-->

الفصل التاسع والعشرون - الجزء الأول - كما يحلو لكِ - النسخة العامية

 



الفصل التاسع والعشرون

النسخة العامية

الجزء الأول

 

جلست بجانبه على المقعد الخلفي للسيارة والتشويش يُسيطر على عقلها بالكامل، شعور الرعب بداخلها أصبح يُسيطر عليها لو اتضح عليها هذا الارتباك وهو يقوم بلمس يديها بهذه الطريقة، مجرد تنفس واحد أو نظرة في غير محلها أو حركة عفوية قد تُفسد كل شيء معه.

 

هي ليست غبية الآن مثلما كانت بالسابق، هي فقط تحتاج الوقت للتأقلم والتكيف والفهم جيدًا، واليوم لقد باتت تعرف من هو وتستطيع فهمه بمنتهى الوضوح، وهي على دراية تامة بمن هي، لو تريد أن تثبت له أنها ما زالت نفس المرأة عليها ألا تغفل عن ذكر العمل والمستقبل والخطط، وفي نفس الوقت عليها أن تقنعه بتغيرها كزوجة لا تريد إلا طاعة زوجها وفي نفس الحين عليها ألا تفقد خوفها الذي تعود عليه تجاه تلك الأمور.

 

التفتت لتنظر له بنظرة تعلم أنها ستعجبه، أنوثه ودلال غير مبالغ بهما مع بعض التردد البريء وكأنها طفلته الصغيرة التي لا تفقه شيء، وبدلًا من أن تسأله بنبرة متحكمة مليئة بإرادة المرأة الحرة، سألته مستفسرة لتنتظر سماحه وموافقته، نعم لا يُعجبها ما تفعله ولكن عليها فعل ذلك لو ارادت التحرر منه للأبد:

-       ممكن أسألك على حاجة؟

 

سألته بصوت متوسط نظرًا لمصاحبة السائق لكلاهما فرأته ينظر لها بعشقٍ تام لا ينهمر من مُقلتيه بهذه الطريقة إلا عندما يكون بمزاج معتدل رائق يتقبل الكثير فنظرت نحو السائق ثم همست له بنظرة لا تعبر سوى عن خجلها من التحدث بصوت مسموع:

-       ممكن موبايلك طيب؟

 

أخرجه ثم ناوله إليها وفهم من نظرتها أن تريد كتابة اسئلتها بدلًا من التحدث بها بصوت مسموع والفكرة نفسها شتتها، لو كان يفهم منها مجرد إشارات ونظرات، كيف ستتحمل أن تبتعد كرجل مثل هذا يومًا ما وتفارقه كي يذهب كلًا منهما في طريق مختلف؟!

 

سرعان ما اتجهت للرسائل التي وجدتها خالية ورأت أن وضع الطائرة مُفعل فهو لم يقم باستخدامه إلا لمهاتفة السائق ولكنها لم تسلط تركيزها على تفاصيل كتلك وقامت بطباعة بعض الحروف التي تابعها بعينه وهي تكتبها بأناملها:

-       هو أنت ناوي تدخل الأوضة دي تاني النهاردة؟

 

رفعت عسليتيها له ليتابعها باستمتاع وشبح ابتسامة طُبع على شفتيه غير مبالغ بها ليقلبهما كدلالة على عدم العلم ثم اجابها:

-       مش عارف.. هنشوف!

 

ابتلعت وقصدت أن تظهر ارتباكها فهي لو نفس المرأة ستتوتر من فكرة التواجد بهذه الغرفة خاصة بعد ما فعله معها بالمرة الأخيرة فطبعت على شاشة الهاتف من جديد:

-       هو أنا معملتش حاجة تانية ضايقتك ولا غلطت في حاجة، مش كده؟

 

تنهد ثم تفحصها مليًا وهي تقابله بعسليتين مرتبكتين في انتظار اجابته وأومأ لها بالإنكار فابتسمت بتوتر وسرعان ما أعادت الكرة:

-       طيب هو أنت دايمًا كنت بتقولي على حاجة بس أنا عمري ما فهمتها..

 

لمحها عاقدًا حاجباه باستفهام فرطبت شفتيها وتابعت الكتابة:

-       كنت دايمًا إنك بتقولي اننا لما ندخل الأوضة هنبقى مبسوطين، بس آخر مرة أنا كنت خايفة منك أكتر من إني كنت مبسوطة.. هو الموضوع ده هيتغير؟ يعني ما دام انا مش مضيقاك في حاجة انت مش هتعاقبني مش كده؟

 

ابتلعت ورمقته بتردد ليضيق عينيه نحوها وهو يستمتع بهذه الطريقة التي تحدثه بها دون النطق بحرفٍ واحد كما راقه للغاية انعكاس مشاعرها على عينيها فحاوط خصرها بذراعه وقربها إليه لتتوسد صـ دره ثم قبل جانب جبهتها وهمس لها بنبرة خافتة:

-       لو حصل فعلًا فهتبقى غير اللي فات..

 

رفعت عينيها نحوه لتنظر له بشتات استشفه بمنتهى اليُسر من مقلتيها ودفعته من جديد ليصبح تحت طائل رغبته بها وهمست له بنبرة اذابته:

-       ممكن اكلمك في حاجة كمان؟

 

أومأ لها باقتضاب وهو يعقد حاجبيه وتلاشت ابتسامته ثم تابع ما تكتبه بنفاذ صبر:

-       أنت ليه النهاردة كنت بتعمل معايا كده؟ كنت بتخليني عايزاك اوي وفجأة متكملش!

 

زفر بإرهاق ثم تقدم للأمام قليلًا ليقوم برفع هذا الحاجز بينه وبين السائق لتتفقده متعجبة وهي لا تدري لماذا لم يفعل هذا منذ البداية ولكنها انتظرت أن يجيبها ليبتعد عنها ثم اكتفى بالنظر لها وأشار نحو قدميه واستمر بتحديقه إياها في انتظار أن تمتثل لتلك النظرات التي فهمتها جيدًا فتقدمت قليلًا للأمام فوجدته يجذب خصرها بكلتا يديه ودفعها نحوه وسرعان ما تحكم بواحدة من ساقيها وهو يرفعها قليلًا حتى أصبحت تواجهه تمامًا وهي تجلس على ساقيه ومن جديد وجدت نفسها تنساق لتلك المُهلكتين السوداويتين وهي تنجذب لها بانجذاب لعين لم ولن تشعر به لسواه..

 

قربها منه ليضمها ثم وجدته يهمس بأذنها مُحذرًا:

-       متنسيش إن السواق قاعد وراكي بالظبط.. نفس واحد منك وبدل ما ندخل الأوضة والدنيا حلوة ما بينا هندخلها وانا مضايق منك.. فاهمة يا قطتي؟

 

وجدته يُحاوط عنقها بكف يده ودفعها للخلف قليلًا ليرى الإجابة المُثلى منها وبالطبع لم تجعله ينتظر وأومأت بالتفهم ثم همست له:

-       فاهمة!

 

دفع رأسها للأمام وأمال رأسه هو لأحدى الجوانب حتى يتثنى له الهمس بأذنها مرة ثانية بينما يده الأخرى كانت تبحث عن ايقاظ رغبتها من جديد.

 

بدأت يده الممسكة بعنقها تلين نوعًا ما لتتحول قبضته من تملك إلى مكر بإيقاعها في تلك الدوامة التي قد بدأها معها منذ الصباح ثم حدثها بخفوت:

-       لو كل شوية عملت اللي انتِ عايزاه هتزهقي وهتملي.. وأنا كمان همل وهزهق، والموضوع هيبقى روتيني، وهنضيع كل اللذة والمتعة اللي بنحس بيها بالذات بعد فترة طويلة من بُعدنا عن بعض.. أنا يمكن ماليش في حاجات كتيرة بس الموضوع ده بالذات اسمعي كلامي فيه

 

انتقلت يده ببراعة لتخفض من سحاب ثوبها وانضمت يده في تناغم لتعانق بشرتها بلمسات الهبت مشاعرها لترغمها على الاستجابة وشفتيه لا تتوقفا عن العبث بصحبة أنفاسه ليُردف بهمس اندمج برغبته بها:

-       كل مرة قربت فيها منك النهاردة، كنتي حاسة اني حاسس زيك ولا لأ؟

 

لم تستطع سوى التشبث بعنقه وإطلاق همهمة بصعوبة من بين شفتيها تدل على موافقتها بينما ازدادت وطأة تأثيره عليها فأكمل همسه الماكر:

-       لو كنتي متضايقة النهاردة من اللي بعمله معاكي، فأنا مضايق اضعاف ما انتي متضايقة إنك بين ايديا ومش عارف اطولك..

 

أرسل بقبلاته المتأنية لتداعب تلك المناطق التي يعلم أن خلايا الاستجابة بها حساسة للغاية والعبث بها سيحقق مراده ويداه لا تتوقفا عن العبث ولكن الكلمات لطالما كان لها اليد العُليا في التعبير عن مكنونات صـ دره وفي السيطرة على عقول النساء فأكمل بنفس النبرة:

-       ولو كنتي متضايقة من كل اللي عملته فيكي فأنا مكونتش عايز ده لأنه خلاني ابعد عنك وأنا الموت اهونلي من إني ابعد عنك..

 

لم يجعل الأمر سهلًا بل ازاد من أفعاله حتى شعر بتلك الحرارة المنبعثة منها استجابةً له وتكلم بمزيد من الخفوت المثير فالموقف نفسه بعد رغبة كلاهما المنبعثة بهما وهما ممنوعان من التحدث عاليًا بصوت مسموع يُعد شيء جديد على كلاهما، والنفس البشرية تواقة بشدة للوقوع في المحظورات وهو يعلم هذا جيدًا:

-       أنا كل لحظة عدت ما بينا كنت هموت عليكي، كان نفسي في لمسة واحدة بس منك

 

وكأن كلماته لها تأثير الخمر على العقل الواعي وشعر بها تتحرك ترغب في تقبيله فأمسك بعنقها من جديد ثم حدق بها بنظراتٍ أعمتها الرغبة والعشق واحترقت شوقًا للمزيد منها مما نبهها لتنظر له بأعين ناعسة باشتهائه وهمس لها بمصداقية لم تستطع رؤية غيرها:

-       أنا مش عارف استحملت ازاي إني ابعد عنك كل ده.. ست زيك يا روان يستحيل راجل يقدر يمنع نفسه عنها

 

ابتلعت واقتربت لتقبله فازدادت حدة قبضته على عنقها ليوقفها وهو يُحدق بشفتيها ثم نظر إليها ليهمس:

-       بحبك

 

لم تستطع قبضته منعها أكثر وهي تقبله بهمجية ويده تحتد من تحركاتها ليستمع لأنين خافت يغادر شفتيها فبادلها القبلة لينكتم صوتها تمامًا حتى لا ينساب لأذن سائقة وهي تتيقن أن ما تعايشه معه في هذه اللحظات خصيصًا لن تجده غير به هو وحده، أمّا عنه فأمتلئ يقينًا أنه لم ولن يعشق سواها، ولو قارن ما يعايشه معها بتلك المستغلة التي ظن أنه عشقها يومًا ما فسيكون ظالم بحق الاثنتين، فمشاعره وحدها كفيلة بأن يعلم مدى الفرق الشاسع بين كلتاهما!

--

دارت معركة شديدة من تلك القبلات المتبادلة فيما بينهما بمجرد دخولهما لمنزله، بالكاد استطاع كلاهما التصرف كرجل وامرأة بالغين أمام انظار هذا السائق بالرغم من ذلك الحميم الساري بعروقهما بدلًا من الدماء ولم يستطع نفسه عن حملها وهي تتشبث به بقوة واتجه فورًا نحو الأعلى.

 

لقد كان هدفه طوال حياته أن يشعر بأنه مرغوب به، كطفل ورفيق وابن ورجل، وبين يديها لطالما جعلته يشعر أنه مرغوب به وتريده بكل ما هو عليه، ليس مرفوض لفشله الدراسي ولا خوفه من اقرانه ولا لطغيانه عليهم ولا لشعره الطويل المجعد كما يرفضه والده، يُثار وتحتدم دمائه لمجرد يقينه بأن من أمامه يُريده كما هو، والآن بتلك الهمجية منها التي بالكاد يُسيطر عليها وهي تتمسك بساقيها حول جسده وتحاول تحريره من سترته التي ألقتها بالفعل على الدرج أثناء صعودهما لأعلى، يتيقن أنه ليس هناك أكثر مما قد يُثيره في الحياة وخصوصًا وقد علمت عنه كل شيء!

 

وجدته يُخفض جسدها بتلك الغرفة الصغيرة التي تقع بين غرفته وبين غرفة العذاب التي باتت تكرهها أكثر من أي شيء، تبغض مجرد الفكرة بأنها استطاعت أن تسوقه حيث ما أرادت تمامًا ببعض المكر البريء والخبث التلقائي اللذان تعلمتهما منه بعد شهور من صحبته..

 

تفقدته بأنفاس لاهثة ثم همست له بارتباك افتعلته ولكنه آتى بمنتهى التلقائية:

-       المرة دي هتبقى مختلفة عن كل اللي قبل كده؟

 

أومأ لها بأعين انهمر منهما قيظ اشتياقه إليها وهمس إليها بوتيرة أنفاس تسارعت مثل خاصتها:

-       مش عايز بس غير إنك تسمعي كلامي!

 

خلصها من ثوبها الذي تساقط بجانب قدميها فتركته سريعًا وابتعدت عنه بخطوة جانبية ليلمح ما يحجبها عنه حيث لم يتبق تلك القطعة القماشية الرقيقة تغطي أسفلها وحاول أن يتحكم في صبره الذي أوشك على النفاذ..

 

دفعها للداخل أمامه ولا تدري لماذا يُصمم اليوم على الامساك بعنقها بهذه الطريقة حتى توقف هو وهي أمامه لتتوقف هي الأخرى أمام تلك المنضدة التي تعجبت يومًا ما بالسابق فيما قد يستخدمها وما المتعة التي قد تُسببها منضدة مُسطحة لا تحتوي سوى على عدة ثقوب!

 

أفاقها من فضولها بيده التي ارتطمت بشدة أسفل ظهرها ثم عبث بأذنها بنبرته التي باتت تصدق أنه ليس هناك رجل على قيد الحياة يملكها سواه هو:

-       اطلعي هنا على ايديكي ورجليكي..

 

ابتلعت بتردد ولكنها فعلت، هدفها ليس الخوف ولو كان هناك خوف من الألم أو الإهانة فعليها أن تصمد أكثر، لقد قاربت للغاية على الحصول على كل ما تريده، التحمل قليلًا بعد وسينتهي هذا الكابوس، سيعود بلا رجعة وسيكون كل ما عايشته يُمثل حلم مزعج لجسد مرهق سقط في النوم بعد تناول وجبة دسمة شهية ليس إلا، ستستيقظ يومًا ما بالتأكيد وستدرك أن ما رأته بمنامها لم يكن حقيقي!

 

بالكاد تحملت الفكرة ولكن صوت تلك السلاسل المعدنية جعل قلبها ينبض رعبًا، ولكنه لم يعد به طاقة لتحمل اللهو بها وبعقلها بعد الآن، فلقد أوشك على الانفجار هو الآخر، هل تظن أنه رجل لا يشعر أم تظن أنها لا تملك تأثيرًا عليه يُهلكه ويسلب عقله حتى يدفعه للجنون..

 

وقف أمامها ممسكًا بأصفاد جلدية فقام بتفرقتها وخشته برمقة حقيقية بعيدة عن التزييف الذي كانت تبرع به منذ قليل ولمحته وهو يقف أمامها يفصل الأصفاد لتُصبح غير موصولة ببعضها البعض وهو ما زال يرتدي كامل ملابسه على عكسها هي لتدرك أن كل ما يفعله وكل ما سيفعله سيظل يترك بداخلها تلك الغضاضة بالإهانة، لماذا عليها أن تكون دائمًا وأبدًا في موقف أقل منه سواء بالهيئة أو بالتحكم أو حتى بالكلمات؟!

 

اغلق الاصفاد على معصميها ولم تشعر بأي ألم تجاه الأمر فكونها جلدية غير ضيقة لم يسبب لها أي ازعاج ولكنها بدأت تشعر بالقلق مرة أخرى عندما قام بتوجيه كل يد من يديها التي يستند عليها ثقل جسدها بالكامل في اتجاه معاكس للأخرى وقام بتوصيل الأصفاد بالسلاسل التي انتهت في النهاية بداخل تلك الثقوب بالمنضدة..

 

-       اهدي شوية، بطلي خوف!

 

قالها بأعين تلاعبت بها نيران الرغبة والاستمتاع على حد سواء وسرعان ما حاولت تأكيد انصياعها له حتى يُصدق بتغيرها معه وأخبرته بنبرة زيفت صدقها:

-       حاضر، هبطل كل حاجة مش عايزها..

 

تناول بقية الأصفاد والسلسلتين المتبقيتين وفعل المثل ولكن حول قدميها وقام بتوصيل السلاسل من أسفل المنضدة ببعضها البعض ليشل حركتها بالكامل ليصبح جسدها بأكمله متاح له بوضعية ستُسهل عليه كثيرًا أن تقتنع بأن هذه الغرفة للمتعة الخالصة في المقام الأول والأخير، لو نجح بذلك هذه المرة ربما ستؤمن بأن كل ما مر بينهما في السابق ليس سوى اختلاف لوجهات النظر ليس إلا!

 

اتجه ليقوم بفتح واحدًا من الأدراج ثم أخرج واحدًا من تلك الأدوات التي يستحيل أن تتواجد ببلد كهذا سوى بالتهريب من الخارج إلى الداخل ثم نظر لباقي محتويات ما أمامه ليعلم أنه لا يزال هناك الكثير مما يملكه ويستطيع أن يُعطي لها العديد من التجارب المُختلفة التي يستحيل أن يتخيلها عقلها البريء..  فهو لم يُفكر قط بأن يُمتع امرأة سواها، وبالكاد استخدم هذه الأدوات مع أي امرأة قبلها!

 

كذبها على نفسها بأن كل ما يحدث ليس مُخيف لدرجة ستوقف قلبها لم يعد يفلح، ولكن توترها أمامه قد يفضحها، عليها أن تبتعد عن صوت تلك السلاسل وصوت ذلك الكيس البلاستيكي الذي لا تدري ما به ولا ما الذي سيستخدمه من أجله ووضعها المذري الذي هي به وتجد بعقلها أي شيء يُلهي عقلها ليجعلها تتقبل ذلك، كملامحه الجذابة، صوت ضحكته، اقراره بعشقه لها، ذاك الهمس بالسيارة، مراقصته لها، تغزله بها بالشعر، نبرته وهو يقر لها كم هي امرأة مثالية، عينيه الغارقتين في عشقها وهو يجعلها تشعر وكأنها المرأة الوحيدة بالعالم بأكمله، لمساته لها طوال اليوم، وشيء فشيء استطاعت السيطرة على خوفها وهي تغمض عينيها وتحاول أن تتذكر رغبتها العارمة في الاقتراب منه..

 

توقف خلفها وعينيه لا تنظر سوى لمدى اتضاح فتنة جسـ دها بهذه الوضعية ورفع كُمي قميصه ليستقرا بمنتصف ساعده ومجرد وجودها أمامه بهذه الطريقة أصابه بجفاف حلق لعين لن يُذهب ظمأه سوى الارتواء منها..

 

أراح ربطة عنقه وهو يحرر أولى ازرار قميصه الرسمي ثم اقترب منها وانتقلت يده لتتبين هل لا تزال رغبتها متقدة ومستعدة له مثل ما كانت منذ قليل بالسيارة ليتعجب بشدة، لو كانت خائفة لما كانت شعرت بمثل هذه الرغبة، لا يعلم أنها باتت تحرز اهداف عدة وبات جسدها يخضع لما يُريده عقلها بمنتهى البراعة، لقد اثبتت لرجل لا يقتنع سوى بأدلة ملموسة أنها صادقة بالفعل..

 

نسى أنه علمها ذلك، ولتوه برهن لها منذ قليل أن المرء يُمكنه أن يتعلم كل شيء، لو تعلم هو التلاعب والرقص، فلقد تعلمت منه هي الأخرى كيف تتلاعب به وتتراقص على ثنايا عقله الذي بدأ يميل لتصديق كل ما تفعله..

 

انطلقت همهماتها المستمتعة ولم تكترث لهذا الصوت من ذلك الكيس البلاستيكي ولا لتمزيقه بقايا ملابسها التي لم تكن كثيرة على كل حال وارتفع صوتها بعد أن انتقلت بالفعل من مرحلة الخوف والتخمين إلي مرحلة الغرق في الرغبة، فالشعور بشعيرات لحيته وشفتيه وأنامله وأنينه الرجولي وهو يبدد ذعرها ويبدله بالمتعة الخالصة في منطقتها دون تقزز ولا رفض بل باختياره هو نفسه كان كفيل بتحقيق استجابة فطرية لامرأة منجذبة لهذا الرجل بالفعل، بالرغم من صعوبة الالتزام بعدم التحرك وهي مُكبلة من يديها وقدميها ولكن ليس هناك أي نوع من أنواع الآلام الجسدية، وما يفعله قد يعتبره بعض الرجال إهانة ولكنه هنا خصيصًا يفهم مليًا ما الذي يفعله، وكيف هو تأثيره، ليته كان رجل متفهم بعقل ليس رجعي في أمور حياتية أخرى، كعملها مثلًا!!

 

ارتفع صياحها كلما اوشكت على الخلاص ولكنه بمكره المُعتاد لا يترك لها الفُرصة لفعلها، لم تقدر أن تتحمل فهمست بتوسل صادق:

-       أرجوك.. كفاية كده

 

نهض وتوقف عما يفعله وجفف لحيته وشفتيه بينما لم تتوقف يده عن المزيد من اذاقتها بهذا العذاب الممتع ثم حدثها مُحذرًا بلهاثٍ اكتظ برغبته:

-       اتقلي شوية بقا يا قطتي.. اتفقنا هنسمع الكلام

 

حاولت أن تتحمل وابتلعت وهي لا تدري ما النهاية لأفعاله التي لا يتوقف عن مفاجئتها بها وبمجرد ابعاده ليده شعرت بجسد غريب صغير للغاية يستقر بها!!

 

اتسعت عينيها في ذعرٍ ثم سألته بدهشة:

-       هو، هو ايه ده؟ انت مقولتش انك هتـ

-       هشش.. قولنا هنسمع الكلام، تاني مرة بحذرك يا قطتي، مش هحذر التالتة!!

 

قاطعها دون أن تكمل ثم عاد ليقبل منحنياتها قبل لطيفة ناعمة بعيدة كل البعد عن عنـ فه المعتاد ثم اخرج من جيب سرواله جهاز التحكم عن بُعد الخاص بهذا الجهاز الصغير وبمجرد كبسه على واحدًا من ازراره انطلق صراخها ليدوي بجميع انحاء الغرفة فابتسم مستمتعًا ثم سألها:

-       ايه؟ خايفة ولا موجوعة؟

 

ابتلعت وهي تعلم جيدًا أنا إجابة سؤالها هو يعلم مصداقيتها بالفعل مُسبقًا، فعليها أن تجيب بمنتهى الصراحة قبل أن يرتاب بكل ما تفعله وهي على يقين أنه يأخذ الحكم على هذه الأمور بمنتهى الجدية وكأنها قضية هامة للغاية فقالت:

-       مش خوف ولا وجع، هو بس إحساس غريب!

 

أعاد كرته لتنطلق تلك الاهتزازات بداخلها لينتفض جسدها بأكمله وهو يتفقده يتلوى شبقًا أمام عينيه وبعقل مثل عقل كل الرجال تحول لطفل صغير، وقع في غرام اللعبة الجديدة، وتناسى القديمة، كما لم يلتفت أن شدة ولعه بلعبته الجديدة الناطقة بما يُرضيه قد افقدته عقله بالفعل..

 

قام بتهيئة هذا الجهاز ليصدر ذبذبات كل وقت محدد وانتقل ليحضر واحدًا من الاحزمة الجلدية ليصل للون الاحمرار على جسدها، لا يريد أن يؤلمها هذه المرة، هو يُريد المتعة الخالصة.. له ولها!

 

أولى الجلدات باغتتها وجسدها نفسه مشتت بتلك الذبذبات بينما عقلها يتمزق بين الرغبة، الألم الطفيف، الذعر الهائل، وارادتها التي تريد أن تتحرر منه بعد إقناعه بأنها باتت كما يحلو له للأبد حتى يترك لها هذه الغرفة الملعونة تحت تصرفها بالكامل دون أن يرتاب بها..

 

-       حاسة بوجع؟

 

سألها بعد أن تابع بما لا يقل عن عشرة جلدات وأنصت مليًا لما ستقوله، فهو يفهم بعد أن تصل امرأة لهذه المرحلة من استسلام جسدها، واستجابته، وكل ما شعر به، وكل ما يراه من تحركات عشوائية استجابةً لمجرد لُعبة صغيرة، لو اجابتها بأنها بالفعل توجعت سيعلم أن كبريائها ما زال قائمًا كالحائط الصد فيما بينهما، ولو اجابت بكلا فسيعلم أنها مُحقة في كل ما تحاول أن تثبته له بشأن أنها تغيرت، كما أن تلك الجلدات ستتحملها فتاة بالعاشرة من عمرها ولن تتأثر بها سوى خوفًا أو هيبةً ولكن ليس آلمًا حقيقيًا..

 

-       لا خالص.. أنا، أنا..

 

حاولت أن تدخل عقلها لتناقشه فيما ستتفوه به كي لا تقول شيء خاطئ وسرعان ما قامت بالاستئذان:

-       ممكن اطلب طلب؟

 

أطبق أسنانه بعنف وعينيه مُسلطتين على فتنة قوامها الممشوق الذي لا يملك أن يتحرك ولو مقدار أنملة وهمهم لها بالموافقة وهو يستمتع بالفعل بهذا الإذعان الذي لطالما تمناه معها فحدثته بتوسل:

-       ممكن تقرب مني، وحشتني اوي، ومش قادرة استنى..

 

لعن نفسه ثم تفقد اسفله ليلمحها من جديد وهو يلعن تأثيرها عليه بعدة حروف قليلة، هل تعلم حقًا أنه لا يكترث بشكل المرأة ولا حُسنها ولا حتى قوامها، ليس هناك مثيل لشعور التقبل والإرادة وأن ترغب به وتطالب بمجرد اقترابه، أن يحس هذا بمثل هذه المصداقية منها كان كفيلًا بجعله يتوجه ويحل وثاقها ولكنه لم يكتفِ بعد من لهوهما سويًا فترك الأصفاد الجلدية كما هي..

 

-       انزلي..

 

قال بلهجة آمرة بعد أن أوقف تلك الذبذبات وذهب أولًا نحو ذلك المجسم الذي لم يُذكرها سوى بالنيران أسفلها منذ يومين ووقف يلمحها من على مسافة بينما شعر بذلك اللهيب الذي التمع بعسليتيها للمزيد منه فوضع يديه بجيبيه ثم أخبرها بلين:

-       تعالي هنا قدامي..

 

اتجهت بخطوات متعجلة نوعًا ما ولكنه كبس واحدًا من الازرار بداخل جيبه بجهاز التحكم عن بُعد لتصرخ بشدة وهي بالكاد تستطيع الوقوف وتلك المسافة التي كانت تبدو صغيرة منذ قليل بدت الآن كأطول طريق ستضطر أن تسلكه يومًا لو استمر بفعل هذه اللعنة بها.. وبالطبع فعل هذا..

 

استقرت في النهاية أمامه بعد مُدة ليقرأ ملامحها المعبئة بالرغبة وأنفاسها اللاهثة بشدة وعينيها اللعينتين لا تخبراه سوى بأنها تريده، فحاول التمسك بآخر ذرات صبره ثم حدثها بين أسنانه الملتحمة:

-       لفي

 

فعلت سريعًا ليقوم مباشرة بتكبيل واحدة من يديها وبمجرد التقاء عينه بما فعله بظهرها منذ يومين وذلك اللون الساحر أسفل ظهرها لم يستطع تحمل جزء من الثانية بعيدًا عنها، فليذهب اللهو والمتعة للجحيم.. هذا أقصى ما يمكنه تحمله!

 

-       بقولك ايه!

 

قام بتحرير يدها ثم أرغم جسدها على الالتفات لتلمحه بأعين ثملة بما أسكر به عقلها بالفعل وحملها وهو يتجه لتلك الغرفة اللعينة وحدثها بانزعاج اختلط برغبته المحمومة التي انعكست بأنفاسه المتثاقلة على وجهها:

-       مش هاينفع نفضل كده.. محدش فينا هيستحمل!

 

لم تفهم ما يقصده ثم وجدته يلقي بجسدها على الفراش الذي لا تصدق أنها كدت أن تكون فتاة مُغتصبة عليه بالسابق ولكنها حاولت أن تتحاشى هذه الذكرى البغيضة وخفق قلبها فرحًا بأنه هو من فعلها بتلقاء نفسه وادخلهما هذه الغرفة باختياره وتابعته بعينيها بينما أرغم وجهها على مقابلة الفراش وخلع ربطة عنقه على عجل وهو يقول:

-       هاتي ايديكي ..

 

وجهتهما للخلف بينما قام بصنع عقدة بسرعة بين هذه الأصفاد واخرج تلك اللعنة منها شاعرًا بالانزعاج فربما كان عليه أن يحصل عليها بدلًا من ذلك الجهاز الصغير وفي ثواني معدودة قام بتحرير جسده ليتلاقى جسديهما في النهاية بعد عذاب دام لأكثر من أربعة وعشرين ساعة.. بل ثلاثون، لقد قام بإحصاء أكثر ما يُمكنه تحمله وهو وهي بخير دون جدال ودون صعوبات.. لقد بات لا يملك زمام أي أمر فيما بينهما، اللعنة عليه!

 

دفعاته ولمساته وهمسه وتحكمه وكل أفعاله التي لا تتركها سوى مستجيبة وليس هناك امرأة كارهة أن يكون الرجل هو المتحكم في الأمر ولكن ليس هناك امرأة سليمة العقل تحبذ الألم والإهانة!!

 

صياحها أسفله وكلماتها وهي تطالب به وبالمزيد منه، تخلصها بعبثية هائلة من ملابسه، تناغمهما في الفعل نفسه، ولو تكررت القصص فيما بينهما لآلاف المرات، انجذابهما الجسدي بات محتوم، ولو حتى ارتاب بخيانتها إياه، ولو حتى علمت هي أنه رجل يستحيل أن تعيش معه حياة واقعية بعيدة عن الجنون والأمراض، كلًا منهما لا يستطيع مقاومة الآخر في العلاقة الحميمة خصوصًا بهذا الانسجام، ولقد علم هو ذلك بمنتهى الوضوح، أمّا هي فكان أملها الأخير أن الابتعاد عنه سيؤهلها لتتخطى الأمر فيما بعد.. وبالطبع هي لم تختبر الأمر بعد فبالتالي حكمها ليس صائب.. هكذا يعمل عقلها دائمًا وأبدًا، لا تتعلم سوى بالتجربة والاختبارات!!

 

ولكن مهما كانت الصعوبة، ومهما كان العشق، ولو كان الانجذاب الجسدي قد وصل لحد الجنون وفقدان العقل، لا يصح إلا الصحيح، لن تستمر امرأة سوية ترغب حياة سوية مع رجل لا يرى بأنه يحتاج للمساعدة، ولا حتى يُريد الاقتناع بهذا! عليها تركه وستتركه، عاجلًا كان أم آجلًا.. ولكن إلى الآن هي لن تمانع مثل هذه المتعة، على الأقل أفضل من أن تصل لما سيُحررها منه بالعذاب المبرح!

--

استقرت بين ذراعيه وكلاهما لاهثان بعد أن قضى وطره وفعلت هي المثل لمرات فأغمضت عينيها للحظات في محاولة استيعاب أنها انتهت من هذا العذاب الذي دام طوال اليوم معه وهذه المرة كانت مُختلفة بالفعل، لم يكن يكذب عليها بهذا، وها هي بداخل نفس الغرفة التي أرادت أن تصل لها منذ البداية، لم يتبق سوى القليل بعد..

 

وجدته ما زال خلفها يُعانقها ولكن كل ما رغبت به أن تتوسد هذا الفراش الوثير وبدأت في التحرك حتى تنبهه أنها لا تستطيع الاستمرار بهذه الوضعية فهي تشعر بإرهاق جسدها بشدة بينما على ما يبدو هو لا يمانع أن يظل كلاهما هكذا لسنوات..

 

تلمت ساعداه حول خصرها ثم همست له بنبرة مُتعبة:

-       ممكن ننام شوية؟

 

همهم لها بالموافقة وهو لا يختلف حالًا عنها بينما عقله كان يحلق في مكان ما بعيد كل البعد عن الغرفة وتفاصيلها والكثير من الشجار بينهما، لو استمرت هذه الهدنة وتلك السعادة فيما بينهما برأيه لن يستطيع التنفس دون وجودها بجانبه!

 

-       احنا لو كملنا كده زي ما احنا واحد فينا هيموت، ومش بعيد يكون أنا!

 

همس لها وهو يُلقي بجسده على الفراش وتأوه من شدة الإرهاق لتبتسم لنبرته المرحة ثم أردفت وهي تستقر بجانبه:

-       ممكن نحاول نشغل وقتنا بأي حاجة تانية.. الشغل مثلًا..

 

زفر بضيق وهو يُعطي لها نظرة جانبية مُنزعجة ثم تكلم بانزعاج:

-       ليه السيرة دي وأنا كنت مبسوط من ثانيتين فاتو

 

اقتربت لتتوسد صـ دره وداعبته بأناملها وأخبرته قائلة بعد أن حاولت انتقاء كلماتها بعناية كي لا تدفعه ليظن أنه مجبور على فعل شيء ما:

-       أنا عندي اقتراح للموضوع ده، لو عجبك اعمل بيه ولو مش عجبك خلاص..

 

لاحظ اختلاف نبرتها له هذه المرة وصوتها يُغلفه الاسترخاء فهمهم لها بأن تتحدث فتابعت:

-       حدد يوم تروح فيه، وحاول مرة أخيرة، اقعد وشوف القضايا وحاول ترجع، لو حسيت إنك وصلت خلاص لمرحلة إنك مش قادر تكمل يبقى لازم تحط plan (خطة) هتعمل ايه بعد كده.. ممكن تبيع المكان أو تستثمر في حاجة تانية خالص وتبطل محاماة، أهم حاجة حاول تختار مجال تحبه.. بس طبعًا لازم ماليًا تبقى مجهز نفسك ومتسبش أي حاجة مفتوحة.. الميزانيات والكلام ده لازم تقفله عشان متشتتش نفسك، واللي تبتديه تبدأه وأنت مركز فيه ومش مشغول عنه، ولو ناوي تبدأ في مجال جديد عليك حول فلوسك كلها دولارات وحولها بنوك برا البلد عشان الوضع الاقتصادي مش باين وسعر الجنيه بيتغير جامد

 

حدثته بنبرة مُتعبة خافتة بينما استمع لكلماتها فوجدها منطقية نوعًا ما وأخذ يحدق بسقف الغرفة ولكن الكارثة في كيفية ابلاغ والده بقرار كهذا، فلقد أفنى عمره وهو لا يُصدق ولا يؤمن سوى بكون "عمر الجندي" رجل يُشابهه في كل شيء بداية بالطباع ونهاية بالمهنة والملابس!

 

-       تفتكري يزيد الجندي هيستقبل الفكرة ازاي؟

 

تحدث بما يدور في عقله مباشرة دون أن يخفي عليها المزيد فهو لم يعد يريد الابتعاد عنها لا بعقله ولا بكيانه بأكمله ليجدها تُجيبه بصوت ناعس:

-       أنت مش طفل صغير عشان يستنى يقولك آه أو لأ أو يرفض، أنا نفسي مكونتش موافقة اتجوز ومامي كلمتني كتير في الموضوع بس لما اخدت القرار محدش قالي حاجة.. هم بيتصدموا بس في الأول وبعدها كل حاجة بتمشي عادي..

 

اتكأ على جانبه وأخفض رأسها على الوسادة خلفها واستند برأسه على يده وهو يتفقد ملامحها ولقد أغمضت عينيها بالفعل فقال بنبرة مُستنكرة بمصداقية دون أن يمنع نفسه عن مشاركة ما يُثقل كاهله معها:                                                          

-       بس يزيد الجندي مش زي أهلك يا حبيبتي

 

همهمت بالموافقة وهمست له:

-       كلهم شبه بعض، بيستغربوا اننا كبرنا بس في الآخر لازم ناخد قرارتنا بايدينا، احنا مبقناش أطفال..

 

ابتسم ببعض الاستخفاف فهي حقًا لا تدري عن أي رجل تتحدث ليُنهي النقاش بالأمر ثم أخبرها وهو على وشك النهوض:

-       شكلك مش قادرة تفتحي عينيكي..

 

نظرت له بنعاس وهو يحاول النهوض واوقفته متعجبة:

-       أنت رايح فين؟

 

اجابها بتلقائية وهو على وشك مُساعدتها ليحملها لخارج الغرفة:

-       هننام في الاوضة التانية..

 

اقتربت منه ثم اراحت رأسها من جديد على صـ دره وعانقته لتحدثه بتعب:

-       ما احنا نايمين اهو خلينا مكان ما احنا.. مش قادرة اتحرك.. تصبح على خير

 

أخفض بصره نحوها ثم رد مُعقبًا:

-       وأنتِ من أهله..

 

دام الصمت لبُرهة وهو يتابع ملامحها النائمة وأدرك أن الأمر الآن بات مُختلفًا بعد أن أصبح رجل متزوجًا، يناقش زوجته بعمله، يذهب للنوم في فراش لم ينم به قط فقط لأنها طلبت الأمر منه، كما أنه يُعاني أن يتفهم ذلك العشق الغريب الذي يتبادلانه فيما بينهما ليجدها فجأة تهمس له:

-       احنا المفروض نفكر نجيب بيبي

 

تعجب للغاية من قولها بينما وجدها تضمه إليها بشدة وتعجب هو الآخر:

-       اشمعنى يعني؟

 

اجابته بتلقائية وهي غامضة الأعين فلقد كان عقلها في كامل يقظته وهي تحاول أن تكسب المزيد من ثقته بها فالإنجاب أمر لا يحتمل المزاح وهو يعلم مليًا كم أنها محترسة بشدة من هذا الأمر ولكن لو ذكرته قد ربما يُزيل الكثير من الارتياب بداخل عقله:

-       يمكن يشغلنا شوية، وكمان فيه حاجة

 

ارتفعت قليلًا وهي تدعي النعاس ثم قبلت وجنته وأخبرته بابتسامة:

-       هحب يكون ليا بيبي شبهك في حاجات كتير..

 

ابتسم وقبل جبهتها ثم رد مُعقبًا:

-       أنا جاهز، انتِ اللي موقفة الحمل مش أنا

 

اتسعت ابتسامتها وهي تدعي النوم من جديد وكم تمنت لو أنها كانت تتحدث بصراحة فربما بالسابق كانت لتفكر بالإنجاب منه، ولكن أن تأمن على طفلهما معه يومًا ما وقتها ستحكم بالموت حرفيًا عليه:

-       ظبط شغلك، وأنا كمان هاعمل كده، ونكمل شغل، وأول ما أبقى حامل هاخد إجازة.. خلينا بس نتفق هننزل شغلنا امتى وبعدها نشوف..

 

اتكأ من جديد على جانبه ثم اقترب ليُقبل نهاية أنفسها لتتجعد ملامحها بين الابتسامة والمفاجأة ثم همس إليها:

-       اتفقنا، تصبحي على خير..

هي تعلم أنه يستحيل أن يحدث الحمل، يتبقى أيام قليلة بعد على دورتها الشهرية وبفعل مانع الحمل الذي تتناوله لن يحدث الأمر بأي وقت قريب.. تتمنى فقط أن تسير خطتها للنهاية كما تريد دون أي مُشكلات..

--

 بعد مرور ثلاثة أيام..

جلست تتفقده بجانبها أثناء نومه، لم يعد العشق يصف شعورها وهي تعايشه اثناء هدوئه ومزاجه الرائق، لو قالت إنها تعيش معه بالجنة ستبخسه حقه بالتأكيد، لابد من أن يكون هناك تعبيرًا أفضل يصف مشاعرها وسعادتها بهذه الأيام..

 

بعد أن استيقظ كلاهما منذ ثلاثة أيام بهذا الفراش بداخل نفس الغرفة التي تود أن تحصل على ثقته بتركها أمامها كما يحلو لها لتدخلها وتخرج منها كيفما شاءت وجدته يعاملها برفق، تفهم، وهي كالعادة زيفت المزيد من أقوالها وتعبيراتها إلى أن تحصل على الفرار..

 

تفاجأت يومها بعرضه أن يقومان بقضاء اليوم بصحبة والدتها وأخيها على أن يعودان من جديد إلى منزله فبالطبع لم تمانع ولم تعترض، فهي من تريد العودة لمنزله قبل منه حتى تستطيع تنفيذ ما تريده بعقلها..

 

وأما عن اليوم الثاني فلقد قضته بأكمله معه بين علاقات حميمية بالدور الأرضي بمكتبه مرة وأثناء اعدادها للطعام مرة وفي المساء ذهب كلاهما للخارج ولم يكن الأمر مبالغ به بتلك الفنادق الشهيرة، تجربة تناول الأطعمة السريعة معه كانت جيدة..

 

وأمّا أمس فلقد عادا للغرفة من جديد، بعد أن ادهشها كالعادة بأمر جنـ سي جديد لا تفهمه ولم تسمع عنه شيئًا في حياتها، أصر على أن تتناول الكثير من المياه ليتبادلا بعدها علاقة دامت لكثير من الوقت وهي تشعر بامتلاء غريب وشعور لم تشعر به قط ليأتي في النهاية ويُفاجئها بأن المثانة لها دور في الإحساس بإحساس مختلف عندما تمتلئ فهي تقوم بدفع مناطق أخرى للتقارب مما يُزيد من متعة الأمر برمته، وبالرغم من عنفه الشديد معها إلا أن الأمر راقها، هي لا تمانع عنفه، ولكنها لطالما مانعت الضر ب المبرح والإهانة..

 

وها هو اليوم الرابع، لا تدري ما يخفيه لها، لا تعرف هل سيثرثر بشيء ما أم أن الدور هذه المرة في أن يذهبان لأسرته، مما تعرفه عنه أنه لا يحبذ التواجد معهم، وخصوصًا وأنه بات يشكو من والده كثيرًا هذه الأيام، تشعر مؤخرًا وكأن هناك شيء ما بينهما، ولكن عليها أن تحقق ما تريد التوصل له في النهاية..

 

فمثل تلك الأيام قد عايشتها بالفعل، القصص تُعاد، ولكن لم يعد لديه المزيد من الأقنعة لتُخفي وجهه الحقيقي عنها، لا تنكر أنه يعشقها، ولكن ما النهاية لعشق لم يُبنى على أُسس صحيحة؟ سينهار حتمًا في النهاية!

 

نهضت وهما متواجدان بداخل نفس الغرفة التي أوشكت للغاية على التواجد بها بمُفردها لو فقط سارت الخطة كما أرادت من البداية، واتجهت سريعًا لتقوم بتحضير أي طعام كي تدس به الدواء وبعض القهوة والتقطت في طريقها ما تستر به جسدها وتناولت قرص من أقراص مانع الحمل حتى تبتلعه ببعض المياه بالأسفل وهي تُدرك أنها كانت محظوظة فقط بالحصول عليه هذه الأيام في مزاج معتدل بعيد عن الاكتئاب وتمتن للغاية أنه بعيد كل البعد عن الهوس، ربما هوسه بها أفضل بكثير من هوسه المرضي!

 

لم يعد سوى أيام متبقية، ستبدأ بالإمساك بكل شيء، وحينها تتمنى أن يسير كل شيء كما ودت منذ البداية..

 

عادت من جديد لتوقظه ولكن هذه المرة هي أرادت أن تزيد من تلك الثقة التي تنمو بينهما بالأيام الأخيرة فأخذت تداعب تلك المنطقة خلف ركبتيه ليستيقظ وهو يحاول أن يمتنع عن نوبة الضحك التي تحدث كلما تلمسه أحد بهذا المكان، لم تفعلها سواها على كل حال..

 

-       صباح الخير..

 

أخبرته بأعين مبتسمة ونظرة انتصار على وجهها لينهض ممسكًا بجسدها ثم القاها على الفراش بجانبه ووجه يحمل اثار الضحك ليعتليها ثم حدثها بتوعد مرِح:

-       انتي عايزاني اصحى وامسكك ابهدلك على طول كده من أول اليوم.. بتعملي الحركات دي ليه على الصبح! مش خايفة؟

 

أومأت له بالإنكار ثم حدثته بثقة:

-       انت اللي ضحكتك حلوة ومبتضحكش كتير فلازم الاقي طريقة تضحكك، وبعدين لا مش خايفة، افطر بس الأول وابقى اعمل اللي أنت عايزه وقتها..

 

ضيق عينيه بمكر نحوها وهمهم بتفهم ثم أخبرها بنبرة خافتة:

-       لازم طبعًا تحافظي على المصدر عشان كده قايمة عملالي فطار، مصلحتك فوق أي حاجة..

 

تركها وانتقل ليجلس على الفراش بجانبها فعقبت بمزيد من الثقة:

-       سواء أكلت أو مأكلتش أنا واثقة أن المصدر تمام!

 

رفع احدى حاجبيه بإعجاب ولمحها بنظرة جانبية وقال بإطراء:

-       ده ايه الثقة الجامدة دي، كلها يومين لو كملنا كده وخلاص هسلم خالص!

 

ضحكت بخفوت ثم ارتشفت بعضًا من القهوة بعد أن أطمئنت أنه شرع في تناول الطعام وحدثته بتنهيدة:

-       متقلقش يا حبيبي كلها يادوب أسبوع وأنا وأنت هناخد إجازة اجباري لمدة خمس أيام!

 

زفر بضيق وهو يقلب عينيه فسرعان ما لحقته وقالت وهي تلقي عليه باللوم:

-       مش ذنبي، أنت اللي ضيعت عشر أيام كاملة وأنا بعيد عنك وقبلهم عشرين يوم قاعد ساكت وقررت فترة متكلمنيش!

 

-       وهو انتي قبل الاجازة الطويلة دي كلها كنتي كده؟

 

 

عقب سائلًا قبل أن يتناول المزيد وصوته ما زال محافظًا على تلقائيته ولكنه يُشير بخفاء بأن لولا فعله لما فعله لما كان كلاهما الآن في أفضل حال، والحل الوحيد مع رجل – أو لتقول رجل بعقل طفل صغير – فقررت أن تجاريه دون أن تجعله يرتاب في شيء:

-       لا مكنتش كده طبعًا.. بس هو يعني مينفعش تبقى حلو من غير حبس وتقطيع والكلام ده؟!

 

اختلفت ملامحه للجدية وترك بقايا الطعام ثم تناول رشفة من قهوته لتمتن بداخلها أنه تناول هذا القدر فالقليل أفضل من اللاشيء على الإطلاق ثم عقب بفتور:

-       انتِ اللي غلطتي مش أنا!

 

أومأت له بالتفهم بينما تفحصها جيدًا ليرى ملامحها المختلطة بالكثير من التعابير والمشاعر لتقرر أن تغير مجرى الحديث فسألته:

-       هنعمل ايه النهاردة؟ عندك أي اقتراحات؟

 

هز رأسه لها بالإيجاب وارتشف من قهوته مجددًا لتقرب ما بين حاجبيها وسألته من جديد بابتسامة ونبرة حماسية لعوب:

-       هنعمل ايه؟

 

لماذا لا يراها تغمز بعينيها هكذا دائمًا؟ ولماذا كل تحركاتها وملامحها وحتى نبرة صوتها وكل ما بها يُزيد ذلك الاشتهاء لها بداخله؟ ألن تتوقف أبدًا عن العبث بعقله؟!

 

ابتسم وهو يحاول تجميع جُملة مُفيدة بصعوبة؛ هذه هي عادته، وطبيعته، قبل أن يكون محامي ورجل يستطيع فهم من أمامه، لقد كان طفل وشاب قليل الكلام، ولقد وصلت هي لاستعادة هذا الطفل والشاب بداخله فقط في غضون شهور قليلة، ولكنها لا تعلم ذلك بعد، أمّا هو فيفهم ما يحدث جيدًا، لقد وصل معها لأقصى درجات العشق والتعلق بشخص ما في المطلق وليس مجرد زوجة أو امرأة وقع في غرامها!

 

-       هنشوف متستعجليش..

 

قالها باقتضاب ثم تناول من قهوته مُجددًا لتهمهم هي ثم أطلقت زفرة مطولة وهي تدعي التزام الصبر:

-       أوك، مش هاستعجل، خلص فطارك يالا..

 

نظر بجانبه لبقايا الطعام وتناول المزيد منه وهي لا تصدق كيف أصبح يستجيب لكل ما تريده هي بمنتهى السهولة، تتذكر بالسابق كان مستعد لإلقاء مُحاضرة طويلة لا تنتهي بخصوص تناوله أو تناولها هي نفسها للطعام، أمّا اليوم، وبالأيام الأخيرة في المجمل، هو حرفيًا يقدم لها نسخة من الرجل الذي تمنه طوال حياتها، لكنها لا تستطيع أن تقع في الفخ مجددًا، فكل ما هو عليه يُشابه ذلك الرجل الذي كان عليه قبل أن تجد صورة حبيبته السابقة بجيب معطفه، وبعدها لقد عانت بشدة من كل ما حدث، وستكون مجنونة لو استجابت لهدوئه الوقتي الذي تتيقن أنه لن يستمر..

 

تنهدت بيأس وهي تُفكر في كم تعشقه وكم تتمنى لو بقيت معه للأبد، تلك الحياة التي سيملكانها لو بقي هكذا للأبد، هدوئه لا يُزعجها أبدًا مثل ما قد تنزعج نساء أخريات، وحتى أساليبه لا تُزعجها ولا تجد بها ما يمنعها من أن تستمر مع للأبد، ولكن بمجرد دخول فكرة مرضية فيما بينهما ستعود لنقطة الصفر!

 

-       مالك؟

 

نبهها من شرودها وقد لاحظ تلك التنهيدة منها لتحدقه بعسليتين صافيتين وسرعان ما اجابته فلقد تدربت على الأمر مليًا بينها وبين نفسها:

-       بفكر

 

أعطى لها نظرة مُستفهمة عن ما يُشغل عقلها ثم ارتشف من قهوته لتبتسم باقتضاب وبداخلها حسرة شديدة على فقدان رجل تفهمه من مجرد نظرة واحدة واجابت مُقلتيه المتسائلتين:

-       فيك

 

بادلها الابتسامة ثم عقب باستنكار هائل:

-       مش للدرجة دي، أنا قاعد اهو معاكي

 

اتسعت ابتسامتها ونهت عقله أن يذهب لأي نوع من أنواع الارتياب أو الظنون وفسرت له ما تُفكر به تحديدًا:

-       أنا فاكرة شوية من كلامنا قبل ما ننام من كام يوم، ومن ساعتها وأنا الموضوع بيخليني أفكر كتير

 

عقد حاجباه بتساؤل فأطنبت بمزيد من التوضيح:

-       عمالة أفكر في موضوع الشغل بتاعك، يعني، بشوفك كتير مبتحبوش وده في حد ذاته عامل ضغط عليك، نفسيًا أكيد مش هتبقا أحسن حاجة وأنت عارف ومتأكد إن في الآخر هترجع تمسك قضايا وتقعد تدور فيها على ثغرات، ومحكمة وتصحى بدري وطريق وزحمة ومواعيد وشغل كتير، وأنا لما عرفتك وقربت منك وفهمتك مش حاسة إن دي دماغك خالص.. حاسة كده إني شايفاك في كاتب، أو مثلًا ممكن يبقا عندك مشروع كبير للأحصنة واعتقد انها تجارة في حد ذاتها وليها ناس معينة بتهتم بيها، فدول لوحدهم مجالين ممكن تعمل فيهم نجاح هايل، وفي نفس الوقت هيبقى سهل بالنسبالك راس المال إنك تبتدي بيه!

 

تهتم بشأنه وهذا سيُشكل فارقًا بالنسبة له، تقنعه نوعًا ما بأن نفسية المرء هامة لعله يستجيب للعلاج ولو لمرة أخيرة، ترسم له طريق جديد للغاية، ربما سيستجيب، وربما سيُدرك أنها كانت تعشقه حقًا وتكترث لأجله، يومًا ما عندما يفترقان تود أن تترك ولو ذكرى جيدة برأسه، فبالرغم من تصميمها على الفرار والانفصال ولكنها تعشقه، ولو حدث حقًا وتقبل ارادتها ستريد أن تراه رجل جيد في حياته في المطلق..

 

تفقدته بنظرات غارقة في تفاصيله بأعين هائمة به ولكنها لم تنس الشأن الذي تُحدثه به ليبتسم لها بهدوء وتبادلا النظرات فيما بينهما ليروقه كل كلماتها، هي لا تدري ما الذي يحدث له كلما تذكر شأن عمله المُرغم عليه، ويا ليتها كانت هناك عندما ذهب لكلية لعينة لسنوات اضطر أن يدرس بها مجال لا يروقه من الأساس، عقله كان يحترق أمام تلك المواد القانونية الغبية التي يفلت منها الجميع بسهولة لو فقط استطاعوا أن يقرؤوا ما بين سطورها وفهمها بمنظور آخر!

 

-       حلوة الاقتراحات دي، أظن التعامل معاها هيبقى أسهل بكتير من القضايا والمحاكم.. بس مش شايفة إني ماليش أي خبرة في المجالين اللي بتقولي عليهم؟

 

هل تعرف ما أكثر ما يلفت انتباه امرأة مثلها؟ أن تحدث عقلها بعد أن اطريت على ملامحها وأنوثتها! وهو يعلم ذلك مليًا، ولقد أطرى لآلاف المرات على كل ما بها من أنوثة وفتنة، والآن عليه أن يأخذها على محمل الجدية..

 

هناك اختلاف بين النساء والرجال، المرأة لطالما تود الثرثرة والتحدث كثيرًا عن كل أمر عالق وتفكر به كثيرًا ويشغل مساحة ليست بهينة بداخل رأسها في العموم، أمّا الرجل مختلف للغاية، الرجال تبحث عن الحلول النهائية لأي أمر عالق عكس المرأة، وهو يفهم ذلك مليًا أيضًا، ولكنه رجل يبحث عن الاهتمام منذ صباه، وأكثر ما يعشقه بهذا النقاش بينهما أنه فكرت بشأنه، بل وبحثت عن حلول، وتحاول أن تقدمها له وتناقشه فيها بل وتحاول أن تُقنعه، في هذه اللحظة لا تدري كم أصبحت غالية على قلبه لمجرد قولها ما قالته!

 

لاحظ تركيزها بالأمر واجابته بما وجده عملي وعقلاني للغاية:

-       ما هو مش معنى انك هتستثمر في مجال معين انك تقوم الصبح بكرة وتنزل تشتري حصان وعشرين ولا إنك تبدأ تشتغل على كتابتك مثلًا.. اولًا كده احنا نرجع الشغل بما اننا هناخد إجازة اجباري كده كده مش بمزاجنا.. تشوف شغلك القديم الأول وتاخد قرار من ناحيته سواء هيبقى مصدر استثماري ولا هتبيعه عشان ميبقاش شاغل دماغك.. وبعدين بقا تاني حاجة، أكيد كل شغل مهما كان المجال ليه دراسة جدوى، وتجهيزات، وتفكير، وخطة مادية أو تنظيم وترتيب لوقتك.. طبعًا الموضوع هياخد وقت كبير لمجرد انك تاخد قرار زي ده، واصلًا عندك حاجة شغالة، فمحتاج تشوفها الأول وبعدين لسه بقا تبتدي حاجة كبيرة تانية، ده ولا قبل ست شهور أو سنة مثلًا.. بس الظروف كلها في صالحك، يعني معندكش مشكلة مادية ودي اصعب حاجة بتقابل أي حد بيبدأ business جديد أو بيغير مجاله، الباقي كله محتاج plan وتنظيم واعتقد إنك هتنجح.. إذا كنت أصلًا نجحت في حاجة مش بتحبها، فأكيد هتنجح في اللي شغفك فيه اكبر لأنك هتكرسله وقت ومجهود وأنت مبسوط أصلًا

 

الثقة بقدراته، الهدوء والصبر، تقديم الوقت الطويل نسبيًا والفرصة في التفاهم، وأخيرًا وأهم شيء هو التقبل.. هذه هي أبسط طريقة لتتملكه، بها، ولقد فعلتها بالفعل، لو ارادته أن يقفز بفوهة فيزوف سيفعلها من أجلها فورًا ودون تقاعس!

 

اتسعت ابتسامته ليسخر من حاله وهو لا يقصد على الاطلاق أن يقلل من اقتراحها السابق:

-       كتابة ايه بس واحصنة ايه، أنا بحب الخيل من وأنا صغير، وتقريبًا مبعرفش اكتب كلمتين على بعض.. ده ميخلهومش مجالين افكر فيهم، وبعدين التجارة في الخيل مكسبها كويس، إنما الكتابة مظنش مكسبها كبير أو حتى عندي الموهبة أو الهواية.. أنا مبسوط اوي إنك شايفاني هنجح في حاجة من الاتنين دول، بس أنا امكانياتي فيهم مش مناسبة إن واحد منهم يبقى مجال شغلي..

 

قربت ما بين حاجبيها واستمتعت لنبرته الساخرة من نفسه وهي تصاحب صوت ضحكته ولكنها لم تقتنع بكلماته فقالت بثقة:

-       بالنسبة لموضوع الخيل أنا قولتلك لازم تعمله دراسة جدوى كويس جدًا وتفهم المجال الأول، بس تخيل كده أول حاجة يعملها عمر يزيد أكمل الجندي الصبح، يفتح عينه على مزرعة كبيرة في مكان بعيد عن الدوشة، وشايف قدامه كام حصان، وسامع صوتهم..

 

تنهدت وهي تحاول أن تقنع هذا الرجل الخيالي بالأمر ليُحدق بها لوهلة ثم قلب شفتيه وقبل أن يتفوه بحرف سبقته هي:

-       هتحتاج اكيد دكاترة، أكل، نظام معين ليهم، ناس معاهم دايمًا زي ما بيجي لبرق حد ياخد باله منه.. بس في النهاية على قد التعب ده أنت هتبقى مبسوط، والمجال نفسه هيخليك تتعامل مع طبقة مُعينة لو كان ده هدفك، أنا كنت بشوف صدفة على قنوات كتير سباقات للخيل وجمهور وتذاكر وحجز، معتقدش انه كـ business قليل خالص!

 

هنا استطاعت إقناعه بالأدلة الملموسة، فلم يكن منه سوى تفقدها بأعين عاشقة وهو يبتسم باقتضاب وكل دمائه تدب بها الفرحة الشديدة لشدة اكتراثها له ولشؤونه، ولكن كل هذا لم يكن نهاية حديثها فتابعت:

-       بالنسبة بقا للكتابة، فيه روايات، وفيه شعر، وفيه قصة الفيلم والمؤلف، وفيه السيناريو، وفيه سلاسل مشهورة كتير وابتدت كرواية وقصة، وبعدين اتعملت أفلام، وساعات بيحولها كمان لمسلسل.. فأكيد فيه طريقة إنك تتعلم بيها زي كورس مثلًا، أنا معرفش عن المجال بس أنا مجالي فيه كورس برمجة، فأكيد كل مجال فيه إنك تتعلم وخصوصًا الكتابة، وبعدين معلش مين اللي قال إنك معندكش الموهبة؟!

 

لم تترك له فرصة لأن يجيبها وزفرت باستنكار ثم اردفت بتحفز شديد:

-       أنت عندك فكرة ولو بنسبة واحة في المية جواباتك اللي كنت بتبعتهالي عاملة ازاي! ولا حتى وأنت بتحكي قصة أو رواية ليا أنت بتقولها ازاي؟! أنت مش شايف نفسك قريت كام كتاب وكام بيت شعر، أنت عندك اس مال رهيب للكتابة، غير إن الموهبة كمان موجودة، يمكن مش هوايتك بس أنت بنفسك اللي قولتلي مرة في جواب إنك اتبسطت وحسيت إنك أحسن لما ابتديت تكتب، أنت أصلًا جربت تكتب ولقيت إن مفيش الموهبة أو إنها مش هوايتك؟!!

 

لم يتفهم تحفزها الشديد وتلك النبرة الحادة التي تتحدث له بها وكأنها تؤمن أنه الرجل الأفضل بين الجميع في هذا المجال فعقب وهو يفتقر لأي نوع من أنواع الثقة بقدراته:

-       مش للدرجة دي يعني.. أنا عشان بحبك الكلام طلع بسهولة!

 

الاعتراف بالعشق لامرأة في خضم نقاش جاد سيُكسبه المزيد من تعلقها به، ولكنه لا يقصد أن يفعل، هو لا يتحدث سوى بالصراحة التي لا يستطيع أن يتكلم بغيرها في هذه الأحيان بعد كل تشجيعها له بشدة واختلافها كثيرًا بالأيام الماضية!

 

نظرت له بحزن وهمست له:

-       جواباتك وحشتني اوي.. وبتكلم بجد مش بقول كده وخلاص

 

تناول نفسًا مطولًا ثم زفره وترك الكوب الذي فرغ بالفعل أثناء نقاشهما ثم اقترب ليُقبل جبهتها وتفقد ملامحها للحظات وأخبرها بمصداقية:

-       كلامك خلاني عايز أقوم، اروح الشركة، ابلغهم ان الناس قدامها تلت شهور وكله هيمشي، وأبدأ اتفرغ لكل اللي بتقولي عليه!

 

نظرت له باستغراب وهي تبتسم له ثم فاجئها بكلمة لم تظن أنها ستستمع لها منه يومًا ما:

-       شكرًا يا روان على كل حاجة..

 

امتنانه بهذه المصداقية التي تشعر بها بل وتراها تغلف ملامحه بالكامل جعلها تريد البكاء بشدة من أن تترك كل ما يعايشاه وتفترق عنه ولكنها ذكرت نفسها سريعًا بأن كل هذه الأحداث مجرد انعكاس للشخص المعتدل بداخله الذي ليس لديها أي فكرة إلى متى سيتواجد بداخله!

 

اقترب ليُقبل شفتيها برقة هائلة اثقلت جفنيها وحتى احتاج كلاهما للتنفس وجدته يهمس أمام شفتيها:

-       انتي ازاي بتعملي كده؟

 

فتحت عينيها وتفقدته بتساؤل ليجيب نظرتها المتسائلة:

-       انتي عارفة إن عمري في حياتي ما اتصورت إني أنام هنا لحظة..

 

نظر حوله لتدرك أن كلاهما يمكثان بهذه الغرفة التي تمنت أن تتواجد بداخلها كي تستكشف ما أسفل هذا الفراش وكل محتوى تلك الخزينة التي حدثتها عنها "يُمنى" فترقبت متابعته لكلماته بعد أن قلبت شفتيها بعدم معرفة فتكلم قائلًا:

-       انتِ فجأة حولتي الأوضة دي honey من مجرد شوية لعب وانبساط لتفكير في المستقبل وخطط ومشاريع.. انتِ بتغيري كل حاجة!

 

اختلفت نظراته وهو ينطق بجملته الأخيرة بتنهيدة مطولة فابتسمت ثم أخبرته:

-       أنت أي مكان معاك هيبقا حلو

 

تعلقت بعنقه وقبلته قبلات سريعة ثم اتجهت لتنهض لتستمع لصوت اهتزاز هاتفه لتتعجب فهو لا يستخدمه اطلاقًا ومن جديد ارتابت خشية من أن يكتشف أي مما حدث بالسابق أو يأتي ما يحدث ويُفسد خطتها وتداركت سريعًا اختلاف ملامحها ثم سألته:

-       أنت رجعت الشغل أو حاجة؟

 

التفت ثم أمسك بهاتفه وقرأ ذلك الاسم الذي ظهر على شاشته ثم أخبرها بعفوية:

-       لا، ده السواق جايبلي حاجة..

 

عاد إليها من جديد ثم قبلها قبلة سريعة ونهض ثم أخبرها:

-       ادخلي خدي شاور وأنا هجيلك.. هاخد بس الحاجة منه!

 

أومأت له ثم اجابت باقتضاب وهي تتابعه يغادر الغرفة للخارج وهي تتحرق شوقًا لمثل هذه اللحظة التي فعلت الكثير من أجلها:

-       أوك.. هشيل بس الحاجة وانزلها تحت وهتلاقيني في الحمام

 

ارتابت كثيرًا فهو بالكاد يتحدث لأحد فمتى طلب شيء من السائق وأين كانت؟ هل فعلها عندما قاما بزيارة والدتها وأخيها؟ سرعان ما تذكرت هدفها وتفقدت أسفل الفراش بمجرد نظرة من عينيها لتجد الأرضية بالكامل تُغلف ببساط غليظ لتزم شفتيها وهي تحاول أن تتفقد بدايته، كيف سيكون خزينة أسفل هذا؟!

 

ابتلعت ثم ذهبت تهرول للخارج هذه الغرفة لتجد أقرب نافذة فوجدت بالفعل السائق موجود وهناك صندوق كبير مُغلق وآخر متوسط الحجم وهو بالفعل بالأسفل ولا تدري ما الذي قد احضره لتشعر بالتشويش الشديد بخضم كل هذه الأحداث، لو قام بنقل الخزينة أو أن "يُمنى" كانت تمزح معها ستلاقي حتفها على يده بالتأكيد.. على كل حال هذه هي المرة الأولى التي يترك لها الغرفة بهذه العفوية ويذهب، لقد حققت ولو حُلم كانت تحلم به منذ شهور!!

--

كادت أن تفرغ من انتهائها من الاستحمام بعد أن وضعت الأكواب والأطباق بالأسفل واعادت كل شيء لمكانه بعد تنظيفه بل واعدت ما سترتديه بعد أن تنتهي من استحمامها وقامت بغسل شعرها بالفعل وجسدها بأكمله وسبق كل هذا بعض العناية لجسدها الذي أُهملته بالأيام الماضية ولم تعطه العناية التي لطالما اعتادت أن تعطيها له وامتنت أنه غاب لدقائق لا تدري إلى أي لعنة فاستفادت بالوقت لتقوم بصنع قناع سريع، لم تكن تدري أن الزواج في حد ذاته سيقوم بحرمانها من بعض أشياء كانت تظنها مجرد روتين ليس إلا وأصبحت حلم في النهاية لامرأة مثلها!

 

أخذ الوقت يمر وتفلت من بيد يديها وكان عليها في النهاية أن تستيقظ من أحلام صالونات التجميل تلك وتستيقظ على حقيقة اصابتها بالقلق الشديد فلقد استغرقت أكثر من ساعتين، بل قارب الوقت على ثلاث ساعات ولم يظهر هو إلى الآن!

 

 تنهدت بريبة ثم توجهت لتلتف بمنشفة كي تبحث عنه فوجدته أمام باب الحمام المُلحق بغرفته وقد استحم بالفعل وبدل ملابسه وجلس يتفقدها بهيام فابتسمت له وسألته بعفوية من استغرابها من عدم قدومه:

-       أنت فين، أنا استنيتك كتير، مش قولت إنك جاي؟

 

استند على كلتا يديه بجانبه على الفراش ثم تحدث بتنهيدة متغزلًا بها:

-       هو انتي ازاي مفيكيش غلطة كده!

 

ضيقت عينيها وتوجهت نحوه لتصاعد من سقف غزله لها قائلة:

-       هو أنت ازاي بتقول نفس الكلام وكل مرة بيطلع منك كأني أول مرة اسمعه!

 

رفع رأسه نحوها وهو لا يزال جالسًا على الفراش ثم عقب بنبرة خافتة نوعًا ما:

-       عشان مبسبكيش تزهقي..

 

عقدت ذراعيها ثم تفقدته ومرة ثانية سألته بجدية:

-       مجيتش ليه؟

 

تنهد وتجنب الإجابة عليها بالسبب الحقيقي ثم نهض وقدم لها يده:

-       هبقى اقولك، تعالي بس الأول..

 

أمسكت بيده وهي لا تدري بأي لعنة يُفكر ولا ما الذي يُريد فعله معها وتوجها إلى غرفة الملابس ليساعدها على الجلوس أمام المرآة ثم أمسك بمجفف الشعر وهو يساعدها على الانتهاء من بقايا المياه العالقة بشعرها.

 

تفقدته عبر المرآة وهو يُركز بشدة فيما يفعله ثم تذكرت تلك المرة عندما كان كلاهما بذلك المنزل بسلوفاكيا لتبتسم لا اراديًا بمصداقية، لقد تمنت حقًا أن تدوم تلك الأيام، ولكن لطالما ادهشها بشدة تغير امزجته لدرجة لا تؤهل امرأة أن تحيا معه حياة سوية!

 

فرغ من تجفيف شعرها ليلمحها خلال المرآة بأعين مليئة بالافتتان بها فسألته ببعض الاستخفاف:

-       أول مرة تشوفني ولا ايه؟!

 

تفحصها ثم أومأ بالإيجاب واجابها باقتضاب:

-       آه أول مرة اشوفك وانتِ بترضيني وقابلة بيا اوي كده!

 

اتجه ليقف أمامها وهي تتابعه بعسليتيها ثم ساعدها على النهوض وأمسك بيدها واتجه معها للخارج فحدثته بتلقائية:

-       استنى بس البس الأول

 

عقب دون اكتراث لقولها وهما يُكملان طريقهما لخارج الغرفة:

-       مش هتحتاجيه..

 

تعجبت مما يفعله ووجدته يدخل للغرفة الأخرى التي مكثت بها بعض المرات بمفردها دونه لينعقد لسانها من كل ما تراه أمامها وكل هذه الرائحة التي انسابت لأنفاسها.

 

كيف يستطيع أن يحول غرفة بكت بها مرات ومرات من شدة قهرها إلى ما يُشابه غُرفة عناية لن تتواجد سوى بفندق شهير، تلك الشموع نفاذة الرائحة المصاحبة لبعض الورود، طبق كبير من ثمر الفاكهة، وذلك السرير الصغير الذي يُستخدم في جلسات التدليك، درجة حرارة الغرفة المثالية، والضوء الهادئ المنبعث بدرجة مناسبة تمامًا يجعلها لا تود سوى الجلوس بها طوال اليوم..

 

-       قولت بما أنه أسبوع وهناخد إجازة اجباري كده كده، فممكن ندلعك يوم واتدلع أنا ستة!

 

التفتت له وهي تبتسم رغمًا عنها، فلتوها كانت تُفكر بالعناية بنفسها، لن يفشل أبدًا في أن يُدهشها بصنع أشياء بسيطة، فاقتربت منه وحاوطت عنقه وسألته بمرح مازحة:

-       تدلع ست أيام يا طماع، أنت كنت متأخر عشان كده؟  

 

أومأ لها وتلمس احدى كفيها وقام بتقبيل أناملها وهو ينظر لها دون أن يقول المزيد فتعجبت ثم سألته مرة ثانية:

-       أنا لسه قايلالك انه أسبوع، لحقت تعمل كل ده امتى؟

 

اجابها بتلقائية وهو شارد بعسليتيها:

-       أنا بعدلك الأيام، يوم ما رميتي الكتاب في المياه ده كان أول يوم بعدها.. متقلقيش يا حبيبتي أنا باخد بالي كويس من التفاصيل!

 

لم يُعطِ لها الفرصة في قول المزيد وانخفض ليحملها ثم اتجه ليخفض جسدها على منضدة التدليك ثم جذب منشفتها وأشار لها أن تنام ففعلت ليتنهد وهو يلمح جسدها أمامه برغبة ليبتلع عاقدًا حاجباه ثم حدثها قائلًا:

-       النهاردة نهدى كده ونخليه يوم نفصل فيه عشان نعرف نتبسط باللي جاي

 

همهمت بالموافقة وهي تغمض عينيها في استرخاء منتظرة أن يبدأ بالفعل نفسه فهي لا تحتاج لأكثر من هذا وغمغم متنهدًا:

-       هو باينه يوم دمار، هاستحمله عافية ذوق، بس هعوض كل ده الأيام الجاية!

 

أطلقت زفرة ساخرة وهمست له عندما استمعت لاحتكاك يده وتلمس ذلك الزيت لقدمها:

-       يعني الأيام اللي فاتت مكنتش كفاية..

-       معاكي انتِ لأ!

 

اجابها بمنتهى التلقائية ثم نبهها بجدية:

-       عايزك بقا تفضي دماغك كده خالص، ومتفكريش في أي حاجة، وياريت التقييم في الآخر عشان اول مرة اعملها في حياتي لحد..

 

نهضت تتكأ على يديها وهي تلتفت له ثم مازحته بمرح:

-       بما إني مراتك وكده!! لا بجد ميرسي..

 

لمحها بغيظ ثم صاحت عندما ارتطم كف يده أسفل نهاية ظهرها وأشار لها بسبابته:

-       نامي وبلاش حركات غلط بدل ما يبقى دلع ومساج هيبقى حاجة تانية خالص وأنا اساسًا بتلكك!

 

كتمت ابتسامتها وتحولت عينيها بنظرة ذات مغزى لأسفل خصره ثم سألته بتلاعب:

-       أنت ولا هو!

 

هز رأسه بإنكار ثم توجه ليدفع رأسها للأسفل كي يستقر وجهها بذلك المكان المخصص المفتوح بداخل المنضدة ثم همس بتحذير:

-       كلمة كمان وهتتعلقي!

 

ابتسمت على مزاحه لها ثم حاولت الاسترخاء وبمجرد لمسه لجسدها بتدليكات عِدة متوالية وهو يبدأ بأصابع قدمها بصحبة هذا الزيت وتلك الرائحة التي تنساب لأنفاسها استسلمت بالكامل ولقد آتى ما يفعله بوقته تمامًا، فهي حقًا تحتاج لبعض النشاط حتى تستطيع اكمال خطتها بنجاح..

 

أخذ الوقت يمر رويدًا رويدًا وبالرغم من تلك الرغبة التي تبعثها أنامله بها إلا أنها بدأت تتأثر عندما أدركت كم الألم الذي انعكس على هيئة تأوهات منها وهو يقوم بتمسيد عضلاتها بتأني شديد لتتلاشى الرغبة كليًا وأبدلتها بالاسترخاء والتفكير في شأنه، هي تخشى بشدة الابتعاد عنه بعد كل هذا التناغم والتفاهم، تخشى من نفسها ومشاعرها في المقام الأول، والذعر لا يترك كيانها تجاه ردة فعله، وخصوصًا لو وجدت بهذه الخزينة أن كل كلماته لها كانت صحيحة ولم يخفي عنها شيء.. لا تعرف كيف ستقنعه وقتها بضرورة العلاج ولا تدري كيف ستبتعد هي عنه بعد كل هذا العشق الذي يكنه قلبها له، فكل ما يعاملها به هذه الأيام وكأنه كسحر داوى ما فعله بالأيام التي قبلها، وبينها وبين نفسها لا تجد سوى أن تكره كيف تستجيب وتسامح وتغفر حتى لو لم تخبره بهذا، وحتى ولو افترقت عنه وحققت هدفها، تعلم أنها في النهاية ستسامحه بالتأكيد لأن أغلب ما يمر به ليس له سلطان عليه!!

--

ظهرًا.. بعد مرور أسبوع..

قرع الأرض ذهابًا وايابًا في حالة من الارتباك والتأهب بالقرب من سيارته كما اتفق مع "بسمة" في انتظار ظهور أي علامة تدل على قدومها هي أو صديقتها أو ثلاثتهم معًا مثل ما رآهم بمقر كليتهم، لا يُصدق أنها ما زالت تشغل تفكيره، ولا يُصدق أن بالرغم من عدم رد "روان" على رسائله ما زال متمسك بفكرة أن يرتبط بهذه الفتاة..

 

لقد حاول كثيرًا أن ينظر لغيرها لعله ينساها وتجذبه أي امرأة، حاول أن يتعرف على فتاة أخرى بأمسية بصحبة أصدقائه، حاول أن يتهرب من العمل مع أخيها، ولكنه يجد نفسه من جديد يعود ليُفكر بها مرات لا تُعد ولا تحصى!

 

لا يدري لماذا يبدو أخيها في غاية الانفتاح والتلقائية، عكسها تمامًا، وكلاهما يخالفان "عمر" زوج ابنة خالته اللعينة التي لا يصلها أي رسالة ولا مكالمة، لماذا وقعت عينيه عليها يومها؟ لماذا اختار عائلة غريبة مثل عائلتها؟

 

اختفى سريعًا عندما لاحظ قدوم ثلاثتهم واستمع لما تقوله الوحيدة التي يشعر بدعمها له بكل هذه القصة العجيبة:

-       ها، ايه رأيك بقا؟

 

رمقتها "عنود" وكذلك فعلت "نوران" بينما سألتها الأولى بريبة:

-       لا معلش يعني انتِ لو بعتي هدومك وورثتي في نفس الوقت مش هتعرفي تدفعي مقدم العربية دي..  انتِ بقيتي بتشتغلي مع بابا من ورايا ولا ايه؟

-       دي وش يا سرقت بنك يا صاحبت واحد معاه فلوس وجاية تغيظنا بالعربية

 

تحدثت "نوران" معقبة هي الأخرى بينما حدثتهما "بسمة" قائلة:

-       اركبوا بس وهحكيلكم كل حاجة بعدين..

 

قامت بفتح السيارة فتبادلتا صديقتيها النظرات المستغربة ولكن استجابت كلتاهما لها وأصبحتا في السيارة بالفعل لتتحدث "بسمة" بتوسل إلى "نوران" وهي تتصنع الحاجة:

-       معلش يا نوران انزلي هاتيلي مياه أحسن عطشانة اوي ورجليا وجعتني من المشي النهاردة، ومش هقول حرف ولا احكي حاجة غير لما تيجي

 

عقبت "عنود" باستنكار:

-       يعني نعمل الفيلم ده كله على عم أشرف الغلبان ونمشي قد كده عشان مش عايزة تدخلي الجامعة بالعربية الجديدة دي ومحكتيلناش اصلًا جبتيها ازاي ومنين وبعدين عايزانا نروح نحققلك طلباتك delivery، نوران سيبك منها..

 

افتعلت "بسمة" ملامح حزينة وهي تنظر إلى كل واحدة منهما بتوسل ثم قالت بدلال:

-       هما دول الصحاب بردو

 

زفرت "نوران" بيأس ثم قالت بتصنع لم تلحظه "عنود" بالطبع فلقد قامت بالتحضر لكل هذا بالسابق بصحبة "بسمة" التي لم يتوقف "يونس" عن مهاتفتها:

-       خلاص خلاص، خلينا نخلص، حد بس معاه فكة للمياه..

 

نفخت "عنود" بملل ثم أخرجت لها النقود وناولتها إياها وأخبرتها:

-       بسرعة قبل ما الكام ساعة يضيعوا مشي وdelivery

 

تركت "نوران" السيارة وغادرت بينما شهقت "بسمة" فجأة وقالت:

-       أنا شكلي نسيت الموبايل لما كنا في حمام الكلية، يارب بس ميكونش حد شافه واخده..

 

حاولت "عنود" أن تهدئها بينما أخرجت هاتفها وهي تخبرها:

-       اهدي بس، إن شاء الله ميكونش حد شافه، أنا هتصل ويارب بس يكون وقع مع بنت كويسة وترجعهولنا..

 

هرعت الأخرى من السيارة للخارج واخبرتها عبر الزجاج ولم تنتظر أن تستمع لحرف واحد مما قالته:

-       لا انا هروح اشوفه وانتي اتصلي بسرعة ولو حد رد عليكي ابقي خليه يجبهولك

 

نادتها مندهشة لكي توقفها:

-       طيب استني يا غبية تروحي بالعربية أسرع.. يا بسمة اصبري بس!

 

لم ينتظر لأكثر من هذا وسرعان ما دخل بجانبها فتحدثت متعجبة بغضب:

-       انت بتعمل ايه هنا؟ هو بقى الفيلم ده كله معمول عشانك!! والله ولا واحد فيكم عنده دم، لا أنت ولا هما..

 

التفتت لتقوم بفتح باب السيارة فلم تستطع وأخذت تبحث عن زر قفل الأبواب ولكن لم تستطع في هذه الثواني القليلة أن تجده ولقد كان شرع بالقيادة بالفعل!

 

-       لو سمحت، بدون أي شوشرة وقبل ما اصوت قدام كل الناس دي تسبني أنزل من العربية!

 

رمقها بلمحة جانبية وهو ينزعج بشدة منها بالرغم من اشتياقه لملامحها ولكنه أخبرها بنبرة هادئة كي لا يثير جنون هذه المجنونة:

-       هسيبك تنزلي حاضر وفي المكان اللي تحبيه، بس لما تديني حل للي أنا فيه، أنا مش طالب منك حاجة غلط

 

زفرت بإرهاق ثم صاحت به منزعجة:

-       ما قولتلك اني مش موافقة، قولتلك اني مش عايزة ارتبط بحد، رفضتك مليون مرة، أنت ايه يا أخي، معندكش دم ولا كرامة!

 

كلماتها الجارحة كانت أكثر مما يتحمله رجل مثله ليقوم بالصراخ عليها بنبرة جهورية:

-       ليه؟ ايه المشكلة؟ ما اخوكي طبيعي وزي الناس وانسان كويس ومش هيمانع واخوكي التاني يبقى جوز بنت خالتي وكل اللي طلبته منك نرتبط ارتباط رسمي.. ايه المشكلة في كل ده!

 

لوهلة لم تر سوى والدها مُجسد بهذا الرجل بصوته العالي وصراخه لتجد نفسها تتفوه بما لم يمر على عقلها اطلاقًا وانطلق من عقلها الباطن مباشرةً وتمنت لسنوات أن تخبر به المثل لوالدها:

-       فاكر نفسك هتتحكم فيا ولا هتجبرني على الارتباط والجواز كمان، أنا ممكن اوديك في ستين داهية، جاي تخطفني مثلًا ولا هتحبسني، ده أنت مفتري ومتعرفش يعني ايه رحمة، لو منزلتنيش أنا هـ

-       هترمي نفسك من العربية ولا هتكسري الازاز الي مفيش حاجة تكسريه بيها!

 

بالرغم من تعجبه من كلماتها التي وجدها مبالغ بها للغاية ولكنها قاطعها بنبرة لينة نوعًا ما عن نبرته السابقة وزفر زفرة مطولة وهز رأسه باستنكار ليشعر بعينيها الغاضبتين مصوبتين عليه كفوهة بُركان يغلي فحاول أن يتمسك بصبره وهو يستعيد هدوئه بصعوبة وترك لها فُرصة أن تهدأ قليلًا وتتقبل الأمر الواقع فهي لن تستطيع فتح الأبواب اثناء قيادته بهذه السرعة وبعد أن وجدها تعقد ذراعيها وتنظر بأرضية السيارة حدثها بهدوء نسبي:

-       اديني سبب واحد يخليكي ترفضيني!

 

بعد كل تلك الأسباب وهو لا يقتنع، حسنًا، هناك سبب واحد بعد لن يستطيع أن يفعل به شيئًا، لقد أرهقت حقًا من هذا اللحوح الذي لا يكل ولا يمل من محاولة الوصول إليها فالتفتت لتبتسم له بسماجة ابتسامة لم تلمس عينيها واخبرته بهدوء مستفز عكس ذلك اللهيب الساري بدمائها:

-       بابا مش هيوافق، يستحيل يوافق لو عرف إنك اختياري أو إنك شوفتني قبل كده، ممكن تقنعني وتقنع اخواتي، وتقنع مرات أخويا، إنما بابا أنت متعرفهوش، روح كده اقعد مع يزيد الجندي لو عرفت تاخد منه معاد وشوف هيقولك ايه.. اتفضل.. روحله.. مستني ايه؟!

--

ليلًا، بعد مرور منتصف الليل بساعة واحدة..

 

تفقدته بنظرات مودع، لقد حققت كل ما تمنته بل وفي وقت قياسي، لقد قرر أخيرًا الذهاب إلى عمله بالصباح الباكر مثلما اعتاد بل وهاتف مساعده الشخصي ليخبره بقدومه وتحضير كل ما يحتاج لتوقيعه ولو هناك قضايا طالب أصحابها الترافع منه هو شخصيًا، وغدًا يعلم كم ستكون مُتعبة أثناء دورتها الشهرية وسيكون من المنطقي اعيائها وبقائها بالمنزل وعدم قدرتها وخصوصًا بأول يوم، يتبقى القليل بعد لتفعله، عليها أن تقنعه بدخول الغرفة لأنها لا تريد أن تضيع أي وقت دون أن تجد تلك الأوراق التي ستستطيع أن تتفاوض عليها حتى تحصل على الفرار..

 

لن تستطيع انكار تلك السعادة التي عايشتها معه، ولن تكذب على نفسها بأنها تعشقه، كما أنها لا تستطيع انكار خداعها لمرة واثنان وثلاثة، ألم يقل يومًا ما أنه يستحيل أن يدخلها لهذه الغرفة؟ ألم يخبرها بالفعل أنه كان صادق ولم يكن وربما لن يكون؟ ألم يعدها بالكثير من الأشياء وفي النهاية يأتي بنوبة من نوباته ويقلب حياتها رأسًا على عقب؟ وبعد كل مرة حاولت أن تطالبه باللجوء لمختص ينفي كونه مريض ويحتاج للمساعدة؟!

 

كانت عليها أن تفكر في هذه الأسئلة وتجيب عليها بينها وبين نفسها، تعرف أن المشاعر تقد المرء لفعل الكثير، قد تغفر وقد تُسامح والرجل وزوجته – كما يقول الناس – يحدث بينهما الكثير والكثير مما لا يصدقه عقل وفي النهاية يتناسون ما يحدث، ولو كانت كمثل تلك الفتاة بأول زواجها لكانت اليوم والآن تحديدًا تتفقده بعشق بدلًا من أن تودع ملامحه بالليلة الأخيرة التي ستتشاركها معه..

 

زفرت كل ما برئتيها من هواء وبدأت تُهيئ جسدها لتلك الحالة من النشوة واغمضت عينيها وهي تتذكر الكثير من التفاصيل أثناء ممارساتهما الحميمة وكلماته لها التي تشتتها ببراعة، وظلت لا تستسلم سوى لتلك الأفكار لمدة تقارب النصف ساعة وهي تتفقد كل ما به من ملامح تجذبها له ثم تغمض عينيها وتسلط المزيد من تركيزها على ملامحه اثناء قيامه بممارسة الحب معها وبعد أن شعرت باستجابتها لفعل الأمر اقتربت منه لتداعب لحيته بأناملها ولم تنتظر كثيرًا فوجدته يرمقها بأعين نصف مفتوحة وحدثها بنبر نائمة تمامًا:

-       هي الساعة بقت كام؟

 

تصنعت هي الأخرى النعاس ثم اجابته:

-       مش عارفة، اتنين تقريبًا..

 

همهم بنعاس ثم همس لها وهو يقبل جبهتها:

-       نامي لسه بدري.

 

اقتربت لتقبل شفتيه وانخفضت أناملها لصـ دره لتشعر بابتسامته بين قبلتهما وبادلها في البداية ولكنه دفعها برفق كي تبتعد وأغمض عينيه من جديد وحدثها بصوت استيقظ قليلًا عن الذي سبقه:

-       بلاش كده عشان عندنا شغل الصبح وأنا لازم أكون فايق بكرة ومركز!

 

أطلقت تأتأة واقتربت من جديد وشبه اعتلته لتقبله مرة أخرى ليدفعها بقوة على الفراش بعد بُرهة واعتلاها ثم سألها بجدية:

-       مالك فيه ايه، الكام يوم اللي فاتو دول مش كفاية، ولا انتي مصممة تموتيني عشان ترتاحي؟

 

 ابتسمت له بدلال وسرعان ما همست وهي تتلمس صـ دره المكشوف:

-       بعد الشر!

 

تفقدها بانزعاج بينما أدرك من نظراتها أنه حلم حميمي للغاية ومن مجرد لمحة بتركيز لوجهها علم ما تحتاجه جيدًا فلقد بات كل واحد منهما يفهم الآخر من عدة نظرات وتعابير الملامح بمنتهى السهولة فعقب في النهاية سائلًا من جديد:

-       لما هو بعد الشر، بتصحيني ليه وكلها أربع ساعات واروح شغلي؟

 

رطبت شفتيها وقامت بالتهام السفلى وهي تتفقده برغبة وادعت التلعثم واجابته:

-       اصل، اصل، كنت نايمة، وحلمت حلم غريب شوية..

 

زفر بضيق وتفقد الساعة بالمنضدة الجانبية لفراشه ثم زجرها بفضول ولم يلحظ حدته في التعامل معها:

-       ما تنجزي حلم ايه!

 

ادعت الحزن بمنتهى البراعة وهي ترمقه ثم اجابته:

-       خلاص مش مهم، آسفة إني صحيتك، نام عشان شغلك، تصبح على خير

 

اتكأت على جانبها وراهنت نفسها أنها لن تصل لرقم عشرة بداخل عقلها قبل أن يُحدثها من جديد حتى يعلم سبب اثا رتها هكذا بعد كل تلك الأيام الماضية وبالفعل بمجرد وصولها لرقم أربعة دفعها كي يرى وجهها وحذرها متسائلًا:

-       آخر مرة هسألك، حلمتي بإيه؟

 

ادعت الحزن وكأنها على وشك البُكاء وهمست مجيبة:

-       خلاص انت بوظت كل حاجة، مش هينفع احكيهولك، عمومًا حلمت بيك وكنا هنا وبعدين دخلنا جوا.. اظن انا كده جاوبتك، تصبح على خير

 

تمنعت مرة ثانية واتكأت على جانبها لتستمع لارتطام ظهره خلفها بالفراش وزفرته الممتعضة وأخذ يُدلك جبينه بإرهاق ولم تمر سوى لحظات حتى وجدته يُعانقها وهو يهمس بأذنها:

-       متزعليش مني..

 

قبلها على طرف كتفها ثم عانق خصرها ليهمس بأذنها قبل أن يُقبلها قبلات ناعمة متتالية على طول عُنقها:

-       احكِ لي، حلمتي بإيه

 

تريثت لبرهة وظلت صامتة فلقد عانت كثيرًا من أجل الوصول إلى هذه اللحظة التي لن يتساءل ولو للحظة عن رغبة تواجدها بالغرفة، بعد كل الأيام الماضية بين لطمات وصفع وتقبيل لقدميه وتقبل لسا ديته المريضة سيكون رجل مجنون لو فقط فكر بأنها تحتال عليه بشيء ما!

 

بدأت تقص ذلك الحلم الخيالي الذي لم يحدث بالطبع وحقًا سيجن جنونه عندما يذهب للعمل ويعلم أن كل ما أوقعه في شِرك محكم مجرد حلم جنـ سي وهمست له:

-       حلمت اننا كنا هنا وصحينا لقيتك قربت مني وابتديت تبوسني وبعدين عملت حركات من حركاتك دي، وفجأة ملامحك اتغيرت وقولتلي استناك قدام باب الأوضة، استنيتك شوية وبعدها دخلنا فعلًا قعدنا كتير جوا، وحصل حاجات غريبة عمرك ما عملتها معايا، وقفتني في المكان اللي في آخر الأوضة اللي عمرنا ما روحناه، وربطني، و..

 

تريثت للحظات بينما فهم نبرة صوتها جيدًا، لقد كانت مليئة بالرغبة الهائلة لمجرد قص تلك التفاصيل فانسلتت يديه للأسفل، رجل مثله لا يقتنع سوى بالأدلة الملموسة، وبمجرد ما التقى ببشرتها الناعمة وجد دليله المنشود فهمس بنبرة شبِقة:

-       لا يا حبيبتي حركات ايه بالظبط، قوليلي بالتفصيل..

 

أجلت حلقها ثم ابتلعت والتفتت له لتتفقده بأعين ماثلت تلك النظرات التي كانت تنظر له بها عندما استيقظ منذ قليل لتخبره وهي تنظر لشفتيه:

-       مش فاكرة كل حاجة، أنت في الاخر ربطني في السرير وكان فيه وجع غريب وشديد أوي عمري ما حسيت بيه بس أنا كنت مبسوطة أوي وكان أول مرة نطول الوقت ده كله سوا!!

 

عقب بصدمة ثم قال بتهكم:

-       نطول!!

 

همهم في تفهم ثم غمغم بسخرية مبتسمًا واعترف بمنتهى المصداقية بمصيره:

-       أنا أصلًا مش بتاع شغل، عارف هصحى بعد ما نخلي الحلم حقيقة الصبح واروح ساعتين وهرجع مخنوق واجي اقعد جانبك..

 

تلمست لحيته وهي تتفقده بعتابٍ ثم حدثته بجدية:

-       احنا اتفقنا اننا هنروح الشغل وخلاص هتخلص منه المرادي، عشان حتى تحل الموضوع ده مع باباك بدل ما يكلمك فيه كل شوية.. مش مهم حلم ولا حاجة، أنا بس صحيت وأنا حاسة إحساس غريب.. تعالى ننام تاني.. وآسفة بجد إني صحيتك

 

ألقت الكرة بملعبه لتجعله يظن أن الاختيار اختياره، لقد فهمته جيدًا وعرفت كم يكترث للأحلام والأساطير والمشاعر، ولكنها لم تغفل عن كل ما قصه لها عن والده وضرورة العمل بالنسبة له التي يحثه عليا منذ بداية زواجه بها، طوال تلك الأيام الماضية تحاول تهيئة عقله أن يتقبل فكرة أنها زوجته التي تدعمه وتعظم من شأنه هي والزواج في المطلق وليس العكس، سواء أيًا كان المجال الذي سيختاره ولكن عليه أن يُنهي هذا الأمر لكي ينتهي من إلحاح والده!

 

كرجل شبق جنـ سيًا تعلم أنه لن يترك تلك الفرصة لتضيع من بين يديه، وخصوصًا فرصة تجمعه بلعنته المفضلة بالداخل، لا تتوقع سوى هذا، وهو في كامل يقظته الآن بعد أن ذهبت اثار نومه بالكامل، تراهن نفسها على أن يقبل حلم تافه كاذب كذلك، وترقبت رده بفارغ الصبر بالرغم من تقبيله برقة شديدة ثم محاولتها أن تتوسد صـ دره وكأنها ستنام!

 

-       انتي عايزة تنامي وانتي كده، مش فارق معاكي يعني؟

 

آتاها تساؤله لتبتسم بداخلها لمذاق الانتصار ثم رفعت عينيها نحوه بعفوية وبراءة شديدة:

-       مانا مش عايزاك تروح شغلك بكرة تعبان ولا اشيل ذنب إنك مش هتروح بسببي.. أصلًا بكرة كده كده معادها فالشغل احسنلك من إنك تسهر معايا والأيام جاية كتير!

 

حدقها عاقدًا حاجبيه ثم تمتم بإدراك:

-       ما هو الحلم ده عشان معادها..

 

نظرت له بتعجب وتساؤل ليتنهد وهو يتفقدها بتفحص ثم اشتق من كلماتها السابقة وهو يحاول أن يدعي الجدية:

-       استنيني قدام باب الأوضة!

 

توسعت عينيها وهي تحدقه بتردد ليسألها ممازحًا:

-       كان شكلي كده في الحلم ولا لأ؟

 

ابتسمت باقتضاب ثم قبلها قبلة طويلة وهو يحاوط نصف وجهها بكف يده وأخبرها بمصداقية:

-       أنا كنت زمان قاسي عليكي عشان كنتي مصممة متسمعيش كلامي.. لكن طول ما شايف منك إنك بتسمعي كلامي وبتعملي اللي بحبه عمري ما هاقسى عليكي..

 

قبل جبهتها ثم نهض وهو يذهب للحصول على بعض الكافيين وأشياء أخرى ستساعده على رغبتها في استمرار علاقتهما هذه المرة لمزيد من الوقت وأخبرها بطريقه:

-       يالا استنيني عشان تحكيلي باقي الحلم بالتفصيل

 

ذهب للخارج وهو لا يصدق أنه سيلجأ لمخدر موضعي لأول مرة في حياته، ولكن هو السبب في كل هذا، فهو من عودها منذ أول علاقة حميمة جمعتهما معًا أن تستجيب بشدة لهذا الشبق الهائل وتصبح سريعة الاستجابة والآن عليه أن يكون رجل ويجني ثمار ما زرعته يداه ويتحمل كامل المسئولية تجاه الأمر..

--

في صباح اليوم التالي..

 

احست به يُقبلها واشتمت لرائحة عطره ولكنها ادعت التوجع وبالكاد فتحت عينيها لتنظر له فتفقدها بابتسامة لينة ونظرات هائمة بملامحها ثم أخبرها:

-       صباح الخير يا قطتي..

-       صباح النور

 

نطقتها بصعوبة وهي تحاول أن تدعي التوجع الشديد وعدم استطاعة الاستيقاظ وامسكت بأسفل بطنها وهي تحاول أن تحترف الأمر ببراعة كي لا يرتاب بأمرها ثم تأوهت وهي تسأله بنبرة مُتعبة غارقة في النوم:

-       هي الساعة بقت كام؟

 

لابد من أن تنجح بآخر خطوة، هي الآن بتلك الغرفة وهو خلال دقائق سيذهب وسيترك لها المنزل بأكمله على الأقل ساعتين ولابد أن تأخذ كل ما ستجده وتفر من هنا للأبد، لم تتبق سوى دقائق قليلة لفعلها.. عليها أن تُكمل للنهاية، يتوجب عليها أن تقنعه بشأن ألمها ليس إلا خصوصًا بعد ليلة أمس التي تشعر بالفعل بأثار ألمها الشديد عليها!!

 

اجابها وهو يساوي من خصلاتها المبعثرة بعد اثار ما فعلاه فجرًا منذ ساعتين:

-       حوالي ستة ونص

 

تفقدته بأعين مُرهقة وهمست بألم ونبرة أوشكت على البُكاء وأغلقت عينيها مرة أخرى وهي تجذب الغطاء فوق جسدها:

-       أنا مش قادرة اتحرك وبطني وجعاني اوي وكمان جسمي كله حاسة فيه بوجع.. أنا شكلي هشتغل من البيت النهاردة، أو يمكن مروحش الشغل..

 

اقترب ليُقبل جبهتها وهمس ببعض التشفي:

-       ماهو محدش قالك تحلمي بالأحلام دي قبل معادها بيوم..

 

فتحت عينيها بمشقة ورمقته بعتاب وظن أنها على وشك البُكاء فسرعان ما احتوى جسدها بين ذراعيه بعد أن تمدد خلفها بسترته الرسمية وأخبرها:

-       خلاص يا بنوتي متزعليش اوي كده..

 

وجدته يدفن وجهه بعنقها وخصلاتها ثم تحدث بخفوت بالقرب من أذنها:

-       هجيبلك موبايلك واخليه جانبك عشان اتطمن عليكي واللابتوب هتلاقيه على مكتبي تحت، ولو مش عايزة تروحي الشغل او تشتغلي عشان تعبانة استني لبكرة هتبقي احسن.. وقبل ما امشي هجيبلك مياه سخنة عشان بتريحك في الأيام دي.. عايزة حاجة تانية قبل ما امشي؟

 

أطلقت تأتأة دالة على الرفض وغمغمت له:

-       شكرًا..

 

استنشق رائحتها للحظات وهمس لها:

-       هتوحشيني لغاية ما اشوفك بليل..

 

همهمت بتوعك وبالكاد نطقت:

-       وانت كمان

 

وجدته لا يتحرك خلفها وتعجبت لماذا ينتظر كل هذا بينما شعرت باضطراب في أنفاسه واتكأ مستندًا برأسه على كتفها لتجده يُحدثها بنبرة مُختلفة تمامًا:

-       أنا عايز اقولك حاجة، انتي سمعاني؟

 

همهمت بالإيجاب وشعرت بالقلق من نبرته فهي لأول مرة تشعر بخوفه وتردده بهذه الطريقة الغريبة التي لم تعهدها ولكنها لا تزال تأن من الألم وهي تضم قدميها لبطنها من شدة التوجع الزائف لتجده يخبرها بتردد:

-       انتِ طلبتي مني وكلمتيني كتير في موضوع اننا نروح لاستشاري زوجي، لو ده هيرضيكي وهيبسطك أنا معنديش مانع.. ممكن بس نستنى نشوف مواضيع الشغل دي الأول ونظبط دنيتنا كده وشهرين ولا حاجة وأنا هروح معاكي لو ده هيرضيكي بس ياريت حد بعيد عن مصر خالص!

 

قبلها على طرف كتفها مجددًا وتيبس جسدها في صدمة هائلة فهي لم تكن تتوقع هذا منه على الاطلاق حتى أنها نست ادعائها الألم والتوجع وفقط حافظت على غلق عينيها بينما وجدته ينهض غادر فورًا بعد أن قال:

-       هنزل اجيبلك موبايلك والمياه وارتاحي كام ساعة وبلاش تصحي قبل عشرة او حداشر!

 

يُتبع..