الفصل الثامن والعشرون - الجزء الأول - كما يحلو لكِ - النسخة العامية
الفصل الثامن والعشرون
النسخة
العامية
الجزء الأول
اخفض جسدها بمنتصف الحمام المُلحق بغرفته وهي لا تشابه
سوى الجثة المتحجرة من كثرة ما استخدمه عليها أدى لتحنيطها، لم يعد هناك بها روح
ولا حتى نفس طبيعية تستطيع المواكبة مع مختل مثله، كل ما دل على حياتها هو تلك
الدموع التي تتساقط في خزي مما يحدث لها ومما أجبرت نفسها على تحمله منذ البداية
مع رجل لا تعرفه على الاطلاق!
وربما هناك بقايا عقل يُفكر في أن الغرفة التي من
المفترض أنها تحمل سبيل نجاتها الوحيد قد قام بتركها مفتوحة واكتفى بغلق الباب
الخارجي لغرفة عذابه التي باتت تفاصيلها محفورة في رأسها ولا تدري متى ستستطيع أن
تنساها، يتبقى القليل بعد، هذا ما تحاول أن تذكر نفسها به..
أنين فجائي صدر منها عندما شعرت بسائل يمر على جروح
ظهرها التي أصابها بها هذا الوغد عديم الرحمة، وكأنه يكترث لو تلوثت تلك الجروح،
ماذا عن التلوث الذي سيُذكرها بقذارة كل ما حدث معه منذ البداية وحتى النهاية؟
ترك زجاجة الكحول الطبي على الحافة الرخامية بجانب الحوض
ثم وجدته يقف أمامها وينظر إلى عينيها المطلقتين لنظرات يعلم جيدًا أن جل ما خلفها
هي امرأة تأبى الرضوخ لأنها لم تُصنع له!
قابلها بنظراتٍ أخرى تعكس فهمه لمن أمامه جيدًا، وبكل ما
فيه يشعر بالندم، ليس لأنه ألمها بالفعل، الرجل المضطرب بمثله باضطراب الشخصية السادية
لا يندم على ما سببه من ألم لمن معه بل العكس، هو يشعر بالراحة واللذة في هذا
الفعل المُشين، إنما كان نادمًا على أمر آخر، نادم أنه عشق امرأة محال أن تكون كما
يحلو له!
مصيبة أن يجمعهما القدر وهي هي وهو هو ولا يستطيع أي من
الطرفين أن يجد أيًا منهما حل وسط، وكلما تدخلت المشاعر العاهرة تُذكره بماضيه الداعر..
مشاعره تقوده وبعنف إليها ونحوها وتحتم عليه أن يكون كما يحلو لها، بينما ماضيه
يؤلمه، يؤكد له كل يوم حقيقة أنه كان مغفل يوم ما بسبب العشق.. لقد جُن تمامًا بين
العاهرة والداعر واستسلم بهوان أمام كل ما يبتعد عن الاستقامة والشرف ليعبثا بعقله
كيفما شاءا..
-
بتعيطي ليه؟
اختلط وجهها بحسرة واحباط ساخرة من سؤاله، يا تُرى
لماذا؟ ما الذي يجري بعقله الآن؟ ألا يعرف الإجابة على سؤاله الخرف؟ يا لركاكة
استيعابه! هل عليها أن تسرد وتنطق بالتفاصيل؟ ليعانق نجوم السماء لو أرادها أن تجيب
سؤاله هذا والآن!
اختلفت نظراته ولكن لم يعد هناك ما يشفع كي تكترث،
ونبرته لم تكن آمرة ولكنها لم تهتم، باب الغرفة الداخلية لم يغلقه، هذا هو وسيلتها
للفرار، مجرد تذكرها هذا الأمر يقلل مما تشعر به، لو تركت لنفسها الفرصة أن تُفكر
سوى بذلك ستفقد عقلها!
تفحصها مليًا وهو يتنهد عاقدًا حاجباه وقال بنبرة كانت
لتصدقها سابقًا، أمّا الآن ولاحقًا ستجعله يتمنى ويحلم فقط بأن يفقد المقدرة على
التحول لرجل خبيث مخادع مفعم بمشاعر مُزيفة:
-
أنتِ مش موجوعة من اللي عملته، وجع جسمك ولا أي حاجة جنب
النظرة اللي في عينيكي وأنتِ حاسة إنك مجبرة تستحملي حاجة مش راضية بيها!
هل النظرة ما تزعجه الآن؟ وها هي عينيها ذهبت بعيدًا عن
وجهه الكريه وهي تحولها نحو ركن بالحمام، هل يرضى الآن عنها؟ هل أصبحت خاضعته
الأفضل؟ فليحترق بالجحيم ويُنهي هذه اللعنة التي دامت ليوم بأكمله معها!!
تلمس أسفل ذقنها
ليعود للتحديق بعسليتيها الباهتتين وهو يفهم جيدًا عدم قبولها بالأمر فحدثها بجدية:
-
مش عايزك تكوني كده، أنا عايزك راضية، طول ما أنتِ مش
راضية كل اللي بنعمله ده ملوش أي لازمة
زفر بإحباط ويأس ثم امسك بيدها وتوجه نحو كابينة
الاستحمام كي يُخلص جسدها من آثار الدماء التي تجمدت عليه، لا يدري ماذا تبقى هناك
بعد كل ما فعله ليفعله ولقد قام بإصابتها بنفس ما حدث له يومًا ما؟ لقد فعل الكثير
وها هي ما زالت رافضة وآبية بمنتهى التشبث بأن تكون سوى كل ما يحلو لها أن تكونه!!
انعكس على ملامحها الوجع والمياه تقوم بلمسها وهو
يتفحصها مليًا ولم يُعجبه صمتها الذي طال عن المعتاد، فهو كان يتوقع ثورة، أو
خضوع، لكن السكوت لم يخطر على باله!
حرك جسدها ليتفقد ظهرها وتلك الجروح التي كان يستحيل أن
يقوم بالتعميق منها واطمئن أولًا على ما ارتكبته يديه ثم همس بالقرب من أذنها
متسائلًا:
-
انتِ بتقلديني ومش عايزة تردي عليا؟
ضمها إليه ليُصاب جسدها بانتفاضة لم تتحكم بها وهي لا
تطيقه على الإطلاق فالتفتت له ولم يعد يدري هل هذه هي المياه أم الدموع التي لا
تتوقف عن الهبوط من عسليتيها الفاتنتين لتكتم صراخها باستمات كي لا تُفسد ما وصلت
له معه وتوسلت له مناجية:
-
أنا مبقلدكش، أنا مش عايزة حاجة غير اننا نبطل كلام،
ممكن هدنة من كل القصص والحواديت والعقاب وإنك تفكرني قد ايه أنا وأنت مختلفين؟
ممكن تسمحلي بشوية هدوء.. ممكن؟! أنا غلطانة، وغلطت، وانت اتهاونت معايا كتير، بس
اللي بيحصلي ده بحاول استوعبه، ممكن تسكت؟ كتير عليا شوية سكوت عشان اطلبه منك؟
رأى هذا الانفجار بعسليتيها ولا يخمده سوى تلك المياه
المتساقطة على كليهما فاختلطت مشاعره لوهلة أمام تلك الملامح المصابة بالذعر وحالة
كارثية من الهلع لم يرها عليها قط، هو يُريد أن تصبح كما تحلو له، ولكن لا يُريدها
أن تصاب بفقدان العقل!
أومأ بالموافقة وهو يلاحقها بنظرات فارغة من المشاعر بينما
أضافت بمزيد من التوسل:
-
ممكن أنام لوحدي النهاردة ولا لسه معاد نومي مجاش؟
النبرة ليست ساخرة، ولكنها مليئة بالحسرة على نفسها، انكسرت
صورة تلك المرأة التي كانت دائمًا وأبدًا عليها في عينيها وما زالت تُعاني من تقبل
ما أصبحت حياتها عليه، وبين شتاته بأن يُطمئنها أن هذا لن يحدث من جديد وبين رغبته
في تملك امرأة بصورة مُعينة وقف شليل اللسان أمامها ولم يستطع قول شيء!
غادرت بمجرد موافقته وفي طريقها تناولت منشفة واتجهت
لتأخذ ما ترتديه ثم ابتعدت سريعًا عن غرفته التي لا تحمل سوى رائحته التي لو
استنشقت للمزيد منها ستصيبها الرغبة بالتقيؤ!
❈-❈-❈
لا تصدق أنها ترتدي كما يُريد، تجاري عقله المختل، وتجبر
نفسها أن تصبح مجرد دمية بين يديه، لو يمتلك حيوان – كما يمتلك برق حصانه – لن يفعل
ولم يفعل به مثل ما فعله معها!
حاولت أن تهدأ نفسها بأعجوبة من ذلك الهلع والقلق الذي
ينتابها بصحبة الغضب، هو رجل فقد عقله، ولقد توقعت هي ذلك، ليس لديها سبيل سوى أن تصدق
هذه الحقيقة وإلا ستنهار.. يتبقى القليل، القليل فقط وستنتهي.. الطريق كان شاق معه
منذ البداية وهي ترى خط النهاية قد لاح بالأفق!
حاولت أن تختفي من نظرات نفسها أسفل الأغطية، تكره أن
ترى ملامحها بالمرآة ووقتها سيكون عليها الاعتراف لملامحها التي تُشابه نسخة طبق
الأصل من امرأة أخرى بغبائها الفادح، وأنها من أوقعت نفسها بهذه اللعنة، وأنها
كانت غبية.. هي بالكاد تتحمل هذه الحقيقة بعقلها، لكن لا يُمكنها أن تحدق بأعين
نفسها وهي تعترف بهذه الصاعقة!
الألم لا يحتمل، قدمها وظهرها، هذا اللعين لو يمكنها أن تبتر
يده على ما فعله بها، بل يداه، وخصيـ تيه كي يتوقف عن الشعور بالإثارة، لن تترك
مثل هذه الفرصة دون اغتنامها بالكامل!
شعرت بالهلع يكتسحها والخوف والقلق لا يرحماها لتضم
ركبتيها لصدرها وهي تتفقد الباب الذي لا تظن سوى أنه يقبع خلفه وكأنه ينتظر أن
يُصيبها بالمزيد من جنونه واختلاله وشعرت بأسنانها تتحرك لترتطم ببعضها البعض حركات
لا تملك المقدرة على أن توقفها ليفزعها بدخوله للغرفة لتنهض هي في رعب تام!
-
في ايه؟ في حاجة؟!
انطلق السؤالين من شفتيها بتلقائية وعينيها مصابتين بالرعب
فاختلجت سوداويتيه بصورتها المفزعة له وهو يرى انعكاس تضرر ظهرها بالمرآة واكتفى
بإلقاء مستحضر طبي ما لم تكترث لرؤيته ولا تهتم سوى بالتخلص من ملامحه وأخبرها
بلهجة مشتتة بين الأمر وبين الاهتمام:
-
ادهني ده.. ونامي بدري!
التفت وغادرها لتبتلع وهي تسمح لأنفاسها بالمرور بعد أن
سُجنت رغمًا عن ارادتها بداخل رئتيها وتمنت أن تهرول خلفه ممسكة بسكين ثم تطعنه
بظهره، أو ربما عليها أن تقوم بإجراء عملية تشريح من جديد بظهره ثم تركه لينزف حتى
الموت!! لو كانت تمتلك القدرة وتضمن أنه لن يبغى عليها بقوته ستفعلها على الفور!
حاولت أن تهدأ من نفسها ولم تعد تثق بما هي مقبلة عليه ولأجل
أن تصل لما تريده امتثلت ما قال، فهي لا تضمن من مكث بالمشفى لثلاثة شهور بالسابق هل
سيكتشف أنها وضعت بعض من المرهم اللعين أم لا..
بعد كثير من الوقت وبعد محاولات فشلت لأكثر من مرة
بالهدوء والامتناع عن البكاء والخوف الذي يصيبها بالذعر والهلع استطاعت أن تنجح في
النهاية، هذه مُعضلتها الأبدية، لا تنجح أبدًا منذ الوهلة الأولى ولكن فقط تنجح
بعد أن تأخذ وقتها في فهم ما تتعامل معه، لم تكن ردة فعلها سريعة قط تجاه أي أمر في
حياتها..
عانقت نفسها وهي تحاول أن تصمد أمام تلك الصدمات
المتوالية وفكرت بطريقتها معه منذ قليل ثم حاولت أن تتذكر ما الذي يتبع الخروج من
هذه الغرفة المشؤومة، ممارسات، متوالية وبكثرة، غزل، مزاج جيد.. هذا ما يفعله
دائمًا معها.. ولكن تتمنى أن ما فعلته وردة فعلها بهذا الانهيار لم تفسد عليها ما
تريد أن تصل له، أن تنظر لنفسها بأنها تجبر نفسها على إقامة علاقة جسدية معه أهون
من أن يقوم المرة القادمة بصنع حفلة شواء من أعضائها ويتناول كل يد على حدة!!
لقد كانت ردة فعلتها مبالغة معه، غبية وتتغابى وتتمادى للمرة
المليون وخمسمائة ألف، متى سيتعلم عقلها الصدأ، لو لم تتوقف عن ردود أفعالها تلك
سيكتشف الأمر وتقسم أنها لم يعد بها ذرة تحمل واحدة!!
❈-❈-❈
فجرًا اليوم التالي..
لا القهوة تُفيد، ولا احتساء الخمر يشفي عقله اليقظ منذ
ليلة أمس، النوم كذلك تركه وذهب، أما عن صوت أفكاره فهو لم يعد يستمع إليه.. لا
يعرف أن الحقيقة المجردة هي أن ما يعاني منه هي عبارة عن هلوسات وقد قررت أن تتوقف
عن العمل بهذه الأيام دون إرادة منه!! مجرد عرض آخر يأتي ويذهب دون تحكم منه!
يسأل نفسه كثيرًا هل توقف عقله عن العمل مؤخرًا أم ماذا
به؟ ولم الأمر معها صعب للغاية؟! كل ما يُريده لا يستطيع أن يحققه، لقد فشل في أن
يجد الحلول، ولقد فشل في النجاح في أي لعنة، سواء معها أو مع غيرها، ما النهاية
لكل هذا؟
تفقد الوقت ليجدها أصبحت الخامسة فجرًا فنهض وجر قدميه
بصعوبة، فمنذ أن تركها لتذهب ليلة أمس لم يستطع التفكير، ولم يعد يطيق حياته
بأكملها، وبمجرد وقوفه بين الغرفتين وشتات دام لعدة لحظات أخذ قراره بالذهاب لها،
شاءت أم آبت لا يمكنه الابتعاد عنها أكثر!
حاول أن يكون حضوره هادئ وهو يتجه نحو الفراش بعد أن قام
بفتح الباب بمنتهى الحرص وقام بالسير بخفوت وعندما اقترب وجدها تنام بالفعل ووجهها
موجه للوسادة وقارب من الوصول ولم يبعده سوى القليل فانتفضت هي ونهضت جالسة بأعين
فزعت ملامحه لتتوسع عينيها وهتفت به متلعثمة:
-
عايز؟ مش قولت إني هنام لواحدي وأنت وافقت؟ جاي ليه
المرادي؟
اشارت لذلك المرهم الذي أعطاه إياها وهي تترك الفراش
وتغادر ثم امسكت به وتابعت أسفل عينيه المسلطتين عليها في ضوء الغرفة الخافت:
-
أنا سمعت كلامك في كل حاجة.. ولبست زي ما قولت.. عايز
ايه؟!
هذه حالة جديدة عليها من نوعها، بالرغم من كل ما فكرت به
وظلت ساهرة تعده بينها وبين نفسها بأن عليها أن تتعامل معه ببعض التقبل إلى أن
تحصل على فرارها الأبدي منه، قد طاحت خطتها بالكامل ولا يزال وعيها غير متقبل لما
فعله..
-
ارجعي نامي على السرير..
أوامر لم تكن بنفس الصوت المهيمن بداخل تلك الغرفة، ولكن
يبقى أنه أمر صريح، وتحكم واضح منه، ولا تدري كيف يُمكن لرجل أن يستمر بهذه
البشاعة دون أن يكره نفسه!
ابتلعت ونظرت للأرضية لبرهة كي تستجمع كل الاحتمالات
التي يمكنها أن تحدث، ثم تفقدته مليًا وأومأت بالإنكار ووجدت نفسها تبكي بالرغم من
أنها حاولت بشتى الطرق أن تتقبل ما يفعله بها لأيامٍ فقط إلى أن تحصل على ما
يُرعبه وتتخلص منه بالتهديد الصريح وبدأ صوتها يعلو رويدًا رويدًا مع كل حرف يتخبط
بما يليه بمنتهى المصداقية التي لم تستطع أن تزيف بها حرف:
-
ده مكنش إجابة سؤالي، وأنا مش قادرة اتعامل معاك دلوقتي،
أنا عارفة إني غلطت كتير بس مش قادرة حتى اشوفك، مش قادرة انسى اللي حصل، وعقلي مش
قادر يستوعب كل حاجة.. أنا موافقة بس سيبني النهاردة، أرجوك كفاية.. كده خلاص..
أنا هكون كويسة الصبح بس ابعد المرادي.. مرة واحدة بس ومش هاطلب حاجة تاني..
وجدته يقترب نحوها فاتسعت عينيها بذعر ولم تكترث للألم
بقدمها الذي ضرره السطح المعدني الساخن وحاوت أن تبتعد لأي ركن وتخبطت بأثاث
الغرفة وقبل أن تتحدث وسط ملامحها المُرتجفة فاتجه لها سريعًا لتقارب هي على إطلاق
صرخاتها فهي إلى الآن لم تنس صوت نفسها وهي تصرخ بألم أسفل ما فعله بها وبمجرد أن
وضع قبضته على يدها صرخت بالفعل دون أن تشعر بما يحدث لها ولا بما تفعله:
-
ابعد عني.. ابعد.. انا مش..
قام بتكميم فمها بيده الأخرى وصرخ بها هو الآخر دون أن
يُفكر بما يقوله:
-
أنا عارف إنك مش طيقاني، وفاهم إنك مش زي اللي أنا
عايزهم، ومهما عملت فيكي، ولو وصلت إني احبسك بدل العشر أيام سنة، هتفضلي زي ما
انتي، بس عايزاني اعمل ايه؟
أخفض كف يده عنها عندما توقفت شفتيها على عكس تلك
الكلمات والزفرات المرتعدة منها وبمجرد شعوره باستجابتها لبعض الهدوء من حالة
هلعها تابع كلماته:
-
مستنية راجل زيي يتصرف ازاي لما يشوف واحد زي ابن خالتك
لمسك وواقف قدامك وشايف جسمك كله.. عايزاني اعمل ايه؟ ها؟
ملامحه وحدها امتلكت عليها سلطان دفع بها لتعود لحالة من
السكون والتفكير، فأن يكون غاضب شيء، وأن يكون غاضب ويحاول أن يبرر أفعاله أمر
آخر.. ملامح تعود إلى شهور سابقة وهو يعترف لها أنه يعشقها، المرة الأولى كان
راغبًا بها واليوم هو يبدو كالتائه!
-
فكراني مش عارف انتي مين وعاملة ازاي؟ ولا فكراني غبي
وأنا متأكد إنك تستاهلي واحد تاني غيري خالص..
حدق بملامحها التي لم تتخلى عن تصدير الخوف الساكن
بداخلها ولكنها هدأت، جيد، الأمر مناسب للحديث الآن.. ليس لأنه يُريد أن يُغير أي
شيء ولكن لأنه قد لجأ لكل الوسائل المتاحة بين يده معها فأردف بصدق عاقدًا حاجباه
ولانت نبرته عكس الصارخة بغضب منذ لحظات:
-
أنتِ مش زيي، أنتِ مش قادرة تقبليني، مش عارفة تمشي على
دماغي، يمكن حاولتي بس هتفضلي زي ما انتِ، عمرك ما هتتغيري عشاني وأنا بعد كل اللي
حاولت فيه مش عارف اتغير عشانك يا روان.. وبحبك، بحبك اكتر من أي حد في الدنيا..
بس أنا مش عارف اتغير.. مش بقدر اشوف واحدة تقولي لأ، ومش قادر استحمل صورتك مع
راجل بمنتهى البساطة هو بالنسبالك أحسن مني.. بيضحك وبيهزر وأهله كويسين وبيروح
شغله وناجح وكان نفسه يتجوزك في يوم.. مستنياني اتصرف ازاي وأنا شايفكم مع بعض؟!
لم تتوقع هذا منه، ولم يتوقع هو نفسه أن يستسلم لها بتلك
الكلمات، لو كان على العشق فلقد تواجد بالفعل يومًا ما، ولو على الصدق فكلاهما
يتحدثان بالصدق في هذه اللحظة، ولو على مشاعر القهر بداخل كلاهما فهي متواجدة،
ولكن الواقعية وأن الزواج يختلف عن مجرد علاقات جسدية أو حلم تحلم به فتاة لم
تختبر أي علاقات في حياتها السابقة، لا يستطيع أحد منهما بعد التصرف بهذا الوعي!!
-
عايزاني اقف اتفرج عليكم لما يقرب منك بالكلام، وتحسي
إنه إنسان كويس، وتندمي إنك مقبلتيش تتجوزيه من كام سنة فاتت، وبعدين احسك متغيرة
معايا في مشاعرك، وبعدين تحاولي تاني تخليني واحد زيه عشان هتكتشفي إنه أحسن في
حاجات كتير، وهتفشلي إنك تغيريني عشان مش عارف اتنيل اتغير في حاجة، بس وقتها هبقا
خسرتك.. ده اللي عايزاني اعمله؟
وجدت ملامحه تتأثر لا تدري غضبًا أم حُزنًا ولكن ما
أوقفها عن التنفس هي عينيه الدامعتين، ربما تقف كسيل قارب على تدمير الكثير مما
تحاول أن تُسلط عليه تركيزها، هذا ليس بوقت تعاطف لعين معه، لقد كسب تعاطفها آلاف
المرات، ولكن الآن لن تسمح له بفعلها!
حاول السيطرة على عدم تحكمه فيما يشعر به، وابتلع ذلك
السائل المالح المزعج بحنجرته وكان يجب عليه الانتصار بأي طريقة فلقد اكتفى من
الخسارة ملايين المرات أمامها وعانى كثيرًا كي يُكمل حديثه لها في خضم النضال
الجاري بداخله:
-
لما كنا..
لم يعجبه هذه النبرة التي عكست صوت بكائه الوشيك، فابتلع
والتفت لثواني كي يحاول السيطرة على نفسه وجفف عينيه بعد أن خسر أمام ما يحدث له وانهزم
كالطفل الذي يحارب رجل شجاع لا يهاب شيئًا وزفر زفرة مطولة عكست لهيب معاناته
وتشبث بلحظة من السيطرة ثم التفت من جديد لينظر نحوها وهي تطلعه متوجسة من اختلاله
فقد يصل إلى أي حد لا تتخيله وارتقبت بمكانها وهي تضم ذراعيها عليها بقوة وهي تظن
أنها تحمي نفسها وعقلها بل ومشاعرها من الاستجابة لترهاته لتجده يتحدث لها من
جديد:
-
لما كنا في اول جوازنا افتكرت اني هاكمل زي ما أنا.. بس
محصلش، ولما جربت الحياة معاكي بقيت عارف ومتأكد إنك كتيرة عليا.. بس لما كنتي
هتسبيني وتطلقي بعد القضية مش عارف انا عديت الأيام دي ازاي.. كل حاجة عندي
استعداد استحملها.. لكن راجل تاني، واحدة تسيبني عشان راجل تاني والمرادي مراتي مش
مجرد واحدة بحبها.. أنتِ فاهمة أنا حسيت بإيه يومها؟ أنا ممكن عادي استحمل إنك
رافضة كل اللي بحبه، ورافضة اسلوبي.. لكن ترفضيني أنا وتختاري غيري، انتي عايزة
توصليني إني أكون مجنون مش كده؟
تمنت لو اخبرته أنه كذلك بالفعل، هل رأته يبكي بالسابق
دون أن يثمل؟ لا تجد إجابة على هذا السؤال، ولكنه الآن يتكلم بمنهى المنطقية، لا
تفوح منه رائحة الخمر، وهناك ذلك المجرى الدمعي الذي ارتسم على وجنته ولكن بالطبع
لم يتركه ليصل لمنتصف وجهه اللعين، لتبكي هي الآن بدلًا منه، ما تراه منه هو الذي
يخيفها أكثر من تلك الأقفاص والسلاسل والحبال المُقيدة ليديها والنيران أسفلها..
ساذجة، لكن لن تكون هذه المرة فلقد طفح الكيل بها!
اقترب لها وهو يتنهد وتابع بارتجاف بملامحه ثم تكلم
بصدق:
-
البنت البيور اوي اللي بتدور على الحب في جوزها عشان من
كتر ما هي كويسة مراحتش حبت واحد من غير ما يبقى فيه مسمى لعلاقتهم غير انهم
ماشيين مع بعض، وأنا بكل الوساخة اللي عملتها الاقيها، لأ ونسخة من الملامح اللي اتمنيتها
طول عمري، بس نسخة انضف، وأسهل، وأحسن في كل حاجة في الدنيا.. انتِ تعرفي كام مرة
قارنت ما بينكم؟ عارفة كام مرة فكرت لغاية ما راسي وجعتني من كتر التفكير قد ايه
انتِ غيرها؟ طيب تعرفي كام مرة حاولت اقنع نفسي إني مبحبكيش؟ عارفة أنا كل ما باجي
اقنعك بطريقتي بلاقيكي مغصوبة مش راضية؟ أنا كل نفسي إنك تبقي راضية بجد من
جواكي.. وده عمرك ما هتوصليله!
ابتسم ساخرًا من نفسه وحاول أن يحارب رغبته بالبكاء
ليتغلب على الأمر في النهاية وتابع مُكملًا:
-
أنتِ زي ما اتمنيت في كل حاجة من وأنا عيل في الجامعة،
ناقصك بس إنك تقبليني، بس لو قبلتيني يبقى بتمحي نفسك، ولو انتي اتغيرتي مش عارف
ايه اللي ممكن يحصل، بس اللي عارفه إنك مش هتكوني انتي اللي بحبها.. لو أنا
استحالة اتغير طول حياتي فانتي الموت اسهلك من إنك تبقي واحدة تانية.. يا روان أنا
فاهم وشايف كل ده، أنا اتبسطت وانتيب تتوجعي عشان راجل سادي وهو ده اسلوبي ولدرجة
إني وأنا بوجعك بنفس اللي اتوجعت بيه من سنين كنت فرحان باللي عمري ما عملته غير
فيكي.. بس بمجرد ما بشوف ملامحك الخايفة والرافضة لكل اللي بعمله ولمشاعرك اللي
بتتغير بعدها مبشوفش غير إنك هتسبيني، أنا مش جاي اكلمك عشان ندمان أنا عملت معاكي
ايه، أنا لما بفكر في إن فيه احتمال إنك تبعدي بتجنن.. وأنا مش عايز أعيش من غيرك!
كلماته المشتتة، ها هي، الكلمات أفضل من أن تكون مُقيدة،
حسنًا هذا أسهل بكثير لكي تتعامل معه، ربما عليها أن تقتنص هذه الفرصة، هو يُحب أن
يراها تتألم؟ لأنه سا دي مختل، حسنًا، هي تبكي الآن، ألا يُكفيه هذا؟! ألا يجعله
يشعر بالفرحة؟ نوبة من النحيب الذي لا تتوقف خلاله دموعها عن الانهمار كشلال لن يصمد
بطريقه جبل راسخ، هل هو سعيد الآن؟
لن تكتفي بهذا، بل ستحتال عليه بما يُريد أن يستمع له
بملامحه التي تتوسل لعدة كلمات منها، وستفاجئه بما لم يتوقعه، ها هي ستحاول أن
تصبح نسخة ثانية منه لعلها تفلح:
-
طيب بعد كل ده أنا كمان بحبك، بس أنا مش لاقية حل لكل
ده، وصدقني أنا استحالة افكر في راجل تاني و..
-
انتي مش هتفكري لأنك مش كده، انتي هتلاقي نفسك غصب عنك
بتفكري، لأن فيه مليون واحد غيري هتشوفيهم احسن مني..
قاطعها بصراخ أرهبها لتحاول أن تنظم أنفاسها بين شهقاتها
وبادلته النظرات ليشعر وكأنه سيبكي هو الآخر ولكنه سيطر على نفسه بأعجوبة ليجدها
تهمس له بنحيب لم تستطع أن توقفه:
-
طيب وهنعمل ايه في كل ده؟
أخفاها بإجبار في عناق ألمها بشدة عندما تلمسها بذراعيه
مكان تلك الجروح بظهرها قبل أن تراه يبكي ثم أجاب بصوت يعاني كي يبدو تلقائيًا
واجابها بتنهيدة حارة دفعتها وحدها للبكاء:
-
معرفش! معنديش أي فكرة..
بدأ ينتبه لما يفعله فأبعد لمساته عن مكان جروحها
وأخفضها لخصرها بينما شعر بتشنجات جسدها فلم يستطع الابتعاد عنها ولم يقوى على منع
نفسه من البكاء وهي لا تراه، ولسوء حظها يستحيل أن تكذب هذه النبضات التي لم يتصور
عقلها كيف يتحمل صدره احتوائها فلو كان كاذبًا لم يكن ليشعر بذلك، ومن كلماته هو
ليس بنادم على ما فعله، ولكنه خائف من أن تتركه، هل هذه هي اللحظة الوحيدة التي قد
تنجح بها معه؟ هل هذا ما ود أن يصل له منذ البداية؟ ربما تكون المحاولة الأخيرة
الفارقة، وقد تستعيده من هذه النيران التي تلتهمه منذ أن كان طفل صغير، ستعاني
وقتها بشدة لكي تنسى تلك الإهانة ولكن قد تكون هذه هي الفرصة المناسبة وقد تندم لاحقًا..
ربما توسلها قد يفلح معه هذه المرة ولن تشير إلى أنه مريض، فقط ستحاول أن تبدو
مذنبة من أجله!
ازداد بكائها بشدة ثم صاحت به في حالة من الهلع التام
الذي نجحت به ببراعة، فمن يمر بكل هذا ولا يستطيع تزييف القليل سيكون غبي
بالتأكيد:
-
طيب عشان خطري نحاول نشوف حل، أنا مش عايزة ابعد عنك
وبحبك أكتر ما أنت ما بتحبني.. أنت فيك حاجات كتيرة عشت طول عمري ادور عليها،
عارفة إني كنت طول عمري نفسي الاقي الشخص اللي يحبني ويتمسك بيا زيك، احنا بس
ناقصنا نحل اختلافاتنا.. ايه رأيك نحاول المرادي، نروح لأي حد كبير في الاستشارات
الزوجية.. برا مصر حتى.. محدش هيعرفنا هناك.. أنا مستعدة أروح أي مكان تختاره
أنت.. بس يمكن يكون هو ده الحل، يمكن أنت بقيت الشخص ده اللي أنا مش عارفة اتعامل
معاه بسبب حاجات كتيرة انت مكنش ليك ذنب ولا إيد فيها، اوعدني يا عمر لو فعلًا
خايف حياتنا تبوظ اكتر ماهي باظت اننا نروح.. حاول تعمل اللي يرضيني ولو مرة يمكن
يطلع كلامي صح وده اللي يخلينا نقدر نفهم بعض!
بالرغم من ارتجاف جسدها وبُكائها وتلك النبرة المتوسلة
بها إلا أنها استطاعت أن توقفه عن بُكائه الذي حاول أن يخفيه ويمحيه بأنامل يده
واعطاه المقدرة على أن يواجه وجهها وكأن ضعفها وبكائها هو أكثر ما يدفعه للشعور
بالاتزان وخصوصًا أنه حقيقي للغاية هذه المرة، لدرجة أنه بات يحدق لعينيها مباشرة
وهو يُمسك بكتفيها وحدثها بانزعاج:
-
انتي متخيلة إن أحسن واحد في مجال المجانين ده هو اللي
هيخليني افهمك ولا تفهميني، ما انا فاهمك، أنا عرفتك وحفظتك، المشكلة مش في
اختلافاتنا، المشكلة إني راجل مبقبلش غير حاجة معينة، لو على إن افهمك فده سهل، ولو
على إني اتغير في أسلوبي مانا عملتها، المشكلة إني مش هابقى مبسوط.. انتي متخلفة
يا حبيبتي عشان توديني لراجل ولا ست يفهموني افهم مراتي ازاي؟ طيب لو مش فاهمك ايه
لازمة اصلًا إني اسمي نفسي جوزك ولا حبيبك.. هو فيه حد ممكن يحب حد من غير ما
يفهمه؟! احنا لو روحنا لألف واحد وواحدة سواء في مصر ولا برا مصر عمرهم ما
هيساعدونا غير لما نقبل احنا الاتنين شخصية كل واحد فينا ونتعامل معاها.. هتقدري
تسمعي كلامي كله؟ هو ده اللي انتي عايزة تسمعيه من دكتور الجلسة عنده بنحجزها
قبلها باسابيع عشان يحللنا مشاكلنا، اديني اهو وفرت عليكي الوقت، ولو عليا اديني
بوفر على نفسي وبقولك إني لا منك عايزك تتغيري ولا حتى عايزك تفضلي زي ما انتي..
لا الدكاترة ولا علم النفس، ولا أي حاجة في الدنيا هتقدر تغيرنا غير لما احنا
الأول نفكر في ده ونشوف كل واحد فينا عايز ايه وهيقدر يستحمل ايه! انتي عايزاني
اقعد واسمع ناس تقنعني بأفكار خيالية وأنا اللي أساسا بقنع قضاة ومستشارين بإن
القاتل بريء.. احنا بس بمجرد ما بنبعد عن اللي انا بحبه جوا في الاوضة بتاعتي
حياتنا بتبقى هايلة، مبيبقاش ناقصها حاجة بس بنرجع نلف في نفس الدايرة تاني لما
بيوحشني الراجل اللي بتحاويله تغيريه جوايا وهو مش عارف يتغير!
أترى؟ كل محاولة معه طريق مسدود، ليس هناك حد لتبريره،
وليس هناك من هو أكثر تشبثًا منه برؤيته للأمور، ولم يعد هناك امرأة مثلها أحبطت محاولاتها
لمرات ومرات، كما أنه لن يكون هناك من أكثر منها كذبًا وتزييفًا لكل شيء حتى تستطيع
الفرار من رجل يرى الخطأ خطئًا ويتمادى به:
-
طيب والحل يا عمر ما دام أنت لا عايزني اتغير ولا عايزني
زي ما أنا ولا أنا عارفة اسمع كلامك زي ما أنت ما بتقول؟
تفقدها بحيرة حقيقية لمعت بعينيه ثم اقترب منها وعانقها
لاحتياجه هو لهذا العناق وليس العكس واجابها متنهدًا:
-
مش عارف الحل ايه، بس اللي واثق فيه اننا هنكون كويسين..
بكرة كل حاجة هتبقى كويسة أنا متأكد من ده!
❈-❈-❈
ظهرًا اليوم
التالي..
لم تستطع سوى أن تمكث بجانبه ساعة واحدة إلى أن ذهب في
ثبات عميق، كان عليها أن تنتبه لكيلا يأتي جنين جديد ويتدخل فيما بينهما، تناولت
دوائها وفكرت مليًا بكل كلماته صباح اليوم ثم تيقنت أنها لطالما ستكون ضعيفة أمام
كلماته ومشاعره، ربما كان الأمر للحظة وملامحه تعاني آثار البُكاء، ما زالت تجد في
طيات كيانها هذا التعاطف اللعين مع طفل ورجل وشاب عانى الكثير، ولكن هناك اختلاف،
لو كان بالسابق التعاطف كلي فاليوم هو جزئي، أثره لم يدم سوى للحظات وتلاشى في
ثواني..
دخلت الحمام ثم تركت المياه لتعمل وهي تغلق عليها الباب وستبرر
أنها خائفة منه لو آتى، ثم اتصلت بـ "علا" من هذا الهاتف الاحتياطي الذي
تخفيه وبمجرد اجابتها على الهاتف تحدثت بخفوت ولم تترك جزء من الثانية ليمر في
الثرثرة:
-
علا أنا روان، اسمعي كلامي بالحرف من غير أسئلة كتير..
انتظرت لإشارة واحدة منها فتحدثت الأخرى قائلة:
-
طبعًا اتفضلي..
زفرت بتوتر ثم تحدثت بلهجة آمرة:
-
عايزاكي تدوري على الجهاز ده اللي بيقطعو بيه الحديد اللي
بيطلع نار واسألي مثلا السواق او حد من بتوع الخدمات أو الصيانة اكيد يعرفو بيتجاب
منين، اصرفي زي ما انتي عايزة على كل حاجة، كل ما كان أصغر واخف كل ما كان أحسن، تحطيه
في بوكس كبير أوي كأنه هدية وتغطيه بحاجات يبان إن تحتها هدية وتجيبي فوقه شوية
كتب لشعر قديم روماني ويوناني كأن بالظبط هتهادي حد بيه.. وتخليهم جاهزين في أي
مكان برا الشركة، ولما اكلمك عايزاكي تبعتيلي السواق بالبوكس ده والورق اللي محتاج
امضتي.. مفيش مخلوق يعرف حاجة عن الموضوع غيرك، أنا مش هاقدر اكلمك اكتر من كده
واقصاها أسبوع يكون كل ده جاهز ولو أسرع يبقى أحسن.. باي!!
لن تترك نفسها لمزيد من الاحتمالات والتخمينات معه، على
الخطة المحكمة أن تظل محكمة للنهاية، ووقت استلامها لهذا الجهاز الذي لا تدري هل
ستحتاجه أم لا سيسهل لها الأمر في الإفلات بكل ما تجده بهذه الخزينة، تتمنى فقط
أنه سيكون كافيًا لفعل ما تريده، وها هي تضع جميع الحلول أمامها لكيلا يوقفها
شيء..
لو استطاعت أن تتغلب على المشاعر بداخلها، وتتنازل عن
حُلمها برجل تعشقه، تتأكد أنها تستطيع فعل أي أمر في الحياة حتى ولو كان مستحيل،
فلقد علمها أنه بمنتهى السهولة يُمكنه أن يُعطيها ما انتظرت لأجله سنوات وفقط
بأيام قليلة يستطيع أن يجعل نفسه في عينيها أسوأ الرجال وهو يطأ بما تحمله له من
عشق أسفل حذائه.. وهذه المرة لن ينتهي الأمر بعد سقوط اقنعته اللعينة إلا كما يحلو
لها، ولن تسمح سوى بغير ذلك!!
❈-❈-❈
لقد هدأ من جنونه – مؤقتًا – كما هي عادته، وأخذته
المشاعر والعشق وأنها فتاة أحلامه وكل هذه الترهات التي اعتادت أن تستمع لها..
وكما أكد لها صباح اليوم أنها لو تغيرت بالكامل لن تكون هي.. لذا الخليط الكاذب لطالما
خدع الأعين بكل ما تشتهيه النفوس..
الهاتف عاد إلى مكانه، هي تبدو رائعة الجمال بالرغم من
تلك النظرة الباهتة بعينيها، القليل من مساحيق التجميل تفتنه، لقد جربت هذا، كما
أن الثوب مكشوف الظهر الذي يضعها في مكان بين الأنثى الفاتنة والمرأة اللعوب
والفتاة المرحة سيؤتي بثماره، رائحتها الأخاذة وشعرها الذي أعطت له عناية مُكثفة حتى
أصبح يتدلى كما شاء يزيدها أنوثة وهو بما فعله وبتلك النظرات التي رأتها في الغرفة
منه تعلم أنه يرغب بها..
صعب للغاية أن يتعامل الإنسان بمكرٍ وخبث مع شخص لا
يعرفه تمام المعرفة، وهذا ما قد يستحق هو جائزة عليه، بس الأسهل أن تختال على من
تعرفه، وبعد علاقة متكاملة دامت لما يقارب عشر شهور مرا بها سويًا بالكثير،
التأثير سيكون أصعب عليه.. تقسم أنها ستنتقم منه بمجرد حصولها على ما يؤهلها للفرار
للأبد..
تمرنت على ملامحها وتعابيرها بالمرآة حتى باتت مقنعة،
هناك الكثير من الثقة بداخلها هذه المرة، وأن تنهار كما ليلة أمس لم يعد بأمر
مقبول، لا من أجل نفسيتها وثباتها العقلي، ولا من أجل خطتها!
اتجهت للغرفة الأخرى التي تركته بها بعد أن اعدت له طعام
ودست به الأدوية من جديد، ما زال نائمًا، هل هذا من مجهوده الشديد في اهانتها له،
يا له من وغد مسكين مُتعب من شدة بطشه.. لم لا تنقطع أنفاسه أثناء نومه وتتخلص
منه، لا لا يمكن أن يحدث هذا، ستكون هذه رحمة له!
-
عمر..
نادته بنبرة لا تدعي بها شيء، تلقائية، بعيدة كل البُعد
عن افتعال أي شيء، عليها أن تحصل على مزاجه المعتدل المتبقي قبل أن يُصاب بأي نوبة
لعينة تفسد ما تخطط له منذ شهور معه، لا هي مستعدة لاكتئابه ولا لهوسه، ولن تقوم
بوضع الأدوية له بطعامه سوى فقط لتوقف جنونه وبعدها ستهرب منه للأبد..
-
عمر، مش هاتصحى؟
حدثته من جديد بينما وجدته لا يستجيب لشيء فتنهدت لتلتفت
لكي تبتعد ولكنها اوقفها بجذبه ليدها وفتح عينيه بإرهاق وهو يتفقدها بلهفة ليرى
تلك القماشة الرقيقة تهبط على ذراعها فكشفت المزيد من نهـ دها ليحدق بها وهي تبدو
مثالية الملامح والجسد بعينيه وابتلع صامتًا وهو يحاول أن يزيل اثار النوم من على
وجهه فسألته بعفوية دون أن تبدو وكأنها ساذجة نست ما حدث وتبتسم له ودون أن تتشبث
بحزنها وانكسارها:
-
مش هاتصحى وتفطر؟ الساعة عدت واحدة!
دفعها من يدها ليُجلسها رغمًا عنها على طرف الفراش
بجانبه ثم استمر في النظر لها بنُعاس وأخبرها بنبرة ما زالت تحتوي أثار نومه:
-
صباح الخير
تفقدته دون مبالغة في أي مشاعر ثم عقبت:
-
صباح النور..
مرر سبابته على ذراعها ولكن بعد أن بدأ من كف يديها
صعودًا إلى الأعلى وهو يتابع اصبعه المتأني بلمساته ثم توقف حيث نظر منذ قليل
وحدثها برغبة وهمسٍ كان ليخجلها بالسابق ولكنها تغيرت كثيرًا الآن بعد ما رأت
اقنعته بالكامل تسقط ولم يعد وجهه الحقيقي يُمثل سوى الجنون الخالص:
-
فطار ايه وانتِ حلوة اوي كده؟ لو عايزاني افطر يبقى بيكي
مش بشوية أكل..
ابتلع وهو يحدق بها بنظرات راغبة ولم يسمح لعقله اللعين
بالتدخل وفرض التخمينات، هو لا يحتاج سوى لنوبة من الهدوء إلى أجل غير مسمى معها
بين ذراعيها ولينسى كل ما مر عليهما بتلك الأيام السابقة..
اخفض من جسده ثم وضع رأسه فوق ساقيها وأغمض عينيه وهو
يحاوط خصرها ومن جديد تجد منه تصرف مميز، حميمي، وأمر قد كان ليجعلها تعشق اقترابه،
فانتظرت مترقبة دون أن تنخدع بفعلته وسرعان ما وضعت يدها بشعره الطويل لتمررها
بهدوء وعقبت قائلة وهي تحاول أن تكون ذكية قدر الإمكان، فهي لا تريد أن تصبح كما
يحلو له لأنه لن يُصدق فورًا، ولا كما يحلو لها لأنها وقتها عليها أن تبكي وتبتعد
عنه، بل ستكون نسخة جديدة عليها هي نفسها وتتمنى أن يتقبلها هو الآخر:
-
مش عارفة ده هيكون مناسب دلوقتي ولا لأ، أنا مش عايزة
اقولك لأ، بس مش عارفة إذا كنت هاقدر.. لو هتقدر تنسيني اللي حصل اعمل اللي أنت
عايزه، مش هامنعك!
القليل من التلاعب بمقدرته أمام النساء قد لمس غروره،
لقد أحرزت هدفًا ولكنها لا تعلم ذلك بعد، لم يصدر منه إجابة ولا تعقيب غير تحركات
وجهه المنعكسة على ساقيها.. ودون المزيد من كلماته تدخل بمكره وهو يرفع ثوبها الذي
لم يكن طويل على كل حال، ومرة ثانية اكتفى بذلك الإحساس الغريب الذي يشعر به
بالقرب منها..
دقائق مرت ولم يتحرك أي منهما، لا هي تتوقف عن العبث
بخصلاته وهو لا يتوقف عن عناقه والتنعم بهذا الهدوء وهو يتخلص من ألم رأسه وكأنها
بلمستها له توقف عقله عن العمل.. ليته يتوقف للأبد!! سيبرأ هو وستشعر هي بالراحة
للأبد!!
اعتدل بجسده لتصبح رأسه مستقرة على قدميها ورفع نظراته
الناعسة بالرغبة مسلطة نحوها لتدرك أن هذه النظرة تحديدًا التي تبعث بعقلها أنها
أجمل نساء الكون هي واحدة من الأسباب التي جعلتها تعشقه وتسمح له بالكثير مما أزهق
روحها مرارًا بداخلها ولم تتوقف عن تمرير يدها برأسه وسألها بابتسامة متواضعة وهو
يرفع حاجبه بتحدي:
-
هقدر انسيكي.. ده سؤال؟
هزت كتفيها وملامحها ما زالت عفوية واجابته بمنطقية:
-
طريقتك، اسلوبك، الأوضة، وأنا ارفض، واعيط طول الليل،
وتوعدني انه مش هيحصل تاني، وتقرب مني واحبك، ونرجع تاني للأول، ونفس الدايرة
مبتخلصش.. واعتقد ان احنا الاتنين جربنا نبعد وقولنا نتطلق وفي الآخر محصلش ولا نفع
اننا نبعد، مبقتش عارفة اقولك ايه.. أنا حاسة ان بعد اللي حصل اليومين اللي فاتو إني
اتغيرت، ومش قادرة احدد اتغيرت إني اوافقك، ولا اتغيرت لدرجة إني زعلت منك اوي
وشايفة إن مفيش حاجة في الدنيا هتخلي الزعل ده يروح.. حتى لو شهرين بحالهم فضلت تعيشني
الحاجات الحلوة اوي معاك!
لوهلة بداخله راهن أن عشرة أيام ستكون كفيلة بأن يُنسيها
ما حدث، ولكنه لأول مرة أمامها يكون غبي، فعقب مُزايدًا وهو يضيق عينيه نحوها:
-
شهرين ونص؟!
حدقته باستنكار وزمت شفتيها وأطلقت تنهيدة وهي لا تصدق
اجابته حقًا بينما كرر الأمر:
-
تلت شهور وسفرية ومندخلش الاوضة شهرين منهم!
قلبت عينيها بنفاذ صبر ليبتسم وهو يقول:
-
اربع شهور وهاعملك كل اللي نفسك فيه، وهاخليكي تصدقي إن
عمر الجندي احسن راجل في الدنيا..
ضيقت عينيها نحوه وأومأت بالرفض ليتابع بلهفة مازحًا:
-
طيب، فيه عرض هايل، هسيبك لمدة شهرين وكل واحد يقعد في
بيت.. تعملي كل اللي انتي عايزاه وترجعيلي.. من غير علاقات ولا رجالة غيري، deal؟
أطلقت زفرة مستنكرة لكلماته وتقززت ملامحها ليزفر بإرهاق
ثم اخفض جسده لأسفل الفراش الوثير وهو يتخلص مما يخفي جسدها عنه ثم حدثها قائلًا:
-
طيب كل العروض اللي فاتت مبقتش موجودة، وأنا اصلًا بتاع
كلام ومقدرش ابعد عنك يومين مش شهرين.. ولعلمك اقل من شهرين كمان يا قطتي وهتلاقي
نفسك رجعتي غير الأول، وهتجربي بنفسك!
لم يعد أمامها سوى أن تقنعه مؤقتًا أنها المرأة التي
تعشقه وتريد المحاولة من أجله، الغرفة، تقبل طريقته ثم ممارسة علاقات جسدية
متوالية ثم العودة للغرفة من جديد، من تاريخ كامل معه تعرف أن هذا ما ينتظرها، من
لم يتعلم من تجاربه فهو غبي، ولقد كانت هي غبية بما فيه الكفاية!
هو نفسه، بنفس لمساته التي لا تتغير، بنفس تأنيه عندما
يكون في مزاج يقبل لهذا، هل يواسيها بعلاقة حميمة؟ هل يظن ان ما فعله معها ستنساه
بعد ملايين العلاقات الحميمة؟ غبي وبشدة!
نعم تستجيب، هي لا تنكر الأمر، وبعد كل ما عرفته سواء من
مختص أو غيره هو يمتاز بهذا، لديه القدرة بعدة لمسات وهمس متأجج بالرغبة أن يتحكم
في الكثير، ولكن هذه المرة يستحيل أن يتحكم في عقلها..
لا تصدق أنها هذه المرة تحاول أن تتابع الساعة بعينيها
كلما أتيحت لها الفرصة، وتأنيه هذه المرة ورقته الشديدة كانت لتقنعها منذ ستة شهور
أو سبعة شهور بأنه يحبها ومنجذب لها ولن يعود كالسابق، أمّا الآن فلم يعد هناك ما
يجعلها تصدقه..
-
قربتي تنسي؟
همس بأذنها بنبرة خالطها المزاح نوعًا ما بينما اتقدت هي
لأفعاله، لا تعرف مجبورة أم خادعة له، فاكتفت بالهمهمة بين ذراعيه وأنفاسه الدافئة
المتثاقلة لكيلا يُلاحظ كم تكره لمسته وتتمنى لو تبتر يده للأبد..
الدقائق تمر، وتزداد استجابتها، ويزداد عقلها تصميمًا أن
كل ما يحدث لن يُغير بها شيء، أن يتم الأمر بهذه الطريقة أفضل من أن يتم وهي راكعة
وتستمع لكلمات مُهينة، أو أن تحرق السخونة باطن قدمها، أو ربما يزداد ظهرها جروحًا
وهي تصرخ وتبكي وتتوسل، أن تصرخ بالرغبة أهون آلاف المرات من أن تصرخ من الألم..
لم يعد هناك سوى أسبوعان على اقصى تقدير وعليها أن تقنعه بما تريده باحترافية!
تلاحظ محاولاته في تجنب تلك الجروح على ظهرها، تفهم
مليًا لما هو متأني هذه المرة، تعرف جيدًا أنه يستند على التقارب والحميمية في
الاقتراب أولًا، لقد باتت خبيرة بـ "عمر الجندي" بكل تصرفاته، تتذكر
يومًا ما أن أول محاولة اغتـ صاب بينهما تبعها عشاء رومانسي ورقص وتعارف.. لابد من
أن هذه المرة ستكون رائعة فيما بينهما!
لثمات تجعلها تتقد والمزيد من تأنيه يترك بأعماق روحها
البشرية تمني أنه يستمر هكذا للأبد وأن يكون بنفس الطريقة منذ أن تزوجته، ثم تفيق
نفسها على الحقيقة، ومن جديد تدخل بدوامة من الصراع، وكلما مر الوقت يزيدها تصلبًا
برأيها وبما تريد أن تصل له، لابد من أن تهرب للأبد فكل شيء معه مخزي ومهين ومرهق..
علاقة مستنزفة لن يُصلها العشق ولن يصلها براعته في الفراش..
عانق نهـ ديها بكفي يديه وهي تتنفس بلهاث راغبة في
المزيد، اغمضت عينيها لكيلا يقرأ بهما كم تريد أن تنتهي من أمره، ربما يتصرف جسدها
طبقًا لما فكرت به أو استجابة له، ولكن عقلها يأبى الخضوع للأمر..
-
عاجبك اللي بعمله؟
همسه واسئلته اللعينة التي لو غابت ستفهم أن هناك أمر
خاطئ، فهمهمت وهي تهزر رأسها بالموافقة، فلم يتوقف عن المزيد من ترهاته المُشتتة
لعقلها وهو يتكلم بنبرة اذابتها بين يديه:
-
الحاجة الوحيدة اللي عمرها ما بيبقى فيها مشاكل بينا..
خليكي واثقة أنها عمرها ما هتتغير مهما حصل
ابتلعت وهي تحاول أن تحصل على وتيرة منتظمة من أنفاسها
والتفتت إليه بأعين غابت بالرغبة ثم قبلته على الفور لتُخرسه عن المزيد من الكلمات
التي لا تريد أن تستمع لها، يُكفيها ما ألحقه بجسدها من هيمنة واستجابة، لم يعد
هناك المزيد سوى أن تثبت له أنها توافق على العلاقة الجسدية بينهما لأنها كانت
بالسابق لا تفعلها ولا تريده أن يلمسها، ربما ستفلح الحيلة هذه المرة!
هو محق، هذا هو الأمر الوحيد الذي سيظل بخير، بهذا
التآلف والتناغم لن تفسد علاقتهما الجسدية قط ولو بعد آلاف السنوات، ليت التآلف
والتناغم في الأفكار وليس فقط في الفراش معه!!
تلقائية شديدة في تحركاتهما واستجابة من كليهما للرغبة
المحمومة التي لم تشعر بها قط لسواه، ولم يختبرها هو سوى معها، وبالرغم من كل ما
فكرت به وجدت نفسها هذه المرة هي من تقودهما ليصلا للقاء المحتوم حتى تنتهي هذه
الجحيم بخمود من صرخاتهما وهما يبحثان عن الخلاص..
-
استني شوية!
همسه بين قبلاتهما لم يلق أي من تقبلها فأومأت بالإنكار
وهي تتخلص من بقية ملابسه التي تحول بينهما وعقبت بلهاثٍ وهي تتفقده بتوسل:
-
مش هاقدر، احنا بقالنا اكتر من شهر مقربناش من بعض!
أطبق أسنانه وهو يتفقدها بولهٍ شديد ولم يجد بداخله
القدرة على أن يمنعها، فلو كانت هي وصلت لهذا الحد فلقد وصل هو له منذ أيام بالفعل
وهو يراها أمامه ولا يستطيع أن يمسها ولو لمرة واحدة عابرة!
ثواني قليلة مرت وهي تعتليه وتعانق خصره، عدة تحركات
قليلة لم تستمر ولو لدقيقة واحدة، وأنفاسه المحمومة التي تنعكس على بشرتها بصحبة
يديه المعانقتين لخصرها كان كفيلًا لطبيعة جسدية بحتة تم تهيئها لما يقارب ساعة من
المداعبات بأن ترتجف بشدة!
خارت قواها وهي تلتقط أنفاسها وبالكاد استندت على عنقه
لتستمع لهمهمته المنزعجة، وتبعها فورًا تلك التحركات منه برفضه في التوقف، ولكن
الأمر غريب هذه المرة ووجهه قد دفن بما أسفل عنقها، وكأنه يأبى كل ما عهدته عليه،
كل مرة لعينة معه هناك أمر جديد يفاجئها به، ولكن مهما حدث ومهما اكتشفت لم يعد هناك
بعقلها ما يدفعها للموافقة أن تستمر مع رجل مختل مثله!
وجدته يرفع احدى يديه ليحتوي جانب وجهها ويحصل على
عينيها لتلاقي خاصتيه الناعسة بحميمٍ لم يخمد بعد للمزيد منها، استمر في الأمر وهو
يُعدل من جسدها قليلًا لتسهل له الحصول على تلك الدفعات بيسر، ولكنها تعجبت من
تركه لها أن تستمر في نفس مكانها، تعتليه، وبأقل حركة ستكون هي المتحكمة..
-
أنا مش عايز اخسرك لأي سبب ولا لأي حد! فاهمة؟
أومأت له بالموافقة وهمست مُعقبة وهي تدفن وجهه من جديد
تقربه إليها حتى تفترق ملامحهما ولا يُلاحظ أي تزييف أو كذب بعينيها:
-
فاهمة..
تدخلت أصابعه بخصلاتها، تسمعه يهمس لها بكلمات يعترف
خلالها بعشقه لها، واستجابت هي لجولة أخرى، ليدفعها مكرها الذي تعلمته على يده
باحتوائه بلمسات لم تترك المساحة ولا الفرصة له سوى بالاستجابة للمزيد من الاثارة
ولم تمر سوى دقائق قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة إلى أن شعر كلاهما بالخلاص،
وصراخه المكتوم كان كل ما انساب لأذنيها لدرجة لم تشعر بما تفعله هي الأخرى..
شهر متبوع بيومين من جنون وعذاب وإهانة ومجرد علاقة حميمة
معه تجعلها تكره نفسها بعد أن تمنت بينها وبين نفسها لو كان الأمر بينهما هكذا منذ
البداية إلى النهاية دون سا دية ولا اختلال ولا إهانة! ولكن هي مجرد أمنية
وستتلاشى عن قريب عندما تلمح ظهرها المتضرر في المرآة، لم تجد بداخلها سوى مجرد
مشاعر مختلطة بين القهر وبين يقينها أن ما حصل عليه منها منذ أول مرة أقرت بنفسها
أنها تعشقه، لن تستطيع أبدًا أن تعوضها ولا تختبرها مع أي رجل آخر، لتكره أن
الانسان الوحيد التي ظنت أنها ستنجح معه في الحياة وفي العشق وفي ذلك الطريق الذي
تمنته وحلمت به يومًا ما وهي مجرد فتاة قد وصل بهما الحال إلى ذلك.. يمكر هو مرات
وتمكر هي مرة وتتمنى أن تنجح لأنها المحاولة الأخيرة لها بالحصول على فرار أبدي
منه!
دفعته للخلف قليلًا بعد أن هدأت أنفاسهما ونظرت له لتجده
يبكي فهمست متعجبة:
-
ايه ده انت بتعيط ليه؟
وجدته يبتسم وهو يريح ظهره للخلف ونظر لها بمكر بين تلك
الدموع القليلة على وجهه ثم سألها بهدوء:
-
وانتي بتعيطي ليه؟
اندهشت من سؤاله ثم تلمست وجهها لتجده مُحقًا فارتبكت
بشدة وهزت كتفيها وهي تتلعثم قائلة:
-
مش عارفة، أنا محستش أصلًا إني بعيط.. معرفش.. هو فيه
ايه!!
ضحك رغمًا عنه من تلك الحالة التي تنتابها كل مرة لا
تعرف بها شيء وتختبرها لأول مرة ليجذبها إليه معانقًا إياها وقبل مُقدمة رأسها
واتجهت بتلقائية لتريح رأسها على صدره وهي لا تتمنى أكثر من قتله بيديها ليخبرها
بهدوء:
-
الموضوع كله علمي بحت.. هرمونات بتأثر على المشاعر، اعتقد
غير الدوبامين فيه هرمون اسمه أوكسيتوسين ده بيسموه هرمون الحب.. بس اظن إن
ده حصلنا عشان بقالنا كتير مقربناش من بعض بالطريقة دي.. أنا قريت عن الموضوع كذا
مرة.. بس غريب اوي المرادي..
رفعت عينيها نحوه ثم سألته بعفوية:
-
ايه اللي غريب؟
اخفض بصره إليها وهي ممددة فوق جسده ثم تنهد مُجيبًا حائرًا
فيما أدركه بالفعل:
-
الموضوع ده بيحصل لواحد بس وكمان كل فين وفين، يمكن
مرتين تلاتة في العمر.. مش الاتنين مع بعض في نفس الوقت، احنا هنوصل لفين تاني
اكتر من المرحلة دي يا روان!!
الماضي بكل ما فيه، هذا الرجل الداعر الذي يجبرك على تتبعه
مهما بلغت حيلتك، وتلك المشاعر التي تسيطر على الواقع كما العاهرة المخضرمة، فالماضي
بات يقود كلاهما لطريق مختلف ليس هناك بينهما نقطة التقاء سوى نقطة واحدة فقط..
وكلاهما يلتقيان بها الآن!
هو يهيم بها عشقًا لدرجة باتت غير قابلة للفهم بعقله بعد
كل ما تعلمه من ماضيه، ومشاعره تدفعه في النهاية كل مرة بأن يفعل لها كل ما يحلو
لها..
أمّا هي فماضيها معه تمامًا كرجل داعر اذاقها الذل
والإهانة، دفع مشاعرها أن تحتد بداخلها حد الجنون ولكنها تعلم أن الصواب هو أن
تقتلها كلما انبعثت بها وثارت كالبركان.. لم يعد هناك ما يصلح سوى أن تفعل ما يحلو
للصواب..
فلو بكت هي من ألم الماضي، بكى هو الآخر من ألم ماضيه
بفقدان نفسه لسنواتٍ مُرهقة، أعوام من ظلامٍ دامس ولم يُصدق في النهاية أن ضياء
النهار سيتجلى بسمائه الدامسة!! بكائها كان حُزنًا وألمًا وبكائه كان عشقًا.. كل منهما
أصبح يسلك طريقًا مختلف..
فطريق العشق الحقيقي ليس مُهيأ للألم سوى كعثرة وبعدها
يتلاشى بعد التغلب عليه.. أمّا طريق الألم فهو الأصعب، العشق الحقيقي به منعدم،
العشق ليس بألم، ربما لوقت قليل وبعدها سيتلاشى بعد أن تتغلب هي عليه.. ولقد اختارت
أن تسلكه للفرار منه واختار هو أن يسلك طريقه للفرار من ماضيه!! كل منهما يحارب حربًا لا يعلم عنها الآخر شيء، ولكن
الواقع لا يستجيب للعشق، الواقع يستجيب للصواب دائمًا وأبدًا!
اختلفت نظراته لتصبح جدية متفحصة بملامحها وشرد بها لوقت
كاد أن يُربكها فحاولت النهوض بينما منعها وهو يُدرك بداخله أن الاقتراب منها بات
يتحكم بمجرد جسده، ورغباته، بل وحياته بأكملها لتدفعه للبكاء وقتما شاءت، وتعبث
بمشاعره بمنتهى الهدوء كيفما يحلو لها!
انعقد لسانه لوهلة وثم تأثرت ملامحه لترى عقدة حاجبيه
وقبل أن تنطق بحرف أخبرها بجدية:
-
أنا لقيت بابا موجود في البيت امبارح!
اندهشت ملامحها وسرعان ما ارتبكت وسألته:
-
هو عرف اننا كنا في..
-
معرفش حاجة!
قاطعها سريعًا لتختلط مشاعرها بداخلها، ثم سرعان ما عاد
لها صوت عقلها، ماذا لو علم والده شيئًا؟ هل كان ليكترث بما يفعله ابنه بها؟!
بالطبع لن يفعل!!
ابتعدت قليلًا لتتحامل على آلام ظهرها وهي تستند على
وسادة ناعمة خلفها فمنعها ودفع جسدها لكي تستقر على وجهها وهو يحدثها:
-
بلاش تنامي على ضهرك النهاردة!
يا له من حنون!! أليس هذا بفعل يده؟؟ يأتي الآن ليُخبرها
كيف تتعامل مع الأمر والألم! وغد لعين ولن تنسى هذا أبدًا..
استند على ذراعه وهو يُبعد خصلاتها كي ينظر لوجهها مليًا
ثم حدثها مُحذرًا:
-
مهما حصل، ومهما اتغيرت الظروف، حاولي متتعامليش معاه
خالص، ولو حصل أي مواجهة بينكم تعالي وعرفيني..
رمقته باستغراب وسيطر عليها رغبة بالنوم والافتقار إلى
الراحة وكأنما تخيم ظلال سوداء فوق عينيها لا تستطيع الرؤية خلالها بوضوح ليتابع
هو بمزيد من الجدية:
-
روان الموضوع ده مفيهوش هزار.. يزيد الجندي غيري، أنا
بالنسباله ولا حاجة.. لو اتعاملتي معاه بأي طريقة غير اللي عايزها ردود افعاله
بتبقى مش زيي خالص.. فهماني؟!
همهمت له وهي تحاول الابتلاع، ففي رأسها تعلم أنها لديها
الكثير لفعله معه وسيلزمها طاقة لا نهائية لإحراز ما تود الوصول له، فبالكاد
استطاعت التحدث متسائلة بهدوء:
-
انا صحيت من بدري اوي وحاسة إني تعبانة، ممكن نكمل كلام
لما نصحى؟
ابتسم باقتضاب وعقله يتألم من كل ما يعايشه ثم لم يصدق
تلك النبرة التي يستمع لها منها فاقترب وقبل وجنتها وهمس لها:
-
ممكن طبعًا..
استمر بمتابعتها إلى أن سقطت في النوم وهو يلمسها بأنامل
متأنية يمررها على ذراعها ليلاحظ همهمتها بين الحين والآخر ليدرك أنها تشعر بالإرهاق
الشديد الذي ماثل تمامًا ذلك الإرهاق الجاري بعقله!
❈-❈-❈
مساءًا بنفس الليلة..
شعرت به حولها واحست بشفتيه على مناطق متفرقة من وجهها
وعنقها فانتفضت بخوف حقيقي تملكها دون أن تعي أنها لابد عليها من تزييف ما تشعر به
ونظرت له بارتباك ليبتسم لها وهو يحدقها مليًا ثم سألها:
-
قطتي بقت بتخاف مني؟
سرعان ما أدركت ما الذي يحدث وفاقت من نومها وأومأت له
بالإباء واجابته برغبة ناعسة:
-
لا، أنا اتخضيت بس.. مش خايفة منك ولا حاجة..
حاولت أن تبتسم له ولم يقتنع كليًا بقولها فاقترب ليقبل
جبهتها ومنها إلى شفتيها بقبلة مطولة وابتعد عنها لمسافة قصيرة ثم أخبرها:
-
الجو حلو اوي برا النهاردة.. قومي واجهزي وانزلي عشان
نتعشا!
أومأت له بالموافقة ثم بادرت هي هذه المرة بتقبيله لكي
يُلاحظ أنها تلقائية معه للغاية ودام مبادلتهما للقبل لفترة من الوقت فابتعد عنها
وهو يحدقها بمكر ثم حاول أن ينهض بعيدًا عن الفراش وهو يقول:
-
الفطار ضاع، مش عايزين نضيع العشا كمان.. مش هشطب طاقة
كده معاكي!
نظرت له بتلاعب وابتسامة امتنعت بصعوبة عن التوسع واشتقت
من كلماته سابقًا فأعادت عليه نفس سؤاله بدلال:
-
عموري بقا بيخاف مني؟
عقد حاجباه وهو يحدق بها وتمتم ساخرًا:
-
عمورك!
أومأت له وهي تقضم شفتها السفلى وازداد التلاعب بعينيها
فأكمل بتنهيدة وهو يلمح جسدها المكشوف برغبة ونظرات جريئة:
-
عمورك هياكلك لو مقومتيش سمعتي الكلام حالًا!
نهضت واتجهت نحوه لتتعلق بعنقه وأخذت تقبله لتقول بين
قبلاتها:
-
توصلني، مشوار، صغير، لغاية، الحمام!
حاول أن يوقفها ولكنها لم تترك له الفرصة واتجه نحو
الحمام معها وبجرد التفاتها هز رأسه بإنكار وصفعها أسفل ظهرها بقوة وحدثها
مُحذرًا:
-
لما أقول الكلمة تتسمع عشان مزعلكيش.. خلصي بسرعة
وتعالي!
أغلقت الباب بوجهه وبمجرد بقائها بمفردها تغيرت ملامحها بالكامل
وهبطت دموعها لتذهب مسرعة لتصبح أسفل المياه، فهي لا تضمن ما الذي سيحدث لو رآها
تبكي بعد كل ما تحاول أن تنجح به معه!
❈-❈-❈
آتت لتسير بأنوثة في هذا الثوب الرمادي الذي اختاره لها
حيث تركه على السرير بصحبة ما أسفله فارتدته لتبدو في غاية الفتنة وأخذ يتابعها
بعينيه وهو يتفقد ظهرها المكشوف أمامه وساقها الواضحة للغاية أسفل ذلك الجزء غير
المخيط لتغيب صاحبتها الأخرى مما جعله ينزعج لاختيار تلك اللعنة.. اختيار غير موفق
بما تسببه له من تأثير!!
رآها لا ترتدي شيء بقدمها وشعرها غير مبتل ولكن رائحة
عطرها تسللت لأنفاسه بصحبة شفتيها المصبوغتين بالحمرة القاتمة لتعكس بشرتها لتبدو
أشهى له، وكأنها تحتاج لهذه الترهات لتفتنه بها، ولو بأسوأ حالتها لا يستطيع سوى
رؤية فتنتها.. ما بالها فيما تفعله به!
جلست وامتدت يديها للطعام وبدأت في تناوله بشهية شديدة فتابعها
لتلاحظه وهي تُسلط عينيها على الطعام وبالكاد اعطته لمحة عابرة ثم سألته:
-
مبتاكلش ليه؟
لو أخبرها من جديد أنه يود التهامها بدلًا من الطعام
الفعلي سيُصبح الأمر مزعجًا لكلاهما، فستتوقع أنه يبالغ بينما سيزداد تخيله للأمر
بعقله ووقتها لن يستطيع سوى تنفيذه!
امتدت يده للطعام وتناوله بتأني على عكسها لتتعجب
بداخلها ولكنها لم تكترث غير على تناول قدر كافي من الطعام فهي ستحتاج له معه
ليمدها بالطاقة اللازمة للفترة المُقبلة وقد احكمت خطتها بالفعل، وحتى لو حدث منه
أي تصرفات مجنونة ستكون بصحة جيدة لتحمل المزيد، فتلك العشرة أيام فهمت معنى أن
تتناول قدر قليل من الطعام..
نهضت ثم اتجهت بالقرب منه وجذبت كرسيها وهي تضع طبقها
أمامها وجلست لتضح ساقيها له أكثر بقوامها المثير الفاتن ثم بدأت في تقديم الطعام
له لتضعه بفمه ثم تتناول هي الأخرى البعض فلم يعد يفهم ما تفعله به ولا له ولا ما
الذي جعلها بعد أيام ظن أنها إما ستقتلها وإما ستجعلها شبح امرأة عرفها يومًا ما
تبدو هكذا!
-
ايه.. قدرتي تنسي بسرعة كده؟
آتى سؤاله الذي لم تستغربه بعد تفكير دام لأيام كونت
شهور من الاستعداد فأجابته سائلة وهي متأكدة أنه يتفحصها جيدًا كي يكتشف مصداقيتها:
-
أنسى ايه؟
تناولت المزيد من الطعام ثم وضعت البعض بفمه بغتة ليبتسم
وهو يمضغه سريعًا ثم ابتلعه دفعة واحدة وقال بوعيد:
-
مش قولنا ألف مرة سؤالي ميتردش بسؤال.. بنوتي ناوية
تستعبط ولا إيه!
تناولت دفعة جديدة ومضغتها بتركيز ولم يغفل عن محاولتها
في التأخر عن الإجابة بينما صدمت توقعاته بإجابة أرضته وعلم أنه يستحيل أن تختلقها
في هذه المدة القصيرة:
-
لو بتتكلم عن اللي حصل في الأوضة فأنا متوقعاه منك في أي
وقت، وأنت عملته عشان أنا كالعادة نسيت وسبت نفسي اتصرف زي ما أنا عايزة ومحطتش أي
أولوية لزعلك أو أنت بتحب إيه أو مبتحبش ايه.. أنت فعلًا معاك حق، عمرك ما هتتغير
ولا أنا عمري هتغير.. بس أنت كنت صريح معايا في حاجات كتيرة بالنسبالك يستحيل
تقبلها، وأنا غلطت كذا غلطة ورا بعض وأنت استحملت مرة واتنين وعشرة وأي إنسان في
الدنيا كان هيتصرف على حسب شخصيته مع غلطات مراته، فأنا عارفاك وعارفة شخصيتك.. يمكن
زمان كنت مصممة اخليك إنسان تاني زي ما أنت كنت مصمم تخليني إنسانة تانية وفي
الآخر ده مبيجبش ما بينا غير الخناق والزعل.. وبصراحة أنا زهقت! فكان لازم حل وسط
يجمع ما بيني وبينك.. استحملت وقدرت وجهة نظرك لغلطاتي كلها، وأنت كالعادة اثبتلي
إنك بتحبني فعلًا.. بمجرد ما بنخرج من الأوضة أنت بتتعامل معايا كويس.. ولو أنا
عرفتك بما فيه الكفاية بعد فترة جوازنا يبقى خلاص ابعد عن اللي بيضايقك زي ما أنت
بتبعد عن اللي بيضايقني ووقتها هنكون كويسين.. أنت بتحترمني قدام الناس وقدام أهلي
وكل مشكلتك في شوية تصرفات واعتقد اننا بنحب بعض بما فيه الكفاية لدرجة تخليني
اتنازل قصاد الحب ده عن حاجات معينة في شخصيتي مش بترضيك زي ما أنت اتنازلت عن
تصرفات في شخصيتك مش بترضيني وعمر ما حياتنا هتمشي غير كده! ده الحل تقريبًا..
ثرثرة، كلمات رُصت كثيرة خلف بعضها البعض بنفس طريقته،
استندت على ماضي وحاضر ومستقبل، نبرة تلقائية، ونظرات عفوية، وجدال لا يصدر سوى عن
مختلة عقليًا يليق بالمختل الذي أمامها.. تلميذة نجيبة للغاية.. ولكن هناك إضافة
صغيرة عليها أن تفعلها!
لمست يده ثم امسكتها بقوة، ونظرت له تلك النظرة الهائمة
به كما ينظر لها تلك النظرة التي تجعلها تشعر وكأنها المرأة الوحيدة بالحياة،
وابتسامة تجعل سوداويتاه حائرتان، وتحرك عفوي عبث باعتدال ثوبها ليكشف منها المزيد
ودلال فطري حرك خصلاتها الطويلة التي أطرى عليها من قبل، وأهم ما في الأمر إقناعه بكلماتها:
-
أنا بحبك، الراجل الأول في حياتي، الراجل الوحيد اللي
هستمر معاه، مامي هتعيش قد ما هتعيش بس مش هتفضلي..
قضمت شفتها ودفعت نفسها لتذكر قطعة الزجاج اللعينة وهي
تنهش ببشرتها لتمزقها فدمعت عينيها ثم أكملت:
-
وبسام بكرة يكبر ويتشغل ويبقاله حياته، معنديش أصحاب،
ولا عندي اخوات تانية، ولا عندي أي حد فاضلي غيرك.. وحتى بابي مبقاش موجود!
تريثت لبرهة لتستعيد كلماته التي قتلتها آلاف المرات
بالأيام الماضية، هي مثل الحيوان أليس كذلك، ها هي دموع التماسيح!!
-
حياتي كلها واقفة عليك، مش عشان بتهددني مع إنك ممكن
تعمل ده بمنتهى السهولة بعد شغلك مع تجار ممنوعات ولا قضايا قتل.. بس لأ عشان أنا
بحبك وعايزاك وبتعب لما ببعد عنك مسافة ما اروح شغلي وارجع.. ولما الفترة اللي
فاتت فضلت ساكت مكنش فيه أي حاجة في الدنيا وحشاني قد نبرة صوتك.. كنت بستناك تكلم
مامي وبسام عشان اسمعك!
وجدته يقترب منها ليجفف دموعها بأنامله لتدرك أن تشتيتها
له قد نجح بالفعل فانتحبت وهي لا ترى أمامها سوى فتحات تلك الأقفاص وملامحه ولكن
ليست هذه المتأثرة أمامها بل الأخرى المتشفية بإهانته لها وقالت بارتجاف شفتيها
وهي تسأله بملامح مُتأثرة:
-
عايزني اتنازل عن كل ده وأمسك في شوية تصرفات ممكن
تبعدني عنك، للدرجة دي فاكر إن حبي ليك قليل اوي ومالوش معنى؟! عمر أنت الراجل
اللي استنيته من وأنا بنوتة صغيرة وبشوف البنات بتكلم ولاد وبتخطب وبتتجوز وبيجلهم
هدايا وبيعيشو حياتهم مع الانسان اللي اختاروه.. عايزني أنسى حلم سنين عشان أسلوب
ممكن يتغير؟!
أدركت أنها انتصرت بالكامل عندما اقترب منها ليُقبلها
فلم تنتظر هي لأكثر من ثانية واحدة ثم نهضت لتجلس على قدميه وبادلته القبل المتوالية
وهي تداعب لحيته بإبهامها ليحاوط خصرها بذراعيه ثم همست له بلهاث:
-
أنا بحبك أكتر من الوجع اللي اتوجعته وأنا في الأوضة..
وبحبك أكتر من حبي لنفسي وشخصيتي.. وبحبك لدرجة تخليني اتنازل عن الدنيا كلها
عشانك.. وأنا واثقة إني هثبتلك ده! المرادي غير أي مرة يا عمر!
تفحصها بعينين حائرتين ولكن كل ما بها يجعله يعشقها
والعشق يدفعه لفعل كل ما لا يؤمن به في جنس النساء ولكنه لم يقتنع كليًا بعد
فسألها بتركيز وهو يحاول أن يتوقف عن الاستجابة للمسات يديها على صدره إنما هي
فلقد كانت تريد الشعور بتلك النبضات التي اعتادت على تصاعد سرعتها عندما يكون
الأمر جاد بالنسبة له:
-
وايه اللي اتغير المرادي؟
عبثت بخصلاته
التي عقدها للخلف واجابته بعفوية لدرجة أنه صدقها:
-
اللي اتغير اننا زمان غير دلوقتي، عمر أنت لما كنت ساكت
اول الجواز حاجة ودلوقتي حاجة، لما كنت بتيجي تعاقبني على تصرف زمان كان حاجة
ودلوقتي حاجة.. زمان مكونتش بحبك زي دلوقتي.. ولما شوفت حبك ليا واللي أنت مستعد
تعمله عشاني كل حاجة اتغيرت في نظري! ابتديت أقدر الحاجات اللي أنت بتحبها.. امال
أنت مستني ايه من واحدة ست بتحبك غير إنها تفهمك؟
كلماتها مقنعة، يصدق ما تقوله، ولكن ذهب عقله لليلة أمس
ولتلك الكلمات التي نبست بها وهي في حالة من الانهيار وطلبها بالبقاء بمفردها فعقد
حاجباه وهو يشعر بالتشتت بداخله من كل ما يمر عليهما ثم تعجب:
-
وده كله اتغير من كلام امبارح بليل في الكام ساعة دول
لكلامك دلوقتي اللي بتقوليه؟
زفرت وهي تضم
شفتيها بانزعاج ثم اجابته دون تفكير فلقد صممت على ما تريد أن تصل له معه:
-
انا امبارح كل اللي قولته إني محتاجة وقت استوعب اللي
بيحصل، وكنت محتاجة أفكر، وبعد كلامنا النهاردة الفجر كل اللي اختلفنا عليه كان موضوع
اختلافاتنا وموضوع اننا نروح لدكتور.. ولما صحيت فكرت، لو كنت سمعت كلامك وغيرت
هدومي وكلمتك بأسلوب محترم وهدوء ومكونتش قعدت مع يونس برا البيت مكنش كل ده حصل..
احنا كنا راجعين من السفر كويسين جدًا.. ومكنش فيه مشاكل بيني وبينك، لكن أنا اللي
قلبت فجأة، كل اللي محتاجاه إني أخد بالي بتصرف معاك ازاي وبتعامل ازاي.. ولو مكونتش
غبية وعنيدة مكنش ده حصل! صح؟!
لم تغفل يومًا عن تلقيبه إياها بهذه الصفة الكريهة
فذكرتها بين كلماتها، هي لم تعد تضيع أي لحظة بمفردها دون أن تفكر جيدًا بكل ما
ستخبره به وبكل تصرفاتها معه ونظرته تلك المرتابة التي يتفحصها بها كان لابد لها
من المزيد من الكلمات والأفعال كي تقنعه:
-
أنا بحبك، عايزانا نعيش مبسوطين.. لو اخترت بينك وبين
شوية تصرفات، هختارك أنت!
هذه الكلمات تحديدًا أخبرها بها منذ حوالي شهرين بعد أن
استيقظ من هوسه أثناء سفرهما الأخير، تتذكر ما قاله بالحرف الواحد يومها قبل أن
يهاتفها ابن خالتها:
" أنا بتغير عشان عايزك اكتر ما أنا عايز أي حاجة تانية،
ولو بتوحشني السادية في العموم واسلوبي مع الستات لو ده قصدك فأيوة، وكتير بحس
اننا لو كنا مع بعض بشكل مختلف كنت هبقى مبسوط اكتر، بس لو اخترت بينك وبينها
هختارك انتي، لو اخترت بينك وبين أي حاجة دايمًا هختارك.."
هل ظن حقًا أنها تضيع كل هذا الوقت منذ أن ارادت الطلاق
منذ أن اكتشفت مشابهتها لتلك الخائنة أم حتى حبيبته السابقة فهي حتى لا تثق بحكمه
عليها، عمومًا هي تريد أن تحوله لساذج غارق ببحور العشق، وتتحدى نفسها في أن تحقق
هذا خلال أسبوعان، فلقد حققه هو الآخر في نفس الوقت عندما سافرا للمرة الثانية
ببداية زواجهما.. لديها مخزون من السذاجة يُكفي أن توزعه على الجميع على كل حال!
شتته وارتبك، وكل ما بها لا يُثبت له سوى مصداقيتها،
فسألته بقليل من التردد كي ينخدع بالمزيد:
-
بس أكيد لما ابقا زي ما أنت عايز وأبطل جناني ده مش
هتحبسني عشر أيام وتسكت عشرين يوم وتعورني في ضهري، صح؟! ده كان عقاب، مالوش علاقة
لما أكون كويسة، يعني مش هتعمل كده تاني غير لما اغلط في حاجة كبيرة؟!
تفحصها مليًا وأومأ بالرفض وهو يُتابع عينيها المتوجستين
لتتنهد بتردد وهي تنظر له مُدعية العفوية ليخبرها بنبرة عميقة:
-
اثبتيلي إنك اتغيرتي!
ابتلعت وشردت لوهلة بتفكير ثم سألته بمنطقية نوعًا ما
وهي تخمن وترفع كتفيها ثم تخفضهما بتأني:
-
هو كده خلاص عقابي على اللي حصل ده خلص؟ ولا لسه فيه
حاجة تانية؟
اجابها باقتضاب وهو يبتلع محدقًا بوجهها وشفتيها
المزعجتين:
-
خلاص!
شردت من جديد ثم قالت بنبرة مُقترحة:
-
ممكن تعمل أي حاجة وأنا هقبلها، أو حاجات.. ندخل الأوضة،
ممم أو نتكلم في تفاصيل العقد اللي كنت عايزني امضي عليه زمان.. أو ممكن تعملي
مجرد اختبار وتشوف أنا اتغيرت ولا لأ! مش كل عقابي ده كان هدفه إني مكررش غلطاتي
تاني؟!
وقع بالحيرة الفعلية أمام كلماتها التي لو تحققت سيكون
تملك العالم بأسره، ليس لكلمات أو أفعال أو غرفة أو عقد، بل لهذه المحاولة الجديدة
منها التي تثبت له أنها تريد التشبث به مثلما يتشبث بها دائمًا وأبدًا، اختبار!!
يوافق على هذا! ولكنه لن يكون خاليًا من مكافئته لها، ولنفسه على كل ما تحمله
بالأيام الماضية!
-
اعملك اختبار!
نهض حاملًا إياها لتحاوط خصره بين ساقيها وتشبثت بعنقه
وعينيه لا تفارق عسليتيها ليجدها تسأله بعفوية:
-
بس ممكن قبل الاختبار نحلق الدقن اللي طولت أوي دي؟!
ابتسم ليضحك بمصداقية واجابها سائلًا:
-
زي ما حلقتيها كده وانتي مكسوفة أول الجواز؟!
نظرت له بمرح اثناء صعوده لغرفته واجابته:
-
ده كان زمان.. دلوقتي بنوتك بقت حاجة تانية خالص!
غمزت له بمرح وظلت تقبله وهي تؤثر عليه بلمسات لعنقه ومقدمة
صدره إلى أن وصلا للحمام الملحق بغرفته واجلسها على السطح الرخامي بجانب الحوض
ولكنها جذبته للمزيد من القبلات وتضرعت بداخلها أن تفلح محاولة فرارها للنهاية!
يُتبع..