-->

اقتباس٢ - تعويذة العشق الأبدي




اقتباس٢



 يجلسان في إحدى المقاهي الراقية ممسكان بأيدي بعضهما البعض يستخدم كافة أسلحته للإيقاع بها فإنه على ثقة أنه لم تخلق بعد من تستطيع مقاومته.


نظر إلى عينيها نظرة يشع منها الحب وأخذ يحرك أصابعه على كفها ببطئ شديد ليثير بداخلها مشاعر تكتشفها للمرة الأولى في حياتها ثم نظف حلقه وتحدث إليها ببحة صوته الجذابة والمميزة:



- متتخيليش فرحتي كانت عاملة إزاي لما وافقتي تقابليني أخيرًا، يعني لازم أفضل أتحايل عليكي علشان ترضي عني وتخليني أشوفك.


رأى علامات الخجل بادية على وجهها ليعلم أن حديثه قد بدأ يؤتي بثماره ليقرر أن يضرب على الحديد وهو ساخن فأكمل حديثه قائلًا:


- "وعد" أنا عايز أحس إني حاجه أساسية فى حياتك مش مجرد حد عرفتيه من على الفيسبوك وخلاص.


صمت قليلًا وظل ينظر إليها تلك النظرة التي لا تفشل أبدا في الإيقاع بالفتيات خاصة عديمي الخبرة أمثالها ثم حمحم قائلًا:


- بصي أنا عارف إن دى أول مقابلة بينا  وطبعا مش هتثقى فيا بسرعة كدا لأن الثقه دي شعور مكتسب بس كل اللى اقدر اقولهولك انك هتلاقينى جمبك فى أى تفصيلة في حياتك فى كل حاجه ، أنا عايزك تبقى مرتاحه دي أهم حاجة بالنسبالي.



قال كلماته تلك وانتظر ليرى ردة فعلها ولكنها كانت ملتزمة الصمت لا تعلم ماذا تقول فهذه أول مرة لها تتقابل  مع شاب بعد أن ألح عليها كثيرًا بهذا الموعد ولم تكن تعلم أنها قد وقعت بالفعل في براثن ذلك الحقير.



عندما رأى صمتها قرر استئناف حديثه ولازالت أصابعه تداعب يدها لكي يشتتها أكثر فأكثر:



- هتفضلي ساكتة كتير؟ أرجوكي اتكلمي محتاج أسمع صوتك متتخيليش انتي عملتي فيا إيه؟ أنا مكنتش أتخيل أبدا إني اتعلق بواحدة بالسرعة دي خصوصا بعد التجربة الصعبة اللي مريت بيها قبل كدا.



رسم على وجهه علامات الأسى ببراعة شديدة ثم أكمل حديثه وهو يتصنع اختناقه بالبكاء:


- انتي مش متخيلة أنا مريت بإيه، حقيقي قبل ما أعرفك كنت مقرر اني مش هحب تاني أبدًا بس انتي قدرتي تثبتيلي إن مش كل البنات زي بعضها.


غلفت الدموع عيناه فمن يراه يقسم أنه قد عانى كثيرا ليطنب في حديثه بعد أن ضغط أكثر على يديها:


- أرجوكي أوعديني انك عمرك ما هتسيبيني انا مش حمل قصة حب فاشلة تاني انتي لو سيبتيني انا مش هستحمل المرادي الموت هيكون أهون كتير من اني أعيش بقلب مكسور.


أنهى كلامه وأنزل وجهه ومد يده يأخذ منديل من على الطاولة ليمسح تلك الدموع التي برع باستحضارها كممثل مخضرم يقف على خشبة المسرح منذ عشرات السنين.


لا تعلم ماذا يمكنها أن تقول ردا على تلك المشاعر الفياضة التي يغرقها بها فلقد تعلقت به كثيرا كما أنه أثبت صدق نواياه بذلك الحديث الخارج من قلبه فلقد تأثرت كثيرا بحديثه لدرجة أن نزلت دموعها هي الأخرى لتلك الحالة التي هو بها.



ربتت على يده ثم حدثته بصوت خرج مهزوزا من فرط تلك المشاعر التي أغرقها بها:


- أوعدك يا حبيبي اني عمري ما هسيبك أبدًا أنا بجد محظوظة اني عرفتك وحبيتك انا مش عارفة اللي جرحتك دي جالها قلب إزاي تعمل فيك كدا.



رفع رأسه ينظر إليها مبتسما تلك الابتسامة الساحرة وكاد أن يتحدث ليقاطعه رنين هاتفه لتنير شاشته بإسم شخص يدعى "كمال حسن" ارتبك قليلا ثم أنهى الاتصال سريعا ممتنًا لذكائه الذي جعله يغير اسم زوجته على الهاتف قبل أن يأتي، وقبل أن يدخل الشك لقلبها سارع وقال لها:



- واحد رغاي لو رديت عليه هيفضل يرغي سنتين قدام وأنا مش عايز حاجة تشغلني عنك طول ما احنا مع بعض.


أنهى حديثه رافعا يدها إلى فمه ليقبلها بكثير من الحب لتشعر وقتها وكأنها تحلق فوق السحاب فلطالما حلمت برجل مثله ولم تكن تتوقع أن تحظى به في الحقيقة.


ابتسامة حالمة ارتسمت على شفتيها وهي تستمع لغزله الصريح الذي أرضى غرورها كثيرا ولم تشعر معه بمرور الوقت ولكنها أفاقت من تلك الحالة على رنين هاتفها لتجد والدتها هي التي تهاتفها فارتبكت كثيرا وزاد ارتباكها عندما نظرت في ساعة يدها ووجدتها قد تعدت العاشرة فلم تعلم ماذا تفعل في تلك الورطة.



عندما علم هوية المتصل اقترح عليها أن تذهب إلى دورة المياة لكي تجيب على اتصال والدتها حتى لا تعلم أين هي وعقب مدعيا الاكتراث لأمرها:


- متخافيش يا حبيبتي اهدي كدا وكلميها وانتي واثقة من نفسك ولما تسألك اتأخرتي ليه قوليلها طلبوا مننا في الشغل نقعد ساعتين زيادة وخلاص.


أومأت له موافقة على حديثه وقامت لتهاتف والدتها فلقد انقطع الاتصال عندما تأخرت في الرد.



دخلت دورة المياه وهاتفت والدتها محاولة استحضار أقصى درجة من درجات الثبات الانفعالي حتى تقنعها بما قاله لها أحمد.



أتاها صوت والدتها الغاضب على الخط الآخر:


- انتي فين لحد دلوقتي يا زفته؟ ومبترديش على تليفونك ليه؟ أبوكي حالف يطين عيشتك لما يشوفك.


حدثت والدتها بنبرة صوت جاهدت أن تخرج مقنعة في محاولة منها لجعلها تصدق ما ستخبرها به:


- غصب عني يا ماما عندنا شغل كتير جدا والمدير طلب مننا كلنا نقعد ساعتين زيادة وهيبقى فيها أوفر تايم كنت عايزاني أعمل ايه يعني؟ مقدرتش أرفض، على العموم انا قدامي ١٠ دقايق وأخلص.



ردت عليها والدتها ولازال صوتها يحمل بعض الغضب:


- طب اخلصي يختي بدل ما تاخدي علقة من إياهم، انتي عارفة ابوكي لما بيطلع في شره.


ثم أطنبت في حديثها وظهر القلق على صوتها:


- هو انا هلاقيها منك ولا من اختك اللي مبتردش على تليفونها من الصبح أعمل فيكم ايه بس قال على رأي المثل "يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات" انا مش عارفة مبتتجوزوش ليه علشان تريحوني من همكم.




حاولت طمأنة والدتها حتى لا تقلق على شقيقتها:


- متقلقيش على عهد يا ماما هتلاقيها مشغولة ولا حاجة انتي مسمعتيش عن الاكتشاف الأثري اللي البعثة بتاعتها اكتشفوه في الأقصر النهاردة الصبح أكيد مش فاضية تبص وراها حتى انتي عارفة بنتك مجنونة آثار زمانها هتتجنن من كتر الفرحة دلوقتي.



- ربنا يجيب العواقب سليمة وترجع بالسلامة انا قلبي واكلني عليها أوي.


كان ذلك حديث والدتها قبل أن تنهي الاتصال بعد ان حثتها على سرعة العودة للمنزل ولا تتأخر أكثر من ذلك فهي لا تضمن رد فعل والدها.



في نفس الوقت كان أحمد يهاتف زوجته فلقد تعمد أن يجعلها تذهب لدورة المياه حتى يتسنى له مهاتفتها ليرى ما الذي تريده ليتجنب مهاتفتها له مرة أخرى.


ردت ضحى على الهاتف وقبل أن ينطق بشيء وجدها تسبقه بالحديث بصوت حاد:



- ايه يا أحمد مبتردش على تليفونك ليه؟ ومتكذبش عليا وتقول انك في interview أكيد مفيش interview في وقت زي ده.


رد عليها بنفاذ صبر فهو يريد إنهاء المكالمة سريعا قبل أن تعود وعد:


- لا مش interview ولا حاجة انا مع جماعة أصحابي قاعدين في كافية خير كنتي عايزة إيه؟


تفاجئت من حديثه وعدم اكتراثه الذي اعتاد عليه لتقضم شفتيها بغيظ من تلك الطريقة التي يتحدث بها ثم حدثته قائلة:


- يعني أنا طالع عيني من الصبح ما بين شغل وبيت وأولاد وانت مقضيها كافيهات وخروج مع اصحابك يرضي مين دا بس يا ربي.


- اخلصي يا ضحى انا مش فايق لك كنتي عايزة حاجة ولا  بتتصلي علشان تقولي  الكلمتين اللي مالهومش لازمة دول.


تحدثت بأسى على ما آلت إليه حياتها:


- كنت بكلمك من ساعة فاتت علشان تروح تجيب الولاد من عند ماما أنا هتأخر في الشغل شوية والجو برد وخايفة الولاد لو خرجوا في الجو ده يتعبوا وانا كمان مجهدة جدا ومش هقدر أفوت اخدهم.


استمع لكلماتها المملة بالنسبة إليه ثم تحدث بعدم اكتراث لكل ما قالته.


- بقولك إيه أنا ماليش دعوة بالحوار ده انتي حرة تجبيهم متجبيهومش ميلزمنيش دي مسؤوليتك يا هانم مش مسؤوليتي ولو شايفة انك مش قد المسؤولية دي اقعدي من الشغل واتفرغي لبيتك وأولادك ولو مش قادرة تروحي تجبيهم خليهم بايتين عند مامتك كدا كدا بكرة الجمعة ومفيش مدارس وياريت تروحي تباتي معاهم انتي كمان وتريحيني من زنك شوية.



قال ذلك ولمح وعد آتية من بعيد فأغلق الهاتف في وجه ضحى قبل أن يتسنى لها الرد على كلماته المسمومة.


لتنظر ال الهاتف بعد أن أغلق الخط في صدمة مما قاله لها فكيف يكون ذلك رده على كل ما تفعله من أجله هو وطفليهما لتهز رأسها في أسى ولما العجب فتلك طريقته دائما التي لم ولن تتغير.



لم تشعر بتلك الدموع التي أغرقت وجهها ندما على اختيارها وشفقة على حالها وما وصلت إليه معه لتحاول كتم شهقاتها حتى لا يشعر بها أحد من زملائها ثم جففت دموعها وعادت لعملها مرة أخرى.




يتبع