بكثير من الألم وتلك الغصة التى تكونت فى حلقه مضيفا بحسرة وضيق:

 

_ صدمة موتهم كانت شديده عليا أوى الدكاترة مكنوش بيعرفوا يسيطروا عليا غير بالمهدئات، أنا نفسى مكنتش بحس بالهدوء والراحه غير لما أخد المهدئ لانه كان بيخلينى مُغيب تماما مش بفكر فى أى حاجه ولا بفكر فى بعدهم عنى، وعشان كده قررت إن ده هيكون علاجى، لازم عقلى يفضل مغيب عشان محسش بفراقهم وأفتكر إنهم سابونى لوحدى

 

أخذ "إياد" نفسه بصعوبة كبيرة شاعرا بكثير من الطيق، وسريعا ما أمتدت يده لفتح ذلك الُدرج بجانب يده وأخرج منه علبة السجائر وتناول منها واحدة وأشعلها بكثير من الأنفعال، لتشعر "ملك" بالدهشة فهى لأول مرة ترأه يدخن منذ أن تعرفت عليه، بينما أخذ "إياد" نفسا من سيجارة وشرع فى إكمال حديثه هاتفا:

 

_ مشيت فى سكة البودره لانها كانت علاجى الأمثل اللى بهرب بيه من كل حاجه، بقى يومى كله عباره عن مخدرات وخمرة وبنات، واليوم يخلص وأرجع أعيده من تانى، حتى جواد عرف بالصدفه لما شك فى افعالى وتصرفاتى وأتخانق معايا وأنا فهمته إنى هبطل، بس طبعا ده كان أخر حاجه ممكن افكر فيها، لأنى لو بطلت هرجع لوجعى ووحدتى من تانى، على الرغم من إن جواد كان بيحاول يفضل جمبى على قد ما يقدر، بس أنا اللى كنت بتهرب منه

 

ظلت "ملك" تنظر له بصمت شديد وكأنه تحاول تفسير حديثه فى راسها لتعرف عليه من جديد، يبدو إنها الان تستمع إلى ماضى شخصا هى لم تكن تعرفه من قبل، بينما أخذ "إياد" نفسا أخر من سيجارة وأكمل بنبرة ندم:

 

_ فى الفترة دى ميار بقت قريبه منى جدا، أنا أصلا كنت أعرفها من قبل أهلى ما يموتوا، ولكن مبقتش جمبى على طول غير فى الفترة دى، مش حبا فى بعض ولكن تبادل منفعه، هى رخيصه وكانت بتنام مع طوب الارض، وانا وقتها كنت مستبيع وعايز أي حاجه أفرغ فيها طاقتى عشان أهلك نفسى ومفكرش فى أى حاجه

 

المزيد من السكوت من قِبل "ملك" تاركة المجال ل "إياد" لكى يُخرج كل ما بداخله من أسرار وألم تستندمع إليهم لأول مرة فى حياتها، ليُكمل "إياد" تناول سيجارته بشراهة كبيرة مُعبرا عن ألمه وضيق صدره ناظرا أمامه بحدة قائلا:

 

_ بعد فترة طويله من تقربنا من بعض، فجأة كده ميار أختفت وتليفونها أتقفل وأنقطعت أخبار يومين تلاته وبعدها ظهرت تانى وكلمتنى وقالتلى إنها جيالى، لما جات عرفت إنها كانت حامل واليومين اللى أختفتهم دول كانت بتنزل فيهم الجنين، أتخانقت معاها جامد لما عرفت إن الجنين اللى نزلته ده كان منى، أى نعم هو كان جاى بطريقة قذره وكانت أمه هتبقى واحده فاجره، إلا إنى كنت بردو هحتفظ بيه، يمكن كنت فاكر أنه هيعوضنى عن إحساس الفقد بعظ موت أهلى اللى خسرتهم كلهم فى لحظة واحده، بس لما عرفت إنها قتلته أتعصبت وأتوجعت وعلى الرغم من إنى مكنتش فى كامل وعى إلا إنى أفتكرت وحدتى وفقدانى لأهلى، طردتها وقولتلها إنى مش عايز أشوف وشها مرة تانية، وفعلا مشيت ولكن إحساسى بالفقد رجع تانى كأنى بعيش لحظة موت أهلى للمرة التانية، مدرتش بنفسى غير وأنا بطلع تذكرة البودرة وبشمها كلها، وبعدها شوفت الموت بعنيا وعرفت وقتها قد أيه إحساسه صعب أوى

 

أبتلع ريقه بصعوبه وهو يطفئ تلك السيجارة متذكر تلك الليلة العصيبة التى مرت عليه بمفرد، تلك اللحظات التى كان يُصارع فيها الموت، كم أشتهى أن يمت ويرتاح من ذلك العذاب، ولكن ليس بتلك الطريقه، فهو لا يريد أن يموت هكذا، ليكمل حديثه بألم:

 

_ مش بس تفكير هو اللى أتخضر لا ده جسمى كمان، حسيت إنى مش قادر أتحرك من مكانى ولا عارف أتنفس، شوفت سحابه سوده أتجمعت قدام عنيا وواحده واحده عينى بدأت تقفل، من رحمة ربنا عليا إن التليفون كان جمب أيدى بالظبط، بس مش عارف أحرك دراعى من مكانه، حاولت بصعوبة أجيب رقم جواد واتصلت بيه وفتحت الميكرفون عشان اسمعه وكلمته وانا بموت وقولتله يلحقنى، وفعلا جواد متاخرش عليا ولولا هو وعمى هاشم وصلوا فى الوقت المناسب كان زمانى فعلا موت، أخر مشهد شوفته قدامى هو خوف جواد عليا وهو بيحضنى وبيقولى مش هسيبك يا إياد

 

أغمض "إياد" عينيه سامحا لتلك الدموع بالسقوط والتعبير عما يشعر به من ألم وحسرة على ما مر عليه وذلك الضعف الذى مر به بسبب حزنه على فراق أسرته، بينما "ملك" ولأول مرة منذ أن جأت معه إلى هنا ستتكلم وتحاول أن تجعله يخرج كل ما بداخله من ألم معقبة بإستفسار وتأثر كبير:

 

_ وبعدين أيه اللى حصل؟!

 

أكمل "إياد" حديثه بخوف شديد من ردة فعلها بعد سماع كل هذا الكلام، هل ستتركه وترحل إلى الابد!!، هل ستكره!!، هل ستهرب منه ولن تجعله يرأها مجددا، لينتحب "إياد" مضيفا بمرراة وألم:

 

_ فوقت فى المستشفى بعد ما ربنا نجامى من الموت للمره التانيه، طبعا عمى هاشم عرف كل حاجه وعاتبنى على اللى عملته فى نفسى ده وصمم أنه يسلمنى بأيده للمصحة ويتأكد من علاجى، وأنا كمان من جويا كنت مقرر إنى لازم أتعالج، الفرصه بتجى للإنسان مره واحده إنما انا جتلى مرتين، قولت ألحق نفسى قبل ما رصيد الستر بتاعى عند ربنا يخلص، وفعلا أتعالجت وأنقطعت علاقتى ب ميار تمام، أخرى كان كاسين مع جواد وعلاقه مع أى واحده على الطاير كده، بس كنت بأخد إحتياطاتى لأنى مكنتش مستعد أكون السبب فى إجهاض جنين تانى، وده لحد ما قبلتك ومن بعدها كل حاجه اتغيرت، وده لأنى حبيتك بجد

 

ظلت "ملك" صامته ووضعت وجهها فى الأرض بتخبط شديد، بينما دموعها لا تتوقف عن الإنسدال، لا تعلم ماذا عليها أن تقول أو تفعل!!، ولكن كل ما تعرفه أن تلك الفتاة التى تُدعى "ميار" هى فتاة كاذبة وعاهرة، بينما "إياد" نظر لها بكثير من التوتر والقلق من ردة فعلها بعد كل ما أخبرها به معقبا بإستفسار:

 

_ لسه خايفه منى يا ملك؟!

 

هزت "ملك" راسها يمينا ويسارا بسرعة ولعفة نافية ما قاله "إياد" مضيقة بإنفعال وتوضيح:

 

_ أنا عمرى ما خوفت منك يا إياد، أنا بس أتخضيت والصدمه غيبت عقلى خالص، أنا فجاه سمعت حاجات لا يمكن أتوقعها عن الشخص اللى انا كنت فاكره إنى أعرفه أكتر ما هو يعرف نفسه، أنا مفيش حاجه قلقتنى من نحيتك فى كل اللى ميار قالتهولى ده غير إنك أنت اللى أجبرتها تنزل الطفل، كان صعب عليا أتقبل فكرة إنك رفضت وجود طفل منك بسبب علاقه أنت المذنب اللى فيها!!، بس دلوقتى أنا فهمت كل حاجه وعرفت إن نظرتى ليك من البداية مكنتش وهم وهمته لنفسى عشان بحبك

 

أقترب "إياد" منها ووجه وعيناه مليئان بالدموع والخوف الشديد معقبا بنبرة ترجى وضعف قائلا:

 

_ متسبنيش يا ملك أنا كل اللى حبتهم سابونى وراحوا، بلاش تروحى أنتى كمان لأن المرة دى هموت بجد

 

أندفعت يد "ملك" محتضنة وجهه بين كفيها الصغيرين مضيفة بكثير من الحب والصدق مُطمئنة إياه رادفة بإصرار وهى تنظر فى عينيه:

 

_ مش هسيبك يا إياد، أوعدك طول ما أنا عايشه عمرك ما هتحس بالوجع ده مره تانيه

 

ضمها "إياد" إلى صدره بكثير من اللهفة والشوق، ليبتعد عنها قليلا ناظرا داخل عينيها وعلى سائر وجهها معقبا بإحتياج شديد وصادق:

 

_ أنا محتاجك أوى يا ملك، أنا بحبك أوى

 

أنتحبت هى الأخرى مضيفة بحب وصدق مُماثلا له قائلة:

 

_ والله وأنا كمان بحبك أوى يا إياد

 

لم يستطيع "إياد" السيطرة على نفسه أكثر من ذلك، لينقض على شفتيها مُلتهما إياهم بكثير من اللهفة والشوق مُعبرا عن إحتياحه الشديد لها فى هذا الوقت، مُتناسيا كل شيء وكل ما حدث، كل ما يفكر فيه الأن أن شفتيه تلامس شفتيها، هو فعل ذلك مرة من قبل وكان رد فعلها حينها إنها صفعته عقابا له على فعلته، حسنا لتصفعه إلى أن يُدمى وجهه لا يهم، كل شيء يهون مقابلا للمسة واحدة من نعيم شفتيها..

 

ولكنها حقا فاجئته تلك المرة، فهى لم تحاول منعه عن تقبيلها أو حتى إبعاده عنها، بل إنها تلك المرة حاولت التجاوب معه ولكن بقلة خبرة منها، ليدرك "إياد" إنها حقه ليست مُستائة منه، بل تحاول الأن أن تخفف عنه ذلك الألم الذى يشعر به، ليضمها "إياد" إليه أكثر وتفلتت يديه متخذة طريقها أسفل ملابسها متحسية جسدها بأكمله، بينما تمردت بعض التأوهات من شفتى "ملك" مُتأثرة بتلك اللمسات التى تُجربها لأول مرة بحياتها

 

ليجن جنونه هو الأخر بعد سماع تلك التأوهات من بين شفتيها، وكأنها كانت تصريح واضح منها بإعطائة إشارة البدء فيما يريده، ليُمدّ جسدها على تلك الأريكة دون أن يفصل القُبلة أو يتوقع عما يفعله، بل أنه أستعمل يده الأخرى فى تحرير نفسه من قميصه، ليصبح مُعتليها عارى الصدر تماما، ليبدأ فى خلع قميصها هى الأخرى

 

بينما هى كانت بعالم أخر غير هذا العالم، وكأن عقلها فقد السيطرة على جميع حركاتها أو ردود أفعالها، فهى أصبحت مُغيبة تماما بين سحر لمساته وتأثيرها القوى جدا عليها، لم تلاحظ أبدا أنه قد جردها من قميصها بالفعل ولم يعد يخفى نهديها سوا تلك الصدرية الرقيقة التى ترتديها

 

أما عن "إياد" فبمجرد أن وقعت عينيه على نهدها البض الحليبى متوسط الحجم وترفعه تلك الصدرية مما جعله ممشوق القوام ومثير للغاية بالنسبة له، نعم فتأثيرها واضح جدا عليه، حتى أنه شعر بتحريك رغبته المُلحة عليه بان يُكمل ما بدأه، ليفقد هو الأخر السيطرة على نفسه وأنقض عليها مُلثما مقدمة نهديها وعنقها ولا تزال يده تتجول على سائر جسدها الظاهر أمامه

 

كاد "إياد" أن يرتكب فى حق نفسه وحق تلك الفتاة البريئة الساكنة بين يديه إثما كبيرا وكاد أن يتمادى للغاية مما كان سيجعله يندم أشد ندم لاحقا، ولكن كان للقدر رأى أخر، لينقذهم من تلك الغفلة وتلك الهيمنة صوت رنين هاتف "ملك" مُعلنا عن إتصالا من والدتها

 

لينتفض كلاهما من مكانه وينصدمان مما هما عليه الأن، ف "ملك" كانت عارية النصف العلوى بالكامل، بالإضافة إلى أن صدريتها كانت مفتوحة بالفعل وكاد نهديها بالكامل ينكشف له، بينما "إياد" كان لا يقل عنها سوء، فهو كان عارى الصدر تماما بالإضافة إلى حذام بنطاله وسحابه كانا مفتوحان بالفعل وأثار تأثيرها عليه كان واضحا للغاية

 

ليبتعد "إياد" عنها بصدمة وهلع مما كاد أن يفعله دون إرادة منه وسريعا ما أنسحب إلى المرحاض محاولا التخلص من الرغبة وإخماد تلك النيران التى أندلعت بداخله، أما عن "ملك" فكان صدمتها تفوق صدمته بمراحل، فهى بمجرد أن أستمعت لرنين هاتفها حتى أنتشلت قميصها محاولة إخفاء أكبر قدر من جسدها

 

لم تستطيع "ملك" الرد على والدتها فى المرة الأولى، فهى كانت لاتزال تحت تأثير الصدمة وتحاول إغلاق صدريتها وأرتداء قميصها مرة أخرى، وثبل أن تتمكن من أغلاقه صدح هاتفها مرة أخرى، لتجمع ستات نفسها مصطنعة الهدوء كى لا تلاحظ والدتها هذا التوتر لتهتب بثبات مصطنع:

 

_ أيوه يا ماما

 

صاحت "منال" بقليل من الأنزعاج والقلق زاجرة أبنها بحدة رادفة بعتاب:

 

_ أيه يا ملك أتأخرتى ليه كده!!، ومردتيش ليه من أول مره؟!

 

حاولت "ملك" أن تبدو طبيعية بقدر المستطاع معتذرة من والدتها معقبة بهدوء:

 

_ معلش يا ماما كنت عامله الفون صامت، أصل أنا وإياد فى السينما ولسه طالعين..

 

زفرت "منال" بقليل من الراحة لكون أبنتها بخير مضيفة بإستفسار:

 

_ طيب يا حبيبتى وخلصتوا ولا لسه الساعه بقت تسعه!!

 

صاحت "ملك" بسرعة وقد شعرت بالخزى الشديد مما حدث بينها وبين "إياد" وإنها على على وشك السقوط فى ذلك الخطأ رادفة بلهفة:

 

_ لا لا أحنا خلصنا وجايه أهو على طول

 

تنهدت والدتها بإطمئنان مضيفة بهدوء:

 

_ طيب يا حبيبتى، بابا بيقولك خلى إياد يطلع معاكى عشان نتعشى سوا

 

والدها!!، ماذا كان سيحدث له إن لم تتصل والدتها فى الوقت المناسب وتنقذها من تلك المصيبة الكبيرة التى كانت ستوقع نفسها فيه!!، بالطبع كان سيموت بحسرته لا محال، حمدلله إن والدتها أتصلت بها فى تلك اللحظة، لتجيب "ملك" على والدتها موافقة إياها:

 

_ حاضر يا ماما، سلام

 

أنهت "ملك" المكالمة وسريعا ما أغلقت أزرار قيمصها شاعرة بالخزر والندم على ما فعلته، ولسوء حظها لا تستطيع أن تلوم "إياد" على ما فعله، لأنها هى الأخرى أخطأت وتجاوبت معه، هى الأن تشعر بكثير من الإحراج من "إياد" نفسه، كم تتمنى لو كانت لم تأتى معه إلى هنا منذ البداية!!، اللعنة على تلك الحقيرة التى أدخلت الشك فى رأسها وجعلتها تتخبط ووتصرف ببلاهة

 

خرج "إياد" من الداخل وهو يحمل منشفة فى يده ويجفف بها وجهه ورأسه ولايزال عارى الصدر، يبدو أنه أستخدم المياة الباردة لأستعادة وعيه والسيطرة على نفسه من جديد، وضع المنشفة على الأريكة بجانبها وألتقط قميصه، لتقع عينيه عليها ووجدها تضع وجهها فى الأرض مُتحاشية النظر إليه، ليعقب بكثير من الخزى والأسف محاولا الأعتذار منها رادفا بندم:

 

_ أنا أسف، أنا مش عارف عملت كده أزاى؟!

 

ظلت صامته وواضعة وجهها فى الأرض لا تستطيع أن ترفع عينيها وتتقابا بخاصته، ليدرك هو إنها لا تشعر بالغضب منه بل هى تشعر بالخجل والخزى أيضا، ليبتسم بحب ولكنه سريعا ما شعر بالندم لانه كاد أن يفقدها للابد بسبب لحظة ضعف، ليعقب بهدوء وهو يغلق أزرار قميصه:

 

_ قومى أدخلى الحمام ظبطى نفسك وساوى هدومك وشعرك عشان أوصلك

 

أومات له "ملك" بالموافقة سريعا مُتهربه من المكوث أمامه أكثر من ذلك، لتضيف وهى تتجه نحو المرحاض ولاتزال مُتحاشية النظر إليه رادفة بهدوء:

 

_ أعمل حسابك بابا عايزك تطلع تتعشى معانا النهارده

 

أومأ لها هو الأخر بالموافقة على ما قالته ممتنا لهذا الأقتراح رادفا بإصرار:

 

_ كده كده أنا هطلع معاكى لأنى عايزه فى موضوع مهم، خلصى بسرعة عشان منتأخرش

 

سريعا من دلفت "ملك" المرحاض لإصلاح ما تم إفساده منذ قليل وإعادة كل شيء كما كان، حتى لا تلاحظ والدتها شيء عليها، بينما إياد وقف أمام المرأه يُمشط شعرها عازما على تنفيذ ما يدور فى رأسه ووضع حدا لهذا الشيء الذى يُشغل تفكيره منذ فترة طويلة..

 

يتبع ..