-->

الفصل الخامس والعشرون - كما يحلو لكِ - النسخة العامية

 



الفصل الخامس والعشرون

النسخة العامية

 

بنفس هيئتها المُزرية رفعت رأسها نحوه وهي تتفقده، احتبست الأنفاس بداخلها لا تقوى على الخروج وهو يُحدق بوجهها بتفحص شديد وملامحه بذقنه الكثيفة وشعره الأسود الفحمي اللامع وذلك السواد المتفحم بين جفنيه باتت تصيبها بمزيد من الخوف، تحاول أن تتبين ما الذي سيحدث لاحقًا فيما بينهما، بالرغم من قضاءها عشر أيام من عذاب تام لم تذهب حتى لتنظر بتلك الغرفة التي تحتوي على ما تستطيع امتلاكه للخلاص من هذا المجنون، وسرعان ما انهمرت الاحتمالات بداخل رأسها، هل الآن سينهض ليُكبلها ويصفعها بعد أن اعترفت بما يُريده؟ هل ستركها لتذهب وسيكون الاعتراف كافي له؟، لا بالطبع لن يفعل، أم ربما سيتركها هُنا حبيسة ليُعيد تجربة هذا القفص المريرة؟

 

ومجرد التخيل دفعها للبكاء من جديد بعد أن كانت توقفت عنه لعدة لحظات متتالية!!

 

لم يكترث بملامحها التي تغيرت بشكل كبير، هناك فرق شاسع بين اليوم الأول الذي دخلت به هذه الغرفة وبين ما يراه الآن، لم ينطق بحرفٍ بعد بينما يرى الذعر يلتمع بمقلتيها الفاتنتين، يا له من انجاز، ليُعطيها هُدنة قبل المُقبل عليها بالأيام القادمة، فحقيقة أن زوجته عاصية لا تفعل ولا تتصرف كما يحلو له لابد من تصحيحها، لن يستكمل حياته يعشق امرأة بها كل هذه العيوب، ولكل خطأ في قاموسه عِقاب، من نظرة وكلمة كبداية إلى حكم بالإعدام.. لقد علمه القانون هذا!! عليه أن يوضح قوانينه مليًا هذه المرة قبل أن يتحول هو لخاضع بهذا الزواج..

 

سيطر على فرحته اللحظية بما نطقت به، كالعادة يستطيع السيطرة على نفسه، يستطيع أن يظهر كلوحٍ من الثلج بالرغم من كل ما يجري بداخل عقله، عليه توضيح أن لكل خطأ عقاب ولكل ثواب مكافئة، لو لم تقتنع بعقده لتقتنع اذن بهذا:

-       اجابتك كانت صح، بس عشان نشوف هتكوني زي ما أنا عايز بقا ازاي ده لسه هياخد وقت!!

 

تريث لبرهة وهو يرى ذلك الاختلاف يتضح عليها بينما عدلت من جلستها بدلًا من استنادها بيديها على الأرضية ولكن هذا لا يهم الآن، ليقوم بعمل جائزة صغيرة احتفالًا بما أحرزته من تقدم:

-       النهاردة اليوم كله ليكي، مش هنمشي من البيت ومفيش شغل ولا موبايل، بس ممكن تعملي اللي تختاريه، اختاري حاجة واحدة بس عايزة تعمليها وساعتها هشوف هوافق ولا لأ!!

 

استكانت من بُكائها للحظة، لا تدري صدمةً من رده، أم صدمة من نفسها، فهي كل ما تتخيله هو ملابس، الاغتسال، تناول الطعام، النوم على فراش مريح، الذهاب إلى الحمام في الوقت الذي تختاره هي، هذه أولى الأفكار التي مرت على عقلها سريعًا، قبل الطلاق وقبل الفرار وقبل أي مستندات لعينة لا تثق بوجودها من عدمه! لو فقط تستطيع قتل هذا الوغد ستفعلها، لن تنسى كل ما فعله قط!

 

أمر واحد فقط، تفكر سريعًا أن تطالب بأكثر ما يضمن لها الأمان بصحبة هذا اللعين، ولا تثق حتى أنه سيجيب طلبها بالقبول، لديها الكثير لتفعله، تريد الوقت للتفكير بما عليها فعله لاحقًا لتنجو من هذه الورطة، غبية بشدة، كان عليها أن ترفض زواجه منها منذ البداية، ولكن الآن ما الذي عليها أن تطلبه وهو يجلس أمامها يتفحصها بملامحه الكريهة وأخيرًا اتضح على وجهه الملل من كثرة تفكيرها بالأمر، بل وتفقد الوقت بساعته وكأنه لديه دول ليقوم بحل مُشكلاتها!

 

استجمعت شجاعتها، وحددت ما تريده بالفعل، ثم همست بأعين لا تحمل مشاعر على الإطلاق حتى خوفها، فلم يعد الخوف يُفيد مع رجل مثله، ففي النهاية الخوف يؤثر على عقل الإنسان إلى أن يتركه لا يُفكر بوضوح ولا يستطيع أن يتخذ قرار سليم!

 

-       النهاردة عايزة أعيش زي أي إنسان حر قراره بإيده بعيد عن الأوضة دي لوحدي!

 

بالطبع لم يُعجبه ما استمع له، ولكن أعجبه عسليتاها السجينتان خلف غمامة من دموع القهر وهي تطالب بمجرد تصرفها كإنسان، حسنًا، فليرى ما الذي ستفعله لو امتلكت الحُرية معه، لو هناك تصرفات لا تعجبه منها فالعقاب موجود ولديه آلاف الحيل حتى يُصلح عقلها الفاسد، وكلما أخطأت منذ الآن فصاعدًا سيكون هناك عقاب لكل شيء، ولو مجرد نظرة لم تلق رضائه!

 

نهض تاركًا تلك السلسلة العينة على كُرسيه المريح الذي كان يجلس عليه أمامها طوال الأيام الماضية، تابعته بعينيها وهي لن تُنكر أنها امتنعت عن التنفس وعينيها اتسعت في ذعر، لا تدري ما الذي يقوم بإحضاره من احدى الادراج، لتجده يعود إليها وبداخله استمتاع غريب لا يضاهيه مُتعة لنظرة الخوف بعينيها وكيف باتت تهابه الآن، ولكن ليُعطيها استراحة قليلة حتى تستطيع تحمل القادم، لو استمر بما يفعله معها لن تحتمل وستفقد عقلها أو ستضرب عن الطعام حتى تفقد حياتها.. على العموم لديه حل لكل امرأة عاصية.. وهناك آلاف الحيل، وأساليب عقاب ستتمنى لو أنها لم تعلم عنها شيء في حياتها!

 

جلس من جديد على كرسيه باستفزاز أهلكها بداخلها، ذعرها ما زال كما هو لا تشوبه شائبة فلقد فشل عقلها أن يتخيل ما الذي سيحدث بعد معه، فوجدته أمسك بالسلسلة ليجذبها من جديد فأدركت أن عليها أن تتحمل المزيد فقط لتغادر هذه اللعنة للأبد، أو ربما سيقوم بالرفض وهذا أسوأ، لقد كانت تعلم من البداية أن مهمتها لن تكون سهلة، فاتجهت للأمام مقتربة منه مجبرة على الاستناد على يديها إلى أن توقفت أمامه تمامًا ووجدته يُمسك بشيء صغير ثم جذب الطوق نفسه ليقوم بإزالته أخيرًا فتنفست الصعداء ثم تلمس وجهها يعانقه بين كفيه وقرب ملامحها له  لتقشعر من لمسته التي شعرت بتقزز امتزج بخوفها منه وأخيرًا تكلم بما جعلها تهدأ قليلًا:

-       زي ما اتفقنا يوم واحد بس.. الساعة دلوقتي حداشر، بكرة الساعة حداشر الصبح بالثانية الاقيكي مستنياني.. اتفقنا يا قطة؟

 

حدق بملامحها المُنهكة، نظراتها الخائفة، سكونها الذي لم يحظ به قط قبلًا، لقد أوشك للغاية على لمس خضوعها، لقد انتظر كثيرًا من أجل هذا الحُلم الذي بات تحقيقه على أرض الواقع قريبًا، ورغمًا عن أنفه اقترابها منه أصابه بتلك اللعنة التي تأججت بداخله، وانتقل هذا التفحم بين جفونه تلقائيًا لشفتيها المتضررتين بفعل ما فعله بها، لو الاقتراب منها يُصيبه بما يشعر به الآن، كيف سيُصبح حاله لو تحولت إلى نسخة طبق الأصل من المرأة التي يتمنى أن يحظى بها للأبد؟!

 

-       اتفقنا!

 

لقد كانت هذه اجابتها ولا يرى سوى تحرك شفتيها، التلامس بينهما ولو ملامسة يد بريئة تجعله يشتعل، هل من المتاح أن يُقبلها الآن؟ هي زوجته وهذا حقه.. ولكن لا، لا يريد أن يصل الأمر لهذا حتى لا تظن أنه يرغب بها أو لا يستطيع التحمل، أمّا عن أنفاسه التي ارتفعت بصخبٍ كان لها تأثير مختلف عليها تمامًا!

 

لا تستطيع تخيل أنه يكسر بوعوده في نفس اللحظة، يا له من كاذب محتال، يخبرها أنها ستذهب ثم تلمح الرغبة تتملكه وأنفاسه اللعينة تحتدم بذلك اللهيب الذي تعهده عنه، هذا لم يكن اتفاقهما!

 

وجدت عينيه تتلاقى بخاصتها من جديد، لا تدري هل سيقوم حقًا بمعاشرتها الآن بعد كل ما فعله، تقسم أنها تستعد للموت كي لا يفعل، ولو وصل انجذابهما الجسدي لما لم يصل له أي رجل وامرأة في تاريخ البشرية، لن تسمح له!

 

ابتلعت باختلاط خوفها بمشاعر أخرى بدأت في الطرق على كيانها، الأمر ليس بالسهل قط، ولكن ما فعله جعلها تبغضه، لا تستطيع تحمل أنفاسه ولمسته فوق جسدها، حتى ولو كان وجهها فقط، فقالت سائلة والارتجاف جلي بحركة شفتيها:

-       ممكن امشي؟

 

ابتلع وهو يحاول أن يؤلم أسنانه محاولًا أن يكبح نفسه عن كل ما يريد أن يفعله، أكثر من شهر منتظرًا أن يلمسها من جديد لم يكن هين عليه، وامرأة مثلها بكل ما يرتاب به بخصوصها لا يستطيع التحمل أمامها، وفي الحقيقة لم يستمع لحرف مما قالته، أو لم يُدركه ولكنه رأى شفتيها تتحرك بارتجاف واضح!

 

ابتلع وهو فاقد القدرة على السيطرة على نفسه، يحاول أن يجد بينه وبين نفسه المقدرة على التوقف باشتهائه لها، لتبدأ هي الأخرى بالشعور بمشاعر مختلطة وخصوصًا أن كل ما يفعله الآن بعيدًا عن الإهانة والعنف وألم النفس، ولكن لا، لن تسمح له!

 

اعادت تكرار سؤالها الذي استطاع ادراكه هذه المرة:

-       ممكن امشي؟

 

رطب شفتيه ورفع عينيه بعد أن انتهى من عذاب شفتيها المتكلمتين ليحصل على مقلتيها من جديد لترى صراخ الرغبة جلي للغاية بكل ملامحه وأنفاسه وأوشكت على البُكاء لو كان حقًا يُفكر في أنها ستقبل أمر كهذا منه..

 

ارتفعت أنفاسها بارتباك، لو رفضت سيجبرها، ولو رفضت سيعيدها للقفص من جديد، ولو رفضت لا تدري أي لعنة يُمكنه فعلها، ولكن آتى رده بهمسٍ دافئ يتوسل بطريقة غير مباشرة أن تبقى معه ولكنها تقززت منه لدرجة اصابتها بالغثيان:

-       ما تمشي، ايه اللي مانعك، مش قولتلك اليوم كله بتاعك؟

 

وغد حقير لعين مغرور بكل ما يمتلكه عليها من حيل، هل هي المُخطئة الآن لأنها انتظرت وهي تعامله كما يحلو له بعد عذابه المهين لها؟!

 

 أومأت بالتفهم ثم نهضت لتغادر سريعًا ولمحت تلك الغرفة التي تحتوي على سبيل نجاتها مغلقة فلم تهتم لهذا الآن وغادرت بسرعة دون أن تلتفت له.. ودون أن تتوقف عينيه عن متابعة جسدها الذي اشتاق له لدرجة تجعله يود أن يُلقي ببأسه أسفل قدميها ويذهب لها ليخبرها بإعراضه عن كل هذا العقاب الذي آلمها!

--

غرفته المنظمة نفسها، المنزل اللعين المرتب ذاته لدرجة أن من يدخله يعتقد بعدم وجود من يعيش به، لم تر هذا بالسابق، لم تر أن قاطن هذا المنزل فارغ من الحياة، ليس ببشر طبيعي ليفعل كل هذا!

 

سرعان ما توجهت لغرفة الملابس، تناولت منامة منزلية لا تكشف سوى رأسها وكفي يديها وقدميها، مانع الحمل الذي تستخدمه ولم تتناوله منذ عشرة أيامٍ لعينة ذاقت بها ألوان عذابه، ملابس داخلية لها، ودست هذا الهاتف الاحتياطي بين ملابسها لعلها تحتاج له، أم عليها أن تعيد؟! سيراقبها هذا الوغد وبالطبع لن يمر الأمر مرور الكرام، فأعادت الهاتف من جديد!!

 

امتدت يدها لتأخذ رداء ووضعته سريعًا على نفسها كي تمنع أعينه التي لا تستبعد أنها مُسلطة عليها من النظر لحالتها المُزرية التي أصبحت عليها، لا تريد لأي شخص أن يراها وخاصةً هو، لا تتحمل أن ينظر لها أحد وهي لا تختلف كثيرًا عن مجرد جماد، لا ترتقي حتى بعد ما رأته على يده أن تُشبه نفسها بالحيوان، هو حتى لم يعاملها كما يعامل حصانه!!

 

فجأة استمعت لصوته فانتفض جسدها في خوف ووقع كل ما بيديها على الأرضية فنظرت نحو الملابس حتى ترى ما إن كان مانع الحمل اتضح لعينيه ولكنه كان بين الملابس فزفرت في راحة وفكرت ألف مرة قبل أن ترفع رأسها نحوه حتى لا يرتاب أكثر، فظلت تنظر للأرض وهي تاركة إياه أن يُفكر أنها تشعر بالخوف منه ليس إلا:

-       اقعدي في الاوضة التانية مش هنا!

 

أومأت بتفهم وحتى لا تقابل المزيد من جنونه همست مُعقبة:

-       حاضر

 

انخفضت ثم تناولت ملابسها وسرعان ما غادرت للغرفة الأخرى وأغلقت بابها خلفها واتجهت مهرولة نحو الحمام واغلقته عليها من الداخل وكأن هذا سيمنعه عنها ثم تركت ملابسها جانبًا على الحافة الرخامية بجانب الحوض وتفقدت محتويات الحمام التي كانت أقصى طموحها بالأيام الماضية ثم وجدت نفسها تدخل بنوبة بُكاء شديدة..

 

جلست على حافة المغطس وهي تدفن وجهها بين يديها من كثرة فزعها لو استمع لصوت نحيبها، فمن كان يقرر لها متى تتناول الطعام وكيف ومتى تذهب لقاء حاجتها لن تستبعد أنه سيلومها على بُكائها، لم تعد تثق بأي شيء، ولم تعد تكترث بأي شيء سوى الموت أو الفرار!

 

الموت لها أو الفرار وحدها وبنفسها من كل هذا، هو يعيد القصة، وكأنها بداية زواجهما، المرة الأولى التي دخلت بها هذه الغرفة لا تختلف كثيرًا عن هذه المرة، إلا أن الألم أقسى تهشيمًا لروحها وكأنه يصمم على محو كيانها ليضع كيان آخر بداخلها..

 

نهضت بجسد يرتجف من البكاء وامتدت يدها التي تنتفض لتقوم بفتح المياه، مجرد مياه، ولكنها أصبحت بالنسبة لها حلم كانت تحلم به بالأيام السابقة، أبسط ما يحتاجه الإنسان قد قام بحرمانها منه..

 

دمار شامل أدى لانهيارها وهي واقفة أسفل المياه لما يقارب ساعة كاملة، عرفت أن الأمر صعب وأن تخدعه أصعب، ولكن ما العمل، ما العمل سوى خطة محكمة بالتحول لخاضعة بلا روح ولا عقل ولا اختيار سوى كل ما يريده هو!

 

لم تعد تثق أنه لن يمس أهلها بسوء، ولم تعد تثق بعد أن استطاع أن يحصل على توكيل إدارة بعملها أنه لن يعبث به، هي تثق بأنه يستطيع فعل أي شيء وكل شيء.. لذا عليها التحمل حتى ولو كانت روحها هي الثمن، هي من أجنت على نفسها منذ البداية بكل هذا، والآن لن تنفع ثورتها ولا قضية خلع ولا جلسة تصالح وتفاهم فيما بينهما ولا بكاء، لن يُصلح كل هذا سوى أن تكون الأقوى والأدهى بضعفها..

 

دلكت جسدها بسائل استحمام رائحته ذكية وهي لا تتقبل أنها مكثت لأيام دون لمس الماء لجسدها، حاولت أن تهدأ وتسيطر على بُكائها كي تستطيع التفكير، إما أن تفر كما يحلو لها وإمّا عليه أن يقتلها.. لم يعد هناك حل آخر سوى ذلك!

 

لا تملك أن تتحدث لوالده الذي على ما يبدو نسخة منه، ولا لوالدته التي لم تكترث له وهو طفل فلم عساها تكترث له وهو رجل بالغ ومتزوج، ولا لأخيه الذي يرتاب بأمر خيانتها له معه، وأخته بالطبع لن تستطيع فعل شيء، لم تعد تملك سوى الإجبار مثلما يجبرها!

--

ذهب ليعدو لما يقارب نصف الساعة على جهاز الجري الكهربائي، اللعنة على كل وغد يقول إن الحل هو المجهود البدني والرياضة لكي يقل شعور الرجل باحتياجه لممارسة الجنس، أحمق، لا يفهم شيئًا ولا يفهم ما يمر به معها!

 

شهر بأكمله يُعاني من لعنة استحواذها على عقله، وتحكم تام بجسده كلما لمحها، لا تدري ما الذي يفعله فقط ليجعلها تشعر بالتجاهل، يقتل نفسه في الثانية آلف مرة قبل أن يذهب ويفقد السيطرة على نفسه ويتملكها، ولكن أولًا لابد من أن تخضع رأسها الصلبة لكل ما يُريده، لا يريد أن يفسد علاقتهما الحميمة، لو فسدت هي الأخرى ستكرهه حتمًا!

 

توجه للاغتسال وبدل ملابسه وعقله يحتوي على الكثير مما يُريد أن يصل له معها، عشرون يوم من التجاهل، عشرة من الترهيب، عشرة أيام أخرى للعقاب، أم ربما خمسة، أم أسبوع، هل سينتظر أسبوع آخر حتى يستطيع الاقتراب منها؟ هل سيتحمل هذا؟!

اتجه لهاتفه ثم قام بفتحه، مكالمات من والده لم يرد بها سوى رسالة أنه حاول الاتصال به لأكثر من مرة، مكالمة واحدة من "باسم" الذي بات يصيبه بالصداع من شدة غبائه، عليه أن يقوم برفده وتعيين رجل آخر، لولا أمانته وطريقته الرسمية لكان فعل منذ زمن، هناك مكالمتان واحدة من والدتها والأخرى من أخيها..

 

عليه أن ينتهي من أمرهما، كلاهما يثق ثقة عمياء بأنه زوجها المُحب، وعلى كل حال عليه أن يقارب ما بين الأيام حتى لا يصابوا بالقلق عليها، عليه الذهاب إلي غرفتها ليدع لها الفرصة للتحدث إليهما!

 

القليل من السلام وتفقد الحال، وأنهما يشران بالراحة هكذا كان أكثر من كافيًا بالنسبة لهما، كلام رتيب يشعر بالملل منه، ولكن من أجلها ومن أجل ما يُريده معها عليه أن يتحمل كل هذا..

 

دخل عليها بعد أن فعل الكتم بالهاتف ليرها انتفضت في فزع منه ثم تفحص عينيها المصابتين بالذعر الشديد ليُلامس هذا رضائه ولكن سيرى إلى متى سيستمر هذا فحذرها بنبرة تحمل برودة الموت:

-       هيطمنو عليكي وانتِ هتطمنيهم عادي، كلمة واحدة مش عجباني وهاخد تصرف مش هيعجبك، ركزي كويس اوي في اللي هتقوليه، كلمتين وكفاية، متطوليش في الكلام، واياكِ اسمع نبرة زعل في صوتك.. بنتهم اللي متعودين عليها ترد عادي، واجنا هنا عشان أنا شغال على قضايا مهمة وعايز أركز فيها! اتفقنا؟!

 

حال بينها وبينه حاجز زجاجي من دموعها، أومأت له بالتفهم بعد أن أعدت خطة مُحكمة بداخل رأسها، مما تعرفه عنه أنه كل فترة في شأن مختلف، لذا ستنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر وهي تُكمل معه للنهاية.. ولو قام بطعنها آلاف الطعنات لن يتساوى مقدار الألم بما شعرت به بالفعل إلى الآن، والأسوأ، أنه نادى بالعشق، وبكل الطرق حاولت أن تجد سبيل وحيد يجمع بين العشق والإهانة في كل قصص الغرام ولكنها لم تجد، كان مريضًا أم كان كاذبًا، لم تعد تريد الإهانة، ولقد اكتفت من العشق المُهين!

 

-       ازيك يا مامي عاملة ايه؟

 

-       الحمد لله يا روري، طمنيني عليكي يا حبيبتي، وحشتيني اوي أنا وبسام نفسنا نشوفك ونفسنا كمان نشوف عمر

 

 

أنصت مليًا وتفحصها وهو يستمع لهذه المكالمة التي تجري بينها وبين والدتها فلقد فعل مكبر الصوت ليعرف تمامًا ما الذي سيدور بينهما، واقترب مترقبًا منها أي حركة أو كلمة ستفسد بها كل ذلك حتى تزيد تلك الأسباب التي سيُعاقبها عليها ولكنها أحبطت كل أفكاره الخبيثة وهي تُكمل مكالمتها بما فاق توقعه:

-       كله تمام يا مامي، عمر بس عنده شغل كتير اوي، وأنا كمان قلت ما دام هو مشغول يبقا اشتغل كده على فكرة Add on جديدة لو ضيفتها عندنا هتخلي الشركة احسن من شركات تانية كتير، يا دوبك بنفطر سوا ونتعشا سوا وباقي اليوم كله شغالين، معلش مقدرتش اكلمك الفترة اللي فاتت كنت بجد مشغولة اوي وانتي عارفة لما بغرق في وسط الأكواد محدش بيعرف يطلعني!

 

تنهيدة حارة غادرت صدر والدتها ثم عقبت بنبرة ناصحة:

-       يا حبيبتي ربنا يوفقكم واشوفكم دايمًا اسعد اتنين في الدنيا، بس كفايكي شغل يا روري وركزي يا حبيبتي في إنك تفرحيني بحفيد، يا بنتي في النهاية الشغل بكرة يروح لأخوكي وبيتك وجوزك وولادك هم اللي فاضلينلك!

 

كم تمنت لو أن والدتها اخبرتها بقيام الساعة الوشيك ولا تقول ما تقوله الآن، وبتلك النظرة التي اختلط بهما التهكم والشماتة وجدت بداخلها دافع الانتقام لا ينتهِ، أمّا عن ملامحها فلقد ثبتت، بنفس الخوف، لقد تعلمت منه كيف يُمكنها التحكم في ملامحها، على كل حال من يخرج من هزيمة ولا يتعلم شيء فهو غبي، ولقد اكتفت من كونها غبية ساذجة متسامحة في حق إهانة نفسها آلاف المرات!

 

-       أكيد يا مامي قُريب اوي هفرحك.. بسام عامل ايه؟

 

-       خدي اهو نفسه يكلمك..

 

لاحظ كيف تهربت من الأمر بمنتهى الدبلوماسية الشديدة ولكنه لم يغفل عن هذا الوعد الكاذب فحفظه بنفسه، كان عليه أن يستمع لوالده منذ البداية، ربما كانت لتُفكر آلف مرة لو لديها طفل صغير يربط بينهما.. ولكن عليه أولًا أن يضمن أن أم ابنه لن تكون سوى كما يحلو له، حتى يستطيع أن يكون رب هذا المنزل كما كان والده الذي لا يتجرأ أحد على عصيان أمر له!

 

أشار لها بسبابته الموضوعة أمام فمه أن تُسرع مع أخيها الذي تقنعه أن الأيام ستأتي كثيرًا وأنها لابد من أن تراه وتبني الكثير من الآمال والطموحات ولكنها غبية، لا تعرف ما يريد فعله معها بعد..

 

فعلت ما أشار به وأنهت المكالمة، ومن جديد فاقت توقعاته، ما الذي تريد أن تصل له؟ هل تخدعه بأمرٍ جديد أم أن تلك الأيام حقًا قد برمجت عقلها الصلب واقنعتها أنه لا فرار مما يريده؟

 

أعاد غلق الهاتف من جديد ثم وضعه بجيبه بصحبة يده وكذلك فعل بيده الأخرى، ووقف بشموخ منتصبًا زاهي بنفسه يرمقها أسفله وهي جالسة على الفراش، لا يحب أكثر من أن تكون المرأة في وضع أسفله، سواء في العلاقة، أثناء العقاب، أم حتى في الحياة..

 

-       تفتكري ايه الحل في إنك مش زي ما أنا عايز؟

 

هزت كتفيها ثم أومأت وبداخلها نيران تلتهم روحها ثم همست مُجيبة:

-       مش عارفة، اللي تشوفه!

 

قلب شفتيه اعجابًا وهو يومأ لها كعلامة على القبول بينما لا تزال تريد النجاح بما خططت له، لن تغامر بالمزيد من الفرص بين العشق والغفران والبكاء والمحاولات، لقد سأمت كل هذا!

 

-       هنتكلم أكيد، بس مش هنا!

 

ببرود قال كلماته وغادر، ليتركها باهتة الملامح والأعين مستكينة لا تتحرك، جالسة تعانق ركبتيها إلى صدرها، وحتى بعد تلك الملابس المحتشمة لا تزال تفتنه، الآن ترتدي هذه الملابس وبالسابق كانت أشبه بملابس فتاة ليل على ناصية شارع مشبوه، جيد.. سيرى كيف يجعلها امرأته التي لا تتزين سوى له!

 

قصد عدم التلامس، أو التحرق شوقًا ليقضي الوقت معها، عليها إدراك امرًا هام، أن كل ما كان عليه بالسابق، غزله وهدوئه وعشقه الأهوج له لن ترى منه ذرة واحدة قبل أن تخنع له بكامل استسلامها واقتناعها، فلقد سأم الانتظار والتمني بأن تكون كما يحلو له منذ البداية وأدرك خطأه الفادح بالتحول لرجل آخر لم ولن يكون هو أبدًا..

--

بعد مرور يوم..

أن تتناول الطعام جالسة كما البشر، أن ترتدي ملابس، وأن تتوسد فراش وثير، لم تتحمل حرارة الجو وقامت بتشغيل مكيف الهواء، يوم وحيد فقط، يا له من كرم بالغ منه..

 

انتظرت كما أراد، وستفعل ما يحلو له – مؤقتًا – إلى أن تصل لما تريده، لقد عانت معه كثيرًا، ما الذي سيختلف الآن؟

 

الإهانة ستزداد، الصفع سيكون أشد، الخوف سيكون أقسى، سيعاملها كجماد، مثل البساط الذي يمر عليه بحذائه، أم ربما سيغتـ، صبها بليلة ما، أو بأيام مثلما فعل اثناء نوبة هوسه، أم سيبكي في النهاية بعد أن يثمل؟ هناك احتمال آخر، بخضم ممارسة ماجنة فيما بينهما سيُخبرها بأنه يعشقها ولا يستطيع الحياة دونها، ووقتها ستخبره وأنا أيضًا..

 

سيجعلها تختبر ما معنى أن تتزوج من رجل مخضرم في كل ما يتعلق بالجنـ س وأجساد النساء لاطلاعه وثقافته بهذا الجنون، لا يهم، إن لم تستطع المقاومة فلتستمتع، وبعد تجربة الأمر جيد معه للغاية، وهي لا تقوم بأمر مشين أو ممنوع، فهو زوجها، وهي من أهانت نفسها بالبداية لأنها قبلت به كزوج وحاولت معه، فلتذهب كرامتها إلى ثبات تام مؤقتًا، وليتعفن كبريائها في الجحيم إلى أن تنجو، ووقتها عمر يزيد الجندي ستلكه ألسنة الناس إلى قيام الساعة كلما سمعوا قصته!!

 

كل الاحتمالات بداخل عقلها، مُهيئة لرؤية كل شيء، وهدفها مُسلط على أمر وحيد، الخزينة المخفية أسفل الفراش بالغرفة!! ولن تستسلم إلى أن تصل لها، وتقسم أن اسم "عمر الجندي" سيكون عبرة لمن يعتبر..

 

فليُريها ما لديه، ها هو قد آتى، لم يتأخر مثل المرة السابقة، ربما القليل من الدقائق، لم تعد تشعر بالوقت، لقد باتت كجماد خادع، كالمرآة التي تُظهرك كبير الجسد، هذا ما ستكون عليه بالأيام المُقبلة.. ينظر لها ويرى مدى هيمنته ولكن في الحقيقة هو يتعامل مع مجرد جماد لن يستجيب له إلا ظاهريًا فقط..

 

دخل أمامها ولم ينظر خلفه وناداها:

-       تعالي ورايا..

 

ذهبت وامتثلت في جزء من الثانية، وتبعته، مرورًا بالغرفة الصغيرة التي لا تحتوي سوى على كرسي ثم الغرفة المخصصة لانتهاك الروح.. ستجتمع الغبية التي فرطت بالكثير من نفسها بالرجل الذي يخدع نفسه كل يوم ويصيح قائلًا أنا بخير.. ضحية وضحية، سيتواجهان معًا، كل يحمل بطيات عقله خطة أعد لها مسبقًا..

 

توجهت الضحية الأولى وجلست على كُرسيها بهيمنة وكأنه الجاني بعد أن أعاد وضع الطوق حول عنقها وأمسك بزمام روحها وليس فقط جسدها بصحبة هذه السلسلة المتبوعة لهذا الطوق غير المريح بالمرة، وتبعته الضحية الثانية على أربع تتقبل ما سيُفعل بها كالجماد حتى تصل إلى لحظة الانتقام، ولكن كلاهما ارتكبا أخطاء فادحة، فليس هناك أسوأ من أن تكون ضحية اختيارك، وليس هناك أقسى من أن تضر بنفسك!

 

تفحصها ليجد الاستسلام يطغى على كل أنملة بجسدها، دون بُكاء ودون خوف، آتت طواعية منها مُذعنة لما أمر به، جيد للغاية، ولكن أين عسليتاها الفاتنتان؟

 

-       بُصيلي..

 

يا لها من كلمة لعينة ظنت أنها ودعتها، القصة تُعاد من جديد، لديه القدرة على خلق المشاعر بداخلها لآلاف المرات، ولكن ربما ليس هذه المرة..

 

فعلت ونظرت له، خضوع، أو ربما استسلام، ولكن ليس خوف، ترجمة عقله لا ترى سوى هذا، ولكنه سيتقين من هذه المشاعر..

-       فاكرة اجابتك عليا امبارح كانت ايه؟

 

لم تنتظر واجابت بنبرة لاقت رضائه:

-       ايوة فاكرة..

 

قلب شفتيه اعجابًا ثم أخبرها بصوت يتشبع بالسعادة:

-       فكريني أنا بقا عشان نسيت!!

 

من جديد انصاعت لما يُريد ثم كررت كلماتها بكل حرف بمنتهى الدقة التي جلست تعد لها ليلة كاملة:

-         .. أنت بتعمل كل ده عشان أنا مش زي ما أنت عايزني!!

 

اراح جسده بكرسيه ثم جذبها للأمام فتقدمت مقتربة منه ثم استمعت له يغمغم:

-       فعلًا ذاكرتك لسه قوية!

 

مرر يده لتعبث بلحيته وتفقدها أسفله بالقرب من قدميه ثم سألها بكلمة والحدة:

-       والحل؟

 

رطبت شفتيها واجابته وهي تحاول عدم استقبال أي مشاعر منه وتوأد كل مشاعر تحاول أن تنبعث بداخلها:

-       اللي تشوفه..

 

هز رأسه مرارًا ثم عقب قائلًا:

-       تمام..

 

تنهد بعمق ثم حدثها بنبرة تتشبع بالملل:

-       تعالي بقا نبدأ بداية جديدة من الأول خالص عشان نخليكي انسانة وابطلك شغل حيوانات..

 

يُتبع..